إسلام ويب

الجانب العقائديللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد بعث الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالعلم والهدى، فدعا إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة وإخلاص التوجه له وتعليق الآمال عليه سبحانه وتعالى؛ فالتوحيد هو أصل الدين وأساسه.

    وكان من أهم ما جاء به صلى الله عليه وسلم ليغرس في نفوس الناس مكارم الأخلاق ورفيع الآداب، فقد أمر بالفضيلة والعفاف، ونهى عن الرذيلة والفساد، فالأخلاق هي عنوان مجد الأمم وسرُّ قوَّتها.

    1.   

    عظيم النعمة بإكمال الشريعة

    الحمد لله الذي منّ علينا بهذا الدين، أكمله لنا، وأتمه علينا قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] ورضيه لنا شرعةً ومنهاجاً: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]. أحمده تعالى وهو للحمد أهل، وأشكره وقد وعد الشاكرين بالزيادة والفضل، أشهد أن لا إله إلا الله، بفضله اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وبيَّن لها طريق الحق وأمرها بسلوكه، وحذَّرها من طرق الضلالة والغواية، وجاهد في الله حق جهاده فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، الذين استقاموا على سنته، ودعوا إلى ملته، ومن سار على نهجهم ولزم هديهم، ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين الحق، الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليظهره على الدين كله ويهيمن عليه، فأخرج الله به الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والإسلام، وأنقذهم من حياة الشرك والظلم والجهل والبغي، بعد أن كانت العقول مكبلةً بالجهالات والأوهام، والنفوس جامحةً إلى الظلم والبغي والوثنية ، حتى منّ الله على المؤمنين ببعثة هذا النبي الهادي الأمين، بعثه بالعلم والهدى، فدعا إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، وإخلاص العمل له، دعا إلى أن يُعلِّق الإنسان آماله بالله، وبالله وحده، فيتوجه إليه عند الدعاء، ويقصده عند طلب النفع ودفع الضر، وتفريج الكروب، وكشف الخطوب، وشفاء المرضى، وقضاء الحوائج، ولا يملك ذلك إلا الله وحده، وإذا وحد المعبود، توحدت القلوب واجتمعت الكلمة وزالت الضغائن والأحقاد.

    كما دعا عليه الصلاة والسلام إلى لزوم الكتاب والسنة، والوقوف عند ما شرعه الله ورسوله، وحذَّر أمته كل الحذر أن تزيغ عن ذلك فتهلك، أو تتبع الأهواء فتضل.

    أمة الإسلام: لقد جاء هذا الدين، بخيري الدنيا والآخرة، قاصداً مصلحة العباد في المعاش والمعاد، شاملاً لكل متطلبات الحياة إلى قيام الساعة، فمن تجرأ على التعرض له، أو النيل منه، ورميه بالقصور، والعجز عن حل المشكلات المعاصرة، فقد حاد الله عز وجل، ومن حاده سبحانه؛ فهو الذليل المهين.

    1.   

    جوانب عظيمة رعاها الإسلام

    أيها المسلمون: الجوانب التي احتواها هذا الدين كثيرة جداً، وكلها خير وحق وهدى، ولكن هناك جانبان عظيمان رعاهما هذا الدين حق الرعاية، وأكثر من ذكرهما في الكتاب والسنة، ولأهميتهما الكبرى، وعظم تساهل الناس فيهما في هذا الزمن، لطول الأمد، وقسوة القلوب، والبعد عن آثار السلف الصالح؛ لزم الحديث عنهما، والترغيب فيهما، ألا وهما: الجانب العقدي، والجانب الأخلاقي.

    التوحيد أصل الدين وأساسه

    أما الأول: فلا يرتاب مسلم أنه أصل الدين وأساسه، وأنه أول دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وكفى بذلك عنايةً به ورعايةً له، فيجب على المسلم الناصح لنفسه المبتغي نجاتها وسلامتها من عذاب الله، أن يلتزم في هذا الجانب منهج سلف هذه الأمة، أهل السنة والجماعة ، إمامهم في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولاسيما فيما يتعلق بتوحيد العبادة، وتوحيد الأسماء والصفات، فيفرد الله بالعبادة بجميع أنواعها، ويحذر أن يشرك معه غيره، كائناً من كان، فإذا كان الملائكة والأنبياء والصالحون لا يستطيعون دفع ضرٍ أو جلب نفع، فأين عقول الناس، الذين علقوا آمالهم بالجمادات، والتمسوا منها جلب الخير ودفع الشر؟

    إنه لمن الغريب حقاً، أن تعبث الأوهام والخيالات بعقول الناس إلى هذا الحد، في عصور الحضارة والتقدم العلمي.

    وإنه لمن المؤسف جداً، أن أعداء الإسلام قد تمكَّنوا من صرف كثيرٍ من الناس، عن جوهر الإسلام وصفائه ونقائه، وإشغالهم بالأمور الوهمية، والأشياء الخيالية، والشكليات الجاهلية.

    أما ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، فالواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، مما دل عليه الكتاب والسنة، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييفٍ ولا تمثيل ، عملاً بقوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

    كما يجب على المسلمين، أن يحققوا الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يقفوا عند حدود الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحذروا كل الحذر من الغلو والزيادة والجفاء والتقصير، فكل خيرٍ وهدى في اتباع النبي المصطفى، وكل شرٍ وبلاء في تنكب طريقه، والعدول عن نهجه، ولا يزال الناس بخيرٍ ما تمسكوا بالسنة، وابتعدوا عن الأمور المحدثة، لا سيما في أمور العقائد والعبادات؛ لأنها توقيفية، لا تخضع لمستحسنات عقول البشر وأهوائهم، ولا يحتج فيها بأفعال الناس وعاداتهم المخالفة للكتاب والسنة.

    ولذا فلا يجوز لأحد أن يخصص شهراً من الشهور، أو ليلة من الليالي، أو يوماً من الأيام بعملٍ شرعي، أو عبادةٍ من العبادات، إلا ما خصَّه الشرع المطهر، وميَّزه الدين الحنيف.

    التمسك بالأخلاق الحميدة

    أمة الإسلام! أما الجانب الأخلاقي! فلا يخفى على كل مسلم أن الإسلام رعى الأخلاق الحميدة والسجايا الكريمة، والصفات الحسنة، كما رعى الفضيلة والعفاف والطهر، وحذَّر من الرذيلة والفساد، وتدهور الأخلاق.

    والأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، وسر قوتها ونهضتها، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقل: عليها السلام، وعلى الحياة العفاء.

    وإن المتأمل في حياة الناس اليوم يجد أن الأخلاق الفاضلة قد أفل نجمها أو أوشك، نتيجة السيل الجارف من عوامل نشر الرذيلة في مجتمعات المسلمين، فالزخم الهائل من المجلات المنحرفة، والأفلام الفاسدة التي تضرب على وتر الجنس، وإثارة الشهوة، ولا سيما في نفوس الشباب من الجنسين، حتى وقع كثيرٌ منهم فيما حرم الله عز وجل، وحدّث ولا حرج عن المعاكسات الهاتفية، وحدّث ولا حرج عما يدور ويعرض في المحاكم الشرعية وغيرها من الجرائم الخلقية التي يقع فيها من لا خلاق لهم.

    نسأل الله عز وجل أن يوفقنا للخير، ويجنبنا أسباب الشر والمعاصي، إنه جوادٌ كريم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    التمسك بالدين مصدر العزة والقوة

    الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه.

    أما بعد:

    أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى، وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وتمسكوا بدينكم مصدر العزة والقوة والغلبة، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي: هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور: محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلاله، وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبي الرحمة والهدى؛ كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين!

    اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، من اليهود وأشياعهم، ومن الملحدين والوثنيين يا رب العالمين! اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا لما يرضيك، اللهم وفقه لما يرضيك، اللهم اجعله هادياً مهدياً، اللهم أدم عليه التوفيق والنعمة يا رب العالمين! اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

    اللهم مُنّ على المسلمين في كل مكان بصلاح أحوالهم، وصلاح قادتهم وعلمائهم، وشبابهم ونسائهم يا رب العالمين! اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756434111