إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب نواقض الوضوء [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للوضوء نواقض ذكرها العلماء رحمهم الله، وقد دلت عليها النصوص الصحيحة، إلا أن العلماء قد اختلفوا في بعضها هل ينقض أم لا؟ ومما اختلفوا فيه: مس الذكر بدون حائل، وأكل لحم الجزور، والنوم.

    1.   

    انتقاض الوضوء بزوال العقل

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيقول المؤلف رحمة الله عليه: [وزوال العقل].

    أي: من نواقض الوضوء زوال العقل سواءً كان بسبب مباح أو بسبب محرم، كأن يسكر الإنسان -والعياذ بالله- على وجه يعذر به، أو وجه لا يعذر به، فالوجه الذي يعذر به في السكر أن يشرب شراباً يظنه ماءً فيسكر، فإنه معذور في سكره للجهل، والوجه الذي لا يعذر كأن يشرب المسكر -والعياذ بالله- والمخدر عالماً به، ففي كلتا الحالتين لو شرب ما يزيل عقله من المسكرات والمخدرات -أعاذنا الله وإياكم منها- فإنه يحكم بانتقاض وضوئه.

    والسكر له ثلاث مراتب ينبغي على طلاب العلم أن ينتبهوا لها:

    المرتبة الأولى: يسميها العلماء: الهزة والنشاط والطرب، وهي أول ما يكون لمن شرب الخمر والعياذ بالله!

    والمرتبة الثانية: أقصى درجات السكر، وهي أن يسقط كالمغشي عليه لا يعرف الأرض من السماء، ولا يعي ما يقول ولا ما يُقال له فهو كالمجنون.

    والمرتبة الثالثة: وسط بين المرتبتين.

    فاعلم -رحمك الله- أنه إذا بلغ السكران بداية السكر وهي الهزة والنشاط، فإنه مكلف إجماعاً؛ لأنه في حكم المستيقظ، فإذا فعل أي فعل في بداية سكره عند هزته ونشاطه، كأن يطلق امرأته أو يفعل أي فعلٍ فإنه يحكم بمؤاخذته؛ لأن الأصل فيه أنه مكلف حتى يؤثر فيه المؤثر، ولم يبلغ درجة يؤثر السكر فيها عليه.

    أما إذا بلغ منه السكر غايته، كأن يسقط كالمجنون فهذا لا يؤاخذ إجماعاً من جهة طلاقه، وإذا طلق فيها فإنه كالمجنون لا ينفذ طلاقه.

    وأما الحالة الثالثة المترددة بين الحالتين، فهي التي فيها الخلاف بين العلماء في السكران، هل هو مكلف أو غير مكلف؟ فإذا سكر -والعياذ بالله- المتوضىء، فإنه يحكم بانتقاض وضوئه، ويلزمه أن يعيد الوضوء.

    1.   

    حكم تأثير النوم اليسير على الوضوء

    قال رحمه الله: [ إلا يسير نوم من قاعدٍ أو قائم ]

    (إلا): استثناء، أي: إذا زال العقل بيسير النوم -وهو القول الثاني في مسألة النقض بالنوم، وهو الفرق بين اليسير والكثير- واليسير كاللحظات ولو كان مذهباً للشعور، والكثير كأن ينام ساعة أو ساعة إلا ربعاً وهو يخفق رأسه، أو نصف ساعة وهو يخفق رأسه، فهذا يحكم بانتقاض وضوئه.

    قوله: (من قاعد) استثنوا القاعد لحديث أنس : (كان الصحابة ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون).

    قوله: (أو قائم)

    لأن اليسير من القائم في حكم اليسير من القاعد لا فرق بينهما، كما اختاره صاحب المقنع رحمه الله، وانتصر له في المغني.

    1.   

    ما ينقض الوضوء من المس

    الخلاف في نقض الوضوء بمس الذكر

    قال رحمه الله: [ومس ذكر متصل]

    أي: من مس الذكر فإنه ينتقض وضوءه، سواءً قصد الشهوة ووجد اللذة، أو لم يقصد الشهوة ولم يجد اللذة، فمن مس الذكر وجب عليه أن يعيد الوضوء؛ لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مس ذكره فليتوضأ) وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من مس الذكر مطلقاً.

    وقال بعض العلماء: من مس ذكره فلا ينتقض وضوءه؛ لحديث طلق بن علي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد فسأله عن مس الذكر؟ فقال عليه الصلاة والسلام يجيب طلقاً : (وهل هو إلا بضعة منك) قالوا: إن هذا الحديث يدل على أن مس الذكر لا يوجب انتقاض الوضوء.

    والصحيح أنه يوجب انتقاض الوضوء، ويجاب عن حديث طلق بن علي من وجهين:

    الوجه الأول: أنه منسوخ؛ لأن طلق بن علي قدم عند بناء المسجد كما جاء في الرواية، وحديث: (من مس ذكره فليتوضأ) رواه المتأخرون إسلاماً من الصحابة: كـأبي هريرة رضي الله عنه، والقاعدة: أن تأخر إسلام الراوي مع تقدم المعارض يدل على النسخ أو يشعر بالنسخ.

    الوجه الثاني: أن يجُمع بين حديث طلق بن علي وبين حديث: (من مس ذكره فليتوضأ) بأن سؤال طلق بن علي رضي الله عنه عن مس الذكر من فوق الثوب فقال له: (وهل هو إلا بضعة منك) أي: إذا مسسته بحائل كأنك لمست يداً أو نحو ذلك من الأعضاء.

    وأما إذا لمسه مباشرة فإنه يحُمل عليه حديث: (من مس ذكره فليتوضأ). وقد صحح غير واحد من أهل العلم حديث الأمر بالوضوء من مس الذكر منهم: الإمام أحمد ، وأبو زرعة واستصوبه الإمام البخاري رحمه الله، فلذلك يقوى الحكم بأن مس الذكر يوجب انتقاض الوضوء.

    إذا ثبت أن مس الذكر يوجب انتقاض الوضوء فيستوي في ذلك أمور:

    أولاً: أن يكون بشهوة أو بدون شهوة.

    ثانياً: أن المراد بالمس باطن الكف، فلو أنه وقع على ظاهر الكف لم ينتقض الوضوء لقوله: (من مس) والمس: هو الإفضاء بباطن الكف.

    واختلف العلماء فيما لو إذا مسه بين أصابعه، هل الذي بين الأصابع يأخذ حكم باطن الكف أو يأخذ حكم ظاهره؟ والأقوى أنه يأخذ حكم الباطن؛ للقاعدة: (أن ما قارب الشيء يأخذ حكمه).

    ثالثاً: أن قوله: (من مس ذكره) أصل، ويُلحق به مس الدبر، فإذا مس حلقة الدبر انتقض وضوءه؛ وذلك لعموم قوله: (من مس فرجه) والفرج: يشمل القبل والدبر.

    رابعاً: أن هذا الحكم يشمل الرجل والمرأة، فحُكِمَ به للرجال والنساء تبع، وكم من أحكام ترد في الرجال أصلاً والنساء فيها تبع، كما في قوله: (من مس فرجه) وهذا من صيغ العموم، فإن قوله: (مَنْ) من صيغ العموم عند الأصوليين، وقوله: (فرجه) يشمل الرجل والمرأة.

    خامساً: أن هذا الحكم يستوي فيه أن يمس من نفسه أو يمس من غيره، ولذلك يعم الحكم بالنسبة للماس، سواءً كان لنفسه أو لغيره، بشرط أن يكون متصلاً بالغير.

    سادساً: يشمل الصغير والكبير، فلو مست المرأة فرج صبيها أو صبيتها انتقض وضوءُها ولو تكرر ذلك؛ وذلك لعموم الخبر من جهة المعنى.

    سابعاً: يخرج من هذا مس المنفصل، فقال بعض العلماء: لو قُطِعَ العضو فَمُسَّ لم يأخذ هذا الحكم.

    ثامناً: أنه لو مس فرج الخنثى المشكل فإنه يأخذ حكم المرأة، فلو مس ذكره لم ينتقض وضوءُه؛ لأنه زائد، ولا دليل على إثبات كونه عضواً مؤثراً، فَيُبْقَى على الأصل وهو بقاء الطهارة.

    وقال بعض العلماء بالانتقاض مطلقاً.

    تاسعاً: قد علمنا حكم من مس، فهل الممسوس يأخذ حكم الماس؟

    فقال بعض العلماء: إنه يأخذ حكم الماس من جهة المعنى، والذي اختاره بعض العلماء: أنه إذا وجد الممسوس الشهوة واللذة انتقض وضوءه وإلا فلا.

    مس الذكر بظاهر الكف

    قال رحمه الله: [أو قُبلٍ بظهر كفه أو بطنه]

    قوله: (أو قبل) للعموم، فهو يشمل الأنثى والخنثى.

    قوله: (بظهر كفه أو بطنه) وهذا اختيار بعض العلماء، وإن كان الأقوى أن التأثير بباطن الكف؛ لأن الإفضاء يكون بباطن الكف لا بظاهر الكف، وفي قوله: (من مس) إشعار بالقصد، بخلاف ظاهر الكف، فإنه لا يمس العضو بظاهر الكف إلا على سبيل غير مقصود، ولذلك الذي عليه العمل عند بعض أهل العلم: أن العبرة بباطن الكف لا بظاهر الكف.

    مس أعضاء الخنثى

    قال رحمه الله: [ولمسهما من خنثى مشكل]

    أي: لمس العضوين من خنثى مشكل، فهذا يوجب انتقاض الوضوء كما ذكرنا.

    قال رحمه الله: [ولمس ذكرٍ ذكره أو أنثى قبله]

    لما ذكرناه.

    قال رحمه الله: [لشهوة فيهما]

    سواءً مَسّ أو مُسّ؛ لكن هنا في الحالة الأخيرة قال: (لشهوة) فجعل الحكم مرتبطاً بالشهوة، فإن لم توجد الشهوة فإنه لا يحكم بالانتقاض بالنسبة للممسوس.

    الخلاف في نقض الوضوء بلمس المرأة

    قال رحمه الله: [ومسه امرأة بشهوة]

    أي: ومن نواقض الوضوء أن يمس الرجل المرأة بشهوة، وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة:

    فمنهم من قال: لمس النساء كله ينقض الوضوء، سواءً كانت محرماً أو غير محرم، وسواءً وجد الشهوة أو لم يجد الشهوة، وصاحب هذا القول احتج بظاهر قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] قالوا: إن الله عز وجل حكم بانتقاض الوضوء بلمس النساء.

    وقالت طائفة من العلماء: إن لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً؛ وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلي بالليل وعائشة رضي الله عنها معترضة بين يديه، قالت: فإذا سجد غمزني) ولما ثبت أيضاً في الحديث الصحيح أنها قالت: (افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجالت يدي فوقعت على قدمه وهو ساجد، يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) قالوا: فهذا يدل على أن لمسها له ولمسه لها لا يوجب انتقاض الوضوء؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص في الصلاة وهي في حكم المرأة، فكان إذا أراد أن يسجد وضعها، وإذا أراد أن يرفع حَمَلَها وَرَفَعَها قالوا: ولم ينتقض وضوءه، ولما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من تقبيله بعض نسائه قبل خروجه إلى الصلاة، كما في حديث عائشة ، واختلف في إسناده، قالوا: فمجموع هذه النصوص يدل على أن لمس النساء لا يوجب انتقاض الوضوء.

    وجمع بعض العلماء بين القولين فقالوا: إن لمس النساء يوجب انتقاض الوضوء، إذا وجد الشهوة أو قصدها، ولا يوجب انتقاض الوضوء إذا لم يجد الشهوة وهذا هو الأقوى، ولذلك يحمل قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] على الجماع، والسباق والسياق محكم، وسباق الآية وسياقها يدل على أن المراد بـ(لامَسْتُمُ): الجماع؛ للقاعدة في اللغة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؛ ولأن السُّنة تصرف (لامَسْتُمُ) من ظاهرها إلى هذا المعنى الذي يقويه السياق والسباق مع قرينة اللغة.

    إذاً لمس المرأة فيه تفصيل:

    إنْ لَمَسَ المرأة فوجد الشهوة انتقض وضوءُه، وإن لمس المرأة ولم يجد الشهوة لم ينتقض وضوءه، وبناءً على ذلك قالوا: وجود الشهوة والإحساس بها مظنة الحدث، فينزل منزلة الحدث.

    وفرَّع بعض العلماء على هذا تفريعات، ولكن لا يقوى الدليل عليها، كقول بعضهم: إن مجرد النظر إلى المرأة -كزوجته- بشهوة ينقض الوضوء، بل هناك قول بأن النظر إلى الأمرد بشهوة يوجب انتقاض الوضوء، والحقيقة أن هذا محل نظر، والصحيح والأقوى أن العبرة بالانتقاض المؤثر، أو ما هو قريب من المؤثر لظاهر السُّنة: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فنبقى على الأصل من طهارته، وأما مظنات الحدث الضعيفة فإنه لا يقوى اعتبارها، وإن احتاط الإنسان بالوضوء فهو أولى.

    أي: على الوجه الذي ذكرناه، فإذا مسته المرأة بشهوة فإنه يحكم بانتقاض وضوئها.

    نقض الوضوء بمس حلقة الدبر

    قال رحمه الله: [ومس حلقة دبر]

    لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أم المؤمنين: (من مس فرجه) قالوا: والدبر منـزل منـزلة القبل، ولذلك يحكم بانتقاض الوضوء بمسه، وظاهر قولهم أن القبل والدبر يختص بالآدمي، فلو مس فرج حيوان فإنه لا ينتقض وضوءه، وقال بعض السلف: إنه لو مس فرج بهيمة فإنه يحكم بانتقاض وضوئه، ولكنه مذهب ضعيف، والجماهير على أن النقض بمس الفرج يختص بالآدمي دون غيره.

    لمس الشعر والظفر من المرأة

    قال رحمه الله: [لا مس شعر وظفر]

    إذا قلنا: إن مس المرأة يوجب انتقاض الوضوء، فأعضاء المرأة تنقسم إلى قسمين عند العلماء:

    ما هو متصل، وما اختلف فيه هل هو في حكم المتصل أو المنفصل.

    فإذا تقرر أن اللمس يؤثر، فيرد السؤال عن الأعضاء التي اختلف فيها العلماء كالشعر والظفر؟

    فقال بعض العلماء: شعر المرأة في حكم المنفصل وليس في حكم المتصل، وهي قاعدة تكلم عليها الأئمة، ومنهم الإمام ابن رجب في القواعد الفقهية، في القاعدة الخامسة أو السادسة تقريباً.

    فإذا قلت: إن شعر المرأة في حكم المتصل فإنه ينتقض الوضوء بلمسه من المرأة، وإن قلت: إن شعر المرأة في حكم المنفصل فلا ينتقض وضوء الرجل إذا لمسه من امرأة.

    وتتفرع على هذا مسائل:

    إن قلت: إن شعر المرأة في حكم المنفصل، فلو غطت به وجهها في الإحرام وجبت عليها الفدية؛ لأنه منفصل عنها وليس بمتصل، ويتفرع عليه إن قلت إنه منفصل: ما لو لمسه المتوضئ فإنه لا يحكم بانتقاضه؛ لأنه في حكم المنفصل، أما لو قلت: إنه في حكم المتصل، وسدلت شعرها على وجهها حتى غطته عن الشمس، فإنه لا يوجب الفدية عليها، وإن قلت: إنه في حكم المتصل ولمسه الرجل، فإن اللمس يوجب انتقاض الوضوء، هذه فائدة كلامهم على الشعر: هل هو في حكم المتصل أو في حكم المنفصل، فدرج المصنف -وهو اختيار جمع من العلماء- على أن الشعر في حكم المنفصل وليس في حكم المتصل، ودليل الحس دال على ذلك:

    وهو لو أن إنساناً أحرق طرف الشعر لم يشعر بالألم في طرفه، ولذلك الشعر لا ينقل الإحساس، فإذا كان اللمس مركَّباً على الشهوة، فإن لمس شعر المـرأة لا توجد به الشهوة، والرجل يراه منفصلاً فلا يجد به أثر الشهوة، ولذلك قالوا: إن لمس شعر المرأة -إذا قيل بانتقاض الوضوء بلمسها- يستثنى من ذلك لكونه منفصلاً لا متصلاً بها.

    قوله: (وظفر)

    كذلك الظفر؛ لأن كلاً من الشعر والظفر الحياة فيهما حياة نمو وليست بحياة روح؛ لأن أعضاء الإنسان فيها ما حياته حياة روح كاليد والرجل، وفيها ما حياته حياة نمو كالشعر والظفر، فالشعر في الإنسان حياته حياة نمو وليست بحياة روح، ولذلك قالوا: إن لمس الظفر كلمس الشعر، فلو أحرقت ظفراً فإنه لا يسري الألم إلا بعد فترة، فدل على أنه ليست حياته حياة روح وإنما هي حياة نمو كالشعر.

    لمس الأمرد وتأثيره في الوضوء

    قال رحمه الله: [وأمرد]

    وكذلك الأمرد قالوا: إنه لا ينتقض وضوء من لمسه، وهذا أقوى من جهة الأصل لما ذكرنا؛ لأن الأصل طهارته حتى يدل الدليل على انتقاضها ولا دليل، وأما ما ذكروه من مظنة الحدث فيقوى اعتبارها إن قويت الشهوة وإلا فلا.

    لمس المرأة مع وجود حائل

    قال رحمه الله: [ولا مع حائل]

    أي: إذا وضعت الكف على المرأة وبينك وبينها حائل، كلباسها أو قفاز في اليد فلا يحكم بانتقاض الوضوء.

    حكم وضوء الملموس بدنه مع الشهوة

    قال رحمه الله: [ولا ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة]

    وهو القول الثاني خلاف ما ذكرناه، والنظر إلى اعتبار العلة أقوى.

    1.   

    حكم وضوء من غسل ميتاً

    قال رحمه الله: [وينقض غسل ميت]

    أي: من غسل ميتاً فإنه ينتقض وضوءُه؛ وذلك للحديث الذي في السنن عند البيهقي والدارقطني بسند ضعيف، ولا يصح فيه حديث كما قاله الإمام أحمد وغيره من أئمة الجرح والتعديل: ليس في انتقاض الوضوء بغسل الميت حديث صحيح، والصحيح أنه لو غسل ميتاً فإنه لا ينتقض وضوءه، وأنه يبقى على الأصل من كونه طاهراً.

    1.   

    حكم وضوء من أكل لحم الجزور

    قال رحمه الله: [وأكل اللحم خاصةً من الجزور]

    كان في أول الإسلام إذا أكل الإنسان اللحم وجب عليه أن يتوضأ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (توضئوا مما مست النار) فأمر بالوضوء من كل شيء طُبِخَ في النار، ثم نسخ ذلك وبقي في الجزور؛ وذلك لما ثبت في الحـديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) فنص عليه الصلاة والسلام على وجوب الوضوء من لحوم الإبل دون غيرها.

    وذهب طائفة من العلماء إلى أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل منسوخ، وهو مذهب مرجوح، واحتجوا له بحديث جابر (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) وهذا الحديث الذي ذكروا أنه ناسخ محل نظر؛ لأن فيه علة في إسناده أشار إليها ابن أبي حاتم رحمة الله عليه في كتابه العلل في الجزء الثاني، وهو أن هذا الحديث أصله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) فرواه الراوي بالمعنى، ولذلك يبقى الحكم أن من أكل لحم الجزور فإنه يجب عليه أن يعيد الوضوء، وهذا الحكم خاص بلحم الجزور.

    ويرد السؤال: هل إذا شرب لبن الجزور يجب عليه أن يعيد وضوءه؟

    الجواب: لا. وحديث الأمر بالوضوء من لبن الجزور ضعيف، والصحيح أنه خاص بلحم الجزور.

    واختلف في الكبد والسنام؟

    فقال بعض العلماء: إنه يتوضأ منها وهو أحوط، وقيل: إنه لا يتوضأ منها، وهو أقوى من جهة النص، فإن السؤال ورد على النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ فنص على اللحوم ولم يذكر الكبد ولا بقية أجزاء الإبل كالسنام ونحوه، فإنه ليس بلحم وإنما هو شحم، فمن أكل سنام البعير لا يدخل في هذا الحكم، وهكذا من شرب لبن الإبل فإنه لا يحكم بانتقاض وضوئه؛ لأن الأصل الطهارة حتى يدل الدليل على انتقاضها ولا دليل، والدليل إنما ورد في اللحم فيبقى الحكم مقصوراً عليه.

    وهنا مسألة: قال بعض العلماء: يجب الوضوء من لحوم الإبل؛ لأن فيها زهومة وفيها قوة، فلو أكل لحم السباع وجب عليه أن يتوضأ؛ لأن فيها ما في الإبل من القوة.

    وقد يرد السؤال: كيف يأكل لحم السبع وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل كلِّ ذي ناب من السباع؟

    والجواب: تتأتى صورة المسألة فيما لو كان الإنسان في سفر فأصابته مخمصة أي: مجاعة، فاضطر إلى أكل لحم أسد أو سبع، فحينئذٍ يرد السؤال: هل انتقض وضوءه كالحال في لحم الإبل أو لم ينتقض؟

    وأصح الأقوال: أنه لا ينتقض وضوءه.

    1.   

    موجبات الغسل موجبات للوضوء إلا الموت

    قال رحمه الله: [وكل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموت]

    هذا قول بعض العلماء: إن انتقاض الطهارة الكبرى يوجب انتقاض الطهارة الصغرى، ومن ذلك خروج المني، قالوا: يوجب انتقاض الوضوء، ولو جامع أهله انتقض وضوءه وأوجب عليه الغسل، فكل ما أوجب الطهارة الكبرى يوجب الطهارة الصغرى، وبناءً على ذلك قالوا: يجب عليه الوضوء من موجبات الغسل، إلا الموت فإنه لا يوجب الوضوء، فإذا مات الميت فلا يجب أن يُوضّأ؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرجل الذي وقصته دابته: (اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) قالوا: فدل هذا على أنـه لا يجب أن يُوضّأ الميت، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته زينب : (ابدأن بميامنها وبأعضاء الوضوء منها) وهذا يدل على الاستحباب لا على الحتم والإيجاب.

    1.   

    حكم من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو العكس

    قال رحمه الله: [ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو بالعكس بنى على اليقين]

    من تيقن الطهارة وشك في الحدث، مثلاً: لو توضأت قبل صلاة المغرب ثم شككت هل خرج خارج من ريح أو لم يخرج؟ أو هل دخلت بعد المغرب لقضاء الحاجة أو لم تدخل؟ تقول: إني على يقين أني متوضئ، ولا عبرة بالشك حتى أَستيقِنَ انتقاض الوضوء كما استيقنت وجوده، فتبقى على الوضوء.

    وهنا مسألة: اليقين والشك، فاليقين هو الأصل، والشك هو الذي يكون مستوي الطرفين، هل خرج أو لم يخرج؟

    هل دخلت إلى الدورة فقضيتُ الحاجة أو لم أدخل؟ فهذا شك.

    دليل هذا الحكم: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن زيد : (شُكي إليه الرجل يخيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فمن رحمة الله عز وجل بالعباد أنه قطع الوساوس وقطع الشكوك، ولو فتح باب الوسوسة والشك لتعذب الناس، ولحصل من الضرر ما الله به عليم، فلو أن الإنسان بمجرد الوسوسة ينتقض وضوءه لما استطاع أحد أن يصلي؛ لأنه بمجرد أن يدخل في العبادة أو يتلبس بالوضوء يتسلط عليه الشيطان بوساوسه، ولذلك جزم الشرع باعتبار الأصل وألغى الشك، وتفرع على هذا قاعدة مشهورة عند أهل العلم وهي قولهم: (اليقين لا يزال بالشك)، وهذه القاعدة هي إحدى القواعد الكلية الخمس.

    وتفرع على هذه القاعدة قاعدة تختص بمسألتنا وهي قولهم: (الأصل بقاء ما كان)، فأنت إذا شككت في الحدث فالأصل بقاء الوضوء على ما كان عليه، فتقول: أنا متوضئ حتى أستيقن انتقاض وضوئي، والعكس فلو أن إنساناً قضى حاجته قبل صلاة المغرب، وشك هل توضأ بعد ما قضى حاجته أو لم يتوضأ؟ فنقول: اليقين أنه محدث والشك أنه متوضئ فيطالب بفعل الوضوء؛ لأن اليقين أنه محدث.

    تيقن الطهارة والحدث مع جهل السابق منهما

    هنا مسألة: وهي لو أنك تيقنت الوضوء وشككت في الحدث فتعتبر نفسك متوضئاً، ولو تيقنت الحدث وشككت في الوضوء فإنك تعتبر نفسك محدثاً، فلو أن إنساناً قال لك: أنا متأكد أنني توضأت، ومتأكد أنني أحدثت، ولكن لا أدري أيهما السابق؟ أهو الوضوء السابق أم الحدث؟ فما الحكم؟

    إذا كانت القاعدة تقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأنا على يقين أنني توضأت قبل المغرب وعلى يقين أنني دخلت لقضاء حاجتي وأحدثت، وأشك هل الذي سبق هو الوضوء والآن أنا محدث، أو الذي سبق هو الحدث وأنا الآن متطهر؟ هذه المسألة أصح الأقوال فيها: أننا نطالبه بالتذكر قبل الحدث والوضوء، فإذا تذكر شيئاً جزم بعكسه، فنقول له: قبل أن تدخل وقبل أن تقضي حاجتك وتتوضأ ما الذي تذكر؟ قال: أذكر أنني قضيت الحاجة.

    إذاً تيقنا حدثاً قبل الاثنين، وتيقنا بعد ذلك الحدث طهارة، فنقول: أنت على يقين من كونك متطهراً حتى نجزم بأن الحدث المصاحب لاحق لا سابق.

    توضيح أكثر: الرجل يقول: قبل الظهر تيقنت بأنني دخلت لقضاء الحاجة، وقبل الظهر أذكر أنني توضأت وانتهيت من طهارتي، إذاً هو يجزم بكونه متوضئاً ويجزم بكونه محدثاً، فإذا جئت تقول له: الأصل بقاء ما كان على ما كان، يقول لك: أي الأصلين أعتبر؟ أنا على يقين من الطهارة وعلى يقين من الحدث؟ ولكن لا أدري أيهما السابق؟ نقول له: ما الذي كنت عليه قبل هذا الشك، أي: قبل الحدث والوضوء المتأخر؟ ماذا كنت عليه وقت الضحى؟ قال: في الضحى أجزم بأنني كنت متوضئاً لصلاة الضحى.

    إذاً: معنى ذلك أنه في الضحى كان على طهارة، ثم حصل عندنا وضوء وحدث، فتيقنا حدثاً بعد طهارة الضحى، إذاً نحن على يقين من أن طهارة الضحى قد انتقضت بالحدث المصاحب للطهارة، ونشك في كون الطهارة وقعت بعد الحدث الثاني أو لا فنلغيها، ونبقى على اليقين. هذا معنى قولهم: يؤمر بالتذكر قبل الحدث والطهارة فيأخذ بالعكس، ولو قال: أتذكر قبلهما حدثاً وطهارة أيضاً، أي: أنا على يقين أنني قبل الظهر قضيت الحاجة وتوضأت، ولا أدري السابق، وعلى يقين أنني توضأت للضحى وأنني أحدثت، ولكن لا أدري أقبل صلاة الضحى أو بعد صلاة الضحى، نقول: يأخذ نفس الحكم، فيؤمر بالتذكر قبل الاثنين، أي: قبل الشك الأول وقبل الشك الثاني ثم يأخذ بالمثل، فإذا كان قبلهما قد تيقن وقال: كنت عند شروق الشمس على طهارة صلاة الفجر وصليت ركعتي الإشراق، فنقول: قد تيقنت بعد ذلك الوضوء حدثاً، وهو الحدث الأول، وتيقنت طهارة في الشك الثاني، وشككت في تأثير الحدث عليها، إذاً: فأنت الآن متطهر، ومن ثم قالوا: في الأوتار يأخذ بالعكس، وفي الأشفاع يأخذ بالمثل، أي: يؤمر بالتذكر، فإن كانت الحالات شفعية يأخذ بالمثل، وإن كانت وترية يأخذ بالعكس، فلو قال: أتذكر وضوءاً وحدثاً قبل الآن، نقول له: أنت على عكس ما تذكر قبل الوضوء والحدث، هذا في الوتر، وإن قال: أذكر اثنين: وضوءاً وحدثاً ثم وضوءاً وحدثاً، فنقول: تذكر ما قبلهما وخذ بالمثل؛ لأنه تذكر أنه متطهر فثبت له حكم الانتقاض بالشك الأول، وحكم الطهارة بالشك الثاني، فيأخذ بالمثل في الأشفاع ويأخذ بالضد في الأوتار، ولو بلغت أربعاً كأن يقول: أنا متأكد أنني في الضحى كنت على حدث وطهارة، وكذلك أيضاً عند الإشراق كنت على حدث وطهارة، وكذلك عند الفجر كنت على حدث وطهارة، فإنه يأخذ بالعكس كما قلنا في الأوتار، وبالمثل في الأشفاع، وهذا معنى قولهم: (الأصل بقاء ما كان على ما كان).

    1.   

    ما يحرم على المحدث حدثاً أصغر

    حكم مس المصحف للمحدث

    قال رحمه الله: [ويحرم على المحدث مس المصحف]

    ويحرم على المحدث مس المصحف وهو القرآن، ودليل ذلك ظاهر القرآن -على نزاع- في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] وإن كان الصحيح: أن المراد به اللوح المحفوظ، وأنه لا يمسه إلا الملائكة، لكي ينفي الله جل وعلا تسلط الشياطين على الوحي كما قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [الشعراء:210-211] فالصحيح: أن الآية محمولة على اللوح المحفوظ، لكن فيها وجه عند أهل العلم بحملها على المصحف.

    أما الدليل الثاني: فحديث عمرو بن حزم وقد تلقته الأمة بالقبول، وفيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) وقوله: (إلا طاهر) أي: إلا متوضئ، وقال بعض العلماء: (إلا طاهر) يعني: مسلم وليس بمشرك، وهذا قول ضعيف، وحجتهم أنهم قالوا: إن المسلم متطهر، فلا يقال: إن قوله: (طاهر) المراد به: المسلم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لـأبي هريرة : (إن المسلم لا ينجس)، وأصحاب هذا القول التبس عليهم الأمر؛ فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم لا ينجس) لا يقتضي التطهير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إني كنت على غير طهارة) وقال لـأم سلمة -كما في الصحيح في غسل الجنابة-: (ثم تفيضين الماء على جسدك فإذا أنت قد طهرت) وقال الله في التنزيل: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] معنى ذلك: أن الطهارة ما كانت موجودة، ولذلك فرق بين قوله: إنه طاهر، وبين قوله: إنه لا ينجس، فالنفي الذي ورد في حديث أبي هريرة (فانتجست) (فانبجست) (فانخنست) كلها روايات ظن فيها أبو هريرة أنه نجس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) أي أنه إذا أجنب لا يحكم بكونه نجساً، هذا أمر منفصل عن حديث عمرو بن حزم فليتنبه طلاب العلم إلى ذلك، فإن بعضاً من شراح الحديث عتبوا على جمهور العلماء، وقالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) المراد به أن لا يمسه كافر، وأن الطاهر هو المسلم، وهذا ليس بصحيح؛ وأما الحديث الوارد من أنه: (لا ينجس) ففرق بين نفي النجاسة وبين إثبات وصف الطهارة، فإن النصوص في الكتاب والسُّنة تدل على جواز نفي الطهارة عن المؤمن، كقوله عليه الصلاة والسلام: (إني كنت على غير طهارة فكرهت أن أذكر الله).

    الدليل الثالث -وهو من القوة بمكان-: هدي السلف الصالح فقد روى مالك في الموطأ: أن ابناً لـسعد بن أبي وقاص كان يقرأ عليه القرآن والمصحف بين يديه، فيقول ابنه: (فتحسّست أو تحككت، فقال لي أبي: لعلك لمست -أي: لمست العضو- قال: نعم. قال: قم فتوضأ)، فدل على أنه كان معروفاً ومعهوداً عند الصحابة أن مس المصحف لا يكون إلا لمتوضئ، ولذلك يعتبر التطهر من أجل مس المصحف من الأمور التي يختص بها كتاب الله تشريفاً له وتكريماً.

    حكم الصلاة لمن كان محدثاً

    قال رحمه الله: [والصلاة]

    لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) وأصله في التنـزيل قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6].

    حكم طواف المحدث

    قال رحمه الله: [والطواف]

    والطواف بالبيت يجب له الوضوء؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة) فأعطاه حكم الصلاة، فدل على أنه يجب له الوضوء، وهو مذهب جمهور العلماء في أن الطواف بالبيت تشترط له الطهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه حكم الصلاة، فيؤمر بالوضوء له كما يؤمر للصلاة.

    وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه لا تشترط الطهارة للطواف، وهو مذهب مرجوح.

    ومن الأدلة على اشتراط الطهارة، ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـعائشة لما حاضت: (اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) فدل على أن الطواف بالبيت تشترط له الطهارة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم مس المصحف من غير وضوء

    السؤال: ما حكم مس المصحف من غير وضوء؟

    الجواب: ما شاء الله! ما أدري أعاتب من؟ يحكون أن رجلاً أفلس فأمر القاضي أن يحمل على دابة -وكان في القديم إذا أفلس الرجل وحكم بالحجر عليه، يأمر القاضي بأن يُركب على دابة ثم يطاف به في الأسواق، حتى لا يعامله أحد فيعذر القاضي إلى الناس- فُحِمل ذلك الرجل على دابة وطيف به في الأسواق، وقال منادي القاضي: إن القاضي يأمركم أن لا تعاملوا فلان بن فلان، فمن عامله بعد اليوم فلا يلومنَّ إلا نفسه، فلما انتهى من الطواف به في آخر اليوم وأنزله عند بيته، قال له صاحب الدابة: أعطني الأجرة، قال: سبحان الله! ما الذي كنا فيه من اليوم؟! فنحن نتحدث عن مس المصحف للمحدث، والسؤال عن مس المصحف!!

    حكم دفن الشعر والأظفار بعد القص

    السؤال: هل يستحب دفن الأظافر والشعر إذا قيل بأنهما جزء من الإنسان بعد إبانتهما؟

    الجواب: أظفار الإنسان جزء منه، وإذا أُبينت منه قالوا: يستحب دفنها؛ لأن الله عز وجل يقول: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:21] والأصل في أجزاء الإنسان أنها إذا قطعت أو بترت أو فصلت أنها تدفن، فلو قطع من إنسان يده أو نحو ذلك فإن هذه اليد تدفن تكريماً من الله لبني آدم، ولذلك قالوا: إذا قلَّم الأظفار دفن أظفاره، وورد في بعض الأحاديث أنه فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قيل: إن ذلك خوفاً من السحر؛ ولكن الأصل في الأمر بدفن الأظفار إنما هو من أجل أنها جزء من الإنسان فتدفن لما ذكرناه، والله تعالى أعلم.

    إلحاق الممسوس بالماس إن وجدت شهوة

    السؤال: هل كون الممسوس ينتقض وضوءُه إذا وجد شهوة، مستنده القياس أم له دليل آخر؟

    الجواب: نعم. هو القياس، إذ اتحدت فيه العلة ووجدت في الفرع كما هي في الأصل، فالحكم مستو من جهة المعنى، والشرع ينبه بالنظير على نظيره لكي تلحق الأشياء بأشباهها كما قال عمر لـأبي موسى الأشعري : (عرف الأشباه والنظائر)، أي: لأجل أن تقيس، فالقياس الصحيح حجة شرعية عند جماهير أهل العلم -رحمة الله عليهم-، فعندما يجد الممسوس الشهوة يكون في حكم الماس نفسه، وقوي إلحاقه بمن مس نفسه، والله تعالى أعلم.

    اندراج الوضوء تحت غسل الجنابة

    السؤال: إذا اغتسل الإنسان من الجنابة وأراد أن يصلي، فهل يجب عليه أن يتوضأ أم يكفيه الغسل؟

    الجواب: إذا اغتسل الإنسان من الجنابة فإنه لا يجب عليه أن يتوضأ، خاصةً إذا توضأ أثناء غسله، وقد ثبت من حديث عائشة أنه: (أنه عليه الصلاة والسلام ما توضأ بعد غسل) ولذلك لا يجب الوضوء بعد الغسل إلا إذا لمس العضو بعد غسله، وأما إذا كان قد بقي على طهارته، فإن الطهارة الصغرى تندرج تحت الطهارة الكبرى، والله تعالى أعلم.

    حكم مس المحدث للمصحف لأجل إبعاده عن الإهانة

    السؤال: ما حكم إخراج المصحف من الجيب عندما يريد الإنسان دخول الخلاء وهو محدث؟

    الجواب: استثنى بعض العلماء مس المحدث للمصحف لإكرامه أو خوف إهانته، فقالوا: لو رأى المصحف وخشي عليه أن يحترق جاز له أن يأخذه ولو كان محدثاً، ولو رآه ساقطاً فمد يده حتى لا يسقط على الأرض إكراماً له وهو محدث جاز له ذلك، فوضعه أيسر من حمله عند قضاء الحاجة، والأصل في الشريعة أنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما، والله تعالى أعلم.

    معنى: الشك، والظن، والوهم

    السؤال: ما معنى قول العلماء: ما استوى طرفاه فشك، وما اختلفا فالراجح ظن والمرجوح وهم؟

    الجواب: مراتب العلم أربعة يحفظها طلاب العلم وينبغي التركيز عليها:

    المرتبة الأولى: تسمى عند العلماء: اليقين.

    المرتبة الثانية: وهي الظن.

    المرتبة الثالثة: وهي الشك.

    المرتبة الرابعة: وهي الوهم.

    فهذه أربع مراتب للعلم: فمرتبة اليقين (100 %)، وهي المرتبة التي يصل فيها علمك بالشيء إلى درجة لا يدخلك فيها أي شك البتة، كأن ترى رجلاً في المسجد تعرفه باسمه ولونه ووصفه فتقول: محمد في المسجد الآن، وأنت تراه أمامك، فهذا يعتبر علم يقين لا يدخل الإنسان فيه أي شك.

    ومرتبة الظن: أن يكون ما بين (51 %) إلى (99 %)، والغاية داخلة في المغيا، فإذا بلغ علمك بالشيء إلى درجة أن واحداً بالمائة يحتمل الضد، فحينئذٍ يقال: غالب الظن، أو يقال: الظن، أو يقال: الراجح. مثال ذلك: عهدك بأخيك محمد أنه في البيت، ثم سألك سائل بعد ما خرجت من البيت بنصف ساعة أو بربع ساعة، وقال لك: محمد في البيت؟ وأنت تجزم بأن محمداً في البيت؛ ولكن يحتمل أنه خرج بعد خروجك، والاحتمال ضئيل، فتقول: غالب ظني أنه موجود، والمراد بذلك: غلبة العلم بوجوده مع وجود احتمال أنه غير موجود أو أنه خرج بعد خروجك، فهذه يسمونها: مرتبة الظن أو الراجح أو غالب الظن، وكله بمعنى.

    ومرتبة الشك هو (50 %) فيكون علمك بالشيء إثباتاً ونفياً بمرتبة واحدة سألك سائل: زيد في مكتبه؟ وأنت لا تدري أهو في مكتبه أم لا، فتقول: يمكن أن يكون موجوداً ويمكن أن لا يكون موجوداً، هذا يسمونه: الشك، أي: يحتمل أنه موجود ويحتمل أنه غير موجود.

    ومرتبة الوهم تبدأ من (1 %) إلى (49 %) فإذا كان غالب ظنك أنه موجود فضده النادر، وهو أنه غير موجود، فالنادر يسمى: وهماً، وغالب الظن يسمى: ظناً راجحاً.

    هذا معنى ما ذكره السائل من قولهم: ما استوى طرفاه شك، وما رجح أحد الطرفين فالراجح ظن والمرجوح وهم.

    حكم وضوء من شرب مرق الجزور

    السؤال: ما حكم مرق لحم الجزور، هل ينقض الوضوء أم لا؟

    الجواب: مرق لحم الجزور فيه خلاف بين أهل العلم رحمة الله عليهم:

    منهم من يقول: زهومة اللحم في المرق وقوتها قوة اللحم نفسه.

    ومنهم من يقول: أعتبر لفظ الحديث: (أنتوضأ من لحوم الإبل؟) فما كان من اللحم نفسه نقض وما كان من مرقه لم ينقض، والأقوى أن الإنسان يتوضأ منه.

    وضوء المصاب بسلس الريح

    السؤال: أنا مصاب بمرض سلس الريح فهل يلزم علي أن أتوضأ عند كل صلاة؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل:

    إذا استمر خروج الريح مع الإنسان بحيث لا يبقى له وضوء بقدر ما يصلي، فإنه يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، ثم يصلي ولو خرج الريح معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك المستحاضة.

    أما لو كان الريح يخرج ثم يبقى ثلث ساعة أو ربع ساعة أو عشر دقائق لا يخرج، بحيث يمكنه أن يصلي، فحينئذٍ يتوضأ ثم يصلي حتى يتدارك ما قبل خروجه، ولو أدى ذلك إلى تركه للجماعة في المسجد فلا حرج عليه؛ لأن مراعاة شرط الطهارة مقدم على الواجب المنفصل من شهود الجماعة، وهذه الحالة يستثنى فيها وجوب الجماعة فيحكم بسقوطها عن الإنسان إذا كان معه سلس، بحيث يستطيع أن يصلي؛ ولكن في وقت ضيق لا يسعه معه أن يمكث في المسجد لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. والله تعالى أعلم.

    الجمع بين الأحاديث الواردة في الوضوء من مس الذكر

    السؤال: كيف الجمع بين الحديثين الصحيحين: (من مس ذكره فليتوضأ) و: (وإنما هو بضعة منك) هل الأول يكون فيمن مس ذكره بشهوة والثاني فيمن مسه بدون شهوة؟

    الجواب: ما سألت عنه من تعارض حديث طلق بن علي ، وحديث أبي هريرة وبسرة بنت صفوان رضي الله عنها، فأنسب الأجوبة أن حديث طلق منسوخ؛ لأنه قال: (قدمت والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده).

    والأمر الثاني: أنه سأل عن مس الذكر فيحمل على وجود الحائل، والحديث الآخر يحمل على المباشر، وهذا الجمع أقوى من التفريق بين المس بشهوة وبدون شهوة؛ لأنك لو جمعت بين الحديثين بالتفصيل في وجود الشهوة وفقد الشهوة أشكل عليك العموم في قوله: (من مس) ولكن حملك على مس بوصف وهو عدم وجود الحائل، ومس بدون وصف وهو وجود حائل أقوى وأبلغ، ثم وجود الشهوة وعدم وجود الشهوة في الحائل وبدون حائل فيه اعتبار، فدخل هذا الجمع تحت الجمع الذي ذكرناه، من كونه بحائل أو بدون حائل، فإن الإنسان إذا مس بحائل يضعف تأثير الشهوة، بخلاف ما إذا لو مسه بدون حائل، والله تعالى أعلم.

    الفرق بين علم اليقين وعين اليقين

    السؤال: ما الفرق بين علم اليقين وبين عين اليقين؟

    الجواب: علم اليقين متعلق بالإدراك، وأما عين اليقين فمتعلق بالحاسة التي تُوِصِّلَ بها إلى الإدراك، قال تعالى: ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر:7] أي: ترونها على وجه لا يمكن أن يدخل الإنسان فيه شك؛ لأن الكفار امتروا وكذّبوا بالآخرة، فأخبر الله جل وعلا: أن الفصل بين من صدق بالآخرة وكذب بها أن يرى الناس ذلك في عرصات يوم القيامة، حيث قال سبحانه: ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر:7] فالمقصود: أن هذا متعلق بالإحساس وهذا متعلق بالإدراك وكل منهما له معناه.

    حكم مس المصحف لمن به سلس

    السؤال: ما حكم مس المصحف لمن كان مصاباً بمرض السلس؟

    من كان به سلس البول فإنه يجوز له أن يتوضأ في بداية دخول الوقت ثم يمس المصحف حتى ينتهي الوقت، ويتوضأ من جديد، ولا حرج عليه أن يمس المصحف ولو خرج منه الخارج؛ لأنه معذور في انتقاضه، والله تعالى أعلم.

    حكم الوضوء من مس الخصية

    السؤال: هل مس الخصية ينقض الوضوء؟

    الجواب: هذه المسألة للعلماء فيها قولان:

    فجماهير السلف والخلف على أن مس الأنثيين لا يوجب انتقاض الوضوء.

    وذهب عروة بن الزبير -رحمه الله- إلى القول بأن مس الأنثيين يوجب انتقاض الوضوء.

    والصحيح أن مسهما لا يوجب انتقاض الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص الحكم بالذكر دون الأنثيين.

    وأما قوله من: (من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه) فهي زيادة مدرجة من قول عروة لأنها مذهبه، والله تعالى أعلم.

    حكم الوضوء من غسل الميت

    السؤال: هل من الممكن إعادة القول في غسل الميت هل ينقض الوضوء أم لا؟

    الجواب: للعلماء -رحمهم الله تعالى- في غسل الميت قولان:

    منهم من يرى أنه ينقض.

    ومنهم من لا يرى انتقاض الوضوء به.

    فالذين قالوا بعدم انتقاض الوضوء قالوا: إن الأصل طهارة الغاسل حتى يدل الدليل على الانتقاض، وليس ثَمَّ دليل صحيح يدل عليه، ولذلك نبقى على هذا الأصل ونستصحب حكم الطهارة، وهو أولى القولين بالصواب، وقد تكلم الإمام الدارقطني -رحمه الله- في كتابه العلل على علة حديث الأمر بالغسل والوضوء من غسل الميت وحمله، والله تعالى أعلم.

    معنى: (مذهب راجح) و(مذهب مرجوح)

    السؤال: قولكم: هذا مذهب راجح وهذا مذهب مرجوح، ما معنى ذلك؟

    الجواب: إذا قوي دليل أحد القولين فإنه يحكم برجحانه؛ لوجود القوة إما سنداً أو متناً، فإن قويت دلالة النص فالرجحان من جهة المتن، وإن قوي سنده فالرجحان من جهة الثبوت، فإذا قوي الاثنان ثبوتاً ودلالة فحينئذٍ لا إشكال، فإذا قيل: إنه الراجح، فالمراد: أنه أقوى القولين دليلاً، إما من جهة الثبوت وإما من جهة الدلالة، وإما من جهتهما، والله تعالى أعلم.

    مسافة القصر بين جدة ومكة والمشاعر وما يترتب عليها من أحكام

    السؤال: هل المسافة من جدة إلى مكة مسافة قصر؟ وإذا كانت ليست مسافة قصر فهل من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وهو من أهل جدة متمتع؟ وهل يصح له القصر في مكة ومنى وعرفة ومزدلفة؟

    الجواب: أما بالنسبة للمسافة بين جدة ومكة فقد كانت في القديم تبلغ مسيرة اليوم والليلة، ولذلك لما سئل ابن عباس عن قصر الصلاة للجموم قال رضي الله عنه: (لا، وإنما إلى جدة وعسفان)، فأثبت القصر في هذين الموضعين، ولكن عندما اتصل العمران -كما هو الحال الآن- قصرت المسافة عن حد السفر، ولا تبلغ الحد المعتبر للحكم بالقصر، ولذلك إذا قصد من جدة إلى مكة فإنه لا يأخذ حكم المسافر؛ ولكن إذا نوى الحج من جدة فإنه يحكم بكونه مسافراً؛ لأنه قاصد إلى المشاعر، والمشاعر تتمِّم النقص في المسافة، فيقصر الصلاة ويأخذ حكم المسافر؛ لأن عرفات تبعد عن البيت بأكثر من (8 كم)، وهذا يجبر النقص الموجود في المسافة التي بين جدة ومكة، وبناءً على ذلك تبلغ المسافة غاية السفر، فغايته إذا حج من جدة إلى عرفات، فيحكم بكونه مسافراً، فيقصر الصلاة إذا قصد الحج، وأما إسقاط الدم عن أهل جدة إذا رجعوا فإنه مبني على الاجتهاد، والأقوى أنهم ليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وإنما هم في حكم الخارج عن الحرم وآخذون حكم الآفاقيين، ويجب عليهم دم إن تمتعوا؛ لأنهم ليسوا في حكم حاضري المسجد الحرام، والله تعالى أعلم.

    علة القصر في المشاعر

    السؤال: هل القصر من أجل السفر أم من أجل النسك؟

    الجواب: القصر من أجل السفر، وأما أهل مكة فأصح الأقوال أنهم لا يقصرون؛ وذلك أن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن القصر لا يقتضي الحكم بكونهم مسافرين، فقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالقصر، وإذا ثبت هذا فإنه يجاب عن سكوته بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهل مكة بقوله: (أتموا الصلاة فإنا قوم سفر) وسكت في المشاعر عن أمرهم بالإتمام؛ لسبق التنبيه لهم على ذلك.

    وقال بعض العلماء: بل القصر من أجل النسك، وأنه يشرع لهم أن يقصروا من أجل النسك، ولذلك يَجْمَعون؛ وعلى هذا القول فلا إشكال إذا خرج المكي أن يقصر ولا حرج عليه في ذلك، والله تعالى أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756234680