إسلام ويب

نصيحة للشبابللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأموات صنفان: صنف يموت على طاعة الله ويختم له بخاتمة حسنة، وصنف آخر يموت على معصية لله ويختم له بخاتمة سيئة. وفي هذا الدرس نقرأ تصوراً للرحلة التي سيرحلها كل إنسان وجد على هذه الأرض (رحلة الدار الآخرة). وهناك نصيحة موجهة لكل مسلم رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.

    1.   

    الفرق بين الخاتمة الحسنة والخاتمة السيئة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    ثم أما بعد:

    حقٌ على النصيحة ألا تكون طويلة، فإن شاء الله لن نطيل في الكلام إلا إن احتجت إلى بعض القصص والمواقف، فنستسمح منكم -أيها الإخوة- أن نستقطع من وقتكم الثمين هذه الدقائق.

    قصتان ختم لصاحبيهما بسوء

    ثلاثة شباب لا يعرفون من الدنيا إلا اللعب، واللهو، والطرب، والأغاني، والنساء، ذهبوا إلى مكانٍ يستمتعون مع النساء.. تخيل ماذا يفعلون؟! فلما جاء الليل قال أحد الثلاثة: سوف أذهب لآتي بالعشاء فذهب، فبقي اثنان، فتأخر الرجل، فانتظرا فلم يأتِ، فقال أحدهما: سوف أذهب لأنظر ما الذي أخره، فخرج بسيارته وفي أثناء الطريق رأى سيارة تحترق، فتوقف، ثم نزل يبحث داخل السيارة فإذا صاحبه يحترق، أخرجه بسرعة ونظر إليه وهو يصرخ ويقول: النار، النار، النار، يقول: أخذته في السيارة ولا زال يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول: فأسرعت بالسيارة إلى المستشفى وأنا أنظر إليه، فتخنقني العبرة، فتوقفت ليلفظ أنفاسه الأخيرة، نظرت إليه فإذا به يريد أن يتكلم، فكان يردد ويقول: ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟ فقلت له: من هو؟ يقول: فخرج بصوتٍ كأنه من بئر فقال: الله، الله، ثم خرجت روحه، فبكى صاحبه يقول: وكانت بدايتي للهداية إلى هذا الطريق.. طريق الاستقامة.

    استمع إلى موقفٍ آخر:

    رجلٌ من أهل الخليج، كبيرٌ في السن، لا يعرف من الدنيا إلا الخمور، سافر إلى دولة غربية، دخل في غرفة الفندق، وأغلق على نفسه الباب بعد أن جمعت الغرفة زجاجات الخمور، فأخذ يشرب ويشرب حتى أحس بالغثيان، دخل -أجلكم الله- في دورة المياه ليرجع ما شربه، انتظره أهل الفندق يوماً أو يومين أو ثلاثة فلم يخرج من غرفته، طرقوا عليه الباب فلم يجب، ثم كسروا عليه الباب وفتحوا فإذا برأسه في مكان المجاري، وقد زهقت روحه قبل ثلاثة أيام.

    قصة ثالثة:

    قصة صحابيين ختم لهما بخير

    استمع -عبد الله- قبل أن أبدأ بالنصيحة، إلى بلال بن رباح مؤذن رسول الله، تحضره الوفاة.. أتدري ماذا قال قبلها؟

    غداً نلقى الأحبة      محمداً وصحبه

    ثم نطق بالشهادة وخرجت روحه.

    حرام بن ملحان، يضرب بخنجرٍ في صدره قبل الموت، فأخذ الدم ومسح به وجهه، ثم قال: : [الله أكبر! فزت ورب الكعبة.. الله أكبر! فزت ورب الكعبة].

    السبب في خاتمة السوء

    عبد الله: انظر إلى هؤلاء وأولئك.. أتعرف الفرق بينهما؟ الفرق أن الأول كان يريد الدنيا: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15].

    إذا قلت له: ما أمنيتك في الحياة؟

    قال: أصير لاعباً.

    وإذا قلت للآخر: ما هدفك في الدنيا؟

    قال: أصير مطرباً.

    وإذا قلت لآخر: ماذا تريد من الدنيا؟

    قال: الشهادة الدنيوية، والمال، وذاك البيت، وهذه السيارات.. وهذا ماذا يريد؟ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15] حتى يصير مطرباً وصورته في الجرائد، أو لاعب كرة ويعطى أعلى الجوائز، أو يصبح له أعلى الشهادات وأكثر الأموال، ويركب أفخم السيارات، ثم ماذا؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:16].

    والشاب الذي تمتع في الدنيا ما بين لعبٍ ولهو، وأغانٍ وسفر، وسيارات وعاهرات.. وغيرها من الملهيات، فأتته ساعة الوفاة وهو يلعب، أو وهو نائم، أو وهو يضحك أو يلهو، أو في السيارة، وتذكر صاحباً لك، جيء بخبره أتذكر فلاناً؟ نعم. كان معنا في المدرسة، أو كان يلعب معنا الكرة، أو كان يقود السيارة.

    شاب صغير توفي بحادث انقلبت به السيارة وزهقت نفسه، تخيل أنك هو! أتته ساعة الوفاة، فإذا به ينظر من هذا؟ إنه ملك الموت، ما الذي أمامه؟ إنهم ملائكة، مد البصر، لقد خاف وارتعد، واضطرب وصرخ، وبدأ ملك الموت يجر الروح، من شدة الخوف لا تخرج الروح، إنما تتوزع في الجسد، وملك الموت ينزع الروح وهي تثبت، حتى تتقطع العروق والمفاصل، فلو رأيت حاله في تلك اللحظة لرأيته يصيح ويبكي، بل لعله كان رجلاً شجاعاً، فتراه ينتفض.. ما باله؟ إن ملك الموت ينتزع روحه وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً [النازعات:1] يبكي وينظر من حوله، إما أن يكونوا أصحابه حملوه إلى المستشفى، أو لعل أمه تبكي، أو لعل أباه قد أتى بالطبيب، أو لعل الإخوة ينظرون إلى حاله، وهذا تدمع حاله، وهذا يبكي، وذلك ينوح، ومن حوله في وادٍ وهو في وادٍ آخر.

    كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [القيامة:26]* وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] ينظر إليهم فأتوا بالراقين وبالطبيب وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [القيامة:28] أتعرف من يفارق؟

    إنه يفارق المدرسة والصحبة والكرة.. مسكين! يفارق السيارة والفتاة التي كان يعشقها.. إنه فارق الدنيا وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [القيامة:28] غسل وإذا به في الكفن ووضعت رجله مع الرجل الأخرى وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة:29] ويلها أين تذهبون بها؟ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:30] إلى الآن لقد ضيع حياته فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32] كان في الدنيا إن صلى فلأجل إخوانه وأصحابه، فإذا اختلى بنفسه لا صدق ولا صلى؛ بل لعله يرائي الناس، إن رأوه صلى، وإن لم يره أحد لم يصلِّ، لا يعرف من الدنيا إلا المرأة والضحك واللعب والكرة والسيارة.

    1.   

    حال العاصي بعد الموت

    القبر.. عذابه وظلمته

    هنا قصة ذاك الرجل وتخيل -عبد الله- نفسك وأنت تمر في تلك القصة!

    إذا به يفتح عينيه في حفرة ضيقة، لا يسمع فيها صوتاً، ولا يرى فيها أحداً، بل لا يستطيع أن يلتفت يمنة أو يسرة.

    فإذا به يرى ملكين أسودين أزرقين يجلسان عليه.. تسألني كيف يجلس والحفرة ضيقة؟! نقول: هذا من علم الغيب، يجلس عليه ثم يسأله وهو يسمع فوقه أناسٌ يمشون، يسمع قرع نعالهم.. من هم؟ أبوه.. أخوه.. أولاد عمومته.. أصحابه.. أحب الناس إليه من رمى على وجهه التراب، فارقوه وبعضهم يعزي بعضاً.

    من ربك؟

    فيقول: هاه هاه لا أدري، كان يدري لكنه نسي.

    ما دينك؟

    هاه هاه لا أدري، نسي في تلك اللحظة.. الجو مخيف، والملكان ينتهرانه، والسؤال فجأة.

    ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟

    هاه هاه لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون كلاماً فأقول مثلهم، لم أعرف عن سنته شيئاً، ولم يتعلق قلبي بحبه، ولم أدافع عنه في الناس، ولم أرفع ذكره، ولم أنشر هديه وسنته، هو محمدٌ رسول الله فقط مثل الناس، ثم يُقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب برأسه بمطرقة يصير فيها تراباً، لو ضرب بها جبلٌ لهده -أتتحمل؟! سل نفسك- ثم يعاد مرة أخرى فيضرب ضربة أخرى فيصيح، فيسمعه كل من حول قبره إلا الجن والإنس، ولو سمعه الجن والإنس لصعقوا وماتوا؛ لأنهم لا يتحملون ذلك الصياح.

    ثم تبدأ رحلة العذاب.. ينظر حوله؛ من أنت؟ وجهك الوجه يجيء بالشر، منتن الريح، قبيح الوجه والثياب، قال: أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمتك إلا سريعاً في معصية الله.. أتذكر؟ يا فلان! عندنا سهرة، يذهب سريعاً.. عندنا سفرة يذهب ولا يتردد.. يا فلان! سوف نذهب إلى السوق نتجول ونتمتع، فلا يتردد، سريع في معصية الله، بطئ في طاعة الله.

    فلان! هناك درس، يأتي لكنه متثاقل.. فلان! الصلاة، يتردد عشرين مرة حتى يأتي إلى الصلاة وهو كسلان، سريع في معصية الله بطئ في طاعته، فيفتح له بابٌ إلى النار، ويفرش له من النار، ويأتيه من ريحها وسمومها، ثم يقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة.

    وقوف العاصي يوم المحشر

    بعد سنوات طوال يسمع صيحة فوقه.. ما الخبر؟ ماذا يحدث؟

    إذا القبر ينشق، فيخرج من القبر، فيتذكر الحفرة المظلمة، ظل فيها مؤدباً إلى قيام الساعة.. يخرج ماذا يرى؟ السماء تنشق، والأرض تتفجر، والجبال تنسف، والبحر يحترق، والشمس ذهب ضوؤها، فيخرج ويقول: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52] يرد عليه الصالحون فيقولون: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52] يخرج من قبره، فالأرض لا تحمله.. ماذا يرى؟ قد عري جسده، ينظر إلى الصغير، فيشيب شعره من شدة الخوف، تأتيه أمه ينظر إليها وقد شاب شعرها، ورق جلدها وعظمها، تأتيه فتقول: يا بني! لقد كان بطني لك وعاءً، وثديي لك سقاءً، وسهرت على راحتك، يا بني -تخيل أمك- يا بني! حسنة أتقرب بها إلى الله، فيرد عليها: يا أماه! إليك عني، إليك عني، أنا أحوج عنك بتلك الحسنة يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36] أتعرف لمَ يا أخي العزيز؟ لمَ أيها الشاب؟ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37] يخرجون من قبورهم يموج بعضهم في بعض كأنهم جرادٌ منتشر، الطفل الصغير يشيب شعره، والسماء تتفطر.

    عبد الله! تخيل في ذلك الموقف كيف يكون حالك، وماذا تتذكر؟ هذا المجلس تتذكره في تلك اللحظة.. تتذكر عبداً صالحاً كان يأتيك ويطرق عليك الباب ويقول لك: يا عبد الله.. يا فلان! تعال معنا المسجد، فتقول: إن شاء الله، إن شاء الله، وترجع إلى البيت وتنام.

    وتتذكر أنه كان يأتيك عبدٌ صالح فيقول لك في الفصل: فلان! استمع إلى هذا الشريط لعل الله أن ينفعك به، فتأخذه ثم ترمي به.

    وتتذكر أنه كان يأتيك فلان فيقول لك: اتق الله يا فلان! لا يجوز لك هذا الفعل، فتولي وأنت تضحك عليه، تتذكر تلك اللحظات، ثم بعد ذلك يقفون خمسين ألف سنة، والشمس على رءوسهم قدر ميل وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].

    مجيء جهنم وبدء الحساب

    في أرض المحشر إذا بك ترى وتسمع صوتاً من مكان بعيد.. إنه صوت جهنم إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان:12] تخيل الناس على المحشر كلهم يخرون على الركب إذا رأوا جهنم، حتى الأنبياء والصالحون يخرون على الركب وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثية:28] أتعرف ماذا يفعلون؟ يقولون: اللهم سلم سلم.. اللهم سلم سلم.. حتى الطفل الصغير يشيب شعره بلا ذنب.

    عبد الله! أتعرف ماذا يحصل لك في تلك اللحظة؟ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23] وأنت لوحدك يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] تتذكر كل سهرة.. كل فتاة نظرت إليها.. كل أغنية استمعت إليها.. كل صلاة فوتها.. كل كذبة كذبتها.. كل كلمة عققت بها الوالد أو الوالدة، تتذكر كل لحظة من لحظات حياتك، مثل الشريط يمر: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23]* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24].

    أين فلان بن فلان؟ بدأ الحساب، وبدأت الحياة الأخيرة، وبدأ الجزاء والمصير.. أين فلان بن فلان؟ يرتعد الجسم، وتضطرب الجوارح، وتبلغ القلوب الحناجر من شدة الخوف.

    إذاً: الملائكة تجره إلى الرحمن.. إلى العزيز الجبار يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] يقفون بين يدي العزيز الجبار، يقول له: عبدي -والله سريع الحساب- تخيل نفسك بين يديه، تذكر فلان الذي ذهب من الدنيا لعله بدأ ذلك المصير وأنت لا تشعر.

    عبدي! أتذكر ذنب كذا؟

    عبدي! أتذكر تلك اللحظة؟ أتذكر عبادي الصالحين؟

    عبدي! أتذكر تلك الليلة عندما ذهبت إلى فلان وفلان؟ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6].

    عبدي! ألم أصح لك الجسد؟ ألم أعطك من المال والصحة والوقت؟

    عبدي! ألم تعرف أني قد افترضت خمس صلوات؟ أين أنت عنها؟

    عبدي! أما حرمت عليك النظر إلى النساء الأجنبيات؟

    عبدي! ألم تعلم أني حرمت عليك الأغاني؟

    عبدي! ألم تعلم أني حرمت عليك كذا وكذا؟

    عبدي! أتذكر تلك السفرة؟ أتذكر تلك الرحلة؟ تذكر ذلك اللعب والمؤذن يؤذن.

    عبدي! أتذكر.. أتذكر؟ لحظة لحظة، من أول الحياة إلى آخرها.

    يقول: يا رب! ما فعلت شيئاً، فتأتي الملائكة الشهود، ويأتي الصالحون يشهدون، ويأتي الدعاة إلى الله يقولون: يا رب! دعيناه فما استجاب! فيأتي ذلك الذي نصحهم في مجلس يقول: يا رب! جلست أمامه أذكره بالموت وبيوم القيامة فما انتصح! يا رب! طرقت عليه الباب ليصلي فما صلى فيقول: يا رب! لا أقبل شاهداً إلا من نفسي، هؤلاء لا أقبلهم شهوداً، فيقول الله: لك ذلك، لا يشهد عليك إلا نفسك، فإذا بالفم يختم عليه.. اليد تتكلم، والرجل تنطق، كلٌ منها يقول: يا رب! فتح التلفاز في تلك الليلة، اليد تتكلم: يا رب! بطش، يا رب! لمس، يا رب! كتب الرسالة تلك، يا رب! رفع الهاتف في ذلك اليوم وقال كذا وكذا.

    الرجل تتكلم: يا رب ذهب إلى ذلك المكان، ذهب مع فلان وفلانة: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65] بعدها تنطق الجلود، فيصيح صيحة وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] بعداً لكنَّ وسحقاً، عنكنَّ كنت أناضل حتى لا تحترق الجلود، ثم ينظر الله إليه، فيقول له: عبدي! ما غرك بي؟ عبدي من الذي جرأك علي؟ فينكس رأسه، ثم يقول: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا [السجدة:12].

    يا رب! عقلنا، يا رب! عرفنا الحق، يا رب! الآن أبصرنا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [السجدة:12] ماذا تريد؟ فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] يا رب! أرجعني إلى الدنيا أصلي.. أصوم.. أسجد.. أركع.. أذكر الله.. أقرأ القرآن.. الآن لا تنفعك تلك الكلمات.

    ما يرى في النار من أهوال

    اسمع النتيجة النهائية، التي ليست بعدها نتيجة خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30] تأتي الملائكة وتربطه بسلسلة، كل حلقة مثل حديد الدنيا كلها، حجم هذه السلسلة سبعون ذراعاً من أذرعة الملائكة، تدخل في منخره، فتخرج من دبره ويربط بها، ثم يجر على وجهه إلى النار، فتستقبله الملائكة عند النار، والنار يتطاير منها الشرر، والشرارة الواحدة بحجم القصر.. تستقبله الملائكة أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8] هل جاءكم فلان ونصحكم؟ هل استمعت إلى شريط يذكرك؟ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الملك:8-9] ثم يدخلون إلى جهنم يدفعون فيها دفعاً.

    ينظرون فيها، وأول ما يدخل يرى النار سوداء مظلمة، حرارتها أشد من سبعين ضعفاً من حرارة نار الدنيا، وأول ما يدخل يرى أصحابه الذين كانوا في الدنيا قد سبقوه إليها.. من أنتم؟ أنت فلان؟ نعم، لا مرحباً بك، فيرد عليه فيقول: وأنت لا مرحباً بك.. أتعرف من هم؟ الصاحبان في الدنيا، اللذان كانا يسافران إلى دول الزنا والخنا.. اللذان كانا يكلمان تلك الفتاة، ويلعبان الكرة وقت الأذان والصلاة.

    يقول: يا رب! هذا الذي قدم لي هذا.. يا رب! هذا الذي أضلني ودعاني إلى هذه النار، قال الله عز وجل عنهم: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً [الأعراف:38] الأصحاب والأخلاء والزملاء في الدنيا اجتمعوا في النار قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا [الأعراف:38] يا رب! هذا الذي ضحك علي.. يا رب! كنت أريد أن أهتدي وأكون مع الصالحين.. مع الملتزمين، وكان يقول لي: لا يا فلان! تعال نلعب، ضحكوا عليك؟ خدعوك؟ غشوك؟ تعال نلعب الكرة، تعال نتمتع، الحمد لله أنت مسلم، تعال يا فلان تمتع قليلاً ثم تب إلى الله، يا فلان! عندنا سهرة، وعندنا اللعب والأغاني والطرب، يا فلان! لا يضحكون عليك: رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38] يرد الله عليهم: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38].

    لن أسرف في ذكر صفات النار، لكن يكفيك -أيها الأخ- ما تسمع من تلك الكلمات.

    أتعرف على ماذا ينامون في النار؟ على النار.

    أتعرف بم يلتحفون؟ بلحاف من نار.

    أتعرف ماذا يأكلون؟ طعاماً من نار.

    أتعرف بم يستظلون؟ بظلل من نار.

    عبد الله: يجوع أهل النار فيأكلون طعاماً ذا غصة -طعاماً شوك من شدة الجوع- فإذا أكلوه غص في الحلوق، لا يستطيع أن يخرجه ولا يبتلعه، فيستغيث بالماء.. يا رب! ماء.. ماء.. ماء، فيعطون ماء؛ لكنه وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف:29] يقترب من الماء ليشرب من شدة العطش والجوع، فعندما يقترب من الماء تسقط فروة رأسه ويحترق وجهه، قبل أن يشرب وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29].

    عبد الله! وهو يشرب الماء، هل نفعته تلك المرأة؟ أم شريط الأغاني؟ أم المطرب الذي كان قدوته؟ أم الفيلم والمسلسل الذي كان يراه كل ليلة؟ هل نفعه الآن؟! أم نفعه فلان الذي كان يلعب معه الكرة، وكان يضحك عليه في الدنيا.. هل نفعه فلان؟! لا والله.

    عبد الله! إن النار تحرق جلودهم حتى تُصلي الأفئدة كَلَّا إِنَّهَا لَظَى [المعارج:15]* نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:16] أي: تنفصل الجلود عن اللحم عن العظم، فيخرج منها الصديد والقيح.

    أتعرف حين يرى أهل النار القيح ماذا يفعلون؟

    يركضون إلى ذلك القيح يجمعونه فيأكلونه يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:17] هل تتحمل عبد الله؟ هل ينفع فلاناً سبعين أو ثمانين سنة من اللعب واللهو والطرب؟

    1.   

    مصير الصالحين في الآخرة

    عبد الله! أتعرف الصالحون أين هم في تلك اللحظات؟

    إنهم على أنهارٍ من لبن، وخمر، وأنهارٍ من ماءٍ وعسل.. أتعرف ماذا يظللهم؟ إنه سقف عرش الرحمن، يمشون على الزبرجد والياقوت واللؤلؤ والزعفران والمسك، ويسكنون في خيام من لؤلؤ طولها ستون ميلاً، قصورهم ذهبٌ وفضة، ومع الحور العين (لو اطلعت واحدة إلى الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض، ولملأته ريحاً، ولنصيفها -خمار على رأسها- خير من الدنيا وما فيها) يتكئون على سرر مرفوعة على الأرائك ينظرون.

    يجتمعون في الجنة، فيقول أحدهم للآخر: كان لي صاحبٌ في الدنيا.. قرين.. زميل لا أراه في الجنة معنا، كان دائماً إذا أردت التوبة قال: يا فلان! ما زلت صغيراً.

    إذا أردت الصلاة، قال لي: يا فلان! تعال هنا فيلم.. كان إذا أردت الهداية مع الصالحين ردني وصدني لكني لم أستجب له، فما أراه في الجنة الآن، وهم يجلسون في الجنة يتسامرون، لحظة فإذا بهم تنكشف لهم النار، فإذا به يرى صاحبه يحترق في قعر جهنم قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51] زميل، صاحب.. تعرف ماذا كان يقول؟ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52] أنت صادق في كلامك هذا، تصلي وتصوم وتزكي وتتصدق وتقرأ القرآن وتحضر الدروس.. يا مسكين! تعال العب معنا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] حتى نموت سنوات طويلة، دعنا نفرح الآن، فإذا به ينظر إلى صاحبه وهو يحترق في النار، كل يرى صاحبه.. من في قعر جهنم ينظر إلى صاحبه وهو في الجنة، ومن في الجنة ينظر إلى صاحبه وهو في قعر جهنم قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:54-55] فيكلم صاحبه.. نعم صاحبك! الذي كان يردك عن الهداية وعن الصلاة.. نعم! تكلمه إذا أدخلك الله الجنة وأدخله النار- يقول له: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] كدت ترديني معك في نار جهنم: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] لولا نعمة الله لكنت معك في النار الآن، ثم يلتفت إلى أصحابه في الجنة، فيقول لهم: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:58-61].

    1.   

    الاستعداد ليوم المعاد

    أيها الشباب: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ.. لمثل تلك اللحظات.. لمثل ذلك الموقف وأنت على فراش الموت.. لمثل ذلك السؤال للملكين في القبر.. لمثل وقوفك بين يدي الله.. لمثل المكوث في النار أو في الجنة.

    عبد الله! ليعمل العاملون، حاسب نفسك من الآن ماذا قدمت وماذا أخرت؟ ماذا لو وقفت الآن بين يدي الله وقد ختم عليك الله عز وجل في تلك اللحظة؟

    تخيل! هل أنت مستعد للإجابة على كل سؤال؟ هل تبت من كل الذنوب والمعاصي؟ هل أرجعت كل الحقوق إلى أهلها؟ هل أنت ملتزم بالواجبات والفرائض، أم أنك ضيعتها؟

    تعرف لمَ؟ لأنك تقول: فلان وفلان، كل الناس مثلي وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].

    عبد الله! حاسب نفسك حساباً جاداً وصادقاً وصريحاً، أتعرف ما المخلَص؟ أتعرف ما الحل؟ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53] بالكذب.. بالسخرية.. بالفحش.. مع النساء.. في الطرب.. في الملاعب.. ترك للصلوات.. أتعرف ما الحل؟ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    أولاً: اندم على فعلك السابق كله، إذا لم تنفعك هذه المواعظ فماذا ينفعك؟

    إذا كانت هذه الآيات التي قرأناها ما أثرت في قلبك فما الذي سوف يؤثر فيك؟

    عبد الله! ادع الله أن يحيي قلبك إن لم يتأثر، واندم.

    ثانياً: اترك جميع الذنوب والمعاصي، لا تقل: أستغفر وأنت لا زلت محتفظاً بالأرقام، أو بالصور، أو بالرسائل، أو بالمجلات، أو بالأفلام، احرقها كلها، وأقلع، فإن الله -الآن- يطلع عليك، هل أنت صادق عازم أو لست بعازم؟

    ثالثاً: اعزم من قلبك ألا ترجع إليها، فكلما رجعت فتب.

    رابعاً: اترك أصحابك الذين يثبطونك، إذا أردت التوبة فاترك جميع أصحاب السوء، وتعال إلى أصحاب الخير والصلاح، وسلم عليهم، وصافحهم، وأخبرهم بصدق، وقل لهم: لقد أسرفت في الذنوب والمعاصي، فهل لي من توبة؟ هل لي أن أحضر مجالسكم، ودروسكم؟ لا يصدنك فلان فيضحك عليك فترجع، لا يضحك عليك فلان فيقول: يا فلان! لا تتعقد فترجع، لا يستهزئ عليك فلان فترجع.

    عبد الله: كن صابراً صادقاً، بعد هذا المجلس ائت إلى إخوانك الصالحين فسلِّم عليهم، وقل: أنا جليسكم حتى الموت، أين تذهبون؟ أين تجلسون؟ ماذا تعملون؟ اعطوني من الأشرطة فسوف أسمع، ومن الكتب فسوف أقرأ.

    كيف أتوب إلى الله؟ كيف أترك أصحابي السابقين؟ اجلس معهم وكن صادقاً مع الله، وكن عازماً على التوبة، فإن رجعت مرة أخرى فاعلم أن الله غفور رحيم، وارجع مرة أخرى إلى التوبة.

    عبد الله: هذه نصيحة، أسأل الله عز وجل أن يجمعنا في مستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755791350