إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة - أقوال الصحابة في إثبات القدر [2]للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثر السؤال عن القدر في زمن الصحابة، وكثر جوابهم عن هذه الأسئلة، حتى إنك لا تكاد تجد صحابياً لم ينبه على مسألة القدر، ويوضح الأمر فيها لمن جاء بعدهم من الأمة، وما ذاك إلا لخطر الانحراف في هذا الباب، وكل من جاء بعد الصحابة والتابعين هم عيال عليهم ويسعه ما وسعهم فيه.

    1.   

    أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في إثبات القدر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    تكلمنا عن القدر وسقنا الآيات ثم الأحاديث التي تدل على أن السلف كانوا يثبتون القدر، وأن من نفى القدر إنما أتى ببدعة في الإسلام.

    ويبقى أن نتكلم وأن نسرد أقاويل الصحابة رضي الله عنهم في إثبات القدر.

    فروي في إثبات القدر عن أبي بكر وعمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الصحابة والتابعين.

    أقوال الخلفاء الراشدين الأربعة في إثبات القدر

    فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتاه رجل فقال أبو بكر : خلق الله الخلق فكانوا في قبضته فقال لمن في يمينه: ادخلوا الجنة بسلام.

    حينما خلق الله عز وجل الخلق قسمهم إلى قسمين: فقال لمن في يمينه: ادخلوا الجنة بسلام، وقال لمن في يده الأخرى -وهي اليمين أيضاً؛ لأن كلتا يديه يمين-: ادخلوا النار ولا أبالي.

    قال: فذهبت إلى يوم القيامة. أي: ذهبت كل طائفة منهما إلى يوم القيامة.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن نافع عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ -يسأله عن وقوع المعاصي هل تقع بقدر، أي: هل الله عز وجل قدرها؟- قال: نعم].

    أبو بكر قال: الزنا يقع بقدر، ولعلكم تذكرون أننا حينما تكلمنا عن القدر قلنا: هناك مشيئة كونية ومشيئة شرعية، أو قدر شرعي وقدر كوني، ولا يلزم في القدر الكوني محبة الله عز وجل، وإنما يلزم في القدر الشرعي، فكل ما في الكون يقع بقدر الله عز وجل من خير وشر، بمعنى: أن الله تعالى أذن في وقوعه وقدره.

    فقال الرجل لـأبي بكر : أرأيت الزنا بقدر؟ قال أبو بكر : نعم.

    قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ فهذا فهم القدر بمعنى: أن الله تعالى جبره على ذلك.

    قال: [فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال أبو بكر : نعم. يا ابن الخنا! -أي: يا ابن الفحش- أما والله لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ أنفك].

    أي: لو كان عندي الآن من آمره أن يجأ أنفك وأن يضربه لفعلت.

    قال: [وهذا عمر رضي الله عنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني]، أي: إن كنت قدرت علي الشقاء فامحه عني واجعلني في السعداء، وهذا يثبت أن عمر إنما كان يؤمن أن الخير والشر بيد الله عز وجل، وأن الله تعالى كتب وقدر الخلائق إلى قسمين فجعل أحدهما في النار والآخر في الجنة، فلما خفي هذا عن عمر رضي الله عنه وفي أي القسمين هو ناجى الله عز وجل بقوله: اللهم إن كنت كتبتني شقياً -أي: قدرت علي الشقاء- فسامحني واكتبني في السعداء.

    قال: [وقال أبو عثمان النهدي : سمعت عمر بن الخطاب وهو يطوف بالبيت قال: اللهم إن كنت كتبتني في السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في الشقوة -أي: في فريق الشقاء- فامحني منها وأثبتني في السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب].

    والمحو والإثبات في الصحف التي بيد الملائكة، أما أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ فلا محو فيه ألبتة؛ لقول الله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] فالمحو والإثبات بيد الملائكة وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] الذي ليس فيه محو ولا إثبات بعد الذي أُثبت فيه.

    قال: [وعن ابن أبزى قال: أتي عمر فقيل له: إن ناساً يتكلمون في القدر فقام خطيباً فقال: يا أيها الناس! إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفس عمر بيده لا أسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما].

    حينما بلغ عمر أن رجلاً تكلم في القدر بمعنى أنكره أو أنكر علم الله عز وجل، وأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها قال: والله لا يأتيني أحد يتكلم في القدر إلا ضربت عنقه.

    وهكذا مهمة الأمراء والولاة والخلفاء: الحفاظ على الدين أولاً، وعلى عقيدة الناس بعد ذلك.

    قال: [فأحجم الناس فما تكلم فيه أحد حتى ظهرت نابغة الشام]، أي: حتى ظهر من يتكلم في ذلك بالشام.

    قال: [وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب في الناس يوماً فقال: ما يمنعه أن يقوم فيخضب هذا من هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! أما إذ عرفته فأرنا نبير عترته. فقال: أنشدكم الله ألا يقتل بي غير قاتلي. قالوا: فأوصنا.

    قال: أكلكم إلى ما وكلكم الله ورسوله إليه. قالوا: فما تقول لربك إذا قدمت عليه؟ قال: أقول: كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم حتى توفيتني، وهم عبادك إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم].

    والشاهد قوله: إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم، يدل على أن الصلاح والفساد بيد الله عز وجل.

    قال: [وهذا عبد الله بن سبع يقول: إن علياً خطبهم بهذه الخطبة.

    وقال عبد الله بن الحارث : سمعت علياً يقول: ليأتين على الناس زمان يُكذبون فيه بالقدر، تجيء المرأة سوقاً أو حاجتها، فترجع إلى منزلها وقد مُسخ زوجها بتكذيبه القدر].

    أي: أن المرأة تترك بيتها وتذهب إلى السوق وزوجها يتكلم في القدر، والمعلوم أن الواحد يقضي حاجته بأسرع وقت في السوق؛ لأنها شر البقاع، فإذا انقلبت المرأة بعد قضاء حاجتها من السوق إلى بيتها وقد اشترت حاجاتها تجد أن زوجها الذي تركته زوجاً ورجلاً قد مُسخ قرداً أو خنزيراً؛ لماذا؟ لأنه يتكلم في القدر.

    قال: [وعن علي بن أبي طالب قال: إن القدر لا يرد القضاء -أي: القدر لا يرد ما قدره الله عز وجل عليك وقضاه- ولكن الدعاء يرد القضاء].

    وأنتم تعلمون أن الدعاء من قدر الله عز وجل.

    ولذلك ابن القيم عليه رحمة الله يقول: الدعاء يرد القضاء، وذلك على أنحاء ثلاثة:

    فإن كان البلاء النازل من السماء شديداً والدعاء أشد منه رفعه الدعاء. أي لو أن بلية من السماء نزلت والبلية لا تنزل إلا بقدر، والله عز وجل يقدر لها كذلك من الأسباب الأرضية ما يدفع هذا البلاء، فيوفق العبد للدعاء، فإذا كان الدعاء حاراً وبخشوع وحضور قلب وتقرب إلى الله عز وجل بحيث كانت قوة الدعاء أكثر وأشد من قوة البلاء نفع الدعاء هنا في رد البلاء.

    وإذا كان الدعاء أضعف من البلاء لن يدفعه وأصاب البلاء صاحبه.

    وإذا كان الدعاء والبلاء على مستوى واحد في القوة تعالجا وتعاركا في السماء إلى يوم القيامة.

    هذا كلام شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله.

    قال: [فعن علي بن أبي طالب قال: إن القدر لا يرد القضاء، ولكن الدعاء يرد القضاء.

    قال الله تعالى لقوم يونس: لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98].

    وعن علي بن أبي طالب أنه ذُكر عنده القدر يوماً فأدخل أصبعيه السبابة والوسطى في فيه -أي: أنه أخذ السبابة والوسطى فأدخلهما في الفم وأخذ من ماء فمه ولسانه- قال: فرقم بهما في باطن يده -يعني: فأدخل السبابة والوسطى في فمه فبلهما بريقه، ثم طبع بهما في باطن كفه- ثم قال: أشهد أن هاتين الرقمتين كانتا في أم الكتاب].

    وكأنه يريد أن يقول: إن الله تعالى قدر كل شيء مهما دق في أم الكتاب عنده تحت العرش، وأنتم تتكلمون في القدر؟ فوالله إن هاتين الرقمتين أو هاتين الطبعتين -وأدخل أصبعيه السبابة والوسطى في فمه فبلهما بريقه وطبع بهما في باطن كفه- مكتوبتان في القدر أن علي بن أبي طالب سيفعل ذلك، وأراد علي بن أبي طالب بذلك أن يثبت أن القدر في كل شيء، وأنه لا يكون شيء في الكون قط إلا بقدر وبإذن من الله، وإلا لكان من الممكن أن يدخل علي بن أبي طالب أصبعيه في فمه، فلا يقوى ولا يقدر على أن يرد أصبعيه من فمه، فربما يموت على هذه الحال وأصبعاه في فمه، ولكنه علم أن هذا كله بقدر.

    قال: [قال علي بن أبي طالب : إن أحدكم لن يخلص الإيمان إلى قلبه حتى يستقر يقيناً غير ظن أنه ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويقر بالقدر كله]. يعني: يؤمن بالقدر كله، وأن كل شيء في الكون إنما يقع بقدر الله عز وجل.

    قول عبد الله بن مسعود في إثبات القدر

    قال: [عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، فاتبعوا ولا تبتدعوا، فإن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره].

    والشاهد هنا في قوله: (فإن الشقي من شقي في بطن أمه) أي: أن الله تبارك وتعالى كتبه من الأشقياء قبل أن يولد، فمن قال: إن هذا ظلم؛ كفر؛ لأنه يقصد أن الذي ظلمه هو الله، والله تبارك وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، فما بال الله عز وجل كتبه وهو في بطن أمه من الأشقياء؟ وأنتم تعلمون حديث عبد الله بن مسعود : (ويؤمر الملك بكتب أربع: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) وهذا يكون بعد تكوين الجنين بأربعين يوماً، وقيل: بمائة وعشرين يوماً، والراجح: أن الروح تنفخ بعد الأربعين لا بعد المائة والعشرين، والمسألة محل خلاف بين أهل العلم.

    والذي يترجح لدي: أنها تنفخ بعد الأربعين؛ ولذلك لا يجوز الإجهاض بعد الأربعين حتى وإن ماتت المرأة، أما إذا كانت هناك علة وعذر شرعي للإجهاض قبل الأربعين فبها ونعمت، وإن لم يكن هناك عذر حرم الإجهاض أيضاً.

    قال: (والشقي من شقي في بطن أمه) أي: يختار طريق الشقاء فيكتبه الله عليه حينئذ؛ لأن الله تبارك وتعالى علم ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة، وما بعد ذلك وما قبل ذلك، فعلم الله عز وجل أن هذا العبد قبل أن يكون جنيناً حينما خلقه من ظهر أبيه آدم، أنه سيختار طريق الشقاء رغم إرسال الله عز وجل للرسل، وإنزاله الكتب، وتسخيره العقل السليم لهذا الرجل الذي يميز به بين الحق والباطل، ومع هذا يختار هذا الشقي طريق الشقاء.

    فإذا كان الأمر كذلك فما الضرر بعد ذلك أن يكتبه الله تبارك وتعالى من الأشقياء؟

    قال: [وعن عبد الله بن مسعود قال: لأن أعض على جمرة وأقبض عليها حتى تبرد في يدي، أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله ليته لم يكن]. أي: لا يعترض على قضاء الله وقدره.

    قال: [ويقول الحارث : سمعت ابن مسعود يقول وهو يدخل إصبعه في فيه: لا والله لا يطعم رجل طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر، ويُقر ويعلم أنه ميت مُخرج، وأنه مبعوث من بعد الموت.. وكل هذا بقدر.

    وقال ابن مسعود : إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى يتيسر له نظر الله من فوق سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوا عنه. فإني إن يسرته له أدخلته النار].

    أرأيتم رحمة الله؟

    أي: أن المرء يحب أن يفعل شيئاً، وربما يستخير الله عز وجل على فعل هذا الشيء، لكنه قبل أن يستخير يتمنى أن لو يُسر له هذا الأمر، إذاً: الاستخارة هذه ضعيفة جداً، والدعاء فيها يكاد يكون ميتاً؛ لأنه قد عقد قلبه على محبة هذا الشيء وحب الحصول عليه، فـعبد الله بن مسعود يقول: وإن هذا العبد ليهم بفعل الأمر ويهواه ويشتهيه ولو أن الله تعالى يسره له لكان فيه هلكته، ولكن الله تعالى يصرفه.

    فكم من رجل كان صاحب خلق ودين، فلما عمل بالتجارة فسدت أخلاقه وضاع دينه، وكم من رجل لما تأمر وتسلط وترأس نسي دينه تماماً، فبسبب معاصيه وانهماكه في معصية الله عز وجل يدخله الله تبارك وتعالى النار، ولو أن الله صرف عنه التجارة من الأول لكان في ذلك النجاة كل النجاة، ولكن العبد إنما يحب ما يراه هو خيراً لا ما يراه الله عز وجل؛ ولذلك شرع الله تعالى الاستخارة: (إذا هم أحدكم بالأمر -أي: إذا أراد أن يفعل شيئاً- فليركع ركعتين من غير الفريضة -أي نافلة- ثم ليقل: اللهم إني أسألك بعلمك -أي بعلمك السابق الأزلي الذي تعلم به الخير والشر- وأستقدرك بقدرتك وأستخيرك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم -وهذا من الأدب- اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -الذي يريد أن يقدم عليه- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أي: في الآخرة- آجله وعاجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري آجله وعاجله فاصرفه عني واصرفني عنه، ثم اقدر لي الخير حيث كان) فكأن العبد يرتمي بكليته في بحر علم الله عز وجل وبحر كرمه وفضله: يا رب اختر لي فأنا لا أعلم شيئاً.

    قول عبد الرحمن بن عوف في إثبات القدر

    قال: [وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرض مرضاً شديداً أُغمي عليه فأفاق فقال: أُعمي علي؟ قالوا: نعم. قال: إنه أتاني رجلان غليظان، فأخذا بيدي فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فانطلقا بي فلقيهما رجل قال: أين تريدان به؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، فقال: دعاه -أي: اتركاه- فإن هذا ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه].

    قول عبد الله بن عباس في إثبات القدر

    قال: [يقول طاووس -تلميذ ابن عباس-: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: العجز والكيس بقدر].

    أي: النشاط والقدرة والقوة وكذلك الضعف والخوف كل ذلك بقدر الله عز وجل.

    قال: [وعن ابن عباس قال: لو أخذت رجلاً من هؤلاء الذين يقولون: لا قدر لأخذت برأسه وقلت: لولا ولولا.

    وقيل لـابن عباس : إن ناساً يقولون في القدر -أي: أنهم يتكلمون في القدر ويقولون: لا قدر- وأن الأمر أنف، أي: أن الله تعالى لا يعلم الأمر إلا بعد وقوعه].

    ونحن نعلم أن الإنسان لا يعلم الأشياء المستقبلية التي غابت عنه أو غابت عنه أسبابها حتى تقع؛ ولذلك لو حدث شيء الآن لقلنا: سبحان الله! كيف حدث؟ لم يكن عندنا علم ولا أسباب سبقته ولا غير ذلك، فالذي علم ذلك في الأزل هو الله عز وجل، فهناك أناس يتكلمون في القدر ويقولون: إن الأمر أُنف، أي: أن الله تعالى لا يعلم ما سيكون.

    وهذا فيه تسوية للخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى.

    قال: [قيل لـابن عباس : إن ناساً يقولون في القدر، قال: يكذبون بالكتاب؟ -أي: يكذبون بالكتاب الذي أثبت العلم الأزلي لله عز وجل؟- لئن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه -أي: لأقطعنه- إن الله عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً فخلق القلم -أول المخلوقات- فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة].

    فالذي أمر بأن يكتب كل شيء كائن إلى يوم القيامة عالم أم لا؟ الجواب: عالم سبحانه وتعالى.

    قال: [فإنما يجري الناس على أمر قد فُرغ منه].

    أي: أن الذي يفعله الناس اليوم مقدر في الأزل، وأن الله تعالى علمه من عباده وخلقه؛ فقدره عليهم وكتبه عليهم، هذا من أهل السعادة وذاك من أهل الشقاء.

    قال: [وقال ابن عباس : القدر نظام التوحيد]، أي هو سلوك الموحدين وطريقهم؛ لأن من كفر بالقدر فقد كفر بالتوحيد وكفر بالله عز وجل؛ ولذلك أفردته النصوص بإلزام الإيمان به، فلما سأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) فلم يعطف القدر على بقية أركان الإيمان وإنما أفرده (قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله) ولم يقل: وأن تؤمن بالملائكة، وأن تؤمن بالرسل، وإنما قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر) فعطف هؤلاء جميعاً على قوله: (أن تؤمن) ثم أفرد القدر. قال: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)، فلا يصح إسلام العبد ولا إيمانه إلا إذا آمن بالقدر خيره وشره، وأن القدر خيره وشره من عند الله عز وجل، ولكن الله تعالى أراد من عباده الخير وكلفهم به وألزمهم بإتيانه وأثابهم عليه، وأن الشر يقع في الكون بإرادة الله وإذنه مع أن الله قد نهى عنه، وغضب وسخط على من يأتي الشر أو المعصية، لكن هذا لا يُفهم منه أن الخير من الله وأن الشر من الناس.

    فيكون الشر من خلق الله عز وجل، ومعنى (من خلقه) أي: أن الله تعالى أذن في وجوده ووقوعه في الكون، وإلا لو أراد رجل أن يزني فقال: أنا أزني رغماً عن الله عز وجل. هل يستطيع ذلك؟ أبداً لا يستطيع، إذا كان الله لم يقدر هذا الزنا؛ لأن الزنا لا يقع إلا إذا أذن الله تعالى به، وإن كان الله تعالى حرمه فما قصة وقوعه بقدر؟ الجواب: لأنه لا شيء يقع في كون الله إلا إذا أمر الله تعالى به أو إذا قدره وأراده إرادة كونية قدرية لا إرادة شرعية دينية.

    فالإرادة الشرعية الدينية مبناها على المحبة والرضا كما اتفقنا، فإن الذي يصلي فيقوم ويركع ويسجد ويجلس ويسلم يمنة ويسرة.. كل ذلك بقدر، والله تعالى يحب ذلك؛ لأنه خير والله تعالى أمر به، والذي يخطو خطوات لأجل السطو على أموال الغير أو قطع الطريق أو الزنا أو شرب الخمر أو غير ذلك، هل يستطيع عبد أن ينقل قدماً وأن يحط أخرى إلا بقدر، فإن الذي يمشي إلى الصلاة يمشي بقدر، وإن الذي يمشي إلى السرقة يمشي كذلك بقدر، ولكن الله تعالى يحب المشي إلى الصلاة ويبغض المشي إلى السرقة.. والكل بقدر الله عز وجل، فإن الله تعالى قدر المشي إلى الصلاة وأمر به وأذن في وقوعه في كونه وأثاب فاعله على ذلك؛ لأنه أطاع الأمر، وفي المقابل الذي يخطو هذه الخطوات للسرقة الله تعالى أذن له وقدر له هذه الخطوات، مع أن الله تعالى أفرغ عذر هذا الرجل بأن أرسل له الرسل وأنزل عليهم الكتب، وبلغته الدعوة، وحذره وبين له أن هذا شر بناء على العقل السليم الذي ركبه في رأسه، وإلا لو زنى مجنون هل يؤاخذ؟ ولو سرق مجنون هل يؤاخذ؟ لو شرب الخمر مجنون هل يؤاخذ؟ لا، ولكن الله تعالى جعل العقل مناط التكليف.

    ولذلك لو أتيناك بطريقين أحدهما قد امتلأ شوكاً، والآخر قد امتلأ ورداً وقلنا: اسلك أحد الطريقين وكلاهما يبلغ إلى المكان الفلاني أو الغرض الفلاني، فأي الطريقين تسلك أنت؟ الجواب: طريق الورد، فلو سألناك: لِم سلكت هذا الطريق وتركت الثاني؟ لقلت: إن هذا ممهد موطأ معبد، وإن هذا قد امتلأ شوكاً.

    فالذي جعلك تميز بعقلك السليم بين هذا وذاك يجعلك تميز أن الصلاة محل محبة الله تعالى ورضاه، وأن الزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك محل سخط الله عز وجل وغضبه وانتقامه.

    فالذي يجعلك تقدم على هذا هو قدر الله، وكذلك أنت ما أقدمت على الشر إلا بقدر، ولو أن الله تعالى أراد ألا تفعل هذا لحال بينك وبينه، ولكن الله تعالى حينما أفرغ حجتك بإرسال الرسل وإنزال الكتب ومنحك العقل السليم وقيام الحجة عليك جعلك تختار لنفسك ما تشاء.

    قال: [عن ابن عباس قال: القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضاً للتوحيد، ومن وحد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها].

    إذاً: أهم شيء في حياة المسلم إيمانه بالقدر، وأن الخير والشر من عند الله عز وجل.

    قال: [وعن عطاء بن أبي رباح قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: يا ابن عباس ! أرأيت من صدني عن الهدى وأوردني الضلالة والردى ألا تراه قد ظلمني؟]

    طبعاً السؤال هذا يحيك في نفس كل مسلم ؛ لأن القدر هو بيت القصيد في حديقة الإيمان، فالرجل هذا أتى إلى ابن عباس وقال له: يا ابن عباس أرأيت من صدني عن الهدى وأوردني الردى ألا يكون قد ظلمني؟

    أنا يا ابن عباس أريد أن أصلي وأصوم وأزكي وأحج وأعمل كل خير وطاعة لله عز وجل، لكني وقعت في المعاصي وأريد أن أتركها فلا أستطيع، أليس هذا بقدر يا ابن عباس ؟ قال له: نعم. هذا بقدر.

    قال له: أليس القدر كله خيره وشره من عند الله؟ الجواب: نعم. من عند الله عز وجل.

    فقال: أرأيت من صدني عن الهدى وأوردني الردى، ألا يكون قد ظلمني؟

    فهذا السؤال من جهة العقل سؤال وجيه، لكن انظر إلى جواب ابن عباس .

    قال: [يقول: إن كان الهدى كان شيئاً لك عنده ممنعكه فقد ظلمك، وإن كان هو له يؤتيه من يشاء فلم يظلمك. قم لا تجالسني].

    فالهدى والغواية من عند الله عز وجل، يهبهما لمن يشاء ويمنعهما عمن يشاء.

    أرأيت لو أن واحداً عنده مال فوضعه عندك أمانة، فأراد أن يأخذه في أي وقت شاء. أيكون قد ظلمك؟ الجواب: لا؛ لأن صاحب المال أحق به وبرده في أي وقت، فإذا كان وضع المال عندك على سبيل الأمانة، يستوجب رده في أي وقت، ولا يكون صاحب المال ظالماً لهذا المؤتمن على المال، وكذلك العز والذل، والطاعة والمعصية، والخير والشر.

    قال: [وعن ابن عباس قال: كان الهدهد يدل سليمان على الماء، فقال عكرمة : كيف ذاك والهدهد يُنصب له الفخ عليه التراب؟ قال: أعضك الله بهن أبيك، ألم يكن إذا جاء القضاء ذهب البصر؟].

    يعني: إذا قدر الله عز وجل عليك الشر فإنه مهما كان حذرك يفنى هذا الحذر حتى تقع في الذي قدره الله عز وجل لك.

    أرأيت الكلام الجميل!

    يقول له: هذا الهدهد هو الذي كان يدل سليمان على مكان الماء، مع أن الهدهد معروف عند العرب بشيء من الغباء، لماذا؟ لأن الهدهد يُنصب له الفخ فيقع فيه، والأصل أنه إذا كان ذكياً يهرب من هذا الفخ، فكيف مع هذا الغباء يدل سليمان على الماء؟

    لِم لم يدله الله عز وجل على الماء مباشرة دون وساطة الهدهد؟ الجواب: حتى يبين أن كل شيء بقدر، وأن سليمان مهما بلغ في ذكائه فإنه يحتاج إلى مساعدة أضعف المخلوقات.

    قال: [وقال أبو يحيى : أتيت ابن عباس ومعي رجلان من الذين يذكرون القدر أو ينكرونه فقلت: يا ابن عباس ما تقول في القدر؟ قال: فإن هؤلاء أتوك يسألونك عن القدر إن زنى وإن سرق وإن شرب؟

    قال ابن عباس : فحسر قميصه حتى أخرج منكبيه وقال: يا أبا يحيى لعلك من الذين ينكرون القدر ويكذبون به؟].

    ولكن أبا يحيى لم يكن يسأل إلا لأجل الموجودين في المجلس وأراد أن يحرجهما في مجلس ابن عباس .

    قال: [والله إني لو أعلم أنك منهم أو هذين معك لجاهدتكم. إن زنى وإن سرق فبقدر، وإن شرب الخمر فبقدر].

    فإن قيل: فإذا كان الزنا بقدر فلماذا يعذبنا الله؟

    الجواب: فالعذاب أيضاً بقدر، فالذي قدر وقوع الزنا في الكون قد حذر منه ونفر عنه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب ومنحك العقل، وأنت تزني وتعرف أن هذا باطل ومنكر وأن الله يغضب عليه، حتى في لحظة الزنا تعلم ذلك، ولكن القدر غلبك؛ لأن الله علم أنك ستختار هذا أزلاً رغم هذه المؤهلات التي منحك إياها، فقدرها عليك وكتبها عليك؛ لأنك اخترتها.

    قال: إن زنى وسرق فبقدر، وإن شرب الخمر فبقدر.

    ولذلك حينما زنى رجل في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجيء به إلى عمر ليقيم عليه الحد قال: يا أمير المؤمنين! أتقيم علي الحد على أمر قد قدره الله عز وجل علي؟ قال: نقيم عليك الحد بقدر الله أيضاً.

    فإذا كان الزنا بقدر، فإن الحد بقدر، فهذا بقدر وهذا أيضاً بقدر.

    وكأنه يقول: الذي قدر الزنا هو الذي قدر عقوبة الزنا، فهذا بقدر وذاك بقدر أيضاً.

    قول ابن عمر في إثبات القدر

    قال: [وعن يحيى بن يعمر قال: قلت لـابن عمر : إنا نسافر فنلقى قوماً يقولون: لا قدر.

    قال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أن ابن عمر منهم بريء وهم منه براء ثلاث مرات].

    فالعلماء حملوا براءة ابن عمر من القدرية على الكفر، ونحن قلنا: إن القدر هذا أربع مراتب:

    المرتبة الأولى: مرتبة العلم.

    المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة.

    المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة.

    المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق.

    مرتبة العلم: أن الله تعالى علم كل شيء يفعله العباد من خير وشر، فقدره عليه بعد أن أفرغ حجته.

    ثم حينما علم الله عز وجل كل شيء كان خلق القلم، وأمره بأن يكتب كل شيء سيكون إلى يوم القيامة.

    وهاتان المرتبتان منكرهما وجاحدهما كافر خارج عن ملة الإسلام، والذي كان يقول: لا قدر في البصرة وهو معبد الجهني في زمن عبد الله بن عمر كان ينكر علم الله السابق وينكر الكتابة.

    فالذي ينكر هاتين المرتبتين والمنزلتين كافر خارج عن ملة الإسلام.

    أما المرتبة الثالثة وهي مرتبة المشيئة، والمرتبة الرابعة مرتبة خلق أفعال العباد خيرها وشرها فإن النزاع قائم بين أهل العلم في كفر من قال بغير ذلك أو عداه.

    قال ابن عمر : إذا لقيت أولئك فأخبرهم أن ابن عمر منهم بريء وهم منه براء ثلاث مرات.

    أقوال أبي بن كعب وابن مسعود وحذيفة وزيد بن ثابت في إثبات القدر

    والكلام في القدر من جهة الصحابة ثابت عن أبي بن كعب وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وغيرهم.

    قال: [قال ابن الديلمي : أتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر ! إنه وقع في قلبي شيء من هذا القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه عني].

    أي: أن ابن الديلمي ذهب لـأبي بن كعب ليستنجد به، وأنتم تعلمون أن أبي بن كعب من كبار أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الحفاظ المتقنين المتثبتين.

    فهو يقول له: دخل في نفسي شيء من القدر فأرجو أن تتكلم حتى يزول عني؛ لأنه يعلم أنه باطل ولكن ربما دخلته الشبهة.

    قال: [فقال أُبي: إن الله عز وجل لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم].

    وأهل السماوات هم الملائكة، وهؤلاء الملائكة جبلوا وخلقوا وكتبوا على الطاعة: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] أي: أن المعصية لا تأتي من جهتهم قط، فعلام يُعذبون؟ ولكن لو أن الله عذبهم هل يكون ظالماً لهم؟

    قال: [إن الله عز وجل لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإن مت على غير ذلك دخلت النار].

    قال ابن الديلمي : ثم أتيت ابن مسعود فحدثني بمثل ذلك، ثم أتيت حذيفة فحدثني بمثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني بمثل ذلك.

    فهؤلاء الصحابة قد تكلموا في القدر هنا بكلام جميل جداً وممتع للغاية، ثم نجد أن مسائل القدر حاكت في صدور التابعين ومن بعدهم أيما حياكة، فكان من شأن علماء التابعين ومن بعدهم أنهم كفوا عن الكلام في القدر، وكان يوصي بعضهم البعض فيقولون: إذا ذُكر القدر فأمسكوا، وإذا ذُكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم -ورضي الله عنهم- فأمسكوا، فكانت هناك مسائل إذا ذُكرت لا يتكلم فيها أحد لا عن جهل، وإنما يرون أن ذلك باب عظيم للفتنة، فقلة الكلام فيه أولى من التصدي له.

    أقوال الحسن بن علي وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو وأبي الدرداء في إثبات القدر

    قال: [وعن الحسن بن علي قال: قضى الله القضاء وجف القلم وأمور بقضاء في كتاب قد خلا].

    أي أن الله تبارك وتعالى قدر الأقدار وقضى القضايا قبل أن يخلق السماوات والأرض، فكتب ذلك في كتاب لا يقبل المحو ولا الإثبات.

    قال: [وعن عمرو بن العاص قال: انتهى عجبي إلى ثلاث -أي عجبت عجباً شديداً من ثلاث-: المرء يفر من القدر وهو لاقيه، ويرى في أعين أخيه القذى فيعيبها ويكون في عينه مثل الجذع فلا يعيبها].

    وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه).

    أي: أن أحدنا يرى من أخيه أدق العيوب وهو عنده أعظم العيوب فلا يراها (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه).

    قال: [ويكون في دابته الصعر ويقومها جهده، ويكون في نفسه الصعر فلا يقومها.

    وعن عبد الله بن الديلمي قال: دخلت على عبد الله بن عمرو وهو في حائط له بالطائف بالوهط، -وهذا اسم الحديقة والبستان الذي تركه عمرو بن العاص رضي الله عنه لولده عبد الله - ومعه فتى من قريش يزن بشرب الخمر -أي: أنه يُعرف بأنه شارب خمر- فقلت له: بلغني عنك حديث: (أنه من شرب شربة خمر لم يقبل الله توبته أربعين صباحاً، وإن الشقي من شقي في بطن أمه).

    وعن أبي الدرداء قال: ذروة الإيمان أربع -أعلى مسائل الإيمان أربع-: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب تبارك وتعالى].

    والشاهد: (والرضا بالقدر).

    قول سلمان الفارسي في إثبات القدر

    قال: [وعن أبي الحجاج الأزدي قال: سألت سلمان الفارسي : ما هو الإيمان بالقدر؟

    قال: أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.

    وعن أبي نعامة السعدي قال: كنا عند أبي عثمان النهدي فحمدنا الله ودعونا فقلت: لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحاً مني بآخره.

    فقال: ثبتك الله، كنا عند سلمان فحمدنا الله ودعوناه وذكرناه فقلت: لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحاً مني بآخره.

    فقال سلمان : ثبتك الله. إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارٍ إلى يوم القيامة، فكتب الآجال والأرزاق والأعمال والشقوة والسعادة، فمن علم السعادة فعل الخير ومجالس الخير، ومن علم الشقاوة فعل الشر ومجالس الشر].

    فقوله هنا: لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحاً مني بآخره، أي: إنني أؤمن إيماناً جازماً بما قدره الله عز وجل وقضاه علي أولاً، فأنا أفرح بما قدره الله عز وجل علي أولاً قبل أن يخلقني، وأن عملي وإن كان صالحاً ما هو إلا سبب لدخول الجنة.

    فهو يفرح بما قدره الله له، ولا يفرح بعمله؛ لأن الأعمال بالخواتيم.

    أقوال جابر بن عبد الله وعائشة في إثبات القدر

    قال: [وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر]، وأهل العلم يقولون: (لا) هنا نافية لأصل الإيمان: فقوله: (لا يؤمن) أي: لا يؤمن ألبتة عبد حتى يؤمن بالقدر كله خيره وشره.

    قال: [وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

    وعن عائشة قالت: إن العبد ليعمل الزمان بعمل أهل الجنة وإنه عند الله لمكتوب من أهل النار].

    أي: إن العبد ليعمل عمراً طويلاً بعمل أهل الجنة وإنه عند الله لمكتوب من أهل النار، وهذا ليس ظلماً، وتفسره الرواية التي تقول: (وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)، ولكنه مراءٍ ومنافق بهذا العمل، فلا يعمله لله عز وجل، وإنما يعمله لوجوه الناس، فهو عمل حابط وإن كان في ظاهره صالح إلا أنه عند الله لا يساوي شيئاً؛ لأنه لم يبتغ به وجهه، وأشرك فيه مع الله تعالى آخر؛ ولذلك يقول المولى تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه، أنا أغنى الشركاء عن الشرك.. أنا أغنى الشركاء عن الشرك.. أنا أغنى الشركاء عن الشرك).

    1.   

    أقوال التابعين رحمهم الله في إثبات القدر

    أقوال سفيان الثوري وعمر بن عبد العزيز في إثبات القدر

    قال: [وقال محمد بن كثير العبدي : سمعت سفيان الثوري يقول: إن الرجل ليعبد الأصنام وهو حبيب الله].

    وليس هو حبيب الله في وقت عبادته للصنم، وهذا معلوم بداهة، وإنما هو حبيب الله لأن الله تبارك وتعالى قدر أن هذا العبد سيتوب وسيعبد الله تبارك وتعالى.

    فـعمر رضي الله عنه كُتب له في اللوح المحفوظ أنه من أهل السعادة قطعاً؛ لأن النبي قطع بذلك عليه الصلاة والسلام، وهذا عمر كان يعبد الأصنام، وحينما كان يعبد الأصنام سبق في علم الله عز وجل أنه يتوب وأنه يؤمن وأنه يعبد الله تبارك وتعالى، بل يحارب الدنيا بأسرها لأجل عبادة الله، فهل كان مكتوباً أولاً أنه من أعداء الله ثم تغير اللوح المحفوظ وأُثبت مكان هذه العداوة محبة، أم أنه كان مكتوباً أولاً أنه سيكون من أحباب الله؟ بل حتى في اللحظة التي كان يعبد فيها الصنم كان مكتوباً أنه سيكون من أهل السعادة ومن أهل محبة الله عز وجل.

    فهذا معنى كلام سفيان الثوري حتى لا تستنكره: إن الرجل ليعبد الأصنام وهو حبيب الله. ليس حبيب الله عز وجل لأنه يعبد الأصنام، وإنما هو حبيب الله باعتبار ما سيكون بعد التوبة.

    قال: [كتب عمر بن عبد العزيز إلى ابن له كتاباً فكان فيما كُتب فيه: إني أسأل الله الذي بيده القلوب يصنع فيها ما شاء من هدى وضلالة].

    يعني: يقلبها كيف يشاء كما في الحديث، يصنع فيها ما شاء من هدى وضلالة، إذاً: فالله تبارك وتعالى يصنع في القلوب الهدى والضلالة، وهنا (يصنع) بمعنى: يخلق. يخلق الهدى ويخلق الضلال.

    أليس الهدى فعلاً والضلال فعلاً؟ الجواب: نعم.

    إذاً: الأفعال مخلوقة لله عز وجل، بمعنى أن الله تعالى قدر وجودها، فكما قدر وجود الصلاة قدر وجود السرقة، لكن الصلاة هدى والسرقة ضلال، فحينما قدر الله عز وجل هذا وذاك معناه: أنه يملك خلق الهدى والضلال سبحانه وتعالى.

    قول الحسن البصري في إثبات القدر

    قال: [وعن نعيم العنبري -وكان من جلساء الحسن البصري - قال في قول الله عز وجل: وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا [الكهف:82] قال الحسن : لوح من ذهب مكتوب فيها: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن آمن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله].

    هذا تفسير الحسن البصري رحمه الله لقوله تعالى: وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا [الكهف:82] ولكن هذا التفسير مردود؛ لأنه من علم الغيب، ولا يتكلم أحدٌ في الغيب إلا بخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

    قال: [وقال تمام بن نجيح : سمعت الحسن وقد أتاه رجل فأخذ بعنان دابته فقال: أيها الضال المضل حتى متى تضل الناس؟].

    واحد اعترض للإمام الحسن البصري وأخذ بلجام دابته وقال: أيها الضال المضل! فهو يوجه الكلام للحسن البصري فيقول له: أنت ضال مضل.

    ثم قال له: إلى متى تضل الناس؟

    قال: [قال: وما ذاك؟ قال: تزعم أن من قتل مظلوماً فقد قُتل في غير أجله؟

    قال الحسن : فمن يأكل بقية رزقه يا لكع! خل الدابة. قتل في أجله].

    أي: اترك الدابة لقد قُتل في أجله وأنا ما قلت ذلك.

    قال: [فقال الرجل: والله ما أحب أن لي بما سمعت منك اليوم ما طلعت عليه الشمس].

    أي: أن أحب شيء إلي هو هذا الكلام الذي سمعته منك الآن.

    قال: [وقال أبو خلدة : سمعت الحسن يقول: الشقي من شقي في بطن أمه].

    أي: من كُتب عليه الشقاء وهو في بطن أمه.

    وهذا لا يردنا عن العمل الصالح، لأن الشبهة هذه دخلت على الصحابة أيضاً رضي الله عنهم.

    أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن ما نحن فيه اليوم أمر قد فُرغ منه أم بعد؟) أي: أنه قد قُدر علينا وانتهى أم ليس مقدراً بعد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أمر قد فُرغ منه، فقال الرجل: ففيم العمل إذاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعملوا. فكل ميسر لما خُلق له) فأنت لا تعتمد على ما قُدر لك، فهل تعرف ما الذي قدره الله عز وجل لك؟ أتعرف إذا كنت من أهل الشقاء أم من أهل السعادة؟

    فمن الطبيعي أنك تحرص أن تكون من أهل السعادة، والذي يحرص أن يكون من أهل السعادة يأتي الطاعات ويترك المنكرات، وهي أسباب السعادة، فإذا اجتهد المرء في ذلك ولم يوفق وارتكب النهي واقترف المعصية واكتسب الإثم والوزر فكل هذا سبب في الشقاء، فالطاعة بأسباب والمعصية والشقاء بأسباب، وهذه الأسباب مقدرة، والله تبارك وتعالى علمها من عبده فقدرها عليه، فحينما كان الواحد منا لا يعلم ما هو مكتوب له في اللوح المحفوظ وهل هو من أهل الشقاء أم من أهل السعادة، فطبيعي أنه سيحرص على أن يكون من أهل السعادة فيأتي أسباب السعادة، فإذا تنكب الطريق فقد أتى الأسباب التي تؤهله لدخول النار.

    قال: [وقال عاصم : سمعت الحسن يقول في مرضه الذي مات فيه: إن الله قدر أجلاً، وقدر معه مرضاً، وقدر معه معافاة، فمن كذب بالقدر فقد كذب بالقرآن، ومن كذب بالقرآن فقد كذب بالحق.

    وقال الحسن : من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام.

    ثم قال: إن الله خلق خلقاً فخلقهم بقدر وقسم الآجال بقدر، وقسم أرزاقهم بقدر، والبلاء والعافية بقدر].

    أي أن كل شيء في الدنيا لا بد أن يكون بقدر حتى البصمة التي ذكرناها في يد علي بن أبي طالب أيضاً مكتوبة في اللوح المحفوظ.

    قول مطرف بن عبد الله بن الشخير في إثبات القدر

    قال: [وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: نظرت فإذا ابن آدم ملقي بين يدي الله عز وجل وبين يدي إبليس].

    فهو يريد أن يقول: ابن آدم هذا إما أن يكون بين يدي الله عز وجل فيطيعه، أو بين يدي إبليس فيطيعه.

    قال: [فإن شاء الله أن يعصمه عصمه، وإن تركه ذهب به إبليس].

    وإن تركه الله -وهذا الترك بقدر- ذهب به إبليس.

    قال: [وقال مطرف : نظرت في هذا الأمر ممن كان؟ فإذا بدؤه من الله عز وجل وإذا تمامه على الله، ونظرت ما ملاكه فإذا ملاكه الدعاء].

    أي: أن المرء الذي يؤمن بأن القدر خيره وشره من عند الله وأنه إما أن يكون من أهل الشقاء أو من أهل السعادة، فإذا كان الأمر هكذا في معتقد العبد فينبغي أن يتضرع إلى الله عز وجل بالليل والنهار بالدعاء، حتى يصرف عنه ذلك البلاء إذا كان كتب له.

    أقوال كعب الأحبار في إثبات القدر

    قال: [وجاء قوم إلى كعب الأحبار فقالوا له: كيف تجدك يا أبا إسحاق ؟! -أي: كيف حالك يا أبا إسحاق؟- قال: بخير. عبد أُخذ بذنبه، فإن قبضه إليه ربه إن شاء عذبه وإن شاء رحمه، وإن عاقبه ينشئه نظيفاً].

    كأنه يقول لهم: الحمد لله أنا في عافية، إن أراد الله عز وجل أن يدخلني الجنة فهذا فضل منه ورحمة، وإن شاء أن يدخلني النار حتى أتطهر من ذنوبي ثم ينشئني في الجنة نظيفاً بعد ذلك فله ما يشاء سبحانه وتعالى.

    قول محمد بن كعب القرظي في إثبات القدر

    قال: [وعن محمد بن كعب القرظي قال: ما أنزلت هذه الآية إلا تعييراً لأهل القدر، وهي قوله: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:47-49]].

    فهنا لفظ (كل) من ألفاظ العموم، فهو يشمل كل شيء؛ الأشياء العظيمة والحقيرة، ويشمل الصغيرة والكبيرة وغير ذلك.

    قول علي بن الحسين في إثبات القدر

    قال: [وعن علي بن الحسين أنه قال: إن أصحاب القدر حملوا مقدرة الله عز وجل على ضعف رأيهم. فقالوا لله: لِم؟].

    أي: أن أصحاب القدر يقولون: لِم فعل الله كذا، ولِم قدر كذا؟ ولا ينبغي أن يقال لله: لِم؟ ولا كيف؟

    ولا ينبغي أن يقول أحد لله: لماذا أخذت أبي؟ لماذا أمت ابني؟ فهذا اعتراض على الله عز وجل؛ ولذلك لا يجوز ولا ينبغي.

    وغير ذلك أيها الإخوة الكرام من أقوال سلفنا -رضي الله عنهم- الشيء الكثير التابعين وأتباعهم، بل ورد في كلام العرب من الشعر والنثر والنظم الشيء الكثير.

    فبقية الباب أدعه لقراءتكم؛ لأنه لا يزيد الأمر إلا وضوحاً، ليس فيه جديد عما ذكرناه.

    1.   

    الأسئلة

    التوبة تجب ما قبلها

    السؤال: كنت تاركاً للصلاة مدمناً للخمر، ولكن الله عافاني من ترك الصلاة، وظللت مدة أصلي وأنا أشرب الخمر، وذات يوم أخطأت في الصلاة فعاهدت ربي ألا أشرب خمراً إلى أن يقبضني الله عز وجل، وتبت إليه ولم أرجع إلى هذه الكبيرة، ولكني قرأت حديث طينة الخبال: (عهد الله إلى شارب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال)، وأنا ندمت على هذه الأيام، وعزمت على عدم العودة، فهل يعافيني ربي من هذا العقاب؟

    الجواب: نعم. إذا كنت صادقاً في توبتك عازماً على الاستمرار في الطاعة، فإن الله تبارك وتعالى قد فتح باب التوبة على مصراعيه: (وإن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) وإن العبد إذا أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً وبلغ السلطان وجب إقامة الحد، أما إذا لم يبلغ السلطان فليس عليك إلا أن تتوب بينك وبين الله عز وجل، والله تعالى يتوب عليك كما وعد سبحانه، ووعد الله عز وجل لا يتخلف ولا يُخلف؛ لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد، أما وعيده فإن شاء أنفذه وإن شاء عفا سبحانه وتعالى.

    فالتوبة معروضة على العبد حتى يغرغر كما في الحديث: (إن الله يقبل التوبة من عبده ما لم يغرغر) أي: ما لم يبلغ حالة الاحتضار، فهذا الأخ الذي كان تاركاً للصلاة شارباً للخمر، ما دام قد تاب من هاتين البليتين العظيمتين فهنيئاً له التوبة، وأسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا والسائل على الطاعة.

    بيان ما يفعل من سرق مالاً

    السؤال: كنت أعمل أجيراً عند أحد الناس، وتجمع لي عنده مبلغ من المال، وماطل في دفعه إلى أن يئست منه، فسرقت منه شيئاً مقابل مالي الذي عنده، ثم اكتشفت بعد ذلك أن هذا الشيء الذي سرقته ملك لوالد زوجته، وكنت في هذه الفترة لم أصل بعد، وأنا أعرف صاحب هذا الشيء الذي سرقته منه، وكلما رأيته -بعد أن هداني الله للصلاة- ذكرت أنني سرقته، ولا أعلم ماذا أفعل؟ هل أرد هذا الشيء وهو صعب جداً، أم أدفع إليه ثمنه بطريقة غير مباشرة، أم أنه لا شيء علي حيث أني كنت لا أصلي ولا أعرف شيئاً حينها، وشكر الله لكم؟

    الجواب: ولكم شكر الله.

    السؤال صريح جداً وجريء، ويحتاج إلى جرأة كذلك في المنتهى.

    فإذا كنت جريئاً في الأولى فينبغي أن تكون جريئاً في الثانية، وهذا الذي ذكرته استوعبه شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه (إغاثة اللهفان) في شرحه لحديث (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).

    فقوله: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) أمر، وقوله: (ولا تخن من خانك) نهي، فهذا الرجل الذي عملت عنده أجيراً فماطل في دفع مالك أو أكل حقك أو غير ذلك لا يسمح لك أن تسرقه، وأنت في سؤالك قد سميت فعلك سرقة، والسرقة حرام بالكتاب والسنة والإجماع، فحينما سميته سرقة كان ينبغي أن تعطي لنفسك الجواب؛ لأن السرقة ليست بأمر مشروع، بل هي أمر محرم، فهنا يجب عليك -خاصة بعد أن علمت أن هذا المال الذي سرقته ليس مال الرجل الذي ماطل في دفع الحق، وإنما هو مال غيره الغير مكلف بدفع هذا المال إليك- وجوباً شرعياً أن تتخلص من هذا المال برده إلى صاحبه ما دام معلوماً فهو أولى به، ولا بد من رده إليه، وأنت تعلم أن من شروط التوبة رد المظالم إذا كانت بين العباد، فينبغي رد المظالم إلى أصحابها، وهو شرط في قبول التوبة الصحيحة، فهذا السائل يجب عليه أن يدفع هذا المال إلى صاحبه بأي طريقة كانت، ولا بأس أن يتحرى طريقة ليس فيها مفسدة أعظم، ولكن لا يسولن له الشيطان أن يتصدق بها عنه؛ لأنه بالإمكان إيصال هذه الأموال إلى أصحابها، أما التصدق عنه فهذا شيء يمكن عند خفاء صاحب الحق أو ذهابه وعدم عودته، أو أن يكون الأمر يتوقع منه مفسدة أعظم كمن زنى بامرأة الجار، وتاب إلى الله عز وجل، وأراد أن يستسمح صاحب المعصية التي وقع فيها، فهل يتصور أنه يذهب إليه ويقول: سامحني! فأنا قد زنيت بامرأتك في اليوم الفلاني؟! فإذا كانت هناك مفسدة أعظم فما عليه إلا أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل، ويكثر من الصدقات والدعوات لصاحب هذه المظلمة. والله تعالى أعلم.

    حكم تدريس الرجال للبنات في المرحلة الإعدادية والثانوية

    السؤال: هل يجوز تدريس الرجال للبنات والعكس في المرحلة الإعدادية والثانوية؟

    الجواب: لا يجوز، نحن في الحقيقة مللنا من توجيه السؤال هذا، إنك تذهب للتدريس في مدرسة ثانوية، والفتاة عمرها ثماني عشرة سنة أو أقل أو أكثر، فهي مؤهلة للزواج، وفي سن يفور شباباً وحيوية وجمالاً واهتماماً بمنظرها وجمالها، وأنت لست بحائط ولا عمود، أنت رجل لك شعور يتحرك، وإذا كنت ممن يشتهي الجمال ويطلق العنان لبصره أن ينفذ إلى أي شيء جميل فكبر على نفسك أربعاً لوفاتك في هذه المدرسة، وكثير جداً من المدرسين يشكو ويقول: أنا أدرس في الفصل الفلاني، وهناك بنت جميلة، وأنا صراحة لا أستطيع أن أحجب نفسي عنها، وقد فعلت كذا وكذا، واتفقت معها.. وغير ذلك من البلاء الذي نسمعه في كل يوم، وقد علمتم بأنه قد وقع الزنا في المدارس الابتدائية، وعلمنا بأن مدرساً يزني ببنت لا تزال ما بين سن السابعة إلى سن العاشرة من عمرها، هذا إذا كانت في سن الابتدائية فما بالك بالإعدادية ثم الثانوية ثم الجامعة؟!

    فهذا الأمر قطعنا فيه بعدم الجواز، فيجب أن يدرس في مدارس البنات نساء، ومدارس الأولاد يدرس فيها رجال.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756230102