إسلام ويب

الدخان ومضارهللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اعتنى الإسلام بالمسلم من كل جانب، ومن ذلك صحته، فقد حرم عليه محل ما يضره أو يضر غيره، ومن ذلك التدخين.

    وقد تحدث الشيخ عن مضار التدخين الصحية والاجتماعية والدينية، وعرض قول العلماء فيه من أصحاب المذاهب الأربعة وأنه لا يجوز بأي اسم أو صورة كان.

    1.   

    تحريم المذاهب الأربعة للتدخين

    الحمد لله, كرّم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحلَّ لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث, وهي من صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق, ويدعو إلى كل فضيلة، وينهى عن كل رذيلة, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا المعاصي بأنواعها, واحذروا المروجين للمعاصي الجالبين للمسلمين ما فيه ضررهم في دينهم ودنياهم وأبدانهم, الذين يسعون لجلب الدخان, أو التتن, أو التبغ, وكلها مسميات لأبي الخبائث الدخان, الذين يسعون لاستيراده, المتساهلين بما فيه من الخطورة والداء العضال, وقد تساهل فيه كثير من الناس حتى عمَّ المجتمعات وابتلي به كثير من الأفراد, وربا عليه الصغير في هذا الزمان، وهرم عليه الكبير إلا من رحم ربك.

    والدخان لم يوجد إلا حديثاً, ولم يوجد في عهد السلف , ولقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم الدخان, منهم العيني من فقهاء الحنفية، قال رحمه الله: يحرم الدخان لكونه مضر للصحة بأخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك فيحرم استعماله اتفاقاً, ولأنه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهي عن استعمالها شرعاً, للحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) والدخان مفتر باتفاق الفقهاء سلفاً وخلفاً, ولكون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وخصوصاً في مجامع العبادات ونحوها, ويؤذي الملائكة المكرمين, وفي الحديث المتفق على صحته: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم), ولكون الدخان سرفاً وتبذيراً إذ ليس فيه نفع مباح خالٍ عن الضرر, بل فيه الضرر المحقق باختيار أهل الخبرة، هذا كلام الحنفية.

    وقال الشيخ/ خالد بن أحمد بن عبد الله من المالكية: لا تجوز إمامة من يشرب الدخان, وإن لم يدمن عليه, والصلاة خلفه باطلة على الأرجح, ولا تجوز شهادته وهي باطلة... ثم قال رحمه الله: لا يجوز الاتجار في ذلك يعني الدخان، هذا مذهب المالكية.

    وقال الشيخ/ ابن علان الصديقي من الشافعية رحمهم الله في إعلام الإخوان بتحريم تناول الدخان: وقد اتفق العلماء على حفظ العقول وصونها من المفترات والمخدرات, وكل من امتص هذا الدخان مُقر بأنه لا بد أن يدوخ أول تناوله, ويكفي ذلك دليل على التحريم, لأن كل ما غير العقل بوجه من الوجوه أو أثر فيه بطريق تناوله فهو حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) والمراد بالإسكار فيه الإسكار القوي, أي: مطلق التغطية على العقل, وإن لم يكن معه الشدة المطربة، ولا شبهة أنها حاصلة لكل متناول أول ما يتناول الدخان.

    وقوله: إذا تناوله بعد لا يؤثر فيه ذلك, لا ينفي سبب التحريم؛ لأن مدمن الخمر إذا اعتادها لا تؤثر فيه تغييراً أصلاً, ولا يخرجها ذلك عن كونها حراماً, اعتباراً بأصل التغيير الثابت فيها للعقول.

    قال بعض العلماء رحمهم الله: التنباك حرام -أي: الدخان- ومن دلائل تحريمه أن فيه إضاعة المال من غير فائدة, لا في الدين ولا في الدنيا, وهو إسراف، والإسراف ممنوع لقول ربنا جل وعلا وَلا تُسْرِفُوا [الأنعام:141] ولقوله تبارك وتعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [الإسراء:26] ولقوله: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ [النساء:5] وأي سفاهة فوق أن يحرق الإنسان ماله, ويحرق قلبه وصدره بلا فائدة؟

    والدخان عبث, والعبث مذموم, والدخان خبيث يستخبثه من لا يشربه ولا يصاحب شاربه, وقد قال ربنا جل وعلا: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] مع تلك المضار الكثيرة أنه ينتن الفم الذي هو محل ذكر الله عز وجل, ويحصل منه سواد الشفتين، وعلى كل حال هو شيء لا خير فيه.

    1.   

    أضرار التدخين الصحية

    ومن فقهاء الحنابلة الشيخ/ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قال في أثناء جوابه: وبما ذكرنا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم يتبين لك تحريم الدخان الذي كثر في هذا الزمان استعماله, وصحَّ بالتواتر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات خصوصاً إذا أكثر منه أو تركه يوماً أو يومين لا يشربه ثم شربه فإنه يسكر, ويزيل العقل حتى إن صاحبه يحدث عند الناس ولا يشعر بذلك, فهذا ما قاله العلماء والأطباء, وإليك ما فيها -أي: مقالات العلماء- من مضار الدخان:

    1- أنه إسراف وتبذير، وشارب الدخان يعدي أولاده, وخصوصاً الذين يشربونه أمام الأولاد, وربما يرسلون أولادهم يشترون لهم من الدكان.

    2- الدخان يثقل على العبد العبادات, فلا تراه في الصف الأول, ويبغض إليه المكث في المساجد, ويكره صاحبه الصيام, ويدعو شاربه إلى مخالطة الأنذال والسُفَّل، ويزهده في مجالسة الأخيار.

    3- الدخان يؤذي المسلمين, ويؤذي الكرام الكاتبين, ويلوث الفم واللسان والحلق والصدر, وكلها مواضع ذكر لله, ومن أراد أن يتبين ذلك فليمر على صاحب فرن ولينظر في قلبه فإنه يجول مثل ذلك الفرن الملتهب ناراً, وقلبه أسود من كثرة ممارسة الدخان.

    4- من مضار الدخان احتوائه على مادة (النيوكوتين) السامة، والدخان يعرض شاربه لأمراض خطيرة في بدنه, ومن ذلك تعسير الهضم وإحداث التهاب في الرئتين, وإحداث السعال, وتعطيل الشرايين الصدرية, وعسر التنفس, وتشويش انتظام دقات القلب.

    5- شارب الدخان يعين على قتل نفسه والله حرم ذلك: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29].

    6- الدخان يضعف البصر, ويضر بالعقل, ويورث الحمق وسرعة الغضب, ويخرب كريات الدم, ويحطم الأعصاب, ويؤدي إلى مرض السل الرئوي, ومرض السرطان, ويسود الفم والوجه, ويتلف الأسنان ويذهب نظرتها, ويكرهها للناظرين, ويحدث الأرق وعدم النوم, ويحدث التيبس في الكبد, ويحدث مرض الفالج.

    فهذه بعض الأمراض الناتجة عن الدخان أبا الخبائث.

    فالواجب على العاقل الناصح لنفسه أن يتوب إلى الله عز جل عن شربه قبل أن يموت بسببه, فيكون قد أعان على قتل نفسه.

    اللهم اعصمنا عن كل محرم، اللهم أصلح أولادنا ونسائنا، اللهم اكفنا بالحلال عن الحرام، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين، يقول ربكم بعد أعوذ بالله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا [الأعلى:9-13].

    بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أضرار التدخين الاجتماعية والدينية

    الحمد لله يهدي من يشاء, ويضل من يشاء, ومن يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل الخلق على الإطلاق، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    عباد الله: اتقوا الله عز وجل وراقبوه في السِّر والعلانية, وابتعدوا عن جميع ما يغضب الرب جل وعلا, ابتعدوا عن مجالسة الأشرار, ابتعدوا عن مجالس السوء، وتأملوا ما جاءت به الشريعة من إحلال الحلال وتحريم الحرام؛ فإن الشريعة أحلت ما فيه مصالح للعباد, وحرمت ما فيه مضار للعباد.

    وللدخان مضار كثيرة فمن مضاره ما ذكرته سابقاً, وكذلك للدخان مضار اجتماعية وهي: انتشار الفساد في المجتمع, وكثير من الذين يشربون الدخان الآن لا يبالون بانتشاره بين الناس, بل يشربونه أمام الناس وأمام أولادهم الصغار, وهذا لا شك يهون شربه عند الصغار ويؤدي إلى نتيجة حتمية وهي: أن الصغار إذا اعتادوه في الصغر فتك بهم فتكاً عظيماً, ثم لا يستطيعون الخلاص منه عند الكبر إلا بعد المشاقة الكبيرة.

    وأما مضاره الدينية: فإن المحققين من أهل العلم الذين عرفوا مصادر الشريعة ومواردها وسلموا من الهوى قد تبين لهم تحريم الدخان من عمومات النصوص الشرعية, وقواعد الدين المرئية, وإذا كان حرام فثمنه حرام, ومعامله عاصياً لله ولرسوله, وبائعه عاصٍ الله ولرسوله, ضار لأمته ومجتمعه وأولاد المسلمين.

    وبائع الدخان سوف يلقى جزاءه أمام رب العالمين إذا سأله تلك المسائلة فليعد الجواب وليقل: إن الزبائن يبتعدوا إذا لم يجدوا عندي دخان, ليعد هذا الجواب البائخ, ليعد هذا الجواب الفاشل أمام رب العالمين.

    وسيقول له الله أنه أخبرنا في كتابه: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58].

    أمة الإسلام! الدخان ضرر في الدين؛ فإن الإيمان ينقص في المعصية ويزيد في الطاعة, وقد ألَّف كثير من علماء المسلمين في تحريمه عدة نسخ, جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.

    ونصيحتي -أيها المسلمون- لمن مَنَّ الله عليه بالعصمة من هذا الدخان, أن يحمد الله على هذه النعمة, ويسأله الثبات عليها، ويدعو لإخوانه بالعصمة من هذه الدخان الخبيث.

    أما نصيحتي بمن ابتلوا به بأن يتأملوا بدقة وإمعان في مضار الدخان ونتائجه, ليقتنعوا بضرورة الاقتناع منه، ويهون عليهم تركه واجتنابه, وأن يلحوا على ربهم بالدعاء أن يعصمهم منه ويستعينوه على ذلك, ويستعملوا الأسباب التي تعينهم على تركه, وذلك بقوة العزم وعدم الجلوس في كل محل يشرب فيه الدخان, والتسلي بما أباح الله لهم من الطيبات من المطاعم والمشارب, ولينظروا في حال من عافاه الله كيف عادت لهم صحتهم وقوتهم وزالت عنهم الأضرار الناتجة عن شرب الدخان والحمد لله رب العالمين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172].

    عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى علي صلاة، صلَّى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلنا ممن يحلون الحلال ويحرمون الحرام ويجتنبونه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى المبشرين والشيوعيين, اللهم دمرهم تدميراً, اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك, ومزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين, اللهم أعزنا بالإسلام وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العليم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756197539