الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[ثم المردود إما أن يكون لسقط، أو طعن، فالسقط إما أن يكون من بادئ السند للمصنف، أو من آخره بعد التابعي، أو غير ذلك، فالأول المعلق، والثاني هو المرسل ].
تقدم لنا ما يتعلق بالمتابعات، والشواهد، والاعتبارات، ثم تكلم المؤلف رحمه الله عن المقبول، وقلنا بأن المقبول: هو الذي سلم من معارضة مثله، وأن الحديث إذا عورض بمثله فدرء هذا التعارض في الظاهر عند المجتهد له طرق:
الطريق الأول: الجمع.
والطريق الثاني: إذا لم يمكن وعرفنا التاريخ فيصار إلى النسخ.
والطريق الثالث: إذا لم نعرف التاريخ، فإنه يصار إلى الترجيح.
والطريق الرابع: إذا لم يمكن الترجيح، فإنه يصار إلى التوقف.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ثم المردود إما أن يكون لسقط، أو طعن، فالسقط إما أن يكون من مبادئ السند للمصنف، أو من آخره بعد التابعي، أو غير ذلك، فالأول المعلق).
المعلق: هو ما حذف من مبدأ إسناده راوٍ فأكثر على التوالي.
وما هو أول الإسناد عند أهل الاصطلاح؟
أول الإسناد هو ما يلي المصنف، الشيخ المصنف البخاري رحمه الله تعالى أول إسناده هو شيوخه الذين روى عنهم وآخر الإسناد هو الصحابي، فعندنا المعلق: هو الذي حذف من أول إسناده، وليس من آخر إسناده، وهو عكس المرسل، ونحن لا بد أن نفهم ما الفرق بين المعلق والمرسل، فالمعلق: حذف من أول الإسناد، يعني: حذف من شيوخه وشيوخ شيوخه... إلى آخره.
ومن صوره: أن يقول: قال ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو حذف السند كله ولم يبق إلا الصحابي، وربما يبقي التابعي والصحابي فيقول: قال نافع: قال ابن عمر: قال صلى الله عليه وسلم.. فهنا حذف إلى أن وصل إلى التابعي، فأبقى التابعي والصحابي. هذا هو المعلق.
ولـابن حجر رحمه الله كتاب اسمه (تغليق التعليق ...) عني بهذه الأحاديث.
وأما الموقوفات والمقطوعات التي علقها البخاري فكثيرة، يعني: المعلقات عن الصحابة والتابعين.
وأما مسلم رحمه الله تعالى فهو لم يعلق إلا (13) حديثاً فقط ووصلها كلها إلا حديث أبي جهيم في التيمم على التراب. والعطار له كتاب اسمه: (الغرر المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة).
القسم الأول: ما علقه البخاري بصيغة الجزم كأن يقول: قال... إلى آخره. هذه المعلقات بصيغة الجزم قال العلماء: فيها الحديث الصحيح، وفيها الحسن لذاته وفيها الحسن لغيره، وقيل: فيها الضعيف المنجبر. وابن حجر رحمه الله تعالى ذكر قاعدة، وهي أن ما أورده البخاري في موضع الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح، أو حسن، أو ضعيف منجبر، وما أورده في موضع الرد فهو ضعيف.
القسم الثاني: ما علقه بصيغة التمريض كأن يقول: يروى، ويذكر، ونحو ذلك، فهذه فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وهو يبين الضعيف أيضاً.
ومن أمثلة ذلك: حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتطوع الإمام في مكانه ) ثم أعقبه بقوله: ( ولا يصح ).
القسم الأول: معلقة بصيغة الجزم، فهذه فيها الصحيح، وفيها الحسن لغيره، وفيها الحسن لذاته، وقيل: فيها الضعيف المنجبر.
والقسم الثاني: ما علقه بصيغة التمريض، فهذه فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف؛ لكنه يبين الضعيف كما مثلنا، وذكرنا أن الحافظ ذكر قاعدة، وهي أن ما ذكره البخاري رحمه الله في موضع الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح، أو حسن، أو ضعيف منجبر، وما ذكره في موضع الرد فهو ضعيف.
المرسل في اللغة: بمعنى المطلق.
وأما في الاصطلاح فهو: رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول التابعي: قال: النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه مسلم عن سعيد بن المسيب : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة ).
والإرسال أو المرسلات تكثر في أحاديث بعض التابعين مثل: سعيد بن المسيب وعطاء وكذلك أيضاً أبي قلابة والزهري والحسن البصري رحمهم الله تعالى.
أئمة الحديث يقولون: المرسل من أقسام المردود الضعيف، ولهذا قال الحافظ: (ثم المردود إما أن يكون لسقط أو طعن، فالسقط إما أن يكون من بادئ... إلى آخره). فعند أئمة الحديث أن المرسل من أقسام الضعيف للجهالة بالراوي، فالراوي المحذوف مجهول لا ندري عن ضبطه وصدقه ونحو ذلك.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى: سمعت أبي وأبا زرعة لا يحتجان بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحيحة المتصلة، وكذا أقول.
ورد عن بعض الأئمة كـأبي حنيفة وأحمد والشافعي ومالك الاحتجاج بالمراسيل إذا كان المرسل ثقة وأرسله عن ثقة. وهذا ليس على إطلاقه يعني: ما ورد عن الأئمة هؤلاء النقل عنهم ليس على إطلاقه وإنما احتجوا ببعض المراسيل.
الشرط الأول: أن يكون المرسل ثقة، وأن يرسل عن ثقة.
الشرط الثاني: أن يكون من كبار التابعين.
الشرط الثالث: أن لا يروي إلا عن ثقة.
والشرط الرابع: أن يعتضد هذا المرسل بمتصل ولو كان ضعيفاً، أو بمرسلٍ آخر، أو بقول الصحابة، أو يفتي به أكثر العلماء.
والله أعلم، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر