إسلام ويب

مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن تعداد آيات الفاتحة سبع آيات بالاتفاق، لكن اختلف أهل العلم في كيفية هذه الآيات على ما نقل عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهل تكون البسملة من آياتها أم آية مستقلة بذاتها، وعلى هذا فقد انحصر الاختلاف في قولين: أولهما: أن البسملة هي أول آية فيها على ما في مصاحف مكة والكوفة، والقول الثاني: أن البسملة ليست من آياتها، وإنما تعد سبعاً بدونها.

    1.   

    عدد آيات سورة الفاتحة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فننتقل أخواتي الكريمات إلى المبحث الخامس من مباحث سورة الفاتحة ألا وهو عدد آيات سورة الفاتحة، وآيات سورة الفاتحة بالاتفاق والإجماع سبع آيات كما دل القرآن على هذا، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87] وقلت: المراد بالسبع المثاني هي سورة الفاتحة، استثنيت لهذه الأمة، وفيها ثناء عظيم على الله الكريم، وتثنى في كل ركعة وتكرر وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87].

    إذاً: هي سبع آيات، وهي أيضاً القرآن العظيم الذي أوتيه نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، وفيها مقاصد القرآن على التمام كما تقدم معنا إيضاح هذا في أسماء سورة الفاتحة.

    إذاً: هي سبع آيات بالإجماع، لكن اختلف أئمتنا في بيان آياتها، وهذا الاختلاف لا دخل للرأي فيه على الإطلاق، إنما هو بناء على ما نقل عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فالكلام في آيات القرآن هذا لا دخل فيه لرأي الإنسان على الإطلاق، والعمدة في ذلك الرواية لا الرأي، والنقل لا العقل، فلا دخل للعقول البشرية في موضوع عدد الآيات، اختلفوا في عدد الآيات بكيفية معينة أخرى، والكل كلام الله، هذه الفاتحة وهذه الفاتحة، هنا سبع آيات وهنا سبع آيات.

    كيف هذا؟

    ثبت في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة وعلى هذا القراء الكوفيون وقراء مكة -ونحن نقرأ أخواتي الكريمات بقراءة الكوفة. أي: بقراءة حفص عن عاصم وهو كوفي، والذي سأذكره الآن هو الموجود في المصاحف بناء على الرسم الكوفي والرسم المكي الذي هو متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام- ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرئ بعض الصحابة الكرام سورة الفاتحة ويجعل بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة، وهذا موجود في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة، وإذا كانت المصاحف بين أيديكن فافتحن عليها أخواتي الكريمات وانظرن: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] يعني: هذه الآية الأولى، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] آية ثانية، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] آية ثالثة، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] آية رابعة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] آية خامسة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] آية سادسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] آية سابعة، هذا موجود في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة، وهو الذي يقرأ به قراء مكة وقراء الكوفة، وقراءاتهم متواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا أقول: من أنكر حرفاً منها كفر، بل من شك في حرف منها فهو كافر مرتد، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.. قراءات متواترة عن خير البررة نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

    وفي المصاحف الأخرى في مصاحف المدينة وفي مصاحف البصرة وفي مصاحف الشام من الشامي والحمصي (بسم الله الرحمن الرحيم) لم تعد آية، فأول آية من الفاتحة هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وقد أقرأ نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة الطيبين هذا.

    إذاً: نعد آيات سورة الفاتحة على القول الثاني الثابت بالتواتر القطعي عن النبي عليه الصلاة والسلام الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] آية. والبسملة ليست آية من الفاتحة على هذه القراءة. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] آية ثانية، وهذا خلاف ترتيب المصاحف التي بين أيدينا، والآن مصاحف المغرب التي تطبع هناك تعد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] -لأنها تتبع قراءة نافع المدني - هي الآية الأولى لا الثانية كما هو في مصاحفنا.

    إذاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي الآية الأولى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] آية ثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] آية ثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] آية رابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] آية خامسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] (عليهم) هنا هي الآية السادسة، وإذا معكن المصاحف فستلاحظن أن عند قوله: (عليهم) لا يوجد عندنا آية ولا يوجد وقف في الآية، وهي في مصاحف المدينة المنورة والشام والحمصي والبصرة هنا الآية السادسة صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] آية سادسة، والسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].

    إذاً: آيات سورة الفاتحة -كما قلت- سبع بالاتفاق، لكن اختلف في كيفية العد بناء على الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    المصاحف التي يؤخذ منها عدّ الآيات وبيان القراءات العشر المتواترة

    في هذه المناسبة أحب أن أذكر المصاحف التي يؤخذ منها العد وأبين القراءات العشر المتواترة لأنها تلزمنا في دروسنا في التفسير في المستقبل إن شاء الله.

    أخواتي الكريمات! المصاحف التي يؤخذ منها عد الآيات: المدني الأول، والمدني الثاني، والمكي، والكوفي، والبصري، والشامي، والحمصي. سبعة مصاحف، وهي التي كتبت في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه ذو النورين ووزعت على أمصار المسلمين، فما فيها من عد فهو ثابت متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن كيفية العد تختلف على حسب ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرئ الصحابة الكرام، فانتبهن لهذا، فأحياناً يجعل الوقف آية، وأحياناً يغير الوقف على حسب القراءات الثابتة النازلة عليه عليه صلوات الله وسلامه، وهي القراءات العشر وما خرج عنها فليس بمتواتر ولا يجوز القراءة به.

    وهذه القراءات المتواترة -كما قلت- هي كلام الله، والذي لا أقول ينكر حرفاً، بل الذي يشكك في حرف فهو كافر مرتد كما لو أنكر سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

    والقراءات العشر المتواترة: أولها وثانيها: المدنيان نافع وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، يقال لهما المدنيان.

    ثالثها: المكي وهو القارئ الثالث: عبد الله بن كثير ، ويليه الرابع: الشامي عبد الله بن عامر، ثم يليه الكوفيون الأربعة وهم: حمزة والكسائي وخلف وعاصم، ونحن نقرأ بقراءة حفص عن عاصم، ثم قراءة البصريين أبي عمرو بن العلاء ويعقوب، هؤلاء عشرة.

    إذاً: مدنيان اثنان، ومكي وشامي، وأربعة كوفيون، صاروا ثمانية، وبصريان اثنان، فصاروا عشرة، والبصريان هما: أبو عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي. هذه قراءات متواترة موجودة في أمصار المسلمين نسبت إلى هؤلاء الأئمة؛ لأنهم أبرز من عني بها وأبرز من ضبطها، فأراد أئمتنا أن يجمعوا تلك الأحرف وتلك القراءات فقالوا: هذا حرف نافع .. هذا حرف أبي جعفر .. هذا حرف عبد الله بن كثير .. هذا حرف عبد الله بن عامر .

    وقراءة الشام التي تلقاها أهل الشام عن الصحابة الكرام متواترة، لكن أبرز من كان يقرأ بها في عهد تدوين القراءات: عبد الله بن عامر فنسبت إليه لكنها متواترة يقرأ بها لا أقول الألوف بل مئات الألوف والملايين، فنسبت إليه لهذه العلة؛ لأنه أبرز المتقنين لها في زمنه، وهو من تصدر للإقراء بها في تلك البلاد، فلأجل أن تضبط قيل: قراءة الشام تنسب إلى قراءة عبد الله بن عامر.

    وقراءة أهل مكة قاطبة تنسب إلى عبد الله بن كثير، ففي عهد تدوين القراءات كان هو أبرز قارئ لقراءة مكة التي فيها المصاحف المطبوعة في عهد عثمان رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام، وفيها القرآن المنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، فأبرز المقرئين لقراءة أهل مكة في ذلك الزمان وفي عهد تدوين القراءات هو عبد الله بن كثير.

    وفي المدينة المنورة: نافع وشيخه أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وفي الكوفة الكوفيون الأربعة: عاصم ونحن نقرأ بقراءة حفص عن عاصم، والراوي الثاني لــعاصم : شعبة، وتختلف قراءة شعبة عن حفص وكلاهما ينتميان إلى شيخ واحد في قرابة خمسمائة حرف.

    إذاً: الكوفيون الأربعة حفص عن عاصم الكوفي، حمزة الكوفي، الكسائي الكوفي، خلف الكوفي.

    والبصريون أبرز من كان يقرأ في البصرة بالقراءة المتواترة التي هي موجودة في المصحف الذي بعث به في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه: أبو عمرو بن العلاء ، ويعقوب الحضرمي. هؤلاء يقال لهم: القراء العشرة.

    تقدم معنا أن المصاحف التي يؤخذ منها العد هي المصاحف السبعة، وهذه القراءات متواترة عن خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:2-6] قراءتان متواترتان عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] و(اهدنا السراط المستقيم) بالصاد والسين، وهذا متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقرأ به الصحابة الكرام حسب ما تلقوا من نبينا عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وأقرءوه للمسلمين في عهد تدوين القراءات لتضبط فضبطت هذه القراءات ونسبت قراءة كل مصر إلى أبرز الشيوخ في ذلك الوقت.. إلى أبرز المقرئين فقيل: قراءة حمزة ، قراءة عاصم ، قراءة نافع ، قراءة ابن عامر وما شاكل هذا، ولا يجوز -كما قلت- القراءة بغير هذه القراءات، وهذه القراءات متواترة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام.

    حقيقة الاختلاف في آيات سورة الفاتحة

    وعلى هذا أخواتي الكريمات! فسورة الفاتحة سبع آيات، لكن كما قلت اختلف في بيان آياتها على حسب الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا الاختلاف هو من باب اختلاف التنوع وليس اختلاف آراء متقابلة، أي: اختلف عد آياتها إلى كيفيتين ثابتتين متواترتين عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فبعض القراءات اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم فيها البسملة آية من الفاتحة وبعض القراءات لم يعتبر البسملة آية من الفاتحة، ومرد هذا للسماع المحض ولا دخل للعقل ولا للقياس فيه مطلقاً، فانتبهن أخواتي الكريمات إلى هذا، فهذه قضية ينبغي للمسلمين أن يعوها ألا وهي: أن هناك خلافاً كبيراً بين قراءة الأئمة القراء وبين فقه الأئمة الفقهاء، فقراءة الأئمة القراء لا نقول كلها صحيحة فقط، بل نقول: كلها قطعية الثبوت، ومن شك في حرف منها فهو كافر، ولا يوجد صحيح فيها وأصح، ولا قوي وأقوى، ومن باب أولى لا يوجد فيها مقبول ومردود، فكلها كلام الرب المعبود سبحانه وتعالى، فمن قرأ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قرأ بكلام رب العالمين، ومن قرأ: (ملك يوم الدين) قرأ بكلام رب العالمين، وهذا كله مرده للسماع لا للقياس، ولذلك في سورة الفاتحة (مالك، ملك) أما في سورة الناس: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2] من قرأ (مالك الناس) نقطع رقبته، فإذا قال: لم؟ الرسم واحد في السورتين: (ملك الناس) و(ملك يوم الدين) واسمهما في المصحف واحد لم هنا تقرءون مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] (ملك يوم الدين) وفي سورة الناس: مَلِكِ النَّاسِ [الناس:2] ولا يجوز (مالك الناس)؟

    نقول: جواز القراءات يتبع النزول لا الرأي والقياس، ذاك نازل ووارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو متواتر، فأثبتناه ، وأما في سورة الناس فما أقرأ خير الأسياد نبينا عليه الصلاة والسلام وما أقرأ الصحابة الكرام: (مالك الناس) بل قرءوا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] فنقف عند الوارد ولا نشغل عقولنا.

    إذاً: قراءة الأئمة القراء لا تصحيح فيها ولا تضعيف، فلا نقول: هذه أصح، وهذه صحيحة وهذه أقوى وهذه قوية، وهذه مقبولة وهذه مردودة، كل هذا لا يقال، بل يقال: كلها كلام الله. وأنت تقرأ بما شئت، وحسبما تعلم منها وكلها متواترة ولا حرج، تقرأ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] (ملك يوم الدين)، ولا يجوز لأحد أن يقول: هذه أفضل أو هذه أفضل، والذي يقول فهو مبتدع، فالتفضيل بين القراءات بدعة؛ لأنها كلها كلام رب الأرض والسماوات، فلا نفضل، ولا نقول: هذه قراءة أفضل من تلك. لا، هذا كلام الله، ومن باب أولى: لا نقول هذه مقبولة وتلك مردودة، فمن قال هذا فهو ضال، أما فقه الفقهاء فيختلف عن قراءة الأئمة القراء، ففقه الفقهاء فيه صحيح وأصح، وقوي وأقوى، ومقبول ومردود. لماذا؟ لأن فقه الفقهاء دخل فيه العقل البشري في الاستنباط، وهذا العقل البشري قد يخطئ وقد يصيب، قد يصيب فنقول: صحيح، وقد يصيب لكن الإصابة تختلف فنقول: هذا صحيح وهذا أصح، وقد لا يصيب فنقول: هذا خطأ، مع أنه مأجور ولا نضلل الفقيه فهو مأجور في جميع أحواله، لكن لا يلزم أن يصيب في جميع أحواله، وفي الحديث: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر )، له أجر الاجتهاد وخطؤه مغفور، وإذا أصاب فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وأما القراءات فلا دخل فيها لعقول المخلوقات على الإطلاق فهي سماع محض وكفى، ولذلك لا تصحيح ولا تفاوت في القراءات، ومن باب أولى لا تقديم قراءة ورد وتضعيف قراءة أخرى.

    إذاً: القراءات سماع محض عن النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق التواتر لا دخل في ذلك لعقل إنسان، فانتبهن لهذه القضية التي يغفل عنها كثير من البرية.

    إذاً: سورة الفاتحة سبع آيات، سبع آيات لكن كيفية العد تنوعت، ولو أردنا أن نتحاشى اللفظ الموهم بدل اختلفت نقول: تنوعت إلى كيفيتين ثابتتين عن سيد الكونين عليه الصلاة والسلام:

    الكيفية الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم هي الآية الأولى.

    والكيفية الثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي الآية الأولى.

    وكل هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، والكيفية الأولى أخذ بها قراء الكوفة وقراء مكة وهم خمسة .. نصف القراء تماماً، الكوفيون والمكي.

    والكيفية الثانية أخذ بها المدنيان والشامي والبصريان خمسة أيضاً على أن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي أول الآيات، وبسم الله الرحمن الرحيم ليست آية في أول الفاتحة.

    إذاً: اتفق علماء العد على عد آيات الفاتحة سبع آيات، لكن كيفية العد تنوعت حسبما نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    أقوال العلماء في قرآنية البسملة

    أخواتي الكريمات! يتعلق بهذا المبحث -مبحث عدد آيات سورة الفاتحة- يتعلق به مبحث آخر وهو قرآنية البسملة. يعني: هل البسملة قرآن وهي من كلام الرحمن أم لا؟

    القول الأول: أن البسملة بعض آية من سور النمل وبعضها آية كاملة من الفاتحة

    نقول: هي محل اتفاق وإجماع على أنها قرآن في بعض المواضع، وبعد ذلك تنوع القول بقرآنيتها في مواضع أخرى.

    والموضع الذي اتفقوا عليه وهو محل إجماع بين القراء والمسلمين أجمعين أن البسملة هي بعض آية من سورة النمل. هذا بالإجماع، وهي أيضاً بعض آية من الفاتحة، وهذا محل اتفاق.

    وهي بعض آية من سورة النمل في قول الله جل وعلا حكاية عن ملكة سبأ عندما قالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:30-31].

    بعد أن قال الهدهد لهذا العبد الصالح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل:23-24] ... إلخ الآيات، قال نبي الله سليمان: قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ [النمل:27-28] قالت ملكة سبأ وهي التي يقال عنها بلقيس : قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:29-30] هذه الآية الثلاثون تبتدئ من قوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] وعليه فـ(بسم الله الرحمن الرحيم) بعض آية من سورة النمل، وليست آية كاملة؛ لأنه قال: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ) هذا قبل البسملة وهذا بعض من الآية، والبعض الثاني (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هذا محل اتفاق، فالبسملة بعض آية من سورة النمل في آية ثلاثين هذا بإجماع المسلمين، وهي أيضاً بعض آية من الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3] (الرحمن الرحيم) كلمتان هما بعض البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)، فالبسملة فيها أربع كلمات بعضها آية من الفاتحة، فبعض البسملة آية من الفاتحة والبسملة بعض آية من سورة النمل.

    إذاً: البسملة بكاملها جزء من آية في سورة النمل، وبعض البسملة وجزء من البسملة آية كاملة من سورة الفاتحة، هذا محل اتفاق.

    القول الثاني: أن البسملة آية كاملة من الفاتحة

    القول الثاني: إن البسملة آية كاملة من سورة الفاتحة في أولها، وهذا هو الموجود في مصاحف الكوفة ومكة، وبه قال الإمام الشافعي من الأئمة الأربعة في قول من أقوال له ثلاثة في هذه المسألة، فقال: البسملة آية من سورة الفاتحة، فقول الشافعي بناء على ما وجد في هذه المصاحف، وهذا قول أيضاً للإمام أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله من أقوال له ثلاثة في هذه المسألة.

    إذاً: القول الثاني: أن البسملة آية من الفاتحة في أولها، وهذا هو الموجود في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة وهو قول للإمام الشافعي من أقوال له ثلاثة وقول للإمام أحمد من أقوال له ثلاثة وقال به شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا، وهذا القول لا شك في صحته وثبوته، ويستند إلى ما تقدم معنا من المصاحف التي فيها قرآن متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

    القول الثالث: أن البسملة آية كاملة من كل سورة

    القول الثالث: أن البسملة آية من كل سورة، وليس هذا خاصاً بالفاتحة، وهذا قول ثان للإمام الشافعي، يقول: البسملة آية من الفاتحة، وآية من (قل هو الله أحد)، وآية من (قل أعوذ برب الناس)، كل سورة تعتبر البسملة آية في أولها باستثناء سورة واحدة وهي (سورة براءة) فلا يوجد بسملة في أولها بالإجماع، وهذا هو القول الثاني: للإمام الشافعي، وقلت: له ثلاثة أقوال هذا أحدها، وهذا فيما يظهر هو المرجح في المذهب الشافعي وهو أقوى الأقوال: أن البسملة آية من كل سورة من سور القرآن.

    القول الرابع: أن البسملة آية من الفاتحة وهي بعض آية من السور الأخرى

    القول الرابع في موضوع قرآنية البسملة: أن البسملة آية من الفاتحة، وهي بعض آية من السور الأخرى غير سورة براءة. وهذا محل اتفاق، فهي آية كاملة من سورة الفاتحة، لكنها جزء آية من السور الأخرى، يعني: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] هذه الآية البسملة معها كلها آية: بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]. إلى هنا الآية، فأول السورة مع البسملة يعتبر آية، والآية الأولى في كل سورة ضم إليها البسملة لتكون آية، وهذه ثلاثة أقوال للإمام الشافعي، وهذا القول الرابع في موضوع قرآنية البسملة.

    القول الخامس: أن البسملة آية مستقلة للفصل بين السور

    القول الخامس: أن البسملة آية مستقلة في أول كل سورة لا منها، وإنما كتبت هذه الآية مستقلة للفصل بين السور، وهذا هو قول أبي حنيفة وهو قول ثان للإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله.

    إذاً: (بسم الله الرحمن الرحيم) آية في أول الفاتحة لكن ليست منها، بل هي آية مستقلة كتبت لتفصل هذه السورة عما قبلها وعما بعدها: (بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] فـ(قل) آية مستقلة لا تعد من آيات السور، آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، هذا قول أبي حنيفة، وكما قلت قال به الإمام أحمد أيضاً عليهم رحمة الله.

    القول السادس: أن البسملة ليست آية ولا بعض آية من الفاتحة وهي ليست قرآناً

    القول السادس في المسألة وهو آخر الأقوال: ليست البسملة آية ولا بعض آية من أول الفاتحة ولا من غيرها، فهي ليست قرآناً في أوائل السور إنما كتبت للتبرك بتلاوتها قبل كلام الله جل وعلا. قال بهذا الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة الله، وقال به الإمام أحمد في قوله الثالث. وهذه ثلاثة أقوال للإمام أحمد وتقدمت ثلاثة أقوال للإمام الشافعي وللإمام أبي حنيفة قول واحد وهي أن البسملة آية نزلت للفصل بين السور لا تعتبر آية من كل سورة، وللإمام مالك قول واحد ألا وهو أن البسملة ليست بآية ولا ببعض آية من كل سورة في أولها فهي ليست قرآناً يتلى في بداية السور، إنما نزلت هذه وكتبت للتبرك بها لا أنها كلام الله يتلى على أنه قرآن، كما نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم نقرؤها لدفع الوساوس عند القراءة، يقول الإمام مالك: وهكذا بسم الله الرحمن الرحيم ليست قرآناً في أوائل السور ولا آية مستقلة ولا بعض آية، ولا آية من تلك السورة إنما كتبت للتبرك فهي ليست قرآناً يتلى في أول السور.

    إذاً: هذا فيما يتعلق بقرآنية البسملة كما قلت في محل الاتفاق ومحل الافتراق، وكل هذا أخواتي الكريمات مبناه على ما تقدم معنا في موضوع إثبات البسملة في المصاحف وهل تعد بعد ذلك آية من أول كل سورة أو من أول سورة الفاتحة ومرد هذا كما قلت لما نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام، وكيفية ذلك تنوعت فيما علم به النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه وأمته، وعليه فهذه الأقوال كلها حق وصواب، فمن اعتبر البسملة آية من الفاتحة فهو على هدى، ومن قال: إن البسملة ليست آية من الفاتحة فهو على هدى، ولا يلزم من هذا أي محذور.

    حكم قراءة البسملة في الصلاة وكيفيتها

    وعليه إذا قلنا: إنها آية من الفاتحة لو صلى ولم يقرأ البسملة فصلاته باطلة. هذا ما يقول به الإمام الشافعي وإذا قلنا أنها ليست من الفاتحة وصلى ولم يقرأ البسملة فصلاته صحيحة، وهذا الذي يقول به الإمام مالك، بل وأبو حنيفة لأنه يقول: هي آية مستقلة ليست من الفاتحة، بل والمرجح عند الحنابلة أنها آية مستقلة ليست من الفاتحة.

    إذاً: هذا يبنى عليه أحكام شرعية، فهذه الأحكام وإن اختلفت في الظاهر لا حرج فكلها دل عليها ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، فأنت إذا أردت أن تجعل البسملة آية من الفاتحة تقول: هذا ثابت على حسب قراءة الكوفة ومكة وهو المتواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وإن التزمت بهذا فينبغي أن تأتي بالبسملة في أول الفاتحة، وإذا صليت بدون البسملة فلا تصح الصلاة على هذه القراءة إذا كنت تقرأ بها.

    وإذا قال: القراءة الثانية معتمدة ومتواترة وأنا أقرأ بها أيضاً وهو مثلاً على مذهب الإمام مالك وما أراد أن يبسمل في صلاته نقول: الصلاة صحيحة، وهذا منقول أيضاً عن مصاحف المدينة المنورة وعن مصاحف البصرة وعن مصاحف الشام وعن مصاحف حمص والأمر فيه سعة، والأمة إن شاء الله في الحالتين على هدى، ولا داعي أن يختلف بعضها مع بعض، ولا داعي من باب أولى أن يضلل بعضنا بعضاً.

    أخواتي الكريمات! هذه الأمور التي تعبدنا الله بها الغاية منها تعظيمه جل وعلا، وليس الغاية منها الشكل الظاهري، فلذلك قال الله جل وعلا: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] كان المشركون عندما يذبحون الأضاحي والهدي في حجهم يأخذون اللحوم والدماء فيسفحون الدماء على الكعبة المشرفة ويعلقون اللحوم على جدران الكعبة في ظنهم أنهم يطعمون الله، فقال الله جل وعلا: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] لا يصل إليه شيء من ذلك، هو يطعم ولا يطعم، هو الذي يرزق ولا يرزق سبحانه وتعالى، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] فقال الله جل وعلا: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] أي: لا يصل إليه اللحم ولا الدم إنما الذي يصل النية الخالصة وهي تعظيم الله، يعني: المطلوب عندما تريقون الهدي والأضاحي أن تذبحوها على اسم الله، (باسم الله الله أكبر)، يقصد بذلك تعظيم الله واستحلال ما أحله الله، وإطعام عباد الله، أما اللحم لن يصل إلى الله والدم لن يصل إلى الله، ما يصل إليه إلا نية خالصة. أي: تعظيم في القلب له.

    وهكذا عندما نصلي أخواتي الكريمات هذا قرأ البسملة وهذا ما قرأها، وهذا رفع يديه وهذا لم يرفع، وهذا فعل كيفية في الصلاة كما لو افترش وذاك تورك .. لا داعي أن ينكر بعضنا على بعض ما دامت جميع الكيفيات ثابتة عن خير البريات عليه الصلاة والسلام.

    إذاً: هو على هدى وأنا على هدى، أنا أعظم الله بالكيفية التي أفعلها في صلاتي، وهو يعظم الله بالكيفية التي يفعلها في صلاته، ولذلك إذا صلى الإنسان وكان مثلاً على مذهب الإمام الشافعي وبعبارة أدق على قراءة الكوفيين والمكيين إذا قرأ ينبغي أن يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية كما يجهر بالفاتحة، فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو متواتر، فإذا جاء آخر ولا يرى أن البسملة من الفاتحة لا يجوز أن ينكر على هذا، فيقول: لم تجهر؟ وبعض السفهاء في هذه الأيام يرى بعض أئمة المساجد يجهر بالبسملة فما يستحي هذا السفيه فيقول: هذه بدعة. قلت له مرة: ما تستحي من الله؟! لفظ البدعة عندك ما أيسره وما أسهله، هذه كيفية متواترة عن خير البرية عليه صلوات الله وسلامه تقول عنها بدعة؟ الذي ينكرها كافر، لا نقول أن الكيفية الثانية ليست صحيحة، بل نقل عنه هذا ونقل عنه هذا. إذاً: لم تنكر علينا، أنا أعظم الله بالجهر بالبسملة وأنت تعظمه بالإسرار بها، فلا أعترض عليك ولا تعترض علي، وشرع لنا النبي عليه الصلاة والسلام الكيفيتين وكل منهما حق على الرأس والعين، فعلام يضلل بعضنا بعضاً؟ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] وهي النيات الخالصة التي نعظم بها ربنا جل وعلا.

    لمالك في القول بأن البسملة من الفاتحة

    أخواتي الكريمات! انتبهن لهذه القصة اللطيفة الموجزة: الإمام الشافعي تلميذ الإمام مالك، والإمام أحمد تلميذ الإمام الشافعي، الإمام مالك كما تقدم معنا لا يرى أن البسملة من الفاتحة، والإمام الشافعي يرى أنها من الفاتحة ومن لم يأت بها في صلاته فصلاته باطلة، ويرى أن من جهر بالفاتحة في الصلاة الجهرية ينبغي أن يجهر بالبسملة لأنها آية من الفاتحة، وهذه ليست شعاراً للتلاوة بل هي آية من الفاتحة.

    ولو قيل له: كيف خالفت شيخك؟ يقول الإمام أبو الخير بن الجزري في كتابه منجد المقرئين ومرشد الطالبين في (ص:69) والكتاب صغير الحجم بحدود ثمانين صفحة لكن كل صفحة حقيقة تساوي ثمانين ليرة ذهبية، يقول في (ص:69): كنت أستشكل هذا الأمر، وأئمتنا الشافعية يوردونه ثم بعد ذلك لا يجيبون عنه إلا بجواب مجمل، فيقولون: الشافعي نقل عن الإمام مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفتتح صلاته بالحمد لله رب العالمين دون أن يذكر البسملة في أول القراءة، ثم خالف الشافعي ما رواه عن شيخه مالك عليهم جميعاً رحمة الله. لم؟ يقول: كان الشافعية يوردون جواباً مجملاً فيقولون: لعل الشافعي اطلع على علة في هذا الحديث فترك العمل به. يقول الإمام أبو الخير بن الجزري: وهذا الجواب لا يقنعني وكنت مرة أفكر في هذا فلما نمت فتح الله علي. وخلاصة الفتح يقول: هو تلقى عن شيخه مالك الفقه لا القراءة، وأما قراءة الشافعي فتلقاها عن إسماعيل القسط عن ابن كثير، وابن كثير قارئ مكة، وتقدم معنا أن قراء مكة وفي مصاحفهم يعتبرون البسملة آية من الفاتحة، وعليه فالإمام مالك عليه رحمة الله أخذ منه الشافعي الفقه، والفقه استنباط، وما أخذ قراءة من الإمام مالك، إنما أخذ فقهه، والقراءة أخذها عن إسماعيل القسط عن عبد الله بن كثير قارئ مكة، وفي قراءة عبد الله بن كثير إثبات قرآنية البسملة في أول الفاتحة-، فقدم ما قرأه في قراءته على ما نقله عن شيخه مالك، وإن كان ذلك حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هناك قراءة متواترة فتقدم في العمل على الحديث الآحادي.

    يقول: هذا الذي فتح الله به علي فلما أعلمت به الشافعية كلهم قرءوا علي بعد ذلك وطلبوا مني أن أقرئهم قراءة عبد الله بن كثير . أي: قراءة المكي من أجل إثبات قرآنية البسملة في أول سورة الفاتحة.

    وخلاصة الكلام أخواتي الكريمات: جميع هذه الكيفيات منقولة عن خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، وفي مثلها نقول: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، والذي يفعل بعض الكيفية إذا أخلص لله يثاب، ولا داعي بعد ذلك أن يعترض بعضنا على بعض، والأمة الإسلامية إذا وعت هذا ستعيش في سعة وفي بحبوحة وخير ونعمة، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يبصرنا بعواقب أمورنا.

    أما بقية المبحث فيما يتعلق أخواتي الكريمات في كيفية قراءة البسملة في الصلاة وخارج الصلاة وبعد ذلك البسملة بين السورتين والبسملة في أوساط السور وبعد ذلك الوجوه الجائزة في وصل السورتين مع بعضهما آخر الأولى بأول ما بعدها، وإذا أردنا أن نبسمل ما الوجوه الجائزة؟ كل هذا يحتاج إلى كلام عليه، وأرجئ الكلام عليه إن شاء الله إلى الدروس الآتية؛ اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغاراً! اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء المرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755950248