إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب أحكام الصيالللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قد يهجم على الإنسان من يعتدي عليه في نفسه أو ماله أو عرضه، وقد يكون هذا الهاجم آدمياً أو غير آدمي، وحينئذٍ قد يتمكن الإنسان من دفعه ورده عن حرمته وقد لا يتمكن، وهذا ما يعرف بمسائل الصيال، وقد فصل أهل العلم أحكامها المختلفة بأدلتها، وبينوا طريقة الدفع الشرعية، وما يترتب على ذلك من لزوم الضمان وعدمه.

    1.   

    معنى الصيال ومتعلقه وأدلة مشروعية دفع الصائل

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

    فيقول المصنف -رحمه الله تعالى -: [ومن صيل على نفسه، أو حرمته، أو ماله: آدمي أو بهيمة، فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به]:

    هذه الجملة وما بعدها إلى نهاية الباب خصها المصنف رحمه الله بأحكام الصائل، ومناسبة أحكام الصائل للحرابة واضحة ظاهرة؛ لأن المحاربين إذا اعتدوا على الناس صالوا على أنفسهم، وأعراضهم وأموالهم، وقد بيَّن حكم المحارب الذي يصول، فبقي أن يبين لنا حكم من صيل عليه.

    فهل يجوز للشخص إذا اعتدى عليه غيره، وأراد قتله، أو أخذ ماله، أو الاعتداء على حرمة من حرماته كعرض ونحو ذلك؛ هل من حقه أن يدفع؟

    وهل هذا الدفع واجب عليه؟

    وهل الأفضل أن يدفع أم لا إذا لم يكن واجباً؟

    وكذا إذا قلنا بمشروعية الدفع فالدفع له مراتب وأحوال، فهل يجوز له أن يدفع بالأقوى مع إمكان الدفع بالأخف؟

    كل هذا سيفصله المصنف رحمه الله في أحكام الصائل.

    المواطن التي يدفع عنها الصائل

    يقول رحمه الله: (ومن صيل على نفسه) وفي بعض النسخ: (ومن صال) وهو أوجه.

    الصائل: اسم فاعل من صال يصول فهو صائل، إذا وثب على الغير واستطال عليه.

    ويطلق الصولان على القوة والاندفاع في الشيء، وهذا الصائل على الغير: تارة يكون آدمياً، وتارة يكون من غير الآدميين، وهنا المصنف -رحمه الله- يقول: (ومن صال) وبين بعد ذلك من هو فقال: (آدمي أو بهيمة) فهذا فيه عموم حيث يشمل كل من يهجم عليك، أو يهجم على الغير.

    فإن كان الصائل آدمياً: فإما أن يكون مكلفاً كالمسلم البالغ العاقل يهجم على غيره يريد أن يقتله، أو ينتهك عرضه، أو يأخذ ماله، وإما أن يكون من غير المكلفين، مثل: أن يكون مجنوناً يهجم على الإنسان بالسلاح، ويفاجأ الإنسان به وقد أشهر عليه سلاحه، أو أنه سكران، أو مخدر، وقد يكون صبياً مميزاً، أو غير مميز، وكل هذا يدخل في الصائل، وكذلك قد يكون بهيمة.

    ثم هذا الصائل إذا هجم على الغير قد يهجم بحق، وقد يهجم بغير حق، فقد يهجم الإنسان على الغير، ويهدده بالسلاح ومعه حق في هذا التهديد، كأن يكون الذي هُجم عليه مطالباً بحق لله عز وجل أو بجريمة، أو أُمر هذا الشخص أن يأتي بهذا الشخص الذي يصال عليه من أجل معرفة حق من حقوق الله عز وجل عليه، وهذا في حالة ما إذا كان الصائل معه حق، حتى البهيمة في بعض الأحيان تصول على الإنسان بحق، مثلاً: إذا دخل اللص إلى حائط بستان، وفيه كلب للحراسة، فإن هذا الكلب إذا صال على هذا الشخص فإن هذا حق من الحقوق؛ لأن الشرع أذن باتخاذ الكلب لحراسة الزرع ولحراسة الماشية، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أذن بكلب الصيد والحرث والماشية، فإذا هجم الكلب في هذه الحالة فهذا بحق.

    وقد يكون بغير حق كما إذا هاج البعير أو الثور، وهجم على الإنسان، وخاف على نفسه، أو خاف على أموال عنده، بأن هجم على دكانه أو متجره، وغلب على ظنه أنه سيتلف أمواله، فكل هذا يدخل في أحكام الصائل، لكن كلام العلماء ينصب على حالة ما إذا كان الصائل بغير حق، وليس المراد إذا كان بحق.

    فمن هجم على الغير وعنده حق في هذا الهجوم، وله إذن شرعي، فإنه يخرج من مسألتنا، ولذلك قد يكون الهجوم على الغير من الجهاد في سبيل الله عز وجل، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الجند والشرط إذا هجموا على قطاع الطريق، أو هجموا على المجرمين، وكان المجرمون لهم سلاح وفتك، فإنهم إذا دافعوا عن أنفسهم أو طلبوا هؤلاء المجرمين يكونون كالمجاهدين في سبيل الله؛ لأنهم يحفظون دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، ويقومون على مصالح المسلمين العامة؛ لأنه طلب بحق، فهذا الهجوم إذا كان له مبرر شرعي فإنه لا يدخل معنا في مسألة الصول.

    الصول المراد به هنا أن يكون بغير حق، مثل ما يقع في الحرابة وفي مسائل العصابات إذا هجمت على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وغير ذلك.

    يقول رحمه الله: (ومن صال على نفسه) الصول على النفس للقتل، ويثبت هذا بالأمارة، فيكون صائلاً على نفس الإنسان إذا أشهر عليه سلاحاً يقتل غالباً، أو وضع هذا السلاح على مقتل كالرأس وقال له: افعل كذا، أو ادفع لي مالك، أو يهجم على المرأة لانتهاك عرضها، أو يريد من عدو أن يقتله فيسفك دمه.

    وقوله: (أو حرمته):

    الحرمة: كالمرأة مثلاً يصول عليها من أجل أن يزني بها والعياذ بالله.

    وقوله: (أو ماله):

    أي: يصول عليه من أجل أن يأخذه.

    فبين رحمه الله محل الصول، والسبب الدافع لهذه الأذية والإضرار، وهو: قتل وإزهاق النفس، والاعتداء على العرض، أو أخذ المال.

    وأعلى هذه الأشياء وأعظمها حرمة النفس، ثم يلي ذلك العرض، ثم يلي ذلك المال، ولذلك فإن شدد الشرع في أحكام الصائل في النفس والعرض والمال، ولم يقع خلاف في النفس والعرض، ولكن وقع الخلاف في المال، ولذلك تجد العلماء لما قالوا بوجوب دفع الصائل، لم يختلفوا في دفعه إذا كان لأجل النفس أو العرض، ولكن الخلاف في المال هل يجب أم لا يجب؟ على تفصيل عندهم رحمهم الله.

    لا يشترط لدفع الصائل أن يكون مكلفاً

    وقوله: (آدمي)

    أي: سواء كان الصائل آدمياً، ويشمل الآدمي المعصوم، لأن الآدمي إما أن يكون مكلفاً، أو يكون غير مكلف، والمكلف: هو البالغ العاقل، وغير المكلف كالصبي، والمجنون، وفي حكمه السكران على الصحيح من أقوال العلماء، وقد تقدمت معنا مسائل السكر وتأثيره، وأن السكران غير مؤاخذ بأقواله وأفعاله على التفصيل الذي بيناه في طلاق السكران.

    وكذلك أيضاً: إذا تعاطى المخدرات يكون في حكم المجنون إذا فقد عقله وإدراكه.

    والصائل يكون بعقله وإدراكه، مكلفاً مؤاخذاً، وقد يكون غير مكلف كالصبي والمجنون.

    وأيضاً إذا كان مكلفاً بالغاً عاقلاً: فقد يكون معصوم الدم مثل المسلم، وقد يكون غير معصوم الدم كالكافر، وهذا عام.

    وقوله: [أو بهيمة]:

    البهيمة أيضاً تشمل البهائم الهائجة أو غير الهائجة، والمراد بذلك إذا كانت بدون حق.

    أدلة مشروعية دفع الصائل

    وقوله: [فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به]

    أي: للشخص الذي يصال عليه دفع هذا الصائل بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، ومشروعية دفع الصائل ثبتت بها الأدلة الشرعية، أي: يشرع للمسلم أن يدفع عن نفسه وعرضه وماله.

    وأجمع العلماء رحمهم الله على العكس: أي أنه لا يجوز للصائل أن يصول على دماء الناس، ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد).

    فحرم الاعتداء على هذه الأمور، وشرع للمسلم أن يدفع، ولذلك قال تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] وإذا سكت الإنسان عن هذا الصائل، فمعناه أنه يسلم نفسه للهلاك، والله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] أي: لا تتعاطوا أسباب قتل النفس، فإذا سكت عن هذا الصائل فإنه سيقتله، ولا يجوز للمسلم أن يسكت عن الأسباب المفضية بنفسه إلى الهلاك، بل عليه أن يتعاطى الأسباب المنجية لنفسه من هذا الهلاك؛ ولذلك شرع له أن يدفع الصائل.

    كذلك السنة أكدت هذا، ومن هنا قال رجل: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: أنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار) فأهدر دمه وأسقط حرمته لمكان الاعتداء، فدل على حق دفع الصائل؛ لأنه جعل دم الصائل هدراً.

    وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد)وهذا يدل على مشروعية دفع الصائل، وأن على المسلم نفسه أمانة أن يتقي الله عز وجل في حفظها بتعاطي أسباب صيانتها عن الهلاك.

    حكم دفع الصائل

    وقوله: (فله الدفع) هذا الدفع فيه تفصيل: هل هو واجب؟ أو غير واجب؟

    والعلماء مجمعون: أن من حق الإنسان أن يدافع عن نفسه، وعرضه؛ لثبوت النصوص بهذا، ولكن هل هذا على سبيل الفرض؟ أو على سبيل التخيير، أعني: التوسعة؟

    يرى المصنف رحمه الله وهو مذهب الإمام أحمد رحمة الله عليه أن الدفع واجب، وأن الإنسان إذا هُجم عليه من أجل أن يسفك دمه، أو ينتهك عرضه، أو يؤخذ ماله بغير حق؛ أنه يجب عليه أن يدفع، إلا في زمان الفتنة.

    والإمام أحمد رحمه الله له مسلك عجيب في التعامل مع النصوص، وهذا المسلك له أصل عند السلف والأئمة والصحابة رضوان الله عليهم، وهو أن يعمل كل نص في مورده، ولذلك استثنى حال الفتنة، وجعل أحاديث الفتن التي ندب فيها النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يكون عبد الله المقتول ولا يكون القاتل؛ جعلها محمولة على الفتن التي فيها تأويل، وما يقع بين المسلمين من الفتن، فالإنسان يحفظ نفسه فيها، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يلزم بيته، قال: (ولو دخل علي في بيتي أأحمل معهم؟ قال: إذن شاركت القوم، قال: فما أفعل. قال: الزم بيتك، قال: حتى ولو دخل علي في بيتي؟ قال: ولو دخل عليك في بيتك) فهذا كله يدل على أن الفتن مستثناة.

    فجعل النصوص العامة في وجوب حفظ الإنسان لنفسه وعرضه وماله على ما هي عليه، وجعل الدفع هنا على سبيل الوجوب؛ لأنها دالة على الوجوب، واستثنى أحوال الفتن.

    ومن دقة المصنف رحمه الله أنه جعل لكل دليل دلالته، وجعل العام على عمومه، والخاص على خصوصه، ولم يحكم بالتعارض بينها.

    قال رحمه الله: (فله الدفع بما يغلب على ظنه):

    الشريعة كلفت المسلم بغالب الظن، بمعنى: أنه يجتهد ويقدر، فإذا غلب على ظنه أن الرجل سيقتله، ولا يمكن بحال أن يخرج من هذا القتل، وينجو منه إلا إذا قتله، فحينئذٍ يقتله، وغالب الظن متعبد به شرعاً، ومن تأمل النصوص في العبادات والمعاملات لم يشك أن الشريعة تعبدت بغالب الظن، وعلى ذلك جرت النصوص، وللإمام العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام كلام نفيس في أن الشريعة تبني أحكامها على غالب الظن، وغالب الظن: هو نظر الإنسان.

    1.   

    التدرج في دفع الصائل

    لما قال المصنف رحمه الله: (بما يغلب على ظنه) فمعناه: أنه لو شك وتردد، فعليه أن يتوقف، ويمتنع من الإقدام على شيء لوجود الشبهة، ولا يستحل دم الصائل إلا إذا غلب على ظنه أنه سيهلك، وغلب على ظنه أنه لا يمكن دفعه إلا بهذا.

    فمثلاً: إذا وجه السلاح عليك إنسان، في بعض الأحيان يغلب على ظنك أن السلاح فيه حشو، وتعرف الشخص أنه يحسن استعماله، وتعلم أو يغلب على ظنك أنه سيقدم مثل الفاسق المتهتك الجريء على الفعل، أو سبق له أن فعل ذلك، فحينئذٍ يغلب على ظن الإنسان أنه سيقدم على فعل.

    لكن لو كان الشخص ضعيفاً، ولم يغلب على ظن الإنسان أنه سيطلق عليه سلاحاً، وقد يكون من أهل المزاح والعبث، وحينئذٍ يصبح من غلبة الظن أنه لا يقتل، فحينئذ لا يستبيح.

    إذاً: لابد أن يغلب على ظنه وجود استباحة النفس والدم، وأنه لا يمكن دفعه إلا بهذه الطريقة.

    والدفع مراتب: أقلها وأول ما ينبغي أن يفكر فيه من الدفع: الكلام، فلو هجم شخص على شخص، وأمكن أن يدفعه بالأسهل والأخف، كأن يهدده بالكلام، ويقول له: إن هذا يضرك، ويعظه، ويذكره، ويغلب على ظنه أن الوعظ والتذكير سيؤثر؛ فلا يجوز له أن يضربه فضلاً عن أن يقتله، فضلاً عن أن يعتدي عليه؛ لأنه متى ما أمكن درء المفسدة بما لا ضرر فيه على الطرفين وجب وتعين المصير إلى ذلك، فإذا كان الكلام مؤثراً لم يجز له أن يقدم على الضرب.

    كذلك أيضاً إذا كان بإمكانه أن يصرخ، أو يستنجد بعد الله بجيرانه، أو يتصل كما هو موجود في زماننا فيطلب نجدة، أو يتصل بالمعنيين من أجل أن ينقذوه، فهذا لا رخصة له إذا غلب على ظنه أنه سينجو، وأن هذا سينفع، وأن هذا سيحول بينه وبين أذية الغير له في نفسه أو عرضه.

    كذلك المرأة إذا اعتدي على عرضها، وأمكنها أن تصرخ وتستغيث، فإنه لا يجوز لها أن تقدم على القتل.

    أما إذا كان الكلام لا ينفع، فقد تدرج العلماء إلى مسألة الضرب، والضرب يكون على صورتين:

    الضرب بالجارح، والضرب بغير الجارح.

    الضرب بالجارح: كالطعن بالخنجر، والجرح بالسكين.

    والضرب بغير الجارح أيضاً على صورتين:

    يكون بالسوط وبالعصا، فالأشياء التي يُضرب بها، إذا أمكن دفع ضرره بالضرب نظرنا:

    فإن أمكن دفعه بالأسهل وهو الضرب بغير الجارح، فحينئذٍ إن ضربه بالجارح ضمن، وإذا كان قد أمكن ضربه بغير الجارح ننظر:

    فالسوط أخف من العصا، ثم السوط يختلف على مراتب، فالضرب بالسوط من الجلد، ليس كالضرب بأسلاك الكهرباء، ونحو ذلك، فينظر إلى الأخف؛ لأنه لا يجوز الارتقاء إلى الأعلى مع إمكان دفع الضرر بالأخف.

    كذلك أيضاً: إذا تعذر دفع ضرره بالضرب، كالمرأة أو الرجل إذا هُجم عليه، فأمسك العصا، وهدد الذي يهدده أنه لو أقدم عليه فسيضربه بالعصا، فلا يجوز أن يمسك السلاح ويثوره عليه، كأن يطعنه بالسكين أو يطلق عليه النار؛ لأنه يمكن دفعه بما هو أخف.

    ثم إذا كان جارحاً كالأسلحة الموجودة في زماننا، فالجارح الذي يستعمله الإنسان يفصل فيه:

    فإن كان قد صال عليه يريد قتله، وعنده سلاح يريد أن يدفع به، فهذا السلاح إذا أمكن أن يضرب الصائل في يده فيعطله عن قتله لم يجز أن يقتله، وإذا قتله ضمنه، ومن هنا: تفصل الشريعة ولا تعطي الإذن باستباحة دم الصائل إلا في حال التعذر، وأن جميع هذه الوسائل لا تنفع، ولا يمكن بحال دفع ضرره إلا بقتله.

    فلو أنه وضع السلاح على حرمة الإنسان، وهدده أنه سيقتلها، وغلب على ظنه أن الرجل سيفعل، ولا يمكنه أن يضربه في يده، وغلب على ظنه أنه لو ضربه في يده قد لا يصيبه، فوجه سلاحه إلى رأسه من أجل أن يقتله مباشرة حتى لا يستطيع أن يقتل من تحت يده؛ حل له ذلك، وينذره إن وجد مجال للإنذار.

    وكل هذا التفصيل محله ألا يشتبك الطرفان، فإذا اشتبك الطرفان، وكان الحال حال مغالبة، والرجل معه سلاح يقتل، وتصارع معه، وغلب على ظنه أنه إذا لم يقتله أنه سيصل إلى السلاح ويقتله؛ قتله، وارتفعت هذه التفصيلات كما نص عليها طائفة من المحققين من العلماء رحمهم الله.

    فالتفصيل إنما يكون إن وسع الوقت، وأمكن تلافي الضرر، وأمكن التفكير في هذه الوسائل، أما لو هجم عليه هجوماً مباشراً، أو باغته وهو في بيته أو حرمته، ودخل عليه فجأة، أو دخل عليه وهو في غرفته، فلم يفاجأ إلا والرجل هاجم عليه، فحينئذٍ لو أخذ السلاح وقتله فله وجه عند طائفة من العلماء فيقولون: إنه يسقط التفصيل، لأنه لا يمكن؛ فهذا داخل عليه بسلاحه، وهو لا يستطيع أن تفكر أنه يقتل أو لا يقتل، ولا يدري هل هو سيبادر بالقتل أو يتأخر؟

    فالظاهر أنه إذا دخل بهذه الصورة، فقد سقطت حرمته، وهو الذي أهدر دم نفسه، وحينئذٍ لا يودى وليس له حرمة، ودمه هدر.

    هذا كله إذا وقعت المباغتة أو هجم على الإنسان هجوماً مباشراً، ويقع هذا في بعض الجرائم المنظمة، وقد يقع في المدن والصحاري، كل هذا التفصيل يذكره العلماء رحمهم الله متى ما أمكن للشخص أن يمعن النظر ويفكر، أما إذا لم يمكنه وباغته وهجم عليه، وغلب على ظنه أنه لا يمكن دفع هذا الضرر إلا بقتله فإنه يقتله بكل حال.

    وقوله: [فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك ولا ضمان عليه].

    أي: فإن لم يندفع الصائل أو البهيمة: كأن هاج بعير، والبعير أو الثور إذا هاج فإنه يقتل، فإذا هجم على الإنسان، وأخذ يبطش بالناس، وأنت ترى بعينك أنه قتل هذا وقتل ذاك، أو هجم الشخص هجوماً لا يمكن دفعه إلا بالقتل، كأن يكون الشخص واقفاً في مجموعة من الناس، فهجمت عليهم عصابة، فابتدأت بقتل من أمامها، وغلب على ظنه أنه سيفضي إلى الهلاك، فإنه يقتل بكل حال، وحينئذ لا يمكن الدفع إلا بالقتل، وهذا يوجب الرخصة، سواء كان في الصائل المكلف، أو الصائل غير الكلف على أصح قولي العلماء رحمهم الله.

    1.   

    الضمان في دفع الصيال

    إذا قُتل الصائل فدمه هدر، ومن أهل العلم من قال: كل من صال لغير حق على ذي حرمة في دمه أو ماله أو عرضه، فإن دمه هدر.

    ومن أهل العلم من أخرج المال، وقال: إن القتل لا يكون من أجل المال، وظاهر الحديث قال: (لا تعطه قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار، قال: أرأيت إن قتلني، قال: أنت شهيد) فظاهره العموم، وهو شامل للجناية، بل إن الشخص يطمع في المال فيقتل من أجله، وعندما يأتي لطلب المال مسلحاً، أو العصابة تهجم على التجار مسلحة، فالغالب أنها ستقتل من أجل المال، وحينئذٍ يجوز قتل من صال من أجل أن يأخذ المال.

    وهل يجب على الإنسان إذا هجم على ماله أو صال عليه الغير من أجل أخذ ماله؛ هل يجب عليه أن يدفع؟

    أما إذا صال عليه من أجل دمه فإنه يجب في قول طائفة من العلماء رحمهم الله وهو الصحيح، ومن أهل العلم من قال: لا يجب، بل يخير، ويجوز له أن يستسلم، ولا بأس في ذلك ولا حرج، لأن الله ذكر عن قابيل وهابيل أنه قال له: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] فهذا استسلم ورضي أن يقتل.

    ولكن رد هذا بأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وقد قال الله عز وجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29] أي: لا تتعاطوا أسباب القتل، ولأن من سكت على الظالم أن يقتله فقد أعانه على الظلم والعدوان، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قال: أرأيت إن كان مظلوماً أنصره، ولكن كيف أنصره وهو ظالم؟ قال: تحجزه وتمنعه عن الظلم، فذلك نصره) فهذا يدل على أنه يجب عليه أن يدفع، ولا يجوز له أن يستسلم.

    إذا أراد الإنسان أن يستسلم، ويرى أن المال أحقر من أن يقتل أخاه، فهذا رخص فيه بعض العلماء، والصحيح أنه إذا أشهر السلاح لقتله من أجل المال، أنه يجوز له أن يقاتله، وظاهر الآية الكريمة في النفس، ولكنها تعارضت مع الآيات والأحاديث الواردة في شرعنا، ولذلك لا يقوى الاحتجاج بها من الوجه الذي ذكرناه.

    الخلاف في ضمان الصائل غير المكلف

    وقوله: [فإن قُتل فهو شهيد]:

    أي: فإن قتل الذي صيل عليه فهو شهيد، أما إذا قُتل الصائل فدمه هدر، وقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل حكمنا بكون الدم هدراً يشمل الصائل عموماً أم فيه تفصيل؟

    يقول بعض العلماء: يفرق بين الصائل العاقل والمجنون والصبي، فإذا كان الصائل صبياً أو مجنوناً، فإن من حقه أن يقتله، مثلاً: هاج عليه مجنون ومعه السكين، وجاء يريد أن يطعنه، وغلب على ظنه أنه لا يمكن بحال أن يدفع ضرره إلا إذا قتله، فقتله.

    فإذا قتل المجنون فإنه لا يُقتص من الشخص بالإجماع؛ لأن له شبهة، والنبي صلى الله عليه وسلم درء الحد بالشبهات، وله الحق في دفعه، لكن كون هذا الشخص غير مكلف ولا عاقل، هل يوجب الضمان؟

    قال بعض العلماء: يجوز له قتل المجنون والصبي، ولكن يجب عليه ضمان دمه، والصحيح أنه لا يضمن دمه، فلا تجب عليه الدية؛ لأن الشرع أذن له أن يدفع، وفي هذه الحالة يستوي أن يكون مجنوناً، ويستوي أن يكون عاقلاً؛ لأنه إذا سقط القصاص بإذن الشرع، سقط ما يترتب على الدم، وحينئذ لا يجب عليه ضمان النفس، ولا يعتبر ملزماً بالدية.

    فبين رحمه الله: أنه إذا قتل فلا ضمان عليه، وهذا يشمل الآدمي والبهيمة.

    فلو أن بعيراً هاج، وأصبح يبطش بالناس، يكسر أيديهم وأرجلهم، ويعضهم، ولربما يبرك على الشخص فيقتله، وكان عند شخص أطفال، أو هجم عليه وغلب على ظنه أنه لو تركه فسيقتله، فأخذ السلاح فقتله، أو تمكن من عقره فعقره، بأن ضربه في رجله أو يده، وعلم أن هذا يعطله عن الصول على الناس فله ذلك ولا ضمان عليه.

    وعلى هذا يصبح الشخص الذي ظُلم وصيل عليه غير مطالب بدم، ولا بضمان دية، ولا بقيمة، لا في الإنسان، ولا في الحيوان.

    مرتبة الشهادة للمقتول في الدفاع عن نفسه أو ماله أو عرضه

    وقوله: [فهو شهيد]:

    أي: لنص النبي صلى الله عليه وسلم.

    وسمي الشهيد شهيداً، قيل: لأن الملائكة تشهده، فإذا قبضت روحه حفته الملائكة، ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله : (لما قتل أبوه عبد الله بن حرام يوم أحد، فجعل جابر يكشف عن وجه أبيه ويبكي فيمنعه قومه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أخته تبكي، فقال: تبكيه أو لا تبكيه، فما زالت الملائكة تظله حتى صعدت به إلى السماء) فقالوا: سمي شهيداً لأن الملائكة تشهده، أي: تحضره، والشهادة تكون بمعنى: الحضور، كما قال تعالى: وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص:44] أي: من الحاضرين.

    وقيل في تسمية الشهيد أقوال أخرى.

    وقوله: (شهيد): الشهادة على مراتب، فأعلاها وأعظمها أجراً وثواباً عند الله سبحانه وتعالى: الشهادة في سبيل الله عز وجل، أن يقتل من أجل إعلاء كلمة الله، بأن يكون القتال جهاداً شرعياً ولم يقصد به الحمية، أو المقاصد الدنيوية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (الرجل يقاتل حمية، ويقاتل للذكر، ويقاتل للمغنم، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

    أي: من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، فيكون هناك غرض شرعي واضح.

    فراية الجهاد الشرعية من قتل تحتها فهو في سبيل الله، وإن كانت الراية عمية، فالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل تحت راية عمية فهو إلى نار جهنم) والعياذ بالله، فلا تكن الشهادة شهادة إلا إذا كانت منضبطة بأصول شرعية، وأعلاها أن تكون في الجهاد، ثم بعد ذلك من كان مبطوناً فهو شهيد، ومن كان غريقاً فهو شهيد، والحريق شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، والنفساء شهيدة، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد.

    ثم هذه الشهادة نفسها لها مراتب، أعنى الدفاع عن النفس، ومن قتل دون عرضه أيضاً على مراتب، وكل هذا يختلف باختلاف الشهادة والقتل نفسه، وعلى هذا إذا ثبت أنه يشرع للإنسان أن يقاتل، ولو غلب على ظنه أنه سيقتل فإن هذا نوع من الشهادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على هذا: قال: (أرأيت إن قتلني قال: أنت شهيد) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد) فهذا نص على أنها شهادة في سبيل الله عز وجل، لكن الشهادة إذا أطلقت فهي الشهادة في سبيل الله، فيشترط فيها:

    أولاً: أن تكون لأجل كلمة الله.

    ثانياً: أن تكون في المعركة.

    فلو أنه جُرح، ثم سحب من المعركة، فأخذ يتداوى ثم مات، فهذا نوع شهادة، لكنه لا يصل إلى الشهيد الذي مات في المعركة، بل يعامل معاملة الميت: فيغسل، ويكفن؛ ولذلك فإن سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه لما انفجر عليه جرحه الذي أصيب به يوم الأحزاب، داواه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فاضت روحه ومات، ومع ذلك غُسل وكُفن، وأخذ حكم الميت، لكنها نوع شهادة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (اهتز عرش الرحمن لموت سعد ) رضي الله عنه وأرضاه، وذلك من عظيم بلائه في الإسلام.

    حكم قتل الصائل من أجل المال

    وقوله: [ويلزمه الدفع عن نفسه وحرمته دون ماله].

    أي: أنه لا يجب عليه أن يقاتل من أجل المال، وهذه المسألة خلافية، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه يجب عليه أن يدفع حتى عن ماله؛ لأن سكوته يعين الظالم على ظلمه.

    والذين قالوا بالوجوب فرقوا بين المال القليل والمال الكثير، وقارنوا بين مفسدة الاعتداء على المال، ومفسدة الإضرار بالصائل.

    حكم قتل الصائل إذا هجم على منزل

    وقوله: [ومن دخل منزل رجل متلصصاً فحكمه كذلك].

    أي: من دخل منزل رجل متلصصاً للسرقة، أو دخل دار رجل لهتك العرض والفساد، أو دخل دار رجل للقتل، فكله في حكم الصائل.

    ولو دخل من أجل المال فهو في حكم الصائل متلصصاً، واللص إذا دخل فغالباً ما يكون معه السلاح، لكن لا يجوز للشخص إذا دخل أحد يريد أن يسرق من ماله أن يقدم على قتله إلا بالتفصيل الذي ذكرناه.

    ومحل قتله إذا كان معه سلاح ويطلب المال، وكان يقصد أن كل من يقف في وجهه ليمنعه من أن يصل إلى المال فإنه سيقتله؛ فهذا يقتل، وأما إذا أمكن دفعه بالأخف دون قتله فقد تقدم تفصيل ذلك.

    وقوله: (متلصصاً) هذا ذكره في الآدمي، وقد تدخل البهيمة متلصصة، والبهيمة غير مكلفة، فلو دخلت البهيمة إلى دار الإنسان، كأن جاء بعير إلى التجار وهم يعرضون أطعمتهم، فهجم عليها ليأكلها.. وهذا يحصل كثيراً، وقد كانت هذه المسألة من المشاكل التي تشغل المحتسبين في الأسواق، حيث يأتي الناس بدوابهم، وبعضهم يعرض الطعام، فما يشعر إلا والبهيمة تهجم على الطعام، وبعض الأحيان تدخل إلى الدكان أو المتجر.

    إذاً.. يحصل من الآدمي ومن غير الآدمي، لكن المكلف تستطيع أن تتكلم معه، وأما البهيمة فلا، ولذلك يشرع دفعها.

    وقد كان أهل العلم يذكرون بعض الطرائف في دروسهم: وقد كان معنا طالب في دراسة الابتدائي، وكان من أذكى خلق الله، وكان من بيت علم وفضل، وفيه أدب، ولا أذكر أني رأيت شيئاً يعيبه في دينه أو دنياه، وكنا في السنة الثالثة الابتدائية، وكان صغيراً غير مكلف، لكن كان فيه شيء من الذكاء، فكان يأتي بعد تحضير المدرس، فإذا انتهى التحضير يأتي إلى حارس المدرسة، ويقول له: المدير يريدك، فيذهب الحارس، وقد وضع الطالب حقيبته وراء الباب، فيأخذ الشمطة ويخرج من الباب، وكان يأتي إلى الحارس في فترات حتى لا ينتبه له، وكان الحارس كبير السن، وفيه نوع من البساطة، وفي يوم من الأيام خرج بشمطته، وفعل فعلته، وشاء الله عند خروجه أن يكون أمامه ثور هائج، ومعه شمطة حمراء، والثور قد حبس الناس في الطريق، وفوجئ أن هذا خارج من المدرسة بشمطة حمراء يجري، فما كان منه إلا أن جرى وراءه، يقول: لقد جريت جرياً ما جريته في حياتي، أي: قرابة كيلو، حتى نجاه الله عز وجل، وبعد ذلك حرم أن يخرج من المدرسة.

    وهذا شيء طيب! أنه كلما يخرج الشخص من محاضرة أو درس يجد ثوراً هائجاً.. فهو يعين على طلب العلم.

    وتسقط حرمة البهيمة إذا صالت بالاعتداء على النفس أو المال، وهذا شرطه إذا لم يمكن دفعها بالأخف، فلو أمكن دفعها بالصياح عليها أو بالإشارة بالعصا ونحوها دون ضربها، فلا يجوز استباحة الأعلى؛ على التفصيل الذي ذكرناه في المكلفين.

    1.   

    الأسئلة

    طلب الصائل إذا قتل ثم هرب

    السؤل: لو قتل الصائل أحداً من أهل المصول عليه، وهرب الصائل، فهل لصاحب الدم أن يلاحقه؟ أم لا ترد مسائل دفع الصائل في هذه الحالة؟

    الجواب: إذا هجم الصائل يريد المال أو العرض أو النفس، فإنه إذا صد فهرب لم يجز ضربه ولا عقره ولا قتله؛ لأن الحاجة انتهت بكف شره بانصرافه، وأما إذا قتل وأزهق الروح، فإنه إذا قتله المصول عليه -أخو القتيل- وقصده أن يقتص لأخيه المقتول، فحينئذٍ يكون قد أخذ بحقه، ولكن يعزره السلطان؛ لأن القصاص إنما هو للقضاة والحكام، فيعزره السلطان والقاضي بعد دراسة حاله، ومعرفة السبب الذي دعاه لذلك، وقد لا يعزره، كأن يكون هذا ردعاً للناس، وإذا سمع الناس ذلك خافوا، فحينئذٍ لا يعزره، فينظر القاضي أو الإمام في الأصلح.

    أما من حيث الأصل: فإنه إذا لم يفعل شيئاً وهرب، فإنه لا يجوز طلبه ولا عقره بالإضرار، أما طلبه فإنه يشرع أن يطلبه من أجل أن يرفعه ليؤدب ويعزر، حتى لا يفعل مع الناس مثل فعله.

    أما لو قتله على أنه صائل، فهذا فيه الضمان على التفصيل الذي ذكره العلماء رحمهم الله في مسألة القتل، أما لو نوى به القصاص، فحينئذٍ يكون قد أخذ بحقه، وسقط القصاص في هذه المسألة. والله تعالى أعلم.

    الفرق بين قتل الصائل والقتل بسبب العداوة

    السؤال: أشكل علي في مسائل دفع الصائل حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار

    الجواب: هذا لا علاقة له بالصائل، فقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما) المراد به: أن يحصل بين الشخص والشخص عداوة، فتأخذ الإنسان الحمية والغضب فيرفع السلاح، فيرفع عدوه السلاح ويقتتلان، إما من أجل أن يثبت أنه قوي، أو أنه أشجع من الآخر.

    هذه أمور تقع في الخصومات والنزاعات بين الناس، فكل منهما يريد أن يثبت أنه هو الشجاع، وأنه هو الأقوى، فما حصل من الهيشات بين الناس والخصومات والنزاعات ويقصد بها إراقة الدماء على هذا الوجه؛ فالقاتل والمقتول في النار؛ لأن المراد بهذا الحمية والعلو، وكل منهما تأخذه أنفة فيقول: لماذا يقاتلني فلان؟ أنا أقوى منه! وأكثر ضرراً منه! فهذا يحمل السلاح، وهذا يحمل السلاح، فالقاتل والمقتول في النار.

    ثم هذا ليس غرضاً شرعياً، أما أن هذا صائل فلا، وليس له علاقة بمسألتنا ألبتة، فهذا شيء، وهذا شيء آخر، فهنا وجد الموجب الشرعي للمصول عليه أن يدفع، ووجد الوصف الشرعي للصائل بالظلم، وأما إذا التقيا بسيفيهما فهي خصومة ونزاع، وقد تكون لأتفه الأسباب، وقد تكون حتى بدون سبب، بأن ينظر إليه، فيقول له: لماذا تنظر إلي؟ فيقول: ومن أنت حتى تقول: لا أنظر؟ فحمل هذا سلاحه، وحمل هذا سلاحه، وقتل كل منهما الآخر، (قال: يا رسول الله! قد علمنا القاتل يذهب إلى النار، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فلم يكن قتلاً لله، أو لإعلاء كلمة الله، ولا قصاصاً ولا بحق، فأصبح موجباً للدخول في النار؛ لأن من أكبر الكبائر إزهاق النفس، وقتلها بدون حق. والله تعالى أعلم.

    حكم التشريك بين الأضحية والعقيقة

    السؤال: ما حكم من أشرك نية العقيقة بنية الأضحية في يوم عيد الأضحى؛ لأنه وافق الأسبوع الثاني لولادة الطفل - أي: اليوم الرابع عشر- فكانت الشاتان بنية العقيقة والأضحية؟ وماذا عليه؟

    الجواب: لا يجزئ أن يجمع بين نيتين؛ لأن العقيقة مقصودة، والأضحية مقصودة، ولذلك لا يحصل الاندراج، فالأضحية مقصودة لدى الشرع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانهاأخرى ) فكل مكلف قادر مطالب أن يذبح ذبيحة خاصة، شعيرة لهذا العيد، وسنة بقصد، بمعنى أنها مقصودة.

    وأما العقيقة فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أنها متعلقة بالولد، فقال: (كل مولود مرهون بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه) فهذا يدل على أن الشرع قصد أن يُذبح عن الغلام، وأن يعق عنه، وهذا لا يحصل فيه الاندراج، فلم يصح الجمع بين النيتين. والله تعالى أعلم.

    حكم الدخول بالمرأة المعقود عليها قبل إعلان النكاح

    السؤال: ما حكم الرجل يباشر المعقود عليها - زوجته- قبل إعلان الدخول بها؟

    الجواب: هذه المسألة ينبغي التنبيه عليها، وعلى ولاة أمور النساء ألا يسمحوا للأزواج بالدخول قبل إعلان النكاح؛ لأنه يترتب على هذا مفاسد عظيمة، يأتي الزوج يزور الزوجة بعد العقد وقبل الدخول، فيدخل بها في بيت أهلها، فلو فرض أنه توفي، ولم يعلم أحد أنه دخل بها، ثم فوجئ الناس أن المرأة حامل، فكيف يكون الحال؟

    وكذا لو كان رجلاً فاسداً -والعياذ بالله- أو فاسقاً ودخل بها، واستمتع بها، ثم قال: لا أريدها، فإن قيل: لماذا؟ قال: اعترفت لي بالحرام، ثم فوجئوا أنها حامل، وهو فاسق متهتك!

    فعلى أولياء أمور النساء أن يتقوا الله عز وجل، وقد حصلت مشاكل كثيرة في هذا الأمر، وكذلك ينبغي على الزوج أن يحذر من هذا؛ لأنه في بعض الأحيان قد تكون بعض النساء فاسدات، ونحن لا نتهم النساء، لكن نعرف ذلك من تنبيهات بعض العلماء والمشايخ؛ فإذا كان فيها فساد في عرضها، وقامت واستدرجت الرجل، وأحدثت له نوعاً من المباشرة قبل الدخول لأجل أن لا ينتبه لبكارتها، ثم انسحبت كأنها خائفة، ثم تدرجت معه إلى ذلك حتى تستر ما بها من الفساد، فهذه أمور فيها أضرار على الزوج والزوجة.

    وعلى الناس أن يتقوا الله عز وجل، وألا يكون الدخول إلا على الوجه المعروف المشهور، حتى يكون أسلم للإنسان من الفتنة، وأبعد من الريبة، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتقاء ما فيه ريبة، وهذا فيه ريبة، وإن كان الأصل جوازه، لكن جرى عرف الناس على شيء، فليعمل به.

    ثم على الزوج أن يكون عنده حياء من الله عز وجل ثم من الناس، كيف يأتي المرأة في أهلها دون علم وإذن من أهلها، هذا أمر ممقوت لا يفعله إلا ضعاف النفوس، فالإنسان الصالح تمنعه ديانته وشيمته ويأنف من أن يأتي الزوجة عند أهلها، نعم هي زوجته ولكن ليس كل شيء مباح يباح، فمثلاً: كشف الرأس مباح، لكن إتيانه على غير الوجه المعروف مسقط للمروءة، وموجب لرد شهادة الإنسان.

    وعلينا أن نتقي الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) فينبغي أن يكون عند الإنسان حياء من الله عز وجل يردعه ثم من الناس.

    فالذي يظهر منع هذه الأمور؛ خوفاً من ضياع الحقوق، لكن لو حصل ترتيب، وعلم أهل الزوجة، وحُفظت الحقوق، فإنها زوجته، فلو دخل عليها فليس عليه من شيء، لكن نحن نتكلم عن المفاسد والأضرار التي تنبني على الخفاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756007136