إسلام ويب

مختصر التحرير [70]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قد يرد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ظاهره التعارض من قول وفعل أو قولين، وحينئذ يعمل العلماء على التوفيق بين ما ورد من ذلك حسب قواعد معروفة، وأما فعل الصحابي فمذهب له، وفي حجتيه خلاف. ثم من الأدلة المتفق عليها بعد الكتاب السنة الإجماع، وهو اتفاق

    1.   

    تعارض الفعل والقول وكيفية العمل عند ذلك

    قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: حيث لا دليل على تكرر ولا تأس به، والقول خاص به، وتأخر، لكن إن تقدم فالفعل ناسخ، وإن جهل وجب العمل بالقول، ولا إن اختص القول بنا مطلقًا، أو عم وتقدم الفعل، ولا في حقنا إن تقدم القول، وهو كخاص به، لكن إن كان العام ظاهرًا فيه فالفعل تخصيص، ولا فينا مطلقًا مع دليل دل عليهما، والقول خاص به، وفيه المتأخر ناسخ، ومع جهل يعمل بالقول، ولا في حقه معه عليهما، والقول بنا، وفينا المتأخر ناسخ، ومع جهل يعمل بالقول، ولا فينا مع دليل على تكرر، لا تأس إن اختص القول به أو عم].

    العمل عند تعارض أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم

    أرى أن نترك هذا الفصل أولاً: لأن الفائدة فيه قليلة جداً.

    والثاني: أن تصوره وتصويره صعب جداً، فإذا كانت الفائدة قليلة والتصور والتصوير صعباً؛ حتى في الشرح ما أتى بفائدة إلا خلافاً بين العلماء، لا تستطيع أن تجد فيه فائدة، فهل ترون أن نقول:

    إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

    أم نحاول أن نفككه، والله المعين؟!

    أنا أرى بناءً على أن الحقيقة أولاً: أن فينا أناساً مبتدئين لا شك، وتصور هذه المسائل صعب، والخلاصة: أن أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تتعارض أبداً إذا صحت عنه، لكن إن أمكن الجمع بينها بأي وجه من الوجوه المحتملة جمع بينها، يعني: معناه لا نقدم بعضها على بعض؛ لأن لو قدمنا بعضها على بعض أهدرنا أحدها، وإن لم يمكن الجمع فالمتأخر ناسخ، يعني: إذا لم يمكن الجمع بين القولين ولكن علمنا المتأخر فالمتأخر ناسخ، وإن لم نعلم وجب علينا التوقف.

    لكن هذه الصورة الأخيرة: أنه لا يمكن الجمع ولا يعلم المتأخر؛ هذه مسألة في الحقيقة فرضية أو نسبية؛ لأنه ما من شيء في الشريعة إلا ولا بد أن يعرف وجهه، لكن ليس كل أحد يعرفه، قد يعرفه فلان ولا يعرفه فلان، هذا بالنسبة للأقوال.

    العمل عند تعارض القول والفعل

    وقد يتعارض القول والفعل، وحينئذ هل نأخذ بالقول مطلقاً، أو نحاول الجمع، فإن لم يمكن الجمع أخذنا بالقول؟

    يرى بعض العلماء أننا نأخذ بالقول مطلقاً؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، ويحتمل النسيان، ويحتمل أشياء كثيرة، والقول واضح؛ لأن دلالته لفظية.

    ويرى آخرون: أننا إن أمكن الجمع عملنا بالجمع، فإن لم يمكن أخذنا بالقول.

    مثال الأول: ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه نهى أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)، وثبت عنه (أن ابن عمر رضي الله عنهما رقي يوماً على بيت حفصة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة).

    فهنا تعارض عموم القول مع خصوص الفعل، عموم القول: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها)، هذا عام يشمل البنيان وغير البنيان.

    وخصوص الفعل أن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر الكعبة في البنيان.

    فهل نأخذ بعموم القول ولا نلتفت للفعل، ونقول: الفعل يحتمل أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن الرسول جلس ناسياً، ويحتمل أنه استدبر الكعبة لأنه في البنيان؟

    يرى بعض العلماء القول الأول، ويرى آخرون القول الثاني، يقول: هذا الفعل يحتمل الخصوصية والأصل عدمه، ويحتمل النسيان والأصل عدمه، ويحتمل التخصيص وأنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان، وهذا واجب، وعلى هذا فنخصص عموم حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بحديث ابن عمر ، ونقول: إذا كنت في البنيان فلا بأس أن تستدبر، ويبقى النهي عن الاستقبال عاماً، والنهي عن الاستدبار مخصوصاً بهذا، أي: بما إذا كان الإنسان في البنيان.

    المثال الثاني: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً).

    وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته).

    فعندنا قول وعندنا فعل، القول أنه أمر أن يصلي أربعاً، والفعل أنه كان يصلي ركعتين في بيته بعد الجمعة، فهل نأخذ بالقول ونقول: إننا أمرنا بأن نصلي أربعاً، ولم يقل الرسول: إن صليتم في المسجد أو في البيت، فيعم المسجد والبيت، أو نقول: إن صلينا في البيت اقتصرنا على ركعتين أخذاً بالفعل، وإن صلينا في المسجد صلينا أربعاً أخذاً بالقول، فنجمع بين القول والفعل على هذا الوجه، ونحمل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) على ما إذا صلى في المسجد.

    الثاني اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، يقول: إن صليت سنة الجمعة في البيت فركعتان، وإن صليتها في المسجد فأربع، من أجل أن نجمع بين القول والفعل.

    ولكن لو قال قائل: إن تقديم القول هنا أولى؛ لأنه قول ولأن ابن عمر إنما أخبر عما شاهد، فمن الجائز أن يكون الرسول صلى ركعتين، وأيضاً لو حملناه على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لكان هذا خلاف المعروف في السنة؛ وهي: (صلاة المرء في بيته أفضل)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)، ثم قال لهم: (إذا صليتم الجمعة فصلوها أربعاً) فهذا يقتضي أن نصلي في بيوتنا أربعاً، وعلى هذا فنقدم القول على الفعل.

    هذه خلاصة هذا الفصل الطويل الذي ذكره المؤلف، والذي يحتاج إلى مدة في تصوره أولاً ثم تصويره ثانياً.

    1.   

    مذهب الصحابي وهل قوله حجة

    قال المؤلف: [فائدة: فعل الصحابي مذهب له].

    يعني: أن الصحابي إذا فعل فعلاً فلنا أن نقول: مذهب هذا الصحابي كذا وكذا، مثلاً ابن مسعود رضي الله عنه صح عنه أنه إذا دخل على المرأة متزوجاً بها فإنه يصلي ركعتين، فيكون مذهب ابن مسعود أنه يرى سنية صلاة الركعتين عند الدخول على المرأة أول ما يدخل عليها، ولكن هل مذهب الصحابي حجة أو لا؟

    يرى بعض العلماء أن قول الصحابي حجة بشرطين:

    الشرط الأول: ألا يعارضه نص.

    والشرط الثاني: ألا يخالفه صحابي آخر.

    فإن عارضه نص فالمقدم النص، وإن خالفه صحابي آخر عمل بالراجح، يعني: ينظر أيهما أقرب إلى الصواب حسب الأدلة فيعمل به.

    ويرى آخرون أن قول الصحابي ليس بحجة مطلقاً، وقال: كيف نجعله حجة في رجل أعرابي جاء مؤمناً بالرسول عليه الصلاة والسلام ثم انصرف ثم نقول: هذا الأعرابي قوله حجة في دين الله يجب العمل به.

    وفصل بعض العلماء فقال: الصحابة ليسوا على حال واحدة، ففقهاء الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدين قولهم حجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وأما من ليس بفقيه من الصحابة فقوله ليس بحجة.

    وهذا القول هو الراجح، أن قول الصحابي على الإطلاق ليس بحجة، بل الحجة قول الخلفاء الراشدين وفقهاء الصحابة، ولكن بالشرطين السابقين وهما: ألا يعارض النص، وألا يخالفه صحابي آخر، فإن عارض النص فالنص مقدم، وإن خالفه صحابي آخر عمل بالراجح.

    فهذا القول الذي تطمئن إليه النفس.

    وإنما كان قول من ذكرنا من الصحابة حجة؛ لأنهم أقرب إلى الصواب بلا شك، وأبعد عن الأهواء، وأقل من الخلافات؛ ولأنهم شاهدوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلموا من أحواله ما لم يعلمه غيرهم، فكان قولهم في هذا حجة.

    1.   

    مبحث الإجماع

    قال المؤلف: [باب الإجماع لغةً: العزم والاتفاق، واصطلاحاً: اتفاق مجتهدي الأمة في عصر على أمر ولو فعلاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حجة قاطعة بالشرع، ويثبت بخبر الواحد، ولا يعتبر فيه وفاق العامة، ولا من عرف الحديث أو اللغة، أو الكلام ونحوه، أو الفقه، أو أصوله، أو فاته بعض شروطه، ولا كافر ببدعة عند مكفرة، ولا فاسق مطلقًا. ولا ينعقد مع مخالفة واحد].

    الإجماع هو الدليل الثالث الذي يعتبر دليلاً في الدين، وقبله الكتاب والسنة.

    والإجماع في اللغة: (العزم والاتفاق)، أما الاتفاق فواضح، تقول: أجمع القوم على كذا، يعني: اتفقوا عليه، وأما العزم فمنه قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ [يونس:71]، معناه: اعزموا أمركم، فيطلق الإجماع إذاً على معنيين: على الاتفاق وهو واضح، وعلى العزم، ومنه الآية التي ذكرت لكم.

    يقول: [واصطلاحاً: اتفاق مجتهدي الأمة في عصر على أمر ولو فعلاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم].

    قوله: (اتفاق مجتهدي الأمة)، أولاً الاتفاق خرج به ما لو خالف واحد من المجتهدين، فإنه لا يعتبر إجماعاً.

    وقوله: (مجتهدي الأمة) خرج به المقلد، فالمقلد لا عبرة بوفاقه ولا بخلافه؛ لأن قول المقلد هو قول مقلده؛ ولهذا قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء، حتى إنهم قالوا: إنه يحرم استفتاء المقلد إلا عند الضرورة، فإذا اضطر الإنسان إلى استفتائه وإلا فلا، يعني: لا يجوز أن يسأل مقلداً أو أن يستفتي مقلداً مع وجود مجتهد، إذاً: (مجتهدي الأمة) احترازاً من المقلد.

    قوله: (الأمة)، أي أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أما الأمم السابقة فلا عبرة بإجماعهم ولا بخلافهم بالنسبة لشريعتنا.

    وقوله: (في عصر على أمر)، هذا متفق عليه.

    وقوله: [على أمر ولو فعلاً]، يعني: أن الاتفاق يكون اتفاقاً قولياً، كما لو قالت الأمة: هذا حرام، أو هذا حلال، ويكون اتفاقاً فعلياً كما لو أجمعت الأمة على فعل شيء من الأشياء، فإن إجماع الأمة على فعله يدل على إباحته إن لم يكن عبادة، وعلى مشروعيته إن كان عبادةً، حتى لو لم يقولوا: هذا جائز وهذا مشروع، ما داموا اتفقوا على فعله فهو إجماع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755988743