وفي هذا الدرس بدأ الشيخ بقراءة أبيات من نونية القحطاني تحكي رحلة المؤمن إلى الجنة، وإلى الدار الآخرة والنعيم الذي سيحصل عليه في تلك الدار، وفيها حذر الشيخ من الشركيات والذنوب والمعاصي، ودعا إلى التوبة منها.
وبدأ يذكر نعيم أهل الجنة وما أعد الله لهم فيها من نعيم مقيم: عن النساء، والولدان، وعن المنازل والغرف، وذكر أن أفضل نعيم لأهل الجنة هو رؤية الله جل وعلا.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة في الله! ويا أيتها الأخوات في الله: حياكم الله في هذا المخيم الذين نسأل الله جلَّ وعلا أن يجعله مباركاً، وهذا اللقاء الثاني بعد اللقاء الأول الذي كانت فيها ساعة الصفر، وللموضوع تكملة لساعة الصفر، حتى ندخل في موضوعنا الذي نريد.
أخي في الله! هناك أبياتٌ قالها بعضهم، أبياتٌ شيِّقة، فيها الحث على طاعة الله سبحانه وتعالى، يقول فيها رحمه الله تعالى:
يا من يتابع سيِّد الثقلانِ كن للمهيمن صادق الإيمانِ |
واعلم بأن الله خالقك الذي سوى ولم يحتَج إلى إنسانِ |
خلق البرية كلها من أجل أن تدعوه بالإخلاص والإذعانِ |
قد أرسل الآيات منه مخوفاً لعباده كي يخلص الثقلانِ |
وأبان للإنسان كل طريقة كي لا يكون له اعتذارٌ ثاني |
ثم اقتضى أمراً ونهياً علها تتميز التقوى عن العصيانِ |
ووُلِدْت مفطوراً بفطرتك التي ليست سوى التصديق والإيمانِ |
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولودٌ يولد على الفطرة).
وبُلِيت بالتكليف أنت مخيرٌ وأمامك النجدان مفتتحانِ |
فعملت ما تهوى وأنت مراقبٌ ما كنت محجوباً عن الديَّانِ |
ثم انقضى العمر الذي تهنا به وبدأت في ضعفٍ وفي نقصانِ |
ودنا الفراق ولات حين تهربٌ أين المفر من القضاء الثاني؟ |
والتفَّ صحبُك يرقبون بحسرة ماذا تكون عواقبُ الحدَثانِ |
واستل روحَك والقلوبُ تقطعت حزناً وألقت دمعها العينانِ |
فاحتلَّ أهلَ الدار حزنٌ بالغٌ واجتاح من حضروا من الجيرانِ |
فالبنت عَذرا للفراق كئيبة والدمع يملأ ساحة الأجفانِ |
والزوج ثكلى والصغار تجمعوا يتطلعون تطلع الحيرانِ |
والابن يذهب في جهازك كاتماً شيئاً من الأحزان والأشجانِ |
وترى الحديث وقد تساءل بعضهم أوما سمعتم عن وفاة فلانِ؟ |
قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا غير المهيمن كل شيء فاني |
وأتى الحديثُ لوارثيك فأسرعوا من كل صوبٍ للحطام الفاني |
وأتى المغسل والمكفن قد أتى ليجللوك بحلة الأكفانِ |
ويجردوك من الثياب وينزعوا عنك الثياب وحلة الكتَّانِ |
وتعود فرداً لست حامل حاجة من هذه الدنيا سوى الأكفانِ |
وأتى الحديثُ لوارثيك فأسرعوا فأتوا بنعشٍ واهن العيدانِ |
صلوا عليك وأركبوك بمركبٍ فوق الظهور يُحَف بالأحزانِ |
حتى إلى القبر الذي لك جهزوا وضعوك عند شفيره بحنانِ |
ودنا الأقارب يرفعونك بينهم للحْدِ كي تمسي مع الديدانِ |
وسكنت لحداً قد يضيق لضيقه صدر الحليم وصابر الحيوانِ |
وسمعت قرع نعالهم من بعدما وضعوك في البيت الصغير الثاني |
فيه الظلام كذا السكون مخيمٌ والروح رُدَّ وجاءك الملَكانِ |
وهنا الحقيقة والمحقق قد أتى هذا مقام النصر والخذلانِ |
إن كنت في الدنيا لربك مخلصاً تدعوه بالتوحيد والإيمانِ |
فتظل ترفل في النعيم مرفهاً بفسيح قبر طاهر الأركانِ |
ولك الرفيق عن الفراق مسلياً يغني عن الأحباب والأخدانِ |
يعني: العمل الصالح.
فتحت عليك من الجنان نوافذٌ تأتيك بالأنوار والرَّيحانِ |
وتظل منشرح الفؤاد منعَّماً حتى يقوم إلى القضا الثقلانِ |
تأتي الحساب وقد فتحت صحيفةً بالنور قد كتبت وبالرضوانِ |
وترى الخلائق خائفين لذنبهم وتسير أنت بعزة وأمانِ |
ويظلك الله الكريم بظله والناس في عَرَقٍ إلى الأذقانِ |
وترى الصراط وليس فيه صعوبة كالبرق تعبر فيه نحو جنانِ |
فترى الجنان بحسنها وجمالها وترى القصور رفيعة البنيان |
طب في رغيد العيش دون مشقة تكفي مشقةُ سالف الأزمانِ |
والبس ثياب الخلد واشرب واغتسل وابعد عن الأكدار والأحزانِ |
وانظر إلى الأنهار واشرب ماءها من فوقها الأثمار في الأفنانِ |
والشهد جارٍ في العيون مطهرٌ مع خمرة الفردوس والألبانِ |
والزوج حورٌ في البيوت كواعبٌ بيضُ الوجوه خوامص الأبدانِ |
أبكارٌ شِبْه الدر في أصدافه واللؤلؤ المكنون والمرجانِ |
وهنا مقرٌ لا تَحُوُّل بعده فيه السرور برؤية الرحمنِ |
أما إذا ما كنت فيها مجرماً متتبعاً لطرائق الشيطانِ |
نعم.
أي: في الدنيا.
نسأل الله العفو والعافية، هذه حال الكثير من الناس في هذه الأزمنة تتبعوا طرائق الشيطان والعياذ بالله!
أخي في الله! هناك أناس فُتنوا بالتوسل بالقبور، ودعاء القبور، وطلب المدد والغيب وتفريج الكربات من أهل القبور.
فبالله عليك هل طريقتهم هذه صحيحة أم خطأ؟
خطأ. لماذا؟
لأنها شرك بالله والعياذ بالله.
هذه حال الجاهلية الأولى؛ كانوا يعبدون الأصنام، يعبدون الأشجار، يعبدون الأحجار، يعبدون القبور من دون الواحد القهار، نسأل الله العفو والعافية.
البعض منا يقول: الحمد لله، نحن لا نعمل هذا ولا نقره ولا نعترف به.
أقول: جزاك الله خيراً، لكن هناك أيضاً طرق ليست بعيدة عن هذا، وهي: إتيان الكهان والسحرة والعرافين والمنجمين والمشعوذين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة. وفي رواية: أربعين يوماً).
وفي الحديث الآخر: (من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
قال عمران بن حصين يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تَطَيَّرَ أو تُطِيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له) نسأل الله العفو والعافية!
أيضاً: السحر هذا الذي كنا لا نعرفه قديماً لما كانت العقائد سليمة، أما لما دُخِلَت العقائد، واختلط الحابل بالنابل؛ صار السحر الآن موجودا، خاصة بين صفوف النساء، أسأل الله أن يهديهن إنه على كل شيء قدير.
ومن تعلـَّم السحر فهو كافر كما بيَّن ربنا ذلك في القرآن: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
[البقرة:102] نسأل الله العفو والعافية!
فعلى مَن هذه طريقته، عليه أن يتوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى قبل أن ينتقل من هذه الدينا، ويوضع في قبره وحيداً فريداً، قبل أن يقف على أرض القيامة بين يدي الله جل وعلا.
ومِن الناس مَن ابتُلِي ببيع (الدخان) وقد أفتى علماؤنا -جزاهم الله خيراً- بتحريم (الدخان) تحريم زراعته، وبيعه، وشرائه، وشربه.
ومِن الناس مَن ابتُلِي ببيع المجلات الخليعة التي فيها الشر والفساد، وفيها المقالات التي تحارب الله وتحارب رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومِن الناس مَن يبيع أيضاً (الشِّيشة) المسماه بـ(الجِراك) التي والعياذ بالله هي قرينة (الدخان) وقد أفتى علماؤنا بتحريمها، نسأل الله العفو والعافية!
ومِن الناس مَن ابتُلِي أيضاً بفتح محلات لحلق اللحى، والقصات الإفرنجية، وقد أفتى علماؤنا أنه يحرم حلق اللحية أو نتفها أو قصها أو أخذ شيءٍ منها، وأخذ الدراهم في حلق اللحى والقصات الإفرنجية لا يجوز.
فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل قبل أن يقع في هذا الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ، أمِن الحلال أم مِن الحرام!) والحديث في صحيح البخاري ليس لهم همٌ إلا الحصول على هذه الأموال من أي طريقٍ كان.
فيا أخي في الله: تب إلى الله ما دمت في زمن الإمكان قبل أن توضَع في قبرك وحيداً فريداً.
أما إذا ما كنت فيها مجرماً متتبعاً لطرائق الشيطانِ |
ثكلتك أمك كيف تحتمل الأذى؟! أم كيف تصبر في لظى النيرانِ؟! |
فإذا تفرق عنك صحبُك وانثنى حُمَّالُ نعشك جاءك الملَكانِ |
يعني: إذا وضعوك في قبرك، وتفرقوا عنك -لا إله إلا الله- لن يسكنوا معك في القبر، الله أكبر!
جاءاك مرهوبين من عينيهما تُرمى بأشواظ من النيرانِ |
سألاك عن ربٍ قديرٍ خالقٍ وعن الذي قد جاء بالقرآن |
فتقول لا أدري وكنتُ مصدقاً أقوال شبه مقالة الثقلانِ |
فيُوَبِّخانك بالكلام بشدةٍ وسيضربانك ضربة السَّجانِ |
فتصيح صيحةَ آسِفٍ متوجِّعٍ ويجي الشجاعُ وذاك غولٌ ثاني |
ويجي الرفيق فيا قباحة وجهه فكأنه متمردٌ من جانِ |
أي: العمل الخبيث، يأتيه في قبره.
وتقول يا ويلاه مالي رجعةٌ حتى أحل بساحة الإيمانِ |
الله أكبر!
أخي في الله! تب إلى الله عز وجل قبل أن تقول ذلك كما قال الله سبحانه وبحمده مخبراً عن أحوال أهل التفريط: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
[المؤمنون:99] لماذا؟
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ
[المؤمنون:100].
ولن يجاب إلى هذا المطلب: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[المؤمنون:100].
الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غُفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غَفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد نادى الناس جميعاً وهو الرحيمٌ بأمته صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والحديث في صحيح مسلم.
فيا أخي في الله! ويا أختي في الله! الله الله.. بالتوبة النصوح ما دمتم في زمن الإمكان، قبل أن يحصل التحسر والتأسف إذا نزل هاذم اللذات.
ثم يا أخي في الله: إذا وفقك إلى التوبة النصوح بادر بالأعمال الصالحة التي تقربك من الله جل وعلا.
يقول الرب جلَّ وعلا في الحديث القدسي: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمعه به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
ثم أخي في الله: إذا مت على حالة ترضي الله عزَّ وجلَّ، وترضي رسوله صلى الله عليه وسلم فأبشر، فإن الله أعد لمن أطاعه وأطاع رسوله الجنة، نسأل الله من فضله الجنة، يقول الله جلَّ وعلا: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
[البقرة:25].
ويقـول جلَّ وعلا: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً
[النساء:124].
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل.
أخي في الله! يقول الرب جلَّ وعلا في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روى الحديث عن ربَّه عزَّ وجلَّ: (اقرءوا إن شئتم في كتاب الله قوله جل وعلا: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[السجدة:17]).
في الجنة، في دار الأبرار، في دار اللذة والنعيم، يقول الرب جلَّ وعلا: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
[المطففين:22-26].
إي وربي: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
[المطففين:26] متى تحصل المنافسة أخي في الله؟هل تحصل في القبر؟ أم على أرض القيامة؟ لا. تحصل في الدنيا، بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة مادمت في زمن الإمكان.
أخي في الله! أختي في الله! الفرصة مهيأة، والمجال مفتوح: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ
[المطففين:26-28].
وفي رواية في الصحيح: {آنيتهم الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم كقلب واحدٍ، يسبحون الله بكرة وعشياً}.
يا أمَة الله! أختي في الله! بشراكِ بشراكِ، أبشري! فإن المؤمنة إذا دخلت الجنة فإنها تكون أفضل من الحور العين، الله أكبر! لا إله إلا الله! نعم. إذا دخلت الجنة المؤمنة تكون أفضل من الحور العين.
فيا أمة الله! الله الله.. بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم!
يقول الرب جلَّ وعلا: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
[الرحمن:46-61].
(جولة في رياض الجنة): هناك الخدم يخدمونهم في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، ولدانٌ مخلدون كما وصفهم ربنا في القرآن: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً
[الإنسان:19] الله أكبر! إذا كان هؤلاء الخدم الذين يخدمونهم فما بالكم بالزوجات؟! الله أكبر!
أقول لكِ مرة أخرى يا أمة الله: أيتها المرأة المؤمنة! أبشري، فإن المؤمنة إذا دخلت الجنة فإنها تكون أفضل من الحور العين؛ لأنها صامت في الدنيا وصلت، وأطاعت الله عزَّ وجلَّ، ووحدت الله سبحانه وتعالى، واتبعت هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبشري يا أمة الله!
يقول الرب جلَّ وعَلا عن تلك الأزواج الحسان في الجنة: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ
[الصافات:48-49].
ويقول جل وعلا: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
[الواقعة:22-23].
هنيئاً لأهل الجنة في الجنة، نسأل الله من فضله الجنة.
فلله ما في حشوها من مسرة وأصناف لذات بها يُتَنَعَّمُ! |
ولله برد العيش بين خيامها وروضاتها والثغر في الروض يبسُمُ |
ولله واديها الذي هو موعدُ المز يد لِوَفْدِ الحُبِّ لو كنت منهمُ |
بذَيَّالِك الوادي يهيم صبابة محبٌ يرى أن الصبابة مغنمُ |
ولله أفراح المحبين عندما يخاطبهم من فوقهم ويسلمُ |
ولله أبصارٌ ترى الله جهرة فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأمُ |
فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة أمن بعدها يسلو المحب المتيمُ؟! |
ولله كم من خيرة إن تبسمت أضاء لها نورٌ من الفجر أعظمُ |
فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ويا لذة الأسماع حين تكلَّمُ |
ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ويا خجلة الفجرين حين تبسمُ |
فإن كنت ذا قلبٍ عليلٍ بحبها فلم يبقَ إلا وصلها لك مرهم |
ولا سيما في لثمها عند ضمها وقد صار منها تحت جيدك معصم |
يراها إذا أبدت له حسن وجهها يلذ به قبل الوصال وينعمُ |
تَفَكَّه فيها العين عند اجتلائها فواكه شتى طلعها ليس يعدمُ |
عناقيد من كرمٍ وتفاح جنةٍ ورمان أغصانٍ به القلب مغرمُ |
فتقسم منها الحسن في جمع واحدٍ فيا عجباً من واحدٍ يتقسمُ |
لها فرقٌ شتى من الحسن أجمعت بجملتها أن السُلُوَّ مُحَرَّمُ |
تذكر بالرحمن من هو ناظرٌ فينطق بالتسبيح لا يتلعثمُ |
إذا قابلت جيش الهموم بوجهها تولى على أعقابه الجيش يُهْزَمُ |
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدمُ |
ولما جرى ماء الشباب بغصنها تيقن حقاً أنه ليس يهرَمُ |
وصُم يومك الأدنى لعلك في غدٍ تفوز بعيد الفطر والناس صُوَّمُ |
وأقدم ولا تقنع بعيشٍ منغصٍ فما فاز باللذات من ليس يُقْدِمُ |
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ولم يكُ فيها منزلٌ لك يعُلمُ |
فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيمُ |
إلى أن قال رحمه الله:
وحي على السوق الذي فيه يلتقي المـ ـحبون ذاك السوق للقوم يُعْلَمُ |
فما شئت خذ منه بلا ثمنٍ له فقد أسلف التجار فيه وأسلموا |
وحيَّ على يوم المزيد الذي به زيارة رب العرش فاليوم موسمُ |
وحيَّ على وادٍ هنالك أفيَحٍ وتربته من إذخر المسك أعظمُ |
منابر من نورٍ هناك وفضة ومن خالص العقيان لا يتقصَّمُ |
وكثبان مسكٍ قد جعلن مقاعداً لمن دون أصحاب المنابر تُعْلمُ |
سلام عليكم يسمعون جميعهم بآذانهم تسليمه إذ يُسَلِّمُ |
يسلم عليهم الكريم جلَّ وعلا، يتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عرضها السماوات والأرض.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
(جولة في رياض الجنة): إنـها الجنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن سألتم عن سعة تلك الجنة، فقد قال الرب جل وعلا: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
[آل عمران:133].
أما إن سألتم عن أبوابها فهي ثمانية.
أما إن سألتم عن سعة تلك الأبواب: فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يومٌ وهو كضيضٌ من الزحام.اللهم اجعلنا من الداخلين من تلك الأبواب يا أرحم الرحمين!
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! اللهم اختم بالصالحات أعمالنا.اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا جميعاً هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
اللهم اجمعنا ووالدِينا ووالدِ والدِينا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا وأولادنا جميعاً، وإخواننا المسلمين والمسلمات في جنة عرضها السماوات والأرض يا أكرم الأكرمين ويا أجود الأجودين!
اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.
اللهم اجزِ القائمين على هذا المخيم خير الجزاء، اللهم اجزِ القائمين عليه خير الجزاء.
اللهم أصلح نياتهم وذرياتهم، اللهم وفقهم لفعل الخيرات، اللهم كما سخرتهم لهذا المخيم وهم يريدون الخير لإخوانهم فاجعل لنا ولهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية.
اللهم ارفع درجاتهم يا رب العالمين!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر