اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا، وأن تنفعنا بما علمتنا، وأن تزيدنا علماً، اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
أيها الأحبة! لقاؤنا حول توصيات ونصائح وتوجيهات لطلاب العلم أخص بها أولاً نفسي ثم بعد ذلك بقية إخواني وزملائي ممن تشرفوا بسلوك هذا الدرب.
أيها الأحبة! العلم فضله عظيم، وأجره كبير، وهو من أفضل العبادات، وأجل القربات، ويكفي فيه فضلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم هو إمام المعلمين، وإمام المتعلمين، والأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في فضل هذه العبادة كثيرة جداً، وفي بداية هذا اللقاء حسبي أن ألمع إلماعةً يسيرة عن فضل هذه العبادة، فمما جاء في فضلها قول الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
وقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
وأيضاً يقول سبحانه وتعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].
فأمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه المزيد من العلم، وقرن الله عز وجل شهادته وشهادة ملائكته بشهادة ذوي العلم على أعظم مشهود عليه، فقال سبحانه وتعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].
والأحاديث في فضل العلم وعظم منزلته عند الله جل وعلا كثيرة جداً، فمن ذلك: ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، ومن عظم فضله ما ورد في حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع).
وفي حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن العابد ليستغفر له أهل السماء وأهل الأرض حتى النملة في جحرها)، وهذا لا شك أنه فضل عظيم وأجر كبير.
وأيضاً قال بأن العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يحفظ صاحبه من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، وأما المال فإن صاحبه بحاجة إلى أن يحفظه، وإذا لم يحفظه صاحبه فإنه يضيع عليه، وذكر أيضاً أن العلم يتبع صاحبه حتى بعد الممات ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد تبعه ثلاثة: علمه وماله وأهله، فيرجع اثنان: الأهل والمال، ويبقى العلم)، أما المال فإنه يتخلف عن صاحبه، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرجع، بل إن المال يتخلف عن صاحبه في الحياة؛ إذا مرض الإنسان مرض الموت فإنه لا يملك من ماله تبرعاً إلا الثلث فقط، ولو أراد غير الثلث فإنه لا يملكه، لو أراد أن يتصدق أو أن يقف أو أن يهب أو أن يعتق هذا كله لا يملكه، يعني: لا يملك من التبرعات إلا الثلث فقط رحمةً من الله عز وجل، ومحجور عليه في التصرفات التي يتصرف فيها بالمال فيما يتعلق بالتبرعات.
أما ما يتعلق بالتصرفات كالبيع والشراء والمساقاة والمزارعة وغير ذلك مما فيه تنمية للمال فإنه لا يحجر عليه؛ لأن هذا حظ للورثة، أما ما يتعلق بالتبرعات فإنه يحجر عليه وهو لا يزال حياً.
وكذلك أيضاً قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إن العلماء هم ورثة الأنبياء كما سلف في حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه.
وأما أصحاب الأموال فهم ورثة الملوك والوزراء ونحو ذلك، وفرق بين الميراثين: فرق بين من يرث محمداً صلى الله عليه وسلم وإبراهيم ونوحاً وموسى وعيسى أولي العزم من الرسل، وبين من يرث الملوك والسلاطين والوزراء إلى آخرهم، فرق بين الميراثين.
أيضاً ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى من الفروق بين طالب العلم وطالب المال، قال بأن طالب العلم كلما بذل من علمه فإن علمه يزداد بخلاف طالب المال، فإنه إذا بذل منه فإنه ينقص، إلى آخر ما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى، فهذه الأوجه التي ذكرها رحمه الله تعالى تدل على فضل طلب العلم.
وقال ابن المبارك رحمه الله تعالى: لا أعلم مرتبةً بعد مرتبة النبوة أفضل من مرتبة تعلم العلم وتعليمه، وأيضاً الشافعي رحمه الله تعالى يقول: فضل نافلة العلم أفضل من نافلة الصلاة.
والإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، قيل: وكيف تصح النية؟ قال: أن ينوي بتعلمه أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
فهذه طرف من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله، ومن آثار السلف رحمهم الله تعالى في فضل العلم وتعلمه.
من سلك هذا الدرب ومشى على هذا الطريق فإنه يحتاج إلى شيء من التوجيهات والتوصيات لكي لا يتعثر في طريقه، ولكي يستمر ويصل إلى مقصوده، وقد ألف العلماء رحمهم الله تعالى مؤلفات خاصة فيما يتعلق بآداب الطلب، وعنوا بذكر التوجيهات لطلاب العلم، فمثلاً: النووي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه المجموع ذكر طرفاً من آداب طالب العلم، والمنهج في طلب العلم... إلى آخره، وأيضاً الخطيب البغدادي رحمه الله له مؤلف مستقل فيما يتعلق بالعلم وتعليمه ونحو ذلك، وكذلك أيضاً ابن جماعة الشافعي رحمه الله تعالى له كتاب مستقل في هذا، وغير ذلك كتب كثيرة، والعلماء رحمهم الله تعالى أيضاً في ثنايا كتبهم، وفي شروحاتهم يذكرون ما يتعلق بآداب الطلب، وما يحتاجه طالب العلم من التوجيهات... إلى آخره.
وقال سبحانه وتعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2].
قال فضيل بن عياض رحمه الله تعالى: أخلصه وأصوبه، وقال سبحانه وتعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3].
والبخاري رحمه الله تعالى افتتح كتابه الصحيح بحديث عمر رضي الله تعالى عنه، وفيه إشارة إلى الإخلاص: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى)، يعني: الأعمال، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، يعني: أن النية شرط لصحة العمل، والنية يكون بها صحة العمل، وكما يكون بها فساد العمل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنما لامرئ ما نوى)، وفي بعض الألفاظ: (وإنما لكل امرئ ما نوى)، هل هذه اللفظة مرادفة للفظة التي قبلها أو أنها ليست من قبيل المترادف بل من قبيل المتباين؟
ابن رجب رحمه الله تعالى ذكر بأنها ليست من قبيل المترادف، بل هي من قبيل المتباين، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنما لامرئ ما نوى)، يعني: أن المرء ليس له من الثواب إلا على قدر نيته، فكلما عظم الإخلاص عند الشخص كلما كان أجره عند الله عز جل أكبر؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم رحمه الله تعالى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من سرية تغزو فيغنمون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم)، هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم، وقد أجاب عنه العلماء رحمهم الله فقالوا: (تعجلوا ثلثي أجرهم)، يعني: حصل عندهم شيء من التفات القلب إلى عرض الدنيا، فنقول: كلما عظم الإخلاص عند الشخص كلما كان ثوابه عند الله عز وجل أكبر، فإذا عظم إخلاصه في طلب العلم كان ثوابه عند الله عز وجل أكبر، وإنما (لامرئ ما نوى)، يعني: أن الإنسان لا يتحصل من ثواب هذا العمل الصالح إلا على قدر نيته، وكما سلف قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: العلم لا يعدله شيء، قيل له: كيف ذلك؟ قال: لمن صحت نيته. قيل: وكيف تصح النية؟ قال: أن ينوي بتعلمه أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
وقال وكيع رحمه الله تعالى: من طلب الحديث لغير الله مكر به.
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن أول ثلاثة يقضى بينهم يوم القيامة: رجل قرأ القرآن، وعلمه، وأقرأه للناس، فيؤتى به يوم القيامة، فيعرف بنعم الله عز وجل، ويسأل عن هذه النعم، فيقول: قرأت فيك القرآن وأقرأته، فيقال: إنما قرأت لكي يقال: هو قارئ وقد قيل، فيؤمر به فيسحب على وجهه في النار).
فتقوى الله عز وجل سبب لحصول النور، وأعظم النور أيها الأحبة هو نور العلم، وابن مسعود رحمه الله تعالى قال: إني لأحسب أن الرجل ينسى العلم بالمعصية تصيبه.
و الشافعي رحمه الله تعالى لما قدم على الإمام مالك رحمه الله تعالى، قال له الإمام مالك: إني أرى أن الله سبحانه وتعالى قد ألقى عليك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
ومما ينسب للشافعي رحمه الله أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
فطالب العلم أحرى الناس وأولى أن يكون ممن يتحلى بتقوى الله عز وجل، وأن يكون أواباً تائباً رجاعاً إلى الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
البخاري رحمه الله تعالى يحفظ آلاف الأحاديث، ويحفظ آلاف الرجال، وما قيل فيهم من الجرح والتعديل، بل يحفظ الأحاديث بأسانيدها، وسبب هذا الحفظ الذي وجد عند البخاري رحمه الله تعالى هو ما حصل في قلبه من قوة الإرادة، ومضي العزيمة، وشدة الرغبة في هذا الشيء.
يقال في ترجمة البخاري رحمه الله: أنه ذكر له بعض النساء من قريباته لكي يقوم بصلتهن فلانة وفلانة وفلانة، فمضى عليه بعض الوقت فإذا هو ينسى تلك القريبات من هن التي يريد أن يصلهن، مع أنه كان رحمه الله يحفظ آلاف الأحاديث وآلاف الرجال وما قيل فيهم من جرح وتعديل، لكن نسي ما يتعلق بهؤلاء القريبات، لماذا حفظ أولئك الرجال ونسي هؤلاء النسوة؟ السبب في ذلك: أنه حفظ أولئك الرجال وما قيل فيهم من جرح وتعديل؛ لأنه رحمه الله كان عنده إرادة قوية، ورغبة شديدة في تعلم هؤلاء الرجال وما قيل فيهم من جرح وتعديل.
وكذلك أيضاً يقال في ترجمة مسلم رحمه الله، فقد سئل عن حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرفه، فاهتم لذلك، يعني: لحقه هم شديد، فدخل المنزل وأغلق عليه وقال لأهله: لا يأتني أحد اليوم، وكان قد أوتي تمراً، فوضع سلة التمر عنده وجعل يأكل وهو يبحث بنهم وشدة، حتى أتى على هذه السلة فكان ذلك سبباً من أسباب موته رحمه الله تعالى.
وهذا شيء مجرب، والواقع يشهد لذلك، فإذا كان الإنسان عنده رغبة في الشيء وإقبال ومحبة.. إلى آخره تجد أنه يجمع قلبه على هذا الشيء، وينصرف عن كل الشواغل التي تشغله عن هذا الشيء، فنقول: لا بد أن نربي أنفسنا على محبة العلم والرغبة فيه، وتعليق القلب به، وطريق ذلك أن نتذكر دائماً وأبداً فضل العلم، وما فيه من أجر عظيم وفضل كبير، وأننا نقوم بذلك مقام أولي العزم عليهم الصلاة والسلام، وأن المسلم في طلبه للعلم وتعلمه للعلم وتعليمه، هو بذلك يحفظ عمره ويقضي لحظات عمره فيما يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة.
وقال سليمان بن موسى رحمه الله تعالى: لا يؤخذ العلم عن صحفي، والصحفي نسبة إلى الصحف، يعني: الذي أخذ علمه عن طريق الصحف، ولم يأخذ علمه عن طريق العلماء والمشايخ.
و ابن القطان رحمه الله تعالى قال في هشام بن عروة إنه من المخلطين، وهشام بن عروة إمام من الأئمة في الحفظ، ورواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال بأنه من المخلطين. تعقبه الذهبي فقال بأن ابن القطان أخذ الصحف.
والأصل أن طالب العلم يأخذ مشافهة ومباشرة عن العلماء، ويجلس في حلق الذكر والعلم معهم، وذلك لما فيه من الفوائد الجمة، ومن هذه الفوائد:
الفائدة الأولى: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان من السلف الصالح، فمن عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والعلماء رحمهم الله تعالى يجلسون في المساجد، ويعلمون الناس، بل إن طلاب العلم كانوا يرحلون إليهم.
الفائدة الثانية: تجنب الخطأ، فالذي يأخذ من الكتب ويقتصر على ذلك ربما فهم الكلام على غير وجهه، وهذا يقع، ربما فهم الكلام على غير وجهه، لكن من يأخذه من العلماء والمشايخ فهذا قل أن يقع في خطأ.
الفائدة الثالثة: القدرة على المباحثة والمناظرة، طالب العلم الذي درس عند العلماء تجد أن عنده قدرةً على المباحثة والمناظرة، ومناقشة دليل المخالف إلى آخره؛ ولهذا ابن مالك رحمه الله تعالى صاحب الألفية يقال بأنه لم يتتلمذ على العلماء؛ ولهذا ذكروا في ترجمته أنه لم يكن عنده قدرة على المباحثة والمناظرة.. إلى آخره.
الفائدة الرابعة: اختصار الوقت؛ لأن هذا العالم وهذا الشيخ يكون قد ألم بالمسألة، وعرف كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى فيها، وعرف الأقوال فيها، وعرف الأدلة، وعرف الراجح والمرجوح.. إلى آخره، فهو يختصر لك الوقت، فأنت تأخذ منه زبدة هذه المسألة وما قيل فيها.. إلى آخره.
الفائدة الخامسة أيضاً من فوائد التتلمذ على أهل العلم: تعلم السمت من هؤلاء العلماء، وأخذ أخلاق العلماء، وما يحصل في ذلك من توجيهات ونصائح وإرشادات.
الفائدة السادسة والأخيرة: تربية النفس على الصبر في أخذ العلم يعني كونه يربي نفسه كونه يأتي ويحضر ويجلس، هو يربي نفسه على المصابرة والمجاهدة في طلب العلم.
قال العلماء: الرباني هو الذي يجمع بين العلم والعمل، وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، قال العلماء: الفقه في الدين ليس مجرد حفظه فقط، وإنما حفظه والعمل به.
وفي صحيح مسلم من حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى لله في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني له بهن بيت في الجنة).
قالت أم حبيبة الراوية عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركتهن منذ سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عنبسة الراوي عن أم حبيبة: ما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.
قال عمرو بن عوف الراوي عن عنبسة: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة.
قال النعمان بن سالم الراوي عن عمرو بن عوف: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن عوف.
وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العمل بالعلم، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم لكي يعملوا.
وفي حديث المغيرة وعائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه)، أي: تتشقق قدم النبي صلى الله عليه وسلم من طول القيام، وكل ذلك عملاً بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا [المزمل:1-3].
والآثار في هذا كثيرة جداً، والأصبهاني رحمه الله تعالى ألف كتاباً اسمه: ثواب الأعمال، يقول: ما أودعت في هذا الكتاب حديثاً إلا استعملته، أي: إلا عملت به.
والإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول: ما كتبت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملت به.
فهذا يدلك على حرص علماء السلف رحمهم الله تعالى على العمل بالعلم، وهكذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
فينبغي لطالب العلم أن يعرف بليله إذا الناس ينامون، وأن يعرف بنهاره إذا الناس يفطرون، وأن يعرف ببكائه إذا الناس يضحكون.. إلى آخره.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاماً أفضل من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).
فلا بد للإنسان من وقت يعمل فيه لكي يحصل لقمته ولقمة من يمونه، والمراد من أن يفرغ نفسه لطلب العلم ألا يجعل كثيراً من وقته في أمور الدنيا، وأن يشغل نفسه بأمر الدنيا، بل يجعل له وقتاً مثلاً في أول النهار، يطلب فيه لقمة العيش، وفي آخر النهار يتفرغ لطلب العلم.
يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: يقولون: أكثر أبو هريرة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160] وإن إخواننا المهاجرين شغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا الأنصار شغلهم العمل بأموالهم، وإن أبا هريرة لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، فعلم ما لا يعلمون، وحفظ ما لا يحفظون.
فـأبو هريرة رضي الله تعالى عنه لما لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ نفسه لطلب العلم كان من أحفظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأقول: إنه ينبغي لطالب العلم أن يفرغ وقته لطلب العلم، وكما أسلفنا ليس المعنى أن يكون عالةً على غيره، بل يجعل وقتاً يطلب فيه أمر دنياه، ووقتاً آخر يستعين به على طلبه للعلم.
أيضاً من الأمثلة على ذلك: النسخ، فالنسخ في لسان السلف بمعنى: تقييد المطلق، وتخصيص العام.. إلى آخره، لكن النسخ في لسان المتأخرين لا يعني هذا المعنى، بل يعني: رفع الحكم الثابت بدليل شرعي متراخٍ عنه، فعند السلف رحمهم الله النسخ يشمل تقييد المطلق، وتخصيص العام.. إلى آخره، لكن عند المتأخرين يختلف.
وهناك كتب ألفت وأضرب مثلاً من الأمثلة على ذلك، فمثلاً: عند الحنابلة رحمهم الله، هناك جملة من الكتب التي عنيت بدراسة مصطلحات الحنابلة وألفاظهم، وكذلك أيضاً كتبهم.. إلى آخره، فمثلاً هناك كتاب اللآلئ في الكتب الحنبلية، وكذلك أيضاً مفاتيح الفقه الحنبلي، وكذلك أيضاً كتاب المدخل لابن بدران، وكتاب المدخل المفصل أيضاً للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى، فأقول: ينبغي لطالب العلم أن يعنى باصطلاحات العلماء وألفاظهم، وأن يتعرف على هذه المصطلحات وهذه المفاتيح لهذه الفنون.
وكتاب التوحيد للشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله يعتبر زبدةً وباباً في توحيد الألوهية وما يجب لله سبحانه وتعالى من العبادات، وما يحرم عليه من الشرك.. إلى آخره.
ومثل ذلك أيضاً متن العقيدة الطحاوية والعقيدة السفارينية.. إلى آخره، فينبغي لطالب العلم أن يعنى بذلك.
كذلك أيضاً في الفقه، كل مذهب من مذاهب الأئمة الأربعة رحمهم الله لهم متون تعنى بمذاهبهم، وما اصطلح عليه المتأخرون منهم أنه المذهب، ينبغي لطالب العلم أن يحفظ شيئاً من هذه المتون، فمثلاً: عند الحنفية كتاب الهداية، وعند المالكية مختصر خليل، وكذلك أيضاً الرسالة، وعند الشافعية المنهاج، وعند الحنابلة رحمهم الله زاد المستقنع، وعمدة الطالب.. وغير ذلك.
وهذه المتون تعتبر من قبيل الوسائل، وليست من قبيل المقاصد، فالمقصد إنما هو معرفة مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الكتب تعتبر وسائل يتوسل بها إلى معرفة مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ضير من كونك تحفظ هذا المتن أو هذا المتن، فلا مشاحة في ذلك، لكن تختلف هذه المتون من حيث الضبط والتحرير وكثرة المسائل... إلى آخره، لكن من جهة التطبيق والعمل فالمسلم يعمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أقول: لا بد أن نعنى بالحفظ، وأن يكون طالب العلم له محفوظات، والعلماء -ولله الحمد- عنوا أو عمدوا إلى هذه الفنون واختصروها وحرروها وضبطوها بهذه المتون، فأنت إذا حفظت العقيدة الواسطية تكون قد حفظت جملة معتقد أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته.. إلى آخر ما ذكرنا، وكذلك أيضاً إذا حفظت زاد المستقنع تكون قد حفظت ما يقرب من ستة آلاف مسألة في الفقه.
أيضاً: إذا حفظت كتاب التوحيد تكون قد حفظت ما يتعلق بما يجب لله عز وجل من توحيد الألوهية.. إلى آخره.
أيضاً: إذا حفظت نخبة الفكر في مصطلح الحديث تكون قد حفظت زبدة مصطلح الحديث في هذا المتن، ومثل ذلك أيضاً الورقات للجويني في أصول الفقه.. إلى آخره، فنقول: لا بد لطالب العلم أن يكون له محفوظات، وأبو زيد بن أخطب كما في صحيح مسلم يقول: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى بنا العصر، فخطبنا حتى غربت الشمس)، قال أبو زيد: فأعلمنا أحفظنا.
وكان أبو زرعة يحلف أن الإمام أحمد رحمه الله يحفظ ألف ألف حديث، ويقول عكرمة رحمه الله تعالى: كان ابن عباس يقيدني -يعني: يربطني بالقيد- على حفظ القرآن والفرائض.
إذا قرأت في كتب الرجال والسير والطبقات تجد الشيء العجاب من حفظ العلماء رحمهم الله تعالى؛ تجد أنهم يذكرون في ترجمته: أنه حفظ القرآن الكريم، وحفظ كذا وكذا من المتون، فلا بد لطالب العلم أن يكون له محفوظات، وأولى المحفوظات بالحفظ هو كتاب الله عز وجل، ففي حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه الثابت في صحيح مسلم، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن وعلموا من السنة)، فبدأ بالقرآن قبل السنة، فيؤخذ من هذا أن الإنسان يبدأ بالقرآن قبل كل شيء.
و الميموني رحمه الله تعالى يقول: سألت الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أبدأ بتعليم ابني بالقرآن أو بالحديث؟ فقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: بالقرآن.
وفي ترجمة ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى -صاحب جامع البيان- أنه حفظ القرآن وهو ابن ست سنوات.
فينبغي لطالب العلم أن يعنى بالمحفوظات، وكما ذكرنا أن أولى المحفوظات بالحفظ هو كتاب الله عز وجل، ثم بعد ذلك يعنى بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك ما ذكرنا مما يتعلق ببقية متون أهل العلم.
طالب العلم لا بد أن يتدرج في طلب العلم، ومن رام العلم جملةً ذهب عنه جملة، لا بد لك أن تتدرج في طلب العلم، وأن يكون لك أصول تسير عليها، وهذه الأصول أيها الأحبة هي ما بيناه، فنحن ذكرنا أن العلماء رحمهم الله تعالى اختصروا هذه العلوم والفنون وجعلوها في قواعد وأصول، وهي هذه المختصرات، فعلينا أن نسير على هذه المختصرات، وأن نربي أنفسنا عليها، والذي يسير على هذه المختصرات يصل، والذي لا يسير على هذه المختصرات لا يصل، كما ذكرت في العقيدة مجموعة من المختصرات، وفي الفقه، وفي الحديث، وفي مصطلح الحديث، وفي أصول الفقه، وفي مصطلح التفسير، وفي اللغة .. إلى آخره، في اللغة، كثير من المتون والمصطلحات، فعليك أن تسير على هذه المتون.
وأخذ العلم على هذا الطريق؛ طريق التدرج والمشي على هذه الأصول فيه فوائد:
الفائدة الأولى: الاقتداء بمن سلف، والخير كله فيمن سلف، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، وأنت إذا قرأت في كتب العلماء رحمهم الله تعالى تجد أنهم يربون تلامذتهم على هذه المختصرات، ويحفظونهم إياها، ويشرحونها لهم.
الفائدة الثانية: أنه يحفظ طالب العلم من الضياع، فتجد أن الذي عنده كتاب يسير عليه يحفظه من الضياع، ينتقل بين كتب هذا الكتاب وأبوابه مرحلةً مرحلة كالمسافر حتى يصل إلى مبتغاه.
أما من ليس له أصول يرجع إليها، ولا قواعد يسير عليها، فهذا سرعان ما ينقطع، تجد -الآن- بعض من لم تكن معه هذه الأصول تارةً يقرأ في هذا الكتاب، وتارةً يقرأ في هذا الكتاب.. إلى آخره، فسرعان ما ينقطع ويضيع، فهذه الأصول وهذه القواعد وتحفظك من الضياع، تحفظك من التشتت.
الفائدة الثالثة: إذا كان لك أصل وقاعدة ومختصر تسير عليه، فهذا أسهل في مذاكرة العلم، فعندك الآن كتابك تعلق عليه، وتحشي عليه وتجمع ما تحصلت عليه من علم، وهذا أسهل في مذاكرته حيث ترجع إليه دائماً وتذاكره.
الفائدة الرابعة: هذا أسهل في تعليم العلم، فعندما تريد أن تعلم علماً فإن هذا أسهل؛ لأنه بإمكانك أن ترجع إلى الأصل الذي كان عندك وتسير عليه.
فنقول أيها الأحبة! هذه فوائد الاعتماد على مثل هذه الأصول والقواعد، فيجب على طالب العلم أن يلزم التروي والتأني في طلب العلم، بمعنى: أن يأخذ العلم شيئاً فشيئاً، وأما أخذ العلم جملةً فإنه يذهب عنه جملة، والله عز وجل يقول: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، فالقرآن وهو الهدى والنور فرقه الله عز وجل ونزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم منجماً لكي يقرأه على الناس على فترات، وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يأخذ العلم شيئاً فشيئاً، وأما كونه يأخذه أو يريده جملةً واحدةً فإن هذا سرعان ما يذهب عنه.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها).
وأئمة السلف رحمهم الله تعالى كالإمام أحمد ويحيى بن معين وأبي زرعة وغير ذلك كانوا يعقدون مجلسين: المجلس الأول: مجلس الإملاء؛ يملون فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلامذتهم، والمجلس الثاني: مجلس المذاكرة، كانوا يتذاكرون فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مجالس الصحابة رضي الله عنهم كما قال أبو سعيد: كانت مجالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقه.
كانوا يتذاكرون فيها الفقه. فينبغي على طالب العلم أن يحرص على مذاكرة العلم، وأن يكون له زملاء يعينونه على ذلك، يعني مع شيخه كلما أخذ جملةً من الأبواب، بعد ذلك يتذاكر هو وزميله ما يتعلق بهذه الأبواب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لأبي شاه).
وقال الشعبي: اكتب ولو على الحائط.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما سجن يكتب العلم على الحائط، كلما بدا له شيء كان يقوم بكتابته.
و الشافعي رحمه الله تعالى كان يفتح السراج في الليلة الواحدة عدة مرات يقوم بكتابة ما يستحضره ويستنبطه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، إذا كانت المسألة تحتملها الأدلة، فكل يبين ما عنده، ويدعو الله عز وجل بالتوفيق والسداد، أما كونك تحمل بنفسك على أخيك فهذا ليس بصواب.
ومتى يكون الإنكار؟
يكون الإنكار إذا كان هناك خلاف لإجماع، يعني: إذا خالف الإجماع، أو خالف النص الصحيح الصريح فهنا يكون الإنكار، أما ما عدا ذلك إذا كانت المسألة محتملة فإن الأمر في ذلك واسع، لكن لا يمنع أن الإنسان يبين ما عنده من العلم.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً).
فينبغي لطالب العلم أن يكثر من سؤال الله عز وجل أن يثبته على العلم، وأن يقيه الصوارف والعوائق والمثبطات، وأن يبارك في علمه، وأن يزيده منه.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا السداد والتوفيق. وأخيراً أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة المشايخ الذين نظموا مثل هذه الدورة المباركة، وأحث الإخوة طلبة العلم على المسارعة والانضمام تحت لوائها ومظلتها، وأن يستفيدوا من علوم إخوانهم، وأن يشدوا من أزرهم، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: مثل هذا السؤال ورد على فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، وهل مثل هذه الشهادات التي يسلك طلاب العلم طرقها لكي ينالوها، هل تقدح في الإخلاص أو لا تقدح في الإخلاص؟ فأجاب رحمه الله تعالى بأن مثل هذه الشهادات لا تقدح في الإخلاص؛ لأن الإنسان اليوم لا يمكن أن يفيد غيره، ولا أن ينشر علمه إلا عن طريق مثل هذه الإجازات، فكون الإنسان يأخذ مثل هذه الشهادة، ويقصد بنيله لهذه الشهادة أن يستعين بها على نشر العلم، وعلى الدعوة إلى الله عز وجل، وعلى إرشاد الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، هذا لا يقدح في الإخلاص. والشيخ رحمه الله تكلم عن هذا في كتابه القول المفيد في شرح كتاب التوحيد، فممكن أن يرجع إلى كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
والعلماء رحمهم الله نصوا في كتاب الوقف بأن ما يأخذه المدرسون والأئمة والقضاة من رزق من بيت المال لا يقدح في الإخلاص، وأجرهم كامل عند الله عز وجل، المهم أن مثل هذه الإجازات اليوم أصبحت في طريق الناس، لا يمكن للإنسان أن ينشر ما عنده من علم تعلمه إلا عن طريق هذه الإجازة، وهذا هو الواقع الآن، يعني الآن في النظام إذا أراد أن يلقي درساً أو أن يلقي محاضرةً يشترط أن يكون قد تخرج من كلية الشريعة.. إلى آخره، فمثل هذه الإجازات الآن أصبحت وسيلة من وسائل تعليم العلم، ونشر الدعوة، فهذه كما قلنا: إذا علق الإنسان قلبه بالله عز وجل ولا يقصد بذلك إلا وجه الله والوصول إلى دار كرامته، فهذا لا يضره.
كذلك يفيد أيضاً أن الإنسان إذا عمل الطاعة وقصد الطاعة ثم جاءت الدنيا تابعة فهذا لا يضر، والله عز وجل رتب حظوظ الدنيا على التقوى وعلى العبادات فقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة).
الجواب: إي نعم، أنا أول ما تكلمت عن الوصية في الإخلاص أوردت حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي يعتبر قاعدة من قواعد الإسلام، والإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول: أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وحديث النعمان بن بشير: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات)، وحديث عائشة (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
ومن العلماء من جعل هذا الحديث الكبير ربع الإسلام، وقال الشافعي رحمه الله في حديث: (إنما الأعمال بالنيات): يدخل فيه سبعون باباً من أبواب الفقه، والسيوطي رحمه الله تعالى كتب رسالة في شرح هذا الحديث منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال، ومما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (وإنما لامرئ ما نوى)، وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن مثل هذه العلوم التجريبية وعلوم الدنيا والعلوم التطبيقية، ذكروا أن الإنسان إذا قصد بتعلمها إفادة المسلمين وعلاجهم وإغناءهم عن غيرهم، فإن مثل هذه العلوم تكون من قبيل العبادات التي يؤجرون عليها، وتكلم الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله بكلام جميل على هذه المسألة، أحيل الأخ السائل عليها في كتابه: الأصول والقواعد الجامعة، تكلم على هذه المسألة، وبين أيضاً أن مثل هذه العلوم من قبيل فروض الكفايات، يعني: أنها فرض، وإذا كانت فرضاً فلا شك أن الإنسان يؤجر عليها.
المهم إذا قصد الإنسان بذلك نفع المسلمين وإغناءهم عن غيرهم، وسد حاجتهم وكفايتهم، فإنه يؤجر على ذلك، لكن مع ذلك أوصي الطبيب والمهندس والمحاسب وغير ذلك أن يكون لهم وقت يقرءون فيه في السنة، فيجمعون بين الخيرين، يعني بين هذين العلمين، يقرءون في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يتفقهون، ويطلبون العلم، ويتعلمون شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يعينهم في حياتهم الدنيوية والأخروية.
وأما هل هو مثاب كثواب طالب العلم الشرعي؟
فالجواب: نعم، وقول الله عز وجل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28]، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً)، هو كما قال العلماء رحمهم الله: خاص بعلم الشرع؛ لكن كما ذكرت أن مثل هذه العلوم إذا قصد بها وجه الله، ونفع المسلمين وإغناؤهم عن غيرهم، فإنها بهذا تكون عبادات يؤجرون عليها.
الجواب: هذا في الحقيقة يختلف باختلاف الشخص، واختلاف المفاهيم والقدرات والإدراكات، فبعض الناس يكون عنده قدرة على أن يأخذ من فلان وفلان، وبعض الناس قد يلحقه شيء من التشتت والضياع، لكن كون الإنسان يدرج نفسه هذا هو الأولى، فكون الإنسان يبدأ بالقرآن ثم بعد ذلك بعلوم العقيدة، ثم الحديث، ثم الفقه، هذا أولى، وإذا جمع بين هذه العلوم أيضاً فلا مشاحة، فإن العلماء كانوا في الزمن السابق يجلسون لتلامذتهم في سائر الفنون، لكن كونه يتنقل بين العلماء والمشايخ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص، واختلاف الفهوم والإدراكات، والذي أنصح به طالب العلم في أول بدايته للطلب ألا ينتقل، وأن يلزم بعض أهل العلم ويأخذ منه، فإذا تمكن شيئاً فإنه لا بأس أن يتنقل.
وقد كان الأئمة رحمهم الله يسافرون ويرحلون في طلب العلم، والطبراني رحمه الله تعالى أخذ العلم عن ألف شيخ، أخذه عن ألف شيخ، وهناك كتاب بمشايخ الطبراني رحمه الله تعالى، وهكذا العلماء رحمهم الله، تقرأ في تراجم العلماء رحمهم الله أنهم يرحلون في طلب العلم، فهذا أبو حاتم رحمه الله تعالى لبث سبع سنوات يمشي على قدميه في طلب العلم، يقول: مشيت من البحرين إلى مصر، ومن مصر إلى الرملة، ومن الرملة إلى القدس، ومشى من الكوفة إلى بغداد عدة مرات، ومشى بين مكة والمدينة على رجليه عدة مرات، يقول: جلس سبع سنوات وهو يمشي على قدميه، ويتنقل بين المشايخ يأخذ منهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أسلموا وهم كبار، وأخذوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهم كبار، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يوح إليه إلا وله أربعون سنة، والقفال من علماء الشافعية، يقال: بأنه طلب العلم وله سبعون سنة، ومع ذلك يقال الآن: قال القفال، وذهب القفال ، كان يبيع الأقفال عند باب المسجد، وكان يرى أهل العلم يذهبون ويغدون ويجلسون في المساجد، ويأخذون العلم، فشده ذلك إلى ملازمتهم، والأخذ مما يأخذون، فلزم أهل العلم، فمتعه الله عز وجل حتى وصل إلى ما وصل إليه.
وهناك كثير من أهل العلم رحمهم الله أخذوا العلم وهم في الكبر، ومع ذلك هذا لا يضير وكما أسلفت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه إلا وهو ابن أربعين سنة، وكثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أسلم وقد بلغ سناً كبيراً، ومع ذلك أخذ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلها، وعلمها، ودعا إليها.
وأما بالنسبة لما يتعلق بالحفظ، فالشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى قال: بأن الإنسان إذا لم يتمكن من الحفظ فإنه يكرر قراءة المتن، حتى يستظهره، يعني: إذا تعذر عليه أن يحفظ فإنه يكرر قراءته شيئاً فشيئاً حتى يبلغ شيئاً من استظهاره.
الجواب: هذا شيء ملاحظ يوجد كثير من الحلق والدروس العلمية، ومع ذلك تجد الزهد في هذا الخير والرغبة عنه، والأسباب كثيرة؛ فمن الأسباب: الجهل بفضل العلم، وعظم منزلته عند الله عز وجل، فكثير من الناس لا يستحضر شيئاً من الفضائل التي ذكرناها في أول هذا اللقاء.
وكذلك أيضاً من الأسباب: ضعف الإيمان، فلو كان عند هؤلاء الإخوة الذين ينتسبون إلى الشريعة قوة إيمان لدفعهم ذلك إلى طلب العلم؛ لأن هؤلاء سيتسلمون غداً مناصب القضاء، وكتاب العدل، والحكم بين الناس، وتعليم الناس وإرشادهم.. إلى آخره، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ومن الأسباب: كثرة الصوارف والشواغل اليوم عند الناس، يعني إغراق الناس في أمور الحياة الدنيا وفي الملهيات.
ومن الأسباب: أن بعض الناس ربما يقتصر على الكتب، أو يقتصر على الأشرطة ونحو ذلك، لكن كما ذكرنا من آداب طلب العلم: أن طالب العلم يأخذ العلم بالمشافهة، وذكرنا ما يترتب على ذلك، وما هي الفوائد المترتبة على أخذ العلم بالمشافهة.
وأما العلاج: فهو تبيين فضل العلم وعظيم أجره، وأيضاً تبيين الفوائد العظيمة المترتبة على أخذ العلم عن العلماء والمشايخ في المساجد.. ونحو ذلك.
الجواب: لا شك أن هذا من الأسباب، وهذا الصوت الذي جاءنا هو من طرق العلاج التي يعالج فيها عزوف كثير من الناس عن حلق العلم، فلو أن الأستاذ في مدرسته ربى تلامذته على ذلك، وبين لهم فضل العلم وعظيم أجره، وحثهم على الالتحاق بحلق الذكر، لكان من الهداة ومن الدعاة إلى الله عز وجل، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
كذلك أيضاً بالنسبة للآباء والأمهات والزملاء عليهم أن يحثوا الشباب على طلب العلم وحضور مجالس العلماء لكي يكونوا أداة خير وبركة وفائدة ونفع لمجتمعاتهم وأممهم، والناظر يجد كثيراً من الناس اليوم -من خلال تلقي أسئلة الناس- يعيشون في الجهل العظيم، حتى في مسائل العلم التي يجب علمها على الشخص لكي تصح عبادته، لكي تصح معاملته.. إلى آخره، هذا كله سببه عدم الالتحاق بحلق العلم.
ومن وجه آخر نجد -والحمد لله- من المبشرات من خلال الحلق التي نحضرها ونقوم بها للطلبة، نجد أن كثيراً من الذين لهم تخصصات غير شرعية يحضرون العلم، ويستفيدون ويدرسون ويتعلمون؛ كثير من الأطباء والمهندسين والمحاسبين وغير ذلك، وجدنا أن عندهم إلماماً كثيراً بالعلم، ولهم رغبة في ذلك ويحضرون الدروس، هذا في الحقيقة مما يبشر بخير.
الجواب: هذه المسألة تكلم عليها الأصوليون، فإذا اختلف مجتهدان عالمان هما أهل لأخذ العلم عنهما، فيأخذ العامي بأي القولين؟
الأصوليون يقولون: يأخذ بأوثق العالمين علماً وورعاً، فإذا تساويا في العلم والورع، أو كان العامي لا يميز، فهذا موضع خلاف -أيضاً- بين أهل العلم، فبعض العلماء يقول: يأخذ بالأحوط؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن أفتاك الناس وأفتوك).
وبعضهم قال: يأخذ بالأسهل؛ لأن هذه الشريعة -ولله الحمد- بنيت على التيسير والتسهيل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)، ويقول: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، لكن أيضاً لا بد للمسلم أن يميز بين العلماء؛ لأن العلماء يختلفون، فتجد بعض العلماء يسلك طريق الأخذ بالرخص، وهذا مذموم يعني دائماً تجده يأخذ برخص العلماء، وقد تكون أقوالاً شاذة أو غرائب، فهذا مذموم، لكن إذا كان عالماً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتجد أنه دائماً يتحرى الحق، فهذا كما ذكرت إذا كان المسلم يميز بين أعلمهما وأوثقهما، فإنه يأخذ بقول أوثقهما علماً وورعاً إذا تساويا، أو كان يجهل فكما سمعتم الخلاف.
الجواب: ذكرنا في الوصية الثانية أن تقوى الله عز وجل مفتاح العلوم، لكن كون الإنسان يكون عنده شيء من التقصير أو شيء من الذنوب، هذا لا يعالج الخطأ بالخطأ، يعني: لا نعالج خطأ ارتكاب الذنوب بخطأ العزوف عن القرآن والسنة والفقه فيهما، بل إن الفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سبب من أسباب الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وسبب من أسباب علاج هذا الخطأ.
فالذي أنصح به أخي وإن كان عنده شيء من الذنوب والمعاصي -ومن يسلم من الذنوب والمعاصي؟!- عليه أن يستمر في طلبه للعلم؛ فإن طلبه للعلم يجره إلى الله سبحانه وتعالى، وكما قال بعض السلف: أتينا العلم لغير الله، فأبى العلم إلا أن يكون لله، يعني: نحن طلبنا العلم في الأصل ليس لله عز وجل، فأبى العلم إلا أن يكون لله، وهكذا إذا كان الإنسان عنده شيء من التقصير، واستمر على تفقهه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا سرعان ما يعود ويرجع، وكما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وإذا كان هذا في شأن الصلاة ففي الفقه بكتاب الله وسنة رسوله من باب أولى.
وسؤال آخر: كيف يربي الإنسان زوجته وأطفاله على طلب العلم في ظل المتغيرات الحالية؟
الجواب: هذا في الحقيقة مما يفرح ويثلج الصدر أن يوجد مجموعة من النساء اللاتي يطلبن العلم، ويتفقهن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبت منه أن يخصص للنساء يوماً يأتيهن فيه ويذكرهن ويعلمهن، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبها.
وفي حديث أبي سعيد في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب العيد أتى النساء متكئاً على
ومن جانب آخر أيضاً توجد هناك كثير من الدور القرآنية النسائية اليوم تعنى بتدريس النساء وتعليمهن ما يتعلق بالعقيدة والحديث والفقه، فهذه أيضاً خطوة إيجابية لهذه الدور حيث لا تقتصر على تعليم القرآن فقط، وإنما حتى فيما يتعلق بالعلوم الشرعية تقوم بتعليم النساء.
فشكر الله عز وجل لهؤلاء القائمين على مثل هذه الدور، وأحث الأخوات على الاستزادة من هذه العلوم، سواء كان عن طريق الدورات أو في هذه الدور القرآنية.
الجواب: هذا تكلمنا عليه في أثناء المحاضرة، وذكرنا أن طالب العلم في طلبه لا بد أن يؤصل نفسه، وأن يتدرج في طلبه، وأن يعنى بالأصول والقواعد، وأن يأتي العلم شيئاً فشيئاً، وذكرنا أن العلماء رحمهم الله تعالى جعلوا متوناً ومختصرات هي قواعد وأصول على طالب العلم أن يمشي عليها، وأن يعنى بها، وذكرنا جملةً من المتون في العقيدة وفي الفقه، وفي الحديث أيضاً، وفي المصطلح والفقه، فإذا رام طالب العلم مثل هذه المتون فإنه يحصل له خير كثير، ويلم بعلم عظيم، ولو اقتصر على مثل هذه المتون فقد فاز بحظ وافر من العلم، ولا يطلب من طالب العلم أن يكون محدثاً حافظاً، ولا فقيهاً مدققاً، ولا أصولياً نحريراً، هذا لا يطلب منه، فبلوغ الكمال من المحال، وفي ترجمة سيبويه رحمه الله تعالى -وهو إمام من أئمة اللغة- يقولون: كان لا يحسن باب نعم وبئس، وهو سيبويه إمام اللغة، لا يحسن هذا الباب، فنقول: أن يطلب من الإنسان أن يبلغ النهاية، هذا لا يتمكن منه، وموسى عليه السلام ارتحل إلى الخضر، فلما جاءه قال لموسى: يا موسى! إنك على علم علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم علمني الله إياه لا تعلمه أنت، وموسى عليه الصلاة والسلام من أولي العزم، لكن كما ذكرت لا بد لنا أن نؤصل أنفسنا، وأن نقعدها، وأن نمشي على هذه المتون، وكون بعض الناس يذهب للكتب الكبيرة والشروحات.. إلى آخره، وهو لا يلم بالأصول الثلاثة، ولا يلم بكتاب التوحيد ولا بالعقيدة الواسطية، فهذا لا شك أنه خطأ في المنهج وفي الطلب، كذلك أيضاً يشغل نفسه بالنوازل.. إلى آخره، وهو حتى الآن لم يقرأ في مثل هذه المتون وهذه المختصرات، وهذه المصطلحات، هذا لا شك أنه لو صرف وقته في مصطلحات العلماء وألفاظهم، في الأصول والقواعد والمتون، لكان أصل نفسه ودرجها، ولكان على خير عظيم، وقد ذكرت لكم الفوائد المترتبة على السير على هذه القواعد وعلى هذه الأصول، وذكرت ما يقرب من خمس فوائد، وكذلك أيضاً إهمال علوم الآلة أيضاً هذا من الخلل ومن الخطأ، وذكرت أيضاً أنه ينبغي لطالب العلم أن يكون عنده جملة من المتون، فمثلاً: يبدأ بالآجرومية وقطر الندى، فإذا كان عنده رغبة فألفية ابن مالك .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر