إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (110)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحكام المتعلقة بالطلاق أنه إذا أراد زوجها نكاحها بعقد جديد بعد بينونتها منه بطلاق رجعي فإنه لا يجوز لوليها منعها عنه إذا هي رضيت به، كما أن من الأحكام المرتبطة بالطلاق أحكام الرضاع، فمن كان له رضيع عند مطلقته فعليه نفقتها بالمعروف مقابل إرضاعها لابنه، وإن فقد الأب لزم الوارث للرضيع نفقة مرضعته، وإن أراد الأب استرضاع ابنه عند امرأة أخرى فله ذلك، وإن اتفق الأب والأم على فطام الرضيع قبل الحولين بما لا يضر به فلهما ذلك.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل.

    وقد سبق لنا أن درسنا قول الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]. ‏

    وجوب الإمساك أو التسريح بالمعروف للمطلقة الرجعية قبل تمام العدة

    وقلنا في قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231]: إنهن ما بلغن الأجل، ولكن قاربن بلوغ الأجل؛ لأنها إذا بلغت الأجل المحدود ثلاثة أقراء فلا حق له أن يمسكها، انتهى أمرها، لكن هي في عدتها فأشرفت العدة على أن تنتهي، هنا إما أن تمسكها يا عبد الله، بمعنى: تراجعها بمعروف، لا أن تمسكها وتراجعها لتعذبها وتنكل بها وتنتقم منها أيضاً، أو تسرح بالمعروف، انتهت عدتك فمع السلامة يا أختاه.

    وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، ولا تمسكوهن لأجل الإضرار بهن لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]: كان أحدهم في الجاهلية يطلقها حتى إذا أوشكت العدة أن تنتهي يراجعها لينكل بها وينغص حياتها، ثم يطلقها وهي في عدتها، فإذا أوشكت أن تنتهي العدة يراجعها، فأبطل الله هذا القانون الجاهلي، فأنزل هذه الآية فيصلاً في القضية.

    اسمع: يقول الله جل جلاله مخاطباً عباده المؤمنين والمؤمنات: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231] أيها الفحول فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: أشرفن على نهاية العدة؛ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231]، لا تمسكها لتنكل بها وتضايقها وتؤذيها وهي في عصمتك، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231]: لا سب ولا شتم ولا أخذ لحق من حقوقها.

    حرمة إمساك المطلقة الرجعية بقصد الضرار والعدوان

    وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، إياك أن تمسك المطلقة وتراجعها قبل أن تنتهي عدتها من أجل الإضرار بها، هذه أمة الله لا يرضى سيدها ومولاها أن تؤذيها أنت يا عبد الله.

    وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231] أي: تعرض لنقمة الله وعذابه، وقد عرفنا أن الله لا يرضى أن يؤذى عبده ولا يرضى أن تؤذى أمته كذلك.

    وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] وسخرية وضحكاً ولعباً، فلا تطبقوها ولا تنفذوها في حياتكم، هذا موقف لا يقفه إلا من تعرض لنقم الله وسخطه.

    تذكير المؤمنين وعظتهم بإحاطة علم الله تعالى بكل شيء

    وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] البشرية كلها محرومة من هذا النور، مبعدة عن هذه الهداية، تعيش في ظلام الجهل والكفر، وأنتم أنعم الله عليكم؛ بعث فيكم رسوله وأنزل كتابه وشرعه، ثم تستهزئون به، من لم يشكر نعمة الله عرضها للسلب بعد العطاء، وإن شئتم حلفت لكم، من لم يشكر نعمة الله فلينتظر زوالها طال الزمان أو قصر: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

    يقول الحكماء: نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، بعدما كنا في عز وطهر وصفاء نصبح أذلة مهانين مساقين كالأنعام، أما سلط علينا أوروبا؟

    وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231] المراد بالحكمة السنة. يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231] آمراً وناهياً، وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] قبل كل شيء، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231] اتقوه، التزموا ما أمركم بالتزامه، أحلوا ما أحل وحرموا ما حرم، أدوا ما أوجب واتركوا ما نهى عنه، بهذا يتقى، لا يتقى بالسلاح ولا بالرجال، وَاعْلَمُوا [البقرة:231] زيادة على ذلك أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231].

    يا من يريد أن يحتال على هذه المؤمنة ويراجعها لينكل بها ويضر بها! لا تحسبن أنك وحدك، إن الله معك، يراك ويعلم حالك ظاهرك وباطنك، فهذه توجد المهابة في قلب المؤمنين والمؤمنة، ولهذا أهل الإيمان والتقوى هم أقرب الناس إلى الله عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ...)

    والآن نسمع قوله تعالى يخاطب المؤمنين والمؤمنات؛ لأن الكافرين والكافرات أموات، ما هم بأهل لأن يخاطبوا؛ لأنهم لا يفقهون ولا يعملون، هذا الخطاب لأهل الإيمان: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] نهاية العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] أي: تمنعوهن أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232].

    سبب نزول الآية الكريمة

    لهذه الآية قصة أو حادثة نزلت بسببها، فهناك رجل يقال له: معقل بن يسار من أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم، وله صهر يقال له: أبو البداح ، فأخت معقل هي زوجة أبي البداح ، فطلقها في المرة الأولى وراجعها، وطلقها في المرة الثانية وبانت منه، ورغبت الزوجة في أن تعود إلى زوجها، والزوج رغب في أن يعود إلى زوجته، أبو البداح راغب وهي أيضاً راغبة، فبلغ ذلك أخاها معقل بن يسار فقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجته، كيف يهزأ بي ويسخر ويفعل هكذا، لن تعودي إليه.

    فنزلت هذه الآية فيصلاً، فربنا يسمع ويعلم ويرى حادثة وقعت في ظلام هذه الدنيا بين رجل وامرأة، يعلم وهو فوق السماوات السبع، فوق العرش، فوق الملكوت كله، كأنه معهم؟! آمنا بالله، نزلت هذه الآية لتحل هذا المشكلة وأمثالها مما قد يحدث في أمة الإسلام، فنزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] انتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232]، العضل: المنع، أمسكها بعضلته لئلا تتزوج، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232].

    ففي الآية السابقة أراد المطلق أن يراجعها لينكل بها، يتركها حتى تكاد العدة تنتهي ثم يراجعها؛ ليبقى يسب ويشتم وينكل بها، فهذه حرمها الله.

    ولكن هنا على خلاف تلك، فهنا تزوج الرجل هذه المؤمنة وشاء الله أن طلقها، وقبل أن تنتهي العدة راجعها، عاش معها زمناً ثم طلقها، وانتهت عدتها، فرغب أن يعود إليها ورغبت أن تعود إليه، فأخوها معقل بن يسار قال: لن يكون هذا، ما نرضى بمثل هذا الشخص يطلق مرتين ويراجع، فقال لأخته: وجهي من وجهك حرام إن تزوجته، فمن يفصل الآن؟ الله تعالى، فنزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] وانتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] تمنعوهن أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، إذا كانت هي راضية وكان هو راضياً وبالإحسان والمعروف لا بالحيل والمكر.

    فماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم لـمعقل بن يسار ؟ قال له: ( إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك من أبي البداح

    ، فقال: آمنت بالله، وردها إلى أبي البداح

    ).

    دلالة الآية الكريمة على شرطية الولي في عقد النكاح

    وفي هذا دليل على شرطية الولي في النكاح، فالآية تدل على أن الولي في النكاح شرط في صحته، ولا التفات إلى من يرى أن للمرأة أن تزوج نفسها، من زوجت نفسها ولها ولي فهي زانية.. زانية.. زانية.

    لأن هذه أخت معقل ومنعها لأنه ولي، ففي هذه الآية دليل على شرطية الولاية في النكاح، فولي المرأة أبوها، فإن مات أبوها فأخوها الراشد الرشيد، فإن مات أخوها فابن أخيها الرشيد، فعمها، فابن عمها، فإن لم يكن ولي فالقاضي وليها؛ القاضي ولي من لا ولي له، فإن عدم القاضي أفتانا عمر فقال: فوليها ذو الرأي من عشيرتها، فعشيرتها وقبيلتها إذا كان فيهم رجل فحل ذو رأي وبصيرة ووعي فهو الذي يتولى عقد نكاحها؛ فإذا كانت قرى ما فيها قضاة أبداً، فماذا يصنعون؟ هل يسافرون على الجمال عشرة أيام؟ ذو الرأي من عشيرتها يتولى عقد نكاحها.

    نهي الأولياء عن عضل مولياتهم

    إذاً: يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232]، ما معنى بلغن أجلهن؟ انتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] والعضل معروف، ومنه عضلة الإنسان التي في يديه، أي: لا تمنعها كما منع معقل بن يسار أخته.

    فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] عن أي شيء؟ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] بشرط أو بدون شرط؟ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، ذَلِكَ [البقرة:232] هذا الحكم المذكور يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232] فماذا قال معقل ؟ قال: آمنت بالله. ورد أخته إلى زوجها، أما الذي لا يؤمن بالله ولقائه فهو ميت، سبحان الله! فهيا نعمل على تقوية إيماننا بالله ولقائه.

    مقصد التذكير بالإيمان بالله واليوم الآخر

    وكثيراً ما أردد والله يشهد: أن الذي لا يؤمن بالله ولقائه ينبغي أن لا يوثق فيه، ولا يسند إليه أمر، ولا يعول عليه في قضية، بل نقول: لو أنك تنام متوسداً ثعباناً فمن الجائز أن تسلم ولا يأكلك، لكن لو تنام إلى كافر بالله ولقائه فوالله! لا تسلم إذا احتاج إليك، ما عنده مانع أبداً أن يفتك بك، وأي وازع له؟ هؤلاء هم شر الخليقة، ليس شر الخليقة القردة والخنازير والثعابين، شر الخليقة الكافرون والمشركون، لسنا الذين نسبهم بذلك، فالذي حكم بهذا الحكم عليهم هو مولاهم خالقهم سيدهم ربهم، واقرءوا لذلك قوله تعالى من سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:6] اليهود والنصارى وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] والبريئة: الخليقة، من برأ النسمة: خلقها، وقرئت (البرية)، لا تفهم أن البرية الصحراء، فتلك البرِّية، فالبريئة استثقلت فيها الهمزة مع الياء فاستبدلت الهمزة بياء وأدغمت فيها، فصارت: البرِيَّة، بمعنى: الخليقة، فعيلة بمعنى مفعولة.

    من شر الخليقة؟ الكفار والمشركون، ما وجه كونهم شر الخلق؟ لأن سيدهم أوجدهم خلقهم جملهم حسنهم، خلق كل شيء من أجلهم، فصاروا يكفرونه ويعبدون غيره؟ والله! إنهم لشر الخليقة بقضائك العقلي.

    مثاله: كريم من الكرماء يعالجك يا مريض فتشفى، ويكسوك فتجمل بكسوتك، وينزلك في قصرٍ، ويرسل لك خدماً يخدمونك يقدمون الطعام والشراب ليل نهار طول عمرك، ثم لا تقول: جزاه الله خيراً؟! هذا شر الخلق.

    صدق الله العظيم: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، يقولون: لم نحن شر البرية؟ فبصرهم فقل: أيخلقكم الله جل جلاله، ويخلق أمهاتكم وآباءكم، ويخلق الأرض والسماء لكم، وكل المخلوقات من أجلكم، ثم لا تعترفون به، وتعبدون أصناماً وأوثاناً أو فروجاً وشهوات، أي عقول عندكم؟ فإن قالوا: مع الأسف: ما عرفنا؟ فقل: لم ما تسألون عنه وتعرفونه؟ ولهذا فعذابهم أبدي لا ينتهي أبداً.

    قال تعالى: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ [البقرة:232] أيها المؤمنون يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232] يصدق بوجود الله رباً وإلهاً، ذا جلال وكمال، لا إله إلا هو ولا رب سواه، ويؤمن بلقائه بعد باليوم الآخر من أيام الدنيا التي سوف تنتهي، ذلك هو اليوم الآخر، وننتقل إلى اليوم الخالد الأبدي.

    معنى قوله تعالى: (ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

    ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ [البقرة:232]؛ لأن هذا الزوج إذا أحب أن يعود إلى زوجته، وأحبت أن تعود إليه، ومنعتموهما وحلتم بينهما فقد ينساقان إلى الجريمة، أو يشرد بها إلى عالم آخر، ما دام يريد ابنتك أو أختك وهي تريده، وأنت تقول: لا، وجهي من وجهك حرام، فقد يترتب على هذا مفسدة عظيمة، فلهذا قال الحق عز وجل: ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232] هو العالم بالنفسيات والضمائر والغرائز والأحوال وما يأتي به المستقبل، وأنتم لا تعلمون، إذاً: فسلموا.

    إذا تزوجت ابنتك وطلقها زوجها وبعد سنة أو سنوات ردها، ثم طلقها، فلا تقل: والله! لا ترجع، بل انظر هل هي راغبة في الرجوع؟ وهل هو راغب أيضاً؟ هل استوت الرغبتان؟ هل صلحت حالهما؟ هل تعاهدا بالطهر والصفا، فإن تم ذلك فزوجها، ردها عليه بعقد جديد قطعاً.

    تذكير بأثر تلاوة الآيات القرآنية في المنع من الكفر

    ما أجل هذه الآية وما أعظمها! هذا كلام الله، كيف نكفر بالله ونحن نتلوا آياته وفينا رسوله صلى الله عليه وسلم؟

    اسمع هذا النداء الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، من يرد على الله؟ إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] خاصة من اليهود والنصارى يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، وقد نبهنا وبكينا وصرخنا، وقلنا: نبعث بفلذات أكبادنا، بأعضادنا وسواعدنا ونضعهم بين يدي المعلمين من اليهود والنصارى في بلاد الكفر والشرك والباطل، فيتخرجون يحبون أساتذتهم ومربيهم ومعلميهم، ويأتوننا وقلوبهم ممسوحة، لا إيمان بالله ولا بلقائه، ثم نوليهم مناصب البلاد ومراكزها، فكيف نأمنهم؟ ويا من يريدون البرهنة والتدليل بالعقل! لقد استقلت ديارنا إقليماً بعد إقليم من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما استطاع إقليم واحد وقد قامت فيه دولة البلاد الوطنية أن يفرضوا الصلاة فقط على الأمة، مع أن الصلاة هي عمود الدين، لو أقاموا الصلاة فوالله الذي لا إله غيره! لكان نصف البلاء كله يختفي بإقامة الصلاة، لم ما أقاموا الصلاة؟ هل طالبوا بالزكاة وفرضوا على مواطنيهم وجبوها برجالهم؟ لا، إذاً: أليسوا في حاجة إلى المال؟ هم في حاجة، ولكن استبدلوا بها الضرائب، وقالوا: لا تقولوا الزكاة فتحيوا في قلوبهم الإيمان والإسلام، قولوا: الضريبة! هل وجد في بلد من تلك البلاد من أسند إليه أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمشي في الشوارع إذا رأى منكراً يغيره، وإن رأى معروفاً ضاع أمر به؟ والله! ما كان، فقط البوليس بالكرباج والصفارة، يسمع هذا يسب الله ورسوله فما يبالي، ما سر هذا؟

    لأن الذين أسندت إليهم قيادة البلاد والأمة ما تخرجوا من مثل هذه المجالس، درسوا وتخرجوا من تحت أساتذة روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ووليناهم، فكيف يقودوننا؟ ولا نلومهم؛ فقد أعموهم أصموهم قلبوا عقولهم وقلوبهم، جاءوا إلى بلدة وجدوها منتكسة، فلا من يغضب لله ولا لرسوله، فحصل هذا الذي حصل، وأيام الاستعمار كثير من البلاد -والله- أفضل منها اليوم.

    من القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]؟ الله. ثم قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] من أين يأتيكم الكفر وتأتونه والمناعة قائمة والحصانة ثابتة، وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟

    نريد علماء النفس يكونون حاضرين معنا، علماء السياسة، علماء الكون والحياة، هل ينقضون هذه؟ والله! لأن يعقدوا بين شعيرتين أيسر من أن يقضوها، والله! لمن السهل أن يبنوا قصراً بين السماء والأرض، ولن يستطيعوا أن ينقضوا كلام الله.

    وأين بيت القصيد؟ في قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فلو كان المسلمون منذ أن كانوا ومن اليوم إلى غد يجتمعون بنسائهم ورجالهم وأطفالهم كل ليلة في بيوت ربهم اجتماعنا هذا، يتلقون الكتاب والحكمة، فوالله! ما طرأ الذي طرأ، ولا حصل الذي حصل؛ لأن هذا الشاب ترعرع في أنوار الله ورسوله، لما بعثناه إلى بريطانيا يدرس وقد تجاوز العشرين أو الخامسة والعشرين فهو سيهديهم، ولا يضلونه، هو سيؤثر عليهم، وقلنا لهم: إن أردتم أن تبتعثوا بعثة فاختاروا الطلبة الصالحين، لا الحشاشين ولا المدخنين، اختاروا الأذكياء الأبرار من آباء وأمهات طيبين صالحين، وألزموهم بلباسهم الذي يلبسونه، وابعثوا إماماً ومربياً، واتخذوا لهم فندقاً خاصاً أو شقة، فيدرسون دراستهم ويعودون إلى مسجدهم وبيت ربهم يتلقون الكتاب والحكمة ويقيمون الصلاة، أمثال هؤلاء هل يؤثر فيهم؟ والله! ما يستطيعون، هم الذين يؤثرون، أما أن نسلخهم فنجعلهم كالبريطانيين، نقول له: احلق وجوهك فحلقه، واعمل الكرفتات واعمل كذا وكن بريطانياً، وندمجه في أسرة بنسائها العواهر وأطفالها؛ فهل سيرجع مسلماً؟ مستحيل، إلا أن يشاء الله.

    يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، أما الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر فما يمكن أن ينهض بتكاليف كهذه أو يرغب فيها؛ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ...)

    الآن مع هذه الآية الجليلة العظيمة وهي من طوال الآيات، فاسمعوها، يقول ربي جل جلاله في كتابه العزيز القرآن العظيم من سورة البقرة؛ هذه السورة كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حفظها الشاب ولوه القضاء، ولوه ولاية في إقليم إذا حفظ سورة البقرة، هذه سورة الأحكام الشرعية، يقول تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].

    لا إله إلا الله! هل هذا القرآن يقرأ على الموتى فيتوبون ويستغفرون الله؟ ماذا يصنعون؟ مضت قرون والمسلمون لا يقرءون القرآن هكذا أبداً، ولا يجتمعون عليه إلا ليلة الموت فقط لسماعه.

    قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ [البقرة:233] جمع والدة، وهي المرأة التي تلد، ويقال فيها: والدة.

    يُرْضِعْنَ [البقرة:233] الإرضاع معروف، ذاك اللبن الأبيض الحلو الذي تحول برحمة الله التي أوجدت عاطفة أم هذا الولد، يتحول من حمرة الدم إلى بياض اللبن وعسله، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] كم؟ حَوْلَيْنِ [البقرة:233] ما الحول؟ العام، من حال يحول: إذا تبدل، حال الحول: رجع هذا اليوم في ذاته، هذا الحول.

    حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] لا تقل: عاماً وعشرة أشهر، أو سنة وأحد عشر شهراً، حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] هذا لمن؟ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، فإذا أراد يكتفي بعام، أو بعام ونصف فشأنه. ‏

    معنى قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)

    إذاً: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233] من هو المولود له؟ الرجل، إذاً: هي ولدت له، ما ولدت لها، هل سمعتم من يقول: إبراهيم بن زليخة، أو سعيد بن ليلى، أو إبراهيم بن خديجة؟ بل إبراهيم بن إسماعيل خالد بن كذا، فسبحان الله! لطائف القرآن فيها العجب.

    وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233] هذه الأمة من إماء الله ولدت لك أنت إبراهيم، أنت زرعت وحصدت وهي جزاها الله خيراً.

    وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] هذا إذا كانت ما طلقت فلا بد من كسوتها وإطعامها بالمعروف، لا يكلف ما لا يطيق، فلا يقال: لا بد من البقلاوة والدجاج المقلي! بل حسب حالته، بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا ما يخالف العرف.

    وإن كانت مطلقة وولدت فمن يرضع هذا الولد؟ ترضعه هي إذا اتفقت مع زوجها حولين، وبعد الحولين ما بقي شيء: ( لا رضاع بعد الحولين، ولا يتم بعد الاحتلام ).

    إذاً: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] إذا كان ولدت وهي مطلقة قد انتهت عدتها بالوضع، فالمطلقة إذا كانت حبلى تنتهي عدتها إذا وضعت، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، فلما وضعت حملها بانت من زوجها، إن شاء قال: أعطني ولدي، لكن لا بد أن ترضعه اللبأ، لا يسمح لها الشرع بأن تعطيه لأول ساعة، فإنه ما يعيش، لا بد من اللبأ يرضعه من ثديها، وبعد ذلك إذا اختصما وما اتفقا فليرضعه عند من شاء، وإن اتفقا وأرضعته فعليه كسوتها وإطعامها ونفقتها بالمعروف.

    معنى قوله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)

    لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233] من قال هذا القول؟ الله. لم قال هذا؟ لأن خديجة تقول: إذا لم تعطنا خمسة آلاف ريال في الشهر فلن نرضع هذا الولد، طلقتني وكرهتني وأنا كذلك، فادفع خمسة آلاف ريال في الشهر وإلا فلن نرضعه، يقول الفحل: أنا راتبي ألف وخمسمائة ريال، فمن أين آتي بخمسة آلاف؟ كيف تكلفونني ما لا أطيق وربي يقول: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233] ويقول: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233]! الكل عبيد الله؛ الأطفال النساء الرجال الكل مالكهم واحد مولاهم واحد، الراحم لهم واحد، سبحان الله العظيم!

    اسمع كيف يسوي بينهم: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا [البقرة:233]، لا يضر الوالدة بولدها فيلزمها أن ترضعه مجاناً وهي عاجزة، وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] ولا هي تقول: أعطنا خمسة آلاف وإلا فلن نرضعه، لا هي تتأذى ولا هو يتأذى، والمولى هو الحاكم.

    لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] فهو مولود له أو لا؟ ولهذا ما نقول: سليمان بن فاطمة، بل سليمان بن داود؛ لأنها هي ولدت له لا لها هي، سبحان الله!

    معنى قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك)

    قال تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، مات الوالد وهذه المرضعة ترضع، فمن يتولى النفقة؟ هذا اللفظ صالح لعدة معان، فالقرآن حمال الوجوه، فمن فقه وعرف يجد رحمة الله متجلية، لا إله إلا الله!

    الوارث يتناول الورثة الذين مات والدهم، أبناؤه الكبار، إخوانه، أعمامه ورثة أو لا؟ هم الذين يعطون هذه المرضعة المطلقة نفقتها.

    والوارث الطفل نفسه، فهو وارث، أصبح له مال، عنده الربع أو النصف في التركة، أو كل التركة له، إذاً: ينفق على المرضع من ماله هو، لأنه هو الوارث.

    إذاً: حق هذه المرضعة المسكينة ما دامت ترضعه عامين أو عاماً ونصفاً يؤخذ من هذا المال الصغير؛ لأنه وارث، فإن لم يكن له مال فحينئذ ينفق عليها الأقرباء الورثة لأصالتهم، وإن لم يكن ترك الميت مالاً، والكل يدل عليه قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

    معنى قوله تعالى: (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما)

    قال تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا [البقرة:233] أي: فطاماً للولد، بعد سنة قالت: يكفي، خذ ولدك، أو هو قال: يكفي، فالآن الولد لا بأس به والحمد لله، أعطونا ولدنا. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة:233]، وهذا يشمل أيضاً المرأة غير المطلقة هي وزوجها، قالت: يا أبا فلان! يكفني الإرضاع، لنفطم الولد، فإن رضي الزوج وقال: لا بأس فإنه يفطم، وإذا قال: لا، ما زال صغيراً، أرضعيه؛ فلا بد أن تطيع.

    فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة:233] لا تستبد برأيها وتفطمه، وهو كذلك لا يقل: يكفي، فقد آذانا، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:233] أذن المولى لهما، لا تضييق ولا حرج ولا إثم، سبحان الله!

    معنى قوله تعالى: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف)

    ثم قال تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ [البقرة:233]، تريد أن ترضعه عند امرأة أخرى ولا تريد تركه مع أمه، أمه طلقت، حتى ولو لم تطلق، كان العرب يرضعون أولادهم عند النساء الحسناوات أو القويات ليخرج قوياً.

    وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ [البقرة:233] عند نساء أخريات غير أمهات الأولاد فلا جناح عليكم، لا إثم ولا حرج، بشرط إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] أعطها حقها الذي لها وخذ الولد، هي أرضعته خمسة أشهر وما أعطيتها ريالاً، والآن تقول: أعطيني ولدي ورديه إلي يا فلانة، فأد حقها أولاً، سبحان الله! وإن كانت أمه هي، لكن أرضعته بمقابل وهو ماطلها وما أعطاها، ثم لما كثر الحق عليه قال: أعطينا ولدنا، وجدنا عمته ترضعه، يقول تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:233] بشرط إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا بالمماطلة، إذا سلمتم ما وجب عليكم أداؤه للمرضعة وبالمعروف؛ لأن بعض الصعاليك -كما تعرفون- يقولون: يا عمياء .. يا كذا! أعطينا ولدنا؛ لأنهم ما تربوا في حجور الصالحين، يقولون البذاءة والباطل، فلهذا قال: بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا بالمنكر.

    معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير)

    وأخيراً يقول تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:233] إياكم أن تخرجوا عن هذه التعاليم، أو تعبثوا بها وتستهينوا بها. أي يا رب قد تركها المسلمون من قرون، ما سمعوا بها ولا درسوا ولا اجتمعوا عليها، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].

    معاشر المستمعين! قد نعود إلى الآية إن شاء الله مرة أخرى، لكن اسمعوا: والله الذي لا إله غيره! لن نكمُل ولن نسعد، ولن نطيب ولن نطهر، ولن نسود ولن نقود البشرية إلا إذا عدنا إلى كتاب الله وحكمة رسوله.

    والطريقة سهلة ميسرة، وقد بلغنا وصحنا وأنتم ما بلغتم، وخاصة طلبة العلم، بل ينتقدون.

    أقول: أي مانع من أن نغير وضعنا بفجأة، يا أهل المسجد! يقول إمامكم: من الآن إن شاء الله إذا مالت الشمس إلى الغروب نأتي بأطفالنا ونسائنا إلى بيت ربنا، ونجلس بعد صلاة المغرب نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونهذب أرواحنا، ونسموا بآدابنا، ومصدر الآداب هو قال الله وقال رسوله.

    تأتي القرية أو الحي بعد آذان المغرب فلا تجد أحداً، أين ذهب الناس؟ في بيت ربهم، أسألكم بالله: هل الذي يجلس في بيت مولاه مؤمناً موقناً يتلقى الكتاب والحكمة يفسق أو يفجر، أو يسيء إلى الناس أو يؤذيهم، هل يبخل أو يضن بما عنده وهم في حاجة إليه؟ والله! ما كان.

    أما اشتراكية، ديمقراطية، علمانية فخبط وهبوط، والله! ما يرفعكم إلا هذا الطريق السهل الميسر بلا صعوبة ولا كلفة، فقط نعلن لله أنا رجعنا إليك وتبنا إليك، وها نحن بين يديك كل ليلة نبكي. فهل عرفتم هذه؟ وستذكرونها إن شاء الله.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755775897