إسلام ويب

الأسئلة الأخيرةللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ساعة السؤال التي تكون في القبر هي أول الحساب والنقاش، ولقد أورد الشيخ في هذه المحاضرة حديثاً عظيماً بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمن والفاجر في القبر.

    1.   

    حال الإنسان في القبر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    ثم أما بعد:

    أيها الأخ الكريم: هذه كلمة وليست محاضرة، وسوف أقوم بالحديث فيها قدر المستطاع، وعنوانها الأسئلة الأخيرة، فما المقصود بالأسئلة الأخيرة؟ وما هي؟ وهل حقاً هي الأخيرة أم أنه سوف تتلوها أسئلة؟

    المقصود بالأسئلة الأخيرة -أخي الكريم- هي الأسئلة التي سوف تكون في قبرك، بل ولو كان العنوان: الأسئلة الأولى لكان أدق؛ لأنها أول الأسئلة، وأول الحساب، وأول النقاش، فاسمعني وأرع إلي انتباهك، سوف أورد عليك حديثاً واحداً يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن حال كل إنسان، فاجراً أو صالحاً، مؤمناً كان أو كافراً، سوف أورد عليك هذا الحديث فاسمعه وانتبه له، واعلم أخي الكريم أن هذا الحديث لا بد أنك سوف تمر فيه، وهذه الحال إما الحال الأولى أو الثانية إنك ملاقيها يوماً من الأيام، فاسمع وتفكر وتخيل أنك الذي يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    حال المؤمن في القبر

    يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبلاً القبلة وجلسنا حوله) انظر للأدب، الموقف فظيع، والأمر جلل، وبين يديهم قبرٌ يحفر، وجنازة ينتظرونها، وبعد أيام أو سنوات كل واحد من الجلوس سوف يقدم على هذه الحال.

    يقول: (وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض -أي النبي صلى الله عليه وسلم- وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً -يرفع بصره إلى السماء ثم ينزل، ثم يرفع ثم ينزل، ثلاث مرات- ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر).

    واسمع وأنا أتلو عليك هذا الحديث، فإنه ليس بالقول الهزل، وليس قصة نتسلى بها، وليست -أخي الكريم- أساطير الأولين أحدثها عليك، لا. أخي الكريم: إنها حقيقة سوف تقدم عليها الليلة أو غداً، ولعلك في الأيام القادمة المقبلة، فاسمع وأرع انتباهك، وتخيل نفسك يا عبد الله وأنت تمر في هاتين الحالتين.

    بشارات المؤمن في قبره

    قال عليه الصلاة والسلام: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبالٍ على الآخرة) يعني على فراش الموت، لعل ابنته عنده تبكي، وولده يبكي، ولعله في حادث سيارة، ولعله في فراش المرض، أو لعله ساجد أو راكع، أو لعله يقرأ القرآن أو يستمع إليه، انقطع من الدنيا وبدأ يقبل على الآخرة. (نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه) مؤمن، صالح، تقي، قارئ للقرآن، داعية إلى الله، مجاهد، آمر بالمعروف، ناهٍ عن المنكر، طالبٌ للعلم، بارٌ بوالديه، واصلٌ لأرحامه، اسمع: (نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة) قماش من الجنة، كفن من الجنة.

    يا عبد الله: تخيل منظره، تخيل رائحته، تخيل منظر هذا الكفن، بل منظر من يحمله: (وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) أي يجلسون أمامه إلى أن يذهب آخرهم على مد البصر يا عبد الله: هذه بشارة ولعل من حوله يبكون وهو فرح، ولعل زوجته عنده تنوح وهو مستبشر، ولعل أمه تبكي وهو يطرب فرحاً بلقاء الله جل وعلا، ورؤية الملائكة البيض بشارة في الدنيا قبل دخول القبر: (ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه) وأنت لا تراه، أنت لا تحس به، هو موجود عنده في الغرفة، ولعله يقبض روحه وبعد قليل يأتي إلى أحد الجالسين، ولعله بعد أيام ينتظر أحد الذين يبكون، هو جالسٌ عند رأسه وأنت لا تدري ويقول: (أيتها النفس الطيبة المطمئنة) اطمأنت بم؟

    اطمأنت -يا عبد الله- بالقرآن: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد:28] اطمأنت ببر الوالدين، اطمأنت بصلاة الفجر، وبالسجود والركوع، اطمأنت بذكر الله جل وعلا: (يا أيتها النفس الطيبة المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) الله أكبر! يبشر بالمغفرة، يبشر بالرضوان: (فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء) تخيل قطرة تخرج من فيّ السقاء، لو ينزل الماء فتبقى قطرة تنزل، هل تحس بالصعوبة؟ هل تحس بشقاء؟ هل تحس بألم؟ تخرج كما تسيل القطرة، بنعومة وسهولة! (حتى إذا خرجت روحه صلَّى عليه كل ملكٍ بين السماء والأرض) يصلون عليها ويدعون لها، ويستغفرون لها.

    عبد الله: يقول عليه الصلاة والسلام: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع شبرٍ إلا عليه ملك راكع أو ساجد) بين السماء والأرض كل الملائكة يستغفرون لك، ويصلون عليك.

    عبد الله: ليست القضية أن يصلي عليه عشرون أو ثلاثون من الناس خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً لا. كل الملائكة في السماء والأرض يصلون عليه، اسمع: (صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء) حتى ملائكة السماء يصلون عليه، فيأخذها ملك الموت: (فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط) الله أكبر! وضع في كفن الجنة، وفي حنوط من الجنة، فيصلي عليه ملائكة الأرض والسماء، واسمع الآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يقرأ بعض الآيات، منها هذه الآية، قال الله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61].

    لعل أهله يبكون، ولعلهم ينوحون، ولعلهم يحزنون، وهو في طربٍ وفي شغفٍ، وفي حب للقاء الله جل وعلا.

    اسمع يا عبد الله: وضع في كفن من أكفان الجنة، وحنط من حنوط الجنة (ويخرج منها -أي من جسده- كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان؛ بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا) لحظات فقط، أهله لعلهم لا زالوا يغسلونه، بل لا زالوا يحاولون إخراجه من المستشفى، أو إخراج الجثة من الحادث، أو إزالة الحريق عنها، أو لربما لم يجده أحد بعد، ولم يعثر على جثته أحد، أما روحه وصلت إلى السماء الدنيا، لعله تقطع جسده في معركة من المعارك، بل لربما تقطع الجسد إرباً إرباً، وهو في الجهاد في سبيل الله، أما الروح طيبة طاهرة وصلت إلى السماء الدنيا: (فيقولون: لمن هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان؛ بأحسن اسمٍ كان ينادى به في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له، فيفتح له) الله أكبر! السماء الدنيا تفتح له، سماء عظيمة تفتح له، كرامة له (فيشيعه من كل سماءٍ مقربوها إلى السماء التي تليها) جنازة تمر في السماء، تعرف من يمر بالجنازة ومن يشيعها؟ أفضل ملائكة في السماء، وأقرب الملائكة إلى الله، يمشون خلف هذه الجنازة، من سماء إلى سماء، تستقبله ملائكة أخرى، أفضل الملائكة في كل سماء تستقبل هذه الروح لتصعد بها إلى السماء التي تليها: (حتى يؤتى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز جل: اكتبوا عبدي في عليين).. وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:19-21] فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض، فإني وعدتهم منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فيرد إلى الأرض) .

    تخيل الروح من السماء السابعة تنزل إلى الأرض، لربما لا زالوا لم يدفنوه، ولربما دفنوه ولا زالوا لم يكملوا دفنه، بل لربما يسلم بعضهم على بعض ويعزي بعضهم بعضاً، فيقال: فلاناً توفي، رحمه الله، لقد كان صالحاً، كانت لا تفوته صلاة الفجر رحمه الله، لم يسمح لابنه بفسادٍ ولا لبنته بمنكر رحمه الله، ما أدخل التلفاز قط في حياته إلى البيت، رحم الله فلان توفي لقد مات في الجهاد في سبيل الله، لقد مات وقد صلى الفجر في جماعة الله، أكبر!

    حال المؤمن مع منكرٍ ونكير

    (ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض، فإني وعدتهم: منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرد إلى الأرض، وتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان -وبدأت الأسئلة، إنه الاختبار، إنها الفتنة العظيمة -شديدا الانتهار- ليس أي ملكين، إنهما ملكان شديدا الانتهار، إذا نهرك يا عبد الله تنسى اسمك من اسم غيرك- شديدا الانتهار فينتهرانه) يغلظان له في الكلام، نعم صالح لكنه اختبار، نعم مصلٍ لكنه اختبار، قارئ للقرآن، قائم لليل، يصوم النهار؛ لكنه اختبار وفتنة؛ ليتبين الصادق من الكاذب، يتبين قوي الإيمان من هش الإيمان.

    (فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ -أول سؤال، وأول اختبار، من ربك؟- فيقول: ربي الله) بكل ثبات ويقين، وبكل شجاعة يقول: ربي الله، لا يتلعثم فيها، ولا يتردد بها، ولا ينساها؛ لأنه ملأ قلبه بحب الله جل وعلا، كان يقوم لله، وينام لله، ويذكر الله جل وعلا صباح مساء، الله عز وجل أحب إليه من كل شيء، من نفسه وماله وولده والناس جميعاً، يحب الله عز جل حباً عظيماً: (من ربك؟ ربي الله، ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم) نعم. كان يتبعه في سنته حذو القذة بالقذة، يسأل كيف صلى فيصلي مثله، كيف حج ليحج مثله، يسأل كيف صام فيصوم مثله، يسأل كيف كان يدعو، كيف كان يلبس، كيف كان يأكل، يحب اتباعه في كل شيء، فيتبعه عليه الصلاة والسلام في كل مستحب وواجب ويحبه، فإذا به يقول: (هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى فآمنت به وصدقت) العلم هو الذي دله على هذا، علم الكتاب والسنة، علم الشرع يا عبد الله، ما كان يسمع أحاديث الناس ، ما كان في دينه يصلي لفلان وفلان، كان أول ما يبحث وأول ما يسأل عن آية من كتاب الله، أو عن حديث من أحاديث رسول الله، لهذا قال: (قرأت كتاب الله تعالى، فآمنت به وصدقت).

    ثم يعاد الاختبار مرة ثانية: (فيقولان: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فذلك حين يقول عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27] -اسمع الإجابة- فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم -الآن النتيجة- فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره) ولعل أهله يبكون، ولعلهم يعزي بعضهم بعضاً، ولعل أعينهم تدمع، ومنهم من يقول: مسكين فارق الدنيا، أنتم المساكين! لقد فرش له من الجنة، لقد ألبس من الجنة، ولما يغادر أهله المقبرة، ولما يكملوا بعضهم تعزية بعض، وقد ألبس من الجنة وفرش له من الجنة. اسمع تتمة البشارة: (قال: ويأتيه رجلٌ حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيمٌ مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد).

    هذه يومك يا من تصلي الفجر! هذا يومك يا من تعتكف في المساجد! هذا يومك يا من غضضت البصر وكففت عن الحرام! كان الناس يخوضون في الربا وكنت تصبر وتتحمل وتكتفي بالحلال، كان الناس يفعلون المنكرات وأنت تصبر عن الحرام (هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: وأنت بشرك الله بالخير، من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح) أنا قراءة القرآن، أنا الدعوة إلى الله، أنا قيام الليل، أنا بر الوالدين، أنا الحج، أنا العمرة: (أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً) نعم، قد يعصي الصالح ربه، وقد يقع في الذنب: (كل بني آدم خطاء) لكنه بطيء، لكنه يندم ولا يصر، أما في الطاعات فإنه سريع، يقوم نشطاً للصلاة، يقوم مسرعاً للنفقة، أول إنسان يأتي إلى المسجد، إذا أخبر عن مجال الدعوة إلى الله كان في المقدمة، إذا أخبر بالجهاد كان الأول، إن دعي للتصدق كان الأول، إن أمر بالصلاة يقف نشيطاً سريعاً في الطاعة، أما في المعصية يندم، ويتأخر ويقدم قدماً ويؤخر أخرى، فإن وقع في الذنب رجع وأناب واستغفر: (ثم يفتح له بابٌ إلى الجنة، وبابٌ إلى النار يرى منزله في النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة) يرى القصور والأنهار، يرى الجنان، ومكانه فيها يا عبد الله! وقبل يوم أو قبل ساعات كان في الدنيا معذباً، كان في الدنيا متعباً، ينصب في طاعة الله، بعد ساعات رأى منزله في الجنة.

    يا عبد الله: لعلك في بعض الأحيان إن مات أحد الصالحين قلت: مسكين كان ينوي أن يفعل كذا وكذا لكنه سبقته المنية، بل لعلنا نحن المساكين، لعله رأى منزله في الجنة وأنت لا تدري: (فيقول: فإذا رأى ما في الجنة قال: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن) فينام نومة لا يستيقظ إلا على قيام الساعة، نومة خفيفة، نومة لا يحس فيها إلا بالنعيم والراحة.

    1.   

    حال الفاجر في القبر

    أما الآخر، أما صاحب الفجور، أما صاحب المعاصي، أما الذي لا يعرف عن الصلاة إلا الجمعة إلى الجمعة، أما أهل الفساد والمنكرات، أما أهل الخمور والمخدرات، أما الذين يتبعون النساء يمنة ويسرة ولا هم لهم في الدنيا إلا تتبع النساء والعورات، اسمع إلى مصيرهم وحالهم:

    (وإن العبد الكافر أو الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبالٍ على الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد، سود الوجوه، معهم مسوح من النار) تعرف ما هي المسوح؟ لباس من شعر خشن، يأتون به من وسط جهنم، لباس أهل النار، يأتون به ليلبس أول ما يؤخذ من جسده، تتعجب بعض الأحيان، ترى بعض الناس على فراش الموت يصيح، ويسود وجهه ويزرق ويخاف، ويصيح صياحاً وليس به شيء، ما الخبر؟ يرى أمراً لا تراه أنت، وبدأ ملك الموت يندفع والروح تتفرق: (معهم مسوح من النار، فيجلسون مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ويقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده) يعني الروح تهرب، تتوزع في الجسد؛ لأنها لا تريد الخروج إلى غضب الله وسخطه.

    بشارات السوء للفاجر في القبر

    عبد الله: في تلك اللحظات لا تنفع التوبة، تلك اللحظات لو يدفع الملايين لا ينفعه عند الله، لو يقطع جسده لله جل وعلا والله لا ينفعه كل هذا: (أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب وهو الشوك من الصوف المبلول) حديد فيه شعب كثيرة، عليه الصوف ينتزع الثوب من هذا الحديد، أتعرف ما الذي يحصل؟ يتقطع ذلك الصوف ولا يخرج، ينتزع الروح وتتقطع الروح في الجسد من شدة نزعه: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً [النازعات:1-2] . (تتقطع معها العروق والعصب؛ فيلعنه كل ملكٍ بين السماء والأرض، وكل ملكٍ في السماء) كل ملك في السماء، بل بين السماء والأرض.

    كم ملك يا عبد الله؟ أول ما تخرج الروح يلعنونه، اللهم العنه، اللهم العنه، اللهم العنه، يا عبد الله إنه دعاء الملائكة! يا عبد الله فكر إلى أين تسير! لكل أمرٍ نهاية! يا عبد الله والله مهما طال بك العمر فإن الموت يأتي بغتة! ولا مقدمات لخروج الروح، وسل كبار السن؛ كم عشتم في الدنيا، يقولون لك: أياماً معدودة، مرت كلمح البصر، كأنه حلم ثم ذهب، كأنها نومة استيقظت منها: (فيلعنه كل ملكٍ بين السماء والأرض، وكل ملكٍ في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل بابٍ إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم، فيأخذه -يعني ملك الموت، الآن نزع الروح، اسمع وقارن بين الأول والثاني- فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة، فيقولون: فلان بن فلان).

    لا إله إلا الله! كان في الدنيا يحرص على رائحته الطيبة، كان يحرص على ثيابٍ زكية، كان يحرص على تسريحة شعره، يقف أمام المرآة الساعات الطوال، كان يحرص دوماً ألا يخرج إلا بأنظف الملابس وأطيب الروائح، ما بال الروح كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض، ما الذي جرى؟

    نعم. دنسها بالمعاصي، نعم نجسها بالخبائث والمنكرات.

    (ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يؤتى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يُفتح له -مصيبة يا عبد الله! نسأل الله العافية، إن كان الواحد منا ما فتحت له أبواب السماء فليبشر بهذه النتيجة- ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين -في الأرض السفلى- ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض).

    لعله مات وهو يعاقر امرأة بالحرام، قبحه الله ما صلى منذ شهر، ومات اليوم؛ أعوذ بالله، أما الصالحون فنفروا عنه، ولم يصل عليه أحدٌ من الصالحين، وما صلى عليه إلا كل مغرور لا يدري عن حاله، قبحه الله؛ مات وهو يشرب الخمر، أو انتحر بالمخدرات، قبحها الله من ميتة، اسمع: (فيقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتطرح روحه من السماء طرحاً حتى تقع في جسده) تلقى من السماء الدنيا إلى الأرض، تطرح يا عبد الله، انظر إلى المسافة هذه كلها، أما المؤمن فينزل، أما هو فإنه يطرح وترمى نفسه، والملائكة لا تنزله إلى الأرض؛ لأنه لا يستحق، إنما يطرح على الأرض طرحاً، اسمع إلى قول الله: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [الحج:31] ومن المشركين الذين لا يصلون يا عبد الله: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].

    موقف الفاجر مع منكر ونكير في القبر

    ثم قال: (فتعاد روحه في جسده وإنه ليسمع خبط نعال أصحابه إذا ولوا عنه) يسمعهم يمشون على القبر، يسمع قرع نعال أبيه، وقرع نعال أخيه، وقرع نعال جيرانه، وقرع نعال أصحابه إن صلى عليه أحد، يسمع قرع نعالهم: (ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري! فيقولان له: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: من؟ فيقال: محمد، فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري! سمعت الناس يقولون ذلك، فيقال: لا دريت ولا تليت) كيف يدري وكان قدوته من الدنيا كافراً مطرباً نصرانياً، قدوته من الدنيا في لباسه ومظهره؟

    كيف يدري وكان في الدنيا يستهزئ بسنته عليه الصلاة والسلام؟

    كيف يدري وكان ينام على عشقها وحبها ويتغزل بالتفكير فيها؟

    كيف يدري وكان لا يعرف القرآن سنين طويلة؟

    كيف يدري وكان يسمع الأذان ويولي؟

    كيف يدري -يا عبد الله- وكان ينام على الفجور ويقوم على الفجور؟

    فيقال: (لا دريت ولا تليت، فينادى من السماء؛ أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار) أنت لم تر شيئاً، حفرة فقط، فرش له من النار في قبره، نعوذ بالله! نار تلظى يا عبد الله! نار تحرق، ولعله قبل ساعات كان في بيته منعماً، كان في قصره مكرماً، أما الآن فرش له من النار. (فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) إن أضلاعه تتداخل بين بعضها البعض، يضيق القبر حتى يدخل الضلع في الآخر: (ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: وأنت بشرك الله بالشر.. من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث) أنا عملك الخبيث، إن كانت امرأة، أنا التبرج، أنا السفور، أنا مخالطة الرجال، أنا استماع الأغاني، أنا أكل الربا، أنا ترك الصلاة، أنا السب والشتم واللعن والاستهزاء بالصالحين، أنا عملك الخبيث، إلى الآن ما جاء إلى الله جل وعلا، إلى الآن ما جاء يوم الحساب، إلى الآن ما جاء اليوم الآخر، اسمع إنه أول منازل الآخرة: (أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمتك إلا بطيئاً عن طاعة الله -في الطاعة والخير يتثاقل، يجر نفسه وكأنه يحمل جبلاً، إن جاء إلى مجلس ذكر، أو إلى الصلاة، وقراءة القرآن، لعله يأتي ولكن بكسل وبتثاقل، ويكره العمل لكنه يفعله رياءً أو استحياء- سريعاً إلى معصية الله، فجزاك الله شراً، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة -مطرقة من حديد- لو ضُرِبَ بها جبلٌ لصار تراباً، ويضربه ضربة حتى يصير بها تراباً).

    اسمع وانظر وتخيل يا عبد الله! إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:13-14] الأمر ليس بالجدل، وليس بالضحك، وليس بالهزل، إنها حقيقة أخبر بها الله، إنها أول منازل الآخرة يا عبد الله، لعلك تقدم عليها الليلة أو بعد لحظات، أو بعد ساعات، فاستعد لها يا أخي الكريم.

    (حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين -إلا الجن والإنس- ثم يفتح له بابٌ من النار، ويمهد من فرش النار، فيقول: -وهو في هذا الحر، وهذا الضيق، وهذا التعب والنصب والعذاب، تظنه ماذا يقول؟- يقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة) تعرف لم يا عبد الله؟ لأنه يدري أن الساعة أدهى وأمر.

    إنها الأسئلة؛ إن قارنتها في الدنيا فهي الأخيرة، وإن قارنتها بالنسبة للآخرة فهي الأسئلة الأولى يا عبد الله، فليس هناك دور ثانٍ، وليست هناك فرصة أخرى، والقضية قوة إيمان وضعف إيمان.

    إن كنت من المؤمنين الصالحين، وممن آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، إيماناً ليس باللسان فقط، بل إيمانٌ باللسان والقلب والأركان، قولٌ وعملٌ يا عبد الله، فإنك سوف تجيب على هذه الأسئلة، وإن كنت ممن يقول الناس كلاماً فتقول مثلهم فقط؛ هكذا رياءً وسمعة، حياءً واستحياءً من الناس، لربما يجيب على هذه الأسئلة، ولربما يكون ممن يقول: هاه هاه لا أدري، وستسمع النتيجة الأولى: أن كذب عبدي، ووقتها لا ينفع الندم، ولا ينفع العويل، ولا ينفع البكاء.

    فالله الله أيها الإخوة الكرام، أن نستعد للإجابة على هذه الأسئلة، وأن نتأهب لها.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الأسئلة

    الانتكاسة بعد الالتزام

    السؤال: هناك شاب كان يحافظ على الصلاة، ويحفظ من كتاب الله شيئاً يسيراً، وفي يومٍ وليلة انتكس على عقبيه فترك الالتزام، حتى أصبح أهله يتضايقون منه، فما نصيحتك له؟

    الجواب: غالبهم لم ينتكس في يوم وليلة، غالبهم بدأ الإيمان عنده يضعف والظاهر لم يتغير، بدأ الإيمان يفتر في قلبه شيئاً فشيئاً، أما الظاهر من لحية وثوبٍ وصلوات الفرائض وغيرها لا زالت ظاهرة سوية، ولكن الباطن اختلف وضعف.

    التقوى هاهنا، التقوى هاهنا يا عبد الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكِر الله [الرعد:28] الإيمان بدأ يضعف في القلب، بدأ يفتر شيئاً فشيئاً، لم يظهر عليه شيء لكنه إذا فتح الجريدة والمجلة الخليعة نظر فيها، وإن جلس في مجلسٍ استساغ الغيبة والنميمة، بل يتكلم في أعراض الناس، بل يتأخر عن الصلاة، كان في الصف الأول ثم الثاني ثم الأخير، ثم بدأ يلحق ركعة أو ركعتين، ثم لا يدرك إلا الركعة الأخيرة، ثم السلام ثم الجماعة الأخرى، ثم بدأ يصلي في البيت، شيئاً فشيئاً، الإيمان بدأ يخمد وبدأ يذهب، ولكنه تمادى، واستهان بالأمر، وتساهل فيه حتى انتكس: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3].

    اسمع يا عبد الله إلى هذا الرجل الذي وصفه الله جل وعلا في هذا الوصف، أقبح وصفٍ في القرآن: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا [الأعراف:175] من اهتمامه والتزامه صار عالماً، بل أعلم بني إسرائيل: آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا [الأعراف:175] علم الشريعة: فَانْسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175] ارتد وانتكس، تعرف ما الذي جرى؟ فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176] نعم. هذا مستواه، وهذا وصفه، يدخل في دين الله، ويعرف القرآن، ولذة الإيمان، ويصلي مع الصالحين، ثم بعد أيام مع الفجرة الفاسقين، ويترك الصلاة وراءه، ويترك القرآن ويهجره، ويترك الصالحين إلى الفسقة والفجرة، أتعرف بم شبهه الله؟ قال الله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] أي لا فائدة منه فهو يلهث إن كان قد حمل عليه أو لم يحمل عليه: ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176] أنت إن رضيت بهذا المثل فاقنع بحالك يا عبد الله: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] افعل ما بدا لك؛ لكن.. إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29].

    نعم. افعل ما بدا لك في هذه الدنيا، فإنك تجازى به عند الله جل وعلا.

    أقول: السؤال لعله قد يكون غير دقيق عند حال كثير من الناس، يصعب أن يكون في يومٍ وليلة إلا ما ندر، وإلا غالبهم بدأ الإيمان ينقص ويتساهل، ضعف الإيمان وتمادى، بدأ يقع في الصغائر ويتمادى، صغيرة تلو صغيرة حتى صارت الصغائر كالجبل، فأهلكت قلبه، ودمرت دينه وحياته، حتى كان كما قال الله جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].

    أمور تعين على الالتزام

    السؤال: أنا شاب من أصحاب سود الوجوه، أصحاب المعاصي والذنوب، فأريد أن أصبح من الصنف الثاني فما السبيل؟

    الجواب: المؤمن الصادق يقوم الليل، ويصوم النهار، ويقرأ القرآن، ويدعو إلى الله، ويفعل جميع الطاعات، ويخاف أن الله لا يتقبل منه، هذا المؤمن الصادق: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] المؤمن الصادق يخاف على نفسه ....، يخاف على نفسه ألا يقبل الله منه حسنة، ابن عمر تصدق بصدقة فقال ابنه له: [[يا أبت تقبل الله منك، قال: يا بني لو علمت أن الله تقبل مني حسنة؛ ما كان غائباً أحب إلي من الموت، لكن.. إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]] يقولها وهو أحد كبار الصحابة وصناديدهم، وأحد العلماء والفقهاء وحملة الشريعة إلى الآن، يقول: [لو علمت أن الله قبل مني حسنة، ما كان غائباً أحب إلي من الموت].

    عبد الله: هذا هو المؤمن الصادق، يخاف ألا يتقبل الله منه، وهو في نفس الوقت يصلي ويركع ويعبد الله جل وعلا، يعيش بين الخوف والرجاء، نعم يخاف لكن لا يغلب خوفه على رجاؤه، ولا رجائه على خوفه، أما الفجرة والفسقة تجد أحدهم لا يصلي لله ركعة، ولا يسجد لله سجدة، ويهجر القرآن، وينظر لعورات المسلمين، ويأتي إلى المحرمات، وإذا سألته: قال: إن ربي غفور رحيم، مغرور ومسكين.. وغره الشيطان بعمله!

    عبد الله: هذا السائل لعل حاله إن شاء الله حال الصالحين، فلعله إن شاء الله يصلي ويذكر الله، ويسجد، ويصلي الفجر، ومع هذا يخاف أن يكون من أصحاب الشمال.

    عمر بن الخطاب يقول: [[والله لو نادى منادٍ من السماء: يا أهل الأرض كلكم في الجنة إلا واحداً لظننت أنه أنا] انظر! يقول لـحذيفة: يا حذيفة: أسماني رسول الله من المنافقين؟! يا حذيفة! أجبني أكنت في سجل المنافقين؟! يا حذيفة هل كنت ممن سماه رسول الله منافقاً؟! فيقول حذيفة: لا يا عمر ولا أزكي أحداً بعدك. وكان يخاف على نفسه من النفاق.

    وعثمان كان يبكي إذا ذكر له القبر، يخافون يا عباد الله.

    أما الفجرة والفسقة الذين لا يصلون ولا يدعون الله ولا يرجونه.. سبحان الله! أما المؤمن الذي يعيش بين الخوف والرجاء فأبشر وأكثر من الطاعات ومن الصالحات، ولما سأل الرجل قال: (سلني يا ربيعة بن كعب! فقال: يا رسول الله! أسألك مرافقتك في الفردوس الأعلى) ما قال الجنة، قال الفردوس وأعظم مكان في الفردوس، مرافقتك في الفردوس الأعلى، انظر إلى رجائه، وهمته العالية، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، هل قال له المصطفى أبشر، هل قال له المصطفى: نم وارتاح، أدعو لك وانتهى الأمر؟ لا. قال: (أعِنّي على نفسك بكثرة السجود) الأمر يحتاج إلى صلاة، يحتاج إلى سجود، يحتاج إلى ظمأ الهواجر، يحتاج إلى قراءة قرآن، يحتاج إلى اعتكاف في المساجد، يحتاج إلى أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، يحتاج إلى أمر بالرسالة، وإلى صبر حتى تسمعها عند الله جل وعلا: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24].

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756001550