إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس [2] للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أنواع القصاص فيما دون النفس: القصاص في الجراح، وهناك جراح يمكن فيها القصاص، مثل الموضحة التي توضح العظم، وكجرح العضد والساق والفخذ والقدم ونحوها، وهناك جروح لا يمكن القصاص فيها، ويرجع فيها إلى الأرش والضمان، وذلك مثل الشجاج كالهاشمة والمنقلة والمأمومة، ويقتص من الجماعة إذا قطعوا طرف شخص أو جرحوه بما يمكن فيه القصاص.

    1.   

    القصاص في الجراح

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: النوع الثاني الجراح]

    القصاص فيما دون النفس إما أن يكون في الأطراف؛ كالعين والأنف والأذن والسن، وإما أن يكون في الجروح؛ لأن الجاني ربما قطع عضواً كاليد، وربما طعن بسكين، أو جرح بها، أو خدش بها، ولربما ضرب بحديدة فكسر العظم أو هشمه، فالجنايات فيما دون النفس على هذين النوعين، فإما جناية على الأطراف والأعضاء، وإما جناية بالجروح والكسور، والكلام هنا عن النوع الثاني وهو الجناية بالجروح، والجناية بالجروح يتبعها الجناية بالكسور.

    والجناية بالجروح كأن يأخذ سكيناً فيضربه على كتفه، أو يأخذ سكيناً فيضربه على عضده، أو يأخذ سكيناً فيضربه بها في بطنه فتُظهر جوفه وأحشاءه، وهي الجائعة، وربما ضربه على موضع من بدنه فتكون موضحة، وربما كانت مأمومة تبين أم الدماغ، وربما كانت الجناية على العظام بهشمها وهي الهاشمة، أو كسرها كسراً ينقل العظم وهي المنقلة، فهذه كلها جنايات في الجروح، وهذا من كمال الشريعة وسعتها، وعظمة هذا الدين في تفصيله لهذه الأشياء، ولذلك لم يقتصر في الجناية على وضع الضوابط العامة، دون دخول إلى تفصيلات، وبيان أنواع هذه الجنايات وأحوالها المختلفة، فرحمة الله على أئمة الإسلام وفقهائه الأعلام، الذين أظهروا مكنونات هذه الشريعة بفضل الله عز وجل الذي لا فضل إلا فضله وحده لا شريك له، والذي علمهم وفهمهم فبينوا هذه الأحوال والظروف.

    ما يقتص فيه من الجراح

    قال رحمه الله تعالى: [فيقتص في كل جرحٍ ينتهي إلى عظم].

    أي: يتقص من الجاني في كل جرحٍ ينتهي إلى عظم، وهذا مبني على أن الجناية بالجروح أضيق من الجناية على الأعضاء والأطراف، فإن الجناية على الأطراف والأعضاء يستطاع فيها أن يستوفى من الجاني حق المجني عليه؛ لأنه يستطاع تحديد موضع الجناية على الطرف وعلى منفعته، أما الجناية بالجروح فمقيدة، ولذلك لا يُقتص فيها إلا بحدود، والسبب في هذا: أن الجناية بالجروح لا يؤمن معها الحيف، ولا تؤمن معها الزيادة.

    ومدار القصاص على العدل والمساواة، ولذلك يكون أمر القصاص هنا أضيق منه في القصاص في الأطراف، ولذلك قال رحمه الله: (فيُقتص في كل جرحٍ ينتهي إلى عظم)، وذلك مثل الجروح التي تكون في العضد، والجروح التي تكون في الساعد، والجروح التي تكون في الساق، ونحوها؛ لأنه يمكن ذلك، فلو قيل للخبير في القصاص أن يجرحه جرحاً مثل الجرح الذي فعله بالمجني عليه لأمكنه ذلك، ولكن إذا كان في موضعٍ لا ينتهي إلى عظم، والجناية إن لم تنتهِ إلى عظم فلا تستطيع أن تحدد غور الجرح، بحيث تجرحه مثل جرحه، وتبضع اللحم مثلما بضع لحم المجني عليه، ومن هنا يضيق القصاص في الجروح ويكون صعباً؛ لأنه لا يؤمن معه الحيف، فإذا أراد المقتص أن يقطع مثل قطع الجاني فلن يستطيع أن يزن السكين، أو يزن القطع بنفس الوزن الذي وزنه به الجاني، أو يضربه نفس الضربة، أو يطعنه نفس الطعنة، والقاعدة أن كل ما لا يؤمن معه الحيف فإنه لا قصاص فيه؛ لأنه إذا لم نأمن الحيف فإننا لا نأمن التعدي، والأصل أن الجاني له حرمة، وإنما يؤخذ منه بقدر جنايته، فإذا لم نظمن أن نأخذ بقدر جنايته، فحينئذٍ لا يكون ظلمه للمجني عليه داعياً لنا أن نظلمه هو، وحتى يتحقق بين الطرفين فقد وضعوا ضابطاً هو القصاص في الجرح الذي ينتهي إلى عظم.

    قال رحمه الله تعالى: [كالموضحة].

    الوضوح: ضد الخفاء، ووضح النهار إذا بان ضوؤه، والموضحة: هي التي توضح العظم، كما لو وقعت خصومة بين الجاني والمجني عليه فأخذ السكينة -والعياذ بالله- فضربه على كتفه، فوجدنا أن الجرح الذي جرحه به أبان العظم وأوضحه، وما أضر بالعظم ولا كسره ولا هشمه، لكنه جرح يظهر العظم، فحينئذٍ انتهى الجرح إلى حد معين وواضح، فتستطيع أن تفعل بالجاني مثلما فعل بالمجني عليه، سواءٌ أكان هذا في العضد، أم في الساعد، أم في الساق، فهذه كلها يمكن فيها الجرح مماثلاً لجرح الجاني، فحينئذٍ يُقدر الجرح ويُسبر، ثم بعد ذلك يُفعل بالجاني مثلما فعل بالمجني عليه.

    قال رحمه الله تعالى: [وجرح العضد].

    العضد: ما بين مفصل المرفق إلى مفصل الكتف، وما بين مفصل المرفق ومفصل الكف يقال له: الساعد، ومثل هذا يقع أيضاً في جرح الساعد، فإنه إذا ضربه بالسكين على ساعده وأوضح العظم، وظهر العظم من ضربته، فيمكن أن يفعل به مثلما فعل بالمجني عليه.

    قال رحمه الله تعالى: [والساق].

    الساق: ما بين مفصل القدم ومفصل الركبة، فلو أنه ضربه بسكين، أو بآلة جارحة فأظهرت عظم ساقه، ولم تؤثر في العظم؛ اقتص منه في الموضحة، ولو أنها هشمت العظم وكسرت عظم المجني عليه، فقال: أريد أن تفعلوا بالجاني موضحة، فإنه يقتص منه بالأقل؛ إذ لا يستطاع أن يكسر عظمه نفس ما كسر، فيقتص بالأقل، وسيأتينا هذا إن شاء الله تعالى.

    قال رحمه الله تعالى: [والفخذ].

    أي: والفخذ كذلك، وعظم الفخذ ما بين مفصل الركبة ومفصل الورك الذي في الأعلى، وسواءٌ ما أقبل منه أم أدبر، فإذا ضربه بالسكين عليه فأوضح عظم الفخذ فُعل به مثلما فعل بالمجني عليه، واقتص منه موضحة.

    قال رحمه الله تعالى: [والقدم].

    إذا أتت الجروح في نفس القدم من مفصل الكعبين إلى أطراف الأصابع، فإنها تنتهي إلى عظم، فلو جرحه جرحاً أوضح عظم قدمه فُعل به مثله، فلو كان جرحاً طويلاً جرحناه جرحاً طويلاً، ولو كان وضوح العظم في نصف الجرح أوضحنا عظمه في نصف الجرح، فخدشناه الخدش ثم أوضحنا فيه، ولو كان الوضح في نفس العضو كاملاً فُعل به مثلما يفعل بالمجني، سواءً بسواء، والدليل على هذا كله قوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، فإن هذه الآية الكريمة أصل عند أهل العلم في القصاص في الجروح، وذلك أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نقتص من الجارح إذا جنى على المجني عليه بجرحٍ، وأجمع العلماء رحمهم الله على أن القصاص يقع في الجروح كما يقع في الأنفس والأطراف.

    ما لا يقتص فيه من الجراح وأنواع جناياتها

    قال رحمه الله: [ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج والجروح].

    تقدم معنا أن القصاص إما أن يكون في النفس، فيما دون النفس، والذي دون النفس: إما أن يكون في الأطراف -وقد ذكرنا مسائله-، وإما أن يكون في غير الأطراف، والذي في غير الأطراف يشمل: القصاص في الجروح، والقصاص في الشجاج، وهي جمع شجة، ويعبر بها عن الجنايات المتعلقة بالرأس والوجه.

    ثم هذه الشجاج والجروح تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: يمكن فيه القصاص، وتتحقق فيه المماثلة، ويؤمن فيه الحيف، بمعنى أننا لو أردنا أن نمكن المجني عليه من فعل جناية بالجاني كجنايته عليه أمكن ذلك.

    القسم الثاني: أن يتعذر ذلك، بحيث يغلب على ظننا أننا لو أردنا القصاص فلابد من حصول الزيادة -التي هي الحيف-، أو عدم حصول التماثل، ومن هنا بين المصنف رحمه الله أن الموضحة، وجرح العضد، وجرح الساق، وسائر ما سمى رحمه الله أنه يقتص فيها، والموضحة -كما تقدم معنا- هي التي توضح العظم.

    ومن حيث الأصل فالجنايات إذا كانت جروحاً ففي الجسم ثلاث طبقات:

    الطبقة الأولى: الجلد، والطبقة الثانية: اللحم، والطبقة الثالثة: العظم.

    فهذه ثلاثة مواضع تقع عليها الجنايات، وإذا حصلت الجناية على الجلد فإنها تأتي على طبقات، وإذا حصلت الجناية على اللحم فإنها تأتي على طبقات، وإذا حصلت الجناية على العظم فإنها -كذلك- تأتي على طبقات ومراتب.

    وبناءً على هذا بين المصنف رحمه الله أنه لا يُقتص في غير الموضحة، وهي التي توضح العظم، فإذا أوضحت العظم فمعنى ذلك أن الآلة وصلت إلى كشف العظم دون أذيته، فهذا النوع من الجنايات له حد ينتهي إليه، بخلاف جرح الجلد، وبخلاف جرح اللحم، فإنه ليس له حد ينتهي إليه.

    وتوضيح ذلك: أن الجناية غير الموضحة إما أن تكون أقل من الموضحة، وإما ان تكون فوق الموضحة.

    أما الجنايات دون الموضحة فأولها يسمى: بالقاصرة والحاصرة، وهي التي تقشر الجلد، ولا يخرج معها الدم، ثم يلي ذلك البازلة، ويقال لها: الدافعة، والبازلة: هي التي تكشط الجلد، ويخرج معها دم، فالجناية بها أقوى من الجناية الأولى، ثم بعد ذلك الباضعة، والباضعة: هي التي تنتهي من الجلد، وتدخل في اللحم، ولكنها لا تتوغل في اللحم، وإنما تجرح اللحم فتبضعه، ثم بعد ذلك المتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم، ولكن لا تصل إلى العظم، ثم بعد ذلك السمحاق، والسمحاق: هي التي ليس بينها وبين العظم إلا القشرة الرقيقة.

    فهذه الجنايات الأول كلها قبل الموضحة، ولا قصاص فيها على ما اختاره المصنف رحمه الله.

    وبناءً على ذلك: فلو اختصم اثنان، فجرح أحدهما الآخر بسكين، فكشط لحم جلده، ولم يخرج دم، فهي حاصرة، ولا قصاص فيها، ويعدل إلى الأرش، وفيها حكومة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- كيف تقدر، وكيف يعطى حقه في هذه الجناية.

    وإذا ضربه بالسكين، فنفذ من الجلد إلى اللحم، وغاص في اللحم، ولم يصل إلى العظم، فهي متلاحمة، أو قطع اللحم، ولكن ضربة السكين لم تدخل في اللحم، فهذه باضعة، وكلها لا قصاص فيها على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى.

    إلا أن بعض العلماء يرى القصاص في الباضعة، ويرى القصاص في المتلاحمة، ويرى القصاص في البازلة، التي تكشط الجلد ثم يخرج منها دم، وهو مذهب المالكية وأهل الرأي، وقالوا: إنه بالإمكان إذا جُني على شخص جناية بمثل البازلة أن نقيس الجرح الذي جرح طولاً، ونحدد مكان الجناية، ثم نبضعه، ونفعل به مثل ما فعل بالمجني عليه، وبهذا يمكن القصاص.

    والذي دعا الحنابلة والشافعية رحمة الله عليهم إلى منع القصاص في هذا هو قولهم: إنه يتعذر أو يصعب التماثل، ومن شرط ثبوت القصاص في الجروح: حصول التماثل وأمن الحيف، والناس يختلفون من حيث اللحم نحافة وسمناً، ثم طبيعة العضو طولاً وقصراً، وهذا يؤثر في الجناية نفسها، ولا يمكن أو لا يستطاع -غالباً- أن يأتي القصاص مثل الجناية سواءً بسواء، وإذا لم يؤمن الحيف سقط القصاص.

    وفي الحقيقة مذهب الحنابلة ومن وافقهم أقوى؛ إذ إن هذه الجنايات والجروح لا يؤمن معها الحيف في الغالب، خاصة لاختلاف أحوال الناس، ومن هنا فالأحوط مذهبهم الذي يقول: لا قصاص في هذه الأشياء.

    هذا بالنسبة لما هو أقل من الموضحة.

    وأما ما فوق الموضحة: فالهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، فإذا دخلت الضربة في العظم وكسرته فقد هشمته، فالهاشمة توضح العظم وتهشمه وتكسره، والمنقلة -وهي فوق الهاشمة- توضح العظم، وتهشمه، وتنقله، فإذا جاءت الشجة في الرأس، أو في جهة الدماغ، وكسرت العظم ونقلته عن موضعه فهي منقلة، والمأمومة: وهي الدامغة التي تكسر العظم، وتنفذ حتى تظهر لنا خريطة دماغ الشخص، وتسميتها قديمة من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت في كتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وفيها ثلث الدية، وهي أعلى أنواع الجنايات بالنسبة لما يتعلق بالرأس.

    فهذه الثلاث، وهي: الهاشمة، والمنقلة، والمأمومة؛ لا قصاص فيها، ويكاد يكون شبه إجماع على أنه لا قصاص فيها؛ لأننا لا نأمن الحيف، ولا يستطيع أحد أن يكسر عظماً مثل كسر الآخر؛ لأن العظم إذا انكسر تهشم، ولا يمكن أن تكسره كسراً يساوي كسر الجاني، ومن هنا قالوا: يتعذر القصاص، ويمتنع الحكم به.

    وقد حفظ عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه أنه قضى بالقصاص في المأمومة، وأنكر عليه الناس ذلك، وقالوا: ما عرفنا أحداً يقتص في المأمومة، وهذا الأثر اختلف فيه، وإن كان نص غير واحد من الأئمة على أنه لا يثبت عن عبد الله بن الزبير ، فإن لم يثبت فالأمر واضح، والإجماع محكيٌ على أنه لا قصاص في الهاشمة والمنقلة والمأمومة، والسبب في هذا: أنه لا يمكن تحقيق المساواة، كما لا يؤمن الحيف والزيادة، وهذان عذران موجبان لسقوط القصاص.

    و(من) في قوله: (ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج والجروح) بيانية، والشجاج: جمع شجة، وهي التي تكون في الوجه، وتكون في الرأس، والجروح: هي التي تكون في سائر البدن، فبين رحمه الله تعالى أن القصاص فيما دون النفس، سواءٌ أكان في الشجاج، أم كان في الجروح، لا يقتص فيه إذا كان على هذا الوجه الذي ذكرناه.

    القصاص في كسر السن

    قال رحمه الله: [غير كسر سن].

    استثنى رحمه الله السن، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، وكلهم متفقون على أنه لو قلع سن أخيه قلعت سنه، إذا أتلف السن كلية، فتتلف سنه كما أتلف سن المجني عليه، وتؤخذ نفس السن التي جنى عليها، سواءٌ أكانت من الأضراس، أم كانت ناباً، أم كانت غير ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45]، أي: كتبنا عليهم أخذ السن -وهي سن الجاني- بالسن، والباء للبدلية، أي: بدلاً عن السن، وهي سن المجني عليه الذي ظُلم بالاعتداء على سنه، سواءٌ أكان ذكراً أم أنثى، وسواءٌ أكانت السن زائدة، أم أصلية، فلو أنه جنى على سن زائدة في أخيه وقلعها، وهو له سن زائدة مثلها، فإنه تقلع سنه بسن أخيه، ولو قلع سناً أصلية من أخيه؛ فإنه تقلع منه مثل السن التي قلعها من أخيه، والدليل على ذلك ظاهر الآية، وما ورد في السنة في حديث أنس بن النضر في قصة الربيع رضي الله عنها لما كسرت سن الجارية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص).

    أما إذا جنى عليه جناية دون القلع، فكسر له نصف سنه، أو كسر ربع سنه، ففي القصاص حينئذٍ وجهان للعلماء رحمهم الله: أصحهما وأقواهما أنه يُقتص من سن الجاني بمثل وبقدر ما اعتدى على سن المجني عليه، بشرط أمن الحيف، فلو كسر سن المجني عليه، فقال الأطباء: هذا الكسر نصف السن، أخذ من سن الجاني بقدر ما جنى، وكانوا في القديم يبردونها بالمبرد الحديد، فيأخذون نصف السن برداً، أو ربعها، أو نحو ذلك على قدر جنايته.

    فالصحيح أنه يُقتص من السن، والدليل على ذلك الحديث الصحيح في قصة الربيع ، فإنها كسرت سن الجارية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، فأمر بالقصاص، فدل على أن السن يُقتص منها بأخذ جزء معادل للجزء الذي جُني عليه.

    فإن كان الكسر على صفة لا نستطيع أن نفعل بالجاني قدرها، أو قال الأطباء: لا نأمن أن السن تتهشم، أو أن السن التي كانت في الجاني ضعيفةٌ، بحيث لو بُردت تكسرت وتشهمت، سقط القصاص وعدل عنه إلى الضمان.

    القصاص بموضحة في أعظم منها

    قال رحمه الله تعالى: [إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة، فله أن يقتص موضحة، وله أرش الزائد].

    أي: إلا أن تكون الجناية أعظم من الموضحة، وهنا مسألتان:

    المسألة الأولى: لو أنه جُني عليه بجناية فوق الموضحة، وأراد أن يقتص بها موضحةً، فهل يجوز له ذلك؟

    المسألة الثانية: إذا اقتُص وأُذن بالقصاص، فهل يضمن الجاني الباقي ويدفع الأرش.

    فهاتان المسألتان اختلف فيهما العلماء رحمهم الله، والصحيح: أنه إذا جنى عليه جناية هشمت عظامه، أو نقلت العظم، فإنه يُمكن جرحه موضحة، ثم يؤمر الجاني بدفع الفرق بين الموضحة وبين الجناية، فالموضحة فيها خمس من الإبل، فإذا كانت الجناية هاشمة ففيها عشر من الإبل، فيدفع خمساً من الإبل باقية عليه، وهذا المذهب هو الذي اختاره المصنف رحمه الله.

    والدليل على ذلك: أنه جنى عليه جناية يتعذر القصاص فيها، فأخذ بعض حقه، وبقي له الآخر، كما لو قطع له أصبعين، فاقتص من أحدهما وأخذ قيمة الثاني، كما لو كان الأصبع الثاني مشلولاً فقال المجني عليه: أريد أن تقطعوا منه مثل ما قطع مني، وآخذ أرش الباقي لي من الأصبع المشلول، فلا أريد القصاص فيه، فله ذلك، وبناءً على ذلك فإن الأصل يقتضي أن يطالب بحقه كاملاً، وهو القصاص، فلما تعذر أن يأخذ بالقصاص في الهاشمة والمنقلة والمأمومة لما ذكرناه كان من حقه أن يقتص موضحة.

    لكن هناك ملاحظة دقيقة لبعض مشايخنا رحمة الله عليهم في هذا، حاصلها أنه يقول: إن هذه المسألة ينبغي أن يفرق فيها بين الهاشمة والمنقلة إذا كان معهما جرح وإذا لم يكن معهما جرح؛ لأن الهاشمة قد تهشم عظامه دون جرح، كأن يضربه بحديدة فتتهشم العظام ولا يحصل جرح، وحينئذ فالجناية في العظم، وليست في الجلد، وكذلك المنقلة فقد ينتقل العظم بالضرب بدون جرح، فلو فُصّل بين ما إذا كانت الجناية قد جرحت، وأوضحت، ثم هشمت أو نقلت، وبين أن يكون الهشم أو النقل بدون جرح؛ لأن الجرح فيه إيلام زائد على الجناية؛ لأن الجناية قد تكون بالضرب والرض فقط، وفرق بين الجرح وبين الرض.

    وهذا الملحظ أستسيفه, وأرى له قوة ووجاهة؛ لأن أصل القصاص المماثلة، ومن هنا فلو ضربه بحديدة، فلم تجرح، ولكنها كسرت العظام فهشمتها، أو كانت الجناية منقلة نقلت العظام ولكنها لم تجرح، فحينئذ لو حكمنا بجرح الجاني فمعنى ذلك أننا آلمنا الجاني بغير جنايته؛ لأن جنايته بالرض، وليست بالجرح، فالأشبه أن ينبه على هذا، ويُفرق بين أن تكون المنقلة والهاشمة بجرح الجلد واللحم والنفوذ إلى العظم، وبين أن تكون رضاً بدون جرح.

    1.   

    القصاص من الجماعة بالواحد في الأطراف والجروح

    قال رحمه الله تعالى: [وإذا قطع جماعة طرفاً، أو جرحوا جرحاً يوجب القود، فعليهم القود].

    هذه المسألة فيها نفس التفصيل الذي تقدم معنا في القصاص من الجماعة، والحاصل: أنه إذا اعتدى على الشخص جماعة، فلهم صورتان، والكلام عن إحداهما: وهي إذا كان فعل كل واحد منهم جناية لوحده، بحيث لو انفرد لحصل به القطع، ومن أمثلة ذلك: أن يعتدي ثلاثة أشخاص على شخصٍ، فيقوم أحدهم ويجرحه موضحة في آخر رأسه، ثم يضربه الثاني موضحة في منتصف الرأس، ثم يضربه الثالث موضحة في وجهه، فهذه ثلاث جنايات من جماعة، فيقال له: افعل بكل واحد مثل ما فعل بك في نفس الموضع الذي ضربك فيه، فالأول يقتص منه موضحة في آخر الرأس، والثاني يقتص منه موضحة في منتصف الرأس، والثالث يقتص منه موضحة في وجهه، ولو أراد أن يقتص من بعضهم ويعفو عن بعضهم، أو يقتص من بعضهم، ويأخذ الدية من بعضهم، فذلك من حقه، فلو قال: فلان أقتص منه، وفلان أريد منه المال، وفلان عفوت عنه لوجه الله تعالى؛ فله ذلك، كما لو اعتدوا عليه متفرقين.

    وبناءً على ذلك: فإذا اعتدى عليه جماعة، فإننا نظر إلى فعل كل واحد منهم، وإذا كان فعلهم جميعاً في موضع لو انفرد كل واحد منهم بالفعل لأبان ذلك الموضع، فإنه يثبت القصاص على كل واحد منهم منفرداً مستقلاً، كما تقدم معنا تفصيله في القتل.

    فالخلاصة: أن الجماعة يُقتص منهم، وهذا هو الذي جرى عليه عمل السلف، ونصوص الشريعة تدل عليه.

    أما عمل السلف: فإن عمر بن الخطاب لما قتل جماعةٌ رجلاً باليمن أمر بقتلهم، وقال قولته المشهورة: (والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم)، فلا يفرق بين أن تكون الجناية على الواحد من شخص أو أشخاص، وأما نصوص الشريعة فعموم الكتاب في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178] يدل على أنه يقتص من الجاني، وهؤلاء كل واحد منهم جانٍ، وكل واحدٍ منهم يوصف بكونه في فعله جانياً، فيمكن المجني عليه من أخذ حقه من كل واحد بحسبه، وهذا هو المذهب الصحيح، والذي دلت عليه الأدلة، واقتضته قواعد الشريعة، ولو أننا لا نقتص من الجماعة فما على المجرمين-إذا أرادوا أن يفعلوا جريمتهم- إلا أن يفعلوها مجتمعين حتى يسقط عنهم القصاص، وبهذا يحصل الشر والبلاء على الأمة، فقطع الله دابر أهل الفساد، فجعل كتابهَ وشرعهَ وحكمه: القصاصَ من الظلمة والجناة مجتمعين ومنفردين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم تعزية أهل المقتول قصاصاً

    السؤال: هل تسن تعزية أهل القاتل إذا اقتص منه؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

    فيجوز تعزية أهل القاتل؛ لأنه لا ذنب لهم، والمسلم يُعزى في مصيبته، والأصول الشرعية دالة على مواساة المسلم لأخيه المسلم، فيشرع إذا قُتل القاتل أن يعزى أهله في مصيبتهم، ولا بأس في ذلك ولا حرج، وكونه يجني هذه الجناية لا يقتضي إسقاط حق أهله، فواجب على المسلم أن يعزي أخاه المسلم في مصيبته، وهكذا بالنسبة لأهل الجرائم، فلو كان قُتل في جريمة المخدرات أو نحوها، فيشرع أن يعزى أهله، فما دام أنه من المسلمين فإنه يشرع تعزية أهله فيه، وبعض الناس يظن أنه إذا قتل في مخدرات، أو قتل في قصاص، أو في جريمة؛ أنه لا يُزار أهله ولا يعزون.

    وبعضهم يبالغ في هذا فيقول: مثل هذا لا تعزونا فيه. وهذا لا يجوز شرعاً؛ لأنه إذا أقيم الحد على العبد طُهِّرَ من ذنبه، والدليل على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقام الحد على المرأة التي زنت تكلموا فيها، وتكلموا في ماعز حينما أقيم عليه الحد رضي الله تعالى عنهما، فقال عليه الصلاة والسلام في ماعز : إنه الآن ينغمس في أنهار الجنة)، وهذا يدل على سعة رحمة الله عز وجل، ويدل على أن من أعظم نعم الله على الإنسان ألا يشتغل بالناس، ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله كلمة عظيمة في كتابه الفوائد -وكلامه رحمة الله عليه درر- قال: (أخسر الناس صفقة من اشتغل بنفسه عن الله، وأخسر منه صفقة من اشتغل بالناس عن نفسه). فأخسر الناس صفقة من اشتغل بنفسه عن الله فجلس في الشهوات والملهيات يلذذ نفسه، ونسي ربه -والعياذ بالله- فاشتغل بنفسه عن الله، فهذا على الأقل متع نفسه، وأخسر منه صفقة من اشتغل بالناس عن نفسه، فقد يبدأ الإنسان بغيبة الناس حسبة أو طاعة أو قربة فيزل لسانه، ثم يستدرج حتى تصبح الغيبة في لسانه تأكل من حسناته ما لم يخطر له على بال، ولذلك فالاشتغال بالناس لا خير فيه، ومن هنا قال تعالى: لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11].

    ولما تكلم بعض الصحابة في الذي شرب الخمر رضي الله تعالى عنه، وقالوا: فلانٌ تقطرُ لحيته خمراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم، ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)، فظاهره ذنوب وخطايا ولكنه مبتلىً، وعندها شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحب الله ورسوله.

    عليك نفسك فاشتغل بمعيبها ودع عيوب الناس للناس

    ولذلك ترى الرجل الصالح التقي الورع شغلته ذنوبه، وألهته عيوبه، وأقبل على نفسه فاستكمل نواقصها، وقال: أنا المسيء، وأنا المذنب، وأنا الذي عندي عورات، وأنا الذي عندي سيئات.

    وأذكر أن بعض مشايخنا رحمة الله عليهم كان لا يجلس أحد عنده فيذكر أحداً بسوء إلا نفر وقام كالأسد، فإما أن يطرده، وإما أن يوبخه، وإما أن يسكته، ويقول له: أنا الذي عندي العيوب، ونحن المخطئون، ونحن المذنبون، فدع الناس عنك، ومع ذلك تجده في نعمة محبوباً من الناس، ومقرباً من الناس، ومهاباً عند الناس، ومحفوظ العرض بين الناس، وفي الحديث: (قيل: يا رسول الله! من المسلم؟ قال: الذي سلم المسلمون من لسانه ويده).

    وكثيراً ما يُجر الإنسان بسبب الغرور، فإذا التزم نسي أنه لا حول له ولا قوة، ثم يبدأ بنفسه وكأنه قد وصل إلى أعتاب الجنة بل إلى درجاتها العُلا، ثم يبلغ به الشيطان استدراجاً وأخذاً حتى يقف على أبواب الجنة -والعياذ بالله- ليدخل من شاء ويخرج من شاء، فهذه زلات القدم، ولذلك على الإنسان أن يتفقد نفسه، ومن سرته حسنته وأبكته أو ساءته سيئته، فهذا هو المؤمن الحق.

    فمن نعم الله على العبد، بل من أجل النعم أن ينظر إلى نفسه وإلى عيوبه وإلى خطاياه، ويزدري نفسه في جنب الله عز وجل، وعندها إذا سمع عن مؤمن أو مسلم أخطاءً أو عيوباً رفع كفه إلى الله، وقال: اللهم عافه ولا تبتلنا، اللهم اهد فلاناً، اللهم تب على فلان، وإذا بالملك يؤمن، بينما تجد البعض -نسأل الله السلامة- يتتبع العثرات، حتى يبلغ به الأمر أن لو قيل له: فلان تاب، فإنه يشكك في توبته -نسأل الله العافية والسلامة- والله تعالى يقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر:8]، وهذا كله بالاستدراج، ووالله لو أن العبد الواعي الفاهم درس نصوص الشرع في بيان كيفية استدراج الله للعبد في معصيته، خاصة في حقوق عباده وأوليائه؛ لتعجب كيف أن الله سبحانه وتعالى يخذل من يؤذي عباده.

    وإنما نقول هذا ونؤكد عليه؛ لأننا درسنا نصوص الكتاب والسنة فوجدنا الوعيد الشديد، والتقريع والتوبيخ على ازدراء المسلم؛ لأنه لا يتكلم في الناس إلا من يزدريهم، ولا يتكلم في الناس إلا من يحتقرهم، وانظر كيف عاتب الله نبيه عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سماوات بسبب ما حدث من عبد ضعيف جاء يريد أن يستفيد، فقال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الأنعام:52]، مع أنه عليه الصلاة والسلام تأول واجتهد، ومع هذا جاء الخطاب من فوق سبع سماوات.

    فحرمة المسلم عظيمة، وليعلم كل إنسان أن أعراض الناس ليست رخيصة، وليعلم كل إنسان أنه إذا جاء ينظر إلى الناس بأحسابها وأنسابها وألونها، وفقرها ومناصبها؛ فذلك لا يغني عند الله شيئاً، وقد قال الله لكل عبدٍ مؤمن بالله واليوم الآخر: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، فويلٌ لك إذا تكلمت في عبدٍ كريمٍِ عند الله عز وجل.

    والتقوى في القلوب، والله يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32]، فإذا أصبح الإكرام من الله لعبده وكرامة العبد عند الله عز وجل موقوفة على التقوى، فإن التقوى ليس لك سبيل إلى علمها، وغيب القلوب لا يعلمه إلا الله تعالى.. نعم، لك أن تحكم على الظاهر، وكلامنا إذا لم توجد حاجة، وإنما في الاسترسال في أعراض المسلمين.

    والعجيب أن تجد الشخص ملتزماً، وربما يمسي الليل قائماً، ويصبح بالنهار صائماً، ثم إذا به يقول كلمة واحدة عن الجنس الفلاني، والقبيلة الفلانية، فإذا به يبوء بالسيئات العظام؛ لأنه اغتاب جنساً، أو جماعة فلان، أو قوم فلان، وفي الحديث: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً -وفي لفظ: ما يتبين فيها- يهوي بها في النار سبعين خريفاً، أو أبعد مما بين المشرق والمغرب).

    فلا يظن أحدٌ أن أعراض المسلمين عند الله رخيصة، وأن المسلم سهل أن يلاك عرضه باللسان، وليعلم أن له رباً يحاسبه، وأنه كما يستشعر عظم عرضه ومكانته، فلربما يكون مرقع الثوب عند الله بمكانٍ أفضل من مكانه، وله عند الله حرمة أعظم من حرمته.

    فهنيئاً لمن قدر نفسه قدرها، وأذل نفسه وعرف حقها، هنيئاً لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس، وتوطن بالتقوى، وتسربل بسربالها، وسلم المسلمون من يده ولسانه، وزلات جوارحه وأركانه، وجماع الخير كله في الخوف من الآخرة، وما كف المسلم عن الوقيعة في المسلمين واحتقارهم والكلام فيهم شيءٌ مثل ذكر الآخرة، فوالله لو استشعر الإنسان أنه قائمٌ بين يدي الله، موقوفٌ بين يدي جبار السماوات والأرض؛ لهانت عليه الدنيا وما فيها، ولم يستطع أن يذكر مسلماً إلا بكل خير.

    وكم رأينا والله من الصالحين والأخيار من العلماء والأئمة وطلاب العلم الفضلاء من شغلته نفسه عن الناس، فوجدناه في عافية من أمر دينه عجيبة، فقل أن تجده مفتوناً، وقل أن تجده يشتكي فتنة؛ لأن الذي بينه وبين الله صالحٌ، فأصلح الله سريرته، وأصلح ما بينه وبين الناس، فزكت روحه وسمت نفسه، فالمؤمن دائماً يبحث عن هذا، وثق ثقة تامة أنك إن وطنت نفسك على أنك المقصر، وعلى أنك الذي تطلق لسانك، وأنه ينبغي أن تكبح هذا اللسان، وأن تكبح جماحه، وأن تمنعه بمانع التقوى، حفظك الله، وذلك كله بفضل الله، ثم الدعاء، ثم ذكر الآخرة.

    فما هذب أخلاق الإنسان وسلوكه شيء مثلُ ذكر الآخرة، والعلم بأنه لا مكان له بين يدي الله إلا بالعمل الصالح، وأن الله لم يجعله حكماً على عباده، وأن الله لم ينصبه من أجل أن يدخل من شاء في جنة الله، ويخرج من شاء عن رحمة الله عز وجل، وإنما هو عبدٌ مربوب، وليس برب يحاسب، وليس برب مطلع على ضمائر الناس في سرائرهم.

    فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا لمحاسن الأخلاق، وأن يصرف عنا شرها وسيئها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد، والسلام عليكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756018160