أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وانتهوا عما نُهيتم عنه لعلكم تفلحون.
عباد الله: تكلمنا في الجمعة الماضية عن الشق الأول من الفواحش القبيحة وهي فاحشة الزنا ذلك المرض الخلقي الخبيث، وحديثنا في هذا المقام عن الشق الثاني وهي جريمة اللواط.
عباد الله: إن اللواط يعتبر من أخطر الفواحش على الفرد والمجتمع، تلك الفاحشة النكراء والمصيبة العظمى التي تسلب الرجولة سلباً، وما أقرب اللواط من القاذورات والأوساخ!! وما أبعده عن الرجولة والذوق السليم!!
إن هذا الفعل المشين يعبر عن الفوضى الخلقية في أوسع حدودها، وعن الهمجية في أبشع مظاهرها.
عباد الله: من عمل عمل قوم لوط، فقد حارب الله تعالى بالمعاصي، وخلع جلباب الحياء والمروءة، وتخلّى عن شعائر وصفات أهل الشهامة والرجولة، وتحلّى بصفات البهائم، بل إن البهائم أفضل منه، فلا نجد حيواناً ينكح ذكراً مثله، نعم. فالحيوان مفطورٌ على النفور من هذا العمل الدنيء، وناهيك برذيلة تعف عنها الحمير، فكيف يليق فعلها بمن هو في صورة عاقل رشيد؟! فيكون أسفل من الحيوان همة، وأنتن من الجيفة، فمن كان هذه حاله، فهو من أكثر الناس خزياً وذلاًً، فبعداً له وسحقاً.
روى ابن حبان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله من عَِملَ عَمَل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) وروى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كثر اللوطية، رفع الله عز وجل يده عن الخلق، فلا يبالي في أي وادٍ هلكوا).
وروى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى رجلاً، أو امرأةً في دبرها).
هذا واللوطية في هذه الأمة على أصناف ثلاثة:
صنف ينظرون.
وصنف يصافحون.
وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث.
فاتق الله يا عبد الله! واحذر أن تكون واقعاً في أحد هذه الأصناف، فتهلك من حيث لا تشعر، واحفظ جوارحك عن الحرام.
وتحرم الخلوة بالشاب الأمرد في نحو بيتٍ، أو دكان، أو نحو ذلك كالمرأة، بل من المردان من يفوق النساء بحسنه، فالفتنة به أعظم، ولأنه يتيسر في حقه من طرق الريبة والشر ما لا يتيسر في حق المرأة، لاضطرار المخالطة، فهو بالتحريم أولى.
وأقوال السلف في التنفير عنهم، والتحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر، فقد نهوا عن مجالستهم ومصاحبتهم، ولو كان الرجل صالحاً.
قال بعض التابعين: [[إذ رأيتم الرجل يحب النظر إلى الأمرد، فاتهموه في دينه]] وقال سفيان الثوري: [[إني أرى مع كل امرأةٍ شيطاناً، ومع كل صبيٍ بضعة عشر شيطاناً]] وجاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه صبيٌ حسن الوجه، فقال له: من هذا منك؟ فقال الرجل: هو ابن أختي. قال: لا تأتي به إلينا مرة أخرى، ولا تمش معه في طريق، لئلا يظن بك من لا يعرفك ويعرفه سوءاً.
وقال هشام بن عبد الملك رحمه الله: لولا أن الله تعالى ذكر فعل قوم لوطٍ في القرآن ما صدقت أن ذكراً يركب ذكراً.
فيا من هو واقعٌ في هذا الداء الخطير، إن حبك لهذا الشيء يدل على فساد طبعك وهبوط ذوقك، وإنك بهذا قد أغضبت ربك ونشرت الرذيلة في مجتمعك، وفقدت رجولتك، وإن متعاطي هذا الفعل الذميم لا يوثق به أن يخلو ولو ببهيمة.
قال: شيء أفر منه في الطريق إذا رأيته، فكيف أدخل عليه في وكره؟
نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا وقلوب المسلمين عامة من أدران الذنوب والمعاصي، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أيها المسلمون: اعلموا أنه كان فيمن مضى قبلكم من الأمم أمة كاملة بشبابها وشيبها أصيبت بهذا الداء الخطير -المعروف باللواط- حتى أصبح يُمارس في مجتمعاتهم وأنديتهم، وهم أول من سن هذا العمل القبيح على وجه البسيطة الذي يسمى في الوقت الحاضر بالشذوذ الجنسي، ولقد استشرى الشذوذ بينهم، واشتهروا بهذا العمل الخبيث حتى إنه لم ينج منهم ضيفٌ، أو غريب، أو عابر سبيل، فأرسل الله إليهم نبيه لوطاً عليه السلام، يدعوهم إلى الطهر والعفاف، ويحذرهم من شؤم المعصية وسوء العاقبة، فلم يصغوا، بل صموا آذانهم، وسخروا منه، وأجابوه إجابة كل مجتمع جاهلي يسمي الفضيلة رجعية، ويسمي الاحتشام تأخراً، ويسمي الالتزام بالإسلام تعصباً، ويسمي الدعارة فناً، ولم يعبئوا بنصح لوط عليه الصلاة والسلام، بل لجوا في طغيانهم يعمهون: قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت:29].
فأرسل الله تعالى ملائكته لإنزال العذاب بهم، فجاءوا إلى نبي الله لوطٍ عليه السلام في صورة ضيوف من البشر، وجاء أهل المدينة يستبشرون وأرادوا الفاحشة منهم، فقال لهم نبي الله: هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] ويريد بذلك نساء القرية بالزواج الحلال، قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ [هود:79-81] لأنها كانت كافرة وتخبر القوم بمن أتى إلى لوط، ثم قال الله تعالى: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:81-83] أي: من هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم، فأهلكهم الله: وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [العنكبوت:35].
ولقد ذكر الله تعالى عقوبة اللوطية وما حل بهم من البلاء في عشر سورٍ من القرآن، وجمع عليهم من العذاب مالم يجمعه على قوم قبلهم، جمع بين عمى الأبصار، وخسف الديار، والقذف بالأحجار، ودخول النار، وقال محذراً لمن عمل عملهم، وصفاً لما حل بهم من العذاب الشديد: وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: 89] فتذهب اللذات وتبقى الحسرات، وتفنى الشهوة وتبقى الحسرة.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتهـا من الحرام ويبقى الخزي والعار |
تبقى عواقب سوءٍ في مغبتهـا لا خير في لذةٍ من بعدها النار |
هذا وفي نفس الطريق الذي أدى بقوم لوطٍ إلى الهواية يتبعهم الغرب ومن سار على نهجهم اليوم بحضاراتهم المادية الجنسية حذو النعل بالنعل، وقد يعجب الإنسان ويتساءل: لِِمَ لَمْ تجرِ عليهم سنة الله في قوم لوط؟ وهو سؤال ينم عن صفة العجلة في الإنسان، قال الله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ [الحج:47] وإذا أردت معرفة الإجابة، فتدبر قول الله عز وجل: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [غافر:21].
هذا وصلوا على النبي المصطفى، -نبيٍ ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه- امتثالاً لأمر ربكم حيث يقول جل من قائل عليماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين!
اللهم أصلح ووفق ولاة أمور المسلمين، وارزقهم المستشارين الأمناء الناصحين، اللهم أصلح أولاد المسلمين، وجنبهم جلساء السوء من الفجرة والفاسقين، اللهم اجعلنا من الذي إذا أحسنوا؛ استبشروا، وإذا أساءوا؛ استغفروا، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكونن من الخاسرين.
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، وفرج كرب المحزونين، واقض الدين عن المدينين، واشفِ مرضى المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر