باب: زكاة النقدين.
يجب في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالاً، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم ربع العشر منهما، ويضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، وتضم قيمة العروض إلى كل منهما، ويباح للذكر من الفضة الخاتم، وقبيعة السيف، وحلية المنطقة ونحوه، ومن الذهب قبيعة السيف، وما دعت إليه ضرورة كأنف ونحوه، ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه ولو كثر، ولا زكاة في حليهما المعد للاستعمال، أو العارية].
تقدم لنا ما يتعلق بزكاة الخارج من الأرض، وأن المؤلف رحمه الله تعالى يرى أن الزكاة تجب في كل حب، وفي كل ثمر يكال ويدخر، وأن رأي أبي حنيفة أوسع الأقوال في هذه المسألة، وهو أن الزكاة تجب في كل ما خرج من الأرض، من الحبوب والثمار، حتى ما يتعلق بالخضروات والفواكه، ويستثنون من ذلك بعض الأشياء كالحطب، والحشيش، والقصب، وأضيق الأقوال في ذلك ما ذهب إليه الحسن البصري ومن معه: أن الزكاة لا تجب إلا في أربعة أصناف، وذكرنا أيضاً مذهب المالكية والشافعية، وأن الزكاة تجب فيما جمع وصفين؛ الادخار والاقتيات، وأيضاً تكلم المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بقدر الواجب من الزكاة، وأنه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: ما سقي بلا مؤنة ففيه العشر.
القسم الثاني: ما سقي بمؤنة ففيه نصف العشر.
والقسم الثالث: ما سقي نصفين ففيه ثلاثة أرباع العشر، وقلنا: إن الصواب في هذه المسألة أن يرجع إلى أكثرهما نفعاً.
والقسم الرابع: إذا تفاوت النفع ينظر إلى الأكثر نفعاً.
والقسم الأخير: مع الجهل يخرج العشر.
وتوقفنا على زكاة العسل، وذكرنا كلام العلماء رحمهم الله في زكاة العسل، وأنهم اختلفوا في هذه المسألة إلى قولين:
القول الأول: وجوب الزكاة في العسل، وهذا مذهب أبي حنيفة ، وأحمد .
والرأي الثاني: أن الزكاة لا تجب في العسل، وهذا مذهب مالك ، والشافعي ، وذكرنا أن الأقرب في هذه المسألة كما قال أبو عبيد رحمه الله: أنهم يؤمرون بإخراجها من غير أن يكون ذلك لازماً لهم، ويكره لهم منعها.
ونصاب زكاة العسل اختلف فيه العلماء رحمهم الله -الذين قالوا بوجوب زكاة العسل- على قولين:
القول الأول: أن النصاب مائة وستون رطلاً عراقياً، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وقلنا: إن الرطل العراقي يساوي تسعين مثقالاً، وإن المثقال يساوي أربعة وربعاً من الغرامات، فتحول هذه الأرطال إلى مثاقيل، ثم إلى جرامات، ثم بعد ذلك إلى كيلوهات.
القول الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله؛ أن الزكاة تجب في قليل العسل وكثيره.
وما قدر الواجب من الزكاة؟ المؤلف رحمه الله يقول: العشر كما ورد ذلك في الحديث، وكما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه على القول بوجوب الزكاة.
الركاز: ما وجد من دفن الجاهلية، يعني: من مدفونهم.
والركاز ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن توجد عليه علامة المسلمين كأن يوجد عليه اسم ملك من ملوكهم ونحو ذلك، فهذا حكمه حكم اللقطة، والعلماء رحمهم الله يقولون: بأن حكمه حكم اللقطة، وعلى هذا يعرف سنةً كاملة، ثم بعد التعريف يتملكه الملتقط، أو يدخل في ملكه كما يقول الشافعية قهراً كما هو المشهور من المذهب.
القسم الثاني: أن توجد عليه علامة الكفار قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الركاز كما سبق، وفيه الخمس، ودليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وفي الركاز الخمس ).
القسم الثالث: أن يجهل أمره؛ أي: ليس عليه علامة الكفار الذين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وليس عليه علامة من علامات المسلمين، فهذا أيضاً حكمه حكم اللقطة.
وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى؛ أن الركاز فيه الخمس سواء كان قليلاً أو كثيراً، سواء كان الموجود يبلغ النصاب أو لا يبلغ النصاب؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس).
والرأي الثاني: أنه يشترط فيه أن يبلغ النصاب، وهذا قول الشافعي رحمه الله في الجديد، والأصل عند الشافعية: أنهم يغلبون جانب الزكاة في الركاز، بخلاف الجمهور فإنهم يغلبون جانب الفيء، فقوله: (وفي الركاز الخمس) المقصود بالخمس: الخمس المعهود، وهو خمس الفيء كما في قول الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41].
وهل يغلب على الركاز حكم الزكاة أو يغلب على الركاز حكم الفيء؟ وهل يشترط في هذا الركاز أن يكون من الأموال الزكوية من الذهب والفضة؟ أو لا يشترط ذلك سواء كان من الذهب والفضة، أو من غيرهما كما لو وجد أحجاراً كريمة، أو لؤلؤاً، أو أسلحة، أو غير ذلك.
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة، فالمشهور من المذهب: أنه لا يشترط أن يكون الركاز من الأموال الزكوية.
والرأي الثاني: رأي الشافعي أنه يشترط أن يكون من الأموال الزكوية، يعني: من الذهب أو الفضة، كما تقدم أنهم يغلبون جانب الزكاة.
وهنا مسألة ثالثة: أين يصرف هذا الخمس؟
إذا قلنا: يغلب فيه جانب الفيء فيصرف كالفيء في مصالح المسلمين، من تعبيد الطرق، وحفر الآبار، ورزق الأئمة، والمؤذنين، والقضاة، وبناء المستشفيات، وهذا هو المذهب، ومذهب أبي حنيفة.
وعند الشافعي يصرف في أهل الزكاة؛ لأنه يغلب فيه جانب الزكاة.
إذا أخرج معدناً من الأرض حديداً، أو رصاصاً، أو نحو ذلك، فالمشهور من المذهب، ومذهب أبي حنيفة: أن الزكاة تجب في المعدن، ويدل لذلك عموم قول الله عز وجل: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، وهذا على أصل أبي حنيفة ؛ لأن الحنفية -كما ذكرنا- يتوسعون في إيجاب زكاة الخارج من الأرض، ويوجبون الزكاة في كل حب، وفي كل ثمر، ويوجبون الزكاة في المعادن، والركاز، والعسل كما سلف؛ لكنهم يقيدون ذلك بشرط أن يكون قابلاً للطرق والسحب، وإذا كان لا يقبل الطرق والسحب كالسائل والجامد، فلا تجب فيه الزكاة.
والشافعية يقولون: تجب الزكاة في المعدن إن كان ذهباً أو فضة، كالركاز يغلبون فيه جانب الزكاة.
إذاً الآراء في هذه المسألة ثلاثة:
الرأي الأول: وجوب الزكاة مطلقاً، وهو مذهب أحمد ، ومالك .
والرأي الثاني: أن الزكاة تجب في المعدن إن كان قابلاً للطرق والسحب، أما الذي لا يقبل الطرق والسحب فلا تجب فيه الزكاة.
والرأي الثالث: رأي الشافعية أن الزكاة لا تجب إلا في الذهب والفضة.
والذي يظهر -والله أعلم- هو إيجاب الزكاة لعموم الآية: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] ؛ ولأن الشارع أوجب الخمس في الركاز، وإذا كان الركاز هذا المعدن، والعرق المودع في الأرض تجب فيه الزكاة، فكذلك أيضاً هذا المعدن تجب فيه الزكاة، سواء كان ذهباً، أو فضة، أو كان غيرهما.
النقدان هو المال الثالث من الأموال الزكوية، والنقدان: تثنية نقد، والمراد به: الذهب والفضة.
الذهب والفضة تجب الزكاة فيهما بالإجماع، ويدل لذلك: قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب، ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا صفحت له صفائح من نار يوم القيامة، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، كلما بردت ردت عليه، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار ).
وكذلك أيضاً: الإجماع قائم على ذلك.
تجب الزكاة في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالاً، والمثقال يساوي بالغرامات أربعة وربعاً، أو ثلاثة ونصفاً، وعلى هذا فاضرب عشرين في أربعة وربع، الناتج خمسة وثمانون غراماً.
وإذا قلنا بأن وزن المثقال يساوي ثلاثة ونصفاً فلتضرب عشرين في ثلاثة ونصف، يساوي خمسة وسبعين غراماً.
والمثقال من معايير الوزن، وجمهور العلماء رحمهم الله يقولون: بأن وزن المثقال اثنتان وسبعون حبة شعير، وصفة هذه الحبة يقولون: بأنها حبة معتدلة غير مقشورة، ومقطوع من طرفيها ما دق وطال.
وعند الحنفية وزن المثقال مائة حبة شعير، وعلى هذا خذ هذه الحبة الذي وصفها الفقهاء رحمهم الله تعالى: وزن فسيخرج لك وزن المثقال بالجرامات، والعلماء الذين وزنوا: منهم من توصل إلى ثلاثة ونصف، ومنهم من توصل إلى أنها أربعة وربع.
نصاب الفضة مائتا درهم، والدراهم يقول العلماء: كل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل، وعلى هذا عندنا مائتا درهم تساوي مائة وأربعين مثقالاً.
والمؤلف رحمه الله قدر نصاب الذهب بالوزن، فالمثاقيل معيار الوزن، وقدر نصاب الفضة بالعدد، والدراهم حولها من العدد إلى الوزن، فكل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل، فمائتا درهم تساوي مائة وأربعين مثقالاً، والمثقال الواحد بالجرامات كما تقدم وزنه أربعة وربع، أو ثلاثة ونصف، اضرب مائة وأربعين في أربعة وربع فتساوي خمسمائة وخمسة تسعين غراماً، فإذا ملك من الفضة خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً، نقول: تجب الزكاة.
سبق أن المؤلف رحمه الله قدر الذهب بالوزن، وقدر الفضة بالعدد، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: المعتبر هو العدد، يعني: لا ننظر للوزن سواء كانت الدنانير أو الدراهم خفيفة، أو ثقيلة فما لنا عبرة بالوزن، إنما العبرة بالعدد، قلّت أو كثرت.
والرأي الثاني: أن العبرة هو الوزن، وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى، ولهذا قدرنا نصاب الذهب بالوزن، وحولنا نصاب الفضة من العدد إلى الوزن، وهذا الأضبط الآن؛ لأن الدنانير قد تختلف، وإن كانت الآن مختومة ومضبوطة لكن دراهم الفضة غير موجودة، فالآن نقدرها بالوزن، وفي السابق كانوا يتعاملون بدراهم الفضة والدنانير.
فتبين لنا نصاب الذهب بالغرامات، ونصاب الفضة بالغرامات، ودليل هذا حديث ابن عمر ، وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يأخذ من عشرين مثقالاً نصف مثقال )، رواه ابن ماجه في سننه، وله شاهد من الحديث ورد عن علي رضي الله تعالى عنه.
مثال: إذا كان عنده مائة درهم فقط، وعنده من الذهب ما يساوي مائة درهم، فهل نضم الذهب إلى الفضة بحيث يكمل النصاب، أو نقول: بأنه لا يضم، وأن كل جنس على حدته؟
هذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون عروض تجارة، أو في أموال الصيارفة، فإذا كانت عروض تجارة، أو في أموال الصيارفة، فهذا لا إشكال أنه يضم الذهب إلى الفضة، فالصاغة، والصيارفة أموالهم واحدة يبيعون ويشترون.
القسم الثاني: ألا تكون كذلك، أي: لا تكون من أموال الصيارفة الذين يبيعون ويشترون بهذه الأشياء وليست عروض تجارة، فنضم الذهب إلى الفضة، والعكس في تكميل النصاب، كما يقول المؤلف رحمه الله تعالى: ( يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب )، وأيضاً يقولون: بأنه يضم بالأجزاء، يعني: عندك عشرة مثاقيل من الذهب، ومائة درهم من الفضة، فنضم هذه المثاقيل إلى الدراهم في تكميل النصاب، يعني: فهل الضم بالقيمة كما ذكرنا في المثال الأول، أو الضم بالأجزاء كما نضم عشرة مثاقيل إلى مائة درهم؟
المؤلف رحمه الله يرى أن الضم يكون بالأجزاء.
والرأي الثاني: أن الضم بالقيمة، فلو عندنا عشرة مثاقيل، وخمسون درهماً تساوي عشرة مثاقيل بالقيمة؛ ولكن لا تساويها بالأجزاء، على هذا لا تجب الزكاة، ولو قلنا بالقيمة فإنه تجب الزكاة.
إذاً: الرأي الأول؛ أنه يضم الذهب إلى الفضة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، واستدلوا على ذلك بأن الذهب والفضة كنوعي جنس مقصودهما واحد، فلو كان عندك تمر سكري وبرحي، فإنك تضم السكري مع البرحي لتكميل النصاب، وأيضاً هنا يضم الذهب مع الفضة.
والرأي الثاني: أنه لا يضم، وأن كل واحد منهما زكاته على حدة، ودليل ذلك: أن الشارع جعلها أجناس مستقلة كما في حديث عبادة بن الصامت ، وأبي سعيد : ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ).
فالشارع جعلها جنساً مختلفاً، فأنت إذا بادلت ذهباً بفضة فإنه يجوز التفاضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم ) لكن لا بد أن يكون يداً بيد، وإذا بادلت ذهباً بذهب فيشترط التساوي والتقابض.
والصحيح في هذه المسألة: أنه لا يضم الذهب والفضة، كما أننا لا نضم الشعير مع البر.
هذا ظاهر؛ لأن العروض ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود هو القيمة، وعلى هذا إذا كان عنده عشرة مثاقيل من الذهب، وعروض تجارة قيمتها عشرة مثاقيل، فإنه يضم، وتجب عليه الزكاة، وكذلك لو كان عنده مائة درهم من الفضة، وعروض تجارة تساوي مائة درهم، نقول: بأنه يضم.
فمثلاً: أحكام المحرم يبحثه العلماء في الحج، وأحكام السلام يبحثها العلماء في كتاب الجنائز عندما يتكلمون عن السلام على الميت فيسهبون في السلام على الحي، والتداوي يبحثه العلماء في الجنائز كما مر علينا، وأحكام اللباس يبحثونه في الصلاة وشروط الصلاة، وأحكام النظر في أول النكاح عندما يتكلمون عن النظر إلى المخطوبة ثم يسهبون في النظر إلى المحارم، والنظر إلى العورات عورة الصغير وعورة الكبير... إلخ.
المهم أن طالب العلم لا بد أن يكون متنبهاً إلى هذه المسائل.
يقول المؤلف رحمه الله أولاً الذكر؛ لأن الأصل بالنسبة للأنثى في التحلي بالذهب والفضة الحل؛ لكن الذكر الأصل في حقه التحريم.
قوله: (ويباح للذكر من الفضة الخاتم) يدل لذلك: ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( اتخذ خاتماً من ورق ) أي: من فضة، فيجوز اتخاذه حتى ولو زاد وزنه على المثقال، المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورِق.
والعلماء رحمهم الله يقولون: يلبسه في يساره، وأيضاً ورد في اليمين، لكن الأولى أن يلبسه في يساره، والسنة أن يكون في الخنصر، ويباح في البنصر، والإبهام، ويكره في السبابة، والوسطى، فالأقسام ثلاثة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقبيعة السيف).
فالذي يباح للذكر من الفضة الخاتم قبيعة السيف وهي: ما يجعل على طرف القبضة، والدليل على ذلك: حديث أنس قال: ( كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة ).
قال رحمه الله: (وحلية المنطقة).
ويباح تحلية المنطقة: وهي ما يشد على الوسط وتوضع فيها النفقة، فإذا كانت هذه المنطقة محلاة، فإن هذا لا بأس به؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اتخذوا المناطق المحلاة بالفضة.
قال رحمه الله: (ونحوه).
أي: ويباح مثل تحلية الدرع، وتحلية الخف، وتحلية الران، والران قيل: هو شيء يجعل تحت الخف، وقيل: هو خف لا قدم له، وهو أطول من الخف، وحمائل السيف يعني: علاقة السيف، وهي: ما يوضع فيها السيف حيث تعلق على البدن، والخوذة، هذه ثمانية أشياء يجوز أن تحلى بالفضة، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
والرأي الثاني في المسألة: أن الأصل في الفضة هو الحل للذكر، وأنه لم يرد منع من الفضة بالنسبة للذكر، وعلى هذا فاستخدام الفضة في غير الأكل والشرب الأصل في ذلك الحل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ودليل ذلك: حديث أبي هريرة : ( وأما الفضة فالعبوا بها لعباً )، وكذلك أيضاً قالوا: لم يرد ما يحرم الفضة فتبقى على الأصل، وعلى هذا القول سواء اتخذ هذه الأشياء محلاة، أو غيرها، المهم أنه لا يستخدمها في الأكل والشرب، فلو اتخذ قلماً من فضة، أو ساعة من فضة، أو الملابس حليت بالفضة، أو خيوط الفضة، فإن هذا كله جائز، ولا بأس به على الرأي الثاني؛ أن الأصل في الفضة للذكر هو الحل.
تلخص لنا: أن الفضة للرجل محرمة، إلا أنهم استثنوا بعض الأشياء كالخاتم، والقبيعة، والخف والران، وحمائل السيف، والدرع، والجوشن... إلخ.
والرأي الثاني: أن الأصل في الفضة هو الحل فتستخدم في الملبوسات، وفي التحلي للذكر؛ لأن الأصل في ذلك الحل، وأيضاً استعمال الآلات سواء كانت الأسلحة، أو غيرها الأصل في ذلك الحل بشرط ألا يستخدمها في الأكل والشرب.
الذي يباح للرجل من الذهب قبيعة السيف، ودليل ذلك أن عثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب.
قال رحمه الله: (وما دعت إليه ضرورة، كأنف ونحوه).
يباح الأنف من الذهب، ورباط الأسنان من الذهب، ويدل لذلك: ( أن
تلخص لنا أنه يباح من الذهب للذكر قبيعة السيف، وما دعت إليه الضرورة، وما عدا ذلك لا يباح.
والرأي الثاني: أن يسير الذهب التابع لا بأس به، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ويدل لذلك: حديث مخرمة أنه ( ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته أقبية، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب، فقال: خبأنا لك هذا يا
وعلى هذا نقول: الذهب لا يخلو من أمرين بالنسبة للذكر:
القسم الأول: أن يكون مفرداً، وهذا لا يجوز، يعني: خالصاً، ويدل لذلك: حديث ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتماً من ذهب فأخذه وألقاه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في أصبعه )، فإذا كان خالصاً فإنه لا يجوز، حتى ولو كان شيئاً يسيراً.
القسم الثاني: أن يكون يسيراً تابعاً، فنقول: هذا جائز ولا بأس به، ويدل لذلك: حديث مخرمة السابق، وعلى هذا لو لبس ساعة، وفيها شيء من الذهب يسير تابع، أو قلماً فيه شيء من الذهب، أو مشلحاً فيه خيوط من الذهب، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس به، ويضاف إلى ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله: مما دعت إليه الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، وكذلك لو اتخذ أسلحة فيها شيء من الذهب؛ سكين، أو سيف ونحو ذلك، نقول: مادام أنه يسير تابع فهو جائز.
فالضابط بالنسبة للاستعمال تقدم لنا في الآنية، وما يتعلق بالتحلي واللبس نقول: إن كان مفرداً فحكمه لا يجوز، وإن كان يسيراً تابعاً فإنه جائز ولا باس به سواء كان في الملابس، أو في الأسلحة والآلات التي تستخدم.
ثالثاً: يجوز ما دعت إليه الضرورة، وما عدا ذلك محرم على الذكر.
أي ما لم يخرج ذلك إلى حد الإسراف، أو الخيلاء، والكبر، ونحو ذلك، ويدل لذلك: حديث أبي موسى ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذهباً وحريراً فقال: هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها )، وأيضاً قال الله عز وجل: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] .
والإجماع قائم على ذلك.
لكن العلماء رحمهم الله اختلفوا في الذهب المحلق، هل يجوز للمرأة أن تلبس الذهب المحلق، أو لا؟
الذهب المحلق: هو الذي يكون حلقة، سواء كان سواراً في اليد، أو خاتماً في الأصبع ونحو ذلك، وقد ذهب جماهير العلماء رحمهم الله تعالى إلى أن هذا جائز ولا بأس به، والأدلة على هذا كثيرة؛ منها حديث ابن عباس في صحيح البخاري أنه قال: ( شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النساء فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين بالفتخ والخواتم في ثوب
وأما الأحاديث الواردة المانعة كحديث أبي هريرة في مسند أحمد ، وأبي داود : ( من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ) فهي شاذة، والصواب في ذلك: أن المحلق كغيره، وأن المرأة لها أن تتحلى به.
حلي الرجل وحلي المرأة المعد للاستعمال، هل فيه زكاة، أو ليس فيه زكاة؟
هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى:
فالرأي الأول: وهو رأي جمهور العلماء -الأئمة الثلاثة-: أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة أن فيه الزكاة، ولكل منهم دليل.
أما الذين قالوا: بأنه لا زكاة كما ذهب إليه المؤلف فاستدلوا بحديث جابر عند الدارقطني : ( لا زكاة في الحلي )، وأيضاً قالوا: بأن هذا وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كأنس، وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء ورد عنهم القول: بأن حلي المرأة المعد للاستعمال لا زكاة فيه.
الرأي الثاني رأي أبي حنيفة: وهو أن الحلي المعد للاستعمال يجب فيه الزكاة، واستدلوا بالعمومات: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، وحديث: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة )، وكذلك أيضاً استدلوا ببعض الأدلة الخاصة، مثل: حديث عبد الله بن عمرو ( أن امرأة أتت الرسول صلى الله عليه وسلم معها ابنة في يدها مسكتان غليضتان من ذهب، قال: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: هما حسبك من النار ).
وحديث عبد الله بن عمرو : ( أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار )، ونحوه حديث عائشة في الفتخات، وسألها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتؤدين زكاتهن، قالت: لا، قال: هما حسبك من النار )، وحديث أم سلمة أنها ( كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: أكنز هو يا رسول الله! قال: ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز )، لكن هذه الأدلة التي يستدلون بها لا تخلو من ضعف، وإذا كان كذلك نبقى على الأصل.
فالذي يظهر -والله أعلم- في هذه المسألة أن يقال: الذهب الذي تستخدمه المرأة لا زكاة فيه؛ لكن الذهب الذي يرصد ولا يستخدم فالأحوط أن المرأة تخرج زكاته.
قال المؤلف رحمه الله: (أو العارية).
بالنسبة للعارية لو كان ليس معداً للاستعمال وإنما هو مدخر لكي يعار، فالمؤلف رحمه الله يقول: لا زكاة فيه، وزكاته هي إعارته، فما دام أن هذا الحلي حبس في العارية، فزكاته إعارته؛ لأنه في الحقيقة معد للاستعمال وإن كان الذي اتخذه للاستعمال لن يباشره بنفسه، وإنما سيباشره بنائبه وهو المستعير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر