إسلام ويب

العيد آدابٌ وأحكامللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لكل قوم عيد، وللمسلمين عيد يوم الفطر وآخر يوم النحر، ولا ثالث لهما، وصلاة العيدين مشروعة، وقد ورد في الشريعة بيان وقتها وصفتها، وآداب العيدين. هذا ما احتوت عليه المحاضرة، مع ذكر أقوال أهل العلم في حكم صلاة العيد، وسننها وآدابها، وبيان لضوابط اللهو والفرح والألعاب في الأعياد.

    1.   

    مشروعية العيدين وصلاتهما

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا أجمعين ما حصل من الصيام والقيام، إنه خير مسئول وأكرم من أعطى سبحانه وتعالى، وقد انتهى هذا الشهر الكريم بأسرع مما كنا نتخيل ونتصور، وانقضت تلك الأيام، وكنا في الليلة الماضية نقوم ونصلي وقد صرنا الآن في ليلة الأول من شوال، ورجع الأمر إلى ما كان عليه من قيام كل شخصٍ بمفرده، لأنه لا يشرع الاجتماع للقيام إلا في رمضان.

    وبهذه المناسبة أيها الإخوة، نتعرض اليوم إن شاء الله لبعض أحكام وآداب العيدين، وذلك لأن المسلم مطالبٌ بأن يعرف أحكام دينه، وكلما حدثت مناسبة أن يعرف أحكامها الشرعية.

    فأما بالنسبة لأحكام العيدين وآدابهما؛ فإن صلاة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد كان المشركون يتخذون أعياداً زمانية ومكانية فأبطلها الإسلام وعوض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى شكراً لله تعالى على أداء هاتين العبادتين العظيمتين، صوم رمضان وحج بيت الله الحرام.

    فإذاً يأتي موسم الفرح هذا بعد انتهاء عبادة عظيمة وهي الصيام، وتأتي فرحة عيد الأضحى بعد الانتهاء من العبادة العظيمة أو في نهاية حج بيت الله الحرام.

    النهي عن مشاركة الكفار والمبتدعة في أعيادهم

    صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة كان لأهلها يومان يلعبون فيهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم النحر ويوم الفطر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً اختصاص الأمم بأعيادٍ معينة فقال: (لكل قومٍ عيد) وبما أنه (من تشبه بقومٍ فهو منهم) فلا تجوز مشاركة الكفار في أعيادهم ولا المشاركة في المناسبات والأعياد البدعية الأخرى، ولا يجوز في الدين إحداث أعيادٍ أخرى غير عيد الفطر وعيد الأضحى في السنة، كما يفعله بعض المبتدعة من أعياد الموالد وغيرها، أو ما يفعلونه تقليداً للأمم الكافرة باتخاذ أعياد كعيد المسيح، وعيد الميلاد، وعيد رأس السنة، وعيد الزواج، وعيد الشجرة، وعيد الأم، وعيد الوطن، ونحو ذلك من الأعياد المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ فإنها كلها محرمة الإنفاق فيها والمشاركة فيها والاحتفال بها، كل ذلك محرمٌ تحريماً بالغاً ومصادم للعقيدة الإسلامية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).

    مذاهب العلماء في حكم صلاة العيد

    وسمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأنه يعود بالفرح والسرور، ويعود الله فيه بالإحسان على عباده على إثر أدائهم لطاعته بالصيام والحج، فإذاً هذان العيدان مرتبطان بعبادتين عظيمتين الصيام والحج، وعيد الفطر لزوال المنع من المباحات من الطعام والشراب والنكاح، والدليل على مشروعية صلاة العيد قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقال سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] فذكر الله العيدين في هاتين الآيتين: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] هذا عيد الأضحى، صلّ وانحر بعد الصلاة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] أي: زكاة الفطر على أحد الأقوال، ووَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15] أي: بعد زكاة الفطر وهي صلاة عيد الأضحى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده يداومون عليها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لصلاة العيدين، وقالت المرأة وهي أم عطية رضي الله عنها: [كنا نُؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيَّض فيكنَّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته] رواه البخاري رحمه الله تعالى، وهذا يبين التأكيد على مشروعية صلاة العيد وهي التي ذكر عددٌ من العلماء أنها واجبة، وهم قد ذكروا حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال:

    فقال بعضهم: إنها واجبة، يأثم من لم يحضر صلاة العيد؛ لأنه إذا كانت النساء اللاتي يطلب منهن القرار في البيوت قد أمرن بالخروج فالرجال من باب أولى، وأن هذا فيه دليلٌ على وجوب الخروج وأنه فرض عينٍ لنص الآية عليه، وللأمر به في الكتاب والسنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

    وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى بأنها فرض كفاية.

    وذهب بعضهم وهم المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة لقوله في حديث الأعرابي: (هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) ورد القائلون بالوجوب: إن حديث الأعرابي على صلوات تتكرر في اليوم والليلة ماذا يجب منها؟ قال: خمس صلوات أما وجوب صلاة أخرى لسبب يعرض مثل صلاة العيد، فإنه لم يكن متطرقاً إليه في حديث الأعرابي، وبما أننا أمرنا به وأمرت النساء بالخروج فإنه يكون واجباً، وقالت حفصة بنت سيرين : كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله أعلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلبابٌ ألا تخرج فقال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) يعني لو لم يكن عندها جلباب تأخذ جلباب صاحبتها، قالت حفصة : فلما أتيت أم عطية فسألتها: أسمعت في كذا وكذا، قالت: نعم بأبي -وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي- وقال: (ليخرج العواتق) والعواتق جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، أو قال: (العواتق ذوات الخدور والحيَّض) وتعتزل الحيَّض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، قالت: فقلت لها: الحيَّض؟ قالت: نعم أليس الحائض تشهد عرفاتٍ وتشهد كذا وتشهد وكذا، رواه البخاري رحمه الله.

    إذاً الخروج لصلاة العيد مؤكد، والنساء مأمورات به يخرجن على الوجه الشرعي، وخروج المرأة على الوجه الشرعي يعني ألا تكون متطيبة ولا لابسة لثياب زينةٍ أو شهرة لقوله عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفلات -يعني غير متزينات- ويعتزلن الرجال، ويعتزل الحَّيض المصلى).

    مكان صلاة العيد

    والخروج لصلاة العيد، وأداء صلاة العيد على هذا النمط المشهود من الجميع فيه إظهارٌ لشعار الإسلام، فهي من أعلام الدين الظاهرة، وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للعيد يوم الفطر من السنة الثانية من الهجرة، ولم يزل صلى الله عليه وسلم يواظب عليها حتى فارق الدنيا صلوات الله وسلامه عليه، واستمر عليها المسلمون خلفاً عن سلف فلو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها فيهم قاتلهم الإمام، لأنها من أعلام الدين الظاهرة كالأذان، وينبغي أن تُؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة -وهو يبعد مسافة ألف متر من باب السلام (ألف ذراع من باب السلام) كما قدره بعض أهل العلم، هذا مكان مُصلى النبي صلى الله عليه وسلم- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى الذي في باب المدينة ، فعن أبي سعيد : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى) متفقٌ عليه، ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر، ولأن الخروج إلى الصحراء أوقع لهيبة المسلمين والإسلام وأظهر لشعائر الدين، ولا مشقة في ذلك لعدم تكرره بخلاف الجمعة إلا في مكة المشرفة فإنها تُصلى في المسجد الحرام، وفي صلاتها في الصحراء فائدة وهي تمكين الناس من الاجتماع الكبير الذي لا يسعهم فيه إلا الصحراء، لكن إذا حدث عذرٌ جاز لهم الصلاة في المساجد، كالمطر، أو الخوف كحصار البلد، أو الزحام.

    كان المصلى خارج البلد فلما توسع البنيان صار المصلى داخل البلد، فلو كان من الممكن الصلاة في صحراء تسع الجميع لكان هو السنة، لكن أصبح الآن المصلى محاطاً وأصبح لا يكفي للناس، ولذلك أصبح لفتح المساجد الكبيرة لصلاة العيد حاجة خصوصاً في عيد الفطر، ولذلك فإن صلاتها في المساجد لا بأس بها، ولو تعددت إذا لم يكفهم مسجدٌ واحد أو مُصلى واحد جاز لهم أن يعددوا المساجد لصلاة العيد.

    وقت صلاة العيد

    ويبدأ وقت صلاة العيد إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح، لأنه الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها فيه، ويمتد وقت صلاة العيد إلى زوال الشمس، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغد قضاءً، وقيل أداءً، لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غمَّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركبٌ في آخر النهار فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم -لأنه تبين أنه يوم عيد- وأن يخرجوا غداً لعيدهم. رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وحسنه وصححه جماعة من الحفاظ.

    فلو كانت تؤدى صلاة العيد بعد الزوال لما أخرها صلى الله عليه وسلم إلى الغد، فلما جاء الخبر بعد الزوال وأخرها إلى الغد علمنا أن آخر وقت لها هو الزوال؛ ولأن صلاة العيد شرع لها الاجتماع العام، فلا بد أن يسبقها وقتٌ يتمكن الناس من التهيؤ لها، ولذلك لا بد من نشر الخبر قبل الصلاة بوقتٍ كافٍ حتى يتمكن الناس من الإتيان لصلاة العيد.

    ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر ليتسع الوقت للناس لإخراج زكاة الفطر إذا أخر صلاة العيد، وتعجيل الأضحى لأجل أن يتمكن الناس من ذبح الأضاحي، أو أن يسرع الناس إلى ذبح الأضاحي، هذا بالنسبة للسنة، والآن الناس في عجلة من أمرهم، ويقولون: نريد أن نصلي العيد بسرعة ونذهب للسلام على الأقارب والجيران ونحو ذلك، وتقريباً كلهم يتعجلون في إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين حتى صارت السنة في إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد شبه مهجورة، وصاروا يقولون نحن أخرجناها قبل صلاة العيد، قبل العيد بيومٍ أو يومين فلا حاجة لتأخيرنا، صلوا بنا بسرعة حتى نذهب ونسلم على أهالينا والناس، فلا حرج أن يصلي الإمام صلاة عيد الفطر في أول الوقت لمصلحة الناس، فنحن إن شاء الله سنصلي صلاة العيد غداً بإذن الله بعد ارتفاع الشمس مباشرة، فإذا كان الإشراق الساعة السادسة وخمس دقائق فبعدها بربع أو ثلث ساعة نصلي مباشرة، بإذن الله تعالى.

    حكم الأكل قبل الخروج لصلاة العيد

    ويسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وأن لا يطعم في الأضحى حتى يصلي، يوم الفطر يأكل تمرات قبل صلاة العيد، أما الأضحى فإنه لا يأكل حتى يصلي لقول بريدة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي) رواه أحمد وغيره، واتفق أهل العلم على استحباب تعجيل الفطر في هذا اليوم قبل الصلاة، ويستحب أكل التمرات الواحدة بعد الأخرى، فهو أصح وألذ وأمرأ، وإذا لم يجدها أفطر على غيرها، واستحب بعض أهل العلم الحلوى، وأقل الجمع ثلاث.

    إذاً السنة أن يأكل ثلاث تمرات فأكثر، خمساً أو سبعاً أو أكثر ويقطع على وتر، يعني: تسع أو إحدى عشرة فالسنة أن يفطر على تمراتٍ وتراً، وقال شيخ الإسلام رحمه الله في استدلالٍ بالغ ولطيف قال: لما قدم الصلاة على النحر في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقدم التزكي على الصلاة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] كانت السنة أن الصدقة قبل الصلاة في عيد الفطر والذبح بعد الصلاة في عيد الأضحى.

    التبكير والتجمل لصلاة العيد

    ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد ليتمكن من الدنو من الإمام، لأن بعض الناس يتأخرون وبعضهم ينامون وبعضهم لا يأتون إلا وقد انتهت الصلاة، وبعضهم لا يأتون إطلاقاً.

    والتبكير لصلاة العيد سنة، وتحصل فضيلة لصاحبه في انتظار الصلاة فيكثر ثوابه، ويُسن أن يتجمل المسلم لصلاة العيد، ويلبس أحسن ثيابه، لحديث جابر : (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه) رواه البيهقي بإسنادٍ جيد.

    و عمر رضي الله عنه ابتاع أو جاء للنبي عليه الصلاة والسلام بحلة من إستبرق أو من حرير، وأخبره أنه أتاه بها ليلبسها للعيد، وليتجمل بها للوفود، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام: (أن هذا لباس من لا خلاق له) لأنها حرير ولا يجوز للرجال لبس الحرير، لكن لم ينكر عليه أن يأتي بثوبٍ جديدٍ جميلٍ لأجل العيد.

    فالسنة إذاً أن يأتي بأحسن ثيابه لصلاة العيد.

    ( الاستيطان ) من شروط صلاة العيد

    وكذلك فإنه يشترط لصلاة العيد الاستيطان، وأن يكون الذين يقيمونها مستوطنين في مساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به كما في صلاة الجمعة، فلا يقيمها البدو الرحل مثلاً، ولذلك قال العلماء متى يذبح البدوي أضحيته وليس عنده صلاة عيد في البر والصحراء؟ قالوا: ينتظر حتى تنتهي صلاة العيد في أقرب البلدان إليه فيذبح بعد ذلك، ينتظر ويتربص فترة يظن أن صلاة العيد قد انقضت بها في البلد ثم يذبح بعدها، وهو في الصحراء.

    1.   

    صفة صلاة العيد

    وصلاة العيد ركعتان قبل الخطبة لقول ابن عمر رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة) متفق عليه، وقد استفاضت السنة بذلك وعليه عامة أهل العلم، قال الترمذي رحمه الله: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن صلاة العيدين قبل الخطبة، وحكمة تأخير الخطبة عن صلاة العيد وتقدميها على صلاة الجمعة، أن خطبة الجمعة شرط للصلاة، والشرط مقدمٌ على المشروط، بخلاف خطبة العيد فإنها سنة، ولذلك فإنه إذا حضر فيها فإنه ينصت للإمام ولكنه لا يشترط له حضورها بمعنى أنه يأثم لو ترك الخطبة، وهي ركعتان بإجماع المسلمين، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) وقال عمر : [صلاة الفطر والأضحى ركعتان تمامٌ غير قصرٍ على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى] رواه أحمد وغيره.

    ولا يشرع لصلاة العيد أذانٌ ولا إقامة، لما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: [صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذانٍ ولا إقامة] ولذلك أنكر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على بعض الخلفاء أو بعض الملوك لما قدموا الخطبة على الصلاة، قالوا: إن الناس لا يجلسون إلينا فنجعلها قبل الصلاة لإلزام الناس بالاستماع، فكانت بدعة من البدع أنكرها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.

    وبالنسبة للركعة الأولى فإن الإمام يكبر فيها تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ والقراءة يكبر ست تكبيرات، فتكبيرة الإحرام ركنٌ لا بد منها، لا تنعقد الصلاة بدونها وغيرها من التكبيرات سنة في الركعة الأولى، ثم يستفتح بعدها، لأن الاستفتاح في أول الصلاة، ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد الست ثم يتعوذ عقب التكبيرة السادسة، لأن التعوذ للقراءة فيكون عندها ثم يقرأ.

    فإذاً يقول: الله أكبر، ثم يذكر دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك... إلى آخر الأدعية) ينتقي من الأدعية ثم يكبر ست تكبيرات بعد التكبيرة السادسة يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ... ويقرأ الفاتحة، ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيدٍ اثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى -يعني مع تكبيرة الإحرام- وخمساً في الآخرة -يعني بدون تكبيرة القيام-) وإسناده حسن، ويرفع يديه مع كل تكبيرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير.

    حكم التكبيرات وما يقال بينها

    نأتي الآن إلى سؤال، هل يقول بين التكبيرات شيئاً أم لا؟

    الجواب: ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقولون بين التكبيرات أشياء، فعن حماد بن سلمة عن إبراهيم : أن الوليد بن عقبة دخل المسجد وابن مسعود وحذيفة وأبو موسى في المسجد، فقال الوليد وهو أمير البلد: إن العيد قد حضر فكيف أصنع؟ فقال ابن مسعود : [يقول: الله أكبر، ويحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم] الحديث رواه الطبراني وصححه الألباني في الإرواء .

    فإذاً هناك أشياء تقال بين التكبيرات وهي: حمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تقال بين تكبيرات صلاة العيد الستة في الأولى والخمسة في الثانية.

    ويرفع يديه مع كل تكبيرة اقتداءً بالسنة، وأشار ابن القيم رحمه الله بأنه يسكت سكتة يسيرة بين التكبيرتين لأنه لم يثبت عنده شيء، ولكن هذا الذي ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ينبغي الأخذ به، وإن شك الإمام في عدد التكبيرات بنى على اليقين وهو الأقل، وإن نسى التكبير الزائد حتى شرع في القراءة -يعني الإمام أخطأ وكبر الإحرام وبدلاً من أن يكبر ست تكبيرات شرع في الفاتحة، ما العمل؟ يسقط التكبير، لأنه سنة وقد شرع في الركن الآن، سقط التكبير لا يعود إليه وهو سنة، لو نسيها فصلاته صحيحة، هذه التكبيرات سنة، وإذا شرع في القراءة تكون هذه السنة قد فات محلها، وكذلك إذا أدرك المأموم الإمام بعدما شرع في القراءة لم يأت بالتكبيرات الزوائد، وعليه أن ينصت للإمام، ولا يأتي بالتكبيرات الزوائد، وكذلك إذا أدركه راكعاً فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يركع، ولا يشتغل بقضاء التكبير.

    ما يقرأ في ركعتي صلاة العيد

    وصلاة العيد ركعتان يجهر فيهما الإمام بالقراءة لقول ابن عمر : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء) كذا رواه الدارقطني رحمه الله تعالى، وقد أجمع العلماء على ذلك ونقله الخلف عن السلف واستمر عليه عمل لمسلمين، فهي وإن صليت بالنهار فإنها صلاة جهرية، ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] ويقرأ في الركعة الثانية (الغاشية) لقول سمرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1].. هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]) رواه أحمد ، أو يقرأ في الركعة الأولى بـ (ق) والثانية (القمر) لما في صحيح مسلم والسنن وغيرها: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ (ق) و(اقتربت)) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مهما قرأ به جاز، كما تجوز القراءة في نحوه من الصلوات، لكن إن قرأ (ق) و(اقتربت) أو نحو ذلك مما جاء في الأثر كان حسناً، وكانت قراءته في المجامع الكبار بالسور المشتملة على التوحيد، والأمر والنهي، والمبدأ والمعاد، وقصص الأنبياء مع أممهم، وما عامل الله به من كذبهم وكفر بهم، وما حل بهم من الهلاك والشقاء، ومن آمن بهم وصدقهم، وما لهم من النجاة والعافية، فإذا سلم من الصلاة خطب خطبتين يجلس بينهما.

    ما ورد في خطبتي العيدين

    وأما مسألة ثبوت الخطبتين مرفوعاً فربما لا يوجد له نص أنها خطبتين، ولكن ورد في النص أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خطب قائماً، وفي الصحيح: (أنه بدأ بالصلاة ثم قام متوكئاً على بلال ، فأمر بتقوى الله وحث على طاعته)... الحديث، وفي صحيح مسلم : (ثم ينصرف من الصلاة فيقوم مقابل الناس والناس جلوسٌ على صفوفهم) إذاً يستحب للناس البقاء كما هم على صفوف الصلاة وعدم تغيير المواقع وتغيير القبلة، يستحب للناس البقاء على الصفوف واستقبال القبلة والاستماع للإمام لأجل الحديث والناس جلوس على صفوفهم.

    ويحثهم في خطبة عيد الفطر على تقوى الله تعالى ويذكرهم بصدقة الفطر وأحكامها.

    ويرغبهم في خطبة عيد الأضحى في ذبح الأضحية ويبين لهم أحكامها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في خطبة الأضحى كثيراً من أحكامها.

    وينبغي على الخطباء أن يركزوا في خطبهم على المناسبات وما يحتاج إليه الناس من البيان في كل وقتٍ بحسبه وخصوصاً الوعظ والتذكير، لا سيما في المجامع العظيمة، ويذكر الغافل ويعلم الجاهل، وينصح العاصي، ويُؤتى بما يفيد المستمعين، وليس هناك شيءٌ قبل صلاة الأضحى أبداً ولا الفطر، ليس هناك شيءٌ قبل الصلاة مطلقاً، وذلك لحديث أبي سعيد قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة) إذاً ليس هناك سنة قبل صلاة العيد، فإذا ذهب إلى المصلى جلس ينتظر، وإذا ذهب إلى المسجد يصلي تحية المسجد فقط، تحية المسجد لأجل المسجد.

    حكم إتيان النساء لصلاة العيد

    وكذلك فإنه ينبغي حضور النساء لصلاة العيد، وتوجه إليهن موعظة خاصة ضمن خطبة العيد، لأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى أنه لم يسمع النساء أتاهن فوعظهن، وحثهن على الصدقة، وهكذا ينبغي أن يكون للنساء نصيبٌ من موضوع خطبة العيد لحاجتهن إلى ذلك، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما حكم إتيان النساء لصلاة العيد فذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب للأمر به الوارد في الحديث، وقال بعضهم: إنه سنة لأن الأمر بخروجهن لشهود دعوة المسلمين ليس بواجب، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا بأس بحضور النساء غير متطيبات ولا لابساتٍ ثوب زينة أو شهرة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وليخرجن تفلات ) وقال بعض أهل العلم: إن الأمر منسوخ لأجل أنه كان يُحتاج في أول الإسلام لإكثار سواد المسلمين، فيأتي الناس والنساء أيضاً ولما كثر الناس لم تعد هناك حاجة لخروج النساء.

    كراهة التنفل قبل صلاة العيد أو بعدها

    ومن أحكام صلاة العيد: أنه يكره التنفل قبلها وبعدها في موضعها حتى يفارق المصلى، لقول ابن عباس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيدٍ فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) متفقٌ عليه، ولئلا يُتوهم أن لها راتبة قبلها أو بعدها، صلاة العيد ليس لها سنة قبلية ولا بعدية، قال الإمام أحمد رحمه الله: أهل المدينة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها، وقال الزهري رحمه الله: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها، وكان ابن مسعود وحذيفة ينهيان الناس عن الصلاة قبلها، فإذا رجع إلى منزله فلا بأس أن يصلي فيه لما روى أحمد وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع إلى منزله صلى ركعتين).

    قضاء صلاة العيد

    ويسن لمن فاتته صلاة العيد أو فاته بعضها، قضاؤها على صفتها، بأن يصليها ركعتين بتكبيراتها الزوائد لأن القضاء يحكي الأداء، يعني: إذا فاتته صلاها ركعتين بتكبيراتها كما يصليها الإمام، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فإذا فاتته ركعة مع الإمام أضاف إليها أخرى، فما العمل إذا جاء والإمام يخطب؟

    الجواب: إذا جاء والإمام يخطب جلس لاستماع الخطبة، فإذا انتهت صلاها قضاءً بعد ذلك، ولا بأس بقضائها منفرداً أو في جماعة.

    فبعض الناس من جهلهم يصلون جماعة والإمام يخطب، الإمام يخطب وهم يكبرون، هذا من جهلهم، ينبغي عليهم إذا جاءوا وقد بدأ الإمام بالخطبة أن يجلسوا لاستماع الخطبة، فإذا انتهى الإمام قاموا فصلوا جماعة أو فرادى.

    1.   

    سنة التكبير المطلق في العيدين

    ويسن في العيدين التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بوقت، يرفع به صوته، إلا الأنثى فإنها لا تجهر به، فيكبر في ليلتي العيد وفي كل عشر ذي الحجة لقوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] فالفقهاء يقولون: التكبير للعيد يبدأ من بعد المغرب ليلة العيد، لأنه قال في الآية: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] فمتى تكتمل عدة رمضان؟ بغروب شمس آخر يوم.

    اليوم لما غربت الشمس اكتملت العدة، أليس كذلك؟ إذاً نكبر بعدها لأنه قال في الآية: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] ويجهر به في الأسواق والمساجد والبيوت وفي كل موضعٍ يجوز فيه ذكر الله تعالى، ويجهر به بالذات في الخروج إلى المصلى، لما أخرجه الدارقطني وغيره عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام، فإذاً ينبغي الحرص على التكبير.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير وهذا من الأحاديث الصحيحة، وقد جمع الفريابي رحمه الله كتاباً في أحكام العيدين ذكر فيه كثيراً من الأحاديث المتعلقة بالعيدين ومنها التكبير، وعن وليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام، وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: كانوا في الفطر أشد -يعني التكبير في الفطر أشد من التكبير في الأضحى، يعني في القوة والملازمة والحرص عليه- كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى، يعني التكبير، هذا صحيحٌ إلى أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى، وذكرنا كذلك رواية الدارقطني عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، وصححه الألباني في إرواء الغليل .

    وروى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا، أي: فإذا كبر وبدأ بالصلاة كبروا معه وصلوا، فإذاً متى ينتهي التكبير؟ عند خروج الإمام لصلاة العيد، إذا خرج الإمام انقطع التكبير، بالنسبة لعيد الفطر ينقطع التكبير بخروج الإمام.

    صيغة التكبير

    وأما صيغة التكبير، فإنه قد روى المحاملي بسندٍ صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه صفته، وهي: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد، وفي مصنف ابن أبي شيبة ثبت تشفيع التكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وهي أشهر صيغ التكبير، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بنفس السند بتثليث التكبير أي: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، إلى آخره، فجاء في رواية بتكبيرتين بتشفيعه ومرة بتثليثه، وإن فعل هذا وهذا فهو حسن.

    الفرق بين الأضحى والفطر في التكبير

    وكذلك فإن التكبير في عيد الفطر آكد لأجل الآية: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] هذا جاء في سياق صيام رمضان، ولتكملوا العدة: عدة رمضان، ولتكبروا الله على ما هداكم، لكن هناك فرق في التكبير بين عيد الأضحى وعيد الفطر: أن عيد الأضحى فيه مشروعية التكبير المقيد وهو التكبير الذي شرع في عقب كل صلاة فريضة في جماعة فيلتفت الإمام إلى المأمومين ثم يكبر ويكبرون، ويبتدئ التكبير المقيد بأدبار الصلوات في حق غير المحرم من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وأما المحرم فيبتدئ التكبير المقيد في حقه من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق؛ لأنه قبل ذلك مشغولٌ بالتلبية، هذا تفصيل الفقهاء في التكبير المطلق والمقيد بالنسبة لعيد الأضحى، وقد قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] وهي أيام التشريق، وقال الإمام النووي رحمه الله: هو الراجح وعليه العمل في الأمصار، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : أصح الأقوال في التكبير الذي عليه الجمهور من السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة، لما في السنن: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله) وكون المحرم يبتدئ التكبير المقيد من صلاة الظهر يوم النحر وليس من فجر يوم عرفة كما يفعل المقيم، ذلك لأن التلبية لا تقطع إلا برمي جمرة العقبة، ووقت رمي جمرة العقبة المسنون ضحى يوم النحر، فكان المحرم فيه كالمحل، فلو رمى جمرة العقبة قبل الفجر فلا يبتدئ التكبير إلا بعد صلاة الظهر أيضاً عملاً بالغالب . انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

    سنة المشي إلى المصلى ومخالفة الطريق

    ومن السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشياً، ويرجع ماشياً، وفي حديث آخر: (كان يخرج إلى العيدين ماشياً ويصلي بغير أذانٍ ولا إقامة، ثم يرجع ماشياً من طريقٍ آخر) وفي رواية: (كان إذا خرج يوم العيد في طريق، رجع في غيره) وفي رواية: (كان إذا كان يوم عيدٍ خالف الطريق).

    إذاً السنة أن يخرج ماشياً لا يركب، يأتي المصلى ماشياً وهو الأكثر أجراً وهو الأفضل ولا شك، لكن إن شق عليه المشي لبعد المصلى فإنه يمكن أن يوقف سيارته مثلاً في أقرب مكان يمكن أن يمشي منه إلى المصلى ويمشي، ليحافظ على سنة المشي، وإن قال إنسان ما فائدة مخالفة الطريق؟ فالجواب: إن مخالفة الطريق في العيد لها عدة فوائد، وقد ذكر العلماء عدة حكم في مسألة مخالفة الطريق منها: ليسلم على أهل الطريقين، ومنها لينال بركة المشي فيهما يشهدان له عند الله يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] فالأرض تحدث بما عُمل عليها من خير أو شر، ومنها ليظهر شعائر الإسلام في كل الفجاج والطرق في هذا وفي هذا، فيكون البلد من جميع طرقه فيه ذكر، ومنها للتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة والرضى، يعني من الغضب والسخط إلى المغفرة والرضى، وقيل من الحكم في ذلك: إغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه، وقيل: ليقضي حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج، ومنها: أن يزور أقرباءه وأصحابه، لأنه قد يوجد بعضهم في هذا الطريق وبعضهم في الطريق الآخر، فهذا بالنسبة للسبب، ولا مانع من أن يكون السبب كل هذه الأشياء مجتمعة لمن يستطيعها.

    وكذلك فإنه لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً بأن يقول لغيره: تقبل الله منا ومنك، وقد أخبر ابن حجر رحمه الله أن ذلك قد جاء بإسنادٍ حسن عن جبير بن نفيل قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك] وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ورخص فيه الأئمة كـأحمد وغيره، والمقصود من التهنئة: التودد وإظهار السرور، ولا بأس بالمصافحة في التهنئة.

    وإذا قال أي عبارات أخرى طيبة مثلاً: كل عامٍ وأنتم بخير، جعلكم الله من الفائزين ونحو ذلك، أو أعاده الله علينا وعليكم بالخير والمسرات ونحو ذلك فلا بأس، أي عبارة طيبة يقولها لا بأس بذلك.

    حكم العيد إذا وافق جمعة

    ما العمل إذا وافق العيد جمعة؟ الجواب: الإمام يصلي الصلاتين يصلي العيد والجمعة، لأجل أن يخطب بالناس، أما الناس فيرخص لهم إذا حضروا العيد ألا يأتوا إلى الجمعة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله تعالى) فلا بد أن تقام صلاة العيد وتقام صلاة الجمعة، ولكن من حضر صلاة العيد فإنه يعفى عنه حضور صلاة الجمعة إذا لم يحضر، ولكن لا بد له أن يصلي الظهر لأنها فرض الوقت ولا يجوز تركها.

    المحافظة على السنة في العيد

    كذلك فإنه لا بد من المحافظة على السنة، العيد فرصة للمحافظة على السنة، التمسك بالسنة وكسب الأجر من وراء ذلك، وقد جاء في صحيح مسلم : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوسٌ على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإذا كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه- يرسل سرية في الجهاد مثلاً- أو يأمر بشيءٍ أمر به، قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبرٌ بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع- يعني عصى الصحابي بالقوة فخطب قبل الصلاة- فقلت له: غيرتم والله، وأنكر عليه علناً أمام كل الناس، فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خيرٌ مما لا أعلم فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجلعتها قبل الصلاة) فتأمل إذاً! درس عظيم من هذا الصحابي في المحافظة على السنة وعدم الرضى بمخالفة السنة وكيف أنكر ذلك .

    ولأجل ذلك لا بد من المحافظة على السنة في هذا العيد، ولذلك من السنة أن يلبس الجديد أو الجميل، ويأمر بناته ونساءه أن يخرجن بالتستر الكامل والحشمة الشرعية، والتكبير من خروجه من بيته حتى يأتي المصلى رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، وأكل تمراتٍ وتراً قبل أن يخرج، وشدة التكبير في الفطر، وإذا خرج الإمام سكتوا، والقراءة بـ(سبح) و(الغاشية) أو (ق) و(القمر) والخروج ماشياً، والصلاة بغير أذانٍ ولا إقامة، والرجوع ماشياً من طريقٍ آخر، وغير ذلك من السنن التي تقدم ذكرها ينبغي المحافظة عليها.

    1.   

    ضوابط اللهو والفرح في الأعياد

    واعلموا رحمكم الله تعالى أن إظهار الفرحة بالعيد سنة، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، ولذلك صارت هناك كثيرٌ من المخالفات الشرعية، ولا بد أن نشير إشارة إلى هذا الموضوع وهو مسألة اللهو وما يجوز منه وما يباح في العيد، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان -زاد مسلم بدف- فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم -يستنكر- فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (دعهما) وهذا يدل على جواز ضرب النساء بالدف في العيد، وعلى جواز الغناء بالمباحات من الكلام والشعر في العيد، لكنه لا يدل أبداً على استخدام الموسيقى والمعازف في العيد، فإن المرخص به هو الدف وأبو بكر قال: مزمارة الشيطان! استنكر حتى الدف، حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عن الإنكار، ولا حجة في الحديث أبداً لسماع غناء النساء، فإن عائشة قالت: وعندي جاريتان، يعني: بنتان صغيرتان، فأين غناء الجاريتين الصغيرتين بشعرٍ، فيه ذكر الحرب أو الكلمات المباحة بدفٍ، أين هذا من غناء النساء الكبيرات بالمعازف والعود والطبل والكمنجة وغير ذلك من الآلات الوترية والكهربائية وغيرها من أنواع المعازف، وسماع الرجال لهذا؟! ومع الأسف إن الذين يجيزون الغناء الموسيقي، وغناء النساء الكبيرات، وسماع الأغاني يستدلون بهذا الحديث فتباً لهم على استدلالهم! وتعساً لهم على طريقتهم المنحرفة! فإنهما جاريتان صغيرتان تضربان بالدف بكلامٍ مباح، أين هذا من غناء النساء الكبيرات بالأصوات الفاتنة، بالكلام الماجن، وذكر الحب والغرام، ووصف النساء والتشبيب بهن، وذكر الحب والعشق، ونحو ذلك من الألفاظ السيئة عند الرجال؟! أين هذا من هذا؟!

    فإذاً اللهو المباح لا بأس به، والنساء يضربن بالدف في الأعراس لا بأس به، وفي الأعياد لا بأس به، وفي توابع الأعراس لا بأس به، وفي توابع الأعياد لا بأس به، وأما أن يكون هذا لنساء كبيرات بمحضر من الرجال فهو حرام ولو بالدف، بل ولو بدون دف، لأن أصوات النساء الكبيرات فتنة للرجال، يحرك الشهوة ويبعث على الفتنة، يحرك كل كامن، ولذلك فإن تهييج الكامن وتحريك الساكن بالغناء المحرم لا شك أنه مما يسخط الله تعالى، فلا حجة في هذا الحديث أبداً لسماع الرجال لغناء النساء الكبيرات والبالغات بالأصوات الفاتنة، بهذه الكلمات الماجنة بالأدوات الموسيقية المختلفة.

    أما اللهو المباح، جوار صغيرات (بنات صغيرات) يغنين بأهازيج وأناشيد مباحة فلا بأس به.

    حديث عائشة في لعب الأحباش وفائدة التوسعة على الأهل

    كذلك فإن إعطاء الفرصة للأهل للمتعة المباحة لا بأس به، عن عائشة كما عند البخاري : (كان يوم عيدٍ يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، الحبشة كانوا في المسجد يتمرنون على أدوات الحرب التروس والحراب، ولهم فيها فعلٌ معين، لعبٌ فيه تدريب، كتقابل المتقاتلين بوسيلة معينة ليس فيها إيذاء ولا شهر السلاح في وجه الواحد الآخر ونحو ذلك، وإنما هو طريقة للعب بهذه الحراب فكان منظراً مسلياً- فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال لي، أي: من نفسه: أتشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده -يعني يسترها من الناس، حتى لا يراها الأجانب- وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي) وفي رواية: (حتى أكون أنا التي أسأم) ولـمسلم : (ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف) وفي رواية النسائي : (أما شبعت؟ فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده) -تتبين منزلتها عن بقية نسائه رضي الله عنها- وفي رواية قلت: (يا رسول الله! لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك قلت: لا تعجل، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه) وتقول عائشة: [فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو] إذاً اللهو واللعب للبنات الصغيرات في العيد جيد وسنة ومشروع، وينبغي أن يمكن منه هؤلاء، لكن بعض الناس اليوم يلبسون بناتهم الملابس القصيرة، وربما يكون عمر البنت ست وسبع وثمان وتسع وعشر سنوات وقرب البلوغ، ويتساهلون في خروجهن إلى الشوارع، وضرب أبواب الناس لأخذ العيديات، ولا شك أن هذا باب فتنة، ولا شك أن فيه شراً وفساداً، ولذلك هو حرامٌ ولا يجوز أبداً، لكن أن يدعى البنات إلى بيتٍ من بيوت صديقاتهن المأمونة الموثوق بأهلها فيلعبن مع بعضهن البعض هذا طيب، أو يشاهدن شيئاً مباحاً هذا طيب، التوسعة على الأولاد بالألعاب المباحة في الأعياد، والملابس الجميلة الجديدة أيضاً هذا من الطاعات، لأن فيه إدخال السرور على الأهل، والعيد مناسبة فرح، فينبغي إذاً أن يكون فيه من مظاهر الفرح ما فيه إظهار لهذه الشريعة العظيمة.

    اجتناب الألعاب الخطيرة والمحرمة

    وكذلك فإنه لا بد من اجتناب الألعاب الخطيرة، فإن هذه المفرقعات النارية التي ابتلينا بها في هذا الزمان تضيع فيها الأموال، وتؤذى بها الأبدان، ويشوش بها على الناس في البيوت، وربما تصاب بعض النساء بالرعب، أو فيها إقلاقٌ وإزعاجٌ لراحة المسلمين، فلا شك أن هذا حرامٌ لا يجوز، وبيع هذه الأشياء التي فيها خطورة حرامٌ لا يجوز أيضاً، ولا يمكن الأولاد من شراء الأشياء المؤذية المحرمة، إذا كانت مؤذية تسبب حرائق أو تؤذي الأبدان فإنه لا يجوز أن يلعب بها، وربما نسمع عن ولدٍ فقد بصره، أو مكان احترق بسبب ذلك، فإن الأطفال يأخذون الكبريت وأعواد الكبريت لإشعال هذه الفتائل فربما أدى إلى نشوب حرائق، ولذلك نقرأ في الأخبار المكتوبة عن ازدياد نسبة الحرائق في بلاد الكفار أيام عيد الميلاد، لأنهم يستخدمون هذه الألعاب النارية وبتفنن وتنوع وكثرة، مما يؤدي إلى اشتعال الحرائق، فعلى أية حال لا بد من الانتباه في قضية الألعاب إلى عدم الإتيان بالألعاب المحرمة، سواءً ما كان فيه موسيقى أو ما كان فيه صلبان، أو ما كان مؤذياً للبدن، أو ما كان فيه مقامرة أو شكلٌ من أشكال الميسر، أو ما كان فيه إلهاءٌ عن ذكر الله وعن الصلاة، أو ما كان فيه صورٌ من ذوات الأرواح، فإذاً المنكرات الموجودة في الألعاب كثيرة، أو ما كان فيه نرد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من لعب بالنردشير أو بالنرد فقد عصى الله ورسوله، أو كأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه، كما جاء في الحديث الصحيح.

    إذاً ينبغي اجتناب الألعاب المحرمة والمؤذية، والحرص على الألعاب المباحة المفيدة، التي فيها تسلية وفيها إدخال للسرور على الأولاد وتمتيع الأولاد ما أمكن بالفرجة المباحة والفسحة المباحة، والاجتماع بين الأولاد وإظهار الزينة المباحة ونحو ذلك هذا مشروع ينبغي عدم خلطه بالممنوع.

    هذا ما تيسر ذكره في أحكام صلاة العيد وبعض الآداب المتعلقة بالعيدين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يجزينا بذلك الجزاء الأوفى، وأن يجعلنا في ختام هذا الشهر من عتقائه من النار.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767417681