فصل: تسن زيارة القبور إلا للنساء، ويقول إذا زارها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
وتسن تعزية المصاب بالميت، ويجوز البكاء على الميت، ويحرم الندب، والنياحة، وشق الثوب، ولطم الخد ونحوه].
بالنسبة لضابط حفر القبر تقدم لنا ما يتعلق باللحد وما يتعلق بالشق، لكن ما يتعلق بعمق القبر العلماء رحمهم الله يذكرون في ذلك صفتين:
الصفة الأولى: صفة مستحبة، وهي: أن يعمق القبر ويوسع؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( احفروا وأعمقوا وأوسعوا )، وحده بعض العلماء بنصف قامة رجل.
وأما الصفة الجائزة فأن يحفر ما يكفي لمنع الرائحة والسباع، فإذا حفر ما يكفي لمنع الرائحة والسباع فإن ذلك كاف وبه يستر القبر.
يحرم أن يدفن اثنان فأكثر, هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ودليل ذلك هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك أيضاً عمل المسلمين أن كل ميت يدفن في قبر واحد، فقالوا بأنه يحرم أن يجمع اثنان فأكثر في قبر واحد.
وعند الإمام الشافعي -رحمه الله- بأن ذلك على سبيل الكراهة، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأنه ليس على سبيل التحريم، ولعل دليل هذا القول أنه لم يرد ما يدل على النهي، وإنما فعل النبي عليه الصلاة والسلام وفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
فالمسألة فيها رأيان: المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله التحريم، وعند الشافعي واختاره شيخ الإسلام الكراهة، لكن مع ذلك استثنى العلماء رحمهم الله مسألتين، نقول: ينهى أن يدفن اثنان فأكثر في قبر واحد، لكن استثنى العلماء رحمهم الله مسألتين:
المسألة الأولى: في حال الضرورة، كما لو كثر الأموات فإنه لا بأس أن نحفر قبراً وأن ندفن فيه اثنين، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد.
وإذا دفنا اثنين في حال الضرورة فإننا نقدم إلى القبلة أفضلهم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفن من شهداء أحد, ويسأل عن أكثرهم أخذاً للقرآن فيقدمه إلى القبلة.
كذلك أيضاً يجعل بين هذين الميتين حاجز من تراب، مثل أن يكون كل واحد منهما كأنه في قبر مستقل.
المسألة الثانية: إذا أرم الميت الأول وأصبح رميماً فإنه يجوز لنا أن ندفن في هذا القبر ميتاً آخر، قال العلماء: يجوز أن يحرث في هذه الأرض وأن يزرع.. إلى آخره.
وهل لهذا حد أو ليس له حد؟ نقول بأن هذا ليس له حد، وإنما يرجع في ذلك إلى الظن وأهل الخبرة، فإذا قال أهل الخبرة: إن هذه القبور أصبحت رميماً فإنه لا بأس أن تحفر وأن يدفن فيها، أو تحرث أو تزرع ونحو ذلك، فهذا ليس له حد, وإنما يرجع في ذلك إلى الظن وإلى كلام أهل الخبرة.
قال رحمه الله: (إلا لضرورة، ويجعل بين كل اثنين حاجز من تراب).
يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب، والعلة في ذلك أن يصير كل واحد منهما كأنه في قبر منفرد.
أما جوازه نهاراً فهذا ظاهر متفق عليه، وأما بالنسبة لجوازه ليلاً فهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، ويدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلاً )، وأيضاً: ( النبي عليه الصلاة والسلام دفن بالليل )، وكذلك أيضاً أبو بكر رضي الله تعالى عنه دفن ليلاً، وكذلك أيضاً فاطمة رضي الله تعالى عنها دفنت ليلاً.
فالصواب في هذا أن الدفن ليلاً جائز ولا بأس به، خلافاً لمن كره ذلك كـالحسن البصري وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، لكن نستثني من ذلك ثلاثة أوقات اختلف أهل العلم رحمهم الله في الدفن فيها، دل لها حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف للغروب حتى تغرب ).
فهذه ثلاثة أوقات ورد النهي عن الدفن فيها، وذهب بعض أهل العلم كصاحب الشرح الكبير من الحنابلة إلى أنه محرم ولا يجوز الدفن في هذه الأوقات لظاهر النهي.
والمشهور من مذهب الإمام أحمد أن ذلك مكروه، وعند الحنفية أن ذلك جائز، والشافعية فصلوا في ذلك، قالوا: إذا تحرى الدفن في هذه الأوقات كره، وإذا لم يتحر فإن ذلك جائز.
فعندنا أربعة آراء: الرأي الأول: التحريم. والثاني: الجواز، وهو قول الحنفية. والحنابلة: الكراهة. والشافعية: التفصيل في هذه المسألة.
والصواب في ذلك التحريم، وعلى هذا إذا أتي بالجنازة عند غروب الشمس، أو بعد طلوعها وقبل أن ترتفع، أو إذا قام قائم الظهيرة يعني: في حال الاستواء عند انتصاف النهار فإنه يحرم الدفن في هذه الأوقات حتى تزول، وقد تقدم لنا في أوقات النهي ضابط الغروب.
وأن الصواب في ذلك أنه إذا غاب حاجب الشمس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( إذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة )، فنقول: إذا غاب حاجب الشمس يحرم الدفن حتى تغيب.
كذلك أيضاً إذا طلعت الشمس فإنه يحرم الدفن حتى ترتفع قيد رمح، وسبق أن ذكرنا قدره ما يقرب من عشر دقائق أو ثنتي عشرة دقيقة، وكذلك أيضاً في حال انتصاف النهار في حال الاستواء يحرم الدفن حتى تزول، وأيضاً يقدر بعشر دقائق أو بثنتي عشرة دقيقة.
لكن استثنى العلماء رحمهم الله النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه والشهداء، فالنبي عليه الصلاة والسلام يستثنى من ذلك؛ لأنه كما ورد: ( ما من نبي يموت إلا دفن حيث مات )، وبالنسبة لصاحبيه أبي بكر وعمر دفنا معه؛ لأنهم كانوا جميعاً أحياءً وأمواتاً، ولهذا في حديث علي رضي الله تعالى عنه قال: ( كثيراً ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كنت أنا و
كذلك أيضاً إذا أوصى أحد أن يدفن في مكان كذا وكذا، وأن ينقل إلى البلد الفلاني.. إلى آخره، فلا يلزم تنفيذ هذه الوصية، وإنما يدفن مع المسلمين في المكان الذي مات فيه، اللهم إلا إذا مات في بلد الكفر فإنه ينقل إلى بلد الإسلام، لكن لو مات في بلاد المسلمين فإنه يدفن مع المسلمين؛ لأنه إذا أوصى أن ينقل هذا يؤدي إلى تأخير الدفن وتجهيز الميت.
تقدم لنا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحةً فخير تقدموها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ).
وأيضاً يلزم من ذلك المشقة على أوليائه وأقاربه، وليس ذلك من هدي السلف الصالح.
فالقراءة على القبر يقول المؤلف رحمه الله بأنها جائزة، ولا بأس بها، واستدلوا على ذلك بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أوصى أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخواتيمها.
وكذلك أيضاً قالوا أن بعض الأنصار أوصى أن يقرأ عنده بسورة البقرة، وقالوا بأن هذا جائز، وعند الإمام الشافعي -رحمه الله- أن هذا بدعة، وقال الإمام مالك رحمه الله: ما علمت أن أحداً يفعل ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فعلم أن الصحابة والتابعين لم يكونوا يفعلون ذلك. فالصواب في ذلك أن القراءة على القبر بدعة، وأنها لا تشرع.
وأما أثر ابن عمر وأثر ما ورد عن بعض الأنصار.. فهذان الأثران لا يثبتان، وكذلك أيضاً ما روي من حديث أنس : (من دخل المقابر فقرأ فيها يس خفف عنهم) أيضاً هذا لا يثبت.
فالصواب في ذلك: أن الإنسان يفعل ما دلت عليه السنة، والسنة كما في حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل )، فالسنة إذا دفن الميت أن يقام على قبره، وأن يسأل له التثبيت وأن الله عز وجل يثبته، فإنه الآن يسأل، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله تعالى عنه ( أن الميت إذا دفن يتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل؟ -النبي صلى الله عليه وسلم- فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه رسول الله ).
فالسنة في ذلك أن يقام على القبر؛ كما قال الله عز وجل: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84] ، فدل ذلك على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم على القبر لكن نهاه الله عز وجل أن يقوم على قبور المنافقين. ومن السنة أن يستغفر له؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل ).
قوله: (أي قربة) يعني: أي عمل يتقرب به إلى الله عز وجل، فأي عمل تتقرب به إلى الله عز وجل إذا عملته ثم أهديت ثوابه لمسلم حي أو ميت نفعه ذلك.
وعلى كلام المؤلف لو أن أحداً قرأ القرآن ثم أهدى ثوابه، قال: لأبي الميت، أو صلى ثم قال: ثواب هذه الصلاة لأبي الحي أو لأبي الميت، أو تصدق.. إلى آخره، فإن هذا جائز ولا بأس به، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله. والحنابلة رحمهم الله هم أوسع المذاهب في هذه المسألة، وهي من مفردات مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
واعلم أن القرب التي تهدى تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: القرب المالية أو المركبة من المال والبدن، القرب المالية مثل: الصدقة، وأيضاً المركبة مثل: الحج، وكذلك أيضاً الدعاء، هذه باتفاق الأئمة على أنها تصل، يعني: لو أن إنساناً دعا لميته أو دعا لوالده الحي، أو استغفر له ودعا له بالمغفرة، أو تصدق وأهدى ثواب هذه الصدقة له فإن هذا يصل.
وكذلك أيضاً لو أنه حج ثم أهدى ثواب هذا الحج لهذا الميت، أو أعتق وأهدى ثواب هذا العتق لهذا الميت.. إلى آخره من القرب المالية أو المركبة من المال والبدن فهذه تصل، يعني: ثوابها يصل باتفاق الأئمة.
القسم الثاني: القرب البدنية، مثل: الصيام، والصلاة، وقراءة القرآن، والاعتكاف، فإذا أهدى ثواب هذه الأشياء، هل يصل أو لا يصل؟
عند الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا أهدى ثواب مثل هذه الأشياء فإنه يصل، وعند بقية الأئمة الشافعي والمالكية والحنابلة: أن ثوابها لفاعلها، وأنه لا يصل لمن أهدي إليه.
وهنا نقول: إن القرب تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يتعلق بالقرب البدنية أو المركبة، وكذلك أيضاً الدعاء والاستغفار فهذه فيها علة.
والقسم الثاني: ما يتعلق بالقرب البدنية، كالصلاة، والصيام، والاعتكاف، وقراءة القرآن، ونحو ذلك فهذه عند الحنابلة يصل ثوابها، وأما عند بقية الأئمة يقولون بأن ثوابها لا يصل.
أما بالنسبة للدعاء للميت والاستغفار فالأدلة عليها ظاهرة، من ذلك قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10] .
وكذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث... أو ولد صالح يدعو له ).
وأما بالنسبة لوصول ثواب القرب المالية؛ فدليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أمي ماتت، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم ) وهذا في الصحيحين.
وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام: ( يا رسول الله! إن أمي ماتت ولم توص، أو إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه إن تصدقت عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم ).
وكذلك أيضاً بالنسبة للحج، حديث الجهنية التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها: ( أنها نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حجي عنها ).
فهذه الأدلة -حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة- دليل على وصول هذه القرب وكذلك الدعاء وأيضاً الصدقات المالية والمركبة إلى آخره.
والحنابلة استدلوا على وصول ثواب العبادات البدنية من الدعاء والصلاة والصيام والاعتكاف والقراءة بحديث عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )، فكون الصيام يجزي هذا يدل على أن الذمة تبرأ، وأن ذلك ينفعه.
والأقرب في ذلك أن نقول: بأن إهداء القرب ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما كان إهداؤه مشروعاً، وهذا هو الدعاء والاستغفار، ودليل ذلك ما تقدم أن أشرنا إليه من قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10] ، فأثنى عليهم بكونهم يدعون لإخوانهم الذين سبقوهم.
وأيضاً: ما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( أو ولد صالح يدعو له ).
القسم الثاني: ما كان إهداؤه مباحاً، وهذا في بقية القرب، فنقول بأن إهداءها مباح، ولهذا أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ابن عباس في الرجل الذي سأله أن يتصدق عن أمه، وفي حديث أبي هريرة في مسلم أذن لمن سأله أن يتصدق عن أبيه.
فنقول بأن هذا جائز مباح، وعلى هذا لو أن الإنسان تصدق أو أعتق أو صام أو قرأ أو صلى وأهدى الثواب فنقول بأن ذلك يصل بإذن الله، لكن هذا من قبيل المباح وليس من قبيل المسنون، فالسنة أن يقتصر الإنسان على الدعاء، وأن يجعل العمل الصالح له.
كذلك أيضاً لو اعتمر أو حج إلى آخره، لكن هذه الأشياء تقيد بألا يكثر الإنسان من ذلك؛ لأنه إذا أكثر منه جعله مشروعاً أو شبيهاً بالمشروع، لكن إذا فعل ذلك أحياناً فنقول بأن هذا يصل إن شاء الله.
السنة أن يفعل لأهل الميت طعام؛ لحديث عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا لآل
فنقول: السنة أن يصلح لأهل الميت، وانظر إلى تعبير النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( فإنه قد أتاهم ما يشغلهم )، فنقول: إذا شغل أهل الميت فإن السنة أن يصلح لهم طعام، أما إذا لم يشغلوا، أي: قد يموت الشخص لكن أهله لا ينشغلون بموته, يعني: لا يصابون بموته، وحينئذ لا يشرع أن يصلح لهم طعام، لكن من شغل بالمصيبة وألهته المصيبة وشغلته عن الطعام أو عن إصلاح الطعام فإننا نصلح له طعاماً.
والعلماء -رحمهم الله- قيدوا إصلاح الطعام بثلاثة أيام، وظاهر السنة أنه غير مقيد، يعني: ما دام أن المصيبة قد شغلتهم فيصلح لهم طعاماً.
وأيضاً ظاهر السنة أن الطعام إنما يصلح لمن شغلته المصيبة دون غيره، الذي يأكل هذا الطعام هو الذي شغلته المصيبة دون غيره.
قال المؤلف رحمه الله: (ويكره لهم فعله للناس)، يعني: يكره أن يصنعوا طعاماً للناس؛ ويدل لذلك حديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: ( كنا نعد الاجتماع لأهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة ).
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وصححه بعض أهل العلم، وبعض الأئمة ضعف هذا الحديث.
وعلى كل حال عندنا السنة من ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأن يصنع الطعام لأهل الميت, ولم يرد أن أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام.
تسن زيارة القبور، والإجماع منعقد على أن زيارة القبور سنة.
ويدل لهذا ما في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها )، وزيارة القبور تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: زيارة شرعية.
والقسم الثاني: زيارة بدعية.
أما الزيارة الشرعية: فهي التي ينتفع بها الزائر والمزور؛ أما الزائر فإنه يتذكر الآخرة ويتعظ، وينال فضيلة زيارة المقابر وامتثال السنة، وأما المزور فإنه ينتفع بالدعاء.
وأما القسم الثاني: الزيارة البدعية: وهي التي تفعل فيها البدع من الشرك أو وسائل الشرك من تحري العبادة عند هذا القبر كتحري الدعاء، أو تحري القراءة، يعني: يتقصد القراءة عند هذا القبر، أو يتقصد الدعاء، أو يصلي إلى القبور، أو يصلي عندها، وأعظم من ذلك أن يصرف لها نوعاً من أنواع العبادة، كما يوجد عند بعض الذين يفتنون في القبور كالخرافيين والصوفية ونحو ذلك.
وعلى هذا إذا أردت أن تزور ميتاً فإنك تجعل ظهرك إلى القبلة، وأما بالنسبة لوجهك فإنك تجعله مقابلاً لوجه الميت، والميت يكون على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فحينئذ تقابله بحيث تجعل ظهرك إلى القبلة، هذا في حال السلام، ثم بعد ذلك إذا أردت أن تدعو له فإنك تستقبل القبلة؛ لأن من آداب الدعاء استقبال القبلة؛ كما في حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه.
وكذلك أيضاً: لو أن الإنسان رفع يديه فلا بأس بذلك، بل هذا من آداب الدعاء، وقد ورد ذلك في حديث عائشة لما زار النبي صلى الله عليه وسلم البقيع كما في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك .
العلماء قالوا بأن الزيارة لها وقتان: وقت متأكد، ووقت غير متأكد في أي وقت؛ أما الوقت المتأكد قالوا: فجر يوم الجمعة قبل طلوع الشمس؛ لأن الميت يعرف زائره في هذا الوقت.
والقسم الثاني: غير متأكد في أي وقت. وهذا التقسيم فيه نظر؛ لأن هذا أمر توقيفي يحتاج إلى دليل.
والصواب في هذا: أنه ليس هناك وقت محدد أو وقت يتأكد، لكن كون بعض الناس يعتقد أفضلية وقت بعينه نقول: هذا بدعة؛ لأنه يحتاج إلى دليل، كأن يعتقد الإنسان سنية الزيارة يوم العيد، أو سنية الزيارة يوم الجمعة.. إلى آخره, ويتقصد ذلك.
والصواب في ذلك التوسط بين القولين، وبه تجتمع أدلة القولين؛ فنقول: الصواب في ذلك أنه يسمع سماعاً خاصاً الله أعلم بكيفيته، فلا يسمع ويدرك كما يسمع الأحياء ويدركون، فيكون في ذلك طريقاً لأهل الخرافة من القبوريين والصوفيين، ولا ننفي السماع بالكلية لورود الأدلة بذلك، فإن أحوال البرزخ تختلف عن أحوال الدنيا وأحوال الآخرة، فهي دار مستقلة لها أحوالها.
وهل يسمع في كل وقت أو لا يسمع في كل وقت.. إلى آخره؟ أيضاً هذا موضع خلاف، نقول: الله أعلم بذلك.
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن المرأة يكره لها أن تزور القبور، واستثنوا من ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، فقالوا: لا يكره.
وعن الإمام أحمد رحمه الله أن ذلك مباح، وعنه أيضاً روايةً ثالثة أن ذلك محرم، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وبعض العلماء المتأخرين قال: يستحب للمرأة أن تزور القبور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا علمنا أن أحداً من الأئمة استحب لهن زيارة القبور، ولا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين، فاختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأقرب في ذلك التحريم، وسنذكر إن شاء الله شيئاً من أدلتهم.
فيفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن النساء لا يشرع لهن زيارة القبور، وهذا هو المشهور من المذهب، بل يكره على المذهب أن يزرن القبور، إلا أنهم استثنوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه.
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن زيارة النساء للقبور مكروهة إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، فقالوا: لا تكره.
والرأي الثاني: أن زيارة القبور محرمة ولا تجوز.
والرأي الثالث: أنها مباحة. وقال بعض العلماء: مستحبة، ولكل منهم دليل.
أما من قالوا بأنها محرمة فاستدلوا بحديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور )، وهذا الحديث أخرجه الترمذي، كذلك أيضاً الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهم، وصححه الترمذي.
وأيضاً بأن زيارة النساء للقبور لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا لم يكن على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يستحبه أحد من السلف.
أيضاً من الأدلة على ذلك أن المرأة منهية عن اتباع الجنائز، كما في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: ( نهينا عن اتباع الجنائز )، والعلة في ذلك ما قد يحصل من المرأة من البكاء، وتهييج الأحزان، والنياحة ونحو ذلك؛ لسرعة عاطفها، ونقص عقلها، وقلة دينها، وهنا يوجد شيء من هذه العلة يوجد في زيارة المرأة للقبور.
والذين قالوا بالإباحة استدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فزوروها ) كما في صحيح مسلم ، ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها )، وهذا أمر يشمل الرجل ويشمل المرأة.
وكذلك أيضاً استدلوا بما في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( كيف أقول لهم؟ قال: قولي: السلام عليكم ).
وأيضاً حديث أنس في مسلم : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام مر على امرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري ).
فهذا دليل من قال بالإباحة أو قال بالمشروعية.
ودليل من قال بالتحريم أو قال بالكراهة، فالذين قالوا: بالكراهة جمعوا بين أدلة من قال بالتحريم, وبين من قال بالإباحة أو المشروعية.
والأقرب في ذلك هو الرأي الأول، وأن زيارة المرأة للقبور محرمة ولا تجوز؛ لأن اللعن لا يكون إلا على فعل محرم، وكذلك أيضاً لم يحفظ أن النساء في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أو في عهد الخلفاء الراشدين كن يزرن القبور, فكما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ما علمنا أن أحداً من الأئمة استحب لهن زيارة القبور.
وأما بالنسبة لحديث عائشة : ( كيف أقول لهم.. ) إلى آخره ، فهذا المراد إذا مرت المرأة بالمقبرة أو بالقبور فإنه لا بأس أن تسلم، يعني: إذا لم تقصد الزيارة.
والقاعدة: أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، فإذا خرجت لأمر ثم مرت بالقبور فلا بأس أن تسلم؛ لأن هذا أمر تابع، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
وأما بالنسبة لحديث أنس في قصة المرأة التي مر بها النبي عليه الصلاة والسلام وهي تبكي عند قبر, فهذه خرجت لشدة المصاب حتى وقفت على هذا القبر؛ لأنها أم لهذا الميت.
وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( اتقي الله ) هذا يدل على أنها أيضاً فعلت شيئاً يخالف التقوى، ولهذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، أمرها بالتقوى لأنها فعلت شيئاً يخالف التقوى وهو الخروج إلى القبر.
وقال: ( اصبري ) كذلك أمرها بالصبر، وأن تحتسب؛ لأن فعلها هذا ينافي الصبر، ففيه دلالة لما ذهب إليه من قال بتحريم زيارة المرأة للقبور.
إذا زارها فهذا ظاهر، أما إذا مر بها وهذا كان موجوداً في عهد المؤلف ومن قبله قبل أن تسور المقابر، أما الآن وقد سورت المقابر فإنه إذا مر فإن أطل على هذه القبور وسلم فهذا لا بأس.
أما إن مر من وراء السور فهذا يظهر أنه لا يشرع أن يسلم.
فقوله المؤلف رحمه الله: (إذا مر) هذا في الزمن السابق حيث لم تكن القبور مسورة, بل يمر الإنسان من عند القبور فيسلم عليهم.
قوله: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون).
كيف علق الموت على مشيئة الله مع أن هذا أمر محقق لا مرية فيه؟
فأجاب العلماء -رحمهم الله- عن ذلك بأجوبة، فقيل: إن المراد التعليق باللحوق في المكان، يعني: إنا إن شاء الله للاحقون بكم في هذا المكان، وقيل: إن المراد التعليق باللحوق على الإيمان، يعني: إنا إن شاء الله بكم لاحقون على الإيمان. وقيل: إن التعليق هنا ليس مراداً، وإنما المراد هنا التبرك. وقيل: إن التعليق هنا للتعليل، يعني: أن لحوقنا سيكون بمشيئة الله.
التعزية: هي التسلية، يعني: تسلية المصاب عن مصيبته، وتخفيف الألم الذي حصل له.
وقال رحمه الله: (المصاب) ولم يقل: من مات له ميت، فيفيد أن الذي يعزى هو المصاب، يعني: من تأثر بالمصيبة وليس كل من مات له أحد فإنه يعزى؛ لأن المراد بالتعزية التسلية عن المصيبة التي حصلت، أما إذا لم يتأثر من مات له أحد فإنه لا تشرع تعزيته.
ودليل التعزية قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين: ( من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة )، ولا شك أن هذا من تفريج كربة المسلم.
وأيضاً: يدل لذلك فعل النبي عليه الصلاة والسلام لما عزى ابنته لما مات لها ميت: ( إن لله ما أخذ, وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب )، والأئمة يتفقون على استحباب تعزية المصاب.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن التعزية تكون قبل الدفن وبعد الدفن, وهذا كله جائز، لأن المراد تسلية المصاب عن مصيبته.
وأيضاً: ظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- أن هذا لا يحد بحد، فلا يحد بثلاثة أيام، بل يعزى الإنسان ما دامت المصيبة باقية، فلو كانت المصيبة باقية يوماً أو يومين نعزيه يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة، لكن إذا ذهبت المصيبة فإن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً.
البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: بكاء محمود، وهو البكاء الطبيعي الذي تمليه الطبيعة، فنقول: بأن هذا جائز، بل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن هذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده )، والنبي عليه الصلاة والسلام بكى كما في حديث أنس قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان ) لما ماتت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري .
وأيضاً: لما مات ابنه كما في الصحيح قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا
القسم الثاني: البكاء المذموم، وهو البكاء المتكلف بأن يكثر الإنسان من البكاء، يعني: البكاء الذي يتضمن محظوراً شرعياً من التكلف أو النياحة ونحو ذلك، أو يكون بوصية من الميت ونحو ذلك.
ولهذا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه )، هذا الحديث اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله كثيراً، ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه )؟
والصواب في ذلك أن المراد بالعذاب هنا التألم، يعني: أن الميت يتألم لبكاء أهله البكاء الخارج عن حد الطبيعة، ونظير ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( السفر قطعة من العذاب ) لما يحصل من الإنسان من التعب والمشقة والألم.
وكذلك أيضاً: الميت إذا بكى عليه أهله بكاءً خارجاً عن حد الطبيعة فإنه يتألم بذلك ويشق عليه ذلك، وليس المراد أنه يعذب بالنار، أو يعذب بعذاب القبر ونحو ذلك؛ لأن الله عز وجل قال: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .
نقول بأن هذا جائز، وقد نص عليه العلماء رحمهم الله، وحديث أم عطية دليل لذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، فدل ذلك على أن الإحداد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إحداد على الزوج، وهذا يكون أربعة أشهر وعشراً، فالزوجة تحد على زوجها مدة العدة أربعة أشهر وعشراً؛ فتترك الطيب، وتترك التجمل والخضاب، ولبس أحسن الثياب، والخروج ونحو ذلك، هذا بالنسبة للزوج.
الثاني: الإحداد على غير الزوج، هذا نقول بأنه أيضاً جائز؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث )، فدل ذلك على أنه يرخص أن يحد على ميته ثلاثة أيام فأقل، فلا بأس أنه يترك الحسن من الثياب، أو الخروج للناس، أو طلب المعاش ونحو ذلك إذا أصيب.
الندب: تعداد محاسن الميت على وجه التشكي والتسخط، فيقول: مات فلان الذي يقوم على أمرنا، أو الذي يأتينا بالطعام أو الشراب إلى آخره، فهذا داخل في دعوى الجاهلية الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود : ( ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ).
لكن استثنى العلماء رحمهم الله من ذلك الندب اليسير، فهذا لا بأس به؛ ويدل لهذا قول فاطمة كما في البخاري لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا أبتاه! أجاب رباً دعاه، يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه ).
لكن ما عدا ذلك من تعداد محاسن الميت على وجه التسخط والحزن ونحو ذلك مما يثير الأحزان هذا كله داخل في دعوى الجاهلية.
قال رحمه الله: (والنياحة).
أيضاً النياحة محرمة، بل من كبائر الذنوب، والنياحة فسرت بتفسيرين:
التفسير الأول: رفع الصوت بالندب.
والتفسير الثاني: اجتماع النساء على البكاء؛ لأن المطلوب نفي كل ما يؤدي إلى تهييج الأحزان، وأيضاً يطلب كل ما يسكن الأحزان.
شق الثوب ولطم الخد هذا من التسخط، واعلم أن المصاب إذا أصيب له أربع حالات:
الحالة الأولى: الصبر، وهذا واجب. والصبر: هو حبس القلب واللسان والجوارح عن فعل المحظور، فيحبس قلبه عن كراهة قضاء الله وقدره، والتسخط له.
وكذلك أيضاً: يحبس لسانه عن السب والشتم وسائر الأقوال المحرمة، ويحبس جوارحه عن لطم الخد وشق الثوب كما ذكر المؤلف، وعن الاعتداء، وإتلاف الأموال وغير ذلك؛ لحديث ابن مسعود : ( ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ).
الحالة الثانية: التسخط، والتسخط ضد الصبر؛ فالصبر واجب والتسخط محرم، والتسخط: هو فعل المحرم كراهية لقضاء الله وقدره سواء كان بالقلب أو باللسان أو بالجوارح، كالسب والشتم، أو إتلاف المال، أو الضرب ونحو ذلك.
الحالة الثالثة: الرضا، والرضا هذا ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الرضا بالقدر الذي هو فعل الله عز وجل، فهذا واجب.
والقسم الثاني: الرضا بالمقضي والمقدور، يعني: المصيبة التي حصلت له كموت القريب، أو تلف المال، أو الحريق ونحو ذلك، فكون الإنسان يرضى بهذه المصيبة أي بالمقضي والمقدور, نقول بأن هذا مستحب.
الحالة الرابعة: مرتبة الشكر، له أن يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة ليحمده عليها، وأن يسترجع، وأن يقول ما ورد: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، فإن الله عز وجل يخلفه خيراً من مصيبته، وأن يحمد الله عز وجل على ذلك؛ لأن هذه المصيبة وإن كانت في ظاهرها مصيبة إلا أنها في الباطن منحة من الله عز وجل، ( فما أصيب المؤمن من هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) ، ( وإذا أصيب العبد بحبيبتيه -يعني: بعينيه- فصبر، عوض عنهما بالجنة ) ، ( ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) .
نقول بأن النعي ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: النعي المحمود، وهو الذي ورد في السنة، وذلك أن يخبر الناس بأن هذا الشخص قد مات؛ لكي يجتمع الناس ويتعاونوا على تجهيزه من التغسيل والتكفين والصلاة عليه، فنقول بأن هذا لا بأس به، بل هو محمود كما تقدم، وفي الحديث: ( ما من ميت يقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه ) والنبي عليه الصلاة والسلام نعى النجاشي إلى الصحابة لما مات، وخرجوا للصلاة عليه.
القسم الثاني: النعي المذموم، وهو الذي ورد النهي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم, كما في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه، وهذا النعي المذموم هو ما كان عليه أهل الجاهلية من ذكر مفاخر الميت، إذ كانوا يقومون في الأسواق وعلى المرتفعات وعلى المنابر, ويذكرون مفاخر الميت والثناء عليه وحسبه ونحو ذلك.
وأيضاً: يدخل في النعي ما يوجد من بعض الناس أنه إذا مات ميت ألقيت الخطب والمحاضرات إلى آخره، فإن هذا فيه نعي، وهذا أيضاً من تهييج الأحزان، والشرع إنما ورد بتسكين الأحزان، أما إذا كان ذلك بعد ذهاب المصيبة لكي يستفيد الناس من سيرة هذا الرجل، فإن هذا لا بأس به.
ولهذا ألف العلماء -رحمهم الله- في الطبقات والتراجم وذكروا الرجال وسيرهم وما هم عليه من الخلال الطيبة والسيرة الحميدة، لكن المقصود هو ما يحصل أثناء المصيبة من إلقاء المواعظ عنه أو الخطبة أو نحو ذلك.
الجواب: أما الصلاة فهذا ما أذكر دليل لكنهم أخذوا بحديث عائشة وابن عباس : ( من مات وعليه صيام ) فقالوا: هذه عبادة بدنية فألحقوا فيها الصلاة، لكن لا أعرف دليلاً بخصوص الصلاة، يعني هم قالوا: هذا يدل على أن جنس العبادة البدنية يجوز.
الجواب: هذا في أحد.
الجواب: تضيف الشمس للغروب, الصواب في ذلك: أنه إذا غاب حاجبها؛ كما في حديث ابن عمر : ( إذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب )، بعض العلماء قال: إذا بقي على غروبها قدر رمح، وبعضهم قال: إذا اصفرت، لكن الصواب ما دل له حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
الجواب: نقول: هذا لا يظهر أنه يسلم إذا مر في السيارة، اللهم إلا إذا مر قريباً من القبور، لكن إذا كان هناك حاجة ونحو ذلك فهذا لا يظهر أنه يسلم.
الجواب: سواء قلنا: فيه قلب أو ليس فيه قلب، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التشبه بالحيوان، ولا شك أن الإنسان إذا قدم يديه قبل ركبتيه أن جبلته تكون متشبهة بالحيوان؛ لأنه سبق أن أشرنا إلى هذه المسألة وقلنا بأن الأدلة في ذلك تكاد تكون متكافئة، فنرجع إلى الأصل، والأصل أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التشبه بالحيوان، ولا شك أن الإنسان في هذه المسألة وفي غيرها عموماً -سواء كان في الصلاة أو في خارج الصلاة- منهي عن التشبه بالحيوان وبالسباع، ولا شك أن الإنسان إذا قدم يديه قبل ركبتيه أن هذا أقرب إلى مشابهة البعير في حال نزوله.
الجواب: هذا لا يثبت.
الجواب: هذا لا شك أنه خطأ، لكن يمكن الذي يدعو إلى هذا أن بعض أهل العلم جوز كما هو أيضاً المشهور عن الحنابلة, قالوا: يجوز للمرأة أن تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، فيمكن الذي دعا إلى هذا أن بعض أهل العلم يجوز ذلك، لكن مع ذلك فالحق أحق يتبع، والله أعلم.
الجواب: هذا إذا اتفقا على القسمة الحمد لله، لكن لو اختلفا فما يقسم هذا المال إلا برضاه، فقد يكون لرب المال يريد أنه يبقى لكي يكون وقاية لماله.
الجواب: أولاً: من الأحسن عند السؤال ما يقال: أنت قلت، وإنما إذا سأل التلميذ أستاذه ومعلمه يقول: قلنا، هذا ذكره العلماء رحمهم الله من آداب الطلب، فيقول: قلنا في الدرس كذا وكذا.. إلى آخره.
فالأخ السائل إشكاله في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( اتقي الله ) مع قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]. هنا لا يلزم من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( اتقي الله ) أن تكون فعلت ذنباً، كما أن الله قال لنبيه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، فلا يلزم من ذلك أن يكون فعل ذنباً، لكن نقول: ظاهر الحال كونها خرجت للقبر وكونها تبكي.. إلى آخره.
الجواب: إذا كان الإنسان صابراً فهذا مؤمن بقضاء الله وقدره وإن حزن وبكى؛ إذ ليس كل من أظهر حزنه على مصابه ليس مؤمناً بقضاء الله وقدره، فالنبي عليه الصلاة والسلام حزن وحصل منه الدمع، لكن ينبغي يحبس الإنسان قلبه ولسانه وجوارحه إلى آخره من التسخط.
الجواب: هذا قال به بعض أهل العلم أن المراد بذلك المكثرات من الزيارة.
وقال آخرون: ليس المراد نفس الزائرة، وإنما المراد الجملة، يعني: ليس المراد الفرد وإنما المراد الجملة، فلا يسلم هذا وإنما قالوا: إن المراد بذلك الجملة. ولا شك أنه إذا قيل بإباحتها أو باستحبابها فإنه يحصل جملة من النساء، فهذا القول بأن المراد بذلك الفرد، لكن إذا قلنا: أن المراد بذلك جملة النساء فإن هذا يترتب على القول بالإباحة.
الجواب: حضور هذه الأشياء محرمة ولا يجوز، ولا إشكال في ذلك، وهذه الحسينيات يحصل فيها الكفر؟! وكيف يرضى الإنسان بالكفر، ولا شك أن هذا محرم ولا يجوز، وأنه يخشى على عقيدة المسلم من حضور مثل هذه الأشياء أو الرضا بها أو إقرارها، فالواجب إنكار مثل هذه الأشياء، وتحذير من يحضرها أو ينظر إليها، أو يستمع إليها.
وهذا أيضاً فيه تكفير للصحابة.
الجواب: ينوي صيام عاشوراء لكي يحصل له فضل يوم عاشوراء، وأيضاً إذا قلنا بأن الخميس صيامه من السنة المؤكدة وأن السنة ثابتة في ذلك فإنه ينوي الأمرين جميعاً، يعني مثلاً: صيام الإثنين الأحاديث الثابتة فيه أصح من صيام الخميس، فينوي صيام الإثنين وينوي صيام يوم عاشوراء.
الجواب: أما الرجل فهذا لا يجب عليه، أما المرأة يجب عليها أن تحد، وهو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله, وخالف في ذلك الحسن البصري والشعبي.
الجواب: لا فرق بين قبر النبي عليه الصلاة والسلام وبين سائر القبور.
الجواب: جمهور الأصوليين على أنه لا فرق بين المستحب والسنة، ولهذا يذكرون في الأحكام التكليفية يقولون: المسنون ويسمى المندوب والمستحب.. إلى آخره. وبعض أهل العلم فرق فقال: المستحب ما ثبت بتعليل، والسنة ما ثبت بدليل.
الجواب: الجيب: هو مدخل الرأس من القميص والثوب، وشقه: يعني تمزيقه.
الجواب: الصبر أفضل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر