إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الضمانللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جاء الإسلام بحفظ الكليات الخمس: الدين والمال والنفس والعرض والعقل، ومما يحفظ به المال ما ذكره الفقهاء في كتب الفقه من الرهن والحوالة والضمان، فهذه كلها عقود يستفاد منها الرفق واستيفاء الحقوق، والضمان هو أحد هذه العقود، والذي يكون بإضافة ذمة إلى ذمة في دين أو عين، ولكي يثق الإنسان من رجوع حقوقه؛ فإنه لا يصح الضمان إلا من جائز التصرف؛ لأنه لو ضمن غير جائز التصرف لضاع المال. والضمان له أحكام ومسائل عدة بينها أهل العلم.

    1.   

    مشروعية عقود الاستيثاق

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    قال رحمه الله: [باب الضمان]

    هنا ثلاثة أبواب مهمة، الباب الأول: الرهن، الباب الثاني: الضمان، الباب الثالث: الحوالة، وإذا تأملت الأبواب الثلاثة حيث جاءت وراء بعضها، ذكر المصنف الرهن، والرهن متصل بالقروض، فالمناسبة واضحة، وبعد أن فرغ من أحكام الرهن دخل في الضمان، وباب الضمان من أهم الأبواب، وتعم به البلوى، والناس دائماً يسألون عن أحكامه، وهو موجود إلى زماننا اليوم، وهو ما يسمى: بالكفالة: كفالة مال، وكفالة وجه، وكفالة حضور، كل هذه مما تعم بها البلوى حتى في زماننا.

    فباب الرهن، وباب الضمان، وباب الحوالة، ثلاثة أبواب توصف في الفقه الإسلامي بأنها عقود استيثاق، يعني: يتوثق بها في الحقوق.

    ففي الرهن يستوثق صاحب الحق -المال الذي دفعه، أو العين التي باعها- من حقه بالرهن، وفي الضمان يستوثق صاحب الحق أيضاً بالرجل الكافل، أو الضمين أو الضامن، أو الحميل أو الزعيم، أو الغارم، كلها بمعنىً، يستوثق من حقه، فيقول لك مثلاً: أنا أعطيك مائة ألف، ولكن أعطني كفيلاً، مثلما قال لك: أعطني رهناً، فهنا يقول: أعطني كفيلاً، فهناك استيثاق بالعين، وهنا استيثاق بالأشخاص والذمم، كذلك أيضاً الحوالة فيها نوع استيثاق؛ لأنه إذا عجز عن السداد، فإنه يحيلك على شخص له دين عليه، وقد يكون ليس له دين عليه، فيحيلك لكي تستوثق من حقك وتصل إليه، فهذه ثلاثة أبواب مرتّبة على ترتيب المصنف رحمه الله.

    فالضمان والكفالة والزعامة والحمالة، كلها بمعنىً، والضمين والحميل والكفيل والزعيم كله بمعنىً، وإن كان في بعض الأحوال يقع تفصيل، فالضمين الغالب أن يكون ضميناً في الأموال، والكفالة تكون في الأموال وتكون في الوجه وفي الأبدان، فتتكفل بإحضار الشخص، وقد تكون في قصاصٍ أو نحو ذلك، هذا بالنسبة للكفيل، وأما بالنسبة للزعيم، فهو الذي يتحمل الأموال الباهضة، فلا يقال: زعيم إلا إذا كان في شيء باهضاً، مثل شيوخ القبائل، وشيوخ العشائر إذا أصلحوا بين الناس في الخصومات، يقول: أنا زعيم، يعني: أنا أضمن ما وقع من الخطأ من طرف على آخر، هذا بالنسبة للزعيم، ومنه قوله تعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]، يعني: أنا به ضمين، وأنا به كفيل، وأنا أتحمّله، هذا بالنسبة للكفالة.

    أما فيما يتعلق بالحمالة، فالحميل في لغة العرب في القديم -ولا زال إلى عهد قريب- هو الذي يتحمل الديات، فالحمالة تكون في الديات، وهناك ألفاظ مثل: الصبير، والقبيل، فالصبير والقبيل يشمل هذا كله، يكون صبيراً في الأموال، يكون صبيراً في الأنفس، فيقول: أنا صبير، يعني: الصبير أصله من الشاة المصبورة المحبوسة، كأنها مصبّرة، فكأنه حبس نفسه ورهن نفسه لقاء هذا الحق.

    والقبيل يكون نداً ويتحمل، وكان هذا موجوداً ولا يزال إلى زماننا هذا -وإن كان بصورة أقل في زماننا- فحينما كان الخير منتشراً بين الناس كانوا يتحملون، ولا يكون للحمالات ولا للضمانات إلا أهلها الذين عُرِفوا بالكرم وبقوة النفس، وهذا فضل من الله يعطيه من يشاء، ويعتبر مثل هذا من السؤدد.

    لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يعدم والإقدام قتـال

    فالسيادة والزعامة في الناس لا تكون إلا ببذل الثمن والتضحية، فكان في الناس من يتحمل ويتكفّل، وتجد فيه شهامة وقوة نفس، وجلَداً من أجل أن يتحمل هذه الحقوق، ولا شك أنها مخاطرة، ولذلك يقولون: أولها ملامة: أي: الناس تلومك، وأوسطها ندامة: أي: إذا انتصفت المدة يبدأ الإنسان يندم، عندما يتكفّل على أحد، وآخرها غرامة: أي: أنه بتحمله وضمانه وكفالته سيغرم، ولذلك لا يقوى على هذا إلا من أعانه الله.

    وهذه الأعمال من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وهي من الشيم المحمودة التي يرفع الله عز وجل أصحابها ويعلي شأنهم في الدنيا والآخرة، ولذلك كم مِن أناس ماتوا وما ماتت مكارمهم، وهم أحياء في مجالس الناس، مع أنهم قد قبروا وماتوا ربما من قرون، ولكن أبقى الله لهم جميل الذكر والثناء الحسن، وبقيت أخبارهم ومآثرهم في قلوب الناس وعلى ألسنتهم جزاءً وفاقاً، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

    والعلماء رحمهم الله، ينصون على فضل الكفالات والضمان، لكن على تفصيل في الحقيقة، ففي بعض الأحيان تكون محمودة ومشكورة، ويكون صاحبها مأجوراً، خاصة إذا قصد بها وجه الله عز وجل، ففي بعض الأحيان يعطيك الله الدنيا ويبسط لك من الرزق فتنظر إلى من هو محتاج قد غرِم في دينٍ معقول ومقبول، كإنسانٍ مثلاً استدان من بقالة لطعام أولاده، ثم حضر وقت القضاء، فتحمل مثلاً خمسمائة ريال، وأنت قادر على السداد عنه، فتقول لصاحب البقالة: أنا ضمين لك بهذا المال، أو أنا كفيل، فإن فعلت ذلك فإن الله يأجرك، خاصة إذا كان على أيتام أو على أرامل أو على ضعفة أو نحو ذلك، فإن الأجر في ذلك عظيم، والدين الذي استدان به الغريم دينٌ شرعي، ومقبول من الناحية الشرعية ومن الناحية العرفية، وهذه الكفالة وهذه الحمالة من أحب القربات إلى الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم في نفس الحديث: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، فمن كان في حوائج الناس في مثل هذه الأمور، وعلم أن فلاناً تحمل الحق فأدى ذلك فهو على خير عظيم، وثوابٍ من الله كريم، لكن إن كان هذا الدين على سفَهٍ وطيشٍ، أو كان على حرام، فإنه إذا تاب إلى الله وأناب إلى الله، وأردت أن تتحمل عنه لاستصلاحه واستقامته، وإرادة الخير له في آخرته، فإن الله يأجرك؛ لأنه إذا تاب وندم فقد عفا الله عما سلف، ومن تاب تاب الله عليه، وحينئذٍ إذا غرِم للناس ديوناً، وكان قد أنفقها في حرام ثم تاب ورجع، وأردت أن تتحمل عنه، فإن هذا فيه تفريج كربة يُقصد منها الخير والإحسان.

    وتارةً لا يكون لك بها أجر، وصورتها أن تكون حميَّة وعصبية، وليست حمية دينية، وإنما من أجل أنه قريب لك، أو من أجل أنه أحرجك أو نحو ذلك، فإذا كان من أجل المحاباة والرياء والسمعة، فهذه لا أجر لك فيها ولا وزر، فإذا كان الإنسان يريد بها المفاخرة في الدنيا، أو نحو ذلك، فإن الله عز وجل يعطيه متاع الدنيا، وهذه ليست مما يدخل في التعبديات، ولذلك لا أجر له ولا وزر، ولذلك لا ينال فيها أجر الآخرة لعدم قصد الآخرة، بل ينال فيها عاجل الدنيا؛ لأنه أراد الدنيا.

    أما لو كان إنفاقه على وجه أُحرِج به، فمثلاً لو أن قريباً لإنسان جاءه في دين، وأحرجه بأُناس، أو جاء المديون وأدخل عليك بعض القرابة، وأُحرِجت، فأعطيت وأنت مكره، فأنت مأجور وإن كنت مكرهاً، لكن أجرك وأنت راضٍ ليس كأجرك وأنت مكره، لكن تنوي الآخرة، ومن هنا تقاد إلى الجنة بالسلاسل، يعني: بالكره الذي تعرضت له.

    وعلى هذا فإن الإنسان إذا أُحرج وهو يحب هذا الخير، لكنه في بعض الأحيان تميل النفوس إلى حب الأموال، فإذا أُحرِج من قبل قريب أو نحو ذلك فدفع فإنه في هذه الحالة يكون أجره أقل ممن يدفع بطيبة نفس، لكن إذا دفع في حال الإحراج من أجل تطييب خواطر من أحرجه، فإنه لا أجر له، فيُفرَّق بين كونه ينفق لله عز وجل، حتى قال الحسن البصري رحمه الله، لما سئل عن الرجل يخرج في جنازة رجل لا يحبه، وإنما خرج من أجل أهل حيه، ومن أجل أن يطيب خواطرهم لما أحرجوه، قال: له أجران، أجر الخروج، وأجر تطييب خواطر جيرانه، فأنت إذا أحرجك قريب، فما فعلت هذا إلا من أجله، وما فعلت هذا إلا من أجل صلة الرحم، ففي مثل هذه الصورة يحصل الخلط والغلط عند بعض الأخيار؛ لأنهم يظنون أن هذا من الرياء، والواقع إن كان السبب الحامل في الأصل المودة والقرابة، فهذه محاباة ولا أجر فيها، لكن كونك أنت تحب هذا العمل الصالح وتفعله وأنت ترجو الثواب من الله، ولكنك أُحرجت ودُفِعت إليه فعجّلت هذا الخير لوجود الإحراج، فإنك تؤجر من الوجهين، أجر العمل نفسه، وأجر تطييب خاطر ابن عمك الذي جاءك في وجهه، أو جاءك في شفاعته، فأحببت أن تكرمه وتصل الرحم، فإنك تؤجر على ذلك، وتكون كفالتك من هذا الوجه أجراً لك في الآخرة.

    1.   

    حقيقة الضمان والأحكام المترتبة عليه

    وقوله رحمه الله: (باب الضمان)، الضمان يقوم على إضافة ذمّة إلى ذمة في دين أو عين، وهذا في المطالبة، والمراد بذلك أنه إذا تحمّل رجلٌ ديناً وقال صاحب الدين: ائتني بمن يكفلك، وأتيت وقلت: أنا كفيلٌ له، أو أنا ضمينٌ له، فمعناه أنك تضيف ذمَتك إلى ذمة المديون، وأنت تتحمل سداد الدين إذا لم يسدد المديون، ومن هنا أصبح باب الرهن وباب الضمان متقاربين من حيث المعنى، في كون كلٍ منهما تحفظ به الحقوق ويستوثق به في الديون، فكأن الكفيل يطمئن صاحب الدين، ويتحمل مع المديون وتنشغل ذمته مع ذمة المديون، ولذلك نجد العلماء يقولون: الكفالة ضم ذمةٍ إلى ذمة، فأنت تضيف ذمّتك إلى ذمة المديون، وتعطي صاحب الدين ثقة أنه إذا امتنع المديون من السداد؛ إما لعجزٍ أو لمماطلة أنك تقوم بالسداد عنه، هذا إذا كان الضمان في الدين.

    وقد يكون الضمان في العين، فمثلاً: لو أن رجلاً قال لرجل: أعطني سيارتك، أريدها لمصلحةٍ معيّنة، أو أريد أن أذهب بها إلى موضع كذا، أو أريدها عارية إلى غد، أو بعد غد فقال صاحب السيارة: أعطني كفيلاً، فتقول: أنا أكفله بأن يرد لك السيارة، وأتحمل ذلك، هنا ضمنته في عين، فالكفالة تكون في ضمان الدين، وتكون في ضمان العين، وقد تتكفل بإحضار الشخص، كأن يقول صاحب الدين للشخص المديون: أعطني كفيلاً يكفل حضورك إذا حضر الأجل، فتقول: أنا أتكفّل بحضور فلان حال المطالبة، أو يوم المطالبة، وقد يكون الضمان بالحضور في الحقوق كالقصاص ونحو ذلك، كما كان يفعله وجهاء الناس، كأمراء القبائل، ومشايخ القبائل إذا وقع على أحد ضمان بحق، فيقول: أنا أتكفل بحضوره، فهذه كفالة.

    فيقع الضمان في الأموال وغير الأموال، وتقع الكفالة في الأموال وغير الأموال، إلا أن فقهاء الحنابلة رحمهم الله جعلوا الضمان في الأموال خاصة، ولذلك لا يتكلم المصنف هنا إلا حول مسألة الضمان في الأموال، وتركوا باب الكفالة وجعلوها في ضمان الوجه، حينما تقول: في وجهي، أنا آتي به، أو أنا أتحمل إحضاره، ونحو ذلك، وجعلوها في باب الجنايات.

    يقول رحمه الله [باب الضمان].

    أي: في باب الضمان سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام، التي تتعلق في ضم الذمم بعضها إلى بعض، عند المطالبة بالديون، بناءً على هذا إذا تكفّل رجلٌ أو ضمِن الكفيل المكفول، فمعناه أنه إذا حضر الأجل فمن حقك أن تطالب المديون، ومن حقك أن تطالب الكفيل، فأصبحت هناك ذمتان، ذمة المديون، وذمة من كفله، فأنت بالخيار، إن شئت أن تطالب المديون، فحينئذٍ تطالبه ولك الحق؛ لأنه أصيل، وإن شئت أن تطالب الكفيل، أو الضمين، فأنت بالخيار بين الأمرين، أو طالبتهما معاً.

    1.   

    عدم صحة الضمان إلا من جائز التصرف

    قال رحمه الله: [لا يصح إلا من جائز التصرف]

    لا يصح الضمان إلا من جائز التصرف، ففي الضمانة هناك كفيل وهناك مكفول، والمكفول: وهو الشخص الذي ضممت ذمتك إلى ذمته، وهناك مكفولٌ به: وهو الشيء الذي تكفّلت به وهو سداد الدين، أو إحضار المديون، فهناك كفالة غرم، وهناك كفالة حضور، فإذا جيء وقيل لك: هذا مديون هل تكفله؟ تقول: نعم، يقولون لك: تكفله كفالة غرم، أو كفالة حضور، تقول: أكفله كفالة غرم، بمعنى: أنه إذا لم يسدد أسدد عنه، فهذا نوع من الكفالة، أو تقول: أكفل حضوره، فهذه كفالة حضور، أو تقول: أكفل التعريف به، يعني علي أن أعرِّفك من هذا الشخص الذي أعطيته الدين، أعرِّفك به وباسمه وبأهله، وكذلك موضعه إلى آخره، فإذا قلت ذلك، فمعناه: أنه لابد وأن تتوفر الأهلية في الشخص الضامن والشخص الكفيل، فلا يصح الضمان إلا من جائز التصرف.

    معنى قول العلماء: جواز التصرف وصحة التصرف

    ترد كلمتان عند العلماء وهما: جواز التصرف وصحة التصرف، فما معنى جواز التصرف وصحة التصرف؟ كثيراً ما ترد هذه الكلمة خاصة في باب المعاملات.

    التصرف: بذل الشيء وإعطاء الشيء، وتصرّفك في الشيء يكون إما ببذل عين الشيء، أو يبذل منافعه.

    أما بذل عين الشيء فهو على حالتين: إما أن تبذله بعوض، كأن تقول: أعطيك هذه السيارة بعشرة آلاف فهذا بيع.

    وإما أن تبذلها بدون عوض على قصد مرضاة الله عز وجل فهذه صدقة، كأن تقول: هذا الطعام لك، فتكون قد بذلته بدون عوض.

    وإما على سبيل المحبة، فهذه هدية.

    أما بذل منفعة العين، فلا تخلو من حالتين: إما أن تبذلها بعوض، كأن تقول: أجرّتك داري، فهذه إجارة، أو تبذل المنفعة بدون عوض، كأن تقول: خذ سيارتي واقض بها غرضك، فهذه عارية.

    فهذه كلها تصرفات: بعضها تصرفات في الأعيان، وبعضها تصرفات في المنافع، فإذا قال العلماء: لا يصح إلا من جائز التصرف، أي: لا تصح الكفالة إلا من شخص تجوز تصرّفاته المالية، فالناس على قسمين: منهم من أجاز الله تصرفاته المالية، فيبيع ويشتري ويتصدق، ولا أحد يعترض عليه، وهذا هو البالغ العاقل الرشيد غير المحجور عليه. فالبالغ: يخرج الصبي، فالصبي لو جاء وأعطاك ألف ريال هبة منه لا تصح؛ لأنه محجورٌ عليه، والله تعالى يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]، وقال: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6]، فأمرنا بالحجر على الأيتام، واليتيم: هو الذي لم يبلغ، فدل على أنه لو تصرف اليتيم كأن تصدق بماله، أو وهبه وأعطاه للغير لم تصح هبته ولا صدقته ولا تبرعه.

    العاقل: فيخرج بذلك المجنون، فلو جاء مجنون نقول: إن المجنون لا تصح تصرفاته كما لو باع أو اشترى.

    الرشيد: فيخرج بذلك السفيه المحجور عليه، فإن السفيه المحجور عليه في حكم المجنون واليتيم؛ لأنه محجور عليه لحق نفسه، والمحجور عليه يشمل المفلس، على خلافٍ في المفلس هل يكفل أو لا يكفل.

    توضيح هذه المسألة: فلو كنت قاضياً أو مفتياً وجاءك رجل وقال: فلانٌ يريد أن يكفل فلاناً، فعليك أن تسأل أهذا الكفيل بالغ؟ فإن قالوا: نعم، تقول: يصح، وإن قالوا: ليس ببالغ، بل هو صبي، تقول: الصبي لا يكفل؛ لأنه ليس له حق التصرف في ماله إلا بإذن وليه، وأنتم تعلمون أن الكفالة فيها شيء من التبرع، لأنك حينما تكفل رجلاً بعشرة آلاف ريال، فمعناه أنك ستدفع هذا المبلغ إذا عجز عن السداد، والصبيان والمحجور عليهم لا يصح تبرعهم، كما سيأتي إن شاء الله، فإذن لابد وأن يكون بالغاً، وأن يكون عاقلاً، فلو أن رجلاً مجنوناً سكران، أو خدره رجل، فجاء وكفل إنساناً، وثبت عند القاضي أنه كفل في حال جنونه أو سكره، أو حال كونه مخدراً، فكل ذلك لا يصح فيه الضمان؛ لأن من شرط صحة الضمان أن يكون الضمين وأن يكون الكفيل بالغاً عاقلاً رشيداً غير محجورٍ عليه.

    هذا بالنسبة للشخص الذي يكفل، فإذا توفرت الشروط فكان رجلاً بالغاً عاقلاً رشيداً غير محجور عليه، فمعناه أنه يدخل على الكفالة بأهلية، وهذه الأهلية تجعله ينظر بها إلى المصالح والمفاسد، فإن علم من نفسه أنه يقدر على تحمل هذه الكفالة أقدم عليها، وإن علم من نفسه أنه لا يستطيع تحمّلها أحجم عنها، فإذن لابد وأن تكون عنده الأهلية التي لا يدخل بها الضرر على نفسه وأهله؛ لأنه لو تحمّل حمالة وكفالة لا يطيقها لربما أضر بأولاده، فلو رأيت رجلاً قليل المال تحمّل كفالة بعشرة آلاف، وهو ليس عنده دخل، ولا يستطيع أن يسدد المبلغ كاملاً، فمعنى ذلك أنه إذا تحمل العشرة آلاف فسيغرم، وحينئذٍ يتعرّض أولاده وأهله للضرر، وهذا لا شك أن فيه مفاسد، والشريعة جاءت بدفع المفاسد وجلب المصالح.

    وعلى هذا قالوا: يشترط في جواز الكفالة أن تكون من شخصٍ صحيح التصرف، أو جائز التصرف والمعنى واحد.

    1.   

    الخيار لصاحب الحق في مطالبة المديون أو الضامن ولو بعد الموت

    قال رحمه الله: [ولرب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت]

    قوله: (ولرب الحق) أي: لصاحب الدين أن يطالب من شاء منهما في الحياة وبعد الموت.

    إذا جاء رجل إلى مؤسسة واشترى منها سيارةً أو أرضاً، وقيمة السيارة أو الأرض عشرة آلاف ريال، وجئت وكفلت هذا المديون، وقلت: أنا كفيل لفلان أنه إذا لم يُسدد أسدد عنه، وثبتت الكفالة من جائز التصرف، فإنه إذا حضر الأجل إلى نهاية السنة -لو فرضنا أن المؤسسة أعطت فرصة للسداد إلى نهاية السنة- فلما انتهت السنة تُخيّر المؤسسة ويُخيّر صاحب الدين بين أمرين، إن شاءت خاطبت المديون وطالبته بالسداد، وإن شاءت خاطبت الكفيل، فلو خاطبت الكفيل فقال الكفيل: اطلبوا من المديون فإن هذا ليس من حقه، بمعنى أنه ليس من حق الكفيل أن يقول: طالبوا فلاناً.

    بل إن المؤسسة بالخيار إن شاءت طالبت هذا أو طالبت هذا، فإنّ تحمل الكفيل والتزامه للكفالة معناه أنه إذا حضر الأجل فعليه أن يسدد، بشرط أن لا يكون المديون قد سدد وأبرأ عن نفسه.

    قوله: (في الحياة والموت) أي: من حقهم أن يطالبوا ورثة الكفيل إذا حل؛ لأنه دينٌ مستحق عليه، وحينئذٍ من حقهم أن يطالبوا المديون والكفيل سواءً كانا حيين أو ميتين؛ فالحقوق لا تتغير ولا تتبدل بالحياة والموت؛ لأن ذمته مرهونة ومشغولة بهذا الحق، فلو اتجهت المؤسسة إلى ورثة الميت وطالبتهم بالكفالة التي تحمّلها مورثهم، فإنه من حقها ذلك، كما أن من حقها أن تطالب المديون في حال حياته.

    1.   

    براءة ذمة الضامن ببراءة ذمة المضمون عنه لا العكس

    قال رحمه الله: [فإن برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمت الضامن لا عكسه]

    (فإن برئت ذمة المضمون عنه) هنا مسألة: الكفالة مبنية على السداد، وحينئذٍ نقول: عندنا أصل وعندنا فرع، فالعلماء رحمهم الله يجعلون المديون -الذي تحمل الدين- أصلاً، وجعلوا الكفيل والضمين -الذي تحمّل أن يسدد- فرعاً مبنياً على الأصل، وبناءً على ذلك قالوا: إذا برئت ذمة المديون الذي هو الأصيل، برئت ذمة الكفيل، وإذا برئت ذمة الكفيل لم يستلزم ذلك براءة ذمة الأصيل.

    توضيح ذلك: البراءة هنا لها حالتان: الأولى: أن تكون بسبب السداد، فمثلاً لو أن شخصاً استدان عشرة آلاف ريال، فقلت: أنا أكفل هذا في العشرة آلاف التي عليه إلى نهاية السنة، قبل نهاية السنة قام المديون بالسداد، فمعناه أن ذمته قد برئت، فإن برئت حكم الشرع ببراءة ذمتك أنت، لأن ذمتك مضمومة إلى ذمته، فإن كان الدين باقياً وذمته مشغولة به، فأنت ملزمٌ به، وإن برئت ذمته بسداد الدين سقط الالتزام منك، بمعنى أنك لست بملزم، وحينئذٍ تبرأ ذمتك ببراءة ذمة الأصيل.

    الحالة الثانية، أن تكون بسبب العفو، فمثلاً: لو أن صاحب الدين قال للمديون: عفوت عنك، والمال الذي لي عليك قد أبرأتك منه. فإنه عندما عفا عنه برئت ذمة المديون، فإذا برئت ذمة المديون برئت ذمة الكفيل؛ لأن الفرع مبنيٌ على أصله، وإذا برئت ذمة الأصل برئت ذمة الفرع، وعلى هذا نقول: ليس من حق صاحب الدين بعد ذلك أن يقول: أنا سامحت صاحب الدين وأطالب الكفيل؛ لأن الكفيل لا يُطالب إلا بعد ثبوت الدين واستقراره على الأصيل، فإن برئت ذمة الأصيل برئت ذمة الكفيل لا العكس.

    قوله: (لا عكسه).

    مثال ذلك: لو أن رجلاً جاء يستدين منك مالاً، أو يشتري منك أرضاً، فقلت له: أعطني كفيلاً فأحرجك، وجاءك بابن عمك، أو جاءك بقريبٍ لك، واضطررت أن تديّنه على أن قريبك هو الكفيل، وأنت لا تريد الإحراج مع قريبك، فلما تم الدين، قلت لقريبك: أنت في حل من كفالتك، إذا قلت هذا الكلام، فإن هذا لا يستلزم أن المديون تسقط وتبرأ ذمته، وبناءً على ذلك فلك أن تبقي الحق والمطالبة على المديون، ومن هنا قال: إذا برئت ذمة الأصيل برئت ذمة الكفيل لا العكس. أي: إذا برئت ذمة الكفيل لا تبرأ ذمة الأصيل.

    الخلاصة: أنه إذا برئت ذمة الفرع لا يستلزم هذا براءة ذمة الأصل، وإذا برئت ذمة الأصل استلزم ذلك براءة ذمة الفرع.

    1.   

    جواز الضمان مع عدم معرفة الضامن للمضمون عنه

    أي: لا يشترط معرفة الكفيل للشخص الذي كفله، وبالإمكان أن يكفل شخصاً لا يعرفه ومثال ذلك: لو أنك دخلت على صاحب البقالة فوجدت رجلاً مسكيناً لا تعرفه، ولكن ترى من حاله وسمته ودله ما يدل على الفقر والحاجة، فوجدته يقول له: ادفع حقي، فقال: ما عندي شيء أدفعه، أنظرني إلى نهاية الأسبوع، فقلت له: يا فلان! أنظره، فقال لك: تكفله إلى نهاية الأسبوع وإذا لم يسدد تسدد. قلت له: نعم، أنا أكفله إذا لم يسدد نهاية الأسبوع أسدد عنه. فأنت في هذه الحالة تكفل شخصاً لا تعرفه، فهل يصح ذلك؟ وهل يشترط في الكفالة أن تعرف المكفول؟ الجواب: نعم يصح ذلك، ولا يشترط في الكفالة معرفتك للمكفول؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُتِي برجلٍ ليصلي عليه فقال: (أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، فقال: صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة : يا رسول الله! هما عليَّ) يعني: أنا أتحمل هذين الدينارين أن أعطيهما لصاحب الدين، فانظر إلى أبي قتادة كفل من لا يعرفه، فقبل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكفالة، وحينئذٍ فرّع العلماء: أنه لا يشترط في الكفالة معرفتك للشخص الذي تكفل عنه، وأنه يجوز أن تكفل الشخص الذي لا تعرفه، وعلى هذا قالوا: إذا لم يسدد تُلزم بالسداد سواء كنت تعرفه أو لا تعرفه.

    1.   

    جواز الضمان مع عدم معرفة المضمون عنه للضامن

    قال: [ولا له]

    أي: ولا يعتبر أيضاً معرفة المضمون لك، فهذا الشخص الذي تضمنه لا يشترط أن يكون يعرفك، فلا يشترط أن تعرفه، ولا يشترط أن يعرفك، فبينكما أخوة الإسلام، خاصة إذا قصدت من هذه الكفالة التيسير على المعسر، وتفريج عن كربة المكروب، فإن الله يأجرك، وهذا من أعظم ما يكون من الأجور في الكفالة، بشرط أن لا يدخل الإنسان على نفسه الخطر والضرر والغرر، أما إذا كان على سبيل الرفق بالناس والإحسان إلى الناس، فإن الله سبحانه وتعالى يلطف بصاحبه، ويكون من أعظم ما يكون في الكفالة؛ لأنك تكفل إنساناً دون قصد المحاباة، ولا يدخل عليك على سبيل الإحراج، فأنت لا تعرفه وهو لا يعرفك، ولكن تعلم أن هذا العمل الذي تفعله إنما هو من صالح الأعمال وأجلِّ القربات لذي العزة والجلال، فتقدم عليه رغبة فيما عند الله من الثواب، ورهبة مما عند الله من العقاب؛ لأنك تخشى أن الله يسألك عن هذا المكروب، لماذا لم تفرِّج كربته؟! وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى يقول: (يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب! كيف أُطعمك وأنت رب العالمين، فيقول الله تعالى: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه -يعني وأنت قادر على إطعامه- أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي). فإذا وجد الإنسان إنساناً لا يعرفه، وهو يرى عليه أثر الضعف، وأثر الفاقة والفقر، وأقدم على ذلك فإنه يؤجر.

    وهكذا لو جاء إلى صاحب بقالة، وقال له: أي شخص تراه محتاجاً أو ضعيفاً أو كبيراً في السن، أو من هذا الحي من جيراني لا داعي أن تذكر لي اسمه، أريد الأجر والثواب، إذا علمت أنه يستدين منك وفيه فاقة وحاجة، فديِّنه واجعل سداده علي، فأنا كفيلٌ له. فأنت تكفل المجهول؛ لأنك قلت له: أي شخص، فهذه كفالة بالمجهول، فحينئذٍ لا يعرفك المدين؛ لأنك قلت له لا تخبر أحداً. فتسدد عنه لله وفي الله، إذاً: كَفِلتَه وهو مجهول لا تعرفه ولا يعرفك، فلا يشترط معرفته لك، ولا معرفتك له، فيجوز لك أن تكفل من يجهلك ومن تجهله.

    1.   

    عدم صحة الضمان بدون رضا الضامن

    قال رحمه الله: [بل رضا الضامن]

    أي: يشترط رضا الضامن، وعلى هذا لا تصح الكفالة بالإكراه، فلو أن شخصاً أُكره على كفالة شخص وثبت عند القاضي أنه مكره لا تصح الكفالة، بل يشترط الرضا؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، فحرّم الله عز وجل أكل المال بالباطل، واشترط الرضا في حل مال المسلم، فأنت إذا كفلت يُشترط أن تكون راضياً بهذه الكفالة، وعلى هذا فإنك إذا كفلت بالرضا أُلزِمت بما تحمّلته والتزمته للناس.

    1.   

    صحة ضمان المجهول إذا آل إلى العلم

    قال رحمه الله: [ويصح ضمان المجهول إذا آل إلى العلم]

    المجهول: ضد المعلوم، وضمان المجهول أن تقول: هذا الدين الذي يأخذه فلان منك أنا أتحمله، أو تقول: دَيِّن فلاناً، أو أعطِ فلاناً، أو بِع من فلان، وأنا متحمِّلٌ به، فهو مجهولٌ يئول إلى العلم، وقالوا: إن الدليل على ذلك قوله تعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]، فإن حمل البعير مجهول؛ لأن حمل البعير كما هو معلوم مجهول النوع ومجهول الصفة، ولكنه يئول إلى العلم؛ لأنه يتقدر بالعرف، ومن هنا قالوا: يجوز أن يضمن المجهول الذي يئول إلى العلم.

    1.   

    جواز ضمان العارية

    قال: [والعواري]

    والعواري: جمع عارية، فالضمان كما يقع في الدين، يقع في العواري، كما لو جاء شخص يريد أن يستعير سيارة، أو يريد أن يستعير أمتعة، كما يقع في بعض الأحيان، يكون عند الشخص مثلاً أمتعة تصلح لقضاء الأغراض والحوائج، مثل: الأواني للطبخ، أو المفارش للجلوس عليها، فجاء شخص عنده زواج أو عنده مناسبة، وهذا الشخص لا يعرفك ولا تعرفه، لكنه يعرف أن عندك هذه الأشياء، فقال لك: يا فلان! أعطني هذه المفارش، أو أعطني هذه الأواني، فتقول له: لا أعرفك، ولكن ائتني بشخص يتكفّل بضمان حقي، أو برد هذه العارية إذا أعطيتها لك، فحينئذٍ إذا جاء بشخص يعرفه، فقد ضمن العارية.

    والعارية: هي بذل المنفعة بدون عوض، وتقع أيضاً في المنائح، كما في الإبل والبقر والغنم، كأن يكون عند الشخص الفحل من الإبل والبقر والغنم، فيحتاجه جاره، أو يحتاجه أحد فيقول: أعطني الفحل للضِّراب، فيقول: أعطني كفيلاً، أو أعطني حميلاً، أو أعطني ضامناً، فيضمن المنيحة.

    وبهذا تُضمن العواري، وكل ذلك جائزٌ ومشروع؛ لأنه كما ضُمنت العين تضمن المنافع.

    1.   

    جواز ضمان المغصوب

    قال: [والمغصوب]

    أي: يجوز ضمان المغصوب. مثاله: لو أن شخصاً غصب سيارة، فخاصمه صاحب السيارة إلى القاضي، فحكم القاضي بأن على فلان أن يرد الغصب، فقال الغاصب: سأحضِرُ المغصوب بعد يوم أو بعد أسبوع، فقال صاحب الحق: لا أرضى حتى يعطيني كفيلاً، هذا رجل كذاب، أو رجل مماطل، أُريد كفيلاً، فجاء بكفيل يضمن أنه يحضر المغصوب بعد يوم أو بعد أسبوع، فهذا جائز في المغصوبات.

    1.   

    حقيقة المقبوض بسوم وصحة الضمان فيه

    قال: [والمقبوض بسوم]

    أي: تصح الكفالة في المقبوض بسوم، وهذا يقع في المزادات، كما لو رسا المزاد على عشرة آلاف ريال في شيء من الألبسة، أو الأغذية أو نحوه، مثال ذلك: لو كان من لباس النساء، والرجل ليس معه أهله، فقال: أنا أقبض هذا اللباس، وأريه لأسرتي -لزوجته أو أخواته- فإن أعجبهم أخذته، وإن لم يعجبهم رددته، فهذا قبضه بسوم؛ لأن قيمته حُدِّدت بسوم، وعلى هذا إذا التزم بهذه القيمة، ورضيت أسرته بالملابس فعليه أن يدفع القيمة، وإذا كان الشخص لا تعرفه، فقلت له: أعطيك هذا الفستان أو هذا اللباس، أو هذا الشيء الذي أنت رضيت أن تعرضه على أهلك، ولكن بشرط أن تعطيني كفيلاً، فالمقبوض بسوم ثبتت قيمته والدين فيه ثابت متى ما رضي، وحينئذٍ يصح ضمانه، لكن إذا كان غير معلوم القيمة، ولم يثبت على قيمة فإنه لا يصح ضمانه، إذاً لابد من ضمانه بعد ثبوت قيمته حتى تصح الكفالة بالمعلوم؛ لأنه لو لم يقبض بسوم لم يتحدد ولم تتبين قيمته، بل يكون من ضمان المجهول الذي لا يئول إلى العلم؛ لأنه يحدث فيه نوع من الغرر، وعلى هذا قالوا: لا يُضمَن إلا إذا ثبتت قيمته وعُرِف استحقاقه، فيقول الكفيل لصاحب السلعة: أعطِه هذا الثوب يريه أهله، فإن أعجبهم ورضوا به، فأنا أتحمّل لك أن يعطيك عشرة آلاف قيمته، فإن لم يحضرها لك غداً، أو إن لم يحضرها لك بعد غد، فأنا كفيله أحضِرها عنه، وبناءً على ذلك كفلت، وكانت الكفالة في مقبوضٍ بسوم، وتكفّلتَ على أن تدفع المبلغ الذي ثبت استحقاقه، لكن لو كان غير معلوم القيمة، تكفَل ماذا؟ وكيف سيطالبك؟ وبناءً على ذلك قالوا: لابد أن يكون مقبوضاً بسوم حتى تُعلم قيمته، يعني: يتحدد قيمته.

    فالمقصود من كلمة: مقبوض بسوم، أن تتحدد القيمة، فخرج المقبوض الذي لم تثبُت قيمته بعد بأن يكون متردداً؛ لأنه يحدث فتنة، فلربما قال له: نعم، هذا قيمته عشرة آلاف، فيقول الكفيل: لا، بل قيمته ثمانية آلاف، فيحدث مثلما يحدث في بيع الغرر، فإذا لم تثبت قيمته وثمنه على شيءٍ معيّن، فإنه لا يصح ضمانه، إنما يصح ضمان المقبوض بسوم وهو الذي حُدِّدت قيمته.

    1.   

    حقيقة عهدة المبيع وجواز الضمان فيه

    قال: [وعهدة مبيع]

    مسألة العهدة في القديم من صورها أنهم كانوا يبيعون الدواب ويبيعون الأرقاء، ويحتاج هذا المبيع إلى تجربة، فلربما ظهر العيب فيه، فكانوا يعطون العهدة ثلاثة أيام، تأخذ هذا المبيع وتجرِّبه، فإن ظهر به أي عيبٍ رددته عليه ويضمنه، وهذا معروف في زماننا بما يسمّى: بالضمان، فالسيارة إذا اشتريتها تتعهد المؤسسة أنها تضمنها سنة، أنه لو ظهر فيها عيب، مثلاً في محرِّكها، بحيث يكون العيب راجعاً إلى ذات السلعة المبيعة، وناشئاً من ذات الرقبة المبيعة، وليس من تصرُّفِك أنت.

    فمثلاً يعطيك سيارة، ويقول لك: أنا أضمن لك هذه السيارة سنة كاملة، أنك تقضي عليها مصالحك، وتقودها بالصفة المعتبرة، فإن حدث فيها أي عيبٍ في محرِّكها، أو في هيكلها، راجعاً إلى سوء الصنعة لا إلى سوء الاستخدام، فإنه على هذا الوجه يضمن، وحينئذٍ يصح الضمان، ويتحمّل المسئولية بحيث أنه إذا ظهر بها عيب على هذا الوجه، يستحق أن يُرد المبيع، ويضمن الشخص الذي تحمّل بالضمان.

    هذا بالنسبة لمسألة الضمان في عهدة المبيع.

    فرَّع العلماء في زماننا الحاضر على مسألة عهدة المبيع، عهدة السيارات سنة، لكن بعض أهل العلم من المتأخرين ينازع، ويقول: إنما تُعرف العهدة بالمدة التي لا غرر فيها، فلا غرر في المدة الطويلة والأجل الطويل، كالسنوات ونحوها، ولكن الحقيقة هذا النوع من الضمان الموجود في السيارات في العصر الحاضر له وجهٌ من الصحة، وأنه إذا التزم بأن السيارة يستخدمها سنةً، فإن ظهر فيها عيبٌ من الصنعة لا من الاستخدام ضَمِنه، فإن هذا له وجه، ويُعتبر من الضمان الشرعي.

    الخلاصة أنه لو قال له: أنا أضمن أن هذه السيارة إن ظهر بها عيب تردها لي، هذا إذا كانت مؤسسة أو شركة تتحمل هذا الضمان، وليس عندنا إشكال، لكن في بعض الأحيان يبيعك فرد أو شخص فيقول لك: خذ هذه السيارة وأضمنها لك شهراً، على أنه إذا ظهر فيها عيب من سوء الصنعة تردها لي، لكن أنت لا تثق به، فتقول له: أعطني كفيلاً يضمن أنه إذا ظهر بها عيب أردها عليك. فحينئذٍ يعطيك الكفيل وتصح الكفالة على هذا الوجه.

    1.   

    حكم الضمان في الأمانات

    قال رحمه الله: [لا ضمان الأمانات]

    يقول رحمه الله: (لا ضمان الأمانات) الأمانات: جمع أمانة، وقد قدّمنا أن اليد تنقسم إلى قسمين: يد ضمان، ويد أمانة، ويد الضمان: أن تأخذ الشيء وتتحمل المسئولية عنه غنماً وغرماً، وإذا حدث بذلك الشيء ضرر فأنت المسئول عن هذا الضرر، فهذا مفهوم يد الضمان، وأما يد الأمانة: فهي أنك لا تضمن إلا إذا فرّطت، وبناءً على ذلك ذكرنا: أنه إذا أخذ شيئاً وكان من جنس ما يُضمن صح الضمان، وإن كان من جنس ما لا يضمن لا يصح الضمان، فالعارية لو أتينا بصورتها في مثال: هي أن يأتي ويقول لك: أعطني سيارتك أذهب بها إلى مكان كذا، أو أستخدمها يومين أو شهراً أو أسبوعاً، هذه عارية، والعارية فيها قولان: الأول: أن اليد فيها يد أمانة، الثاني: أن اليد يد ضمان، والمصنِّف رحمه الله رجّح أنها يد ضمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لصفوان بن أمية رضي الله عنه لما قال له: (أغصباً يا محمد! قال: بل عارية مؤداة) هذا عندما أخذ منه أدرعه ومتاعه لغزوة حنين، وقال في خطبة حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنيحة مردودة، والزعيم غارم، والدين مقضي)، فلما قال: (العارية مؤداة)، يعني: مضمونة، فلو أخذ شيئاً عارية فعليه أن يضمنه، أما الودائع فقلنا: إن الوديعة أمانة، فلو أن شخصاً جاء وأعطى شخصاً ساعة، وقال: هذه الساعة ضعها وديعة وأمانة عندك، قال له: لا بأس قبلتُها أمانة عندي.

    فلما رضي الشخص الآخر أن يضعها أمانة عنده، فإنه ليس من حق صاحب الساعة أن يقول له: أعطني كفيلاً؛ لأن الكفيل لا يقع في الأمانات؛ لأن يد هذا الرجل يد أمانة وليست بيد ضمان، إلا إذا كان من جنس الأمانات التي تئول إلى الضمان، فهذا استثناه بعض العلماء رحمهم الله حيث قالوا: إن الأمانات التي تئول إلى الضمان يصح فيها الضمان، وذلك في حال ما إذا صارت إلى الضمان أو إذا آلت إلى الضمان.

    1.   

    التعدي في الأمانات يوجب الضمان

    قال: [بل التعدي فيها]

    قوله: (بل التعدي فيها) فما معنى التعدي فيها؟ يعني: من حقك أن تقول له: هذه الساعة ضعها أمانة عندك، قال: قبلت. فقل له: لكن أحتاج إلى كفيل يكفلك بأنك إذا تعدَّيت فإنك تضمن، فالأصل أن يده يد أمانة، لكن تنتقل إلى الضمان متى؟ إذا تعدَّى فيها، ومثال آخر: إذا أعطيته مائة ألف ريال وديعةً عنده، أو أعطيته كيلو من ذهب وديعة عنده، فقال لك: أنا قبلت أن نضع هذا الذهب وديعةً عندي. فتقول له: أعطني كفيلاً أنك إذا تعدَّيت وتصرّفت فيها فإنك تضمنها، حينئذٍ صارت ضماناً وذلك بعد خروجها من يد الأمانة إلى يد الضمان؛ لأنه إذا تعدى في الأمانة ضمِن، ومن هنا قالوا: لو أعطاه صندوقاً مقفولاً فإنه أمانة، لكن لو فتش الصندوق المقفول انتقل من الأمانة إلى الضمان، فحينئذٍ أنت من حقك أن تقول: هي أمانة، والأمانة لا تضمن، لكني أريد كفيلاً بحيث لو تعدّيت أو فرّطت فيها فهو يكفلك أو يكون ضميناً عنك، فحينئذٍ يصح ويجوز الضمان.

    1.   

    الأسئلة

    جواز ضمان المجهول الذي يئول إلى العلم

    السؤال: أشكل علي اشتراط تحديد القيمة في المقبوض بسوم مع جواز ضمان المجهول أثابكم الله؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فإن سؤالك جيد واستشكالك في محله، لكن ينبغي أن تتنبه لمسألة ضمان المجهول، حيث قلنا: يُضمن المجهول إذا آل إلى العلم، ولم نقل: المجهول المطلق، فالمجهول الذي يئول إلى العلم هو الذي يُضمن، صحيح أننا لو قلنا: يُضمن المجهول مطلقاً لما صح ذلك، أما كوننا نقول: المجهول الذي يئول إلى العلم، فهو مجهول ابتداءً لكنه يئول إلى العلم انتهاءً ومآلاً، وعلى هذا فالجهالة فيه مغتفرة؛ لأنها ليست بمستديمة، وإنما يتقيد الحكم بوجود الجهالة المستديمة، أما الجهالة التي تزول فإن وجودها وعدمها على حد سواء؛ لأنها تئول إلى العلم، وعلى هذا لا يستقيم الإشكال إلا إذا كان المجهول لا يئول إلى العلم، وتبقى الجهالة مستصحبة إلى أن تثبُت الكفالة ويُحكم بها، أما إذا آل إلى العلم فإن الجهالة مرتفعة، والله تعالى أعلم.

    حكم تصرف المرأة في مالها ومتى يحجر عليها

    السؤال: هل المرأة تعتبر من المحجور عليهم، وهل لها التصرف في مالها دون استئذان زوجها أثابكم الله؟

    الجواب: اختلف أهل العلم في حكم تصرف المرأة بمالها إذا كانت بالغة، فجمهور العلماء وجمهور السلف والخلف على أن من حق المرأة أن تتصرف في مالها، والنصوص دالة على هذا، ولكن خالف في هذه المسألة بعض السلف، كما روي عن شريح وهو قاضي أمير المؤمنين عمر ، وكان قاضياً لثلاثة من الخلفاء، لعمر وعثمان وعلي . أبو أمية شريح الكندي رحمه الله برحمته الواسعة، من أجلاء القضاة وأهل العلم، وهو الذي قضى على علي بن أبي طالب ، فآمن اليهودي لما رآه قضى على أمير المؤمنين، وكان ممن لا تأخذهم في الله لومة لائم.

    هذا الفقيه يقول: عهِد إليّ عمر أن لا أُجيز لامرأة عطيّتها حتى تحول حولاً أو تلد ولداً، فأخذ منه بعض الفقهاء كما هو مذهب المالكية قالوا: المرأة يجوز لها أن تتصرف في حدود الثلث، والزائد عن الثلث ينظر فيه زوجها، إن كان مصلحة أجازه، وإن لم يكن ثم مصلحة لم يُجِزه، ولذلك يقول بعض فقهائهم في هذه المسألة:

    وزوجةٌ في غير ثلث تُعترض كذا مريض مات في ذاك المرض

    حينما بين أصناف المحجور عليهم.

    فذكر المحجور عليهم في حدود الثلث، فقسموه إلى قسمين: المريض مرض الموت يُحجر عليه فيما زاد عن الثلث، إذا تصرّف فيه بالهبة، والمرأة فيما زاد عن الثلث إذا تصرّفت بالهبة، والسبب في هذا -وقد يستغرب البعض هذا القول، وقد يكون مدخلاً لبعض أمراض النفوس، والواقع أن من نظر في حال السلف يعرف مدخل هذا القول وسببه- أن المرأة في القديم كانت لازمة لبيتها، لا تعرف الخروج ولا تخالط الناس، حتى قالت أم عطية : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نُخرِج العواتق وذوات الخدور).

    فالمرأة التي لم تتزوج كانت لا تعرف شيئاً، ماكثة في بيتها، بل منهن من لا تخرج من بيتها إلا إلى بيت زوجها، لا تعرف كيف تبيع، ولا تعرف كيف تشتري، ولا تأخذ ولا تعطي، إنما جاهلة بدنياها عالمة بدينها، إذا ربّت ربّت رجالاً على الصلاح والدين والاستقامة، حتى أُثِر عن بعضهن أنها خرجت ذات يومٍ لحاجة فبكت أنها رأت رجلاً؛ وذلك دليل لما كن عليه من العفة والصلاح والديانة، فكانت المرأة في بيتها ربة بيت تملأ العين، تقوم على حقوق بعلها، وبيتها على أتم الوجوه وأكملها، لا تعرف الرجال، ولا تخالطهم، ولا تخاطبهم، ولا تعرف لا بيعاً ولا شراءً، فمن هنا كانت المرأة غالباً لا تُحسن التصرُّف، ولذلك كانوا يجدون الحرج في اختبار اليتيمات، لقد كانوا يختبرونهن بالغزل وبيع ما يغزلن، فإذا باعت غزلها نُظِر كيف تتصرف في البيع، هل تبيع بمثل القيمة أو بأقل، ثم يُحكم برشدها؛ لأن الله يقول: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6]، فشمل الذكور والإناث.

    الشاهد أن المرأة كانت على هذه الصفة من الجهل في التعامل، ولذلك تجد بعض من لا يعرف أحكام الشريعة يتمسك بهذا الحكم والقول، ولا يعرف مغزاه، ولا يعرف البيئة التي نشأ فيها هذا القول، فالنساء كنّ لا يعرفن هذه الأمور ولا يخالطن الرجال، ولا يتعاملن بالأخذ والعطاء إلا النزر القليل، وكانت المرأة إذا جاءها المال يُصبح عندها ويمسي وقد جعلته في آخرتها، تتصدق به، وتصل به الرحم، وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه أتاها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية ستين ألف درهم وهي صائمة، فوزّعتها من ساعتها، ثم أرادت أن تفطر فلم تجد شيئاً تفطر به، فتقول لها إحدى إمائها: هلا أمسكتِ شيئاً مما جاءك فقالت رضي الله عنها: لقد نسيت هلا ذكرتني.

    الله أكبر، الله أكبر، كنّ جاهلات بالدنيا، ولكنهن عالمات بالدين، وكانت المرأة عن أُمّة، رضي الله عنهن وأرضاهن، من الذي ثبّت قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الله عز وجل، إنها خديجة بنت خويلد ، تلك المرأة العاقلة الحكيمة، فكانت المرأة عن أمة من الناس.

    وسفيان الثوري رحمه الله برحمته الواسعة لما توفي والده وهو صغير نشأ يتيماً، فقالت له أمه: يا بني اطلب العلم. فقال: إني أريد أن أسعى لطلب الرزق. يعني أكفيك الرزق، قالت: لا، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي.

    فكانت تغزل وتسهر وتكدح، كل هذا من أجل أن يتعلم ابنها العلم، فصار الإمام سفيان الثوري من أئمة السلف ومن دواوين العلم، فهو الحجة الثبت الذي كان آية في العلم والعمل والصلاح أن المعرفة، هذا الإمام العظيم حسناته في ميزان حسنات أمه الصالحة، فكانت المرأة عن أُمَّة.

    فالمرأة إذا تصرفت في مالها بالرشد فإن المال مالها والحق حقها، وليس من حق الرجل والزوج أن يتدخل في راتب زوجته، وليس من حقه أن يحجر عليها، ولا يجوز له ذلك؛ لأن المال مالها ولا يجوز أن يضيق عليها ولا أن يظلمها، وبالمناسبة، أنبِّه على أن بعض الأزواج يجرؤ على مال زوجته، حتى إن بعض النساء تعمل في تدريسها وتعليمها، ويطالبها زوجها بمالها كاملاً، وهذا من أكل المال بالباطل، فلا يجوز ذلك إلا إذا كان كما قال الله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4]، أما ما لم تطِب به النفس، أو جاء عن إكراه، أو جاء عن إحراج، فإنه الحرام الذي حرّم الله ورسوله، ولا يجوز الاعتداء على أموالهن، والأذية والإضرار بهن، وينبغي على المرأة أيضاً أن تتقي الله في إنفاقها، وأن تكون رشيدة في تصرُّفها في المال، وبالمقابل فإنه من حق الزوج إذا نظر من زوجته أنها لا تحسن التصرف في المال أن يأخذ على يدها، مثلاً عندما يكون راتب المرأة خمسة آلاف ريال، ولا يأتي نصف الشهر إلا وهي تستلف وتقترض، وتتحمل الديون، ويجد أن هذه الخمسة الآلاف تصرف في المظاهر والملابس، وكل يوم لها ملبس، وكل يوم لها شيء تتجمل به، فهذا فيه سرَف ومن حقه أن يحجر عليها، أما إذا تصرفت تصرفاً رشيداً، فهذا مالها ولا يجوز أكله بالباطل.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755908867