إسلام ويب

مختصر التحرير [61]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التكليف خطاب شرعي متوجه إلى المكلف، والمعدوم عند الخطاب لا يشمله الخطاب حال عدمه؛ لكن يعمه الخطاب إذا صار مكلفاً كما قرره الأئمة وبينوا أدلته. كما قرروا أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار فلا يجب عليه شيء شرعاً وعقلاً، هذا والأدلة المتفق عليها عند أهل السن

    1.   

    تكليف المعدوم

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا معدوم حال عدمه ]، يعني: ولا يكلف معدوم حال عدمه.

    ومعناه أن الإنسان هو في الأصل من أهل التكليف، ولكنه قبل أن يولد ليس بمكلف، فهو معدوم، فلا يكلف حال العدم، يعني: ولا تكليف على غير الموجود، أي أنه لا يكلف ولو تقديراً.

    قال: [ ويعمه الخطاب إذا كلف كغيره ]، يعني: أن المعدوم لا يكلف، ولكن إذا بلغ فإنه يعمه الخطاب كغيره.

    قال الشارح: ولا يكلف معدوم حال عدمه إجماعاً، ويعمه الخطاب إذا كلف كغيره، أي كغير المعدوم من صغير ومجنون، ولا يحتاج إلى خطاب آخر عند أصحابنا، وحكي عن الأشعرية وبعض الشافعية، وحكاه الآمدي عن طائفة من السلف والفقهاء، وفي المسألة قول ثان ونسب للمعتزلة وجمع من الحنفية أن المعدوم لا يعمه الخطاب مطلقاً، واستدل للقول الأول وهو الصحيح بقوله سبحانه وتعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، قال السلف: من بلغه القرآن فقد أنذر بإبلاغ النبي صلى الله عليه وسلم، وقول من قال: إذا امتنع خطاب الصبي والمجنون فالمعدوم أجدر ضعيف؛ لأنه فهم عن الحنابلة تنجيز التكليف ولم يعلم التعليق، وأن حكم الصبي والمجنون كحكم المعدوم.

    ومن الأدلة أيضاً قوله سبحانه وتعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153]، وكالأمر بالوصية لمعدوم متأهل، وخيفة الموصي الفوت لا أثر له.

    ويحسن لوم المأمور في الجملة بإجماع العقلاء على تأخره عن الفعل مع قدرته وتقدم أمره.

    ولأنه أزلي وتعلقه بغيره جزء من حقيقته، والكل ينتفي بانتفاء الجزء، وكلام القديم صفته، وإنما تطلب الفائدة في سماع المخاطبين به إذا وجد.

    ولأن التابعين والأئمة لم يزالوا يحتجوا بالأدلة، وهو دليل التعميم، والأصل عدم اعتبار غيره، ولو كان لنقل.

    قال المخالفون: تكليف ولا مكلف محال.

    رد بأن هذا مبني على التقبيح العقلي، ثم بالمنع في المستقبل كالكاتب يخاطب من يكاتبه بشرط وصوله ويناديه، وأمر الموصي والواقف حقيقة؛ لأنه لا يحسن نفسه.

    قالوا: لا يقال للمعدوم ناس.

    رد بأن يقال بشرط وجوده.

    قالوا: العاجز غير مكلف فهذا أولى.

    رد بالمنع عند كل قائل بقولنا، بل مكلف بشرط قدرته وبلوغه وعقله، وإنما رفع عنه القلم في الحال، أو قلم الإثم، بدليل النائم. اهـ كلام الشارح.

    وفي الحقيقة أن هذا من باب الجدل الذي لا خير فيه؛ لأنه من المعلوم أن المعدوم حال عدمه لا يمكن أن يتوجه إليه الخطاب، لكن إذا وجد هل هو مخاطب بالخطاب الأول أم لا؟

    يرى بعضهم أنه مخاطب ويرى آخرون أنه ليس بمخاطب، وفي الحقيقة أن هذا خلاف يعتبر مضيعة للوقت؛ لأنه بالإجماع أن كل من ولد متجدداً فإن خطابات الشرع التي كانت نزلت عند وجود الصحابة تعمه.

    لا يقول: إن هذا الخطاب وجد قبل أن أولد فلا أدخل فيه؟

    نقول: لأن الدين الإسلامي فيه صفة الشمول والعموم، فكل من ولد إلى يوم القيامة فإن الخطاب يعمه، أما حال عدمه فكيف يعمه؟

    هل يوجه الخطاب لشخص لا يولد إلا بعد ألف سنة؟ حقيقة لا، لكن إذا وجدت نصوص الكتاب عامة ونصوص السنة عامة تشمل من يوجد إلى يوم القيامة، ولهذا قال: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام:19] يخاطب الموجودين، وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] يخاطب الغائبين والمعدومين.

    فإذا وجد الإنسان ثم بلغه نص صار مخاطباً به، أما قبل أن يوجد فإن النص لم يبلغه حتى يقال إنه مخاطب به.

    وهذا مما أدخل على الأمة الإسلامية من أجل النزاع فيما لا فائدة فيه؛ لأن الكل متفقون على أن من يولد من أمة محمد إلى يوم القيامة مخاطب بالشريعة الإسلامية، لكن لا يكلف إلا إذا بلغ، ولهذا قال المؤلف: (ولا معدوم حال عدمه)، وهذا هو الصحيح، مع أن الخلاف كما قلت لكم خلاف جدل فقط.

    [ ويعمه الخطاب إذا كلف كغيره ] أي الخاطب يعم المعدوم إذا كلف كغيره، فمثلاً: (أقيموا الصلاة) لا تعم الحمل الذي سيوجد الآن، لكن إذا وجد وكلف قلنا: إن الله يقول لك: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، وأما حال عدمه وهو في ظهر أبيه فلا يعمه الخطاب.

    1.   

    لا يجب على الله شيء عقلاً ولا شرعاً

    ثم قال: [ ولا يجب على الله شيء لا عقلاً ولا شرعاً ].

    يعني: لا بدليل العقل ولا بدليل الشرع.

    وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل:

    إن أراد المؤلف أنه لا يجب على الله شيء لا عقلاً ولا شرعاً فهذا حق، يعني: معناه أننا نحن لا نوجب على الله شيئاً لا عقلاً ولا شرعاً؛ لأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل، ولأنه الرب المتصرف كما يشاء فلسنا الذين نوجب على الله.

    وأما إن أراد: لا يجب على الله بإيجابه هو على نفسه، فهذا خطأ؛ لأن الله أوجب على نفسه أشياء هو أوجبها: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21]، فما أوجبه الله على نفسه فهو حق واجب، وأما أن نوجب نحن على الله فهذا لا يمكن.

    فكلام المؤلف رحمه الله يحتاج إلى تفصيل، وهو أن نقول: إن قيل: ولا يجب على الله بإيجابنا شيء لا عقلاً ولا شرعاً.. فهذا صحيح.

    وإن قيل: ولا يجب على الله بإيجابه على نفسه، فهذا خطأ، وقد مر علينا في النونية قول ابن القيم رحمه الله:

    مال للعباد عليه حق واجب هو أوجب الأجر العظيم الشان

    كلا ولا عمل لديه ضائع إن كان بالإخلاص والإحسان

    فكلام المؤلف هنا مجمل يحتاج إلى تفصيل.

    1.   

    الأدلة المتفق عليها

    ثم قال المؤلف: [ تنبيه: الأدلة الكتاب، وهو الأصل، والسنة، وهي مخبرة عن حكم الله، والإجماع، وهو مستند إليهما، والقياس، وهو مستنبط من الثلاثة ].

    ذكر المؤلف رحمه الله الأدلة وحكم كل منها ومرتبته، فقال: (الأدلة الكتاب) يعني بذلك القرآن.

    قال: (وهو الأصل) نعم هو الأصل، فأصل الأدلة كلها هو القرآن؛ لأننا لم نعلم أن السنة دليل إلا بالقرآن، إذاً: فكون السنة دليلاً مبني على القرآن: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

    كل هذه الآيات تدل على أن السنة دليل، والسنة أصل باعتبار ما بعدها، ولهذا يقول العلماء فيما يستدلون به يقولون: الأصل في هذا الكتاب والسنة، يعني: الدليل، ولكن كون السنة دليلاً مبني على القرآن، فهو الذي به عرفنا أن السنة دليل، ولذلك قال المؤلف: (الكتاب وهو الأصل، والسنة وهي مخبرة عن حكم الله)، نعم السنة مخبرة عن حكم الله؛ خبر بالقول وخبر بالفعل، ولهذا نقول: إن السنة إما قول وإما فعل وإما إقرار، فهي مخبرة عن حكم الله إما بالقول، مثل أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وإما بالفعل كمسحه على الخفين، وإما بالإقرار كإقراره على أكل الضب، فهذه السنة مخبرة عن حكم الله.

    قوله: (والإجماع وهو مستند إليهما)، أي إلى الكتاب والسنة، الإجماع سيأتي إن شاء الله أنه اتفاق مجتهدي الأمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي.

    والإجماع مستند إلى الكتاب والسنة، ولهذا لا تجد إجماعاً إلا مبنياً على نص، لكن قد يكون ظاهراً وقد يكون خفياً.

    ويحتمل أن معنى قول المؤلف أنه مستند إليهما أنه ثبت كونه دليلاً بهما، لكن الوجه الأول أصح، يعني: أنه لا إجماع إلا على دليل من الكتاب والسنة، ولهذا لا يمكن أن تجد إجماعاً على شيء إلا وله أصل من الكتاب أو السنة، لكن قد يكون خفياً.

    والرابع: (القياس، وهو مستنبط من الثلاثة)؛ لأن القياس في الحقيقة دليل معنوي، إذ إنه إلحاق المقيس بالمقيس عليه في الحكم للعلة الجامعة بينهما، وحينئذٍ لا يمكن أن نعرف الأصل إلا إذا ثبت بدليل من الكتاب والسنة والإجماع، فإذا وجد الحكم بالكتاب أو السنة أو الإجماع وعرفنا علته وألحقنا به ما ساواه في العلة، صار القياس مستنبطاً من الأدلة الثلاثة.

    1.   

    الكتاب

    ثم قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الكتاب القرآن ].

    هو قال قبل قليل: (الأدلة الكتاب.. إلخ)، ثم شرع في تفصيل هذه الأدلة فقال: [ الكتاب القرآن ].

    القرآن: مصدر كالغفران والشكران، لكنه مصدر بمعنى اسم مفعول، أي: المقروء، يعني: الذي يقرأ.

    قال: [ وهو كلام الله منزل على محمد صلى الله عليه وسلم، معجز بنفسه متعبد بتلاوته ].

    قال: (وهو كلام الله)، هذا باتفاق أهل السنة أن القرآن كلام الله تكلم به تعالى حقيقة، وإذا كان كلام الله فهو غير مخلوق؛ لأن الكلام صفة المتكلم، فإذا كان المتكلم غير مخلوق صار الكلام غير مخلوق.

    (منزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، فخرج بقوله (على محمد) التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وغيرها من الكتب التي أرسلت بها الرسل، فإنها لا يطلق عليها قرآن، وإنما يطلق القرآن على هذا الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

    قال: (معجز بنفسه) هذا وصف للقرآن أنه (معجز) بنفسه، معجز يعني: أنه أعجز الخلق على أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:88].

    وقوله: (بنفسه) إشارة إلى رد من قال إنه معجز بالصرفة، أي: أن الله صرف الخلق عن معارضته، ولولا صرف الله الناس عن معارضته لاستطاعوا، ولكن هذا القول ضعيف، والصحيح أن القرآن معجز بنفسه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله لأنه قرآن، لا لأن الغير مصروف عن المعارضة، والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756012155