إسلام ويب

مقدمة في علم التوحيد - شروط التكليف بالتوحيد [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العقل هبة الله تعالى ونعمته على الإنسان، ولكن قد يحصل له ما يحجبه عن أداء مهمته وتحقيق وظيفته في معرفة العواقب وتحاشي المحرمات، وهما أمران أحدهما حسي كالمسكرات والمخدرات، والثاني معنوي وهي الضلالات من اتباع للهوى وتقليد أعمى، وإن من كمال الإيمان أن يكون الهوى تبعاً لشرع المولى الجليل، وسنة نبينا المصطفى الخليل.

    1.   

    متى يحجب العقل عن أداء وظيفته

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، يا أرحم الراحمين.

    اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! لابد عند ذكر العقل من التنبيه على أمر ينبغي أن نعيه وأن نتفكر فيه، العقل الغريزي المطبوع متى لا يؤدي ثمرته، ولا يحصل فيه زكاء، ولا يحصل فيه نور، ولا يكون فيه عقل مسموع مكتسب؟

    إذا سيطر على العقل أمران، وإذا تلبس العقل الغريزي بأمرين حُجب عن أداء مهمته، وعن أداء وظيفته، وعن تحصيل العلم والوعي والنور والخير والبركة:

    أحدهما حسي، والآخر معنوي.

    وإذا اجتمعا -وهذا حال أكثر الناس في هذه الأيام- اجتمعت البلايا بأسرها على التمام، فكيف سيقوم العقل الغريزي بعد ذلك بأداء مهمته ليزكو وليكون فيه بصيرة وطهارة.

    الأمر الحسي الذي يحجب العقل عن أداء وظيفته

    أما الأمر الحسي فالمسكرات والمخدرات، إذا تعاطاها أحد من المكلفين والمكلفات حُجب عقله، ومُنع من أداء وظيفته، المسكر والمخدر، مسكر يزيل العقل ويمنعه من أداء وظيفته ومن تحصيل العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية، ومن قوة الإرادة وحصول المجاهدة، وقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة المحرمة.

    وهناك أمر معنوي أشنع من الحسي بكثير، فإذا كان المسكر الحسي والمخدر الحسي له فترة محددة ثم يزول أثره، فهناك حاجب معنوي إذا خيم على العقل صار الإنسان بهيمة، وهو أحط من البهيمة، ولا يمكن أن يعود إليه عقله إلا إذا تنزه من هذا الأمر، كما أنه لا يمكن أن يعي عقله وأن يبصر، إلا إذا ذهب عنه المسكر والمخدر الحسي، الأمر المعنوي مركب من أمرين، كما أن الحسي من أمرين: مسكرات ومخدرات.

    والمعنوي هو اتباع الهوى، أي: السير وراء ما يهواه الإنسان في هذه الحياة من الشهوات، هذا يحجب العقل، إذا سار الإنسان وراء هواه وشهواته، فقد حُجب عقله عن أداء وظيفته، وعقله الغريزي لا يتنور ولا يتبصر ولا يهتدي، والله جل وعلا يقرر هذا في كتابه فيقول في سورة الفرقان: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43-44] .

    جعل ما يهواه معبوده ودينا له في هذه الحياة، وما يهوى شيئاً إلا ويصيره معبوداً له، والمشتهيات وما يهواه الناس متنوع متعدد مختلف، هذا يهوى زوجته ويبيع دينه من أجلها، تعس عبد الزوجة! وهذا يهوى درهمه وديناره ويبيع دينه فيهما؛ تعس عبد الدرهم والدينار! وهذا يهوى الملابس والمنظر الحسن؛ تعس عبد القطيفة! تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، وهذا يهوى ويهوى، كل واحد يهوى شيئاً.

    الهوى: سُمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في نار جهنم، وإذا أُصيب الإنسان بالهوى فقد حُجب عقله وأُزيل، ولا بصيرة فيه ولا نور ولا زكاء، ولذلك الهوى هو الهوان، كما قال أئمتنا:

    إن الهوان هو الهوى نقص اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا

    وقيل:

    نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا

    أصل الهوى هوان، وتسقط عن رتبة الإنسان، وتلتحق برتبة هي أحط من رتبة الحيوان: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] .

    والهوى للعقل البشري بمثابة الدخان للمرآة، عندك مرآة صافية مصقولة، أتيت بدخان أسود أمامها بحيث غطاها، هل ترى صورتك فيها؟ متى ما سار الهوى فيك واستحكم على عقلك حُجب عقلك.

    ولذلك من تعلق بالصور والنسوان والغلمان حُجب عقله، وصار من أتباع الشيطان، ومن فطم نفسه عن الهوى فهو من عباد المولى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، هذا الأمر الأول مسكر معنوي.

    التقليد الأعمى وكيف يحجب العقل عن وظيفته

    والثاني: مسكر معنوي هو التقليد الأعمى، يمشي على عرفه وعادة قومه، كما هو الآن: وطنية وقومية، ومن يدعو إلى واحد منهما فهو كافر برب البرية، وليس من عداد المسلمين عند رب العالمين، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، ما عندنا شيء ننتمي إليه إلا فكرة لها شريعة تجمع بيننا لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذه جنسيتنا وهذا وطننا، وأما وطنيات مزيفة فهذه جاهلية، والقوميات المشئومة جاهلية أيضاً.

    ولذلك من سار على عرف قومه ووطنه وتقليد آبائه وأجداده دون أن يكون ذلك على بصيرة من دينه وربه وشريعته، فهذا يحجب عقله، فيقال له: ما حجتك؟ يقول: قومي يفعلون هذا، وأنا سأفعل مثل فعلهم، وإذا كان قومي سيدخلون النار فسأدخل معهم، انتهى الأمر، فعل الآباء، فعل القوم.

    وهذه هي حجة فرعونية، وهي حجة قرشية عربية، كانوا يعارضون بها دعوات الله الربانية.

    1.   

    الحجة الفرعونية والحجة القرشية في معاندة الحق وحجب العقل

    الحجة الفرعونية في رد الحق

    انظر إلى فرعون العاتي اللعين عندما قال لنبي الله موسى وهارون على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه، في سورة طه: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:49-50] ، حجة قوية بينة، ربنا الخالق، وجعل لكل مخلوق ما يناسبه وهداه إلى التصرف حسبما يلائمه: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] ، أي: هداه ليتصرف حسبما ركز في طبعه وغريزته، فلو وضعت أمام الحمار والكلب حشيشة وعظاماً، الكلب يأكل العظام والحمار يأكل الحشيش، رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].

    ولو أطعمت الذباب ما أطعمته لا يخرج منه إلا قذر، هداه الله أن يخرج هذا، والنحل بحجمها تأكل من كل الثمرات ثم يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، لمَ هذا؟ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] ، كل مخلوق فطره ربه ليتصرف حسبما ركز فيه سبحانه وتعالى، إذاً: هذه حجة قوية.

    قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51] هذه هي الحجة الفرعونية، وهذه هي العصا التي يعارض بها الطغاة الهداة في جميع الأوقات، يقول له: إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى كانت على الشرك، أنت تدعو الآن إلى التوحيد الخالص، فما بال القرون الأولى كانت مشركة وتعبد مع الله أنداداً: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51]، يعني هل الأمم السابقة التي مضت مثل عاد وثمود وقوم نوح وغيرهم ممن كانوا يعبدون الأصنام، ويجعلون أنداداً للرحمن، يعني: هل هؤلاء على ضلال وأنت وأخوك على هدى؟ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51]، أي: هذا الإله الذي تدعو إليه لا صحة له.

    قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي [طه:52]، أي حسابها عند الله، فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52] ، وهذا أحد القولين في تفسير الآية، وهو أقوى القولين لإثبات الحجة الفرعونية التي يدعو إليها كثير من غواة البشرية في هذه الأيام، اتباع الآباء وعادات الأقوام، لا تخرج عن عرف وطنك، هذا وطنك مقدس! أما دينك فليدنس.

    التفسير الثاني: أن فرعون اللعين العاتي، عندما علم قوة حجة نبي الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، أراد أن يشاغب، وأن يحدث اللغط والصخب والتشويش حول هذه الحجة، وأن ينقل الناس إلى حديث آخر لئلا يعتبروا هذه الحجة القوية التي يقررها موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فيقول: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51] ، يعني: قُصَّ لنا أخبار المتقدمين وحدثنا عنهم، وكأنه يقول: الآن اتركنا من الحديث عن قضية الإله، وأنه هو الله الذي خلقك وخلق كل شيء وينبغي أن نعبده، اتركنا من هذا، حدثنا عن الأمم السابقة ليضيع المطلوب، فأجابه نبي الله باختصار: عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52]، أي: وهذا الإله هو الذي ستؤول إليه أنت وغيرك، وسيحاسبكم على النقير والقطمير فاعبدوه وحده لا شريك له: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] .

    الحجة الفرعونية ما هي؟ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51].

    الحجة القرشية في رد الحق

    وما هي الحجة القرشية؟

    قريش اتبعوا أيضاً حجة غوية أشار إليها ربنا في أول سورة ص: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:1-5]، لمَ عجاب؟ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ [ص:7]، أي: ما أدركنا على هذا آباءنا ولا أجدادنا، آباؤنا وأجدادنا كانوا يعبدون هبل واللات والعزى ويتمسحون بالأصنام.

    والملة الآخرة أيضاً يمكن أن تمدها، فالنصارى يقولون بالتثليث وأن الله ثلاثة، واليهود يقولون العزير ابن الله، فما بال محمد -عليه الصلاة والسلام- يدعو إلى التوحيد الخالص، وأن الله واحد لا شريك له؟!

    إذاً: ما هي حجتهم التي يلوحون بها، والعصا التي يهوشون بها، ويردون بها حجج الرسل الواضحة البينة النقية؟

    الجواب: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7]، فالذي يقلد تقليداً أعمى، هل يمكن لعقله أن يقوم بوظيفته؟ حُجب العقل مباشرة، متى ما قلد حُجب العقل، تبعت الهوى فحجب العقل، سكرت أو حششت بأي حشيش أو أفيون، أو ما شاع الآن من عقاقير ملعونة يأخذها الناس كالكوكايين، وبعضها تطرح الإنسان ثلاثة أيام متتالية، وقد فشت بين الأمة وانتشرت بين الناس، وأمريكا مع عتوها وبغيها وجبروتها وضلالها لا زالت للآن تمنع المخدرات، لكنها تبيح المسكرات، والدول العربية لها تبع، فتبيح المسكرات وتمنع المخدرات -انتبهوا- لا طاعة لرب الأرض والسموات، إنما طاعة للشيطان، وعما قريب ستتخذ أمريكا قراراً بإباحة المخدرات بأنواعها، وسيتبعها العالم بأسره، تحت ستار الحرية الشخصية، وستجدون هذا.

    الرد على من يبيح المسكرات ويحرم المخدرات

    أصدرت أمريكا في الستينات الميلادية قراراً بحظر الخمر ومنعها، وعاقبت من يفعل ذلك، وما استمرت على هذا القرار إلا بضعة أشهر، ثم انتكست، وقالت: الخمر حلال مشروبات روحية!! علام تباح الخمور وتُمنع المخدرات؟! وأنا أعجب لمن يسيرون وراء العمالة من حيث لا يشعرون، فيضخمون من أمر المخدرات ويبطلون المسكرات، والمسكرات قد ورد في تحريمها نص قطعي في كتاب الله جل وعلا، ومستحلها لا شك في كفره، وعلامَ تُمنح التراخيص بحل الخمر بيعاً وشراء وتصنيعاً وشرباً وتقديما في الحفلات!!

    فينبغي أن نسوي بين المتماثلين، إما أن نطيع الرحمن وإما نطيع الشيطان، وأما أن تكون تارة مع الله وتارة مع الشيطان، فهذا هو التناقض البشرى في هذا العصر، مخدرات ممنوعة، ويستدلون بعد ذلك بالآيات التي تحرم ما يزيل العقل، وخذ منهم بعد ذلك فقهاً وتفسيراً واستنباطاً واستنتاجاً، المسكرات مباحة لا حرج فيها، لمَ هذا؟ إما أن نحرم الصنفين وأما أن نبيح الصنفين.

    ولذلك حقيقة بعض الدول الآن كأستراليا تبيح المخدرات كما تبيح المسكرات، هذا هو النظام المتناسق مع بعضه، يعني: ظلمات بعضها فوق بعض، غائط وبول جمعنا بينهما حقيقة، لكن أن نقول عن الغائط نجس، وعن البول طاهر لا يجوز هذا، أو نقول: تضمخوا بالبول فهذا طاهر، وابتعدوا عن العذرة فهذه نجسة!! هذا لا يجوز، البول نجس ومحرم، والمخدر نجس ومحرم، فعلامَ الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه، أريد أن أعلم لمَ؟ هذا هو التناقض البشري في هذه الأيام.

    لكن عما قريب سيُتخذ قرار بحل المخدرات وسيتبعها العالم بأسره، وذلك تحت ستار الحرية الشخصية.

    إذا كان المخدر ضاراً فالمسكر أضر من المخدر بكثير، إن ضرر من يشرب الخمر على الأمة أكثر من ضرر من يشرب المخدر على الأمة، نعم، ضرر شارب المخدر على نفسه أضر من شرب الخمر على نفسه، إذا شرب الخمر يضر الأمة أكثر، ونفسه تتضرر ضرراً أقل من الضرر العام، والمخدر على العكس، نفسه تضرر أكثر فيصاب بجبن ونذالة وخسة ودياثة، لكن الأمة منه في مأمن، فلا يعتدي على أحد، وإذا شرب الخمر يصول ويجول ويسفك الدم، ويقتل أباه وأمه، ويقع على أخته وابنته، فضرره على الناس عندما يسكر أكثر من ضرره على نفسه، وضرره على نفسه عندما يتعاطى المخدر أكثر من ضرره على الناس، وكل منهما ضار مضر، وكل منهما محرم في شريعة الله، فعلامَ الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه؟

    لابد -إخوتي الكرام- من وعي هذه القضية في هذه الأيام، ولذلك إذا دُعي أحدكم للكلام في مخدر فليقل: نجمع بينهما، نتكلم على المسكرات، ونتكلم على فساد عقول البشرية في هذه الأوقات، كيف استحلوه وأباحوه، ثم بعد ذلك نقول: إن الإسلام صان العقول، فكما حرم المسكر حرم المخدر، ودين الله متفق مع بعضه منتظم، لا يعارض بعضه بعضاً، ثم نكر على الأنظمة الوضعية الردية كيف حرمت المخدرات وأباحت المسكرات.

    لابد -إخوتي الكرام- من وعي هذه القضية، وحذار حذار أن نُستدرج في أمر من الأمور لنتكلم فيه من وجهة شرعية لنخدم راية الجاهلية، نحن ننشر دين الله على أنه كلٌّ لا يتجزأ، وأما من يريد كلاماً في جزئية معينة، فنتكلم عليها وعلى ما يقابلها ونبين فاسد موقفه نحوها، وهذا هو صراط الله المستقيم.

    إذاً إخوتي الكرام! العقل يزال بمسكر حسي، ويزال بمخدر حسي، ويزال أيضاً بهوى معنوي، ويزال بتقليد أعمى معنوي، وهذا -كما قلنا- هو حجة فرعون وحجة قريش مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7]، قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51] .

    فلابد -إخوتي الكرام- من تنزه الإنسان عن هذين المسكرين الحسي والمعنوي؛ ليقوم العقل بعد ذلك بوظيفته، وليصبح عقلاً زكياً بصيراً مهتدياً واعياً.

    1.   

    من تمام الإيمان أن يكون الهوى تبعاً للسنة

    إخوتي الكرام! لابد أن نجعل هوانا تبعاً لشرع مولانا، فلا يتحقق الإيمان في الإنسان إلا إذا جعل هواه تبعاً لشريعة النبي عليه الصلاة والسلام.

    كلام النووي والمتقدمين في الحكم على درجة الأحاديث مقدم على كلام المتأخرين

    ثبت في شرح السنة للإمام البغوي، والحديث رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة، وذكره الإمام النووي في الأربعين النووية، وغالب ظني أنه الحديث الحادي والأربعين، وبعده الحديث الثاني والأربعين، وختم الإمام النووي الأربعين النووية بالحديث الأخير الثاني والأربعين الذي فيه: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي)، حديث أنس في سنن الترمذي وغيره.

    قبله هذا الحديث الذي سأذكره وهو الحديث الحادي والأربعين، وقال: رواه الإمام أبو نصر المقدسي في كتاب الحجة في بيان المحجة بإسناد صحيح، والحديث رواه أبو نعيم في كتاب الأربعين، وقد اشترط أن يورد فيها الأحاديث الصحيحة، وقد نص على تحسينه وصحته عدد من أئمتنا.

    وأنا أعجب لكثير من طلبة العلم في هذه الأيام، تقليداً للألباني وغيره في التهجم على هذا الحديث والحكم عليه بالضعف، وأنا أقول: إذا تكلم النووي فليسكت الألباني ، إذا قال الإمام النووي بإسناد صحيح، فلا كلام لأحد بعد ذلك، إذا كان بالحديث شيء حول إسناده، فشواهده كما يقول نعيم بن حماد شيخ البخاري : حوله كلام من شيوخ البخاري ، وهو من أئمة أهل السنة الكبار، وإذا كان يهم أحياناً، يعني: يُحكم على روايته بالضعف، وهو من رجال البخاري ، والإمام النووي كما قلنا يقول: بإسناد صحيح، فإذا نص عدد من أئمتنا على تحسينه وعلى تصحيحه، ومن جملتهم الإمام المعلمي في التنكيل، وغيره وغيره، وله شواهد ثابتة في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن نقف عند حدنا.

    وأنا أقول لكم -إخوتي الكرام- طلبة العلم: كلام المتأخرين في الحديث تصحيحاً أو تضعيفاً، لا سيما المعاصرين منهم، لا تقبلوه ولا ترفضوه حتى تعرضوه على كلام من سبقهم؛ لأن سلفنا إذا كانوا يهمون فهؤلاء يهيمون في خطئهم، وإذا كان أولئك يخطئون واحداً بالألف، فهؤلاء يخطئون على أقل تقدير خمسمائة في الألف.

    فلنقف عند حدنا، لا ننكر جهودهم فنسأل الله أن يثيبهم، لكن عندما يأتينا منهم شيء ننظر في كلام أئمتنا، هذا يقول ضعيف والإمام النووي يقول: إنه صحيح، ولنفرض أننا من العامة الذين لا ندرك الحجج والبينات، ولا نعرف أحوال الرجال وأحوال الرواة، فعندنا كلام النووي شيخ الإسلام، وكلام معاصر، فكلام من أقوى؟

    لا يرتاب عاقل بأن كلام الإمام النووي يُقدم، وأنا أعجب لكتاب قريب رأيته في المكتبة عندنا في المعهد لبعض من يشرح الأربعين النووية، فلما جاء لهذا الحديث حذف كلام الإمام النووي الذي يقول: بإسناد صحيح، ثم بعد أن ذكره قال: هذا الحديث إسناده ضعيف، وذكر مرجعه أمران: الأول: الألباني ، والثاني يقول: انظر لجامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب الحنبلي .

    وأنا أقول: لمَ لم تذكر كلام النووي الذي يقول بإسناد صحيح وهو صاحب الكتاب، ولمَ لم تذكر كلام المعلمي في التنكيل أنه بإسناد حسن، وأما تعليق من علق على كلامي بقوله: أنى له الصحة! نقول: (أنى) عندك وضعها في جيبك، وإذا كان هؤلاء أئمة أعلام يحسنون ويصححون فلنقف -كما قلت- عند حدنا، ثم سأذكر الحديث، وأذكر شاهده من كتاب الله، والشرع بأكمله يشهد له.

    لفظ الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)، أسألكم بالله! ما الفارق بين هذا الحديث وقول الله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ما الفارق بينهما؟

    لا فارق بينهما إلا في التعبير، يعني: في الصياغة واللفظ، وأما المؤدَّى فواحد، ولذلك لا داعي دائماً للتشويش على السنة بغير مبرر وسبب، حديث صححه أئمتنا، وتشهد له أصول الشرع، وليس هناك محذور في معناه، فلا داعي أن نعارض من سبق، وأن نقول: هذا الحديث صحيح صحيح صحيح (لا يؤمن أحدكم، حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)، نسأل الله أن يكون هوانا تبعاً لشرع نبينا عليه الصلاة والسلام، ونسأل الله أن يجعل نبينا عليه الصلاة والسلام إماماً لنا لا نأتم بغيره في جميع أحوالنا، وأن يجعلنا الله ممن يُنادون يوم القيامة: يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [الإسراء:71].

    1.   

    تحريم تعاطي الدخان في الإسلام

    إخوتي الكرام! العقل يزال بأمرين اثنين: حسي ومعنوي: إذا اجتمع مسكر ومخدر، ومقلد صاحب هوى، إذا اجتمعا اجتمعت البليات والحجب بأسرها، وأكثر الناس في هذه الأيام مسكر ومخدر، والذي لا يشرب الحشيشة يشرب ما هو من فصيلتها وهو الدخان، أوليس كذلك؟ والذي يقال له في بلاد الشام: التُتن، وهو النتن وليس التتن، الدخان حرام حرام!

    وكأن بعض الإخوة عندكم استشكل هذا الأمر، وكأن بعض الإخوة يقول: ليس هو على بينة وارتياح من كون الدخان حراماً، ولذلك يدخل في دائرة المباحات، وعليه لا حرج في شربه!

    وهذا في الحقيقة غفلة وضلالة.

    تحريم الدخان لأجل ضرره

    إذا لم يكن الدخان المعروف بالسجاير وبالتتن حراماً فأي شيء سيكون حراماً؛ أما قال الله في كتابه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، والخبيث: هو ما يُستقذر وما هو ضار.

    وسل الكافرين قبل المؤمنين عن الدخان، هل هو ضار أو نافع؟ وخذ الحكم بناء على جواب سؤالك، فإذا كان ضاراً يحرم عليك أن تأكله، يعني: لو أن إنساناً استفتاك وقال: يجوز أن نأكل نشارة الخشب، نقول: نذهب إلى المنجرة، والنجار يقطع الخشب، وأنا أجمع هذه النشارة وآكلها، لا أريد أن آكل أرزاً وأوفر ربيات على نفسي! فأملأ بطني نشارة خشب، فهل يجوز؟ أو تراباً أو زجاجاً أكسره وآكله، هل تجوز؟ ما الجواب؟ حرام.

    يقول: هات آية على تحريم أكل الزجاج، أو التراب، أو نشارة الخشب؟

    نقول: عندنا آية، قول الله جل وعلا: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، كل ضار دخل في هذا، وهذا هو الإعجاز التشريعي في شرع الله القوي، نصوص وجيزة محكمة، بعبارات مختصرة، تشمل ما يدخل تحتها من أحكام معتبرة إلى قيام الساعة، أي حكم تريد نعطيك الجواب عليه من كلام الله المجيد، إلا إذا أراد أن يعاند ويركب رأسه، ويقول: لا أقنع، هات لي حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تأكلوا نشارة الخشب، نقول: لا يوجد، يقول: إذاً مباح.

    وهنا نقول له: السجاير تدخل في هذه الآية، وإن أردت أن تتحقق فسل الكفار قبل الأخيار عن الدخان، هل هو نافع أو ضار؟ فإذا قالوا إنه ضار، أما دخل في قول الله: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، هل هو حرام أو مباح؟ يتوقف الحكم على جواب الكافرين، فضلاً بعد ذلك عن المؤمنين، وقد أجمع أهل الأرض على ضرره.

    فوصلت الحماقة ببعض البلاد أن السجاير عندما تباع يكتبون على غلافه: ننصحك بالامتناع عنه فإنه ضار، نقول: فعلام تبيعونه يا مجرمون؟! وعلام ترخصون فيه يا من تعادون الحي القيوم؟ ما دام ضاراً فلمَ يباع؟ وهذا يُكتب عليه في أندونيسيا، يعني: البلاد العربية والأعجمية اتفقت على هذه الخصلة الردية.

    طيب! أما عندكم عقول زكية، إذا كان ضاراً كما تقولون، فكيف تسمحون ببيعه، وبزراعته، وبالمتاجرة فيه، وبشربه؟

    ويشرب في الدوائر الرسمية، ويقدم في الحفلات العلنية، بل يقوم المسئول أحياناً ليتكلم يتكلم والسيجارة في فمه، كيف هذا وأنتم تقولون: إن السجاير ضارة مضرة؟ هذا عمل العقلاء أو الأغبياء؟

    هذه هي تناقضات البشر في هذه الأوقات، ننصحك بالامتناع عنه فإنه ضار، إذاً: من يبيعك يفتيك، هو يقول: هذا ضار، يعني: هو لو أنصف لقال بدل (ضار)؛ هذا حرام، وإذا شربته سيلعنك الرحمن، هذا هو الحكم؛ لكن هؤلاء لا يؤمنون بشريعة، هم فقط يبحثون في صحة البدن، والمحافظة على بهجته ونضارته، يقولون ضار، أما الحكم الشرعي إذا ثبت الضرر، فماذا نقول نحن؟

    نحن عندنا أفعالنا تقيد -إخوتي الكرام- بقيدين اثنين لا ثالث لهما: حلال وحرام، وليس عند المؤمن مصدر آخر لفعله إلا في هاتين الدائرتين، حلال أفعله، حرام أتركه، الضار المؤذي الخبيث كله يدخله في دائرة الحرام، والحلال هو شيء نافع طيب شهي، إذاً: عندنا حلال وحرام، هما مقياس أعمالنا في هذه الحياة.

    ولذلك بين المسلمين يقال دائماً: حلال، حرام، حلال، حرام، ولا يقال: نافع، ولا يقال: ضار، هذه عبارات من لا يؤمنون بشريعة الإسلام، يقول: أنت تحافظ على بدنك فلا تشرب، أما حلال حرام فما لنا علاقة بذلك، هذا الأمر الأول، هذا دليل أم لا؟

    تحريم الدخان لأنه مفتر

    دليل آخر: ثبت في المسند وسنن أبي داود عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفتِّر)، المسكر معروف، وهو الخمر الذي يزيل العقل تماماً، وما هو المفتر؟ حتماً ليس هو المخدر الذي يحجبك عن عقلك ويطرحك ثلاثة أيام كما قلنا، إنما هو يُحدث فتوراً في أعضائك وإحباطاً في نفسك، وتبلداً في شعورك.

    وأنا أدركت الناس عندنا في بلاد الشام عندما يغضب الإنسان وينفعل ويحتد مزاجه ووجهه يحمر، يقول له: خذ هذه السيجارة هدِّئ عن نفسك، يعني: هذه السيجارة -كما قلنا- تبلد شعورك، تبلد إحساسك، ولذلك من يشرب السجاير يصاب بداء الحشيش، وقد قلنا: ضرر المخدر على الشارب أكثر من ضرره على الأمة، أما قررنا هذا؟ هنا يتضرر أكثر مما لو سَكِر، كيف هذا؟

    أولاً: بدنه يفقد الغيرة، ولذلك من شرب الدخان والحشش والأفيون والمخدرات يصبح ديوثاً، يعني: يرى زوجته وابنته تُركب وهو يضحك، يرى زوجته أفخاذها مكشوفة في الشارع فيبتهج ويقول: زوجتي انظروا ما أجملها تمشي بين الناس! هذا من جراء الدياثة التي حصلها بالمخدر، وكل من تعاطى المخدر أصيب بدياثة.

    ولذلك كانت الدولة البريطانية عليها لعنات رب البرية، تحرص -ولا زالت- على انتشار المخدرات، ونشرتها في مصر عندما كانت تستعمرها بكميات لا تقدر، حتى نشأ كثير من الجيل ينتمي للإسلام لكنه ديوث، لا يبالي بعرضه ولا يغار على حريمه، ويصاب بقلة حياء ووقاحة وبذاءة، لأنه قد تبلد شعوره.

    الدخان يصيب متعاطيه بالدياثة والوقاحة

    زارني مرة بعض الناس، قال: أستأذنك أريد أن أشرب سيجارة، قلت: يا أخي! هذه حرام، وكيف أسمح لك أن تعصي الله في بيتي.

    أمر ثانٍ: هذه ضارة كما كُتب على غلافها: ننصحك بالامتناع عنها، كيف أرضى لك بالضرر في بيتي، لو جاء أحد يعتدي عليك أو جاء عقرب يلدغك، فهل أخلي بينهم وبين إيقاع الضرر بك؟ لا، والله أبذل نفسي لحمايتك إذا كنت في بيتي، فكيف أرضى أن تتضرر وأنت في بيتي؟ لا أسمح لك رفقاً بك، وتحصينا لك من غضب ربك، ولو كان من أجلي فقط لأنها ستؤذيني بالرائحة لكنت أتحمل، فإشفاقاً عليك من هذين الأمرين لا آذن لك أن تدخن في بيتي.

    جلس يحيف مثل الدجاجة، ثم قال بعد ذلك: يا شيخ! سأشرب أذنت أم لم تأذن، وبكل قلة حياء، أخرج السيجارة وبدأ يشرب بها في المجلس، يعني: كما قلت، هذا لو كان عنده حياء أو أدب، ما فعل هذا، لكن صاحب السيجارة يصاب بوقاحة، ببذاءة، بقلة أدب، أليس من قلة الأدب أن يركب بجوارك في السيارة والأتوبيس والحافلة العامة ويدخن، ويعمي الناس بدخانه؟ يا عبد الله لا يجوز أن تأكل طعاماً له رائحة شهية من أجل ألا تؤذي الناس برائحة الطعام الشهي، فكيف برائحة منتنة تعميهم فيها وبها؟!

    لكن ما لجرح بميت إيلام! فقد غيرته، تبلد شعوره، صار حماراً في صورة بشر.

    هل يرضى لك الإسلام أن تكون وقحاً متبلداً ديوثاً، تفقد غيرتك؟ لا، إذا فقد الإنسان غيرته فوالله إن فقد الحياة أجمل به، فالإسلام كرمنا، قال الله: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، وأعظم شيء كُرموا به هذه العقول ثم إرسال الرسل إليهم، فإذا كان هذا العقل الذي كُرمت به ستزيله بمسكر أو مخدر، قضيت على التكريم الذي كرمك به رب العالمين.

    فالسجاير إذاً تكسبك هذا الأمر بواسطة الفتور، الاسترخاء، ما هو الاسترخاء؟ لا يقصد بالاسترخاء أن تصير أعضاؤك رخوة، بل يحصل عندك فتور في مزاجك.

    قال الإمام الشافعي: من استُغضب فلم يغضب فهو حمار.

    إذا سببت من يسكر يضربك بسكين ويبقر بطنك، وإذا زنيت بابنة مَن يخدِّر سيغض الطرف، وقد يقول لابنته عندما يعاتبها: استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين، أما أن يضربها فلا؛ لأنه فقد الغيرة من أثر الفتور الذي أُصيب به في شخصيته.

    فالمخدرات ضررها على متعاطيها أكثر من ضررها على الأمة، والمسكرات ضررها على الأمة أكثر من ضررها على المتعاطي، والسجاير من فصيلة المخدرات.

    ومرة قال لي بعض الإخوة وهو من الشيوخ الكرام، يقول لي: يا شيخ: هؤلاء الذين يشربون السجاير لا يستحون؟ يعني: يمر أحياناً في السوق ويشرب ويؤذي أهل السوق بكامله؟

    قلت: غفر الله لك، أما علمت أن السجاير تنتمي إلى فصيلة المخدرات، وكل من تعاطاها يفقد الحياء، ويفقد الغيرة، ويفقد النخوة، ويفقد المروءة، ويفقد الحمية، أي: يتبلد شعوره، أي يصبح بعبارة أفصح وأصرح: حماراً.

    فهل ترضى يا طالب العلم أن تكون حماراً؟ كل من يشرب السجاير حمار، لكن يمشي على اثنتين لا على أربع، أليس يقول إنه ضار ثم يتعاطاه؟ (نهي عليه الصلاة والسلام عن كل مسكر ومفتر)، إذاً: المفتر هذا الذي هو من فصيلة المخدر، فالمخدر حشيش وأفيون، وهذا مفتر، يوجد في أعضائك فتوراً، عندما تغضب خذ السيجارة حتى يتبلد إحساسك، وينطفئ غضبك، أما إذا كان عنده حمية مباشرة إذا رأى حرمات الشرع تنتهك يغار.

    ولذلك لما فقدنا الحمية الآن، نرى المعاصي ولا يتمعر واحد منا؛ لأننا تبلد شعورنا، فقدنا الحمية، حتماً الأمة عندنا نشأت على قلة الحياء، وعلى فقدان الغيرة، وعلى تبلد الإحساس والشعور، بدأت ترى هذه المناظر ولا تشمئز منها، ولا تتقزز نفوسها لها.

    إذاً: إخوتي الكرام! إذا اجتمع الأمران مسكر حسي، ومسكر معنوي، تم شقاء الإنسان.

    وأما الكلام في الدخان على وجه التفصيل بعد ذلك، فسأتعرض له إن شاء الله ضمن أسئلة وعدت الطلاب بالإجابة عليها، فلا أريد أن أفصل أكثر من هذا، لكن في ذلك تفصيل يدور على أمور خمسة تحرم الدخان قطعاً وجزماً، كل واحدة منها كافية.

    إذا اجتمع الأمران فقد تمت بلية الإنسان سكران

    سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكرانِ

    سكر الهوى وسكر الشراب هذه هي البلية.

    إخوتي الكرام! لابد من التنزه عن المسكرات الحسية، وعن المسكرات المعنوية، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أكثر ما يخافه علينا مسكرات حسية ومسكرات معنوية، شبهات وشهوات.

    ثبت في مسند الإمام أحمد ، ومسند البزار ، ومعاجم الطبراني الثلاثة بسند صحيح، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى)، الشهوات هذه -كما قلنا- شهوات حسية يسكر بها الإنسان.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756017635