إسلام ويب

تفسير سورة المنافقون (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النفاق هو إظهار الإيمان والإسلام وإبطان الكفر، والمنافقون من أخطر أعداء الدين، ولذلك جعلهم الله تعالى في الدرك الأسفل من النار، وقد كانوا موجودين في عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله تعالى في شأنهم سورة كاملة، ذكر فيها صفاتهم وعداوتهم وصدهم عن دين الله تعالى، وحذر نبيه صلى الله عليه وسلم منهم ومن كيدهم ومكرهم بالإسلام وأهله.

    1.   

    بين يدي سورة المنافقون

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ها نحن اليوم مع سورة المنافقين المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة الآيات الأولى منها مجودة مرتلة، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:1-4].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا تعالى جل ذكره: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1]، هذه السورة مدنية بالإجماع، ونزلت في السنة الخامسة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

    ولنزولها سبب وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع رجاله في غزوة بني المصطلق غرب المدينة من خارجها.

    ثم إن عبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين قال: لا تنفقوا على أصحاب رسول الله؛ ليتخلوا عنه ويمضوا ويتركوه.

    يقول لرجاله: لا تنفقوا على من مع محمد؛ حتى يتخلوا عنه ويتركوه، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8]، فسمع هذا القول زيد بن أرقم الأنصاري ، فتألم وحدث به عمه، وعمه رضي الله عنه بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ابن أخي يسمع من ابن أبي يقول كذا وكذا، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعض رجاله إلى ابن أبي ومن معه: الجد بن قيس ومعتب بن قشير رؤساء المنافقين، فحلفوا بالله ما قالوا هذا أبداً، فلما حلفوا ما قالوا جيء إلى زيد بن أرقم فعوتب عليه: كيف تكذب؟ فبكى وانقطع عنهم في بيته، حتى جاءه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له: ( إنك لصادق، فقد أنزل الله في حادثتك سورة المنافقين: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1] ).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله...)

    قوله تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1] يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والمنافقون: جمع منافق، والمنافق من يبطن الكفر ويسره في سره، ويظهر الإيمان والإسلام بقوله وعمله.

    والمنافق ما آمن بالله رباً وإلهاً، ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ولا رسولاً، ولا بالدار الآخرة وما يجري فيها من حساب وجزاء، ما آمن أبداً، لكن اضطر إلى أن يعلن عن إيمانه بالكذب؛ ليحفظ ماله وذريته ونفسه، والحبيب صلى الله عليه وسلم قال: ( أربع خصال من خصال المنافقين )، من كانت فيه خصلة فليتق الله وليطهر نفسه منها( إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر ).

    وفي حديث آخر: ( آيات المنافق ثلاث، علامات المنافق ثلاثة: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر ).

    والنفاق كفر محض، وإنما يقول بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويحضر الصلاة معنا، وقد يحضر الجهاد معنا إذا جاهدنا وقلبه مظلم مطبوع عليه، ليس فيه إيمان أبداً.

    إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1]، يجيئون إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم مع رجاله الأصحاب من الأنصار والمهاجرين ويقولون: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1]، على علم منا.

    وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ [المنافقون:1]، شهادتهم لا قيمة لها، إذ الله تعالى يعلم إنك لرسوله، وهو يشهد أو لا يشهد فلا قيمة لشهادته.

    معنى قوله تعالى: (والله يشهد إن المنافقون لكاذبون)

    قوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، ما قالوها إلا كذباً؛ لأنهم والله لا يؤمنون برسالة محمد، ولا أنه رسول الله، ولا أن القرآن كلام الله، ولا أن الدار الآخرة حق أبداً.

    كفار مشركون، كفر محض، لكن من أجل أن يحفظوا أنفسهم أظهروا الإسلام وإلا قاتلهم الرسول وأجلاهم من المدينة؛ فلحفظ أنفسهم وأولادهم وأموالهم ينتسبون إلى الإسلام بالباطل.. بالكذب.

    فكذبهم الله تعالى فقال: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، فيما يقولونه، يجيئون إلى المجلس، يقولون: نشهد إنك رسول الله، سواء الجد بن قيس وإلا معتب بن قشير وإلا ابن أبي وغيرهم، لكن هؤلاء هم رؤساء المنافقين.

    نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ [المنافقون:1]، بدون شهادتهم، ولكن: الله يشهد إنهم لكاذبون فيما قالوه وما هم بصادقين؛ لأن الصدق يتفق مع النطق والقلب.

    إذا قلت: أنا عبد الله؛ فقلبي يعتقد ذلك ولساني يقول ذلك!

    إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله قالها لساني وقلبي موقن بأن لا إله إلا الله وبأن محمداً رسول الله. وأما المنافق فلا، يقول: أنا أشهد كذا.. وقلبه لا يؤمن ولا يصدق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ...)

    ثم قال تعالى: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:2]، الجنة: ما يجتن بها المقاتل على رأسه؛ لتدفع عنه ضرب السهام أو الرماح.

    الجنة: ما يجتن ويستتر به.

    اتخذوا إيمانهم ستراً يستترون به؛ حتى يبقوا في المدينة بأموالهم وأزواجهم وأولادهم ولا يجلون كما أجلي اليهود ولا يخرجون منها ولا يقتلون.

    اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ [المنافقون:2]، كيف؟ جُنَّةً [المنافقون:2]، ستراً يستترون به حتى يبقوا في المدينة، ولا يجليهم رسول الله ولا يقتلهم هو وأصحابه.

    اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:2] أيمانهم التي يحلفونها: والله إنك لرسول الله، والله يشهد إنك لرسول الله.

    هذه الأيمان التي يحلفون بها اتخذوها فقط وقاية وستراً، أما قلوبهم فوالله ما فيها إيمان بالله ولا برسوله.

    اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2] أولاً: أنفسهم.

    ثانياً: أولادهم وأزواجهم.

    ثالثاً: ضعاف الإيمان ممن تبعوهم من اليهود وغيرهم، الكل صدوهم عن سبيل الله وصرفوهم.

    معنى قوله تعالى: (إنهم ساء ما كانوا يعملون)

    إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:2] قبح عملهم وساء، واعتقادهم كعملهم الكل باطل وفاسد، لا خير فيهم أبداً؛ لأنهم كالأموات، بل شر من الأموات، فعملهم كان باطلاً؛ لأنه لم ينتج عن إيمان بالله وطاعة لله وطاعة لرسول الله، بل لقصد وقايتهم من الموت أو الإجلاء من البلاد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا...)

    ثم قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [المنافقون:3]، لما جاء الرسول الكريم إلى المدينة، وآمن الأنصار آمنوا مبدئياً، ثم بعد ذلك انقلبوا وقالوا: لم تؤمنون بهذا الرجل وقد أجلاه قومه وأخرجوه من بلادهم؟ كذا.. يريد منكم كذا وكذا؟ وأنتم تعرفون أهل الكذب ما يقولون، يقولون ألوان الكلام، فكانوا يصرفون المؤمنين عن الإيمان بمثل هذا القول.

    ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [المنافقون:3]، آمنوا أولاً، قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله، آمنا بهذا النبي الكريم، وبعد ذلك في اجتماعاتهم السرية والعلنية في بيوتهم وبساتينهم مجموعات ارتدوا -والعياذ بالله- قالوا: لن نؤمن، فلما ارتدوا وانتكسوا طبع الله على قلوبهم فوالله ما يهتدون ولا يؤمنون، لأنهم كفروا بعد إيمانهم، لو كانوا كافرين كما كانوا لآمنوا كغيرهم، لكن آمنوا ثم كفروا، فهذا الكفر ناتج عن فساد قلوب وعن أمراض وعن طمع وعن ماديات وعن أباطيل فبقوا في الكفر.

    ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3]، والفقه فهم الأسرار ومعرفة عواقب الأشياء، لا فهم لهم أبداً، فلو كانوا يفقهون والله ما ارتدوا، ولو ارتدوا لعادوا إلى الإيمان وأسلموا، لكنهم لا يفقهون كالحيوانات، وهذا شأن الكافرين إلى يوم القيامة.

    هل الكافر يفقه؟ يفهم؟

    لا. هل يعرف لماذا وجد هو؟ لو سئل الكافر: لم وجدت؟ لا يعرف!

    إذاً: اذهب إلى أهل العلم يعلمونك، يعرفونك لم وجدت، أنت وجدت لتذكر الله وتشكره بعبادته وطاعته، فإن رفضت ذلك عرضت نفسك لسخط الله وغضبه عليك، ثم لتعذيبه إياك وإدخالك جهنم.

    ما يفقهون لم خلق الله هذا الكون أبداً؟ لم خلق الله الطعام والشراب؟ لا يعرفون، فقط يأكلون ويشربون، ويظنون أنهم خلقوا للبقاء على الحياة، وجهلوا أنهم خلقوا من أجل أن يعبدوا الله. وهذا شأن من طبع على قلوبهم، لا يفقهون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم..)

    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:4]، هؤلاء الثلاثة أجسام بيضاء، سمان، عراض، طوال، هذا الجد بن قيس ومعتب بن قشير وعبد الله بن أبي كانوا كالجبال.

    وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:4] فما هم بالضعاف المهازيل، بل أقوياء.. وجوههم مشرقة، لكن لا يفقهون ولا يعلمون ولا يفهمون مثلهم كالأخشاب على الجدار، خشبة كبيرة مسندة إلى الجدار.

    وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ [المنافقون:4]، يا رسولنا أو يا عبد الله تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:4]، لجمالهم وكمال لباسهم وحياتهم.

    وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4]، فصحاء، بلغاء، عرب، يعجبك قولهم. لما يحضر المسجد يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، مع أنه منافق.

    وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4]، لأنهم بلغاء فصحاء.

    كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4]، ذاك الجمال والنور والكمال والقوة لا ينفعهم فقلوبهم ميتة لا خير فيهم كخشبة مسندة إلى جدار.

    يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4]، إذا سمعوا صوتاً مرتفعاً، إما هيا للجهاد وإما من ضاع له شيء يظنون أنهم مقصودون؛ لأنهم خائبون، بل يتوقعون أن ينزل القرآن يفضحهم ويبين أسماءهم، فلهذا إذا سمعوا صوتاً ارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، يخشون أن يقال: ائتوا بالمنافقين فلان وفلان وفلان.

    وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [المنافقون:4] الأكبر، هم العدو الحق، هؤلاء المنافقون هم أعداؤك يا رسولنا وأعداء عبيدنا المؤمنين فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4]، احذرهم يا رسولنا.

    حكم تعالى بأنهم أعداء الله ورسوله، فأمره أن يحذرهم، ولا يستجيب لكلامهم ولا لقولهم ولا إشاراتهم، ولا ما يطالبون به فإنهم أعداء، والله ما يريدون نصر الإسلام ولا انتصار رسوله صلى الله عليه وسلم، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4]، علم الله رسوله هذا، ليكون على حذر منهم هو وإخوانه والمؤمنون؛ لأنهم مرضى يتوقعون كذا وكذا.

    معنى قوله تعالى: (قاتلهم الله أنى يؤفكون)

    ثم قال تعالى: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] أذلهم وأهانهم ولعنهم.

    أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] كيف يصرفون من عذاب الله؟ كيف ينصرفون عن الإيمان وهم يشاهدون آيات الله تنزل والرسول ينطق بها، والمؤمنون يعملون بها؟

    كيف يشاهدون هذا ويصرفون؟ فأنى يؤفكون.

    عجب! لو لم يكن الرسول بينهم.. لو لم يكن القرآن ينزل بينهم، لو لم يكن العمل الصالح من عباد الله بينهم لقيل كذا، لكنهم يشاهدون هذا يومياً وما يؤمنون!

    قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] كيف يصرفون عن الإيمان والدعوة للحق؟

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: بيان أن الكذب ما خالف الاعتقاد وإن طابق الواقع ].

    من هداية هذه الآيات أيها المؤمنون والمؤمنات! أن الكذب ما خالف الاعتقاد وإن وافق الواقع.

    كيف ذلك؟ أن المنافقين يشهدون أن محمداً رسول الله لكن هل هذا متفق مع ما في قلوبهم؟ لا؛ بل مخالف، وما هو متفق. إذاً: فهو باطل وكذب.

    إذاً: من هداية الآيات: أن ما خالف الاعتقاد وإن كان صدقاً باللسان فهو كذب، ولا يقال فيه حق ولا صدق، فلا بد من الاعتقاد، مثلاً: تعتقد أنك مسافر غداً وتخبر والله إني لمسافر، فأنت صادق، لكن إذا كنت عازماً ألا تسافر وتأتي تدجل تقول: غداً سأسافر؛ لتضلل. فهل هذا صدق؟ لا. فلا بد من موافقة القلب وما في النفس للسان.

    [ ثانياً: التحذير من الاستمرار على المعصية، فإنه يوجب الطبع على القلب، ويحرم صاحبه الهداية ].

    هذه الحقيقة المتكررة في هداية الآيات: التحذير يا أبناء الإسلام! من مواصلة الذنب، التحذير من مواصلة الجريمة، التحذير من مواصلة الكذب والخيانة والسرقة والزنا والكذب والباطل والشر والربا، فإن مواصلة العمل الباطل تنتهي بالعبد إلى ألا يؤمن، وهذا مجرب ومشاهد، فالمؤمنون يعبدون الله، فإذا زلت أقدامهم ووقع أحدهم على معصية على الفور: أستغفر الله، أستغفر الله، يبكي، يبكي يبكي، يعزم على ألا يعود؛ فينمحي ذلك الأثر، أما أن يرتكب الإثم الآن ويصر عليه ويفعله غداً وبعد غد وهكذا.. فسيأتي يوم الله أعلم ما هو لا يقبل الإيمان ولا الإسلام ولا يتوب إلى الله.

    وهذه الهداية من أين أخذناها؟ من قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [المنافقون:3].

    [ ثالثاً: التحذير من الاغترار بالمظاهر، كحسن الهندام وفصاحة اللسان ].

    من هداية الآيات: التحذير، يحذر الله المؤمنين من أن يغتروا بالمنظر والجمال واللسان، فكم من إنسان جميل ليس فيه خير، وكم من فصيح بليغ ولا خير فيه، وهؤلاء الثلاثة : الجد بن قيس ، وابن أبي ومعتب ، كانوا من أجمل أهل المدينة في لباسهم وكلامهم، لكنهم كانوا شر الناس.

    إذاً: التحذير من الاغترار بالمظاهر عامة.

    [ رابعاً: الكشف عن نفسية الخائن والظالم والمجرم، وهو الخوف والتخوف من كل صوت أو كلمة، خشية أن يكون ذلك بياناً لحالهم، وكشفاً لجرائمهم ].

    أولئك المنافقون كانوا إذا سمعوا الصوت فزعوا؛ لأنهم يتوقعون أن ينزل بهم العذاب لظلمهم وفسقهم وفجورهم، وهكذا إلى الآن أهل الفسق والفجور دائماً خائفين، يتوقعون أن تنزل بهم المحنة أو المصيبة، فإذا سمعوا أي خبر يندهشون والعياذ بالله، وذلك لقلوبهم الميتة ونفوسهم المطبوع عليها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756190986