إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الرحيم الطحان
  5. سلسلة مقدمة في علم التوحيد
  6. مقدمة في علم التوحيد - من لم تجتمع فيه شروط التكليف بالتوحيد [1]

مقدمة في علم التوحيد - من لم تجتمع فيه شروط التكليف بالتوحيد [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك من المخاطبين بالدعوة من لم تتوافر فيه شروط التكليف أو شيء منها إما لسبب أصيل فيهم، أو لسبب خارجي، أما السبب الأصيل فإما أن يكون صغيراً لم يبلغ، أو مجنوناً لا يعقل، أو فاقداً لحاستي السمع والبصر، وأما السبب الخارجي فهو عدم بلوغ الدعوة إليهم، وعدم قيام الحجة عليهم، وهؤلاء لهم أحكام تتعلق بهم سواء كانوا من أبناء المسلمين أو من غيرهم.

    1.   

    الدليل على أن من فقد السمع والبصر لا يكلف بالتوحيد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، يا أرحم الراحمين.

    اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! يشترط للتكليف بتوحيد ذي الجلال والإكرام -وهو الشرط الرابع- سلامة إحدى حاستي السمع أو البصر، وما تعليل ذلك وما دليله؟ أولاً: تعليله تقدم معنا في الكلام وأشير إليه، أن من فقد سمعه وبصره فهو: بمثابة من فقد عقله، لا طريق لتعليمه لا عن طريق السماع والكلام، ولا عن طريق الإشارة ليرى، فيرتفع عنه التكليف، وما حكمه؟ سيأتينا بعد ذلك ما حكمه في الآخرة إن شاء الله، إنما يرتفع عنهم التكليف والقلم، فهو بمثابة المجنون الذي فقد عقله، وهل لذلك دليل من الأثر؟

    نعم، لذلك دليل، ذكره الحافظ الإمام ابن حجر في الإصابة (4/118)، وإنما اقتصرت على كلامه لأنني سأورد الأحاديث الكثيرة في هذه القضية عندما يلي هذه المسألة، ما حكم من لم توجد فيه شروط التكليف في الآخرة، هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار؟ سأورد الأحاديث الكثيرة التي أشار إليها الإمام ابن حجر بكلامه، يقرر فيها هذه القضية.

    يقول الإمام ابن حجر : ورد الحديث من عدة طرق في حق الشيخ الهرم، أي: الكبير الذي طعن في السن وفقد عقله ووعيه وأُصيب بالخرس، ومن مات في الفترة فهو في غفلة ولم تبلغه الدعوة، ومن وُلد أكمه أعمى أصم، ومن وُلد مجنوناً أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ، ونحو ذلك، وأن كلاً منهم يدلي بحجة يوم القيامة، فيقول: رب لو عقلت وجاءني رسول لآمنت، هذا سيأتينا مدلول الأحاديث بذلك، والأحاديث في درجة الاستفاضة فوق المشهور ودون المتواتر، وهي مقطوع بصحتها كما سيأتينا، وأورد ما لا يقل عن خمسة أحاديث منها في تقرير هذه القضية، من لم توجد فيه شروط التكليف ما حكمه؟ هل يكلف في الآخرة.

    يقول الحافظ ابن حجر : فيقول هؤلاء: لو كان عندنا عقل لأدركنا وآمنا، لو جاءنا رسول لآمنا، يقول: فترفع لهم نار يوم القيامة، ويقول الله لهم: رِدوها -أي: ادخلوها-، فمن دخلها صارت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سُحب إليها ذليلاً داخراً صاغراً، هذا التكليف الذي سيُكلفون به يوم القيامة، ومن لم يدخلها يقول الله له: أنت كذبتني، فكيف لو أرسلت إليك رسلاً لكنت أشد تكذيباً لهم، اذهبوا فادخلوها داخرين.

    قال الحافظ ابن حجر : وقد جمعت طرق الأحاديث في ذلك في جزء مفرد، هذا الجزء المفرد لم أقف عليه، وأشار إليه الحافظ كما قلت في الإصابة، وفي فتح الباري كما سيأتينا، يقول: جمع هذه الأحاديث التي تدل على أن من فقد بعض شروط التكليف بالتوحيد يُكلف يوم القيامة، بأن يرفع الله له عنقاً من النار، ثم يقول الله لهم: ردوها -أي: ادخلوها- فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سُحب إليها ذليلاً صاغراً.

    هذه الأحاديث تقرر هذا الأمر، الشاهد فيها: من وُلد أكمه أعمى أصم، فلا تكليف عليه، هذه هي شروط التكليف بالتوحيد: العقل، البلوغ، بلوغ الدعوة ووصولها، سلامة إحدى حاستي السمع أو البصر.

    1.   

    حكم من لم توجد فيه شروط التكليف بالتوحيد

    مسألة: وهي التي وعدت بالكلام عليها، ما حكم من لم توجد فيه شروط التكليف بالتوحيد، كما لو مات وهو صغير، كما لو لم تبلغه الدعوة، كما لو كان مجنوناً، كما لو فقد سمعه وبصره، ما حكم هذا عند الله جل وعلا؟

    قلنا: ضمن الله ألا يعذبهم، لكن هل يدخلون الجنة، أو يكونون تراباً كالبهائم، أو يُمتحنون ويكلفون؟

    حكم من مات من أطفال المسلمين

    هذه المسألة -إخوتي الكرام- لها شقان وجانبان، ومن الإنصاف أن نفصل بينهما لئلا نعطي حكم أحد الجانبين للآخر:

    الجانب الأول: من لم توجد فيه شروط التكليف بالتوحيد وهو من أولاد المسلمين، أي: ولد صغير من أولاد المسلمين، مات قبل أن يُكلف بتوحيد رب العالمين، مات قبل بلوغه، فما حكمه؟ هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار، أو يُكلف، أو يكون تراباً، ما الحكم فيه؟ أو مات وعمره يوم أو بعد ولادته بساعة، ما صدر منه توحيد، فما حكمه؟

    هذه في الحقيقة لأئمتنا فيها قول يختلف عن أهل الشق الثاني، أولاد المشركين يختلفون عن أولاد المسلمين في الحكم، من مات في الكفر يختلف عن أولاد المسلمين في الحكم، من كان بالغاً وهو مجنون أو فقد سمعه وبصره يختلف عن أولاد المسلمين الذين ماتوا وهم صغار في الحكم، فلابد إذاً من تمييز هذه المسألة عن تلك.

    إذاً: أولاد المسلمين لم توجد فيهم شروط التكليف بتوحيد رب العالمين، وماتوا قبل بلوغهم، فما حكمهم؟

    نُقل عن أهل السنة قولان في هذه المسألة، قول مرجوح مردود، وقول معتمد مقبول:

    القول الأول: قال به أربعة من أئمتنا الكرام ومن السلف الصالحين، الحمادان حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه ، هؤلاء الأربعة من أهل السنة ومن شيوخ أهل السنة، والمعتمد عند أهل السنة خلاف هذا القول، الحمادان وكل منهما إمام ثقة عدل رضا، لكن الفرق بينهما كما قال الإمام المبجل أحمد بن حنبل كالفرق بين أبويهما في الصرف، هنا دينار وهنا درهم، والدينار يعدل عشرة دراهم، فـحماد بن سلمة بن دينار أعلى من حماد بن زيد بن درهم، كل منهما إمام، لكن الفرق بينهما في الإمامة والضبط، كالفرق بين أبويهما في الصرف، يعني: لو كان هذا ديناراً وهذا درهماً، فالدينار يسوى عشرة دراهم، هذا كلام الإمام أحمد ، وكما قلت كل منهما مخرج له في الصحيح، وهما من شيوخ أهل السنة والجماعة.

    والإمام الثالث عبد الله بن المبارك شيخ الإسلام في زمانه، والإمام الرابع إسحاق بن إبراهيم الحنظلي الذي يقال له: إسحاق بن راهويه ، وغالب ظني أنه مر معنا أن ما يختم بـ(ويه) نضبطه عندنا في العلوم الشرعية، بضم ما قبل الواو وإسكان الواو وفتح ما بعد الواو، بعدها هاء ساكنة: راهُويَه، سيبُويَه، نِسفطُويَه حيُويَه، كل ما يُختم بويه ننصبه ونتصرف فيه، لأن ويه اسم شيطان، كما نُقل هذا عن عمر بن الخطاب وعن إبراهيم النخعي عليهما رحمة الله، فلأجل أن نتحاشى النطق بهذا الاسم القبيح (ويه) نتصرف في الاسم، فنضم ما قبل الواو ونسكن الواو ونفتح ما بعد الواو: راهُويَه، وأما أهل النحو واللغة فيفتحون ما قبل الواو، ويفتحون الواو ويسكنون الياء بعدها هاء ساكنة: راهَوَيه راهُويَه، سيبَوَيه سيبُويَه.

    وهذا -إخوتي الكرام- منصوص عليه عند أئمتنا، وكل من يتكلم في العلوم الشرعية لا يجوز أن ينطق الاسم الذي يُختم بويه إلا بالصيغة التي ذكرتها، فحذار أن يعتبر واحد منكم أن هذا من باب اللحن وعدم الوعي، فالضبط عندنا لكل اسم يُختم بويه أن تضم ما قبل الواو وأن تسكن الواو وتفتح ما بعد الواو بعدها هاء ساكنة: راهُويَه سيبُويَه، وإذا غضب علماء النحو فنقول لهم: لكم اصطلاحكم ولنا اصطلاحنا.

    ولذلك لو نظرتم في كتب الحديث، وجدتم كل اسم يُختم بويه يطلق بهذا الضبط، في كتب الحديث كالصحيحين وغيرهما، وانظروا تقرير هذا في تدريب الراوي (ص:226)، وانظروه في بُغية الوعاة في طبقات النحاة (1/428) وكلا الكتابين للإمام السيوطي ، وانظروا في تهذيب الأسماء واللغات لشيخ الإسلام الإمام النووي (2/258)، وانظروه في معجم الأدباء لـياقوت الحموي (1/255)، وفي غير ذلك من الكتب.

    وإنما ذكرت هذا لأنني غالب ظني عندما ذكرت هذا في بعض الفصول، كأنني رأيت على وجوههم علامة الاستغراب، وفي شفاههم علامة التعجب وابتسامة تعجب، يعني: كيف يكون راهُويه، فأزلت الإشكال، ولذلك خشية أن يستشكل بعضكم، انظروا هذه الكتب، وانظروه في المقاصد الحسنة عند (ويه)، وهو مرتب على حسب الحروف، ويه عند حرف الواو، انظروا إلى اسم (ويه) اسم شيطان يتكلم عليه، وانظروه أيضاً في كشف الخفاء للإمام العجلوني عند اسم (ويه) وأنه اسم شيطان يتكلم عليه، وكيف يضبط العلماء ما يُختم بويه من نحويين وشرعيين، كيف نضبطه في الاصطلاحات الشرعية وفي الاصطلاحات اللغوية.

    قول الحمادين وابن المبارك وابن راهويه في أطفال المسلمين

    إذاً: هؤلاء الأربعة: الحمادان، وشيخ الإسلام عبد الله بن المبارك ، وإسحاق بن راهويه الذي هو شيخ الإمام البخاري ، وهو الذي أشار على الإمام البخاري بأن يجرد الحديث الصحيح، فقَبل الإمام البخاري إشارة شيخه فألف هذا الجامع الصحيح المختصر المسند من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم سننه وأيامه، فرحم الله التلميذ وشيخه، وكان البخاري عليه رحمة الله يقول: ما استصغرت نفسي إلا عند شيخي، أي: عند هذا الشيخ المبارك إسحاق بن راهويه، حقيقة إمام علم، ضبطه بهذه الشاكلة كما قلت.

    هؤلاء الأربعة يقولون: أولاد المسلمين الذين ماتوا قبل بلوغهم وتكليفهم نتوقف فيهم، فلا ننزلهم جنة ولا ناراً، ولا نتكلم في أمرهم، ونفوض شأنهم إلى ربهم، ما دليلكم؟

    قالوا: عندنا دليل صحيح صريح في القضية، فلنعض عليه بالنواجذ، ونحن في سلامة وعافية، الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، ورواه الإمام النسائي وابن ماجة في السنن، ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد، ورواه الإمام الآجري في الشريعة، وأبو داود الطيالسي في مسنده، ومن العجيب أن الإمام القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة اقتصر في عزو الحديث على الكتاب الأخير، وهو أبو داود الطيالسي، وإذا كان في صحيح مسلم فحقيقة من الإجحاف أن نعزو الحديث لمسند أبي داود الطيالسي ، ونغض الطرف عن صحيح مسلم ، فهو في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجة ، وفي الكتب الأخرى.

    ولفظ الحديث: عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (دُعي النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي على جنازة صبي من الأنصار)، فقالت أمنا عائشة مبتهجة فرحة، لما حصل لهذا الصبي الذي مات قبل الحنث والبلوغ والتكليف: هنيئاً له عصفور من عصافير الجنة، لم يدرك الشر ولم يعمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها: (أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب أبائهم)، فقال الحمادان، وعبد الله بن المبارك شيخ الإسلام، وقرينه الإمام إسحاق بن راهويه عليهم جميعاً رحمة الله: هذا الحديث يدل على التوقف.

    فالنبي عليه الصلاة والسلام رد على أمنا عائشة رضي الله عنها الحكم بالجنة على هذا الصبي من أولاد الأنصار، وقال لها: أو غير ذلك؟ فأهل الجنة كتبوا وهم في أصلاب آبائهم، وأهل النار كتبوا وهم في أصلاب آبائهم، كأن هؤلاء الأربعة يقولون: ونحن لا ندري هل هذا من أهل الجنة أو من أهل النار، فلنمسك عن الكلام عنه، ولنقف في هذه المسألة ولا نتكلم في حكمه في الآخرة.

    أقوال معتمدة في معنى حديث عائشة في الصبي: (عصفور من عصافير الجنة)

    والحديث في الحقيقة لا يدل على هذا، ولا يحتمل هذا بحال من الأحوال، إنما يحتمل الحديث أمرين معتبرين، ولعدم وضوح هذين الأمرين عند بعض أئمتنا قالوا أقوالاً أخرى، قالوا ثلاثة أقوال مردودة كما سيأتينا، والقولان الأولان هما المعتمدان المقبولان في معنى الحديث.

    القول الأول: إن نبينا عليه الصلاة والسلام ما أنكر على أمنا عائشة رضي الله عنها حكمها على هذا الصبي بأنه من أهل الجنة، وما قال لها: إن هذا الحكم ليس بصحيح، ويجب عليكِ أن تتوقفي، إنما انصب إنكاره على تسرعها في كلامها، فكأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول لها: من أين لكِ هذا؟ وهذا حكم شرعي، ومصدره النبي عليه الصلاة والسلام، وأنا ما أخبرتك بأن أولاد المسلمين في الجنة، فكيف تتكلمين في هذه المسألة عن طريق العقل والرأي؟ ولا يجوز للإنسان أن يتكلم في الأحكام الشرعية عن طريق عقله، هذا في الأحكام الدنيوية فكيف بالأحكام الأخروية في فعل رب البرية؟ ماذا سيفعله مع عباده، وكيف يحاسبهم، وأي دار سيدخلهم؟ إذا لم نسمع هذا ممن لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن نتكلم.

    فالنبي عليه الصلاة والسلام وقع إنكاره على تسرع أمنا عائشة في حكمها رضي الله عنها، لا في خطئها في الحكم، ما قال لها: أخطأت، إنما قال: أو غير ذلك؟ ولا نعي معنى الحديث للتسرع، وأنتِ ينبغي أن تأخذي الحكم من مصدره، ولا تقولين عن طريق الاجتهاد في هذه الأمور التي هي أحكام شرعية، ويضاف إليها في هذه القضية أنها أمور غيبية، هذا جواب أول.

    وجواب ثانٍ معتمد وهو: أننا نجزم بأن أولاد المسلمين في الجنة، وهذا هو المعتمد عند أهل السنة، وهو القول الحق الذي دلت عليه الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة، لكننا مع قولنا بأن أولاد المسلمين في الجنة لا نجزم للمعين بذلك لئلا نتألى على الله، كما أننا نقول: الموحدون في الجنة وما عندنا شك في ذلك، فلو سئلنا عن واحد بعينه هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار، ماذا نقول؟ نرجو له الجنة، ولا نجزم بذلك؛ لئلا نتألى على الله.

    فإذاً: نحن نحكم حكماً عاماً، أما الفرد المعين فلا نقطع له بذلك، من باب التزام الأدب مع الرب، لئلا نتألى عليه ونحكم بهذا الأمر بين يديه.

    إذاً: إما أن الإنكار منصب على التسرع، وإما أن الإنكار منصب على تعيين الجنة لفرد معين، لا على أن أولاد المسلمين في الجنة، فالإنكار ليس على هذه القضية، هم في الجنة لكن لا نجزم للمعين بذلك، لئلا نتألى على ربنا المالك سبحانه وتعالى.

    أقوال غير معتمدة في معنى حديث: (عصفور من عصافير الجنة)

    هذان الجوابان هما المعتمدان لبيان هذا الحديث وفي تأويله، ولما لم يظهر هذا لبعض أئمتنا قالوا أقوالاً أخرى مردودة، منها:

    يقول بعض علمائنا الكرام: صدر هذا من نبينا عليه الصلاة والسلام قبل أن يُعلمه الله بأن أولاد المسلمين في الجنة، ثم أعلمه بأنهم في الجنة، فكأن هذا منسوخ، أي توقف النبي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر بناء على الأدلة العامة التي نزلت عليه؛ لأن من وحَّد الله في الجنة ومن لم يوحده إذا كان عنده عذر ولم يُكلف، فلا يُعذب، فأمره موكول إلى الله فلا نتكلم في شأنه، ثم أعلمه الله بأن أولاد المسلمين على الخصوص إذا لم توجد فيهم شروط التكليف بالتوحيد فهم في الجنة كرماً من ربنا المجيد.

    وهذا لا دليل عليه، والحديث لا يدل على وقف نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة.

    الجواب الثاني: أبعد من ذلك بكثير، ذهب إليه الإمام الحليمي وهو شيخ الإمام البيهقي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان، وهو في ثلاث مجلدات، وهذا في المجلد الأول صفحة تسع وخمسين ومائة، وهو في هذه المجلدات الثلاثة تكلم على حديث: (الإيمان بُضع وسبعون شعبة) يعني: تكلم على هذه الشعب في هذه المجلدات الثلاثة، وكل مجلد لا يقل عن سبعمائة صفحة، المنهاج في شعب الإيمان، في شرح هذا الحديث فقط.

    يقول في الجزء الأول عند هذه القضية وذِكر هذا الحديث، يقول: لعل النبي صلى الله عليه وسلم توقف في هذا الصبي لكونه ولد من منافقين، وإذا كان الأبوان منافقين فصار الولد إذاً ابناً لكافرين، فخرج عن كونه من أولاد المسلمين فليس له حكم أولاد المسلمين، هل هو من أهل الجنة أم لا؟ العلم عند الله، لابد من أن يُمتحن فهل سيطيع أم لا؟ لا يعلم هذا إلا الله، الله أعلم بما كانوا عاملين، ولا يظهر معلوم الله فيهم إلا بعد امتحانهم في عرصات الموقف.

    إذاً: هذا يقول: لعله هذا الصبي كان ابناً لأبوين منافقين، فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه وفي أمره، وهذا التأويل في الحقيقة غريب بعيد، وإنما التجأ إليه الإمام الحليمي ؛ لأنه رأى أن الحديث يعارض الأدلة الصحيحة الكثيرة في أن أولاد المسلمين في الجنة، فقال: لعله إذاً ولد لمنافقين، ولما لم يهتدِ للجوابين المحكمين المتقدمين قال ما قال، والحديث فيه تصريح بأنه صبي من صبيان الأنصار، وليس هو من أبوين منافقين، فما قاله الإمام الحليمي ما قاله به أحد قبله ولا بعده، فهو قول انفرد به، وهو كما يقال: احتمال من غير أن يقوم دليل على هذا الاستدلال.

    جواب الإمام أحمد عن حديث: (عصفور من عصافير الجنة)

    القول الثالث: ذهب إليه شيخ أهل السنة الإمام أحمد فقال: هذا الحديث لا يصح، فمع ثبوته لكن فيه خطأ، يعني إسناده صحيح، لكن حصل فيه لبس وفيه وهم وخطأ، فهو حديث مردود لمعارضته ما هو أقوى منه، وهذا الذي يسمى بالشذوذ عندنا، أي: إذا خالف الصحيح ما هو أصح منه فيُحكم عليه بالشذوذ ويطرح مع صحته.

    والإمام أحمد يقول هذا، ثم بعد أن قال هذا قال: ومن يشك أن أولاد المسلمين في الجنة؟ يعني هذه القضية مفروغ منها، والحديث يشير إلى الوقف في أولاد المسلمين، وإذا كان كذلك ويعارض ما هو ثابت معلوم من أن أولاد المسلمين في الجنة، فنقول: إنه شاذ لا يصح، فهو إذاً مردود لا يحتج به، ولا يعول عليه.

    هذه ثلاثة أجوبة كما قلت، كلها بسبب الغفلة عن الجوابين المعتمدين:

    الجواب الأول: الإنكار منصب على التسرع في الحكم لا على الحكم، فالحكم صحيح لكن لا يجوز أن تتسرع، وينبغي أن تأخذ الحكم من مصدره: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189] .

    والثاني: الإنكار منصب على الجزم بمعين للجنة، فنحن نقول: أولاد المسلمين في الجنة دون أن نجزم بذلك لمعين من أولاد المسلمين، كما نقول: الموحدون في الجنة، ولا نجزم لواحد إلا إذا ورد النص بذلك أنه من أهل الجنة، كالعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم، رضوان الله على الصحابة أجمعين.

    إذاً: هذا الحديث لا دليل فيه على هذا القول، وبالتالي لا يصح القول بالوقف، إذاً ما المعتمد؟

    المعتمد: أن أولاد المسلمين في الجنة.

    حكاية الإجماع على أن أولاد المسلمين في الجنة

    حكى عدد من أئمتنا الإجماع في هذه المسألة، والصحيح أنه لا إجماع ولا اتفاق مع وجود النزاع من هؤلاء الأئمة الأتقياء العلماء، نعم، القول الحق المعتمد هو القول الثاني.

    قال الإمام ابن كثير في تفسيره سورة الإسراء (3/32) عند الآية المتقدمة: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، عندما بحث ما حكم من لم توجد فيهم شروط التكليف بالتوحيد، وقد أسهب في البحث، يقول رحمه الله: أما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء في نجاتهم.

    والحقيقة يوجد هناك خلاف، لكن لعله ليس معتبراً، يعني: لا يوجد خلاف معتبر في هذه المسألة.

    وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم عند هذا الحديث: أجمع كل من يعتد به على أن أولاد المسلمين إذا ماتوا قبل البلوغ في الجنة، ثم قال: وقال بعض من لا يعتد به -والحقيقة العبارة قاسية-، وأربعة من أئمتنا كل واحد يعتد به كما يعتد بالإمام النووي وأقوى، ورحمة الله عليهم جميعاً، ولذلك التعبير عن قول هؤلاء بأنه لا يعتد بالقائلين هذا خطأ.

    ولذلك ضرب عنها صفحاً الإمام ابن حجر في فتح الباري، عندما نقل كلام النووي فقال: وقال بعضهم نتوقف فيهم فلا نجزم لهم بجنة ولا نار، هكذا فعل شارح شرح صحيح مسلم عندما نقل كلام النووي ورأى قسوة العبارة، فتصرف فيها، فبدلاً من أن يقول: وقال بعض من لا يعتد به قال: وقال بعضهم، وهذا ينبغي أن نعيه إخوتي الكرام دائماً، قد يرد القول مع جلالة القائل، وليس في ذلك منقصة على القائل، وكل واحد يؤخذ من قوله ويُترك إلا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، وإذا أخطأ الإنسان كان ماذا؟

    لكن في الحقيقة: من الرزايا والدنايا أن نقول لعلمائنا: لا يعتد بهم، وإذا صدر هذا من إمام أحياناً من باب الغفلة والسهو، فنلتمس له عذراً، ولا نقول له: أنت لا يعتد بك، كيف تقول هذا عن أئمتنا؟! لكن نقول: هذه العبارة خطأ وسهو وقصور في التعبير، وغفر الله للإمام النووي ، والقول بهذا خطأ، فرحمة الله على من قال به، والمعتمد هو القول الحق: وهو أن دخول أولاد المسلمين هو دخول أولي في ذلك اللفظ.

    1.   

    من أدلة القرآن على أن أطفال المسلمين في الجنة

    استثناء أصحاب اليمين من قوله: (كل نفس بما كسبت رهينة) وأنهم أطفال المسلمين

    أقوى ما يُفسر به أصحاب اليمين في سورة المدثر ولدان المسلمين، وفي الآية قرينتان ودلالتان تدلان على هذا، كما قرر هذا الإمام الفراء في معاني القرآن، ونقلهما -أي هاتين الدلالتين- عنه المفسرون.

    الدلالة الأولى: لفظ (رهينة) أي: مرتهنة محبوسة بعملها كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وهل أولاد المسلمين كسبوا شيئاً، وعملوا شيئاً ليرهنوا ويحبسوا من أجله، ويحاسبوا عليه ويوقفوا من أجله؟ لا، الله يقول: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:38-39]، إذاً: تفسير أصحاب اليمين بأنهم ولدان المسلمين هذا أقوى التفاسير، وقلنا: له حكم الرفع، ولا مانع أن يُقبل غيره؛ لكن هو أول ما يدخل في ذلك اللفظ لهاتين القرينتين، الأولى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] أي: مرتهنة محبوسة لتحاسب على عملها، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً.

    والقرينة الثانية: قول الله يَتَسَاءَلُونَ [المدثر:40] ، انظر ماذا قال الله: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر:38-44] ، هذا التساؤل هل هو سؤال من حضر عرصات الموقف وحوسب ونوقش ونصب له ميزان ونشر له ديوان؟ أم هو سؤال غِر جاهل لا يدري وقائع الأمور يوم النشور؟

    هذا لو كان من المكلفين من الموحدين المتقين، وأخذ كتابه بيمينه، ووُضع في ميزان، وحوسب ثم نجى، لعلم أن أولئك دخلوا سقر لما جرى منهم من ظلم وكفر، وأما هؤلاء الذين يتساءلون فلا يعرفون، لا وُزنوا، ولا حُوسبوا، ولا نُوقشوا، إنما أُدخلوا الجنة من غير حساب ولا عذاب، فلما نظر أهل الجنة إلى أهل النار هؤلاء تعجبوا، أما بقية أهل الجنة فلا داعي للعجب؛ لأنهم يعرفون السبب الذي من أجله دخل الكفار النار، وإذا عُلم السبب بطل العجب، لكن هؤلاء ما عرفوا السبب، فلما أشرفوا على أهل النار قالوا: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] أنتم عجيب! يوجد في الآخرة داران جنة ونار، لمَ تدخلون النار؟ تعالوا معنا إلى الجنة، أنتم ما عندكم عقول، لمَ أويتم إلى هذه النار تعذبون فيها؟ هذا سؤال غر جاهل، أو سؤال خبير بصير يعلم ما جرى يوم النشور؟

    حقيقة سؤال غر جاهل لا يدري ما جرى، فأولئك أجابوهم: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:43-45] إلى آخر الآيات، أما من عدا أولاد المسلمين فيعلمون هذا الجواب، يعلمون هذه القضية.

    وهؤلاء حالهم كحال بنت الأمير، ولعلكم تسمعون قصتها، عندما خرج الناس في بعض البلدان يطالبون بالخبز، والخبز في البلاد العربية كالرز في أندونيسيا، الذي هو غذاء وقوت رئيسي، يعني لا يمكن أن يعيش الإنسان هناك بدون الخبز، الذي هو من الدقيق والطحين، لا يمكن إلا أن يأكل الخبز، فطور وغداء وعشاء، وأما هنا يأكلون الرز بدله، وفي كل خير، وهو من نعم الله على عباده.

    على كل حال خرجوا يطالبون بالخبز ولا يوجد في البلاد خبز، فهم في مظاهرات حتى وصلوا أمام بيت الأمير ويطالبون: نريد خبزاً نريد خبزاً، نحن في جوع، نحن في شدة، نحن في عناء، أشرفت بنت الأمير عليهم، وهم جموع يملئون الشوارع، قالت لأبيها: ماذا يريد هؤلاء؟ قال: يريدون خبزاً، لا يوجد في السوق خبز لأجل أن يأكلوا، فيطالبون المسئول من أجل أن يفتح يديه، ويوسع على الناس من أجل وجود الخيرات في الأسواق.

    قالت: سبحان الله! إذا ما وجدوا الخبز فليأكلوا الحلويات!

    والحلويات لعلكم تعرفونها، إذا كان كيلو الخبز بألف روبية، الكيلو الحلويات أقل شيء بثلاثين ألف روبية، تقول: إذا ما وجدوا الخبز فليأكلوا الحلويات.

    فهذه هي غرة جاهلة، حقيقة هي إذا ما وجدت الخبز ماذا تأكل؟ حلويات؛ لأن الخزانات والدواليب والثلاجات كلها مملوءة بالأطعمة والأشربة، مما لذ وطاب كما يقال، فهي إذا فقدت الخبز تأكل الحلويات، لكن الذي يفقد الخبز من أين سيحصل الحلويات؟ وهذا كلامها كلام بصير أو كلام غِر جاهل؟ غر جاهل لا تعرف الحياة، حقيقة من نشأ في ترف ونعمة وبطر، وعندما يتجشأ يخرج اللحم عند جشائه من شبعه، هذا لا يتصور أنه يوجد في الدنيا فقر أو يوجد فقير.

    وقد عُمل مقابلة مع كثير من الثريات في هذه الحياة: هل تتصورين أنه يوجد في الدنيا فقر؟ قالت: لا، وحقيقة هي معذورة في جوابها، لا أقول معذورة في واقعها، الحساب ينتظرها عند ربها، لكن الجواب هي فيه معذورة؛ لأنه عندما يأتيها من صنف الخياطات في عدة حُجر ليخطن لها في اليوم عدة ملابس، إذا لبست الثوب لا تعود إليه بعد ذلك، هذه هل تتصور أنه يوجد في الدنيا فقر؟! من الذي يعلم الفقر؟

    يعلم الفقر من يعيش مع الناس، أما من هو جالس في هذه القصور والحصون، ثم بعد ذلك أشياء مستوردة من هنا وهناك، ولا يعلم أحوال الرعية والأمة، كيف سيقول هذا؟ هذا غر.

    أولاد المسلمين في الآخرة حالهم كحال بنت الأمير في الدنيا، يدخلون الجنة مباشرة من غير حساب ولا عذاب، فإذا رأوا أهل النار يتعجبون: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] ، فـ(ما سلككم) يدل على سؤال من لم يدرِ حقائق الأمور، وقول الله في أول الآية: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:38-39] يدل على أن المراد من أصحاب اليمين هم ولدان المسلمين، فليس عندهم شيء يرهنون به ويحاسبون عليه.

    وهذا التفسير -كما قلت- قرره الإمام الفراء وهو من علماء القرن الثاني للهجرة وبداية القرن الثالث، توفي قرابة (209هـ) عليه رحمة الله، وهو من الأئمة المتقدمين، الإمام الفراء ، وكتابه معاني القرآن في ثلاث مجلدات، كما قلت نقله عنه أئمتنا وارتضوه، نقله ابن الجوزي في زاد المسير، ونقله الرازي في التفسير، ونقله الخازن في لباب التأويل، وذكره الإمام الطبري في تفسيره على أنه قول معتبر في تفسير الآية.

    إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:39]، أي: إلا ولدان المسلمين، إلا أولاد المؤمنين، فهم في الجنة، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ [المدثر:40] ، هذه الدلالة الأولى، وكما قلت إنها من سورة المدثر.

    بيان أن الذرية في قوله: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان...) يقصد بها أولاد المسلمين

    الدلالة الثانية في سورة الطور: وفيها يقول العزيز الغفور سبحانه وتعالى، في آية واحدة وعشرين وما بعدها: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].

    انتبهوا إخوتي الكرام! وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ [الطور:21]، لفظ الذرية في اللغة العربية، وفي الاستعمالات الشرعية: يطلق على الفروع وعلى الأصول، على الأولاد وعلى الأبوين، فيقال لأصولك ذرية ذرئت منها، ويقال لفروعك ذرية ذُرئوا منك وخلقوا منك، والله استعمل لفظ الذرية في الفروع وفي الأصول في كتابه جل وعلا، فقال في سورة البقرة: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [البقرة:124] المراد هنا الفروع.

    واستعمل الله الذرية في الأصول، فقال جل وعلا: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس:41]، أي: أصولهم الذين بعد ذلك وجدوا منهم وتناسلوا منهم، ولذلك يقال لنبي الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أبو البشرية الثاني؛ لأنه لا يوجد أحد في الأرض إلا من كان معه في السفينة وغرق أهل الأرض، ثم من هم في السفينة ذريته وأهله هم الذين جاء منهم النسل، ونحن من نسل من في السفينة: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ [يس:41]، أصولهم، فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس:41] أي: نجينا آباءهم في ذلك العصر في الفلك المشحون، المحمل بالأثقال ويمشي على الماء، فالفلك هي السفن: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس:41] .

    ولفظ الذرية: إما أن يكون مأخوذاً من ذرأ الله الخلق إذا خلقهم وأوجدهم سبحانه وتعالى، فهو إذاً مثل (ذرأ)، والأصل فيها ذرِيئة، تُركت الهمزة تسهيلاً، كما يقال: برية، الأصل فيها بريئة، تُركت الهمزة فيها تسهيلاً في اللفظ.

    ذرية من ذرأ يذرأ، بمعنى خلق وأوجد وجعل، بالنسبة للذرية في هذه الآية: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ [الطور:21]، أي: أولادهم الذين خلقهم الله، ذريتهم أولادهم الكبار أو الصغار الذين خلقهم الله وأوجدهم، أي: ذرأهم، خلقهم، برأهم، أوجدهم سبحانه وتعالى.

    وإما أن يكون ذرية فعلية من الذَّر، بمعنى البث والنشر.

    إذاً: إما ذُريئة من ذرأ بمعنى خلق وأوجد، وحذفت الهمزة تسهيلاً، وإما فُعلية من الذر بمعنى البث والنشر: وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1] .

    لفظ ذرية في الآية المراد منه الأولاد: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ [الطور:21] ، لكن هل المراد الكبار أو الصغار؟ أي: المكلفون أو الذين هم دون التكليف وهم صغار لم يجرِ عليهم القلم؟ الآية شاملة للقولين، وبكل منهما وردت آثار صحيحة تدل دلالة على أن أولاد المسلمين الصغار مع آبائهم في الجنة، كرماً من الله وفضلاً، فاستمعوا لهذه الآثار وتلك الدلالات.

    قيل: إن المراد من الذرية هنا الأولاد الكبار: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ [الطور:21] ، أي: أولادهم الكبار بِإِيمَانِ [النساء:25] ، أي: آمن أولادهم عندما بلغوا كما آمن الآباء، لكن درجة الأبناء أنزل من درجة الآباء، فيتكرم الله على الصنفين يوم القيامة، فيرفع الأبناء إلى درجة الآباء، ولا ينزل الآباء إلى درجة الأبناء، لأن هذا إنقاص للعالي، فيرفع النازل ولا ينزل العالي، فقوله: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]، أي: في المنزلة والدرجة والمكانة والرتبة، وَمَا أَلَتْنَاهُمْ [الطور:21] أنقصناهم، مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]، هذا التفسير رُوي موقوفاً ومرفوعاً.

    أما الموقوف عن ابن عباس رضي الله عنهما ففي المستدرك بإسناد صحيح، ورواه الطبري في تفسيره، ورواه هناد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والإمام البيهقي في السنن الكبرى، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن الله جل وعلا يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21] ).

    وهذا التفسير رُوي مرفوعاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً، رواه البزار في مسنده، ورواه ابن مردويه في تفسيره، ورواه النحاس في الناسخ والمنسوخ، قال الإمام الهيثمي في المجمع (7/114) لأن الأثر كما قلت رواه البزار ، فهو في مجمع الزوائد، وتكلم الحافظ الهيثمي عليه رحمة الله على درجته، يقول: فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري ، وفيه ضعف.

    وهذا الأثر المرفوع يشهد له أثر مرفوع ثانٍ، ويتقوى بالأثر الموقوف المتقدم، وليس فيه من الرواة المتكلَم فيهم إلا قيس بن الربيع ، وقد وثقه الثوري وشعبة ، وفيه ضعف -كما قال الإمام الهيثمي - يزول بتعدد الطرق وبالأثر الموقوف المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما، بل له حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يتعلق في مغيَّب من أحكام الآخرة، ولا يجوز للإنسان أن يتكلم في هذا عن طريق رأيه وعقله.

    والأثر هو بنفس اللفظ المتقدم: (إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه، ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]) الآية، والأثر رُوي أيضاً كما قلت مرفوعاً، رواه الإمام الطبراني في الكبير، والإمام الطبراني في الصغير، ورواه ابن مردويه أيضاً في التفسير، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وأولاده، فيقول الله له: إنهم لم يبلغوا درجتك، وهم في الجنة دونك، فيقول: رب عملت لي ولهم، فيأمر الله بإلحاق هؤلاء به، ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]).

    وهذه الرواية فيها محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ضعيف، كما قال الإمام الهيثمي في المجمع، وعلى هذا القول ليس هناك دلالة على قولنا بأن أولاد المسلمين في الجنة، إنما ذكرت هذا من باب ما تحتمله الآية.

    إذاً: تشمل الآية الأولاد الكبار، وعليه يكون قوله: بِإِيمَانِ [النساء:25]، جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال في محل نصب حال من الفاعلين، الفاعلون في الآية هم الذرية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]، أي: حال كونهم مؤمنين إيماناً ينقص عن إيمان الآباء، فأولئك إيمانهم راسخ قوي، والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، إذاً: اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21]، أنقص من إيمانهم، (بِإِيمَانٍ) في الجملة كما قال المفسرون، أي: لهم وصف الإيمان لكن خلطوا وفرطوا وقصروا وأساءوا وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لكن عندهم وصف الإيمان، ولا يستحقون الدرجات الحسان في غرف الجنان، فالأبوان فوقهم، فيلحق الله الأولاد بدرجة الآباء كرماً من الله وفضلاً؛ لتقر بهم أعين آبائهم، ولتقر أعينهم بعضهم ببعض، إن الله يحلق ذرية المؤمن بدرجة الأبوين في الجنة، لتقر أعين بعضهم ببعض كرماً من الله وفضلاً.

    إذاً: هذا يكون إذا (بِإِيمَانٍ) حال من الفاعل في قوله: اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ [الطور:21]، الذرية فاعل، أي: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ [الطور:21] حال كونهم مؤمنين، ألحقنا الذرية بآبائهم؛ لوجود الإيمان في الذرية؛ لأنهم بلغوا وآمنوا؛ لكن إيمانهم ينقص عن إيمان أبويهم، فألحقوا بهم كرماً من الله وفضلاً.

    قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله: ويصح أن يتعلق الجار والمجرور بالفعل وهو: (وَاتَّبَعَتْهُمْ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21]، (بِإِيمَانٍ): جار ومجرور متعلق باتبعتهم، ويكون معنى الآية: اتبعتهم في إيمان قاصر عن إيمان الأبوين، وعلى هذا القول -كما قلت- لا يوجد شاهد ولا دلالة على أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن المراد من الذرية هنا الأولاد الكبار الذين آمنوا فيستحقون الجنة، لكن الدرجة نازلة فرُفعوا إلى درجة الآباء كرماً من الله وفضلاً.

    بيان أن الذرية في قوله: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان...) يقصد بها من مات من أبناء المسلمين دون البلوغ

    المعنى الثاني الذي تشمله الآية أن المراد من الذرية هنا: الأولاد الصغار الذين هم دون الحنث والبلوغ، ماتوا ولم يكلفوا.

    رُوي هذا أيضاً موقوفاً ومرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، رواية الموقوف عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الطبري ، ورواها الطبري أيضاً عن الضحاك بن مزاحم وعن جابر بن زيد الأزدي رضي الله عنهم أجمعين، والضحاك وجابر من التابعين، وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، أن المراد من الأولاد هنا الأولاد الصغار الذين لم يبلغوا الحنث، وماتوا قبل البلوغ.

    ورُوي هذا مرفوعاً عن علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الله بن الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله في زوائد المسند، وإسناد الحديث صحيح وليس فيه غير راوٍ دار حوله كلام وهو محمد بن عثمان ، قال عنه الإمام الهيثمي في المجمع (7/217): لم أعرفه، وقال عنه الإمام الذهبي في الميزان: الخبر منكر، ولفظ الخبر: (إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]).

    إخوتي الكرام! لفظ الحديث المتقدم: (إن الله يلحق ذرية المؤمن به في الجنة وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21])، أما هنا: (إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار)، وبالنسبة للشق الثاني سيأتينا التفصيل عليه، كالإزالة عن الإشكال الذي يتعلق بهذه القضية إن شاء الله، دعونا الآن في أولاد المسلمين.

    (إن المسلمين وأولادهم في الجنة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21])، يقول الإمام الذهبي في الميزان: الخبر منكر، ومحمد بن عثمان لا يُدرى من هو، فتشت عنه فلم أجده، وتعقبه الإمام ابن حجر في لسان الميزان فقال: محمد بن عثمان الذي تقدم ذكره هو الواسطي ، وترجمه الإمام ابن حجر قبل محمد بن عثمان الذي يقول عنه الإمام الذهبي إنه مجهول، تقدم ذكره، وقد قال عنه الإمام الأزدي : ضعيف، ووثقه ابن حبان فجعله في كتابه الثقات.

    ولذلك الإمام ابن حجر مال إلى تحسين هذا الحديث، فأورده في الفتح، وقال: هذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية، ولم يتكلم على الأثر بتضعيف، وهو لا ينزل عن درجة الحسن على حسب شرطه في فتح الباري، كما بين هذا في هدي الساري في مقدمة كتابه في صفحة أربعة: أن كل حديث يورده في الفتح ولا يضعفه فلا ينزل عن درجة الاحتجاج به صحة أو حسناً، فإذا ضعفه فالحكم كما ذكر، وإذا ذكر الحافظ حديثاً في الفتح واستشهد به دون تضعيف فهو صحيح أو حسن، فهذا يقول: أصح ما ورد في تفسير الآية، وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، ومال إلى تحسينه ولم يعتبر تضعيف محمد بن عثمان .

    وقد ذهب الإمام الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند، فذكر أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن بحال، ثم قال عن كلام الأزدي: يغلو في التضعيف، ويضعف أئمة ثقات، فهو من المتشددين لا يؤخذ بكلامه، ودعوى الذهبي أنه مجهول لا يعرف، لا دليل عليه، وقوله: الخبر منكر، يقول: ليس فيه ما يستنكر، والأحاديث الصحيحة تشهد بمعناه ولمعناه، فأولاد المسلمين في الجنة، وأقل أحواله أنه في درجة الحسن.

    وذهب الإمام ابن القيم إلى تضعيف الحديث في كتابه طريق الهجرتين (ص:51)، وذكر علتين عل حسب قوله في تضعيف الحديث، العلة الأولى: جهالة محمد بن عثمان ، وقد علمنا أن الجهالة عنه مرفوعة، فهو محمد بن عثمان الواسطي وهو معروف ليس بمجهول، وثقه كما تقدم معنا ابن حبان ، ولذلك يقول الإمام ابن حجر في تعجيل المنفعة في زوائد المسانيد الأربعة: قال لي شيخنا الهيثمي عليه رحمة الله: إن محمد بن عثمان مترجم في ثقات الإمام ابن حبان عليهم جميعاً رحمة الله تعالى.

    وتقدم معنا كلام الإمام الهيثمي أنه يقول: لم أعرفه، يقول ابن حجر معلقاً على كلام الهيثمي : فلعله قال ما قال في المجمع قبل أن يقف على ترجمة محمد بن عثمان في كتاب الثقات لـابن حبان ، يعني الهيثمي يقول لـابن حجر وابن حجر تلميذ للإمام الهيثمي، الهيثمي يقول للإمام ابن حجر : محمد بن عثمان الواسطي في ثقات ابن حبان ، وهو يترجمه في المجمع كما تقدم معنا يقول: لم أعرفه، لذلك إسناده ثقات إلا محمد بن عثمان فلم أعرفه، أنت تقول لتلميذك: هو في ثقات ابن حبان ، ذكر هذا الحافظ ابن حجر كما قلت في تعجيل المنفعة في زوائد المسانيد الأربعة، أي: مسانيد يقصد بها؟ المسانيد الأربعة هي مسند أبي حنيفة ومسند الشافعي وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد، إذا يوجد رجل في هذه الكتب الأربعة ليس له ترجمة في التقريب أو التهذيب..

    هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755982957