إسلام ويب

اليوم الآخر وأقوال الكافرينللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الموت هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، يأتي بغتة فيدرك الإنسان على أحد حالين: إما طائع لربه منهمك في هذه الطاعة، أو على معصية وسهو وغفلة، وحين تبدأ مشاهد الآخرة لا يستوي هذا وذاك، فشتان بين المسلمين والمجرمين. وهنا عرضٌ لمصير الروح الخبيثة، ورحلتها من الدنيا ومعاصيها، مروراً بالقبر والبرزخ، حتى الوقوف بين يدي الله، ولكل مرحلة عذابها الخاص. وتختتم هذه المادة -بعد بيان بعض أوصاف النار- بدعوة إلى التوبة وبيان لشروطها.

    1.   

    اليوم الآخر وكيف يستعد الناس له

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه.

    أما بعد:

    اليوم الآخر كلمة طويلة عريضة، من اسمه يتبين أنه لا يوم بعده، وتبدأ أول مشاهد هذا اليوم بحادثة مثل هذه الحوادث، فاستمع إليها يرحمك الله.

    قد يبدأ هذا الرجل يومه وهو على الفراش طريحاً، وقد أحس بالروح تخرج، ولعله بدأ يحس بالنزع، وهذا هو النزع الأخير، ولربما تكون زوجته بجنبه وأولاده عنده، ولربما بكت البنت وسقطت على حضنه فقالت: أبي! ما لك لا تجيب؟!

    ولعل زوجته تنوح! وأبوه ينادي بالطبيب! وأخوه يناديه! ولعل الطبيب قد جاء وحاول أن يرجع الروح إلى صاحبها؛ ولكن، كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [القيامة:26-28] أي: تيقن أنه الفراق، فراق المنصب، فراق الدنيا، فراق السيارة، فراق الزوجة، فراق الأهل، فراق الأولاد والأحباب، فراق البيت والأثاث، فراق الأصحاب، فراق الدنيا بمن فيها.

    وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [القيامة:28] ثم لما مات وخرجت الروح من صاحبها ومن الجسد حُمِل على الأكتاف ولُفَّ في الكفن: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة:29] إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:30] هنا تبدأ أول مشاهد اليوم الآخر، ولعل هذه ميتة حسنة.

    نموذج للخاتمة السيئة

    اسمع إلى تلك الميتة التي بدأ فيها ذلك الإنسان يومه الآخر بأسوأ ما يكون، واسمع إليها وما ندري كيف تكون نهايتنا!

    هذا رجل أجلكم الله كان في هذه البلاد لا يحصل على ما يريد، سافر إلى دولة إباحية تعطيه كل ما يشتهي؛ فذهب إلى أحد الفنادق، فحجز له غرفة، ثم طلب زجاجات الخمر أم الخبائث والفواحش، الخمر الرجس النجس، ذلك المشروب الذي حرمه الله جل وعلا.

    فطلب تلك الزجاجات فأخذ يشرب ثم يشرب ثم يشرب بعد حرمان طويل، حتى جاء غرفة دورة المياه -أجلكم الله- ليخرج ما شربه بعد أن أحس بالغثيان والإعياء، وبعد يومين أو ثلاثة طرقوا عليه الباب فلم يفتح، كسروا عليه الباب وفتحوا، فإذا رأسه -أجلكم الله- في مصرف المجاري، وقد زهقت نفسه قبل ثلاثة أيام، وأنتن جسده، ورأسه في مصرف المجاري، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْت [المؤمنون:100] يا رب، يا رب ساعة فقط، يا رب ساعتين فقط، أصلي جميع الصلوات التي فاتت، أُرْجِع الأموال التي أخذتها من الناس ظلماً إلى أهلها، أتوب من جميع الذنوب والمعاصي، يا رب ساعة واحدة فقط، فيرد الله عليه: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ [المؤمنون:100] يعني: كلمة يقولها دائماً طول عمره؛ لكنه كاذب فيها، يذكر هذا الرجل لما أصيب بمصيبة بكى فقال: يا رب لئن كشفت هذه المصيبة لأتوبن ولأصلين ولألتزمن بدينك، لكن لما انكشفت المصيبة رجع كما كان، أراد أن يُفْضَح، رجع إلى ربه وتوسل إليه: يا رب يا رب! لئن سترت علي لأفعلن وأفعلن، ستر الله عليه فرجع إلى حاله السابق، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].

    نموذج للخاتمة الحسنة

    رجل أصيب بمرض شديد، فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا له: يا أبتاه! أنت رجل مريض وقد عذرك الله، صلِّ في البيت، قال: لا إله إلا الله، أسمع حيَّ على الصلاة.. حيَّ على الفلاح ولا أجيب! احملوني إلى المسجد، فحملوه إلى بيت الله جل وعلا وهو رجل كبير في السن، وأوقف في الصف، فلما كان في السجدة الأخيرة قاموا من الصلاة فِإذا نفسه قد فاضت إلى بارئها، وقد ختم الله له جل وعلا بسجود بين يديه، هل يستوي هذا وذاك أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم:35] مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:154] هل يجعل الله ذلك الذي يُبعث وهو ساجد، وذلك الذي يُبعث وهو مُلَبٍّ، وذلك الذي يُبعث وهو صائم، وذلك الذي يُبعث وهو يطيع ربه يقرأ القرآن، هو والذي يُبعث هو بين يديها، أو عند فرجها أجلكم الله، أو يُبعث وهو سكران يشرب الخمر، أو يُبعث وهو تارك للصلاة، هل يستوي هذا وذاك؟!

    أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28] نعم. هم في الدنيا سواء؛ هذا على كرسي بجنب هذا، ويحصل على المال مثل هذا، نعم: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] ولكن اليوم الآخر هو الفصل هو الموعد وهو الذي يفرق الله فيه بين الناس.

    1.   

    مصير الروح الخبيثة

    يبدأ ذلك اليوم كما أخبرناكم بذلك المشهد الكئيب، ولعله يكون ما يتدارك نفسه بحادث سيارة، ولعله يكون وهو نائم مسكين ولا يشعر، ينام فإذا هي النومة الأخيرة لا يستيقظ بعدها، ما أدرك نفسه وما تداركها، وكان دائماً يقال له: تب يا فلان! استقم يا فلان! صل، الصلاة عمود الإسلام، يقول: إن شاء الله من الغد، إن شاء الله من رمضان القادم.. بعد رمضان، إن شاء الله من الحج، بعد الحج إن شاء الله، بعد الزواج إن شاء الله، لما أفعل وأفعل، فإذا به لا يتدارك نفسه إلا وملك الموت عند رأسه، فيقول لها والناس من حولها يبكون: يا أيتها النفس الخبيثة؛ اخرجي إلى سخط من الله وغضب.

    كيف تخرج؟! الروح تتفرق في الجسد ولا تستطيع الخروج، لا تتحمل الخروج، كيف تخرج إلى سخط من الله وغضب؟! فيبدأ ملك الموت ينزع: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً [النازعات:1-2] تنشط الروح وتتوزع في الجسد، وملك الموت ينزع كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، تعرف كيف ينزع الروح؟ ينزعها بقوة حتى تتقطع العروق والمفاصل، ألم ترَ رجلاً يحتضر؟ ألم تر بعضهم كيف يصرخ؟ ألم تسمع بهم كيف ينوحون؟ إن بعضهم يتغير لون وجهه، يزرقُّ وتزرقُّ عينه من شدة الألم والتعب، لا إله إلا الله! إن للموت لسكرات لا يشعر الإنسان عندها بمن حوله.

    ينزع تلك الروح؛ فإذا نزعت كانت كأنتن ريح وجدت على وجه هذه الأرض، رائحة والله لو شمها من حوله لما استطاع أن يقف بجانبه، كأنتن ريح جيفة على وجه الأرض، أين ذلك الوجه الجميل؟! أين تلك الرائحة العطرة؟! أين ذلك الشكل الحسن؟! كأنتن ريح جيفة على وجه الأرض، يحملها ملك الموت، أتعرف أخي الكريم أن هذا الرجل وهو على الفراش يرى ملائكةً مد البصر؟ يرى وجوه ملائكة العذاب مد بصره قبل أن تخرج الروح، عرف المصير، وعرف أين هو المستقر، يأخذ الملائكة الروح كل ملك يدفعها إلى مَن بعده؛ لا يريد أحدهم أن يوصلها إلى السماء، فلما تأتي إلى السماء الدنيا، تسألهم ملائكة السماء: روحُ مَن هذه الخبيثة فيقولون: روح فلان بن فلان بأقبح اسم له على وجه الأرض، ثم لا تفتح لهم أبواب السماء: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [الأعراف:40] نعوذ بالله.

    أخي الـكريم! سل الله العافية، إذا لم تفتح لك أبواب السماء فإنه لا جنة بعدها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [الأعراف:40] أين يذهب بها؟ تقذف من السماء إلى الأرض، والأمر حقيقة لا جدال فيها إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:13-14] لا تتحمل أن تسقط من أعلى بناية، فكيف لو تسقط من السماء الدنيا، تطرح روحه إلى الأرض طرحاً.. تقذف من السماء.

    عبد الله أتعرف أين تأتي هذه الروح؟ تأتي وقد حملت على الأكتاف وهي تصيح وتقول لمن يحملها على الأكتاف: يا ويلها! أين تذهبون بها؟! إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:30-32] ماذا يتذكر في الدنيا؟! لياليه أين قضاها؟! أيامه هل كان يستيقظ على صلاة الفجر أم على ذكرها وحبها؟! هل كان يذكر بلسانه الله جل وعلا؟! أم كان في الأغاني وكان في الأفلام والمطربين والمطربات؟! ماذا كان يقرأ؟! هل كتاب الله أم المجلات الخليعة الماجنة؟! ماذا كان يسمع؟! هل ذكر الله والكلام العطر والطيب النزيه، أم كان يسمع ويتكلم في أعراض الناس وكان يتكلم بالفحش والبذاءة؟!

    فتنة القبر والسؤال فيه

    عبد الله! هو على الأكتاف الآن محمول، فما أن توضع روحه في تلك الحفرة المظلمة الضيقة التي لا يستطيع أحدنا أن يتحمل منظرها إلا وعينه قد فتحت، وزال القطن من على عينيه، وأصبح يسمع الناس فوق القبر، قد دفنوه ولربما يرشون الماء الآن على قبره، ولربما الآن كل واحد منهم يعزي جاره وأخاه، يستمع إليهم والأقدام تمشي على القبر، يستمع إلى قرع نعالهم، فيُجلس في قبره، أتعرف من يجلسه؟ ملكان أسودان أزرقان، ينتهرانه، يدفعانه ويجلسانه في تلك الحفرة الضيقة، كيف؟

    إن المؤمن الذي يؤمن بالغيب يؤمن بكل هذا، ولو حفرنا ما وجدنا هذا كله، ولكنه غيب في علم الله جل وعلا يحدث حقيقة، يُجلس فيقال له: مَن ربك؟ من شدة الخوف يقول: هاه.. هاه.. لا أدري، كان يعرفه في الدنيا لكن نسي.

    ما دينك؟ هاه.. هاه.. لا أدري.

    ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ هاه.. هاه.. لا أدري.

    ما كان يعرف شيئاً عن الإسلام، ما كان يلتزم بحدوده ولا يأتمر بأوامره، سنته عليه الصلاة والسلام كان يستهزئ بها، كيف يجيب؟! أم كيف يقول أنه هو محمد رسول الله وهو كان لا يدري عنه شيئاً؟!

    يقول: هاه.. هاه.. لا أدري.

    فيقول الملك له: هو محمد رسول الله فأجب بها فيقول: كنت أسمع الناس يقولون كلاماً فأقول مثلهم، كنت أسمع أهل المساجد، كنت أسمع أهل الدين، كنت أسمع الصالحين الذين يلتزمون على الأقل بالصلوات الخمس يقولون: هو محمد رسول الله، كنت أقول مثلهم، أما في قلبي فلا شيء، فإذا به يسمع صوت مناد ينادي: أن كذب عبدي، -نتيجة الاختبار الأول- أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيؤتى بمطرقة...

    عبد الله! الأمر حقيقة، وما ندري لعلها لحظات ويبدأ هذا اليوم، وما ندري لعلنا لا نرى الشمس تغرب علينا.

    عبد الله! فيؤتى بمطرقة يضرب بها رأسه، لو ضرب بهذه المطرقة جبل لصار تراباً، ثم يعاد الجسد مرة أخرى، ثم يضرب بالمطرقة مرة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل من حول القبر إلا الجن والإنس، ولو سمعه الجن والإنس لصعقوا، حتى جاء في الحديث: (أن حماراً أو بغلة مرت على قبر فإذا بها تحيد وتفر من القبر فأخبرهم عليه الصلاة والسلام أنها تسمع أهل القبر يعذبون) ولو سمعها الجن والإنس لما دفنوا موتاهم.

    عبد الله! يصيح صيحة يسمعه كل من حول القبر، ثم بعدها يفتح له باب إلى الجنة فيقال له: انظر إلى قصرك.. انظر إلى الأنهار.. انظر إلى الحور العين.. انظر إلى هذه الأشجار والثمار.. انظر إلى هذا النعيم.. هذا لك لو أطعت الله.. لو قضيت هذه الخمسين سنة أو الستين سنة القليلة التي لا تساوي شيئاً في طاعة الله لكان هذا لك، فيُغلق الباب، ثم يُفتح له باب إلى نار تلظى كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:15-16] أتعرف ماذا يحدث للإنسان؟! الحر يفصل اللحم عن العظم عن الجلد فكيف بنارها؟! نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى [المعارج:16-17] تدعو من يذكر بالله فيُدبر، ومن يجمع المال فيتولى، تدعوه وتناديه وتقول: هل من مزيد؟ فإذا بريح النار وإذا بسموم النار وإذا بعذاب النار يأتيه وهو في القبر.

    ثم بعدها يرى رجلاً قبيح المنظر، منتن الريح، قبيح الثياب فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، أنا ترك الصلاة، أنا فلانة التي كنت تتصل بها، أنا ذلك المنكر الذي تشربه، أنا تلك الليالي الحمراء، أنا تلك السفرات الفاضحة، أنا تلك الليالي الفاسدة، أنا هذه المعاصي التي كنت تفعلها، فوالله ما علمتك إلا بطيئاً لطاعة الله...

    فلان عندنا درس.. بطيء!

    يا فلان! تعال صلِّ، يصلي لكن ببطء، فلان نقرأ القرآن، يأتي ولكن بثقل.

    سريعاً في معصية الله.

    سمع بسفرة، بسهرة، بأغنية، بطرب، بممثلة، بداعرة يأتي بسرعة ولا يتأخر، سريعاً في معصية الله.

    إذا به ينظر إليه فيقول: رب لا تقم الساعة، رب أكون في هذا المكان في الحفرة الضيقة المظلمة مع هذا الذي هو منتن الريح والوجه، أكون معه ولا تُقِم الساعة، أتعرف لمه؟ لأن الساعة أدهى وأمر.

    حال صاحب الروح الخبيثة عند البعث

    وبعد سنين طويلة يسمع بصيحة.. ما هذه الصيحة؟ كأنه قد سمع بها من قبل، وكأنه قد وُعِد بها، إذا به يرى القبر يُفتح فوقه، ويرى الناس يخرجون من تحته فيخرج ينفُض الغبار عن جسده، أتعرف إلى أين؟ يرى السماء تنفطر، والأرض تتزلزل، والجبال تدك والبحر يحترق، والوحوش تحشر، وقَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52] فيرد عليهم الصالحون: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52] يخرج فإذا الناس يخرجون من تحته، من عهد آدم إلى آخر إنسان.. تخيل كم عددهم، بل ما شكلهم؟ كالجراد المنتشر، أما الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ [النمل:88] البحار من عظمها تُفجر وتحترق والأرض من تحته تزلزل، إلى أين يذهب؟ كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [القيامة:11-13] يقفون على أرض بيضاء عفراء -يعني: تميل إلى الحمرة- كقرطاس نقي، مستوية مستقيمة، ليس فيها علم لأحد، لا يوجد أحد مرتفع على الثاني، أتعرف ما أشكالهم؟ حفاة عراة، غرلاً غير مختونين، بل كما خلقهم الله، كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف:29] كلهم على أرض واحدة ينتظرون الحساب، وطالت المدة والشمس على الرءوس قدر ميل، ثلاثة أيام؟ أسبوع؟ مللنا الانتظار شهر؟ شهران؟ سنة؟ سنتان؟ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] خمسون ألف سنة والناس وقوف، يا مسكين! أراد الله منك خمسين أو ستين سنة، فأبيت إلا أن تقف تحت الشمس خمسين ألف سنة، عبد الله! الأمر ليس بالهزل والله ليمل الناس من أول سنة بل من أول يوم ولكنهم يقفون على الأقدام حفاة، والرءوس تصطلي بحر نار الشمس، ومع هذا يقفون خمسين ألف سنة لا مراء في هذا ولا شك، والعرق يتصبب، منهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق، تعرف ما معنى يلجمه؟ يصل عرقه إلى فمه إلى موضع اللجام من الفرس، ولا مغيث ولا نصير.

    أما الصالحون فهل تظنهم تحت الشمس؟ لا والله، الصالحون تحت ظل عرش الرحمن يقفون، ولكن كما بين صلاة الظهر والعصر فقط، ويأتيهم من الهواء البارد الكريم، يكفيك أنهم تحت ظل عرش الرحمن جل وعلا؛ في كنفه يقفون، وهؤلاء الضُّلاَّل الفسقة الفجرة الذين ما سجدت وجوههم لله جل وعلا، وما استقاموا على أمره جل وعلا تحت حر الشمس خمسين ألف سنة؟

    ثم ماذا؟ أيموتون..؟

    لو كان الموت لكان خيراً لهم، يأتي الرب جل وعلا لفصل القضاء بعد خمسين ألف سنة، فيسمعون صوتاً، ما هذا الصوت؟ إنه صوت السلاسل وصوت الأحزمة، وصوت الملائكة، بل إنه صوت جهنم تُجَر، لها سبعون ألف زمام، يجر كل زمام سبعون ألف ملك واضرب: (70.000 × 70.000) لتعرف عدد الملائكة التي تجر جهنم، يرونها من مكان بعيد بعيد جداً يرون جهنماً، إذا رأوها خر الناس كلهم، ومنهم الصالحون والأنبياء يجثون على الركب وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثية:28] حتى الأنبياء يجثون على الركب يقولون: اللهم سلِّم سلِّم، اللهم سلِّم سلِّم، يقول الله للناس: انظروا أبصروا هل هذه النار التي كنتم تظنونها هزلاً؟ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] هل هذا سحر؟ هل هذا هزل؟ هل هذا ضحك كما كنتم تضحكون في الدنيا وتلعبون؟ انظروا! الناس كلهم يجثون على الركب.

    في فانتبه -عبد الله- وتذكر هذا الكلام فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ [غافر:44] وسوف يأتي الأمر حقاً، وسوف تذكر هذا المجلس في تلك اللحظة حين يمر عليك شريط الحياة؛ تتذكر الدنيا كلها، تتذكر فلانة، وفلاناً، وتلك الليلة وذلك الفيلم، وذلك الشريط، وتتذكر يوم كنت تنام عن الصلاة، وتتذكر يوم كان يأتيك ذلك الرجل الصالح يذكرك وكنت تأبى، وينصحك وكنت تضحك، ويناديك وكنت تدبر، تتذكر هذه الأيام وتلك الليالي لحظة لحظة وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] ماذا تنفعه الذكرى؟ يبكي وينادي: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] يا ليتني قدمت لهذا اليوم! يا ليتني عملت لهذا اليوم! يا ليتني صليت على الأقل خمس صلوات في بيت الله، أنجو بها من النار! يا ليتني! ويا ليتني! ولكن وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] هذا هو يوم الحسرة يُبكَى فيه، حتى الصالحون يبكون على ساعة ما قضوها في طاعة الله، حتى الأنبياء والرسل يتحسرون على لحظة ما قضوها في طاعة الله.

    ساعة الفصل والحساب

    ثم يبدأ الفصل والحساب: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:202] يحاسب الناس جميعاً في لحظة واحدة من آدم إلى آخر البشر وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62] فينادي باسمك أين فلان بن فلان؟ وارتعدت الفرائص واضطربت الجوارح، وما عادت الرجل تحمل صاحبها، وإذا به يبكي! وإذا به يريد الفرار! وإذا به يريد النجاة! والملائكة تسوقه إلى الرب جل وعلا سوقاً، لا يستطيع أن يمشي على قدميه، فيوقف بين يدي الرب جل وعلا الذي لا تخفى عليه خافية يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9] تخرج وتُفضح ذلك يوم الخزي، فيقول له الرب جل وعلا؛ وتخيل أخي الكريم أنك أنت في هذا الموقف، يقول لك الرب: عبدي.. عبدي! ألَمْ أصَحِّ لك الجسد، ألم أسقك من الماء البارد، ألم أنعم عليك بكذا وبكذا وبكذا وبكذا يعدِّد لك النعم طوال الحياة، فتقر، ثم يقول لك الرب جل وعلا: عبدي.. عبدي! ما الذي جرأك علي؟ أتذكر هذا الذنب؟ أتذكر هذه الجريمة؟ عبدي تظن أني لا أرى؟ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] ثم يقول له: يا رب ما فعلت؟ يكذب على ربه جل وعلا، مسكين.. مسكين.. لا زال في جرأته وعناده وكبره، يقول: يا رب ما فعلت شيئاً، يا رب هذا كله كذب يا رب ما فعلت، فتأتي الشهود، الملائكة تشهد، والصالحون يشهدون، إنه في اليوم الفلاني أعطيته هذا الشريط لكنه رماه، رب في اليوم الفلاني طرقت عليه الباب ونصحته لكنه ضحك عليّ، رب في اليوم الفلاني عملتُ له محاضرة وذكرته ونصحته ولكنه استمر على حاله، كل الناس يشهدون عليه، والملائكة تشهد، فيقول: رب لا أقبل شاهداً إلا من نفسي، يا رب أنت العدل كيف تأتي بشهود وأنا لا أقبل إلا شاهداً من نفسي! فيقول له الرب جل وعلا: لك ذلك، لا يشهد عليك أحد إلا نفسك، فإذا بالفم يُختم عليه وإذا باليد تنطق والجلود تتكلم والفخذ تنطق والخدان ينطقان وإذا به الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ [يس:65] تتكلم: يا رب في اليوم الفلاني لامس فلانة بالحرام، وفتح ذلك الفيلم على الحرام، وكتب تلك الرسالة، وفتح هذه المجلة، وقبض هذه الرشوة، وضرب فلاناً، وبطش، وفعل.

    نعم. تتكلم اليد، والرِّجل: يا رب ذهب إلى المكان الفلاني والفلاني ينظر إلى الجلود تنطق: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ [فصلت:21].

    ثم بعد هذا يعلم أنه لا نجاة ولا محيص ولا فرار من الله جل وعلا فينادي الرب جل وعلا الملائكة خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30] أي: اربطوه بالسلاسل ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:31-32] يؤتى بسلسلة أتعرف ما حجم هذه السلسلة؟ كل حديدة بقدر حديد الدنيا كله، سبعون ذراعاً، ليس من أذرع الناس، من أذرع الملائكة، يُدخل من منخره، فيخرُج من دبره ثم يلف بالسلاسل ويسحب على وجهه إلى جهنم هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [الطور:14] إذا به أول ما يأتيها تفتَّح أبوابُها أتعرف ماذا يرى فيها؟ يرى أصحابه في الدنيا قد سبقوه، يرى فلاناً الذي كان يدعوه إلى تلك الأماكن الفاسدة، يرى صاحبه الذي كان يصده عن الصلاة كلما أراد التوبة ويقول له: أتريد أن تتعقد؟ أتريد أن تتزمت؟ يا فلان عندنا فلانة، عندنا سهرة، عندنا فيلم، عندنا سَفْرة، عندنا كذا وكذا، يا فلان لا يضحكوا عليك، كلما أراد التوبة صده ورده فيراه قد سبقه إلى النار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38].

    بعض أوصاف النار

    عبد الله! لا أريد في هذه الدقائق أن أبخس وصف النار، النار وصفها لا نتحمله، بل كان بعض السلف إذا سمع وصفاً واحداً من النار بكى وخر على الأرض صريعاً.

    عبد الله! يكفي أن تعلم أن النار قبل أن يدخلها أهل النار أعاذنا الله وإياكم منها الشرارة الواحدة التي تتطاير منها بحجم القصر، شرارة نار الدنيا لو تقع عليك فلن تؤثر فيك إحراقاً، أما شرارة نار جهنم فبحجم القصر الكبير: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ [المرسلات:32-33].

    عبد الله! نار جهنم إذا علمت عن بعض أوصافها لا تنام الليل: [عجبتُ للنار كيف نام هاربها! وعجبت للجنة كيف نام طالبها!].

    عبد الله! أهل النار يجوعون حتى أنهم من شدة الجوع الذي يعادل عذاب النار في جهنم، يأكلون الضريع؛ أتعرف ما هو الضريع؟ شوك ينبت في جهنم يأكله أهلها، فإذا أكلوا هذا الشوك وقف في حلوقهم، لا يبتلعونه ولا يخرجونه، فتغص الحلوق، يريدون أن يشربوا الماء فيستغيثون ربهم جل وعلا: يا رب الماء! يا رب الماء، يا رب الماء، وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ [الكهف:29] انظر رحمة الله! يعطون الماء يقترب من الماء ليشرب من شدة العطش وتلك الغصة، فتسقط فروة الرأس من شدة حر الماء، يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف:29] يشوي وجهه قبل أن يشربه، أتعرف إذا شربه ماذا يحصل له؟ تتقطع الأمعاء وتخرج من الدبر من شدة حره: حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44] لا يطاق من شدة حره، بل لا يستطيع أحدهم أن يشربه؛ لكن يشربه من شدة الجوع والعطش.

    يرون الزواني في النار يخرج من فروجهن صديد وقيح ونتن -أجلكم الله- فإذا خرج من فروجهن تسابق أهل النار إليه ليأكلوه من شدة الجوع: كَلا إنَّها لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:15-16] تتشقق الجلود فيخرج منها الصديد يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَان وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم:17] نار من فوقهم ونار من تحتهم، يلتحفون النار ويفترشون النار، بل يأكلون في بطونهم النار: أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ [البقرة:174].

    عبد الله! في ذلك العذاب والحميم ينادون فيقال لهم: يا أهل النار! يرفعون الرءوس ويفرحون، ويظنون أنهم سوف يخرجون منها، أتعرفون من هذا؟ فإذا بكبش أملح يقولون: نعم، إنه الموت نعرفه، مررنا عليه ورأيناه فيذبح بين الجنة والنار، فيقال لأهل النار: خلود فلا موت، ويقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، عبد الله! أتعرف ما معنى خلود فلا موت؟ مليون سنة؟ مليونان؟ عشرة ملايين؟ مائة مليون سنة في هذه النار؟ خلود فلا موت: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].

    عبد الله! والله لو كان مصيرهم الموت لكان أعظم نعيم، لكن ينادُون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] يجيبهم بعد آلاف السنين: قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:77-78] قرئ عليكم القرآن وذُكِّرتم ووُعِظتم وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:78].

    عبد الله! أتعرف مصير مَن هذا الخلود في جهنم؟ مصير الكفرة الملاحدة، ومِن بينهم تاركو الصلاة (إن بين الرجل والكـفر والشرك ترك الصلاةمَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43] أول جريمة أوردتهم سقر قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43].

    عبد الله! هذا مصير صنف من الناس، ولعله إن شاء الله سوف يكون بيننا وبينكم في يوم من الأيام القادمة بإذنه جل وعلا حديث عن مصير الصالحين، وأهل الذكر والطهر والعفاف، الذين هم في الدنيا من أهل السعادة وفي الآخرة من أهل النعيم، سوف يكون إن شاء الله بيننا وبينكم لقاء، حتى يتشوق الإنسان إلى مصيرهم وإلى حياتهم الكريمة السرمدية الأبدية.

    دعوة إلى التوبة

    عبد الله! في الختام أدعوك لأمر واحد: أن تبكي هذه العين على تلك الذنوب والمعاصي، أن تفكر ماذا أسلفت وماذا قدمت اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    واعلم يا عبد الله أن الموت يأتي بغتة، وأن شروط التوبة ثلاثة:-

    أولا:ً الندم على ما مضى.

    ثانيها: العزم على ألا تعود إلى تلك الذنوب والمعاصي.

    ثالثها: أن تقطع الصور، وأن تحرق تلك الأفلام الخليعة، وتفارق تلك المجالس النتنة، وتبتعد عن أهل السوء، وأهل الفسق والفجور، وتلتحق بركب الصالحين.

    واعلم يا عبد الله أن الله جل وعلا يعينك: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] ومن تاب تاب الله عليه، لعلها دمعة يمسح الله بها جميع الذنوب والمعاصي، وتبدأ بينك وبين الله صفحة جديدة.

    أسال الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    سجن بولس

    السؤال: يسأل سائل ويقول: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، يا شيخ هناك في جهنم سجن -وقد أوردت اسم هذا السجن ولكن للأسف ليست الكلمة واضحةٌ- وقد رواه الإمام أحمد في كتاب الفتن والملاحم لـابن كثير؟

    الجواب: هذا السجن يسمى سجن بولس، وهو حديث صحيح، رواه الإمام أحمد، وذكره الألباني في الصحيحة، وهو أحد السجون في جهنم، ولجهنم أوصاف لم تذكر، وأمور فوق الخيال وفوق التصور، ومهما وصفنا وتخيلنا فهو أعظم بكثير جداً، بل لا تستطيع أن تتخيل: نار أشد من نار الدنيا بسبعين مرة، بل لا تستطيع أن تتخيل هذه النار التي يجرها سبعون ألف ملك مع كل زمام، ولها سبعون ألف زمام.

    مراتب الذكر وكيفياته

    السؤال: وصف الله تعالى المؤمنين بالذاكرين، فكيف يكون الذكر؟

    الجواب: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35] فالذكر أيها الإخوة ثلاثة أصناف أو ثلاثة أنواع:

    ذكر باللسان: بعض الناس يذكر بلسانه لكنه لا يستشعر، مثل بعض الناس يذكر الله هو يمشي: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا إله إلا الله، لكن لا يستشعرها بقلبه؛ هذه أقل درجات الذكر، يؤجر لكنها أقل درجات الذكر.

    الذكر الثاني: ذكر القلب: لا يذكر بلسانه؛ لكن يتذكر ربه دائماً، قلبه حينئذٍ يخاف من الله، يرجو الله، يستعين بالله، لكن لسانه لا يذكر ربه.

    الثالث وهو أعلى الدرجات: ما واطأ اللسان القلب: يذكر ربه بلسانه وبقلبه، إذا قال: استغفر الله، فهي من اللسان ومن القلب.

    والذكر يا عبد الله ليس باللسان فقط بل حتى بالجوارح؛ الصلاة ذكر، والصيام ذكر، والزكاة ذكر، والأمر بالمعروف وطلب العلم ذكر، كل هذا ذكر يا عبد الله، كل ما فعلت من طاعة فهو ذكر لله جل وعلا.

    أما الذكر فهناك أذكار مقيدة وأذكار مطلقة:

    من الأذكار المقيدة: أذكار مثلاً تكون عند مناسبات مثل: عند دخول البيت، والخروج من البيت، قبل أيام سمعت عن شاب، جاءني والده، يقول: دخل أجلكم الله الحمام يقول: سقط انزلق في الحمام ووقع، يقول: من ذلك اليوم من وقوعه يبكي ويفزع، أخذ يبكي ويصيح من ذلك اليوم الذي دخل أجلكم الله فيه الحمام وسقط؛ فلعله يكون التفسير فيه شيء من الوضوح، سألت هذا الشاب قلت: لما دخلت أجلك الله إلى الحمام ذكرت الله أم لا؟ يقول: نسيت، رجل صالح لكن نسي، تلك اللحظة نسي أن يذكر الله: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).

    الحشوس -الحمامات- ممتلئة بالشياطين وبعض الشياطين خبيث يترصد لبعض الناس الذين يريد أن يصدهم عن الذكر وعن الصلاة وعن الطاعة، فإذا غفل مرة عن ذكر الله أصابه، وهذا يحدث كما قال الله جل وعلا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة:275] يعني: بعض الناس يتخبطه الشيطان من المس وهذا لعله يراه بعض الناس، الحصن من ذلك ذكر الله، إذا دخلت البيت وقلت: باسم الله، انحبس خارج البيت ولا يدخل، فإذا قلت عند العشاء: باسم الله منع من العشاء والطعام، وهذا الأمر حقيقة، بل بعض الناس كما قال الله جل وعلا: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الإسراء:64] يجامع زوجته معه نعوذ بالله! ألا تغار على زوجتك؟ بعض الناس الشيطان يجامع زوجته معه وهذا في القرآن موجود، إذاً ما الحصن؟ تذكر الله جل وعلا، تقول: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، هذا عند الجماع. إذاً ذكر الله عند مناسبات يحصنك من الشيطان.

    وهناك ذكر مطلق: في جميع الأحيان (سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله) (كلمتان خفيفتان على اللسان ...) يا أخي تنتظر الدوام.. وأنت في السيارة ذاهب إلى العمل.. وأنت راجع إلى البيت.. تنتظر دورك عند مستوصف.. عند جمعية.. في أي مكان تنتظر حرك لسانك بالذكر (خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) إذا قلتها مرة غرست لك نخلة في الجنة، وما من شجرة في الجنة إلا ساقها ذهب، أتريد كنزاً من كنوز الجنة؟

    لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة.

    (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).

    فضل عظيم وأجر كبير لكن من منا يحسن هذا الأجر؟! (من كان خالياً بالله وذكره) أي: من يذكر الله؛ سواء بشريط قرآن، أو درس، أو محاضرة، أو هو يذكر الله في السيارة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا كان رَدِفُه ملَك، ومن اختلى بالشيطان وذكره..) وذلك مثل الغناء، والموسيقى، والفجور، والمعازف في السيارة- قال: (إلا كان رَدِفُه شيطان) أعاذنا الله وإياكم منه، هذا لو أصيب بحادث هل يذكره الشيطان بـ(لا إله إلا الله)؟ وصاحب الذكر إذا أصيب بحادث ذكره الملك بالشهادتين، أما ذاك فيذكره بالفساد والمنكر.

    إذاً يا إخوة على الواحد منا أن يكون لسانه رطباً بذكر الله حتى إذا جاءته منيته يكون أول ما يتذكر (لا إله إلا الله) (ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة).

    عذاب آل فرعون في البرزخ

    السائل: يقول السائل: ما معنى قوله تعالى في سورة غافر: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]؟

    الجواب: هذه الآية استدل بها أهل السنة والجماعة على ثبوت عذاب القبر، قبل اليوم الآخر، وذكرنا القبر في هذا الدرس من باب أنه بدايات لليوم الآخر، وهو أول منازل اليوم الآخر، والله عز وجل ذكر عن آل فرعون، أنه جاء رجل مؤمن من آل فرعون يدعوهم إلى الله، هذا الرجل علم أن فرعون وحاشيته ووزراءه سوف يقتلون موسى، وموسى رجل ضعيف ليس له جيش ولا عنده شيء، جاء يدعو فرعون إلى الله، ذكره بالله، فأبى فرعون، وتجبر وطغى، وجمع الحاشية واستشارهم قالوا: اقتله، وهذا الرجل من الحاشية؛ لكن فيه خير، آمن وكتم إيمانه، ولكن لما سمع أنهم سوف يقتلون موسى ما رضي، إنكار المنكر يصل إلى حد معين، فذهب بسرعة إلى موسى يخبره وينذره، وجاء إلى فرعون ومن معه، جاء يخبرهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الله قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهٌ [غافر:28] أي أنه ما ضركم بشيء، إنما يدعو إلى الله، قال: وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ [غافر:28] يعني: إذا كان كاذباً فما ضر إلا نفسه وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُم [غافر:28] يصبكم بهذا العذاب الذي يتوعدكم به، اتركوه، يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْض [غافر:29] اليوم لكم القصور والنعيم، وهذه القوة والعسكر والجيش؛ لكن من ينصركم من بأس الله إن جاءكم؟ مَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] دعاهم إلى الله فأبوا، ذكرهم بالله فقتلوه أو طردوه، فنجاه الله جل وعلا، أتعرف ما الذي حصل لآل فرعون؟ أغرقهم الله عز وجل في اليم، كان فرعون يوماً من الأيام يقول: هذه الأنهار تجري من تحتي، فأجرى الله الأنهار من فوقه! تجري من تحتك يا فرعون؟ اليوم تجني هذه الثمرة وتجري الأنهار من فوقك، أغرقه الله في اليم، نبذه في اليم وهو مليم.

    فرعون كان يوماً من الأيام يقول لشعبه: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].. فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54].

    جاء إلى موسى؛ أتعرف ماذا قال في موسى؟ قال: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ [غافر:26] يا ناس، يا شعب، أخاف أن يضيع دينكم أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26] أخاف أن يفسد في الأرض، يثير الفتن في الأرض، سبحان الله! يقول ابن كثير: سبحان الله! صار فرعون خطيباً، صار فرعون يخاف على دين الناس، ويخاف على الصلاح، ويخاف الفساد في الأرض قال: أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].

    قال الله عن فرعون وحاشيته: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً [غافر:46] يعني: في بداية النهار ونهايته في قبورهم إلى إن تقوم الساعة، يحترقون بالنار إلى أن تقوم الساعة، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فرعون والحاشية والجنود والعسكر والزمرة الطاغية كلها، التي كفرت بالله وعاندت شرع الله، وحاربت الأنبياء والرسل كلها معه في نار جهنم أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] هذا هو تفسير الآية والله أعلم.

    الأدلة على وجود عذاب القبر

    السؤال: يسأل سؤالاً ويقول: رجل يقول: أريد دليلاً على عذاب القبر من الكتاب وإذا قيل له: ذكر في السنة المطهرة لا يقبل إلا بالدليل من الكتاب فكيف يرد عليه؟

    الجواب: هذه الآية التي ذكرناها قبل قليل.

    وقوله جل وعلا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ [المؤمنون:100] البرزخ هو: عذاب القبر أو نعيمه، الحاجز الذي بين الحياة الدنيا واليوم الآخر؛ قال الله جل وعلا: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] أي: قبل البعث هناك برزخ؛ ما هو البرزخ؟ هي حياة بين الدنيا وبين الآخرة، فمن أهل الإيمان من يعذب في قبره؛ حتى يتصفى من الذنوب؛ لأنه ما تاب منها، فهو مصلٍّ وراكع وساجد لكن عنده ذنوب ومعاصٍ يتعذب في قبره حتى يصفيه الله عز وجل وينقيه قبل اليوم الآخر.

    إذاً هو موجود في هاتين الآيتين في كتاب الله.

    وهناك آيات أخرى كما قال الله جل وعلا: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50] هذا أيضاً من أدلة عذاب القبر.

    وهناك من السنة الأدلة الكثيرة المتواترة الصحيحة، كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات عذاب القبر.

    وهذا لعله يكون فيه من الأدلة واليقين ما تطمئن به قلوب المؤمنين وتتيقن بصحته.. والله أعلم.

    حقيقة المغفرة وضرورة التوبة والندم

    السؤال: يقول السائل: كيف يتوب الإنسان من المعاصي؟ وإذا كان لا يصلي أو يتهاون بالصلاة، وإذا سئل عن ذلك قال: إن الله غفور رحيم؟

    الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله! إن الله غفور رحيم، لعباده الصالحين.

    أخي الكريم! لعلك تقول: الصالحون لا يحتاجون مغفرة، فأقول: أفضل الخلق غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهو يحتاج إلى المغفرة عليه الصلاة والسلام، الله عز وجل غفور رحيم لأهل صلاة الفجر، لأهل الذكر، لأهل الدعوة إلى الله، لأهل الصلاح، هؤلاء يحتاجون مغفرة الله، أما للفجار الفساق فهو شديد العقاب، وهو عزيز ذو انتقام، ولا تخفى عليه خافية، فهو يستدرج عباده، فاعقل وتدبر قال الله عز وجل: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183].

    عبد الله! إن الصالحين قال الله عنهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] قالت عائشة: (يا رسول الله! ألزناة، شاربو الخمور، السراق، هم الذين يخافون، قلوبهم وجلة؟ قال: لا يا ابنة الصديق هم المصلون، هم الصائمون، هم الصالحون الذين يعملون ويخافون أن لا يُتَقَبل منهم) أرأيت الصالح! يخاف أن الله لا يقبل عمله، والعجيب من الفاجر الذي يأمن مكر الله، قال عبد الله بن مسعود: [المؤمن يرى ذنبه كأصل جبل يوشك أن يقع على رأسه، والفاجر يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا] ربما يشرب خمراً، ربما يترك صلاة، ربما يفعل معاصي كبيرة، وكأنها ذبابة وقعت على أنفه فقال بها هكذا، وكأنه لا يبالي، وهذه علامة المنافق وتلك علامة المؤمن.

    عبد الله! هذه نتكلم فيها عن الفسقة، أما عن الذين لا يصلون فحدث ولا حرج، حديثهم حديث الكفار نسأل الله العافية، كيف تكون التوبة؟ بالندم والعزم والإقلاع عن هذه الذنوب والمعاصي.

    الرد على شبهة من يقول: إذا هداني الله فسأصلي

    السؤال: يقول السائل: ما رأيك فيمن نقول له: صلِّ أو تُب إلى الله، ويقول: إذا الله هداني صليت؟

    الجواب: كما قال المشركون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148] إذا أراد الله أن يهدينا فليهدنا، أراد الله أن نسجد للصنم فنسجد للصنم، وهذه عقيدة تسمى عقيدة الجبرية، وهي عقيدة ضالة ليست من عقائد أهل السنة.

    أهل السنة كما قال الله جل وعلا فيهم: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً [محمد:17] ابدأ يا عبد الله، لا تقل: إذا أراد الله أن يهديني اهتديت، أسألك بالله الآن سؤالاً: أنت لِمَ تأتي إلى هذا المكان وتلبس هذا الزي وتحضر الدوام لِمَه؟ لأجل المعاش والراتب، لِمَ لا تجلس في البيت وتقول: إذا أراد الله أن يرزقني يرزقني؟ ما تفعلها، تأتي وتتعب وتقوم من نومك مبكراً وتحضر الدوام، لأن هذا العاقل يسعى حتى يحصل على الرزق، هل إذا جعت أخي الكريم تجلس تنتظر وتقول: إذا أراد الله أن يشبعني أتاني بالطعام؟ لا تفعلها، بل تذهب إلى المطبخ، وإلى الثلاجة، وإلى المطعم، وتطلب الطعام وتأكل حتى تشبع، لِمَ تبذل السبب؟ لأجل الدنيا؛ لكن لما نقول لك: تعال صلِّ؛ تقول: إذا أراد الله أن أصلي صليت، سبحان الله! هنا تسعى لأجل الدنيا ولكن لأجل الآخرة ما تبذل ولا تسعى؟! قال الله جل وعلا: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] أنت الذي جنيت على نفسك ولا تقل: لو أراد الله أن يهديني اهتديت، هذه كلمة كاذبة من ناصية خاطئة.

    عبد الله! إذا سعيتَ إلى الهداية وفقك الله، وإذا بذلت أعانك الله، وإذا سعيت فتح الله لك أبواب الخير، أما أن تجلس في البيت وتقول: لو أراد الله أن يهديني اهتديت، هذا كله ضحك، وما تخدع إلا نفسك يا عبد الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756374991