إسلام ويب

شرح صحيح مسلم - كتاب الإمارة - الناس تبع لقريش والخلافة في قريشللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس تبع لقريش في الجاهلية والإسلام، وأن الخلافة العامة في قريش، وهذا أمر أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيلي أمر المسلمين اثنا عشر خليفة كلهم من قريش يكون على أيديهم عز الإسلام ونصرة راية الحق، وقد اختلف العلماء في الزمان المحدد لهؤلاء الخلفاء على أقوال عدة.

    1.   

    باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش

    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستغفره ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قال رحمه الله: (باب: الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش) الناس تبع لقريش في الخير والشر، والإمارة والإمامة، والإمام الأعظم -أي: الخليفة العام- من قريش.

    شرح حديث أبي هريرة: (الناس تبع لقريش)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا المغيرة -يعنيان: الحزامي] أي: أنه المغيرة بن عبد الرحمن المدني نزيل عسقلان، ولقبه قصي [ح وحدثنا زهير بن حرب -أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- وعمرو الناقد المصري قالا: حدثنا سفيان بن عيينة كلاهما -أي: المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي وسفيان بن عيينة - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث زهير : يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم].

    أي: في طريق الأعرج قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث زهير قال أبو هريرة: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم. ومعنى يبلغ به: بعد طبقة الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    كذلك معنى قول الراوي عن الصاحب: يرفعه. أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فمعنى يبلغ به ويرفعه: أن هذا القائل لهذا الكلام هو النبي صلى الله عليه وسلم، فإما أن يقول التابعي: قال الصاحب: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. أو: قال النبي صلى الله عليه وسلم. أو: أبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أو يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أو يرفعه. كله في معنى واحد، وهو أن القائل لهذا الكلام هو النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال: [وقال عمرو -أي عمرو الناقد- رواية] معنى رواية: رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. أي: يبلغ به أو يرفعه، والمعنى واحد.

    [قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن)] أي: أتباع لقريش في شأن الإمارة أو الخلافة [(مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم)] أي: أن الناس في إيمانهم وإسلامهم وفي كفرهم تبع لقريش.

    ولو نظرت في أيام الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعلمت أن الناس في هذه الحالة من الكفر كانوا أتباعاً لقريش، وأن قريشاً كانت تسود العرب وتقودها مع كفرها وضلالها، فهذا يدل على أن قريشاً كانت رأساً في الضلال قبل البعثة، وكذلك هي رأس في الخير بعد الإسلام وبعد فتح مكة.

    قال: [(الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم)] أي: المسلمون تبع لقريش في الإسلام، والكفار تبع لقريش في الكفر.

    قال: [وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر] وهو معمر بن راشد البصري نزيل اليمن يروي عن همام بن منبه أو ابن منبه كلاهما سواء، [قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها]، هذه الأحاديث تسمى صحيفة همام عن أبي هريرة وهي حوالي (142) حديثاً يرويها همام عن أبي هريرة، لم يقل فيها همّام باستمرار: حدثنا أبو هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا.. وإنما قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كيت وكيت وكيت.. حتى عد (142) حديثاً تسمى الصحيفة، أخرجها الإمام أحمد بن حنبل في الجزء الثاني من مسنده، وهو الجزء الذي يشمل رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

    قال: [فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم)].

    شرح حديث جابر: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)

    قال: [وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا روح -وهو روح بن عبادة البصري - حدثنا ابن جريج] وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو مدلّس، ونحن نعلم أن المدلّس إذا لم يصرّح بالسماع توقفنا في قبول حديثه، فهو هنا صرّح بالسماع، كما أن شيخه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس مدلّس كذلك، ولكنه قد صرّح بالسماع من جابر بن عبد الله الأنصاري فانتفت عنهما شبهة التدليس؛ لأن المدلّس إذا صرّح بالسماع وإذا قال: سمعت فلاناً، أو حدثني فلان، أو أخبرني، أو أنبأني تنتفي عنه فوراً شبهة التدليس؛ لأن المدلّس ليس كاذباً، وإنما هو يوهم المستمع أو القارئ أنه سمع ولم يسمع، فهو يقع في الوهم، وإن كان يربطه بالكذب على القائل، لكنه ليس كذّاباً كذباً صريحاً.

    قال [ابن جريج : حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر).

    شرح حديث ابن عمر: (لا يزال هذا الأمر في قريش...)

    قال: [وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس] وأحياناً يقول مسلم : حدثنا أحمد بن يونس ، وينسبه إلى جده لكثرة ملازمته لجده ويسقط من النسب أباه، حتى إذا أردت أن تبحث عن ترجمة أحمد بن عبد الله بن يونس تكون أنت عالماً بنسب الرجل، ولو كنت لا تعلم أن أحمد بن حنبل اسمه أحمد بن محمد بن حنبل لا بد أنك ستحتار في البحث عن ترجمته، وكثير من الناس يذهب إلى كتب التراجم ليفتّش عن ترجمة راو بعينه، مشهور بنسبته إلى جده مثلاً كـأحمد بن محمد بن حنبل ، فيبحث في باب أحمد بن حنبل، فلا يجد في الرواة من يسمى أحمد بن حنبل، فيظن أن هذا الكتاب لم يشتمل على ترجمة الإمام، فيقول: فبحثت في كتاب التقريب أو التهذيب أو الكمال أو غير ذلك من كتب الرجال فما وجدت ذكراً له. وفي الحقيقة هو مذكور في كل هذه الكتب، ولكن بهذا الاسم الثلاثي أحمد بن محمد أي: اسم الآباء في باب الميم، ولكنه ذهب ليبحث عن ترجمته في باب الحاء في اسم الأب أحمد بن حنبل ، فلم يجد له ذكراً في هذا الموطن، فكذلك الذي يبحث عن ترجمة أحمد بن عبد الله بن يونس يبحث عن هذا الاسم الثلاثي.

    وربما يكون الحافظ ابن حجر في كتاب التقريب أو التهذيب علم أن هذا موطن يخطئ فيه كثير من الناس، فيقول في باب الياء بالنسبة للأب أحمد بن يونس تجده قد سبق في أحمد بن عبد الله بن يونس ، فإذا قال ذلك فقد أراحك، وإلا فقد حدث هذا معي منذ سنوات فيما يسمى بـعبد الله بن منيع، فأنا بحثت عنه بهذا الاسم وإذا به اسم طويل جداً، وفي آخره منيع، وما دلني على ذلك إلا شيخنا الفاضل رحمة الله تعالى عليه الشيخ عبد المحسن العباس، وهو أستاذ الحديث في الجامعة الإسلامية، وله كتب في المصطلح كثيرة.

    قال: [وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه قال: قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال هذا الأمر في قريش -أي: الإمارة- ما بقي من الناس اثنان)] وهذا يدل على أن الإمارة والخلافة في قريش إلى يوم القيامة، وربما يدخل في هؤلاء الخلفاء المهدي المنتظر ؛ لأنه آخر الخلفاء على الإطلاق، وهو قرشي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل من أولاد فاطمة رضي الله عنها، واسمه يواطئ اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه يواطئ اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم. أي: اسمه محمد بن عبد الله القرشي، فلا يأتك بعد هذا صعيدي أو منوفي فيقول: أنا المهدي المنتظر. لا بد من معرفة أصله: هل هو قرشي أم لا؟ ولا يمنع أن يكون القرشي منوفياً -وإن كانت هذه عجيبة من العجائب- فلو أنه انتقل من قريش إلى منوف أو إلى الصعيد فلا بأس أن تكون الأسرة هاجرت وهو منها، وهذا تقدير الله عز وجل حتى يعم الأمر، فيظهر فجأة ومرة واحدة، فإن عيسى بن مريم عليه السلام بشّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد، فلما تسمى محمد عليه السلام بهذا الاسم، خفي على الناس أن محمداً كأحمد، وكان أول من تسمى في الدنيا باسم أحمد هو نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال الشانئون: إنما بشّر عيسى عليه السلام برجل اسمه أحمد ولم يقل: محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى به الذنوب، وأنا الحاشر وأنا العاقب) أي: الذي يُحشر الناس على قدميه عليه الصلاة والسلام أو بين يديه صلى الله عليه وسلم، فهذه أسماؤه الخمسة، وله أسماء أخرى قد ذكرناها من قبل ومرت بنا.

    شرح حديث جابر بن سمرة: (لا ينتهي هذا الأمر حتى يكون على الناس اثنا عشر خليفة)

    قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي عن حصين -حصين بن عبد الرحمن الكوفي- عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.

    (ح) وحدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي -واللفظ له- حدثنا خالد -يعني ابن عبد الله الطحانالواسطي، وواسط هي قرية بالعراق من أعمال الحجاج بن يوسف الثقفي عليه من الله ما يستحق.

    قال: [عن حصين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة -أي: لا ينتهي هذا الأمر حتى يكون على الناس اثنا عشر خليفة- ثم تكلم بكلام خفي علي فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش)] هذه الكلمة لم يسمعها جابر، وفي هذا إثبات أن جابراً وأباه صحابيان. قال جابر بن سمرة : دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول كلاماً وخفي علي بعض كلامه، فسألت عنه قال: (كلهم من قريش).

    قال: [حدثنا ابن أبي عمر] وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني اليمني انتقل إلى مكة واستوطنها، وتتلمذ على يد سفيان بن عيينة .

    قال: [حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً وقائماً ومستمراً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كلهم من قريش)] أي: هؤلاء الاثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

    قال: [وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن سماك بن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ولم يذكر: (لا يزال أمر الناس ماضياً)].

    قال: [وحدثنا هداب بن خالد الأزدي -وقيل: هدبة - حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة -أي: أن الإسلام عزيز في ظل اثني عشر خليفة من قريش- ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش).

    حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير عن داود -وهو ابن أبي هند- عن الشعبي -وهو عامر بن شراحيل بفتح الشين- عن جابر بن سمرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم تكلم بشيء لم أفهمه فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش).

    (ح) حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا يزيد بن زريع -إمام البصرة، أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل أعظم ثناء- حدثنا ابن عون. (ح) وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي -واللفظ له- حدثنا أزهر حدثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال: (انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمنيها الناس -أي: أصابني بسبب صياحهم واختلاط أصواتهم الصمم، فلم أتمكن من سماع الكلمة التي قالها- فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش).

    حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم -وهو ابن إسماعيل - عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكتب إلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي -أي: ماعز الأسلمي الذي رجمه النبي عليه الصلاة والسلام في الزنا- يقول: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة)]. وهذه بشرى عظيمة، فمهما حاول المحاولون فالدين قائم وظاهر، وله أئمته الذين يظهرونه في كل زمان ومكان، حتى تقوم الحجة على جميع الخلق، فيأتي الناس جميعاً يوم القيامة ولا حجة لهم بين يدي الله عز وجل، إما مؤمن يدخل الجنة برحمة الله تعالى، وإما كافر يدخل النار بعمله وبسبب كفره.

    قال: [(لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة)] إما قال هذا وإما قال ذاك، وإما أن يكون سمع كل هذا، ولكنه قال: قال (أو) فعبّر بحرف العطف (أو) فقال: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة) هل يكونون في وقت واحد أم متعاقبون؟

    قال: [(أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. وسمعته يقول: عصيبة من المسلمين)] وعصيبة: تصغير عصبة. أي: فئة قليلة جداً تزلزل كيان الكفر على وجه الأرض كلها [(عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو آل كسرى. وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم)] منهم من يدّعي النبوة، ومنهم من يدّعي أنه المهدي المنتظر، ونحن في انتظار من يزعم أنه المسيح الدجال، والواضح: أنه لا يريد أن يظهر نهائياً.

    قال: [(وسمعته يقول: إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته، وسمعته يقول: أنا الفرط على الحوض)] أي: أنا السابق المقدّم لكم على الحوض.

    قال: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك -وهو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك- حدثنا ابن أبي ذئب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد أنه أرسل إلى ابن سمرة العدوي] ليس عدوياً بل هو عامري من أبناء عامر بن صعصعة ، لكن تصحّف العامري إلى العدوي فهو ابن سمرة العامري.

    قال: [حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر نحو حديث حاتم.

    1.   

    كلام النووي في أحاديث باب (الناس تبع لقريش)، و(الخلافة في قريش)

    قال الإمام النووي عليه رحمة الله: (هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة). وأنتم تعلمون أن أفضل الإجماع ما أجمعت عليه الصحابة، فالإجماع الذي ليس محل نزاع ولا اختلاف هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فانعقد إجماع الصحابة أن الخلافة والإمارة العامة في قريش لا في غيرهم، ولا يمنع أن يكون الخليفة العام يولي ولاة على الأمصار من غير قريش؛ لأن المقصود بالإمارة هنا: ليست الإمارة الخاصة أو إمارة الدويلات، أو الدول والأمصار التابعة للولاية العامة، وإنما المقصود في هذه النصوص: الإمارة العامة والخلافة العامة. أي: الخليفة الكبير الذي يعيّن ولاة على الأمصار، فلا بأس أن يكون الولاة على الأمصار من قريش أو من غير قريش، وإنما الإمام العام يكون من قريش.

    قال: (وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم -أي: ومن خالف في هذا الأمر وخالف في هذا الإجماع فإنه من أهل البدع- فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة. قال القاضي -أي: القاضي عياض -: اشتراط كونه قرشياً هو مذهب العلماء كافة).

    إذاً: شرط في الخليفة العام أن يكون قرشياً، وكثير من الجماعات يزعمون أن أميرهم هو الخليفة العام، ولا يصرّح بهذا إلا في أضيق الحدود وفي المجالس الخاصة، بل من الجماعات من يكفّر الجماعات الأخرى وربما كفّر عامة المسلمين لتركهم بيعة هذا الخليفة أو هذا الأمير أو ذاك الإمام، وهذا الكلام كله باطل. ومنهم من يحتج بنصوص الإمارة العامة على جماعته، ولصالح الإمارة التي قد بايع فيها، ولا شك أن هذا كله لا يلزم المسلم، ومن مات بغير بيعة على هذا النحو في هذا الزمان فإنه لا شيء عليه. ويحتجون بحديث: (من مات وليس في رقبته بيعة فقد مات ميتة جاهلية) ولا شك أنك لو بايعت لأبطلت البيعات الحاصلة في الجماعات الأخرى؛ لأنها جماعات منشقة مارقة خارجة عن الجماعة الأم، وعلى ذلك لا يلزمك أن تبايع جماعة من الجماعات، وإنما الذي يلزمك أن تعبد الله تبارك وتعالى بالكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة، وخذه من أي جماعة شئت، ومن أي إمام شئت، ومن أي عالم شئت، وافهمه من أي كتاب شئت، المهم أنك لست مطالباً في هذا الزمان إلا بقال الله وقال الرسول على فهم سلف الأمة لهذه النصوص.

    فهذه الجماعات التي على الساحة كلها لا يلزمني قط مبايعتها ولا مساندتها إلا فيما يتعلق بقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ودون ذلك خرط القتاد.

    (قال القاضي عياض : اشتراط كون الإمام قرشياً هو مذهب العلماء كافة، وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد] أي: حينما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع الأنصار يريدون أن يكون الخليفة منهم، دخل عليهم أبو بكر وذكّرهم بهذه الأحاديث وهذه النصوص وأن الإمارة والإمامة دائماً في قريش لا في الأنصار، وهذا دين وحق وشرع، ليس طلباً للإمامة والزعامة، وإنما هو تحقيق للحق الشرعي الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر على أبي بكر ولا عمر أحد من الأنصار أن الخليفة يشترط فيه أن يكون قرشياً.

    (قال القاضي عياض: وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع). أوردها ابن حزم في مسائل الإجماع وابن المنذر في مسائل الإجماع، ونقل الإجماع النووي والحافظ ابن حجر وغير واحد بأن الخليفة العام لا بد أن يكون قرشياً.

    قال: (ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا). أي: أن السلف والخلف كلهم متفقون على هذا الشرط.

    قال: (وكذلك من جاء بعدهم في جميع الأعصار والأمصار).

    رأي أهل البدع في كون الخلافة في قريش

    قال القاضي عياض: (ولا اعتداد بقول النظام). والنظام هو سيد المعتزلة في زمانه. قال: (ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع).

    إذاً: القائلون بجواز كونه من غير قريش هم من أهل البدع، كـالنظام وهو كبير المعتزلة في زمانه، والخوارج قاطبة أجمعوا على جواز كونه من غير قريش، وإجماعهم ليس محل اعتبار ولا كرامة عند أهل السنة؛ لأنهم أصلاً مخالفون لأهل السنة في أصول الاعتقاد، فكف يعتبر خلافهم؟ بل هم خلاف من هم خير منهم شيئاً يسيراً كالشيعة، فكيف يُعتبر خلاف الخوارج والمعتزلة لأمر أجمع عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا؟ لكن المؤسف جداً أن نرى في هذا الزمان بعض من ينتسب إلى السلفية وأهل السنة والجماعة ويقول: بالإمكان أن يكون الخليفة من غير قريش، وظني أنه متتبّع لهذه الأخبار ولهذه الجماعات، ويأتي في مساجد السنة ويزعم أن الخليفة يمكن أن يكون غير قرشي، فهذا القول مردود منه وممن هو أفضل منه؛ لأنه مخالف لإجماع المسلمين فضلاً عن مخالفته لنصوص سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ولم يقل بهذا القول الذي قاله هذا الشيخ إلا أهل البدع، ولا سلف له إلا هم.

    قال القاضي: (ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش، ولا بسخافة ضرار بن عمرو -المبتدع الضال- في قوله: إن غير القرشي من النبط وغيرهم يُقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر).

    ضرار بن عمرو هذا من أكابر أسياد المبتدعة، يقول: نحن لا نأتي بقرشي ونعينه إماماً، وإنما نأتي بنبطي -أي: من البربر- ونعينه إماماً؛ وذلك لأن الإمام معرّض للخلع، والخلع لا يليق بكرامة القرشي، فنحن نريد أن نبعد القرشي عن هذه الإهانة، فلو قلنا: من الذي افترض هذا الفرض أنه إذا عُيّن خُلع؟ الجواب: أهل البدع هم الذين افترضوا هذا الفرض؛ ولذلك دللوا عليه بما يثبت له الكرامة والعزة، فكأنها كما يقول الناس: كلمة حق أُريد بها باطل!

    ولا شك أن أهل البدع دائماً إذا ابتدعوا شيئاً جمّلوه وزينوه وزخرفوه بزخرف القول؛ حتى يدخل على السذّج من أبناء المسلمين، فهو لا يرفض إمامة القرشي ويضع مكانه النبطي رفضاً باتاً وبدون إبداء أسباب، وإنما يقول: أنا أرفض إمامة القرشي حفاظاً على كرامة القرشي، حتى لا يُخلع أو يهان أو يسب أو يشتم أو غير ذلك.

    قال: (ولا سخافة ضرار بن عمرو في قوله: إن غير القرشي من النبطي وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه ما يؤدي إلى خلعه. وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه، مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين، والله أعلم).

    معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (الناس تبع لقريش في الخير والشر)

    قال: (قوله صلى الله عليه وسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر) فمعناه: في الإسلام والجاهلية).

    المعلوم أن موطن قريش الأصلي هو مكة المكرمة، وأن قريشاً لم تستقر بعد فتح مكة في هذا المكان، بل انتقل منهم من انتقل إلى المدينة، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أرسل في الأمصار هنا وهناك ليعلموا الناس الدين، ومنهم من ولد له في البلد الذي سافر إليه، وهاجر إليه، فمنهم من استقر ومنهم من رجع إلى بلاده، ثم بعد ذلك هاجرت أسر عظيمة وقبائل وبطون إلى كثير من البلدان، ومعظم القرشيين هاجروا من مكة والمدينة إلى غيرها من الأمصار، ومعظمهم هاجر إلى صعيد مصر، فلا يبعد في المستقبل أن يكون الإمام من صعيد مصر.

    (الناس تبع لقريش في الخير والشر) معناه: في الإسلام والجاهلية.

    النبي عليه الصلاة والسلام قال لـهرقل الروم: (أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين) أي: تؤجر على إسلامك وتؤجر على إسلام أتباعك؛ لأن الأتباع لو رأوه أسلم لأسلموا؛ ولذلك دائماً يقولون: إذا سقط الرأس سقط من دونه. لكن ما دام الرأس قائماً فلا يزال الأمر في حزم وقوة وشدة، فكذلك الناس تبع لقريش في الإسلام والجاهلية، في الخير والشر. قال: (كما هو مصرح به في هذه الروايات؛ لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب، وأصحاب حرم الله، وأهل حج بيت الله). وأصحاب السقاية والرعاية وخدمة الحجيج وغير ذلك.

    فهم كانوا رءوساً في الجاهلية. (وكانت العرب تنظر إسلامهم). أي: أن الناس كلها تتطلع: هل أسلمت قريش أم لا؟ هل استجابت قريش لدعوة هذا النبي الذي هو منهم وهو ابن من أبنائها أم لا؟

    فإذا قيل: (لم يستجيبوا) فكّر الواحد ألف مرة قبل أن يستجيب لهذه الدعوة. يقول: إذا كان هذا ابناً من أبنائهم ولم يتّبعوه ولم ينصروه، بل حاربوه، فهذا يدل على أنه ليس على الحق، وهم أعلم به منا؛ ولذلك كانوا يتأخرون دائماً عن الإسلام وعن المبادرة إلى اتباع النبي عليه الصلاة والسلام. هذا في الجاهلية.

    فلما أسلمت قريش في فتح مكة كان فتحاً عظيماً ونصراً مبيناً للإسلام وأهله، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، حينما رأوا قريشاً قد دخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم، فتبعهم الناس، وجاءت وفود العرب من كل جهة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. وكذلك في الإسلام هم أصحاب الخلافة، والناس تبع لهم، وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا ما بقي من الناس اثنان.

    الأمر بحكم قريش مستمر إلى قيام الساعة

    إذاً: الإمارة والخلافة العامة في قريش ما بقي في الناس اثنان، وهذا أمر منذ مبعث النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، وأنتم تعلمون أن أبا بكر قرشي، وعمر قرشي، وعثمان قرشي، وعلياً قرشي، والحسن قرشي، ومعاوية بن أبي سفيان قرشي، وكذلك أولاده، وعمر بن عبد العزيز كذلك قرشي، فهؤلاء جميعاً خلفاء راشدون، وهم بلا شك داخلون في هذه الخلافة، بعضهم أحسن خلافة من بعض، وبعضهم كان أقوى من بعض، لكن كلهم كانوا عاملين بالإسلام وهديه، وكلهم يعملون لنصرة الإسلام، وكانوا يتقون الله تعالى فيما ولوا من أمر المسلمين، وبعضهم أفضل من بعض كما قلنا، وكان أفضلهم على الإطلاق أبو بكر الصديق ، ومن بعده عمر ، ومن بعده عثمان ، ووقع النزاع في أواخر عهد عثمان في مقتله، ثم أتت الفتن، وكثرت في زمن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقام إليه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! ألست أمير المؤمنين حقاً؟ قال: بلى. قال: فلِم وقع هذا النزاع في زمنك ولم يقع في زمن أبي بكر وعمر ؟ قال: لأن أبا بكر وعمر كانا أميرين على مثلي، وأنا أمير على أمثالكم.

    كما قال السلف: أعمالكم عمّالكم. يعني: كيفما تكونوا يول عليكم.

    وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم، فمن زمنه عليه الصلاة والسلام إلى الآن الخلافة في قريش.

    وهذا التقرير من الإمام النووي . يقول: الخلافة منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا -أي: في القرن السادس الهجرية- كلها في قريش، وكانت الخلافة منذ زمنه عليه الصلاة والسلام إلى نهاية القرن السادس تزيد عن اثني عشر خليفة، ولذلك لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: الخلافة اثنا عشر خليفة، وإنما قال: (يتولى فيكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) أي: الموصوفون بالعدل والرشاد، ولا يمنع أن يكون هناك من هو دون ذلك.

    قال: (وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم، فمن زمنه عليه الصلاة والسلام إلى الآن الخلافة في قريش).

    التعصبات بين مذاهب أهل السنة والجماعة أمر مذموم

    قال القاضي عياض : استدل أصحاب الشافعي بهذا الحديث على فضيلة الشافعي. وذلك لأنه قرشي.

    والحديث نص في الإمارة والشافعي ليس أميراً، كما أن الحديث نص في أفضلية قريش، فهو من هذا الباب فقط يثبت فضيلة الشافعي ؛ لأنه قرشي.

    وقد وقعت مهاترات وتعصبات بين أصحاب المذاهب، حتى دعاهم هذا التعصب إلى الافتراء والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فالأحناف والشافعية عداوتهم معلومة على مر التاريخ إلى يومنا هذا، حتى في الأزهر ينظر الشافعي إلى الحنفي كما لو كان يهودياً، وفي زمن من الأزمان كان لا يتزوج الشافعي من الحنفية، ولا الحنفي من الشافعية، وإذا رُفع الأمر إلى القاضي فإنه ينتحل مذهباً يخالف مذهب القضية المرفوعة إليه، ومعلوم أن الكعبة لها أربعة أركان، فكان الأحناف يجلسون في ركن، والمالكية في ركن، والشافعية في ركن، والحنابلة في ركن، والذي يفاجأ أنه صلى في جماعة الحنابلة وهو شافعي يرجع فيعيد صلاته. وهذا شر مستطير وتفريق للأمة.

    وأدى هذا التعصب إلى أن افترى الأحناف حديثاً كذباً وزوراً على النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال: (فيكون في أمتي رجل هو أبو حنيفة سراج أمتي) أو: (سراج أمتي أبو حنيفة النعمان). وهما حديثان مكذوبان. وبعد أن أثبتوا الفضل لإمامهم أرادوا ذم الشافعي ليستمر لهم الكمال، فقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيخرج رجل من أمتي محمد بن إدريس أشد عليها من إبليس). يقصدون الإمام الشافعي ، اسمه محمد بن إدريس ، ومعلوم أن أبا حنيفة مات سنة (150)هـ، والشافعي ولد في نفس السنة، فقال الأحناف: حينما ولد إمامكم أبى إمامنا الحياة، كأنه هو الذي أمات نفسه. ويقول الشافعية رداً عليهم: حينما ولد إمامنا أبى إمامكم الحياة؛ لأنه لا يهنأ له الحياة في ظل إمامنا وهو طفل رضيع!

    فكل هذه تعصبات لا قيمة لها، فـأبو حنيفة ليس قرشياً، بل هو كوفي، وأحمد بن حنبل ليس قرشياً، بل هو بغدادي، ومالك ليس قرشياً بل هو مدني، أما الشافعي فهو قرشي، فهو من هذه الجهة أفضل من الأئمة الثلاثة، ومن جهة الفقه كذلك هو أفقه من الثلاثة، أما منزلته عند الله فالعلم عنده سبحانه، فالله تعالى أعلم بمن اتقى، فإن الإمام أحمد بن حنبل له من العلم والفضل والثبات في المحن ما ليس للشافعي ، فهو إمام أهل السنة بالاتفاق. وأما تقرير مسائل للاعتقاد فقد اشتهر به الإمام مالك رحمه الله تعالى، فهو الذي عاصر ابتداء ظهور البدع والفتن في العقيدة، وفي صفات المولى عز وجل، فقرر مسائل الاعتقاد على مذهب الصحابة والتابعين، ثم برز على هذه الأصول بعد ذلك من جاء بعده كـالشافعي ، فـالشافعي تلميذ مالك، بل صحبته أمه من مكة إلى المدينة وعنده من العمر عشر سنوات، فقدم إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! أريد أن أقرأ عليك الموطأ، فنظر إليه الإمام واستصغره. قال: اذهب فالتمس من يقرأ لك. فقال: يا إمام! أحفظ الموطأ عن ظهر قلب. قال: أنت؟ قال: نعم. قال الشافعي : فقرأته عليه في أربعة مجالس. أي: من حفظه سرده سرداً على الإمام في أربعة مجالس. فسُر به مالك جداً وقرّبه إليه وكان مستملياً له. أي: أنه يجلس بجواره ويقرأ، والإمام مالك يشرح الموطأ. وكذلك الإمام أحمد كان تلميذاً للشافعي.

    فالأول أبو حنيفة؛ ولذلك يسمونه الإمام الأعظم. أي: أكبرهم وأولهم، والمكان الذي كان يسكن فيه في العراق يسمى إلى الآن بالأعظمية؛ نسبة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، ورضي عنهم أجمعين.

    الجمع بين حديث (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، وحديث (حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة)

    أما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، وفي رواية: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش)، وفي رواية: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).

    فقد قال القاضي عياض: (هنا يتوجّه سؤالان:

    الأول: أنه قد جاء في الحديث الآخر: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عاضاً) كما في الحديث الطويل: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، فإذا أراد الله أن يرفعها رفعها)، وقد رُفعت الخلافة الراشدة التي كانت على منهاج النبوة، وكان مدتها ثلاثون سنة وبضعة أشهر، وهي خلافة الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثون سنة) أي: تقريباً بزيادة أو بنقصان. وهذا من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام.

    قال: (فإذا شاء الله أن يرفعها رفعها، ثم يكون ملكاً عاضاً) وهو ملك بني أمية والعباسيين وغيرهم.

    قال (فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم إذا أراد الله أن يرفعه رفعه، ثم يكون ملكاً جبرياً) وهو الذي تمر به الأمة اليوم، فالملك الجبري: أن يؤتي بهؤلاء السلاطين والحكام بغير اختيار من شعوبهم ولا اقتراع ولا انتخاب ولا رضا، وإنما جيء بهم فجثموا على صدور شعوبهم، وهم يعلمون أن الذي جاء بهم قادر على أن يذهب بهم مرة أخرى؛ ولذلك يعقدون الولاء لهم، فهم حكام في بلادهم لتنفيذ مصالح الغرب، وكنا من قبل نقول: لتنفيذ مصالح الغرب والشرق، وإن شاء الله غداً لا يكون هناك غرب بإذن الله تعالى، ولا يبقى إلا الإسلام عزيزاً منتصراً ما دام الناس يرجعون إلى دينهم، ويطيعون الله تعالى، ويطيعون النبي صلى الله عليه وسلم.

    فإن قيل: جاء في الحديث: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) أي: الخلافة التي على منهاج النبوة. ثم تكون ملكاً عاضاً؛ وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة؛ لأن الخلافة التي مكثت ثلاثين سنة كانت خلافة الراشدين وهم أربعة، فإنه لم يكن فيها إلا الخلفاء الراشدون الأربعة، والأشهر أنها التي بويع فيها الحسن بن علي ؟

    فالجواب: المراد في حديث: (الخلافة ثلاثون سنة) أي: خلافة النبوة. وقد جاء مفسراً في بعض الروايات: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عاضاً) ولم يشترط في هذا أن يكونوا اثني عشر خليفة، فلم يشترط أنها خلافة على منهاج النبوة، وإنما بين أن الخلافة التي تكون على منهاج النبوة هي خلافة الخلفاء الراشدين بعد عهد النبوة، ثم خلافة المهدي ؛ لأنه قال: (ثم يكون ملكاً جبرياً، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، فإذا شاء الله أن يرفعه رفعه، ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة ثم سكت عليه الصلاة والسلام).

    وهذا بشير خير لهذه الأمة: أن الخلافة بعد هذا الملك الجبري الذي تعاني منه الأمة تكون على منهاج النبوة بإذن الله تعالى.

    وهذا لا يعني: أننا ننتظر حتى يأتي المهدي المنتظر، بل لا يمنع أن تكون هناك خلافة على منهاج النبوة قبل ظهور المهدي المنتظر، فلا بد أن يبذل كل منا جهده لإعادة الخلافة مرة أخرى ولقيام الدين مرة أخرى في الأرض.

    السؤال الثاني: أنه قد ولي أكثر من هذا العدد، أي: أكثر من اثني عشر تولوا الإمارة، فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم اثنا عشر أميراً) مع أن الذي تولى إلى يومنا هذا أكثر من ذلك، بل إلى عهد الإمام النووي كانوا أكثر من ذلك؟

    الجواب: هذا اعتراض باطل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا يلي إلا اثنا عشر خليفة. أي: لم يذكرهم على سبيل الحصر، وإنما قال: (يلي). وقد ولي هذا العدد، ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم. هذا إن كان المراد باللفظ: (كل وال)، ويحتمل أن يكون المراد مستحق الخلافة العادلين إلى يوم القيامة لا يزيد عن اثني عشر خليفة.

    هل أبو بكر كان مستحقاً للخلافة؟ الجواب: نعم. مستحق بالإجماع المعتبر؛ لأن الشيعة والخوارج لا يقرون بهذا، وكذلك عمر كان مستحقاً وعثمان وعلي كانا مستحقين، ثم لا يمنع بعد ذلك أن يكون هناك مئات أو آلاف الخلفاء ليسوا هم المعنيين بهذا الحديث، وقد مضى منهم من عُلم، ولا بد من تمام اثني عشر خليفة قبل قيام الساعة.

    وقيل: إن معنى هذا الحديث: أنهم يكونون في عصر واحد. أي: لا تقوم الساعة حتى يتولى اثنا عشر خليفة أمر المسلمين في زمان واحد وفي عصر واحد، فيكون بعضهم في الشرق وبعضهم في الغرب، وبعضهم في الجنوب وبعضهم في الشمال. أي: يجتمع اثنا عشر خليفة على إمرة المسلمين، يتبع كل واحد منهم طائفة من المسلمين.

    قال القاضي: (ولا يبعد أن يكون هذا قد وجد إذا تتبعت التاريخ). أي: أنه من الممكن أن يكون هذا قد حدث بالفعل لمن كان متتبعاً لأحداث التاريخ، فقد كان بالأندلس وحدها منهم في عصر واحد بعد عام (430) هـ ثلاثة كلهم يدعيها ويلقب بها، أي أن كلهم يزعم أنه الخليفة الراشد، وكان خليفة الجماعة العباسية ببغداد يزعم أنه خليفة، وهناك من كان يدعي ذلك في ذلك الوقت في أقطار الأرض، ويعدل هذا التأويل ما رواه مسلم : (ستكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا بيعة الأول فالأول). أي: أنه إذا كان أمركم على خليفة معين فظهر الثاني فلا تغيروه، حتى تذهب بيعة الخليفة الأول بالموت أو الخلع.

    ويحتمل أن المراد: من يُعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه. أي: أنه يلي أمر المسلمين اثنا عشر خليفة في ظله يكون عز الإسلام، ويجتمع عليه المسلمون جميعاً، فهذا هو الخليفة الحق، وربما لو تتبعت التاريخ لوجدت أنه لم يمر من هؤلاء أكثر من خمسة أو ستة، وربما يكون الباقي في الطريق بإذن الله تعالى.

    وجاء في سنن أبي داود ما يعبّر عن ذلك. قال: (كلهم تجتمع عليه الأمة). وهذا قد وجد قبل اضطراب أمر بني أمية واختلافهم في زمن يزيد بن الوليد، وخروج بني العباس عليه، ويحتمل أوجهاً أخر، والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم.

    معنى حديث (عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض)

    قوله عليه الصلاة والسلام: (عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو آل كسرى). المعلوم أن كسرى لقب لمن تولى أمر فارس، وقيصر أمر الروم، فهل المراد بهذا الحديث ظاهره: (عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو آل كسرى)؟

    ثبت في البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن أموالهم في سبيل الله عز وجل) وهذا مؤذن بفتح البلدين.

    أما بلاد فارس فقد فُتحت ودخلها الإسلام في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكنها تحتاج إلى فتح جديد الآن، وتحتاج إلى نشر السنة فيها بعد أن نشروا التشيّع، وانتشرت البدع هناك؛ حتى غلب على أهل هذه البلاد المروق والخروج من دين الإسلام بالكلية، ومن تولى فيهم زعامة دينية هو أقرب إلى الكفر منه إلى الإيمان، خلافاً للشعب فإنه تبع لكل ناعق.

    فإذا كان ظاهر هذا الحديث هو المراد فنتوقف عند الظاهر، ونقول: إن عصابة قليلة من المسلمين يفتتحون هذه البلاد في آخر الزمان كما افتتحت في أول الزمان، وربما يكون المقصود بالفتح: هو الفتح الأول الذي حصل في زمن عمر ، وربما لا يكون هذا الظاهر مراداً للنبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من عندي وهو قابل للثبوت والرد، فقد يكون هذا الحديث معناه: أن عصابة من المسلمين يفتحون الأرض كلها حتى يفتحون البيت الأبيض في أمريكا، ويفتحون بلاد فارس، ويفتحون بلاد الروم، ويفتحون سائر البلدان وهم عصابة قليلة من الأمراء والوجهاء والسلاطين من قريش، وفي هذا بشارة عظيمة بسقوط دولة الروم، وسقوط أعظم قوة تحمل الصليب في العالم اليوم وهي دولة أمريكا، وهذا كلام قابل للرد، وليس اعتقاداً جازماً عندي.

    قال: (وإذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه) وهذا تماماً كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) إذا أعطاك الله خيراً فأنعم على نفسك ومن على نفقتك، ووسّع على نفسك وعلى من تعول؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وأفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي: ما فضل عن حاجتك.

    وقوله: (أنا الفرط على الحوض) عليه الصلاة والسلام، والفرط والفارط هو: الذي يتقدم القوم إلى الماء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم من شك في خروج صوت أو ريح أو مذي حال صلاته

    السؤال: أشعر بوسوسة في كل صلاة بأنني أمذيت، وأنا لا أعرف هل هذا مذي أم ماذا؟ وأشك هل خرج ابتداءً أم لا؟

    الجواب: على أية حال إذا حدّثتك نفسك بشيء في الصلاة فاستمر في صلاتك ولا تخرج منها حتى تجد ريحاً أو تسمع صوتاً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ينفتل أحدكم من صلاته حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ليس معنى ذلك: أنه لا يخرج من الصلاة حتى يسمع الصوت أو يشم الرائحة الحقيقة، وإنما المراد: لا يخرج أحدكم من صلاته بمجرد الوسوسة، ولا يخرج إلا ليقين؛ وأنت على يقين أنك على وضوء، واليقين هنا لا يزول بالشك، وإنما يزول بيقين مثله.

    حكم قراءة القرآن متكئاً

    السؤال: ما حكم من قرأ القرآن متكئاً دون عذر؟

    الجواب: هذا أمر جائز، وإن كان الأولى والأفضل أن تتهيأ كأحسن ما يكون من ملبس ومجلس، كأن تجلس بوقار، وتكون على وضوء. كل هذا من مستحبات التعامل مع كتاب الله عز وجل. قراءة وتلاوة وتدبراً وتفسيراً، وجائز أن تقرأ القرآن على أي وجه كان.

    الحكم على حديث (البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً)

    السؤال: ما صحة حديث (البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً

    الجواب: حديث صحيح.

    حكم الخلافة إذا لم يكن الخليفة من قريش

    السؤال: هل كون الخليفة من قريش شرط لصحة الخلافة. بمعنى: هل تبطل الخلافة إذا لم يكن الخليفة من قريش، وما حكم الخلفاء العثمانيين الأتراك؟

    الجواب: الخلافة العثمانية خلافة معتبرة، ويا ليتها دامت، لكن أنتم قد سمعتم أن الخلافة شرط فيها أن تكون قرشية، وهي الخلافة التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وهي الخلافة التي فيها إعزاز للدين وقيام للإسلام ونجدة للمسلمين، وهي في اثني عشر خليفة، والخلافة كثيرة جداً، وقد مضى أكثر من مائة خليفة، ففي الدولة العباسية الثانية ضعف أمر الإسلام وكان لا يزال اسم الخليفة موجوداً، وانحدرت قوة المسلمين من قوة القوة في زمن الخلافة الراشدة إلى القوة المجردة في زمن بني أمية، إلى شبه القوة في أول بني العباس، إلى الضعف والخور في الدولة العباسية الثانية، إلى البدع والنفاق في الدول التي أتت بعد الدولة العباسية، وتجد أن عنوان الخليفة يدل على قوة الدولة في زمانه، كالمقتدي بالله، والمعز لدين الله، والمستنصر بالله، والمستنجد بالله.. مع أن الأصل في كل مسلم أنه مستنجد، فأنت مستنجد بالله؛ لغلبة الكفر عليك، أو لغلبة بلاد الكفر على بلادك، فأنت تشعر من اللقب نفسه بمكانة الدولة في دول العالم كله، فهذا شرط كما قلنا، ولا يحل لأحد أن يخالف الإجماع الذي انعقد.

    القول العدل في الإمام أبي حنيفة

    السؤال: ما هو القول العادل في أبي حنيفة ومذهبه؟

    الجواب: يغلب على مسألة المذاهب أمران كما قيل: يهلك في علي اثنان: أحدهما: مغال، والثاني: جاف.

    أحدهما مغال جداً في علي حتى جعله إلهاً، فشابه النصارى في قولهم: عيسى هو الله، والثاني: متجاف عنه جداً حتى بلغ به الأمر إلى تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

    هذا الأمر يشبهه أمر أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أبو حنيفة رحمه الله كان بعيداً عن منارة العلم في زمانه، ومنارة العلم كانت في مكة والمدينة، ولا شك أن الذي يبعد عن موطن العلم يخفى عليه بعضه أو معظمه، وهذا الذي حدث، وكان أبو حنيفة مجتهداً بلا نزاع رحمه الله تعالى، بدت منه بوادر فيما يتعلق بالله عز وجل وفي بعض مسائل الاعتقاد، ولم يصنف كتاباً قط لا في العقيدة ولا في الفقه، وإنما صنّف تلاميذه، فإن كان قال ما قال -وقد ورد في كتاب الفقه الأكبر ما يُنكر- فلا شك أن هذا يرد عليه، وإن كان هذا من تلاميذه فالتبعة عليهم، لكن الإمام أبا حنيفة كان إمام الرأي، وكان سفيان الثوري إمام الأثر، وهما متعاصران بلديان، فكلاهما كوفي، وكان بينهما ما بينهما من المشاحنات، نقلها ابن حبان رحمه الله في كتاب الضعفاء والمجروحين، حتى قال سفيان في أبي حنيفة قولاً شنيعاً شديداً، واعتمده من أتى بعده، والأصل في هذا أنهما قرينان، وكلام الأقران في بعضهم يطوى ولا يروى، وقد تكلم ابن إسحاق في مالك ، وتكلم مالك في ابن إسحاق ، وتُكلّم في الشافعي وتُكلّم في البخاري وفي مسلم وفي غير علم من أعلام الأمة، لكن هذا الكلام عند منصة التحقيق لا يثبت ولا تثبت له قيمته، ويبقى عندنا أن الحق يؤخذ من كل من جاء به، والباطل يرد على كل من جاء به، فـأبو حنيفة إمام من الأئمة بلا منازع، والأصل ألا يكون فيه نزاع رحمه الله تعالى، وندافع عنه ونثبت أن لحوم العلماء مسمومة، ومن تعرّض لهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وكفى بها عقوبة.

    أبو حنيفة رحمه الله كانت له مواقف رائعة جداً في نصرة دين الله عز وجل، وكان إماماً في الفقه مفنناً، وإن كان يغلب عليه الرأي والاجتهاد لخفاء الدليل عليه؛ ولذلك تجد أن حظ أبي حنيفة من الرواية ضعيف بالنسبة إلى رواية الآخرين كـمالك والشافعي وابن حنبل ، فهؤلاء فقهاء ومحدثون، أما هو فكان فقيهاً وحظه من التحديث قليل، حتى جُمع مسنده في كُتيّب صغير، ولا شك أن الواحد منا إذا خفي عليه الدليل واحتاج إلى التأويل تأوّل، وإذا احتاج إلى الاجتهاد اجتهد، مع أننا لسنا أهلاً للاجتهاد، لكن إذا اضطررنا إلى ذلك اجتهدنا، فلِم تجوّز هذا لنفسك وتستبعده على إمام كـأبي حنيفة ، فينبغي أن نترحّم على الجميع ونترضّى عن الجميع، ونسأل الله تعالى أن يثيب منهم من كان مجتهداً مصيباً، وأن يعفو عمن أخطأ، فله أجر واحد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

    حكم العقود التي يجريها البنك الإسلامي في مدن مصرية

    السؤال: أخ يسأل عن العقود التي يجريها البنك الإسلامي في هذه المدن الجديدة كمدينة (الشيخ زايد) و(6 أكتوبر) (والعاشر من رمضان) وغيرها من المدن؟

    الجواب: هذه عقود ربوية كلها، التعامل معها تعامل ربوي، ولا يجوز الإقدام عليه قط إلا كما يجوز للمضطر أن يأكل لحم الميتة، وإلا فلا.

    حكم الصلاة على الميت في المقبرة لمن لم يصل عليه من قبل

    السؤال: هل يجوز صلاة الجنازة على الميت في المقبرة بعد دفنه لمن لم يستطع في وقت الصلاة عليه، وهل على هذا دليل، أم هذه بدعة؟

    الجواب: يجوز الصلاة على الميت -حتى وإذا صُلي عليه- في المقابر لمن لم يصل عليه، ودليل ذلك أن امرأة كانت تقم المسجد بالمدينة، فلما ماتت صلى عليها الصحابة في الليل ودفنوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما افتقدها بعد ثلاث: (أين فلانة التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: يا رسول الله! ماتت، فصلينا عليها ودفناها، فقال: هلا آذنتموني؟ ثم أشير إلى قبرها فوقف فصلى وصلى الناس معه). ولا حجة لمن يقول: هذه خصوصية للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى قال: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] والصلاة على الميت فرض كفاية، وقد تمت بصلاة الأصحاب، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا في كل من مات ولم يصل عليه، إنما فعل هذا مع تلك المرأة رضي الله تعالى عنها، وصلى أصحابه بعده، فهذه الصلاة ليست هي الصلاة المنهي عنها في المقابر، وليست من الصلاة في المساجد التي فيها قبور، بل هذه الصلاة صلاة مخصوصة ليس فيها ركوع ولا سجود، ولا يقصد بها الاستشفاع أو التقرب أو المناجاة أو الاستغاثة بالأموات.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756187984