إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الجمعة - (باب الإنصات للخطبة يوم الجمعة) إلى (باب كيفية الخطبة)

شرح سنن النسائي - كتاب الجمعة - (باب الإنصات للخطبة يوم الجمعة) إلى (باب كيفية الخطبة)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما ينبغي مراعاته يوم الجمعة الإنصات للخطبة، ومن لم ينصت فلا جمعة له؛ لذلك فقد بين الشرع فضل الإنصات وما يحصل له من الأجر والفضل، وبين كيفية خطبة الحاجة، ويدخل في ذلك خطبة الجمعة.

    1.   

    الإنصات للخطبة يوم الجمعة

    شرح حديث: (من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإنصات للخطبة يوم الجمعة.

    أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغا)].

    يقول النسائي رحمه الله: باب الإنصات والإمام يخطب يوم الجمعة. وأورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغا]، وهذا مطابق لما ترجم له المصنف من جهة أن الإنصات مطلوب، بل متعين، وذلك أنه مطلوب من الإنسان أن يقبل على الخطبة، وأن يتأملها، وأن يستفيد من هذه الخطبة؛ لأن شأنها عظيم.

    ومن شروط الجمعة: أن يتقدمها خطبتان، والخطبتان مطلوب من المصلي أن ينصت فيهما، وأن يقبل على الخطبة، وأن يستوعبها، وأن يستفيد من هذه الخطبة.

    وفيه: التحذير من التكلم بأي كلمة والإمام يخطب، فلا يخاطب غيره من الناس، ولا يتحدث مع أحد، بل لو حصل من صاحبه، أو ممن هو حوله شيء من الكلام، أو الحديث لا يتكلم معه ويقول له: أنصت، وإنما عليه أن يمسك عن ذلك، ويكون مقبلاً على خطبته، وهذا بخلاف الخطيب؛ فإنه يجوز أن يكلم الناس، وأن يكلمه الناس، وأن يتكلم هو مع الناس، وقد مر بنا بعض الأحاديث الدالة على هذا؛ مثل قصة الرجل الذي قال: (دخل والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب، فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركع)، فحصل الكلام من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، ومن ذلك الشخص الذي هو أحد الحاضرين، فالكلام مع الإمام، ومن المأمومين مع الخطيب ومن الخطيب لا بأس به، وأما الكلام من الناس بعضهم مع بعض فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وفيه هذا التحذير والترهيب، وأن من حصل منه ذلك فقد لغا.

    وقد جاء في بعض الروايات: (ومن لغا فلا جمعة له)، ومعنى هذا: أنه يفوته أجر الجمعة، وأجر فضيلة الجمعة، وإن كان حصل منه أداء الفرض، ولا يقال: إنه يعيد الصلاة، أو أن صلاته ليست بصحيحة، أو أنه ما أدى الصلاة المكتوبة، بل يقال: أدى الصلاة، ولكن فاته فضيلة الجمعة، وثوابها العظيم، وأجرها الجزيل الذي جاء بيانه في أحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    ثم الحديث فيه شيئان: التحذير من اللغو في يوم الجمعة والإمام يخطب، فإذا كان في غير يوم الجمعة فليس لها قيم خطبة الجمعة، ولا يقال: إن من حصل منه الكلام في غير خطبة الجمعة أنه مثل الجمعة، بل يختلف الأمر.

    وفيه: أن الأمر مقيد بكون الإمام يخطب، فلو كان بين الخطبتين، أو كان قبل أن يبدأ بالخطبة، فإن ذلك لا يُمنع منه، ولا يمنع الكلام، وإنما الكلام في حال خطبة الإمام، والمقصود من ذلك الإنصات، والإقبال على الخطبة، وكون الإنسان يستوعبها، ويستفيد منها؛ لأن شأن خطبة الجمعة عظيم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغا)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا الليث].

    هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، إمام، مشهور، وهو فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عقيل].

    هو عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي المصري، واسمه عُقيل بالتصغير، واسم جده عَقيل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    وعَقيل، وعُقيل مثل هذا يعتبر من المؤتلف، والمختلف، وهو ما تتفق الألفاظ من حيث الكتابة، ولكنها تختلف من حيث النطق؛ لأن عَقيل وعُقيل لفظها واحد من حيث الرسم والكتابة، لكن الفرق بينها بالشكل، الحروف هي الحروف، والفرق بينها بالشكل: عَقيل، وعُقيل، فاسمه مصغر عُقيل، واسم جده عَقيل بفتح العين، وكسر القاف. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن الزهري].

    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مشهور من صغار التابعين، كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، في زمن خلافته بجمع السنة، وقال فيه السيوطي في الألفية:

    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر

    وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد بن المسيب].

    ثقة، فقيه، من ثقات التابعين، ومن فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو محدث، فقيه، وإمام، مشهور، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة؛ وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السابعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

    [عن أبي هريرة].

    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وقد عرف سبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الحديث عنه، وأكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء السبعة اشتهروا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.

    شرح حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ وعن سعيد بن المسيب: أنهما حدثاه: أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب؛ فقد لغوت)].

    هنا أورد النسائي هذا الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: [إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت؛ فقد لغوت]، وهو بمعنى الذي قبله، وفيه تحذير من الكلام حال الخطبة يوم الجمعة، ولو كان الأمر بمثل هذه الكلمة التي هي كلمة (أنصت) فيما إذا كان سمع أحد يتكلم، فإنه لا يلتفت إليه، ولا يقول له: أنصت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن هذا لغو، ففيه تحذير من هذا العمل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث].

    ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وهو مصري.

    [ حدثني أبي ].

    هو شعيب بن الليث، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، يعني الذين خرجوا له هم الذين خرجوا لابنه عبد الملك، فـ عبد الملك وأبوه كل منهما خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.

    [عن جدي].

    هو الليث بن سعد، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام، مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    وهذا الإسناد من رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد؛ ففيها الراوي يروي عن أبيه، وأبوه يروي عن جده، وقد يكون الجد هو جد الراوي نفسه كما هنا، فإن عبد الملك يروي عن شعيب، وشعيب يروي عن الليث، والليث هو جد عبد الملك، وقد يكون الجد هو جد الأب، مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فإن الصحيح فيها أن الجد هو جد شعيب، وهو جد عمرو، ولكنه ليس جده المباشر؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عمرو، فالرواية يعني: رواية الابن عن الأب، والأب عن جده، أي: جد الأب وليس جد الابن، فهذه من رواية الأبناء عن الآباء، وقد تكون الابن يروي عن أبيه، والأب يروي عن أبيه، مثلما هنا، وقد يكون رواية ابن عن أب عن جد، ولكن الجد ليس هو الجد المباشر، وإنما هو جد الأب، مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

    [عن عُقيل].

    قد مر ذكره قريباً.

    [عن الزهري].

    قد مر ذكره.

    [عن عمر بن عبد العزيز].

    هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي الخليفة، يعد من الخلفاء الراشدين، وهو مشهور بفضله، وزهده، وورعه، وأيضاً هو محدث، وفقيه، يأتي ذكره في مسائل الفقه، يقال: قال فيها عمر بن عبد العزيز، ويأتي ذكره في الأسانيد يقال: حدثني عمر بن عبد العزيز كما هنا، وقد ألف بعض العلماء مؤلفاً في مسند عمر بن عبد العزيز، يعني الأحاديث التي يرويها عمر بن عبد العزيز أُلف فيها جزء يقال له: مسند عمر بن عبد العزيز.

    وهذا الرجل الذي اشتهر بالعلم فقهاً، وحديثاً، وتولى الخلافة سنتين ونصف، وكان فيها على سيرة حسنة، وعلى طريقة سليمة، ومشهور بالعدل، والفضل، والنبل، وعُمره لما توفي أربعون سنة، وهو ليس من المعمرين، فعمره قصير، ولكن مع ذلك بلغ ما بلغ من العلم، والفضل، وولي الخلافة، وصار مشهوراً بفضله، وفي عدله، وفي قيامه بالخلافة على وجه مرضي، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ].

    يقال فيه أيضاً: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، يعني: بالقلب، وقال الحافظ ابن حجر: منهم من اعتبرهما اثنين، يعني: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ شخص، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ شخص، وإنما هو شخص واحد، الاسم فيه تقديم وتأخير، فيقال: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، ويقال: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، وهو صدوق، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، كما ورد في تهذيب الكمال، وهو المعتمد.

    [ وسعيد بن المسيب].

    قد مر ذكره قريباً.

    [ أن أبا هريرة].

    قد مر ذكره قريباً.

    1.   

    فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة

    شرح حديث: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر... وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة.

    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن أبي معشر زياد بن كليب عن إبراهيم عن علقمة عن القرثع الضبي -وكان من القراء الأولين- عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة، وينصت حتى يقضي صلاته؛ إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة)].

    أورد النسائي باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة، يعني: والإمام يخطب، وأورد فيه حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ]، يعني: إما أن يتوضأ، ويتم وضوءه، وهذا هو الأمر الذي لا بد منه، أو مع ذلك يغتسل، وهو إما واجب أو مستحب على خلاف بين العلماء في ذلك، والذي ينبغي للإنسان المحافظة عليه، ولكنه إذا تركه -أي: الغسل- لا يأثم، فقوله: [كما أمر]، إما يحتمل أن يكون المراد به الوضوء الذي لا بد منه، أو يراد به الوضوء مع الغسل الذي هو مندوب متأكد، أو واجب على خلاف بين العلماء في ذلك.

    وقوله: [إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة]، يعني: من هذه الجمعة إلى الجمعة التي قبلها، يكفِّر هذا العمل الذي عمله، وقد جاء في حديث آخر: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر)، والمقصود بذلك تكفير الصغائر، وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: (ما اجتنبت الكبائر)، فيكون ذلك كفارة للصغائر، والحسنات تذهب السيئات، والسيئات التي تذهبها الحسنات هي الصغائر، وأما الكبائر فإنها تذهبها التوبة النصوح الصادقة التي تجب ما قبلها، وتقضي على ما قبلها، وكأن الإنسان لم يحصل منه ذنب بعد أن يتوب توبة نصوحاً تجُب ما قبلها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر... وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، إمام، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو مشهور بالفقه كما أنه مشهور في الحديث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، والنسائي يروي عن شيوخ عدة كل منهم يقال له: إسحاق بن إبراهيم، ويمكن معرفة الشخص -كما ذكرت من قبل- بالرجوع إلى طرق الحديث، إذا كان له طرق، فقد يكون يسمى في بعض الطرق، فيكون إهماله في بعض الطرق يتبين المراد من الطرق الأخرى التي صار فيها إيضاحه، وبيان نسبته، أو أنه يُنظر في الشيوخ الذين روى عنهم إسحاق بن إبراهيم، وهنا جرير بن عبد الحميد، وفي ترجمة جرير بن عبد الحميد في تهذيب الكمال: ما روى عنه من يسمى إسحاق بن إبراهيم إلا ابن راهويه، فيكون هذه من الطرق التي يميز بها الشخص عن غيره، ويعرف بها، وذلك بمعرفة الشيخ الذي روى عنه، فينظر من روى عنه الذين يسمون بهذا الاسم إسحاق بن إبراهيم، فتبين من تهذيب الكمال أن الذي روى عنه، هو: ابن راهويه ولم يذكر غيره روى عنه ممن يوافقه بهذا الاسم الذي هو: إسحاق بن إبراهيم.

    [ حدثنا جرير].

    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهناك جرير شخص آخر وهو: جرير بن حازم، وهو فوقه، أقدم منه في الطبقة، وأعلى منه، وذاك الذي هو من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة هو جرير بن عبد الحميد.

    [عن منصور].

    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، من طبقة الأعمش، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي معشر زياد بن كليب].

    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [عن إبراهيم ].

    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي اشتهر عنه في مسائل الفقه التعبير عن الحيوانات التي لا دم فيها قوله: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وقد ذكر ابن القيم في كتاب زاد المعاد أن أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة، وقال: ما لا نفس له سائلة؛ هو إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح أن هذه الجملة حديث، قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)، هذا في كتاب الروح، وأما في كتاب زاد المعاد فقد قال: إن أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة هو إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، وهذا يبين عدم صحة كون هذا حديث كما ذكره في الروح، ولعل هذا مما يوضح أن كتاب الروح كان متقدماً، وكان فيه أشياء مثل هذا، يعني ليست محققة، كما هو موجود في كتبه المتأخرة التي فيها التحقيق، وفيها التقعيد، فتأليفه كتاب الروح لعله متقدم، ولهذا صار فيه مثل هذا الخطأ، وصار فيه أيضاً أمور أخرى، مثل حكاية المنامات، والإكثار من ذكر المنامات، وما إلى ذلك من ما هو غير معهود في كتب ابن القيم، فهذا يشعر بأنه متقدم، وأن كلمة: (ما لا نفس له سائلة)، التعبير عنها جديد، ولم يكن من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

    [عن علقمة].

    هو علقمة بن قيس بن يزيد النخعي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن القرثع الضبي].

    هو القرثع الضبي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن سلمان].

    هو سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وسلمان من فارس، ولكن رفعه الإسلام، ورفع من شأنه الإسلام بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الشاعر:

    لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

    فقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك النسيب أبا لهب

    فـ أبو لهب نسبه شريف، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يوفق للإسلام، ولم يكن من أهل الإسلام، ما نفعه نسبه، بل الشرك وضعه، وأما سلمان الفارسي فقد رفعه الإسلام.

    والرسول عليه الصلاة والسلام قبل ذلك يقول: كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)، يعني: الذي يؤخره عمله عن دخول الجنة، ليس نسبه هو الذي يسرع به إليها، فالعبرة بالأعمال، والعبرة بالتقوى، كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    1.   

    كيفية الخطبة

    شرح حديث ابن مسعود: (علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه ونستغفره ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيفية الخطبة.

    أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ ثلاث آيات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:70]). قال أبو عبد الرحمن: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيفية الخطبة؛ أي: كيف تكون الخطبة في بدايتها، ومطلعها، وأورد فيها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: [علمنا خطبة الحاجة]؛ يعني: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة، والحاجة فسرت بأنها أي حاجة، يعني: يريد الإنسان أن يجعل بين يديها خطبة، فإن هذه هي الخطبة.

    ومنهم من قال: إن المراد بالحاجة النكاح، فتكون خطبة الحاجة هي خطبة النكاح التي تكون بين يدي عقد النكاح.

    والنسائي أورد هذه الترجمة في أبواب الجمعة للإشارة إلى أنها إما أن تكون الحاجة مطلقاً، ويدخل فيها الجمعة، أو يكون الحديث دال على خطبة الحاجة، ولكن خطبة الجمعة تماثلها وتشبهها، ويبدأ بها كما يبدأ بخطبة الحاجة.

    وخطبة الحاجة جاءت في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث؛ وهي: [الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ الثلاث آيات؛ آية من سورة آل عمران وهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ومطلع سورة النساء، والآية في آخر سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:70] ]، يقرأ هذه الثلاث الآيات.

    والحديث من رواية أبي عبيدة عن أبيه، وقد قال النسائي عقب ذلك: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، وعلى هذا فهو منقطع؛ يعني: مرسل، فروايته عن أبيه مرسلة؛ لأنه لم يسمع منه، لكن الحديث جاء من طرق أخرى عن عبد الله بن مسعود، وعن صحابة آخرين، وهو صحيح بمجموع تلك الطرق، والشيخ الألباني ألف فيه رسالة خاصة جمع فيها طرق الحديث، وما قيل في تلك الطرق، وهي بمجموعها يكون الحديث بها صحيحاً، وأما الحديث من هذه الطريق وحدها فهو لا يصح؛ لأنه منقطع، لكنه بمجموع الطرق الأخرى يكون صحيحاً، وتكون خطبة الحاجة ثابتة بالطرق المختلفة عن عبد الله بن مسعود، وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والنسائي قال في آخر الحديث: قال أبو عبد الرحمن. كلمة: (قال أبو عبد الرحمن) هذه يحتمل أن تكون هي من النسائي نفسه، يقول عن نفسه: قال أبو عبد الرحمن، فيذكر نفسه بالكنية، ويحتمل أن يكون غيره هو الذي قال: قال أبو عبد الرحمن، لكن الغالب أنه هو الذي قالها، وهذه الطريقة مشهورة عند المغاربة؛ أنه عندما يريد الإنسان أن يتكلم كلاماً يعلق فيه على شيء، أو ينبه فيه على شيء، أو يأتي بكلام من عنده يميزه عن غيره، يقول: قال أبو فلان، وهذا مشهور عند المغاربة كثيراً، وأيضاً يوجد عند المشارقة، مثل: الترمذي كثيراً ما يقول: قال أبو عيسى عندما يريد أن يتكلم على بعض الأحاديث، وكذلك النسائي يقول: قال أبو عبد الرحمن، لكن الغالب على المشارقة أنهم يقولون: قلت، وفيهم من يقول: قال أبو فلان، كما هو موجود في صنيع الترمذي: قال أبو عيسى، وكما هو موجود في صحيح أبي عبد الرحمن النسائي حيث يقول: قال أبو عبد الرحمن.

    ثم إنه لما ذكر هذه الفائدة؛ وهي: أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، أضاف إليها بالمناسبة فائدتين؛ وهي: أن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه أيضاً، وعبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه وائل بن حجر، وقد مر بنا هذا، وأن الصحيح، والأرجح أنه لم يسمع من أبيه، بخلاف أخيه علقمة فإنه سمع من أبيه، فـالنسائي بمناسبة رواية أبي عبيدة عن أبيه، وذكر الفائدة، أضاف إليها أيضاً فائدتين؛ وهي أن عبد الرحمن أيضاً لم يسمع من أبيه الذي هو أخوه، وأيضاً عبد الجبار بن وائل بن حجر.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (علمنا خطبة الحاجة: الحمد لله، نستعينه ونستغفره...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].

    هو العنزي أبو موسى الملقب الزمن، وهو بصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ ومحمد بن بشار].

    هو الملقب بندار، وهو بصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    وهذان الشيخان محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار شيخان لأصحاب الكتب الستة، وأصحاب الكتب الستة رووا عنهما مباشرة، وبدون واسطة، وكانت وفاتهما سنة اثنتين وخمسين ومائتين قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة محمد بن المثنى: وكان هو وبندار كفرسي رهان. يعني مثل فرسي الرهان، يعني: متساويين؛ لأنهم في وقت واحد، وفي بلد واحد، وهم في الغالب متفقون في الشيوخ وفي التلاميذ، فهما كفرسي رهان؛ يعني: متساويان ما أحد يسبق الثاني لتقاربهما.

    [ حدثنا محمد بن جعفر].

    هو غندر، وقد مر ذكره قريباً، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا شعبة].

    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، لقب بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ سمعت أبا إسحاق].

    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، والسبيعي جزء من همدان، فيُنسب إلى همدن وإلى سبيع، إلى همدان نسبة عامة وإلى سبيع نسبة خاصة؛ لأن سبيع أخص من همدان؛ لأنهم جزء من همدان، وهو مشهور بالسبيعي، وهو كوفي، ثقة، يرسل، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [أبي عبيدة].

    أبو عبيدة هو: ابن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله].

    هو ابن مسعود الهذلي ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن علماء الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وليس من العبادلة الأربعة في الصحابة؛ لأن العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، وعبد الله بن مسعود من المتقدمين ومن السابقين، ووفاته سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الرواية بعد الاختلاط إن وجد ما يعضدها

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما روي بعد الاختلاط إذا كان له ما يعضده فهل يقبل؟

    الجواب: نعم، إذا وجد ما يعضده فإن حديث المختلط يعتضد بغيره؛ لأنه هو الإشكال لكونه ما ضبطه، ما ضبطه لأنه اختلط، لكن إذا كان هناك شيء يعضده ويؤيده فإنه يعتضد.

    الجمع بين عدم قبول الشاذ وقبول زيادة الثقة

    السؤال: كيف نجمع بين القول بعدم قبول الشاذ، والقول بأن الزيادة من الثقة مقبولة؟

    الجواب: الشاذ كما هو معلوم هو المخالفة للثقات في شيء لا يمكن التوفيق بينه وبين غيره، مثل ما جاء في صحيح مسلم في صلاة الكسوف؛ فإن الشمس انكسفت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم، والأحاديث كلها تتحدث عن الكسوف، وصلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم، وأكثر الرواة في الصحيحين رووا أن كل ركعة بركوعين، وبعض الثقات في صحيح مسلم روى كل ركعة بثلاث ركوعات، فالثلاث الركوعات هذه شاذة؛ لأن رواية الذين قالوا ركوعين مقدمة على تلك الرواية الشاذة.

    وكذلك أيضاً ما جاء في صحيح مسلم في بعض الروايات حديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب؛ فإن أكثر الروايات في الصحيحين: (لا يسترقون، ولا يكتوون)، وفي صحيح مسلم في بعض الروايات عن بعض الثقات: (لا يرقون، ولا يكتوون)، فكلمة (يرقون) هذه غير محفوظة شاذة؛ لأن الأحاديث جاءت (يسترقون)، ثم أيضاً فيها نكارة من حيث المتن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رقي ورقى، رقاه جبريل، وهو يرقي غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر كان يرقي غيره، فكيف يكون وصف هؤلاء أنهم لا يرقون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767477568