أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ.
عباد الله: هذا شهر رمضان المبارك، إنه مبارك لما فيه من الخيرات، وهو الذي وقعت فيه غزوة بدر الكبرى، وهي أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضاً المقداد رضي الله عنه -وهو من المهاجرين-: [[لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، ومن بين يديك، ومن خلفك]] فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسُر بما سمع من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال صلى الله عليه وسلم: {سيروا، وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيتُ مصارع القوم} فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وسعداً والزبير إلى بدر يلتمسون الخبر، فقَدِموا بعبدين لقريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فسألَهُما أصحابُه: من أنتما؟ قالا: نحن سقاة لقريش، فكره ذلك أصحابه رضي الله عنهم، وودوا لو كانا لعير أبي سفيان ، ولما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته قال لهما: {أخبراني، أين قريش؟ قالا: وراء هذا الكثيب، فقال: كم القوم؟ فقالا: لا علم لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: كم ينحرون كل يوم؟ -أي: كم يذبحون من الذبائح؟- فقالا: يوماً عشراً -عشراً من الْجَزور- ويوماً تسعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -بفراسته- القوم ما بين تسعمائة إلى الألف}.
ثم مدّ يديه إلى القوي العزيز العلي العظيم، وجعل يهتف بربه: {اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض} فما زال يهتف بربه مادَّاً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه فرده على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: [[يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك]] فأنزل الله عزَّ وجلَّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] فأمدَّه الله بالملائكة، واستنصر المسلمون بالله، واستغاثوا بالله، وأخلصوا لله، وتضرعوا لله، فأوحى الله إلى ملائكته: أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [الأنفال:12] فنَعَس رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، وأخذ القوم النعاس، في حال الحرب، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فقال: {أبشر يا
ثم حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب، واشتد القتال، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وذلك بإيحاء من الله- ملء كفه من الحصباء، فرمى بها وجوه القوم، وقال: {شاهت الوجوه} فلم تترك رجلاً منهم إلا ملأت عينيه، ومنخريه، وفمه، واشتغلوا بالتراب في أعينهم، وشُغل المسلمون بقتلهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ في شأن هذه الرمية، على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17], وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم.
وانتهت المعركة، وقد أعز الله جنده، وانهزم المشركون وتساقطوا بأيدي المسلمين، منهم سبعون صريعاً، ومنهم سبعون أسيراً.
ثم لا ننسى أن أهل المحلات الذين يصفون تلك الملابس حتى تعلو رأس المرأة، ثم تكون المرأة خلف تلك الصفوف من الملابس، ويحادثها ويمازحها، ويلمِّسُها، ويقبلها، وولي أمرها جالس في السيارة، أو مع السائق، والسائق معه طفل يحمله، والمرأة داخل المحل، يخاطبها صاحب المحل، يلمِّسُها، ويقبلها، والولي جالس في السيارة، أو مع زملائه، يلعب البَلُوْت، والكِنْكان، أو مع الخادمة في بيته، فإنا لله وإنا إليه راجعون!!.
يا أمة الإسلام! أين الغَيرة؟!
أين الغَيرة يا أمة الإسلام؟!
هل دفنتم الغيرة؟!
هل ذبحتم الغَيرة؟!
أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أن يأتينا أبناء فارس والروم فيغزونا ويقتلونا بسلاحهم الفتاك، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
نعم، ابنا عفراء، هما اللذَان قتلا أبا جهل ، فخرَّ فرعون هذه الأمة صريعاً، وأتى إليه ابن مسعود رضي الله عنه، وهو لا يزال في رمق من الحياة، وأخذ ابن مسعود بلحيته - ابن مسعود الذي يقول فيه رسول الله، وهو دقيق الساقين: {إنهما لأثقل من أحد في الميزان}- يأتي فيعلو صدر أبي جهل ، ويمسك بلحيته، ويحز رأسه بالسكين، ويأتي به، ويضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: [[الله أكبر! الله أكبر! الحمد لله الذي صدق وعده, ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده]] فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {انطلق، أرنِيِه} فانطلقنا، فأريته إياه، فقال: {هذا فرعون هذه الأمة، الحمد لله}.
هذه غزوة بدر يا أمة الإسلام! انتصرت فيها فئة قليلة على فئة كثيرة فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ [آل عمران:13] انتصرت الفئة القليلة؛ لأنها قائمة بدين الله، تقاتل لإعلاء كلمة الله, لا للوطنية، ولا للشعبية، ولا للعروبة، ولا.. ولا..؛ تقاتل لإعلاء كلمة الله، لم تستعن بأحد من الأجانب، إنما استعانت بالله الحي القيوم، فنصرهم الله على أعدائهم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، يا حي يا قيوم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، واغتنموا مواسم الخيرات، واستغلوها بما يقربكم من الله تعالى، فهذا شهر رمضان، قد ذهب منه الثلثان، ولم يبق منه إلا الثلث، فتداركوا ما بقي منه بصالح الأعمال، بقي منه العشر الحسان، التي ترجى فيها ليلة القدر، التي قال الله فيها: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] قال بعض العلماء رحمهم الله: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها.
ألف شهر -يا عباد الله- ثلاثة وثمانون عاماً، وأربعة أشهر، فالعمل في هذه الليلة لمن وفقه الله خير من العمل في ثلاثة وثمانين عاماً وأربعة أشهر.
في الحديث الصحيح: {تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان} ولن تظفر -يا عبد الله- بهذه الليلة إلا إذا قُمتَ ليالي العشر كلها، فقد أخفى الله جل وعلا علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة، بالصلاة، والذكر، والدعاء، فيزدادوا تقرباً إلى الله تعالى وثواباً، وأخفى الله ليلة القدر في ليالي العشر اختباراً للعباد، ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها، حريصاً عليها ممن كان كسلاناً متهاوناً، يقول صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام}.
عباد الله: اغتنموا هذه الأوقات الفضائل.
فمنها: الاعتكاف: فإنه كان يداوم عليه في العشر الأواخر حتى توفاه الله تعالى، يطلب فيها ليلة القدر، وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم، ولا يشتغل بهم ولهذا ذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أن المعتكف لا يُستحب له مخالطة الناس، ولا حتى لتعليم عِلم، بل الأفضل له الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وذكره، ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية، وإنما يكون في المساجد؛ لئلا يترك به الجمعة والجماعات؛ فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها، لذلك [[ سئل
أمة الإسلام: عليكم بالخلوة المشروعة لهذه الأمة، وهو الاعتكاف في المساجد، خصوصاً في شهر رمضان، وبالأخص في العشر الأواخر منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله، وعكف بقلبه وقالِبه على ربه، وما يقربه منه، فما بقي له همٌ سوى الله، وما يرضيه عنه؛ فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الاعتكاف يأمر بخباء، فيُضرب له في المسجد، يخلو فيه بربه عزَّ وجلَّ، فإذا صلى الفجر دخله، وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان الضرورية، وكان يُخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة ، فترجله وتغسله، وهو في المسجد، وهي حائض، وكان بعض أزواجه تزوره وهو في معتكفه، فإذا قامت لتذهب قام معها يوصلها، وذلك ليلاً، ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف، لا بقبلة، ولا بغيرها، كل هذا تحصيل لمقصود الاعتكاف ووجهه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكَف موضع عِشْرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، وربما أتى بعضهم بتلفاز، وربما بعضهم أخذ الجريدة اليومية، فهذا لونٌ، والاعتكاف النبوي لون آخر.
لله در القائمين بليلهم يدعون رباً للقليل شكورا |
قوم أقاموا للإله نفوسهم فكسا وجوههم الوسيمة نورا |
تركوا النعيم وطلقوا لذاتهم زهداً فعوضهم بذاك سرورا |
قاموا يناجون الحبيب بأدمُعٍ تجري فتحكي لؤلؤاً منثورا |
ستروا وجوههم بأستار الدجى ليلاً فأضحت في النهار بدورا |
وإذا بدا ليل سَمِعْتَ أنينَهم وشَهِدْتَ وَجْداً منهمُ وزفيرا |
يخافون من النار ويرجون من الله الجنة.
تعبوا قليلاً في رضا محبوبهم فأراحهم يوم المعاد كثيرا |
الله أكبر! هؤلاء الرجال، ما عرفوا التمثيليات، ولا الأفلام، ولا البَلُوْت، ولا الكِنْكَان.
مع الأسف الشديد كيف يقضي بعض الناس أوقاتهم في ليالي رمضان؟!
النساء: في التبرج. وكبار السن: قد عكفوا على البَلُوْت، والكِنْكَان، إلا من رحم ربك, والشباب: عكفوا على الكرة وغيرها, والأطفال: لا تسمع لهم إلا الصيحات في الشتائم واللعنات مع الأسف الشديد.
اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا، وأيقد في قلوبنا نار الغيرة ومحبتك، يا رب العالمين؛ حتى نعرف قدر هذه الأشهر المفضلة، ونرجع إليك يا ربنا.
عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، الذي ترككم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوا عليه وسلموا تسليماً، فقد أمركم بذلك رب العزة والجلال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك، وإحسانك، يا رب العالمين.
اللهم يا واحدٌ أحد، يا فردُ يا صمد، يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا عليُّ يا عظيم، يا حليمُ يا عليم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، يذل فيه أهل الخنافس، وأهل المغازلة، الذين آذوا الناس في أعراضهم، وفي بناتهم، وزوجاتهم، وفي بيوتهم بهواتفهم.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد والعناد، يا رب العالمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه, اللهم اجعلنا وإياهم ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه.
اللهم قَوِّ دعائم الأمر بالمعروف، اللهم قَوِّ دعائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اللهم من وقف أمام أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخذه -يا رب- أخذ عزيز مقتدر، وأرح منه البلاد والعباد، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين.
اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين.
اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والتبرج والسفور، وجميع الفتن التي ظهرت في أسواقنا، وفي بيوتنا، وفي قلوبنا، يا رب العالمين.
اللهم رب محمد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، وأجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله: أكثروا من ذكر الله عزَّ وجلَّ، اذكرو الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وأكثروا من سؤال الله الجنة، وتعوذوا بالله من النار، وأكثروا من الاستغفار.
اللهم تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم, اللهم صلَِّ على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر