إسلام ويب

تفسير سورة الرحمن (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن النعيم الذي أعده الله عز وجل لعباده المؤمنين المقربين لا يحصره حصر ولا يحده حد، فهو سبحانه قد أعد لهم بدل الجنة جنتين، وجعل هاتين الجنتين مليئة بالأشجار مكتنزة بالثمار، وأجرى في هاتين الجنتين عينين من الماء الزلال، وجعل ثمار هاتين الجنتين من كل صنف زوجين، يتناولها أهل الجنة وهم على الفرش والسرائر، يتنعمون مع أزواجهم من الحور العين، فأكرم به من نعيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد.

    فها نحن مع سورة الرحمن المكية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-61].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء في ذلك البعث إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم، ما زال السياق يقرر عقيدة البعث والجزاء, وأننا لا بد أن نبعث أحياء ونحاسب ونجزى على كسبنا هذا وعملنا الذي نقوم به الآن ونحن عقلاء غير مجانين.

    فقال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46], من هو الذي يخاف مقام ربه؟ هذا الذي إذا أراد أن يقول كلمة سوء يذكر أنه سيقف بين يدي الله يوم القيامة ويسأله، أراد أن يمد يده لباطل أو سوء يذكر وقوفه بين يدي الله فلا يمد يده، يريد أن يخطو خطوة إلى ربا أو زنا أو باطل أو غيبة أو نميمة فيذكر أنه سيسأل عن هذا بين يدي ربه فيرجع ولا يواصل مشيه.

    فالذي يخاف مقام ربه عبد آمن حق الإيمان وعمل الصالحات وابتعد عن الشرك والكفر والذنوب والآثام، هذا هو الذي يخبر تعالى عنه فيقول: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46], ما هي جنة واحدة, بل جنتان, أي: بستانان، كل بستان فيه قصر، وقد علمتم أن رسولنا صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى السماء ودخل الجنة ومشى فيها بقدميه الشريفتين، وشاهد حورها وقصورها وأنهارها.

    وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ [الرحمن:46] فما عصاه، ما فجر عن طاعته، ما ترك عبادته، هذا الذي خاف مقام ربه له عهد من الله ووعد صادق بأن له جنتين، قولوا: اللهم اجعلنا منهم, اللهم اجعلنا منهم.. اللهم اجعلنا منهم.

    ومن فسق وفجر وكذب وتاب تاب الله عليه، فالعبرة بالساعة التي تموت فيها، فهل أنت مؤمن موقن عامل للصالحات، مبتعد عن الشرك والسيئات, أو منغمس في الذنوب والآثام؟

    ولنذكر هذا ولا ننسه، نحن نذكر دائماً أننا مع الله، والله! إننا مع الله، ترفع رأسك فيراك الله، تقول كلمة فيسمعك الله، تمشي خطوة فيعلمها الله، فكيف ما نخافه وما نرهبه؟ كيف نعصيه ونخرج عن طاعته ونحن ذاكرون له؟ لكن أهل المعاصي هم أهل الغفلة، أهل الإعراض، أهل النسيان, ما يذكرون الدار الآخرة ولا ما يجري فيها من حساب ولا جزاء، لا يذكرون الله وهو معهم، ولا يبالون بذكره, هؤلاء هم الهلكى المنغمسون في الذنوب والآثام.

    وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-47]؟ أي تكذيب بهذه النعم يا عباد الله؟ ربنا آمنا بنعمك وما كذبنا بها يا رب العالمين، ربنا لك الحمد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذواتا أفنان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    ثم يقول تعالى: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48], الجنتان كل جنة فيها أفنان، أنواع من الثمار والأنهار وقل ما شئت، ما هو ببستان كبساتيننا فيها نخلات أو تفاحة أو رمانة, بل جنتان ذواتا أفنان، جمع فن, وهو اللون, وأنتم تعرفون الفنون في الأغاني, ألوان وأنواع.

    ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:48-49]؟ لا بشيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد.. ربنا لك الحمد.. ربنا لك الحمد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان تجريان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    ثم قال تعالى: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50] في تلك الجنتين عينان تجريان من الماء العذب الفرات، وأنت في بستانك في قصرك ويجري الماء بين يديك، وهذه البساتين التي تعطاها أكبر من الدنيا هذه.

    فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:51]؟ لا بشيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فيهما من كل فاكهة زوجان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    قال تعالى: فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52] نوعان، التفاح نوعان، الرمان نوعان، الرطب نوعان، البطيخ نوعان، كل فاكهة تتفكه بها نوعان, ما هو بنوع واحد في هذه الجنة، فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ [الرحمن:52] تسمعون بها أو تعرفونها زَوْجَانِ [الرحمن:52], ما هو بنوع واحد ولا زوج واحد.

    فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:53]؟ لا بشيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد.. ربنا لك الحمد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن:54], متكئين, ما هم بعاملين ولا زراع ولا فلاحين ولا تجار ولا صناع، بل متكئون على فرش بطائنها السفلى من الإستبرق الحرير الأسود، أما الظاهر فلا تسأل كيف هي، هذه البطائن من إستبرق, والإستبرق: نوع من الحرير أسود، أجود أنواع الحرير، فهذا يفترشونه.

    ثم قال تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] الجنتان اللتان علمتموهما وسألتم الله أن تكونا لكم؛ هاتان الجنتان ثمارهما دانية قريبة، لا تشمر عن كتفك ولا عن رجليك ولا تصعد النخلة أبداً، بل وأنت جالس تتناول الثمر، تتناول التفاحة أو العنبة، فسبحان الله!

    ماذا قال تعالى؟ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] أي: قريب, لا كما تكون أنت الآن في بستانك فتصعد النخلة لتأخذ العرجون وتأخذ الغصون وتهبط, هذا تعب وشقاء، والدار دار نعيم ما هي بدار شقاء، فالفواكه المختلفة المتنوعة تنالها وأنت في مجلسك إن أردت، وإذا لم ترد فالخدم يقدمون لك ما تشتهي في كل ساعة.

    ثم قال تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:55]؟ لا بشيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد، فهذه النعم كيف نكذب بها؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    ثم قال تعالى: فِيهِنَّ [الرحمن:56], ولم يقل: فيهما, والمعنى واحد, فيهن أي: في تلك البساتين والجنات, فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، من هن قاصرات الطرف؟ امرأتك أو أختك المؤمنة، ما تفتح عينها في رجل أبداً، تقصر هكذا وتغمض عينيها إلا عن زوجها، ويوجد في دنياكم هؤلاء المؤمنات، وفي الجنة والله! ما تنظر حوراء إلى رجل من أهل الجنة, قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [الرحمن:56], عينها مقصورة على زوجها.

    وينبغي أن يكون نساؤنا من هذا النوع, وقد كن هكذا، وأما شيخكم فوالله! إني لمقصور الطرف في الشارع أغمض عيني, ولكن ساعدني أنني مدفوع بالعربة، ولو كنت أمشي فممكن ألا أعرف كيف أمشي، لكن ما دمت راكباً فإني أغمض عيني قاصراً الطرف، لا أفتح عيني إلا في زوجتي فقط.

    فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [الرحمن:56] لم يجامعهن إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56], كما قال تعالى: أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:36-37], ما جامعها جني إن كانت من الجن ولا إنسي إن كانت من الإنس، وهنا دليل على أن الجن يدخلون الجنة، المؤمنون الصالحون أولياء الله أهل الأنفس الطيبة يدخلون الجنة ويتنعمون فيها نساء ورجالاً، فسبحان الله!

    قال تعالى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [الرحمن:56] لم يجامعهن ولم يمسهن إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] أبداً, ويؤكده قوله تعالى: أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:36-37] كما في الآية الكريمة, أبكار ما افتضت بكارتهن، ما جامعهن إنسي إن كن إنسيات، ولا جني إن كن جنيات.

    فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:57]؟ لا بشيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد، فهذه النعم كيف نكذب بها؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كأنهن الياقوت والمرجان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    قال تعالى في وصف الحور العين: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58], أتعرف الياقوتة؟ اسأل أهل الذهب والفضة، هي بيضاء أكثر من القمر، والمرجان كذلك, بياض عجب, كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] هذا جمالهن، فهل هذا يشمل المؤمنات أو هذا خاص بالحور العين؟

    السياق في الحور العين، ولكن المؤمنات الطاهرات الصالحات حين يبعثهن الله يبعثهن على أحسن حال كالرجال، فهل نبعث نحن على هذه الهيئة؟ كلا, بل يكون طول أحدنا ستين ذراعاً كآدم عليه السلام.

    هكذا يقول تعالى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:56-57]؟ لا بشيء من نعمك ربنا نكذب, كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58], واسألوا أهل المال فهم يعرفون الياقوت كيف لونه، والمرجان كذلك.

    وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المرأة في الجنة يظهر بياضها وعليها سبعون حلة لجمالها، حتى المخ الذي في عظامها، فسبحان الله العظيم! كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:58-59].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

    ثم قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]؟ والله! ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، أحسنوا عبادة ربهم عشرين سنة، ومائة، وخمسين، طول العمر وهم يعبدون الله ليلاً ونهاراً ولا يخرجون عن طاعته ولا يفسقون عن أمره، ومن زلت قدمه وسقطت قام وانتفض وقال: أتوب إلى الله وأستغفر الله، وواصل توبته حتى توفاه الله، هذا هو المحسن, فهل جزاؤه الإساءة؟ ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، هذا حكم الله.

    ويجب أن نتعامل به نحن أيضاً، ما نجازي المحسن إلا بالإحسان، فالمسيء يجازى بالإساءة، والمحسن يجازى بالإحسان، هؤلاء أهل عبادة الله الذين خافوا مقام ربهم ورهبوه فعبدوه وأطاعوه، فزكت نفوسهم وطابت أرواحهم، وأصبحوا أهلاً للنعيم المقيم, قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]؟ نعم ما جزاء الإحسان إلا الإحسان, فجزاهم الله عز وجل بهذا النعيم المقيم، وما زالت صفاته أمامنا.

    قال تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:61]؟ لا بشيء من آلاء ربنا نكذب، ربنا لك الحمد.. ربنا لك الحمد.

    عباد الله, معشر المؤمنين والمؤمنات! خافوا مقام ربكم، اعلموا أن الله معكم يسمع كلامكم ويرى مشيتكم وحركاتكم وسكناتكم، واعلموا أنكم ستقفون بين يديه فيسألك: لم زنيت؟ لم فجرت؟ لم قتلت؟ لم كذبت؟ فكيف يكون جوابك؟

    فهيا لنعيش على مبدأ أننا خائفون من مقام ربنا, وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46], فقد ذكر تعالى ما في الجنتين من النعيم العظيم المقيم، ثم ختم ذلك بهذا الخاتم: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]؟ أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وما جزاء السوء إلا السوء.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    والآن مع هداية الآيات.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: فضل الخوف من الله تعالى, وذلك كأن تعرض للعبد المعصية فيتركها خوفاً من الله تعالى ].

    من هداية هذه الآيات: فضل الخوف من الله عز وجل، فيا عباد الله! خافوا ربكم ولا تعصوه، لا تخرجوا عن طاعته، وقد سمعتم جزاء الخائفين: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] وما فيهما من نعيم مقيم.

    فمن هداية هذه الآيات: بيان فضل الخوف من الله، فالمؤمن ترتعد فرائصه فما يقوى على أن يعصي ربه، بل إذا ذكر ربه بكى وسالت دموعه، فكيف يعصيه ويخرج عن طاعته؟

    ومع هذا -يا معشر المستمعين- لن تستطيعوا أن تخافوا ربكم إلا إذا عرفتم محابه ومكارهه، وعرفتم وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه، وبذلك يمكنكم أن تخافوا الله وتعبدوه، ومعنى هذا: أنه يجب أن نتعلم، فالذي ما يعرف ما يحب الله وما يكره الله كيف يفعل المحبوب ويترك المكروه؟ كيف يخاف الله وهو ما عرفه؟ لا بد من طلب العلم.

    وطلب العلم نظيره هذه الحلقة، فهكذا كان رسول الله مع أصحابه، فبعد صلاة المغرب في قريتنا، في حينا، في الصين، في الهند، في أوروبا، في المدينة نصلي المغرب ونجتمع كاجتماعنا هذا على آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله، كل ليلة نزداد علماً طول العام، وبذلك نعرف محاب الله ومكاره الله، ونقوى على الخوف من الله، أما مع الجهل فهيهات هيهات أن نستقيم.

    فهيا لنقضي على هذا الجهل، فيا أهل القرية! ألكم جامع كبير؟ إن قالوا: هو ضيق قلنا: وسعوه، وإذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس للغروب فيا أصحاب! الدكاكين أغلقوا أبوابها، يا أصحاب المقاهي! أغلقوا أبوابها، يا كتاب، يا عمال! ارموا ما في أيديكم، توضئوا وائتوا المسجد بنسائكم وأطفالكم، فتصلون المغرب كما صلينا وتجلسون بين يدي العالم الرباني بالكتاب والسنة, فليلة آية كهذه وليلة حديث طول العام، فهل يبقى جاهل أو جاهلة؟ والله! ما يبقى، وإذا انتفى الجهل فهل يبقى الفسق والفجور؟ والله! ما يبقى، فالفسق والفجور كله من الجهل، وبعد العلم ما يكون فسق ولا فجور، وهذا مشاهد عندنا، فادخل قرية من القرى واسألهم عن أتقاهم لله فستجده أعلمهم بالله.

    [ ثانياً: فضل نساء أهل الجنة في حبهن لأزواجهن, بحيث لا ينظرن إلا إليهم ], ما ترفع عينيها في غيره، هذا الحب, وهي -والله- تحلف له بالله أنها لا تحب إلا هو ولا تنظر إلا إليه، وكذلك يوجد من النساء المؤمنات من هذا شأنهن.

    [ ثالثاً: بيان أن أفضل النساء في الدنيا تلك التي تقصر نظرها على زوجها فتحبه ولا تحب غيره من الرجال ].

    من هداية هذه الآيات: بيان أن المؤمنة الصادقة في إيمانها تحب زوجها ولا تحب غيره، ولا تؤذيه ولا تتعرض له بسوء، وهو كذلك يحبها ويحسن إليها كأنهما في الجنة.

    [ رابعاً: بيان أن الجن المتقين يدخلون الجنة, ولهم أزواج كما للإنس سواء بسواء ].

    أهل الجنة من الإنس لهم أزواج، ومن الجن لهم أزواج؛ إذ الجن عالم كعالمنا هذا، يبعث الله الرسول في الناس وهو رسول إليهم، فإن آمنوا واتقوا الله أكرمهم الله وأدخلهم الجنة نساء ورجالاً، وإن فسقوا وفجروا أدخلهم النار كبني آدم، فالآية تقرر أن الجن يدخلون الجنة ويسكنونها.

    [ خامساً: الإشادة بالإحسان وبيان جزائه، والإحسان: هو إخلاص العبادة لله والإتيان بها على الوجه الذي شرع أداؤها عليه، مع الإحسان إلى الخلق بكف الأذى عنهم وبذل الفضل لمن احتاجه منهم ].

    من هداية الآيات: بيان فضل الإحسان، والإحسان نوعان: نوع في عبادة الله، فتحسن عبادة الله في وضوئك، في غسلك، في صلاتك، في حجك، في رباطك.. دائماً تحسن العبادة.

    ثانياً: إحسانك إلى الناس بالكلمة الطيبة والوجه الباسم، وعدم الأذى والشر، وما جزاء الإحسان إلا الجنة.

    وهنا لطيفة ذكرها أهل العلم في التفسير كـابن جرير والقرطبي : وهي أنه إذا أراد الإنسان الآدمي أن يجامع زوجته فأدخل فرجه في فرجها ولم يقل: باسم الله، فبمجرد أن يدخل الذكر فرجها يلتوي عليه الشيطان ويجامعها معه.

    فالذي يجامع زوجته وينسى كلمة (باسم الله)؛ فإن الجان من أقبح الجن وشياطينهم يجامع معه, يلتف حول ذكره ويدخل معه.

    ذكر هذا ابن جرير والقرطبي ، والسنة في ذلك معروفة, فلا بد أن تقول: باسم الله وتجامع زوجتك حتى تبعد الشيطان.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755906479