وعلى المرأة المسلمة مراقبة الله وعدم التبرج والسفور وعدم التشبه بالكافرات.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة والأخوات: حياكم الله في بيت من بيوت الله، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً إنك على كل شيء قدير.
إخواني في الله: لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تذكر الموت فقال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات) والله جل وعلا -أيضاً- أكثر من ذكره في القرآن؛ لأنه الخطب الفادح، وهو الذي لا تغلق دونه الأبواب، ولا تمنع منه الحصون المشيدة، إنه الموت، يقول الله جل جلاله: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
[آل عمران:185] ويقول الله جل وعلا:
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ
[النساء:77-78] ويقول جل وعلا:
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
[الجمعة:8] ويقول سبحانه وبحمده:
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ
[ق:19] ويقول سبحانه:
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ
[القيامة:26-29].
والموت كتبه الله على الخليقة أجمعين كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
[الأنبياء:35]
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ
[الرحمن:27] فيا عباد الله! اغتنموا أوقات الفضائل قبل فواتها، وتأهبوا لما أمامكم وما أنتم قادمون عليه لا محالة ألا وهو الموت.
والموت كما قال بعضهم: تبدل من حال إلى حال -من حال الحياة إلى حال الموت- وانتقال من دار إلى دار من الدور إلى القبور.
فيا عباد الله: ما هذه الغفلة والاغترار؟!
وما هذا الإكباب على الدنيا وقد رأيتم تصرم الأعمار؟ وما هذا التفريط وأنتم على الآثار وقد علمتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟
فاحذروا من هذه الغفلة، واستعدوا لهذا الخطب الفادح والحدث الجلل..
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
نشاهد ذا عين اليقين حقيقة عليه مضى طفل وكهل وأشيب |
فيا من شغلته الدنيا عن طاعة الله، وأغفلته عن ذكر الله! استيقظ مادمت في زمن الإمكان، وبادر قبل نزول الموت، قال الله جل جلاله: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[المؤمنون:99-100].
عباد الله: إن الموت فيه عظة وعبرة لمن أراد أن يتذكر، فتصوروا أحوال الميت يوم أن ينزل به الموت
يعالج نزع الروح من كل مفصلٍ فلا راحم ينجي ولا ثم مهرب |
وغمضت العينان بعد خروجها وبسطت الرجلان والرأس يعصب |
ثم لا يلبثون إلا قليلاً وهم ينظرون إليه وإذا بملك الموت قد قبض الروح، ومال الأنف وفتح الفم وشخص البصر.. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ
[ق:19] فيا لها من ساعة يتكدر فيها الصفا، ويتنغص فيها العيش، إذا نزل هادم اللذات فإنه والله أمر جلل، وخطر هائل، وخطب فادح لابد منه لكل مخلوق.
يقول بعضهم رحمه الله:
ليس الغريب غريب الشام واليمنِ إن الغريب غريب اللحد والكفنِ |
تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ ولا بكاء ولا خوف ولا حزنِ |
سفري بعيد وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني |
ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني |
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تبصرني |
يا زلةً كتبت في غفلة ذهـبت يا حسرةً بقيت في القلب تقتلني |
دع الملامة عني يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني |
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني |
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيدهم تقلبني |
إخواني: تذكروا ذلك المصرع الذي سوف يمر بنا جميعاً.
وقد أتوا بطبيب كي يعالـجني ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني |
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفق ولا هونِ |
واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني |
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شر الكفن |
وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني |
فجاءني رجل منهم فجـردني من الثياب وأعراني وأفردني |
أما المرأة فتأتيها امرأة فتجردها وتغسلها، وتقلبها على اللوح لا حول لها ولا قوة، فلا إله إلا الله!
وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني |
ثم بعد ذلك ما هي آخر كسوة يلبسها من هذه الدنيا؟
وألبسوني ثياباً لا كمام لهـا وصار زادي حنوطاً حين حنطني |
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني |
صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني |
وأنزلوني إلى قبري على مهـلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني |
فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني |
وقال هلُّوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن |
في ظلمة القبر لا أم هناك ولا أبٌ شفيق ولا أخ يؤنسني |
إنه العمل، فإما أن يكون العمل صالحاً؛ فيكون نعم الأنيس في القبر، وإما أن يكون سيئاً خبيثاً فإنه موحش في القبر والعياذ بالله.
فيا أيها الإخوة والأخوات: مثلوا أنفسكم وقد حلت بكم السكرات ونزل الأنين والغمرات.
مثلوا أنفسكم وقد أخذتم من الفرش اللينة ثم نقلتم إلى التراب، إلى بيت الوحشة والوحدة، إلى بيت الضيق والظلمة إلا من وسعه الله عليه، فهنيئاً لمن وسع الله عليه قبره، فإنه إذا سُئل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن أجاب وقال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم؛ نادى من السماء منادٍ إن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويُفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح طيب الثياب فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح.
وإن كان بعكس ذلك خرج من الدنيا وقد تحمل الأوزار والسيئات وسُئل: من ربك؟ فتلجلج بالجواب: هاه، هاه، لا أدري. ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. من نبيك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. نادى منادٍ إن كذب، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح المنظر كريه الرائحة خبيث الثياب فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا بهذا الحديث الصحيح فيقول: {إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، يأتيه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً. وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقوله الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين} متفق عليه.
فيا أيها الإخوة والأخوات!
تنبه قبل الموت إن كنت تعقل فعمَّا قليل للمقابر تنقل |
وتمسي رهيناً في القبور وتنثني لدى جَدَثٍ تحت الثرى تتجندل |
فريداً وحيداً في التراب وإنمـا قرين الفتى في القبر ما كان يعمل |
والجواب: أن تعلمي -أختي في الله- أنه لابد من الانتقال من هذه الدار، ثم بماذا ننتقل من هذه الدار؟ لن ننتقل رجالاً ونساءً من هذه الدار إلا بالأعمال، فإن كانت صالحة؛ فقد سمعت -أختي في الله- ما الذي يكون في القبر، وإن كانت الأعمال سيئة خبيثة؛ فقد سمعتِ -أيضاً- ما الذي يحصل في القبر.
لقد كانت قبل الإسلام في أتعس حال، فهي مهضومة الحقوق بين صفوف الجاهلية، تعد كأتفه الأشياء، بل وأعظم من ذلك وأطم أنها توأد وتقتل وتدس في التراب أحياناً وهي حية، فأعزها الله بالإسلام.
فيا أمة الله: لقد أعزك الله بالإسلام، ورفع قدرك فصار القرآن ينوه باسمك، ويناديك باسم الإيمان والإسلام، وورثك بعد أن كانت المرأة في الجاهلية محرومة من الإرث، وأخبر الله جل وعلا أن المؤمنة التي تطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تؤدي حقوق الله تعالى كما أمرها؛ فإن الله سوف يكرمها في جنته.. فالجنة الجنة يا أمة الله!
يقول الله جل جلاله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[التوبة:71].
أختي في الله: أسمعتي وعد الله الذي قال الله جل وعلا فيه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
[التوبة:72] لماذا أعد الله لهم هذا الجزاء؟ لما اتصفوا به من الصفات التي سمعتموها أيها الرجال والنساء! قال تعالى:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[التوبة:71].
يقول الله جل جلاله في الحديث القدسي: {وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه}.
أختي في الله: ما أحسن أحوال من أطاع الله واتقاه في الدنيا! يقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
[الطلاق:2-3] ويقول الله جل وعلا:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً
[الطلاق:4].
ومن اتقى الله أحبه الله، قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
[التوبة:4] ومن اتقى الله فإن الله يكون معه، ومن كان الله معه فوالله لن يغلب ولن يهزم ولن يضام
وَاعْلَمُو أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
[التوبة:123] أما في الآخرة فيقول الله جل جلاله:
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[النحل:97]
أختي في الله! كوني حرة، ودرة مصونة، فعملك بدين الإسلام كله؛ عقيدة، وعبادة، وأحكاماً، وأخلاقاً، وآداباً، هو والله عزك وفخرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
واعلمي أن هناك فساقاً وأنذالاً وأرذال وهم من جيوش الشيطان، استعملهم الشيطان، وليس لهم هم إلا الإفساد في الأرض، وحسبنا الله ونعم الوكيل!
أيتها المرأة المسلمة: احذري من دعاة الشر والفساد، فإنهم أعداء لك خاصة وأعداء للمسلمين عامة، وهم أعداء لعقيدتك، ولدينك، ولأخلاقك، ولشرفك، يدعونك إلى السقوط في الهاوية، ويدعونك إلى السقوط في المستنقعات الوبيئة من حيث لا تشعرين.
أيتها المسلمة: افتخري واعتزي وارفعي رأسك بهذا الدين دين الإسلام، ثم احذري أعداء الإسلام، فإنهم يدعونك إلى الرمي بالعباءة وتمزيق الحجاب، ويدعونك إلى التبرج والسفور، ويدعونك إلى الاحتكاك والاختلاط بالرجال في المصنع والمتجر والمكتب وغير ذلك، والله قد رفع قدرك وأعز من شأنك.. رفعك عن هذا المكان، وهم يدعونك -فيما يزعمون- باسم الحرية والتقدم والمدنية والحضارة والمشاركة في الحياة الاجتماعية، وهذا -والله الذي لا إله غيره- كذب وغش وخداع وتزوير من دعاة الشر والفساد والإلحاد، فكم من جرائم ارتكبت، وكم من أعراض انتهكت، وحاصل ذلك الأحزان والمصائب والمآسي، وذلك بسبب السفور والاختلاط الذي دعا إليه المنحطون.
أيتها المسلمة: أما سمعت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم} فيا أمة الله! لا تغتري بالسواد الكثير من الناس، ثم أقول لك لا تغتري أيضاً بالنساء المتمردات على شرع الله وأحكامه، ولا تغتري بالمتبرجات الداعرات الماجنات السافرات المتفرجات، يقول الله تعالى في التحذير من طرق أولئك: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
[الأنعام:116] فاحذري أختي في الله!
أيتها المرأة المسلمة: احذري من الذين يتبعون الهوى، من الذين قادهم الهوى إلى المهالك فعصوا الرحمن وأطاعوا الشيطان، وهكذا من اتبع هواه سوف يضل ويقع في مزالق الهلكة، يقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى
[طه:124-126] ويقول الله جل وعلا:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً
[مريم:59].
وبعض النساء اللواتي اتبعن طريق الشيطان مع اللهو والملاهي، والأفلام والمسلسلات، واستماع الأغاني الماجنات، فضاعت أوقاتهن بغير طاعة الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيتها المسلمة: يجب علينا جميعاً إذا أردنا أن نحوز على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: {فطوبى للغرباء} فإننا في زمن الغربة، وفي زمن كثرت فيه الفتن والمغريات والشهوات والشبهات، ولقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: {فطوبى للغرباء قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يُصلحون ما أفسد الناس، أو يَصلحون إذا فسد الناس }.
فإذا أردنا أن نحوز على هذه الدعوة؛ فلنكن من الصالحين المصلحين، فإذا جهل الناس فلا نجهل، وإذا عصى الناس فلا نعصي.
أختي في الله: لعلك سمعت حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها التي أخبرت به فقالت: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج! وحلق بالإبهام والتي تليها. فقالت
أسأل الله جل وعلا للجميع التوفيق والسداد.
أختي في الله: إذا أردت العز والفخر والشرف في الدنيا والآخرة فافعلي الواجبات واتركي المحرمات، ومن المحرمات: التبرج والسفور، ولا شك أن من وسائل الزنا التبرج والسفور، ولا شك ولا ريب أن بالزنا فساد المجتمعات، وبالزنا كل شر وعار ومحنة وفساد وبلاء، ووالله ثم والله، ما سرى داء السفور والتبرج في أعضاء أمة ومفاصلها؛ إلا أوردها موارد الهلاك والتلف والفناء، والانحطاط والذل والشقاء، والتعاسة والانهيار والسقوط.
وما لعن بنو إسرائيل إلا بعد أن تبرجت نساؤهم وتبخترت بالزينة.
أيتها المسلمة: احذري أن تكويني من هذا الصنف الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهنَّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} الله أكبر! هذا الحديث -يا أمة الله- معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الأمور نشاهدها الآن في أسواق المسلمين، وفي حفلات الأعراس، وفي كثير من المجتمعات، فإذا لبست المرأة ثوباً رقيقاً أو ضيقاً أو قصيراً، أو لبست ما يُسمى (العاري) الذي يعلق بالكتفين، فإنها تخرج شبه عارية والعياذ بالله، فإن كان رقيقاً شفافاً؛ فهو يصف ما تحته من العورة، وإن كان ضيقاً؛ فهو يبين حجم المرأة، وإن كان قصيراً؛ فلا تسألي عن فظاعة ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وأفظع من ذلك اللباس العاري الذي يتعلق بالكتفين، ما فتح علينا أخيراً من هذا البنطلون الذي فيه تشبه بأعداء الإسلام والمسلمين.
أختي في الله: أسأل الله أن يفتح على قلوبنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وإلا فالأمر جد عظيم.
فيا أمة الله: ارجعي إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما التحذير من التشبه بأعداء الإسلام والمسلمين، ووالله الذي لا إله غيره إن نحن أخذنا بتعاليم الكتاب والسنة أفلحنا ونجحنا وشرف أمة الإسلام وزكاؤها بالأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة والفضائل العالية، وذلك لا يوجد إلا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ
[القلم:4] ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: {كان خلقه القرآن}.
واحذري أن تغيري خلق الله؛ فقد حذركِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولعن من فعلت ذلك، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة}.
والواصلة: هي التي تصل الشعر بشعر آخر، والمستوصلة: هي التي تأمر من يفعل بها ذلك، فقد حلت عليها لعنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والواشمة: هي التي تفعل الوشم، والوشم: غرز الإبرة في الوجه أو في اليدين ثم يحش كحلاً أو غيره مما يظهر لونه، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعلت ذلك، وأيضاً {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله}.
والنامصة: هي التي تنقش الحواجب حتى يكون رقيقاً دقيقاً أو ربما تزيله بالكلية، وتجعل بدله تلك الأصباغ، وقد لعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمتفلجة: هي التي تجعل الفلج في أسنانها، أي: تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض، وقد لعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيتها المسلمة: كوني خير خلف لخير سلف، كوني قدوة حسنة لأخواتك وزميلاتك وبناتك، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القدوة الحسنة أن له أجراً عظيماً فقال صلى الله عليه وسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء}.
أيتها المسلمة: كوني فطنة ويقظة، كوني على حذر من دعاة الشر والفساد؛ لأنهم دعاة هدم وتخريب ودمار، ويكفي فيهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من التشبه بهم فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تتشبهوا باليهود والنصارى} {لا تتشبهوا بالمجوس} {من تشبه بقوم فهو منهم} {ليس منا من تشبه بغيرنا} وهذه إنذارات محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
فاحذري ثم احذري من تخطيطات أعداء الإسلام والمسلمين.
واعلمن أيتها الأخوات في الله! أن الإنسان مهما عاش في هذه الحياة الدنيا فسوف ينتقل منها رغم أنفه، وسوف يهجم عليه هادم اللذات ومفرق الجماعات، وسوف يأخذه من قصره ومنزله ومن بين أهله وأولاده وأقاربه، ثم ينطرح جثة هامدة لا حراك فيها ولا إحساس، قال الشاعر:
الموت في كل حين ينشر الكفنا ونحن في غفلة عما يراد بنا |
لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتهـا وإن توشحت من أثوابها الحسنا |
أين الأحبة والجيران ما فعلـوا أين الذين همُ كانوا لنا سكنا |
سقاهم الموت كأساً غير صافية فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا |
أيتها الأخوات في الله: اعلمنَ علم اليقين أن التوبة إذا صحت بأن اجتمعت شروطها وانتفت موانعها قبلت بإذن الله تعالى، إذا وقعت قبل نزول الموت -مهما كان الذنب- وقبل طلوع الشمس من مغربها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فإذا بلغت الروح الحلقوم؛ فعند ذلك لن تقبل التوبة ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد سمعت -أختي في الله- الآيات حول المفِّرط إذا نزل به الموت ماذا يقول؟: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ
[المؤمنون:99-100] فهل يجاب على هذا المطلب؟ لا. لأن الله سبحانه وتعالى حدد لهذا الإنسان عُمْراً، فالعمر محدود والأنفاس معدودة، وقد خلقه الله لعبادته وطاعته، وأرسل إليه الرسل وأنزل معهم الكتب لئلا يكون له على الله حجة بعد الرسل، عند ذلك يطلب الرجعة
رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ
[المؤمنون:99-100] فكم من امرأة إذا نزل بها الموت سوف تقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، لأن الأوقات ذهبت في السفور والتبرج، وفي المعاصي والسيئات، فهي تريد أن تصلح ذلك، ولكنَّ الله جل وعلا يقول:
كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[المؤمنون:100] فلن يجاب على هذا المطلب.
فيا أمة الله: الله الله في التوبة النصوح والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
أختي في الله: هل لك حظ من قيام الليل؛ لتدركين هذا الفضل العظيم، حتى تكوني من الذين مدحهم الله بقوله: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
[الذاريات:17-18]؟ هل لك حظ من قيام الليل؛ لتحوزي على الفضل العظيم الذي أخبر الله به في الحديث القدسي حيث قال: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يقول صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[السجدة:17]} وماذا كانوا يعملون؟ يا أمة الله! ارجعي إلى أول الآية وإذا ربنا يقول:
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
[السجدة:16] فاحذري -يا أمة الله- من هذا السهر المفرط، وتوبي إلى الله عز وجل، واهتدي بهدي محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلي لك نصيباً من الليل، قومي آخر الليل، وصلي في تلك الساعة المباركة ليحصل لك الفضل العظيم.
واحذري يا أمة الله: من النميمة، فقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: {إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله} وأخبر صلى الله عليه وسلم عن النمام فقال: {لا يدخل الجنة نمام}.
فيا أمة الله: الله الله في تقوى الله، الله الله في طاعة الله عز وجل، حتى إذا نزل بك هاذم اللذات، وجاءك ملك الموت، وكانت معك أعمال صالحة ترضي الله عز وجل.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا جميعاً توبةً نصوحاً، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أقر أعيينا وأفرح قلوبنا بصلاح أولادنا ونسائنا إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم وفق من سعى في هذه السلسلة واجعلها سلسلة مباركة، اللهم اجعلها سلسلة مباركة لمن قرأها وحضرها وسجلها ودعا إليها إنك على كل شيء قدير.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر