إسلام ويب

شرح كتاب الإبانة - ما جاء من الآيات أن القرآن كلام الله غير مخلوقللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أثبت الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن القرآن الكريم كلام الله منه بدأ وإليه يعود، تكلم به على الحقيقة بحرف وصوت، كلاماً يليق بجلاله سبحانه، وعلى هذا كان صدر هذه الأمة حتى ظهر المبتدعة القائلون بخلق القرآن من الجهمية وغيرهم، فانبرى لهم علماء السلف فدحضوا بدعتهم، وحذروا من اتباعهم والقول بقولهم؛ لأن ذلك كفر مخرج من الملة.

    1.   

    بيان أن القديم والباقي ليس من أسماء الله

    إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    بقي في مقدمة كتاب الرد على الجهمية جزء ليس بالقليل، وهذا الجزء ما هو إلا دراسة مستفيضة أو شارحة ومبينة للنصوص التي وردت في الجزء الثاني عشر وهو هذا المجلد، ووصف للمخطوطة ومنهج التحقيق، ثم التفصيل الطويل جداً فيما يتعلق بتكفير الجهمية الذين أنكروا الأسماء والصفات، خاصة صفة الكلام لله عز وجل؛ لأن الذي ينكر صفة الكلام لله عز وجل لابد أنه سينكر بقية الأسماء والصفات، لأن أسماء الله تعالى وصفاته موجودة في كلامه، فالذي ينكر أن هذا الكلام هو كلام الرب تبارك وتعالى لزاماً عليه أن ينكر كذلك بقية الأسماء والصفات التي وردت في القرآن الكريم، فالشارح أو المحقق قد استفاض في هذا الأمر، لكن لا بأس أن نبدأ في الجزء المحقق مباشرة فإذا مر بنا شيء غامض شرحناه بإذن الله تعالى.

    قال المصنف رحمه الله: [ الجزء الثاني عشر قال فيه الشيخ: وصلى الله على محمد وعلى آل محمد وسلم. أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني بمدينة السلام -التي هي بغداد- بنهر معلى في الخريم ]، ونهر المعلى نسبة إلى المعلى بن طريف ، وهو نهر يسير من تحت الأرض حتى يدخل قصر الخلافة المسمى بالفردوس، وكان يقال: هو جنة الموحدين لجماله وروعته، وقربه كذلك من دجلة [ في الخريم ] وهو المكان الذي كانوا يخزنون فيه السلاح.

    [ قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن البسري بباب المراتب -وهو اسم لموضع ببغداد- قال: أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة -يعني: أجازه برواية هذا الجزء ولم يسمعه منه- الحمد لله الأول القديم ]. فبلا شك أن الأول من أسماء الله تعالى: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3].

    وقال أهل السنة: أول بلا ابتداء، آخر بلا انتهاء، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء سبحانه وتعالى. أما القديم فأنتم تعلمون أن من قواعد وأصول الأسماء والصفات أنها توقيفية، بمعنى أننا نتوقف في إثبات الاسم لله عز وجل أو في إثبات الصفة لله عز وجل إلا إذا ورد الاسم أو الصفة في الكتاب أو في السنة؛ لأن الله تعالى أعلم بذاته وأسمائه وصفاته، وأعلم الخلق بالله تعالى هم الأنبياء والمرسلون وما دون ذلك من الخلق لا يعلمون عن الأسماء والصفات شيئاً إلا ما جاء في الكتب وفي الوحي، فالقديم إذا بحثنا عنه في الكتاب والسنة لم نجد له ذكراً، حتى في كلام السلف ليس له ذكر، ولكن بعض أهل العلم استعملوا اسم القديم للدلالة على الأول، مع أن بين الأول والقديم من الفروق ما بينهما، فالأول معلوم أنه لا شيء قبله، أما القديم فقبله أقدم، ولذلك تقول: قديم وأقدم، ولكنهم لا يقصدون هذا، الذين قالوا: إن الله قديم أو موصوف بالقدم لا يقصدون أن هناك من هو أسبق من الله في القدم.

    وعلى آية حال ما وسع السلف في باب الاعتقاد يسعنا، وما لم يسعهم لا يسعنا، فالأولى فيما يتعلق بالأسماء والصفات الوقوف عند الوارد في النصوص، وليس في النص إثبات أن القديم من أسماء الله تعالى، ولا من صفات الله تعالى، ولذلك نقول: (الحمد لله الأول الذي لم يزل).

    قال: [ الدائم الباقي ]. الدائم من أسماء الله تعالى، وأما الباقي فليس من أسماء الله تعالى، وإن كان المعنى صحيحاً، لكن القضية الآن في ثبوت هذا من عدمه، كما لو أنك أخذت حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً أو منكراً فوجدت معناه جميلاً جداً، وفي غاية الروعة والجمال، ويدعو إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، فإذا قلت لحامل الحديث هذا حديث موضوع أو مكذوب، أو حديث ضعيف لا يجوز العمل به قال لك: وما بال هذا الحديث؟ إنه حديث جميل، وألفاظه طيبة تدعو إلى مكارم الأخلاق وإلى الفضائل وغير ذلك، فليست القضية في معنى الحديث، وإنما القضية في ثبوت نسبة الحديث إلى قائله.

    وكذلك إذا كان القديم معنى من المعاني اللائقة بالله عز وجل، والباقي معنى من المعاني اللائقة بالله عز وجل إلا أن القضية هي أن الأسماء توقيفية، وهذا ليس منها، فكأنك تقول أنا أعلم بالله من الله، ولذلك أنا أثبت له ما لم يثبته لنفسه، وهذا بلا شك ضلال مبين فلا نثبت إلا ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله، وهذا كلام عام يحفظه جميع أبناء الصحوة في هذا الزمان عن سلفهم، نثبت لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام على الوجه اللائق بالله تعالى من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل.

    فإذا كنا نحفظ هذا الكلام فعند التطبيق العملي نقول: هل الدائم من ألفاظه، واسم من أسمائه؟ نعم قد ورد في النص الباقي، ولكنه ليس من أسمائه سبحانه، وهذا لا ينفي أنه باق سبحانه وتعالى، فهو جل شأنه لا يطرأ عليه الفناء، بل يفنى كل شيء: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، فالمعنى قائم، أي: معنى البقاء والدوام قائم لله عز وجل، وأن الله تعالى لا يطرأ عليه الفناء سبحانه وتعالى، ويفني جميع الخلائق يفعل بهم ما يشاء سبحانه وتعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، لكن القضية كلها في ثبوت هذا الاسم في الكتاب أو في السنة، ولذلك وجب على المسلمين أن يتوقفوا في باب الأسماء والصفات، بل في كل شئون دينهم عند حد الوارد في النص.

    1.   

    منهج أهل السنة في إثبات صفات الكمال لله ونفي النقائص عنه سبحانه

    قال: [ الحمد لله الأول القديم الذي لم يزل، الدائم الباقي إلى غير أجل، خلق الخلق بقدرته، حجة لنفسه، ودلالة على ربوبيته فإنه ليس كمثله شيء ].

    وكما قلنا من قبل: منهج أهل السنة والجماعة في إثبات الكمال لله عز وجل على سبيل التفصيل لا الإجمال، أما نفي النقص عن الله تعالى فعلى سبيل الإجمال، إذا أردنا أن ننفي النقص عن الله عز وجل قلنا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وإذا أردنا أن نثبت الكمال قلنا: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]؛ لأن الله تبارك وتعالى نفى وأثبت، نفى المشابهة، والمماثلة، والأنداد، والأضداد، وكل مشابهة بين الخالق والمخلوق، فقال عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] أي: ليس شيء مثيلاً له ولا شبيهاً به ولا كفؤاً ولا عدلاً لله عز وجل، فكل شيء مهما عظم هو دون الله عز وجل، لا يمكن قيام المشابهة والمماثلة بينه وبين الله عز وجل. وإذا أردنا أن نثبت الكمال أثبتناه على التفصيل، فقلنا: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي أثبتت الأسماء متعددة مسرودة تفصيلاً على الوجه اللائق بالله عز وجل من غير مشابهة سمعه لسمع المخلوقين، أو علمه بعلم المخلوقين، أو قدرته بقدرة المخلوقين، وقل في كل أسمائه وصفاته مثل ما قلنا في هذه الصفات أو الأسماء، فإثبات الكمال تفصيلاً لله، ونفي النقص إجمالاً عن الله هو منهج أهل السنة والجماعة.

    ومنهج المعتزلة والجهمية عكس ذلك تماماً يثبتون الكمال إجمالاً وينفون النقص تفصيلاً، فيقولون: ليس الله تعالى بطويل ولا قصير ولا عريض ولا نحيف ولا مصمت ولا مجوف وغير ذلك من أقوالهم الكفرية تعالى الله تعالى عن قولهم علواً كبيراً، وهذا لا يصلح أن يكون أسلوب مدح لآحاد المخلوقين. أي: نفي النقص تفصيلاً عن المخلوقين غير مقبول، لو دخلت على عظيم من عظماء الدنيا وقلت له: أنت لست بالطويل ولا بالقصير ولا بالمصمت ولا المجوف ولا أنت كلب ولا حمار ولا خنزير، ولا أنت غبي ولا أحمق، لابد أنه سيقوم عليك؛ لأنه لا يقبل هذا منك، إنما يقبل منك المدح ابتداءً، إنما المدح عن طريق نفي النقص فلا شك أن هذا أسلوب غير مقبول، فما بالك بالله عز وجل ولله المثل الأعلى؟

    1.   

    إثبات القدرة لله تعالى

    قال: [ خلق الخلق بقدرته ]. فأثبت لنفسه القدرة وهو الذي خلق الخلق، وما ادعى أحد قط أنه خلق نفسه، ولا يقبل من أحد قط أن يزعم أنه خلق نفسه أو خلق شيئاً من الأشياء؛ لأن جميع الخلق متفقون على أن الخالق الواحد الأحد هو الله عز وجل، حتى المشركين قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كانوا متفقين على أن الله هو الخالق الذي خلق الخلق أجمعين، وهو رب العالمين، كانوا يعتقدون ذلك، ولكنهم كانوا قد أشركوا في عبادة الله عز وجل فعبدوا المخلوقين من دون الله زعماً منهم أنها توصلهم وتبلغهم إلى الله زلفى، مع علمهم أن الله خلق الخلق أجمعين، فالله تعالى هو الذي خلق الخلق بقدرته.

    قال: [ حجة لنفسه ]. وجعل ذلك حجة لنفسه أي: [ ودلالة على ربوبيته ]. أي: ليدل العالمين على أنه رب كل شيء ومليكه [ فإنه ليس كمثله شيء ] سبحانه وتعالى.

    قال: [ تفرد بالإنشاء ]، والإنشاء: هو الابتداء، أي ليس أحد يزعم أنه خلق آدم عليه السلام، باعتبار أن آدم أول البشر، ولم يزعم أحد أنه خلق العرش، أو خلق الكرسي، أو خلق السماوات، أو خلق الأرض أو الجبال أو الأنهار أو تلك الأشياء المخلوقة العظيمة التي كانت في مبتدئ خلق هذا الكون، فالله تبارك وتعالى هو الذي أنشأها وهو الذي أبدعها على غير مثال سابق، فهو الذي أنشأ الجبال قبل أن تكون الجبال، وهو الذي خلق الأرض قبل أن تكون، وخلق آدم قبل أن يكون هناك إنسان على وجه الأرض، فالله تعالى هو الذي أنشاء المخلوقات ولم يكن هناك مخلوقات.

    قال: [ تفرد بالإنشاء، وجل عن شبه الأشياء ]، أي: الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق جميعاً خلقهم على صورة فيها شيء من العجز والنقص الذي يليق بطبائع المخلوقات، ففي كل خلق عجز ونقص يليق به كمخلوق، وتنزه الله تبارك وتعالى عن كل نقص؛ لأنه الموصوف بالكمال والجلال سبحانه وتعال.

    فلو نظرنا إلى طبيعة خلق النساء فربما وجدت المرأة أجمل النساء، واشتهاها القاصي والداني ولكن هذه المرأة لا تخلو من نقص أخبر عنه الوحي: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين مثلكن، قالت امرأة جزلة) ، وهي أم عطية الأنصارية على أرجح الأقوال: (يا رسول الله! ولم؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير). يعني: المرأة تغلب الرجل بنقصان عقلها، ولابد في كل امرأة من عوج، ومن عوجها: أنها تحب أن تخرج من البيت بغير إذن، أو امرأة لا ترتب البيت ولا تقوم على شئون الأولاد، وامرأة أخرى تريد الخروج إلى العلم مع غناها واستغنائها عن ذلك، فكل امرأة عندها شيء من العوج ولابد، وهذا قد أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام، والمطلوب تقويم هذا العوج، أما من رام إزاحة وإزالة هذا العوج من أصله فإنما يصادم النصوص ويصادم الفطرة، فالعوج لابد أن يكون موجوداً، لكن المطلوب كفكفته وتخفيف حدته أو تقويمه، أما إزالته بالكلية فمحال وهيهات هيهات؛ لأنك تصادم الوحي وتصادم الفطرة التي فطر الله تعالى عليها ذلك الجنس من الخلق، وأحياناً عوج المرأة في غالب أحوالها يعتبر في حقها كمال.

    والله تبارك وتعالى لما خلق المرأة ناقصة عقل ودين أثبت أن هذا نقصان يليق بها، وأنها صالحة على هذا النحو للمهمة التي خلقها الله لأجلها، فهذه المرأة لا يمكن أبداً أن تصلح لتربية الأولاد إلا على هذا النحو، ولذلك الرجل أكمل منها عقلاً ولو كلف بتربية طفل فلا يمكث معه إلا ثلاث ساعات ويقتله ويستريح منه، لأنه لا يقوى عليه، فالطبيعة التي خلق عليها تتناسب مع شيء آخر لا تتناسب مع تربية الأولاد، ولذلك المرأة إذا خرجت من بيتها ترجلت واكتسبت صفة الرجولة، وتخشنت في أفعالها وأقوالها، لمخالطتها للرجال؛ لأنها خرجت عن حد الفطرة.

    والرجل إذا كان يعمل في أي مؤسسة أو شركة في مكتب وفيه نسوة فبعد مضي فترة من الزمان تجده قد اكتسب صفات الأنوثة في كلامه وأفعاله وحركاته وهكذا، حتى إنه ليقلد النساء اللاتي معه في المكتب فيأتي في الصباح وقد أتى من الأسواق بالخضار وغير ذلك ووضعه تحت المكتب كما تفعل زميلاته من النساء، يقلدهن في كل شيء ويتنازل عن دينه حتى يذهب عقله ربما بالكلية، فهن لا زلن يحتفظن بنص العقل أو بربعه، وهو قد فقد عقله بالكلية؛ لأنه خرج عن حد الفطرة التي فطره الله عز وجل عليها.

    ولو أنك نظرت إلى المرأة الأم وهي تدلل وليدها وتنظر إليه مع الأقوال والأفعال والحركات التي تصدر منها فلابد أنك ستقول: الحمد لله الذي كملني وخلقني رجلاً؛ لأنه يصدر منها أشياء يستحي المرء أن يقلدها.

    ودور الأم في تربية الأطفال إلى سن معين ثم تأتي مهمة الأب بعد ذلك، ولذلك الأم لا تصلح مع الصبية، تربية الأم للصبية تربية عاجزة وقاصرة جداً فلابد أن يتولى أمره بعد السابعة والثامنة الأب وإلا هلك الولد وضاع وتاه؛ لأن الزمام من الأم يفلت في هذا السن فإذا لم يكن الأب هو الحازم والرقيب على تصرفات أولاده ضاع الولد في هذا السن الصغير.

    قال: [ خلق الخلق بقدرته، حجة لنفسه، ودلالة على ربوبيته، فإنه ليس كمثله شيء، تفرد بالإنشاء، وجل عن شبه الأشياء سبحانه عما يصفه به المشركون ويقول فيه العادلون ]. أي: المشركون الذين عدلوا عند طاعة الله، والعادلون: جمع عادل، وهو المائل عن الحق، وعن الطاعة، وهم الذين نسبوا الولد والشريك لله عز وجل تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

    1.   

    دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى توحيد الله

    قال: [ وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، شهادة من أخلص لربه، وخلع الأنداد من دونه ]. الند: هو الشريك والعدل والمثيل، فإن الله تعالى لا ند له، ولا مثيل له، ولا شريك له.

    قال: [ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله على فترة من الرسل ]. الفترة: هي انقطاع الوحي بين الرسولين، وكان بين عيسى عليه السلام وبين نبينا عليه الصلاة والسلام حوالي ستة قرون، ولا شك أن هذا زمان طويل كفيل بأن ينسى الناس اتباع عيسى بن مريم عليه السلام، ولذلك اختلط الحابل بالنابل في هذه الفترة، وسمي بالجاهلية لاندراس وغياب العدل بين الناس، وكان القوي يأكل الضعيف، والشريف لا يقام عليه الحد، والضعيف يقام عليه الحد، وانتشرت بدع الجاهلية وشركياتها، فلما كان الأمر كذلك أرسل الله تبارك وتعالى على حين فترة من الرسل -أي: انقطاع الوحي- رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.

    قال: [ ودروس من الوحي في أعقاب المرسلين، وحجة على العالمين، والخلق في جاهلية جهلاء ]. أي: أرسل الله رسوله حجة على العالمين، وكانوا في جاهلية جهلاء.

    قال: [ صم بكم عن الهدى ]. أي: لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه، ولا يفهمونه [ متمسكون بعروة الضلالة والردى ]، والعروة: مقبض الدلو، وهو الذي يمسك ويتحكم بالدلو من خلاله، فهم يتمسكون بالضلالة في الجاهلية تمسكهم بهذا الدلو من عروته.

    قال: [ متمسكون بعروة الضلالة والردى -أي: الهلاك- فدعاهم -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- إلى توحيد الله عز وجل ]. تصوروا أنهم متمسكون بعروة الضلالة فيخرج من بينهم رجل يعرفونه ويعرفون أمانته وصدقه يدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، ونبذ جميع هؤلاء الآلهة المزيفة والأنداد الباطلة! بلا شك أنها دعوة في قمة الغرابة، ولذلك لما كان منه عليه الصلاة والسلام ما كان من دعوتهم إلى عبادة الله وحده ونبذ جميع هذه الأنداد والآلهة المزيفة الباطلة، قالوا: عجباً لك أجعلت الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب. يعني: هذه الدعوة منك يا محمد غير مقبولة بالمرة، أتجعل جميع هذه الآلهة إلهاً واحداً؟! إذا كان لكل واحد أربعة آلهة، واحد في الحرم وثلاثة في البيت، وإذا أراد أن يسافر أخذ أحد الثلاثة معه حتى لا يحرم من العبادة والشرك في سفره حتى يرجع إلى بلده مرة أخرى، أتجعل كل هذا باطلاً ثم تدعونا إلى إله واحد؟! نحن نؤمن بهذا الإله الواحد ونحن نعبده لكن عن طريق هذه الآلهة؛ لأنه لا يصح لنا أن نعبد الله مباشرة، فإنما نتخذ الأنداد والشركاء؛ ليقربونا إلى الله تعالى، ونحن نوقن أن الله تعالى هو الذي خلقنا ورزقنا وسوانا وغير ذلك من سائر صفات الربوبية لله عز وجل!!

    والنبي عليه الصلاة والسلام إنما أتاهم بتوحيد الله عز وجل وحده، فهو الذي يستحق العبادة وحده سبحانه، فهؤلاء الآلهة المزعومة يقطعون الصلة بينكم وبين الإله الواحد، فدعاهم إلى توحيد الله عز وجل والإقرار له بالربوبية -وهم كانوا يقرون بالربوبية- واتباع أمره، وإفراده بالعبادة، فأبوا ذلك فصبر منهم على الأذى.

    بلا شك أن هذه الدعوة لم تلق قبولاً مطلقاً، بل ولقي صاحبها عليه الصلاة والسلام منتهى الأذى من السب والضرب والشتم والجنون والسحر وغير ذلك من سائر ما رماه به المشركون، حتى ظهرت حجة الله على خلقه، وهذه هي النتيجة الحتمية! من صبر على الحق الذي معه ظفر بالنتيجة المرجوة، ولذلك أقسم الله تبارك وتعالى بالعديد من مخلوقاته، فقال: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل من الوحي إلا هذه السورة لكفى. والله تبارك وتعالى بين فيها نوعاً من القسم، وأن لله عز وجل أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، فأقسم بالعصر على اختلاف بين أهل العلم فيه، فقوله: إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2] أي: كل بني الإنسان في خسارة وهوان في الدنيا والآخرة، فاستثنى الله تبارك وتعالى من عموم الهلاك والخسارة أصنافاً أو صنفاً قد اتصف بصفات أربع هي: الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر، فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] لم يقل: آمنوا أو عملوا الصالحات؛ لأن الإيمان بغير عمل لا ينفع، والعمل بغير إيمان لا ينفع، فعطف هذا على ذاك لتلازمهما.

    ولا شك أن الإيمان حق، والعمل الصالح حق، فلا بد من التواصي بالتمسك بهذا الحق، فأعقب الإيمان والعمل الصالح بتواصي أهل الحق فيما بينهم بهذا الإيمان وبهذا العمل، قال: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]، أي: الصبر على طاعة الله، وعلى التمسك بالإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بهذا فيما بينهم! الصبر على الأذى في هذا الحق وفي هذا الإيمان! الصبر على الأذى والتمسك بالدين! الصبر على الدعوة إلى الله عز وجل! الصبر على طلب العلم! الصبر عن معصية الله عز وجل! وغير ذلك من أنواع الصبر التي تلزم العبد في طريقه إلى الله عز وجل.

    فلما صبر النبي عليه الصلاة والسلام على أذى المشركين وتمسك بالحق الموحى به إليه من السماء ظهرت حجة الله على خلقه، وأُخلص له التوحيد، وعلا دين الله على كل دين، وهذه نتيجة حتمية للصبر ولكنكم قوم تستعجلون!

    قال: [ ثم توفاه الله بعد تبليغه رسالة ربه، والقيام لله في خلقه بحقه ] فقد أدى الرسالة، وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

    قال: [ فصلى الله عليه أفضل ما صلى على أحد من خلقه، وأعطاه أفضل ما أعطى العالمين، وغاية رغبة الراغبين، وجزاه الله خير ما جزى به المحسنين، وصلى الله على أهل بيته الطاهرين، وأصحابه المنتجبين -أي: المصطفين الأخيار- وأزواجه أمهات المؤمنين، وجعلنا بالإحسان لهم من التابعين ].

    1.   

    نصيحة للمسلمين بالتمسك بالكتاب والسنة

    قال: [ ثم على إثر ذلك فإني أجعل أمام القول إيعاز النصيحة إلى إخواني المسلمين ]. يعني: أنه أراد أن ينصح المسلمين قبل الدخول والشروع في المراد والمقصود.

    قال: [ فإني أجعل أمام القول -يعني: في مقدمة القول- إيعاز النصيحة -أي: تقديم النصيحة- لإخواني المسلمين: بأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين ] هذه النصيحة من أغلى ما نصح به ناصح منصوحاً، فأغلى نصيحة يمكن أن يقدمها الناصح للمنصوح أن ينصحه بالتمسك بالكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة في فهم الكتاب والسنة، أعز ما يملك المرء لأخيه من نصح أن ينصحه بهذا، وبهذا بيان أن المنهج الحق الذي يتمسك به المسلم هو أن يتمسك بالكتاب والسنة على منهاج سلف الأمة؛ لأن الكل يزعم أنه على الكتاب والسنة، وإن أتيت بأفجر فاجر على وجه الأرض وسألته: ما منهجك؟ لقال: الكتاب والسنة.

    وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

    كل يدعي أنه يحب ليلى، ولاشك أنها تحب واحداً، ويقولون: ليست العبرة أنك تحب الله، وإنما العبرة أن يحبك الله عز وجل؛ لأن هذا هو الحب الذي ينفعك، وإن الله تعالى لا يحب الظالمين ولا المفسدين، ولا الكافرين وإنما يحب الصالحين، الصابرين، المؤمنين، الصائمين وغير ذلك من سائر صفات الطائعين لله عز وجل، فالعبرة أن يحبك الله عز وجل، ولا يحبك الله إلا إذا كنت عاملاً بالكتاب والسنة على منهاج سلف الأمة.

    ولذلك لو أتيت برجل صاحب بدعة، وتصور لو أنك أتيت بجهمي وقلت له: ما هي مصادرك فيما تقول؟ سيقول: الكتاب والسنة. ولو أتيت بجهمي أو معتزلي أو أشعري أو خارجي أو حتى أتيت بـخميني إيران ما منهجك؟ يقول: الكتاب والسنة. لكن العبرة ليس بالكتاب والسنة فحسب، بل العبرة وبيت والقصيد أن يفهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، ولذلك كثير من الناس يأتي بآية من كتاب الله ويفهمها على غير مراد الله، أو حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويفهمه على غير مراد النبي ثم هو في نهاية الأمر يزعم أنه على الكتاب والسنة. نعم. أنت على الكتاب والسنة لكن بفهم الخلف لا بفهم السلف، وما أظن أن واحداً من المبتدعة أو الضلال يزعم أنه لا علاقة له بالكتاب والسنة، وإنما الكل يدعي وصلاً بالكتاب والسنة، وأنه يأخذ منهما غضاً طرياً، وليس الأمر كذلك إلا أن يكون فهمه للكتاب والسنة على منهاج الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ولذلك يقولون: الدعوة السلفية امتداداً لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، وسميت سلفية؛ لأن مناط البحث فيها ومناط الأخذ عنها إنما هو عن الصحابة رضي الله عنهم، وعن التابعين لهم بإحسان، وعن الأئمة المتبوعين، فالسلفيون لا يفهمون الكتاب من عند أنفسهم، ومن فهم منهم آية من عند نفسه ولم يرجع فيها إلى فهم السلف لم يكن متبعاً لمنهج السلف في هذه الآية، فلابد من الرجوع في كل آية من كتاب الله، وفي كل حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لفهم علماء الأمة وسلف الأمة لهذا الكتاب ولهذه السنة، وما دون ذلك خرط القتاد، لا يصح منك أبداً ولا يقبل منك حتى يستقيم فهمك للكتاب والسنة كما استقام فهم سلف الأمة للكتاب والسنة.

    قال: [ ثم على إثر ذلك فإني أجعل أمام القول إيعاز النصيحة إلى إخواني المسلمين: بأن يتمسكوا بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين، الذين شرح الله بالهدى صدورهم، وأنطق بالحكمة ألسنتهم، وضرب عليهم سرادق عصمته ]. السرادق: هو الذي يحيط بالشيء، وسرادق العصمة بالنسبة للأنبياء معلوم وهو العصمة في تلقي الوحي، وفي إبلاغ الوحي، والعصمة من الكبائر، أما العصمة لمن بعدهم فهي العصمة من البدع، والعصمة لعلماء الأمة من السلف، أن الله عصمهم من الوقوع في البدع، أما الكبائر فليسوا معصومين منها، بل تقع منهم الكبيرة كما تقع ممن هو دونهم.

    قال: [ وأعاذهم من كيد إبليس وفتنته، وجعلهم رحمة وبركة على من اتبعهم، وأنساً وحياة لمن سلك طريقهم، وحجة وعمى على من خالفهم، قال الله عز وجل: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115] ]. وهذه الآية تدعو إلى التمسك بالمنهج السلفي؛ فهي من أعظم قوانين القرآن للسلفيين، والمشاقة: هي البعد والمحادة.

    ومعنى قوله: مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [النساء:115]، أي: تبين له الوحي والعلم والطريق المستقيم: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115] هو سبيل الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والعقوبة: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115] أي: نمهد له السبيل للوقوع في الفتن والبدع؛ لأنه شاقق الرسول واتبع غير سبيل المسلمين، فلما كان هذا منه ابتداءً مهده الله له، ويسره له، وأغرقه فيه، نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء:115] أي: في الآخرة، وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، لأنه اختار محادة الرسول، واختار مشاقة الرسول، وسلك سبيلاً غير سبيل سلف الأمة، فلا شك أنه يمهد له وييسر له طريق الشقاء في الدنيا؛ لينال الجزاء الأوفى في الآخرة بأن يصلى ناراً وساءت مصيراً.

    1.   

    التحذير من مقالة جهم بن صفوان

    قال: [ وأحذرهم مقالة جهم بن صفوان وشيعته ]. ولا تزال النصيحة دائمة مستمرة، فهو يقول: وأحذر إخواني المسلمين أن يقعوا في مقالة الجهم بن صفوان وشيعته [ الذين أزاغ الله قلوبهم، وحجب عن سبل الهدى أبصارهم، حتى افتروا على الله عز وجل بما تقشعر منه الجلود، وأورث القائلين به نار الخلود ]، أي: هم كافرون خارجون من الملة، مخلدون في نار جهنم أبد الآبدين، وسيأتي معنا باب إثبات كفر الجهمية، وأن القائل من علماء الأمة بكفرهم كفراً مخرجاً عن الملة أكثر من ستمائة عالم من علماء الأمة.

    قال: [ فزعموا أن القرآن مخلوق ]، وهذا أول باطل خرجوا به [ والقرآن من علم الله تعالى، وفيه صفاته العليا وأسماؤه الحسنى ]، يعني: إذا كان الله تبارك وتعالى خلق هذا الكلام فهذا يعني أنه لم يكن موجوداً فأوجده الله، كان عدماً فأحدثه الله، فهو محدث في ظن الجهمية والمعتزلة، مخلوق أي: حادث، ومعنى حادث أنه لم يكن موجوداً من قبل، فالقرآن في ظن الجهمية والمعتزلة وأهل البدع لم يكن موجوداً فوجد بعد ذلك، وهذا القرآن الذي هو كلام الله فيه إثبات الأسماء والصفات، وهذا يعني أن ذات الله تعالى ذاتاً بلا أسماء ولا صفات، ثم خلق الله تعالى الأسماء والصفات؛ لأن القرآن إذا كان مخلوقاً وهو الذي حوى الأسماء والصفات وكان حادثاً ومخلوقاً فإن كل ما فيه مخلوق، والذي فيه هو الأسماء والصفات. إذاً: كلها مخلوقة لله، والله تعالى لم يكن مسمى بأسماء ولا متصفاً بصفات، فخلق الأسماء والصفات بعد ذلك، وهذا من أخطر الباطل، وأكفر الكفر.

    قال: [ فزعموا أن القرآن مخلوق، والقرآن من علم الله تعالى وفيه صفاته العليا وأسماؤه الحسنى، فمن زعم أن القرن مخلوق فقد زعم أن الله كان ولا علم ]؛ لأن الله تعالى أثبت أنه علام الغيوب، وأثبت أنه عليم بذات الصدور، عليم بكل شيء: بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، وأثبت أنه عالم غيب السماوات والأرض، فأثبت الله تعالى العلم في القرآن، فإذا كان هذا القرآن مخلوقاً، فالله تعالى لم يكن عليماً فصار عليماً، لم يكن سميعاً فصار سميعاً، لم يكن قديراً فصار قديراً، لم يكن حليماً ولا غفوراً، وغير ذلك من سائر أسمائه وصفاته، لأنها في ظن هؤلاء وزعمهم أنها مخلوقة، ومعنى مخلوقة أنه لم يكن مسمى ولا متصفاً بهذا ولا بذاك.

    قال[ : ومن زعم أن أسماء الله وصفاته مخلوقة فقد زعم أن الله مخلوق محدث ]، أي: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله لم يكن قد تسمى بأسماء ولا اتصف بصفات، وكل هذا حادث، ولا يتصور أن ذاتاً بغير صفات ولا أسماء، وبالتالي فمن زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أن الله تعالى مخلوق.

    قال: [ وأنه لم يكن ثم كان -تعالى الله عما تقول الجهمية الملحدة علواً كبيراً- وكلما تقوله وتنتحله، فقد أكذبهم الله تعالى في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أقوال أصحابه، وإجماع المسلمين في السابقين والغابرين؛ لأن الله عز وجل لم يزل عليماً سميعاً بصيراً متكلماً، تاماً بصفاته العليا وأسمائه الحسنى، قبل كون الكون، وقبل خلق الأشياء، لا يدفع ذلك ولا ينكره إلا الضال الجحود الجهمي المكذب بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وسنذكر من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين -أي: وهذه هي المصادر الثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع- ما دل على كفر الجهمي الخبيث وكذبه، ما إذا سمعه المؤمن العاقل العالم ازداد به بصيرة وقوة وهداية، وإذا سمعه من قد داخله بعض الزيغ والريب وكان لله فيه حاجة وأحب خلاصه وهدايته نجاه ووقاه، وإن كان ممن قد كتبت عليه الشقوة زاده ذلك عتواً وكفراً وطغياناً. ونستوفق الله لصواب القول وصالح العمل ]. أي: نطلبه التوفيق في ذلك كله.

    ثم يبدأ الباب الأول من القرآن الكريم في سوق الآيات التي تثبت أن الله تعالى لا يزال متصفاً بالكلام، يتكلم بأي كلام شاء، في أي وقت شاء، وفي أي زمان شاء سبحانه وتعالى، فالله تبارك وتعالى تكلم بما شاء في أي مكان شاء وفي أي وقت شاء.

    أما الواقفة، فهم الذين قالوا: لا نقول: القرآن مخلوق ولا غير مخلوق. أي: نحن نشك في أنه مخلوق أو غير مخلوق. قال الإمام أحمد : وهؤلاء أكفر وأشر ممن قالوا بأنه مخلوق. ثم يثلث الإمام باللفظية: وهم الذين قالوا ألفاظنا بالقرآن مخلوقة.

    إذاً: هنا ثلاثة أبواب:

    الباب الأول: إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإثبات ذلك من الكتاب والسنة والإجماع.

    الباب الثاني: الرد على الواقفة وتكفيرهم.

    الباب الثالث: الرد على اللفظية وتكفيرهم كذلك، وهم الذين قالوا: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة.

    وهنا مسألة وهي: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال أنه مخلوق فهو كافر، إذا كان عالماً بما يقول فيكفر ابتداءً، وإذا كان جاهلاً يُعلَّم؛ فإن عُلِّم استتيب فإن تاب وإلا قتل، وسنذكر خطورة القول، ومعنى القول بأن القرآن مخلوق فيما سيأتي.

    1.   

    باب ذكر ما نطق به نص التنزيل من القرآن بأنه كلام الله

    قال المصنف رحمه الله في الباب الأول: [ باب ذكر ما نطق به نص التنزيل من القرآن بأنه كلام الله، وأن الله عالم متكلم:

    قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] ]، أي: أن الله متصف بالكلام، فالكلام صفة من صفات الله عز وجل.

    [ وقال تعالى: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75].

    وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ [الأعراف:158].

    وقال عز وجل: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109] ]، والمداد: الحبر الذي يكتب به، فلو أن البحر ومثله معه ومثله معه ومثله معه وسبعة أمثاله مداد، وهذه الأشجار التي خلقها الله عز وجل أقلام، فأخذنا تلك الأقلام ووضعناها في هذه المحابر التي هي البحار السبعة، وكتبنا كلام الله عز وجل ما نفدت كلمات الله، تنفد الأقلام وتنفد البحار ولا تنتهي كلمات الله عز وجل.

    إذاً: الله تعالى متكلم عليم قدير سميع بصير سبحانه وتعالى، والذي يظن أن الله تبارك وتعالى تكلم بهذا القرآن فحسب فقد أخطأ؛ لأن هذا القرآن إنما هو جزء وشيء من علم الله عز وجل، هذا القرآن الذي بين أيدينا الذي هو كلام الله إنما هو علم من علم الله تعالى وليس هو كل علم الله تعالى، فعلم الله تعالى لا يمكن الإحاطة به، ولذلك قال: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ [لقمان:27].

    [ وقال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]. وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15]. وقال تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] ]، وفي الدرس الماضي قلت لكم أن الجهمية حرفوا هذه الآية، فقالوا: وكلم اللهَ موسى تكليماً، ولم يقولوا: وَكَلَّمَ اللَّهُ [النساء:164] فجعلوا المتكلم هو موسى، حتى لا يقولون أن الله تعالى يتكلم، فجعلوا الله تعالى في هذه الآية المخاطب لا المخاطب، فإذا كان الأمر كذلك فماذا يقولون في قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]؟

    لا يستطيع أحد أن يحرف هذه الآية، إلا أن يفعلوا كما فعل الجهم، حيث أتى على هذه الآية فمحاها من مصحفه، فلما قيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: إني أكرهها؛ لأنه لا يعرف أن محرف، فلما اصطدم بهذه الآية ولم يكن بد من محوها محاها لأنها حجة عليه، ولا يمكن تحريفها.

    [ قال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] ]، والحديث هو الكلام، ولم يقل: أصدق من الله خلقاً وإنما قال حديثاً، وهذا يدل على أن حديث الله أو كلام الله ليس مخلوقاً.

    [ وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] ]، ولم يقل: وإذ خلق ربك؛ لأن الجهمية يقولون في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة:30] أن الله تعالى خلق كلاماً في السماء فسمعته الملائكة، وليس المتكلم حقيقة هو الله، وإنما الله تعالى خلق الكلام في الأشجار أو في البحار أو في الجبال، أو في الهواء بين السماء والأرض فتكلم هذا المخلوق بكلام الله فسمعته الملائكة أو سمعه موسى أو غير ذلك ممن كلمهم الله عز وجل.

    [ وقال عز وجل: قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ [المائدة:115] ]، الشاهد هنا: (قَالَ اللَّهُ) إذاً: الله تعالى يقول.

    [ وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [المائدة:116] ]، إذاً: الله تعالى كلم عيسى.

    [ وقال تعالى: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119] ]، وهو يوم القيامة.

    [ وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]. وقال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]. وقال تعالى فيما أعلمناه في كتابه أن القرآن من علمه -وليس هو كل علم الله تعالى- فقال تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا [البقرة:255]. وقال: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء:166].

    وقال تعالى: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود:14] ]؛ لأن هذا القرآن من عند الله تعالى.

    [ وقال: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر:11]، فقد دلنا كتاب الله أن القرآن كلام الله، وأنه من علم الله، فكلام الله من الله، قال تعالى: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة:13] ]، أي: أن هذا الكلام من الله عز وجل، فمن زعم أن من الله شيئاً مخلوقاً فقد كفر، لأنني إذا تكلمت بكلام فإن الله تعالى خلق في هذا الكلام، لأنني مخلوق: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله خالق كل صانع وصنعته)، فأنا وحركاتي وأفعالي كلها لله تعالى مخلوقة، وحركة الفم واللسان واللهاة الذي يخرج بها المقروء مخلوقة لله عز وجل؛ خلافاً للمنطوق أو المقروء فهذا كلام سنأتي عليه بإذن الله تعالى، أما قولي أنني مخلوق وجميع ما يصدر عني من حركات وأفعال كلها لله تعالى مخلوقة، والله تعالى هو الذي خلقها، فهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله خالق كل صانع وصنعته).

    قال تعالى: [ فقوله: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة:13] ]. أي: أن القول حق من الله عز وجل، وهذا القول ليس من الله مخلوقاً. إذاً: كلام الله تعالى من الله، فلما كان الله ليس مخلوقاً كان كل ما يصدر عن الله ليس مخلوقاً، فكلام الله ليس مخلوقاً ].

    قال: [ فمن زعم أن من الله شيئاً مخلوقاً فقد كفر، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد زعم أن الله كان ولا علم له ] أي: تعلم بعد ذلك، وهذا كفر [ ومن قال ذلك فقد جعل الله تعالى كخلقه الذين خلقهم جهالاً لا يعلمون ثم علمهم -بعد ذلك- لأن من سبق كونه علمه فقد كان جاهلاً فيما بين حدوثه إلى حدوث علمه ]. يعني: أنا كنت جاهلاً فعلمني الله عز وجل، فلو قلنا: إن الله لم يكن عالماً فخلق لنفسه العلم فلزاماً أن نقول: إن الله كان جاهلاً فتعلم، فهذا تفسير طبيعي، وقائل ذلك كافر بالله بالإجماع، لأنه نسب الله تعالى إلى النقص والعجز، والله تعالى منزه عن ذلك، متصف بضد ذلك وهو الكمال المطلق سبحانه وتعالى.

    قال: [ قال الله عز وجل فيما أخبرنا به من جهل ابن آدم قبل تعليمه: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78] ]. أي: أبيض لا تعلم شيئاً مطلقاً فتعلمت شيئاً فشيئاً.

    [ وقال تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113] ]. أي: كنت جاهلاً فعلمك [ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113] وقال تعالى: كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239].

    وقال تعالى: عَلَّمَ الإِنسَانَ [العلق:5] ]. الإنسان: كل إنسان [ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5].

    وقال: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:3-4] ]، والفصاحة، والبيان، والكتابة، أي: خلق الإنسان ثم علمه البيان، لم يكن يفصح، ولو أتيت بإنسان مولود وألقيته في الصحراء لم يخالط الإنس لا يستطيع أن يتكلم، إنما تصدر منه أصوات كما تصدر من الحيوانات المفترسة وغير المفترسة، ولو قلت له: هذا كتاب فلا يدري ما معنى الكتاب، ولو قلت له: هذا كفر لا يدري ما معنى الكفر؛ لأنه لابد أن يتعلم ذلك عمن سبق، ولم يكن معه أحد في تلك الصحراء فكيف يتعلم؟ إذاً: لو أنه تعلم فلابد أن نقول كان جاهلاً فتعلم، وهذا العلم مخلوق.

    [ فهذه أوصاف الإنسان الذي خلقه الله جاهلاً بلا علم ثم علمه ما لم يكن يعلم، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن علم الله مخلوق ]، والذي يزعم أن علم الله مخلوق لابد أن يقول: إن الله كان جاهلاً ثم تعلم، وهذا كفر. [ ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد شبه الله تعالى بخلقه، وأنه كان لا يعلم ثم تعلم، تعالى الله عما تنسبه إليه الجهمية الضالة علواً كبيراً.

    ومما ذكر الله عز وجل من كلامه في كتابه: قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37] ] إذاً: الله تعالى يتكلم؛ لأن آدم تلقى تلك الكلمات عن الله عز وجل، إذاً: المتكلم هو الله عز وجل.

    [ وقال الله تعالى: يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75]. وقال تعالى: مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ [البقرة:174] ] إذاً: الله تعالى يتكلم في أي مكان شاء، يتكلم في المحشر، يتكلم من فوق سبع سماوات، من فوق الكرسي، يتكلم في السماء الدنيا حين ينزل في آخر الليل إذا بقي الثلث الآخر من الليل.

    وهذا سؤال يقول: الله تعالى استوى على العرش، فكيف تقول بأنه يتكلم في أي مكان؟

    الجواب: جزى الله السائل خيراً، فهذا سؤال وجيه، فالله تعالى يتلكم في المحشر، يتكلم في الجنة، يتكلم من فوق سبع سماوات، يتكلم كذلك في السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر فيقول: (ألا هل من تائب فأتوب عليه، ألا هل من مستغفر فأغفر له) وهذا كلام الله عز وجل، وكلام الله عز وجل في السماء الدنيا لا ينافي علوه فوق عرشه سبحانه وتعالى.

    [ وقال الله تعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117] ]، أي: مبدع السماوات والأرض أو خالق السماوات والأرض على غير مثال سابق [ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ [البقرة:117] ]، وهذا بصيغة المضارع، [ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]. وقال عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ [البقرة:118] ]، يريدون أن يكلمهم الله مشافهة، تعالى الله عن قولهم وباطلهم علواً كبيراً.

    [ وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [البقرة:174] ]، وهذا عقوبة لهم، كما أن الله تعالى يحجب رؤيته عن الكافرين في الآخرة.

    [ وقال عز وجل: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ [آل عمران:45] ]، وهي كلمة كن، فالله تعالى يقول: كن عيسى فكان عيسى، أي: كن يا عيسى مخلوقاً في بطن أمك، وليس معنى ذلك أن عيسى هو كن، بل عيسى نتاج الأمر، كن يا عيسى فكان عيسى، وجه الله تعالى أمره لمريم بأن يكون في أحشائها ولداً اسمه عيسى بكلمة كن، وليس عيسى نفسه كن؛ لأن الذي جعل عيسى هو عين الأمر، وقالوا عن عيسى هو الله، وقالوا: هو ابن الله، وقالوا: هو روح الله، ويقصدون بهذا شركاً خلافاً لمعتقد أهل السنة والجماعة في عيسى بن مريم، وإنما هو نتاج أمر الله عز وجل: كن يا عيسى، فكان عيسى.

    [ وقال: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47]. وقال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [آل عمران:59] -الشاهد هنا- ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:59-60]. وقال تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ [النساء:171] ]، أي: كن يا عيسى في بطن مريم فكان عيسى.

    [ وقال تعالى: حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]. وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115]. وقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ [الأنعام:73] ]، (قَوْلُهُ): اسم مصدر، فعبر عن الكلام بالماضي، والمضارع، والأمر، والمصدر.

    [ وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:137]. وقال تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]. وقال: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [الأنفال:7]. وقال: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا [التوبة:40]. وقال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [يونس:19]. وقال: كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:33]. وقال: لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]. وقال: وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:82]. وقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:96]. وقال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [هود:110]. وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115]. وقال: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الكهف:27]. وقال: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه:129]. وقال: وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12]. وقال: وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الشورى:24]. فهذا ونحوه في القرآن كثير يدل على أن القرآن كلام الله، وأن الله تكلم به خلافاً لما تقوله الجهمية الضالة ]، وأن هذا القرآن هو من علم الله تبارك وتعالى، فهذا بعض ما في كتاب الله عز وجل، والذي يدل دلالة صريحة على أن الله تعالى يتكلم بأي كلام شاء في أي مكان وزمان شاء سبحانه وتعالى، لا تنفد كلماته سبحانه.

    وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم إطلاق لفظ القديم على الله عز وجل

    السؤال: هل يجوز إطلاق لفظ القديم على الله عز وجل؟

    الجواب: اسم القديم ليس من أسماء الله عز وجل، قال بعض أهل السنة: يجوز إطلاق لفظ القدم على الله عز وجل؛ لأنه قد ثبت في النص، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل المسجد قال: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)، هذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح ولكن المقصود بالقدم هنا سلطان الله، فالموصوف بالقدم هو السلطان وليس ذات الله عز وجل، فهذا وصف للسلطان، وليس وصفاً لله عز وجل.

    حكم حديث الترمذي في سرد أسماء الله الحسنى

    السؤال: الأخ يسأل عن الحديث الذي أخرجه الترمذي وفيه إثبات أسماء الله تعالى الحسنى؟

    الجواب: هو حديث ضعيف، لأنه من زيادات بقية ، وبقية إذا تفرد فهو ضعيف، وللأسف الشديد أنه مشهور جداً، وكثيراً ما نجد حتى الإخوة من أهل السنة يعلقون الورقة المكتوب فيها أسماء الله عز وجل في برواز فاخر في بيوتهم أو في محلاتهم أو غير ذلك، في حين أن هذه الأسماء فيها أسماء ليست من أسماء الله عز وجل، فحديث الترمذي الذي سرد تسعة وتسعين اسماً فيها أربعة أسماء ليست من أسماء الله عز وجل، وهي: الباقي، والستار، والمنعم، والمنتقم.

    وباب الإخبار باب عظيم جداً، وباب واسع وطويل، ولا بأس به، إنما باب الإثبات يحتاج إلى توقف ودليل، فإذا قلت إن الله هو المنتقم فهذا إثبات لاسم من أسمائه، ولم يذكر الله تعالى في الكتاب أنه منتقم، ولكنه أخبر عن نفسه أنه ينتقم، ولا يذكر الله الانتقام إلا في مقابلة إجرام كما قال تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22]، ولذلك لم يجوز أهل العلم إطلاق اسم المنتقم على الله عز وجل مطلقاً؛ لأن الله تعالى لم يتسمى بهذا ولم يسمه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ذكرك له ذلك إلا في مقابلة إجرام المجرمين، كما قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16]، فلا يسمى الله تعالى بالكائد، ولكن الله تعالى ذكر أنه يكيد لمن كاد، وهذا إثبات لعظمة الله عز وجل، وهو في هذا السياق صفة كمال، وكذلك الانتقام من المجرم صفة كمال لله. تصور أن الله تعالى لا ينتقم من المجرمين فهذا ليس عدلاً! لما تقابل شخصاً مجرماً، وأنت تعتقد أن الله تعالى لا ينتقم من هذا المجرم ستتحسر، لكن لو أن عندك يقين أن الله سينتقم من هذا المجرم إن لم يتب وأنه لن يفلت من قبضة الله عز وجل ومن عذابه ومن سطوته وجبروته سبحانه وتعالى، فأنت ترتاح جداً أن الله تعالى عنده من العذاب ما ليس عندك، وعنده من الانتقام ما ليس عندك، فهذا يتناسب مع عظمته وكماله سبحانه وتعالى.

    وكما قال الله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30]، فلا يسمى الله تعالى بالماكر ابتداءً، إنما يوصف بالمكر في مقابلة مكر الماكرين. يعني: مهما تمكرون فإن الله تعالى أشد مكراً منكم، فأين المفر من الله؟ فهذه صفة كمال لله، لا يمكن أن يشتق من هذه الأخبار أسماء، ولكنها أخبار، أو تسمى صفات المعاني، وبابها واسع جداً.

    والله تعالى يقول: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37] فلو قلنا: إن الله تعالى من أسمائه المنعم، لكان لزاماً أن نقول أن من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً المنعم؛ لأن الآية تقول: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [الأحزاب:37]، فعطف إنعام الرسول على إنعام الله، فحينئذ ليس من أسماء الله المنعم، ولكن الله تبارك وتعالى أخبر عن نفسه أنه أنعم على عباده، فهذا خبر وليس صفة ولا اسماً.

    ولذلك اتفقت كلمة أهل السنة أن الاسم المجرد إذا كان ظاهره النقص فلا ينسب لله عز وجل لوحده وإنما ينسب في المقابل كما تقول: هو النافع الضار، فلا تقل: هو الضار فقط؛ لأن الله تعالى لا يوصف بالضار ابتداءً، وإنما يوصف بالنفع والضر، فهو الذي يملك النفع والضر في آن واحد، فإذا ذكرت هذا، فاذكر الأول مع الثاني حتى تثبت أن النفع والضر بيد الله، فالصفات التي ظاهرها السلب والنقص لله وإن كانت ثابتة لا تذكرها إلا مع ما يقابلها.

    حكم وصف الله تعالى بالبقاء والقدم ومخالفة الحوادث

    السؤال: كثير من الإخوة يسأل: هل الله تعالى موصوف بالقدم والبقاء، والمخالفة للحوادث وغير ذلك من سائر هذه التصانيف التي صنفها الأشاعرة؟

    الجوابك هذا كلام الأشاعرة وليس كلام أهل السنة، ومعاني هذه الأوصاف ثابتة لله عز وجل.

    والأشعري لما يبحث في الكلام لكي يثبت وجود الله عز وجل يلف الكلام فيقول: بما أن هذا الكون مخلوق لله عز وجل، وأن الله تعالى هو الذي خلقه ولم يدع أحد أنه خلق هذا الكون، إذاً: الله تعالى هو الذي خلق هذا الكون، وما دام الله تعالى خلق هذا الكون فإن الله تعالى هو الذي خلق هذا الكون، وكلام ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، ولما تأتي إلى كلام السلف تجده كلاماً جميلاً مرتباً حلواً ومقنعاً موافقاً للعقل، وإن لم يوافق العقل فاعلم أن العقل هو القاصر، وتنتهي القضية هكذا.

    فالله تعالى أنزل شرعه ليتفق مع العقل والفطرة وإذا اصطدمت معك آية في كتاب الله أو حديث من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام فاتهم نفسك فوراً، إما أن هذا النص لم يثبت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، أو أن العقل قاصر عن إدراك حقيقة هذا النص؛ لأنه لا يتصور إنسان عاقل يحترم عقله يقول: إن الله تعالى أنزل كلاماً يصادم به الفطرة ويصادم به العقل الصحيح، ولذلك صنف ابن تيمية كتاباً جليلاً عظيماً من أعظم ما ألف وهو: (درأ تعارض العقل والنقل). يعني: استبعاد أي تعارض ينشأ بين النص الصريح والعقل الصحيح، مستحيل أن يكون بينهما تعارض، إنما التعارض ينشأ إذا لم يكن النص ثابتاً فحينئذ يصدم بالعقل، لأنه ليس من مشكاة النبوة، وهذا لا يتهم به الشرع ولا الوحي؛ لأنه ليس من الوحي، فكيف ننسبه إلى الشرع ابتداءً، أو أنه صحيح لكن العقل عجز عن إدراك معناه، ولا يمكن أن تعجز جميع العقول، فالذي عجزت أنت عنه أفهمه أنا، والذي عجزت عنه تفهمه أنت، وهكذا الناس في العلم يكمل بعضهم بعضاً.

    أحسن نسخة لكتاب فتح الباري

    السؤال: ما هي أحسن نسخة أو طبعة لكتاب فتح الباري؟

    الجواب: أحسن نسخة لفتح الباري هي نسخة المطبعة السلفية، والنسخة السلفية مشهورة بذلك، وأحسن نسخة لكتاب صحيح مسلم هي نسخة قرطبة، وأنا لست بذلك تاجراً بل ناصح فقط، والريان هي نسخة سلفية أيضاً، والنسخة السلفية هي نسخة الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله، كان رجلاً من علماء السلف، والمكتبة السلفية في المنيل، لكن للأسف الشديد على عادة الناشرين السرقة إلا من رحم الله، فهناك ألف مكتبة سرقت النسخة السلفية الأصلية وصورتها، فإذا كانت هذه النسخة مصورة تباع في المكتبة هذه أو في تلك المهم أنها تكون موافقة لأصل الطبعة السلفية، إنما الذين أخذوا الطبعة السلفية وأحبوا أن يلفوا حولها فصفوها من جديد فقد وقعوا في أخطاء لا نهاية لها فلا تخلو صفحة من خطأ، وأنا لا أنصح الإخوة بشراء النسخة السلفية؛ إلا لكون نسخة المطبعة السلفية هي الأصل، وقد اعتنوا بها عناية فائقة، فيبيعونها بحوالي أربعمائة جنيه، وهي تستحق أكثر من ذلك، لكن المصورة تباع بمائة جنيه.

    حكم مقاطعة منتجات اليهود والنصارى

    السؤال: أحد الشيوخ يقول: لماذا نقوم بمقاطعة بضاعة اليهود والنصارى والرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع الفرس والروم أثناء محاربتهم؟ فكيف نرد على مثل تلك الشبهات؟

    الجواب: هذه لا يمكن أن تكون شبهة، فالنبي عليه الصلاة والسلام حاصر يهود بني النضير، أليست هذه من باب المقاطعة الاقتصادية؟ هل كان يمدهم النبي عليه الصلاة والسلام بطعام وشراب أم أنه حاصرهم للجلاء؟

    (ثمامة بن أثال رضي الله عنه لما أسلم وكان يرسل من بلده الطعام والشراب إلى قريش في مكة، فلما أسلم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قال له: يا رسول الله! إني كنت قد نويت عمرة فماذا تأمرني؟ قال: اعتمر، وأرسل معه بعض أصحابه من المدينة حتى دخل مكة، فالتقى به المشركون في مكة، قالوا: يا ثمامة ! أصبوت -يعني: تركت دين آبائك- قال: ما صبوت ولكني آمنت مع محمد بالله رب العالمين، ووالله لا تأتيكم حبة قمح حتى يأذن فيها رسول الله)، وهذه مقاطعة، والحديث في الصحيحين.

    والذي يقول: بأن المقاطعة ليست مشروعة، لو أنه ناقش في الوجوب أو في التحريم لقلنا له ذلك، ونحن ما قلنا أبداً بوجوب المقاطعة ولا بحرمة الصلة أبداً، نحن نقول بالمقاطعة من باب النكاية في العدو كما هو يجتهد في النكاية لنا بكل ما استطاع من قوة وسلاح، فإذا كان العدو يعلم أن النكاية فينا تحصل بالطعام والشراب منعهما عنا، ألا تعلمون أن أمريكا تلقي ملايين الأطنان من القمح في المحيط ولا ترسل بها إلى جنوب أفريقيا؟ أما بلغكم أن بابا روما وشنود في مصر لما ذهبا إلى جنوب أفريقيا كانا يأخذان الإنجيل بأيديهما اليمنى، والرغيف باليد اليسرى، كانا يعرضان الإنجيل على المسلمين الجوعى هناك الذين ماتوا جوعاً فيقولان لهم: لا تأخذوا الرغيف حتى تأخذوا الإنجيل أولاً وتعتقدون ما فيه وتتنصرون، فلو قلنا في مقابل هذا وذاك مما طرحناه مراراً، والعالم كله يعلم ماذا يصنع الصليبيون واليهود في هذا الزمان وفي هذه الأرض بالمسلمين هنا وهناك، فلو قلنا بالمقاطعة فهذا أقل القليل مما نملكه، ومع هذا ما قلنا أن المقاطعة واجبة، ولا أن من اشترى سلعة من اليهود أو النصارى آثم، ما قلنا ذلك أبداً، ولكن من باب النكاية في العدو، ولكن هذا الغبي إنما يؤثر في نفسه أن نشتم اليهود أو النصارى مع أنه ما كف في ليله ولا في نهاره عن سب الموحدين، وهذا يذكرنا بما ورد في السنة من أن أهل الأهواء والزيغ والضلال يتركون أهل الأوثان ويسبون أهل الإسلام، فهذا ما كف أبداً عن سب علماء المسلمين، ولا طلاب العلم هنا وهناك، ويعز عليه جداً أن يتكلم واحد منا في اليهود والنصارى بكلمة. أهم إخوانك؟ أهم آباؤك؟ أهم أصدقاؤك؟ أهم منك وأنت منهم أم ماذا؟ لا ندري، فالله تعالى يهدي الجميع.

    حكم قراءة الفاتحة على الأموات

    السؤال: هل يجوز قراءة الفاتحة على الأموات؟

    الجواب: هذه المسألة مما اختلف فيه سلف الأمة، والذي يترجح لدي: أنه لا يجوز قراءة القرآن مطلقاً على الأموات، وأن ذلك من البدع.

    أيهما أفضل الكافر أم الجهمي

    السؤال: لقد ذكرتم في الدرس الماضي أن ابن تيمية قال: لأن يموت الإنسان جهمياً أو معتزلياً خير من أن يموت كافراً على سبيل أخف الشرين، فكيف يكون هذا الجهمي مخلداً في النار مع أنه أفضل من هذا الكافر الذي لم يدخل الإسلام؟ أرجو التوضيح.

    الجواب: السؤال وجيه، ولكن نفرق بين دعاة الجهمية وعامة الجهمية، فأما الدعاة فتنطبق عليهم تلك النصوص التي كفرتهم وخلدتهم في النار وهذا الكلام ذكرناه مراراً، وفيه تفصيل سنذكره بإذن الله تعالى، ولكنهم على أية حال ليسوا كفاراً قولاً واحداً. يكفينا ما ذكرنا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756402414