أما بـعد:
أيها الناس! أيها المؤمنون حقاً! اتقوا الله عز وجل واشكروه على نعمة الإسلام.
أيها المؤمنون! بين أيديكم دينٌ عظيم اختاره الله لكم، ومنَّ به عليكم، وفضلكم به على كثير ممن خلق تفضيلاً، فهو دين الإسلام، دين اشتمل على كل ما اشتملت عليه أديان الأنبياء، بل دينٌ نسخ جميع الأديان إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ
[آل عمران:19]..
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ
[آل عمران:85] وينوه رب العزة والجلال فيقول:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً
[المائدة:3].
والذي بعث لتبليغ هذا الدين هو محمد صلى الله عليه وسلم خير رسول عرفته البشرية، فهو أفضل المرسلين وخاتم النبيين، من الله على المؤمنين ببعثته، فهو نور سطع على الدنيا انجلت به ظلمات الجهل والشرك، يقول المولى جل وعلا بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
[آل عمران:164] فبمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاح، فالله جل جلاله علَّق سعادة الدارين بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاوة في الدنيا والآخرة.
وقد أقسم رسول البشرية محمدٌ صلى الله عليه وسلم: بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.
عباد الله! هذا ربكم جل وعلا في محكم البيان يوصيكم ويقول: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
[الأنعام:153].
عباد الله! بالتمسك بهذا الدين، دين العزة والكرامة، دين مكارم الأخلاق بجميع أنواعها، دين العزة والرقي والأمن والطمأنينة، دين المحاسن بأنواعها؛ بالتمسك به يحصل الأمن والأمان والسلامة والإسلام، إن دين الإسلام ما وجد من فضيلة إلا حث على التخلق بها، ولا من رذيلة إلا حذر من قبحها وبين سوء عاقبتها، فما بال أكثرنا يسير على غير هدى ويقلد الكفار فيما حرمه الله ورسوله؟
أيها المسلمون! إن المسلم الحقيقي لا يرضى لدينه بديلاً مهما كلفه الأمر، ومهما بذل من قبيل الكفرة من المغريات، أو ناله منهم من الأذى.
نعم. إن المسلم يبقى أمام كل فتنة صلباً في دينه متمسكاً بعقيدته، ولنا في سلفنا مثالاً، فهذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه يشتد عليه أذى الكفار حتى أنهم يطرحونه على ظهره في رمضاء مكة الملتهبة بالحرارة، ويضعون الصخرة الثقيلة على صدره يريدون منه أن يترك هذا الدين، فيصمد ويثبت على دينه ويقول: [[أحدٌ أحد]] هذا مثال ضربه لكم بلال رضي الله عنه؛ ضربه للذين إذا قيل لهم أنت موسوس أو أنت مطوع انحرف وابتعد عن دين الله.
وهذا حبيب بن زيد يقول له مسيلمة الكذاب: قل لا إله إلا الله، فيعلنها ويقول: لا إله إلا الله، فيقول له مسيلمة: قل: أشهد أن مسيلمة رسول الله، فيقول: لا أسمع، ثم يقطعه مسيلمة عضواً عضواً ويأبى أن يقول: مسيلمة رسول الله حتى لقي ربه صابراً محتسباً، هكذا الابتلاء يا عباد الله.
وهذا عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه يأخذه ملك النصارى أسيراً عنده ويقول له: اتبعني وأشركك في ملكي، فيأبى ويقول: لا أبغي بدين محمدٍ صلى الله عليه وسلم بديلاً، ثم يحمي ملك الروم النحاس بالنار ويغلي القدور لتعذيبه، وعند ذلك يبكي عبد الله بن حذافة ، فيطمع ملك الروم برجوعه عن الإسلام ويقول: تتبعني وتترك دينك، فيرد عليه عبد الله بن حذافة رضي الله عنه بقوله: ما بكيت خوفاً على نفسي، ولكن وددت أن يكون لي نفوساً عدد شعري تعذب في سبيل الله فتدخل الجنة بغير حساب.
الله أكبر الله أكبر!
وهذا عمار بن ياسر وأبوه وأمه سمية وأهل بيته عذبوا في الله ليتركوا دين الإسلام فصبروا على العذاب وتمسكوا بالإسلام، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليهم وهم يعذبون ويقول: {صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة}.
وهذا خباب بن الأرت عُذب في الله وصبر على دينه، وكان من تعذيب المشركين له أن أوقدوا له ناراً وسحبوه عليها فما أطفأها إلا شحم ظهره لما ذاب، كل ذلك وهو صابر على دينه لا يتزحزح عنه قيد شعرة، وكانت أم أنمار وهي سيدته أشد حنقاً عليه من قومها فجعلت تجيء إلى خباب يوماً بعد يوم فتأخذ حديدة محمية من كيره الذي يلين فيه الحديد لصناعة السيوف، فتأخذ تلك الحديدة وتضعها على رأسه حتى يدخن رأسه، ويغمى عليه وهو يدعو عليها، واستجاب الله دعائه فقد أصيبت بصداع لم يسمع بمثل آلامه قط، فكانت تعوي من شدة الوجع كما تعوي الكلاب، وقام أبناؤها يستطبون لها في كل مكان فقيل لهم: إنه لا شفاء لها من أوجاعها إلا إذا دأبت إلى كي رأسها بالنار فجعلت تكوي رأسها بالحديد المحمى فتلقى من أوجاع الكي ما ينسيها آلام الصداع، وهكذا جزاء الظالمين يا عباد الله: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
[إبراهيم:42] ألا فليحذر الذين يحدثون في دين الله ما ليس فيه أن يدعو عليهم الصالحون فتستجاب دعوتهم.
ألا يخافون من عقاب الله ألا يخشون أن يكونوا من المنافقين الذين موعدهم في الدرك الأسفل من النار، نعم. أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، فليحذر الذين يتخلفون عن صلاة الفجر أن يكونوا من المنافقين الذي موعدهم الدرك الأسفل من النار، فالظهر والعصر والمغرب والعشاء كلها فرائض لله ألحق بها الفجر يا عبد الله، اتق الله قبل أن يأتيك هاذم اللذات وأنت لا تعرف صلاة الفجر.
اتق الله يا عبد الله، خف الله، راقب الله؛ منادي الله ينادي: الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم، وقد أثقلك عن صلاة الفجر سهرك مع الملاهي والمعاصي.. لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
عبد الله! رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: {من صلى البردين دخل الجنة} أتدري ما البردان؟ إنهما الفجر والعصر فحافظ عليهما إن أردت أن تكون من أهل الجنة.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه، وجنبنا جميعاً ما يغضبه ويأباه إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وتأسوا بسلفكم الصالح، فقد كان المسلمون إذا سمعوا الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية استجابوا لداعي الله وأقلعوا عن الخطيئة، ولم يصروا على ما فعلوا من المخالفات الشرعية، أما نحن فكم نسمع من الآيات والأحاديث، ولكن ران على القلوب الران، واستحوذت على القلوب الغفلة، واستحسنت القلوب الفسوق والعصيان، فأقبلت على الفساد وأعرضت عن تعاليم الملك الديان إلا القليل.
أيها المسلمون! إذا نظرنا بدقة إلى ما نحن عليه الآن من فساد الأخلاق ومجاهرة الفساق بأوصاف النفاق، رأينا بوناً شاسعاً بين المسلمين وتعاليم الكتاب المبين، وبين سيرة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.
أجل يا عباد الله! لقد استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فزعاً محمراً وجهه يقول: {لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح الليلة من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها قالت
وبأساليبهم الخبيثة؛ بمجلاتهم وجرائدهم ينادون المرأة المتحشمة المتمسكة بدينها، ويسمونها المعقدة والمقيدة بالأغلال، ويريدونها أن تخطو الخطوات الشيطانية، يريدونها أن تخرج في ميدان العمل لتزاحم الرجال في مجتمعاتهم، لتخرج على شاشة التلفاز، لتخرج في المسرح لتمثل، إنها دعوةٌ إلى الدعارة، دعوةٌ إلى السفور، دعوةٌ إلى الشر المستطير والجاهلية، ألا تنكرون ذلك أيها المؤمنون، ألا تغارون على محارمكم، ألا تهتكون هذه المجلات، ألا تحاربونها بكل ما أتاكم الله من علم وبصيرة، فإنها تنشر الشر والفساد، وتنشر الدعارة وسوء الأخلاق بين العباد، إنهم يريدون أن تخرج المرأة سافرة متعطرة عليها اللباس القصير تقود السيارة وتزاحم الرجال في مجتمعاتهم، وهل عرف هذا في مجتمع الإسلام سابقاً يا عباد الله، قولوا: (لا) في قلوبكم وأنا أعلنها على هذا المنبر: لا ثم لا ثم لا، بل عاشت المرأة المسلمة متحشمة عفيفة صانها رجال الأمن والإسلام في أول الإسلام.
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين، وأخلاق الإسلام وأخلاق المسلمين، وعقيدة الإسلام وعقيدة المسلمين، من أرادها بسوءٍ وشرٍ وهدمٍ فاجعل كيده في نحره ودمره تدميراً يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله! صلوا على رسول الله الذي أتاكم من الله ليخرجكم من الظلمات إلى النور، لقد أمركم الله فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أيقظنا من رقدتنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا التي استحسنت الجرائد والمجلات، واستحسنت الأفلام والتمثيليات، اللهم أخرج هذه الأمراض من قلوبنا، اللهم أخرج هذه الأمراض من قلوبنا، واستبدلها في قلوبنا القرآن والسنة يا رب العالمين.
عباد الله! والله إنه لا صلاح لكم ولا سعادة، إلا إن رجعتم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمسكتم بهما وطبقتموهما بحذافيرهما، فإنكم سترون السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما إذا استمررنا على هذا الانحطاط كل يوم مجلة، أو خمس مجلات تدخل البيوت، والأفلام من جهة والتمثيليات من جهة، فإنكم ستفقدون هذه الغيرة وسيخسف بالقلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم انصرنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أكرمنا بالإسلام، اللهم ارفعنا بالإسلام، واجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير مطبقين له، ناهين عن الشر ومبتعدين عنه يا رب العالمين، اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم أبعد عنهم جلساء السوء، اللهم أبعد عنهم جلساء السوء الذين لا يحذرونهم من الشر بل يدعونهم إليه، اللهم قرب منهم جلساء الخير، اللهم قرب منهم العلماء الورعين العاملين الذين يعينونهم إذا ذكروا ويذكرونهم إذا نسوا يا رب العالمين.
اللهم أصلح أولادنا ونسائنا واجعلهم قرة أعين لنا، واحمنا وإياهم من مضلات الفتن يا رب العالمين، اللهم أجرنا من مضلات الفتن.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
[البقرة:201] اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم نسألك أن تجمعنا ووالدينا ووالد والدينا، وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى، اللهم اجمعنا في جنات الفردوس الأعلى، اللهم اجمعنا في جنات الفردوس الأعلى، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الرحمين.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا
[النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر