يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فمع الباب الخامس من كتاب الصيام في صحيح مسلم ، وهو باب في غاية الأهمية، والذي سبقه باب هام جداً، وهو هل العبرة في دخول الشهر على الحساب الفلكي المحدث أم أنه على الرؤية العينية؟ ذكرنا هناك أن الاعتماد إنما هو على الرؤية العينية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) لا على الحساب الفلكي، إنما هذا أمر محدث.
والحساب الفلكي لا بأس أن نستأنس به، بحيث يكون في المرتبة الثانية بعد مرتبة الرؤية بالعين، أما أن يكون الاعتماد عليه وترك الرؤية بالعين فهذا ترك لشيء من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
أما رؤية الهلال في بلد هل تلزم جميع البلاد، أو تلزم بعض البلاد دون بعضها، أو تلزم البلد الذي رؤي فيه الهلال فحسب؟ هذه ثلاثة مذاهب في هذه المسألة.
فبعضهم يقول: إذا رئي الهلال في بلد لزم الأخذ به في جميع بلاد المسلمين.
وبعضهم يقول: بل يلزم فقط القطر الذي رئي فيه دون غيره، وهو ما يعبر عنه بأسلوب آخر: أن كل قطر اشترك في الليل والنهار ولو كان بينهم اختلاف يسير، فإن رؤية الهلال في إحدى بلدان هذا القطر تلزم جميع القطر دون غيره، يعني: نحن الآن في مصر والشام والعراق والأردن والسعودية.. وغيرها من البلاد المجاورة والمحيطة التي على خط واحد من خط الاستواء، فالنهار عندنا جميعاً واحد، والليل عندنا جميعاً واحد، وإن كانت هناك فروق يسيرة نصف ساعة ربع ساعة فهذا أمر لا يضر، فكلنا نشترك في الليل والنهار، ليلنا واحد ونهارنا واحد.
أما لو نظرت إلى بلاد أوروبا مثلاً أو أقصى المغرب العربي، أو بلاد أمريكا لوجدت أن الليل هنا نهار هناك، والنهار هناك ليل هنا، فهل يلزم من كان في أمريكا رؤية الهلال هنا في مصر؟ الجواب: لا، لا يلزمه.
وهذا أحد المذاهب وهو أقواها في المسألة؛ لأن الهلال ربما يظهر الآن في هذه اللحظة التي نحن فيها، وهذه اللحظة هي هناك بدء النهار في أمريكا، فلو قلنا لهم: ظهر الهلال عندنا لقالوا: لقد صلينا الفجر وشربنا الشاي ولم تنعقد نيتنا، فليلكم هو عندنا نهار، فهل يصح أن نلزمهم برؤية الهلال عندنا؟ لا، لا يصح، ولذلك هذا الرأي الثاني هو أرجح الأقوال في المسألة.
الرأي الثالث: أن كل أهل بلد رأوا الهلال فإنما هذه الرؤية تلزمهم دون غيرهم، الخلاف هنا كيف نحدد هذا البلد؟ هل هي بهذه المسميات والمصطلحات التي وضعها المستعمرون والأجانب؟ يعني: هل رؤية أهل مصر تلزم أهل ليبيا أم لا تلزمهم؟ إذا قلنا بأن رؤية أهل مصر لا تلزم رؤية أهل ليبيا، فكيف نحدد المسافة والحدود بين البلدين، هل هي بأقصى البلاد من جهة الشمال لمصر ومن جهة الجنوب لليبيا؟ لو أن رجلاً ليبياً وآخر مصرياً بينهما جدار، وهو الذي يفصل حدود مصر عن حدود ليبيا، فإذا رأى المصري الهلال هل تلزم هذه الرؤية صاحبه الليبي الذي بينه وبينه ربما (10سم) أو (15سم)، أم لليبي أن يقول له: أنت رؤيتك لا تلزمني؛ لأني ليبي وأنت مصري؟
هذه أمور هي أدعى لتفرق الأمة وتمزق وحدتها، والذي يترجح لدي في القضية: أن رؤيتنا تلزم جميع البلاد التي تشترك معنا في الليل والنهار، ولا تلزم غيرهم من أصحاب الأقطار البعيدة الذين يختلفون معنا في أصل الليل والنهار، لا في بعض الليل والنهار، فإذا زادوا عنا ساعة أو قلوا عنا ساعة فإن رؤيتهم تلزمنا ورؤيتنا تلزمهم كذلك.
قال: [ حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر قال يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن محمد وهو ابن أبي حرملة عن كريب : (أن
قال: [ (فقال
قال: [ (لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه) ] هذا كلام ابن عباس ، يعني: رؤيتكم لهلال رمضان ليلة الجمعة في الشام أمر لا يجعلنا نعتمده ونحن بالمدينة أو مكة؛ لأن ابن عباس اعتبر أن بلده لها رؤية خاصة، وأن الشام لها رؤية خاصة.
إذاً: مذهب ابن عباس هو أن لكل أهل بلد رؤية تخصهم، مع أن حديث كريب مع ابن عباس ربما لا يخدم الواقع الذي يمر به المسلمون الآن؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما ما أخبر ببدء رمضان في الشام إلا في نهاية شهر رمضان، أما الهلال الآن لو ظهر في أقصى البلاد فسيصل خبره سريعاً بواسطة الهاتف، بالمذياع، بالتلفزيون، بالإنترنت، بأي وسيلة من هذه الوسائل المتقدمة المتطورة تستطيع أن تعرف في لحظة أن الهلال ظهر في بلاد المشرق أو في بلاد المغرب، أو في بلاد آسيا أو إفريقيا أو غيرها من البلدان.
قال: [ (فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه -أي: إذا رأيناه قبل تمام الشهر ثلاثين صمنا تسعاً وعشرين فقط، وإذا لم نره أكملنا العدة ثلاثين يوماً- فقلت: أولا تكتفي برؤية
قال: [ (فقال
ابن عباس رد على كريب وقال له: لا، لا نعتمد رؤيتكم ولا صيامكم؛ لأن هذا ليس باباً من أبواب الرواية، وإنما هو باب من أبواب الشهادة، وبين الرواية والشهادة فروق: منها: أن الشهادة ترد إذا لم يكتمل نصاب هذه الشهادة، ومذهب ابن عباس أن دخول الشهر إنما يثبت بشاهدين لا بواحد، ولذلك رد شهادة كريب لا رؤيته.
وقول ابن عباس : (لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ابن عباس لم يذكر هذا الأمر الذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك اختلف فيه أهل العلم، فقالوا: إنما اكتفى ابن عباس بنقل أصل الأمر الذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: (هكذا أمرنا) أي: أمر بفحوى كلام ابن عباس ؛ لأن ابن عباس لم ينقل نص الأمر عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال بعضهم: بل عنى ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (هكذا أمرنا رسول الله) أي: قوله: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فاعتبر ابن عباس أن هذا الخطاب وهذا الأمر موجه إلى أهل كل بلد على حدة، فاعتبر أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام أن يصوموا بدءاً من الجمعة، وأهل المدينة أو مكة يصومون بدءاً من السبت؛ لأن رؤية أهل الشام كانت ليلة الجمعة، ورؤية أهل المدينة أو مكة كانت ليلة السبت.
قال: [ شك يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي ] يعني: نكتفي نحن المسلمين أو تكتفي أنت يا ابن عباس.
قال: (والصحيح عند أصحابنا -أي: عند الشافعية- أن الرؤية لا تعم الناس) يعني: المذهب الراجح عند الشافعية أن الرؤية لا تعم الناس، بل تختص بمن قرب.
إذاً: ما هو حد القرب والبعد؟ هو الاشتراك في الليل والنهار، أن نكون جميعاً على خط متقارب من خط الاستواء، فلو نحن رأينا الهلال مثلاً في مصر فهل يلزم البلدان المجاورة لمصر العمل بهذه الرؤية؟ لقد انطبع في أذهان الناس أنهم يتوجهون في بداية شهر رمضان إلى بلاد الحجاز ويعتمدون رؤيتهم، والسؤال: لم الحجاز بالذات؟ الحجاز ما هي إلا بلد من بلدان المسلمين، هي كمصر وليبيا والجزائر وتونس والعراق والأردن وسوريا.. وغيرها من البلدان، فإذا سمعت خبراً من سورية يقول: قد رأينا الهلال هل تعتمد هذه الرؤية؟ لا تعتمدها؛ لأنك اعتدت على أن ترتبط في عبادتك ببلد معين، وأنا أقول: إن رؤية أهل هذه البلاد التي ذكرتها والتي لم أذكرها ممن قرب من البلدان تلزم جميع البلدان، والأسبقية لمن سبق.
تكلمنا عن الحساب الفلكي وقلنا: إنه يستأنس به ولا يعتمد عليه، وفي السعودية ينظرون في الحساب الفلكي، لكنهم لا يعتمدونه أصلاً، والحكومة السعودية تمنح جائزة لمن رأى الهلال عشرة آلاف ريال في كل شهر، وهذا حدا ببعض الناس أن يسارعوا إلى الإعلان بأنهم قد رأوا الهلال وهم في الحقيقة لم يروه، ولذلك ثبت عدة مرات في الأعوام المتأخرة أن بدء رمضان كان في السعودية على غير حقيقته، وهذا ليس مطعناً عاماً في أهل البلاد، وإنما مطعن فيمن م يتق الله عز وجل.
فالأصل في هذا الأمر أنه يتم بلا جائزة وبلا منحة، وجائزته عند ربه.
لكن الذي أريد أن أنبه عليه لو أن أحداً رأى الهلال في مصر فإنه يلزم جميع البلاد، وإن لم يره أهل الحجاز، ولو ظهر الهلال ورئي رؤيا العين في سوريا وفي بغداد من رجل ثقة أمين عدل فإنه يلزم جميع أهل القطر، فإننا نعنى ونهتم في كل شهر ببدايته ونهايته على كل خبر يأتينا عن ثقة من أي بلد من هذه البلاد، ولكن لا نعتمد الاعتماد الكلي على بلاد الحجاز.
ثم قال: (وقيل: إن اتفق المطلع -أي: قربهم من خط الاستواء- لزمهم رؤية واحدة.
وقيل: إن اتفق الإقليم وإلا فلا.
وقال بعض الشافعية: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض) يعني: الذي يرى في أي قرية من القرى على وجه الأرض هذه الرؤية تلزم جميع المسلمين على وجه الأرض، وهذا رأي فاسد.
ثم يقول النووي : (نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب ؛ لأنه شهادة، فلا تثبت بواحد، لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا؛ وإنما رده لأن الرؤية لم يثبت حكمها في حق البعيد) يعني: على افتراض أن ابن عباس قَبِل كلام كريب ولكنه لم يعمل به؛ لأن بلاد الشام بلاد بعيدة جداً عنهم بينهم وبينها شهر، فرؤيتهم لا تلزمهم؛ لأن لهم رؤية تخصهم.
والحقيقة هذه المسألة فيها أبحاث كثيرة جداً وصنفت فيها فوق عشر رسائل رأيتها، ومدارها على هذه الآراء الثلاثة، وأرجح هذه الآراء -وهو الذي يهمنا- أن رؤية أي بلد من بلاد المسلمين المجاورة التي تشترك في الليل والنهار تلزم جميع البلاد، بشرط أن تكون رؤية عين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) أي: رؤية العين هذه، إما بالعين المجردة وإما بالمكبرات والعدسات والأجهزة الحديثة.
أما الحساب الفلكي في البدء والنهاية للشهر فهذا يستأنس به ولا يعتمد عليه، لكن الفرق بيننا وبين أمريكا أنهم يختلفون عنا عشر ساعات، وأقصى غرب أمريكا يختلف معنا في أربع عشرة ساعة، فهل يقال: إنهم يشتركون معنا في الليل والنهار؟ لا يقال ذلك؛ لأنهم يختلفون معنا في الأصل، أصل الليل عندنا نهار عندهم، والعكس بالعكس، فلا يقال: إنهم متفقون معنا قط، والذي يختلف معنا في خمس ساعات أو أربع ساعات لا بد أن مواقيت الصلاة تختلف بيننا وبينهم كذلك.
وأنا ذهبت إلى بلد في أمريكا في أقصى الجنوب النهار عندهم دوماً أربع ساعات فقط، والليل عشرون ساعة، والعكس في أقصى شمال أمريكا يكون النهار عشرين ساعة، والليل أربع ساعات، فكانوا يسألوننا: كيف نحسب صلاتنا؟ قلنا: قدروا لها قدرها. فتصور أن أهل أقصى الجنوب كانوا يصلون الصلوات الخمس في خلال أربع ساعات، واتصلوا بالشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ الألباني رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فالجميع اتفقوا على أن أهل هذه البلاد يقدرون للصلاة قدرها: ما بين الصبح إلى الظهر أكثر مما بين الظهر إلى العصر، وما بين الظهر إلى العصر هو نفس الذي بين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء شيء يسير، فقدروا لها قدرها، فكانوا يقدرون بالساعات إلا الصبح والمغرب هذه بالشروق وهذا بالغروب.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن عمرو بن مرة عن أبي البختري - وهو سعيد بن فيروز الطائي - قال: (خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال -أي: تكلفنا رؤية الهلال في موضعه وفي مخرجه الذي يخرج منه عادة- فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، قال: فلقينا
فنكون مع رؤية من رآه حتى وإن زاد الشهر وإن نقص، فلو أنك بنفسك رأيت الهلال هنا فبدأت الصوم، والحجاز بدءوا بعدك بيوم، فذهبت لتعتمر، فرأوا هم الهلال في التاسع والعشرين أو رأوه في الثلاثين، فإما أن تزيد يوماً أو أن تنقص يوماً، فإن كان نقصاً فيلزمك أن تعيد يوماً بعد العيد.
لكن لا بد أن تعرف أن كثيراً من مسائل الفقه محل اختلاف بين أهل العلم، فيها الراجح، وفيها المرجوح، وفيها الباطل المردود، أما الباطل المردود فلم يقل به أحد من العلماء الأجلاء الكبار الذين يعتمد عليهم، أما الراجح والمرجوح فلا بد أن تعلم أن الخلاف له أول وله نهاية، أحد هذه الآراء في قمة هذه المسائل، وأحد هذه الآراء في أدنى المسائل، ولا أستطيع أن أرد هذا الرأي الذي هو أنزل الآراء؛ لأن الدليل يشهد له أحياناً، وبين الأعلى والأسفل آراء أخرى، ولذلك لما يحصل شيء عندك تسأل وتقول: أنا أريد أن أعلم حكم الدين في هذه القضية، فيجيبك العالم ويقول: حكم الدين في هذه القضية كيت وكيت وكيت. فتقول له: هل هناك أحد قال بغير هذا القول؟ أنت بنفسك تبحث عن قول آخر يوافق ما أنت عليه، فإذا وجدته في أقوال أهل العلم تشبثت به؛ لأنه يوافق ما في نفسك.
وميقات أهل اليمن يلملم.
وميقات أهل مصر رابغ أو الجحفة.
وميقات أهل المدينة أبيار علي، التي هي ذو الحليفة.
بعد أن ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذه المواقيت المكانية قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) يعني: هذه المواقيت لأهلها إذا مروا بها، ولمن أتى عليها من غير أهلها، فأنا عندما أكون في المدينة وأريد أن أعتمر فهل أرجع إلى رابغ خمسمائة أو ستمائة كيلو، أو أمر على ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة وأحرم منه؟ أحرم من ذي الحليفة.
قال: [ (أهللنا رمضان ونحن بذات عرق، فأرسلنا رجلاً إلى
أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين مسألة اعتقادية: وهي هل يمكن أن يظهر الهلال ويختفي دون أن يراه أحد من المسلمين؟ لا، غير ممكن؛ لأن هذا يتنافى مع رحمة الله عز وجل بخلقه، ولذلك من رحمته وفضله أن يمد الهلال مداً، بمعنى: أنه يبقيه حتى يراه الناس، فإن خفي على قوم ظهر لآخرين, وإن خفي على واحد ظهر لآخر، وهذا هو مد الله عز وجل للهلال.
فقوله: (إن الله قد أمده حتى ترونه) يعني: أن الله تعالى قد أبقاه في السماء ظاهراً واضحاً، فإن خفي على بلد ظهر لآخر فمثلاً: بين العراق والأردن ألف كيلو، فلو اعتبرت أن العراق بلد والأردن بلد، وأن أهل كل بلد من هذين البلدين لا يلزم برؤية البلد الآخر؛ لبعد المسافة، فعندنا هنا بين القاهرة وبين أسوان ألف كيلو، نفس المسافة التي بين العراق والأردن، فهل يمكن أن يقال: إن لأسوان رؤية خاصة بها، والقاهرة رؤية خاصة بها؟ لا، بل الرؤية كما تلزم أسوان التي تبعد عن القاهرة ألف كيلو تلزم كذلك الأردن التي تبعد عن العراق أيضاً ألف كيلو.
أما قوله: (فإن أغمي عليكم). لا يمكن أن تصيب الغمة جميع المسلمين في شرق الأرض وغربها؛ لأن الهلال ربما حال بيننا وبين رؤيته غمامة أو غياية في السماء في مصر، هذه الغمامة ليست موجودة في الحجاز، وليست موجودة باليمن، ولا بالسودان، ولا بالعراق، ولا بالأردن؛ لأنه لا يعقل أن الغمامة ستحجب الهلال أو الشمس أو القمر عن العالمين بحيث لا يراهما أحد من الخلق، لا يمكن؛ لأن هذا يتنافى مع فضل الله وحكمته ورحمته، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطمئننا فقال: (إن الله قد أمده لرؤيته) يعني: سترونه في مطلع كل شهر ولا بد، وهذا أمر حتمي، وهذه المسألة لا بد أن تكون من عقيدتك: أن الهلال يغم على قوم أو قرية أو بلد أو دولة ويظهر لغيرها، المهم أنه سيظهر وسيراه الناس، وإن خفي على البعض.
قوله: (فأكملوا العدة) أي: الواجب الشرعي على المسلمين أن يكملوا العدة ثلاثين، عدة شعبان إذا كان في بدء رمضان، وعدة رمضان إذا كان ظهور العيد.
فالمتبادر إلى الذهن أن معنى قوله: (شهرا عيد لا ينقصان) أنهما يكونان ثلاثين يوماً، والإمام مسلم أتى بهذا الحديث في هذا الموطن بالذات حتى يبين المعنى الصحيح لهذا الحديث؛ لأن هذا الحديث لو سمعته في أي مكان غير درس العلم لقلت: قوله: (لا ينقصان) يعني: هما على التمام ثلاثون يوماً باستمرار وباطراد.
إذاً: ما معنى قوله: (شهرا عيد لا ينقصان)؟ أي: لا ينقصان في الثواب والأجر، وهذا أرجح الأقوال في هذا الحديث.
يعني: لو أتى رمضان تسعة وعشرين يوماً فأجره كما لو كان ثلاثين يوماً.
وكما أن في شهر رمضان من الفضائل والمناقب والمنح الربانية ما ليس في غيره من الشهور، فكذلك شهر ذي الحجة فيه يوم عرفة الذي يكفر ذنوب سنة مضت وسنة لاحقة، إن لم يكن فيه إلا هذا اليوم لكفى، ولذلك اختلف أهل العلم في أفضل الأيام بين رمضان وذي الحجة.
أنتم تعلمون الأحاديث التي وردت في بيان فضل العشر الأوائل من ذي الحجة، وهي في الصحيحين وفي غيرهما، كما لا يخفى عليكم فضل العشر الأواخر من رمضان، والأحاديث التي أتت ووردت في فضل هذه الأيام في الصحيحين وغيرهما، فهل العشر الأواخر من رمضان أفضل، أم العشر الأوائل من ذي الحجة؟ اختلف أهل العلم، وأرجح الأقوال في هذا هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية : أن أيام ذي الحجة أفضل؛ لأن ذا الحجة يمتاز بأن عرفة في النهار والنحر في النهار، ويوم النحر هو اليوم المتمم للعشر، والنحر في النهار، ولا بأس أن يكون في الليل، لكن العادة أن الحجاج وغير الحجاج ينحرون في النهار دون الليل، فالنحر إنما يتم فيه، والنحر عبادة عظيمة.
أما ليالي رمضان فامتازت على ليالي ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهي حوالي ثلاث وثمانين سنة وأربعة شهور.
قال الإمام النووي : (قوله عليه الصلاة والسلام: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة) الأصح أن معناه: لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما)، يعني: وإن نقص عدد رمضان إلى تسعة وعشرين وكذلك شهر ذي الحجة، فإن الثواب يكون كاملاً لمن تعبد إلى الله عز وجل في هذين الشهرين.
ثم قال: (وقيل: معناه: لا ينقصان جميعاً في سنة واحدة غالباً) يعني: إذا جاء رمضان تسعة وعشرين يوماً فلا يمكن أن يأتي معه ذو الحجة في نفس السنة تسعة وعشرين يوماً، لا بد أن يكون ثلاثين يوماً، أما أن ينقصا في سنة واحدة فلا، لا بد أن يكون أحدهما أتم من الآخر، وهذا رأي وإن كان وجيهاً إلا أن الأول أقوى منه.
ثم قال: (وقيل: لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان؛ لأن فيه المناسك، وهو قول ضعيف، قاله الخطابي ، والأول هو الصواب المعتمد.
ومعناه: أن قوله عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وقوله عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وغير ذلك. فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص، وكذلك في شهر ذي الحجة، والله تعالى أعلم).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (لما نزلت: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]) ] أظن أن هذه الزيادة (من الفجر) ليست في هذا الموضع بالذات من الحديث؛ لأن قوله سبحانه وتعالى: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] نزلت وحدها، يعني: هذا الحرف فقط نزل وحده، لما أخطأ عدي بن حاتم وغيره من الصحابة، وأول الخيط الأبيض والخيط الأسود بتأويلات غير سليمة وغير سديدة، أنزل الله تبارك وتعالى قوله: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] أما حين نزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]، فكانوا يأخذون هذا النص على ظاهره، فهذا عدي بن حاتم نفسه هو صحابي كبير جاء بخيط أبيض وخيط أسود ووضعه تحت المخدة، وظل يأكل ويشرب حتى طلع الفجر، فلما بلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن وسادك لعريض) يعني: ستظل تأكل إلى حد الشروق.
فلما كان ذلك من عدي بن حاتم وبعض الصحابة رضي الله عنهم، أنزل الله تبارك وتعالى قوله: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، فعلموا أن الخيط الأبيض هو النهار، والخيط الأسود هو الليل، والفرق بين الخيط الأبيض الذي هو النهار، والخيط الأسود الذي هو الليل هو طلوع الفجر.
ثم قال: [ (قال له
فقوله: (أعرف الليل من النهار) يعني: أعرف أن الفجر دخل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن وسادك لعريض) يعني: سيبقى ليلك طويلاً جداً ما سينتهي.
قال: [ (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) ] يعني: المقصود ومراد الرب تبارك وتعالى بقوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187] يعني: حتى يخرج النهار وينشق من الليل وهو الفجر الصادق.
قال: [ حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد قال: (لما نزلت هذه الآية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187] قال: كان الرجل يأخذ خيطاً أبيض وخيطاً أسود فيأكل حتى يستبينهما) ] يعني: لا يزال يأكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الأسود، ولم يكن عندهم كهرباء، ويمكن يأكل إلى حد الشروق.
قال: [ (حتى أنزل الله عز وجل: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] فبين ذلك) ] أي: بين أن المراد بالخيط الأبيض النهار، والخيط الأسود الليل.
قال: [ حدثنا محمد بن سهل التميمي وأبو بكر بن إسحاق قالا: حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا أبو غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187] قال: فكان الرجل إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رئيهما -يعني: الاطلاع عليهما ومعرفة ألوانهما- فأنزل الله بعد ذلك: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار) ].
يعني: الربط ليس له أي علاقة في القضية، ولكنهم اجتهدوا فأخطئوا، وهذا يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم غير معصومين، إنما المعصومون هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أما النداء فشأنه إخبار الناس وإعلامهم بدخول وقت الصلاة، فلا بد أن يتم هذا الإعلان، فإذا أعلنت أنا في الناحية الغربية، وبقي من كان في جميع النواحي لم يسمع؛ فلا بأس من اتخاذ مؤذن.
أما الآن فقد أغنانا عن اتخاذ عدة مؤذنين للمسجد الواحد هذه المكبرات الصوتية، فإن المؤذن الواحد يكفي؛ لأن العلة التي لأجلها شرع الأذان قد بلغت الناس، وهو أنهم جميعاً قد سمعوا النداء في كل واد وفي كل مكان وفي كل ناحية، فقامت عليهم الحجة بالإتيان إلى المسجد.
فقوله: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم ) هذا يدلنا على أن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الفجر مؤذنان: بلال ، وابن أم مكتوم.
أما بلال فكان يؤذن قبل طلوع الفجر الصادق، وأما ابن أم مكتوم فكان يؤذن بعد طلوع الفجر الصادق، أي: في أول الوقت.
ونحن نقول: الفجر الصادق؛ لأن هناك فجراً كاذباً وفجراً صادقاً، والعرب كانوا في ذلك الوقت ولا يزال الناس الآن في البوادي والصحاري يميزون ويعرفون أوقاتهم بالنجوم، ويعرفون أوقاتهم بمطلع القمر، ويعرفون الفجر الصادق من الكاذب.. وغير ذلك، لكن نحن بيننا إفرنج وأفندية، وبالتالي لا نعرف أن نميز الأوقات بالنجوم وغيرها؛ لأننا لم نتعود أن نعرف أيامنا وليالينا وطرقنا عن طريق هذه النجوم وهذه المجرات التي أجراها الله تبارك وتعالى لنا.
هناك فجران: فجر مستطيل في السماء من فوق إلى تحت، ترى خطاً أبيض ينزل من فوق إلى تحت بنفس الخط المستطيل، وهذا الخط سرعان ما يتلاشى ويظهر خط آخر معترضاً من الشمال إلى اليمين، أو من اليمين إلى الشمال.
إذاً: نحن عندنا خطان: الخط الأول: خط رأسي في السماء، من فوق إلى تحت، فسرعان ما يتلاشى هذا الخط.
الخط الثاني: خط عرضي، يأتي بالعرض وليس بالطول.
الخط الأول يغلب عليه الحمرة، والخط الثاني يغلب عليه البياض، وبلال كان يؤذن عند ظهور الخط الأول، وهو الفجر الكاذب، أما الفجر الصادق فهو الخط الثاني الذي يأتي بالعرض، وعند بداية ظهور هذا الخط كان يؤذن ابن أم مكتوم ، وهنا يحرم الطعام والشراب والجماع.
وفي أذان بلال يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليرجع قائمكم وينبه نائمكم) أي: ليستيقظ النائم ويستعد للصلاة، وإذا كان مستيقظاً يصلي.. أو غير ذلك؛ خشية دخول الفجر، كذلك لو أردت أن تستعد للصيام أو تنوي أو غير ذلك فقدامك مدة وفترة تستطيع فيها أن تقضي حاجتك.
قال: [ حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن
حدثنا ابن نمير - محمد - حدثنا أبي - عبد الله بن نمير - حدثنا عبيد الله وهو - ابن عمر العمري - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان:
المؤذنون قديماً كانوا يؤذنون من المئذنة، والمئذنة هي غرفة صغيرة تبنى على سطح المسجد، وهذه الغرفة التي هي المنارة تصل إلى حقو المؤذن أو وسطه حتى يراه الناس وهو يؤذن.
قال: [ (ليرجع قائمكم) ] يعني: إذا كان أحدكم قائماً في صلاة الليل فليعجل بانتهاء هذه الصلاة.
قال: [ (ويوقظ نائمكم، وقال: ليس أن يقول هكذا وهكذا، وصوب يده ورفعها) ] (صوب يده) أي: خفضها.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس أن يقول هكذا وهكذا) يعني: ليس هو الفجر الذي ترونه في السماء من فوق إلى تحت، فإذا رأيتم الخط المستطيل في السماء من فوق إلى تحت فليس هو الفجر.
قال: [ (حتى يقول هكذا وفرج بين أصبعيه) ] يعني: فرق بينهما.
قال: [ حدثنا ابن نمير حدثنا أبو خالد الأحمر عن سليمان التيمي بهذا الإسناد، غير أنه قال: (إن الفجر ليس الذي يقول هكذا، وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا، ووضع المسبحة على المسبحة) ] المسبحة: هي السبابة، وسميت بالسبابة؛ لأن العرب كانوا يسبون بها، الذي يريد أن يشتم أحداً يؤشر له بسبابته، ويسبح بها أيضاً، فسميت هذه الإصبع التي تلي الإبهام المسبحة والسبابة؛ لأن التسبيح والسب يكونان بها.
قال: [ (إن الفجر ليس الذي يقول هكذا، وجمع أصابعه ثم نكسها في الأرض، ولكن الذي يقول هكذا، ووضع المسبحة على المسبحة ومد يده) ] يعني: ليس الفجر الصادق هو الذي يستطيل في السماء وإنما هو الذي يأتي بالعرض.
فقوله: (ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه) هنا يبين التكييف الشرعي لمعرفة الفجر الصادق.
قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا معتمر بن سليمان وحدثنا إسحاق بن إبراهيم - وهو المعروف بـابن راهويه - أخبرنا جرير - وهو ابن عبد الحميد الضبي - والمعتمر بن سليمان كلاهما عن سليمان التيمي بهذا الإسناد، وانتهى حديث المعتمر عند قوله: (ينبه نائمكم ويرجع قائمكم).
وقال إسحاق : قال جرير في حديثه: (وليس أن يقول هكذا ولكن يقول هكذا -يعني الفجر- هو المعترض وليس بالمستطيل) ] يعني: الفجر الصادق هو الفجر المعترض وليس هو الفجر المستطيل.
قال: [ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث - وهو ابن سعيد البصري - عن عبد الله بن سوادة القشيري حدثني والدي - الذي هو سوادة - أنه سمع سمرة بن جندب يقول: سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يغرن أحدكم نداء
قوله: (ولا هذا البياض) يعني: ولا هذا الخط المستطيل حتى يستطير ويأتي بالعرض.
والعرب تطلق على الأبيض أحمر والأحمر أبيض؛ ولذلك كانت عائشة رضي الله عنها بيضاء، وأطلق عليها في عدة أحاديث بعضها حسن ومعظمها ضعيف بأنها الحميراء، فالعرب تطلق لفظ الأحمر على البياض.
قال: [ وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية حدثني عبد الله بن سوادة عن أبيه عن سمرة قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يغرنكم أذان
قال: [وحدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن عبد الله بن سوادة عن أبيه عن سمرة قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يغرنكم من سحوركم أذان
قال: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سوادة قال: سمعت سمرة وهو يخطب يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يغرنكم نداء
وفيه جواز الأكل والشرب والجماع وسائر الأشياء حتى يطلع الفجر. وفيه جواز أذان الأعمى.
لأن المؤذن يشهد على نفسه أن الفجر قد دخل، وبالنسبة للناس والعامة يخبرهم بأن الفجر قد دخل، فالأذان شهادة وخبر في الوقت نفسه.
قال: (قال الشافعية: هو جائز) يعني: أذان الأعمى جائز، كذلك إمارة الأعمى جائزة، يعني الإمارة الصغرى، أما الإمارة الكبرى فلا يجوز أن يكون الخليفة أعمى.
قال: (قال الشافعية: أذان الأعمى جائز، فإن كان معه بصير كـابن أم مكتوم مع بلال فلا كراهة فيه) لأن بعض أهل العلم كره أذان الأعمى خاصة في الفجر؛ لأن الأعمى لا يرى؛ ولذلك كره بعض أهل العلم أذان الأعمى خاصة في صلاة الفجر؛ لأن أذان الفجر عندهم متعلق برؤية الخط المستطير المعترض ولا يراه الأعمى، فربما أذن قبله، أو ربما أذن بعده فأوقع الناس في حرج، ولكن لو كان معه بصير، كـبلال مع ابن أم مكتوم فلا كراهة في ذلك، وإن لم يكن معه بصير كره؛ للخوف من غلطه.
وهناك مشكلة في صلاة الفجر في مساجد الأوقاف، تجدهم يقيمون الصلاة بعد عشر دقائق، أو بعد ربع ساعة من الأذان، وأذانهم للفجر قبل الوقت، يعني: في أثناء الفجر الكاذب، وهناك أبحاث كثيرة نزلت وكتبت وصنفت تبين هذا الكلام من علماء بالشرع ومن علماء بالفلك، والمسألة هذه ليست حديثة، بل هي قديمة جداً، فأنا قرأت رسالة للشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله، وقد مات منذ أربعين سنة وزيادة، وهو من جلة علماء الأزهر، يقول: إن الصلاة في مسجد الحسين وفي غيره التي تؤدى قبل ميعادها الحقيقي بنصف ساعة، ليس خمس دقائق أو عشر دقائق، وهذه الرسالة اسمها (رسالة الأشهر العربية)، إذا أردتم أن ترجعوا لها فارجعوا لها، وله كتاب اسمه: مقالات الشيخ أحمد شاكر وهذه المقالة أيضاً في داخل هذا الكتاب فاقرءوها.
فالإخوة الحريصون على أداء الصلاة في أوقاتها يؤخرون في مساجدهم الصلاة إلى ثلث ساعة أو خمس وعشرين دقيقة أو نصف ساعة، بخلاف المساجد التي ربما نزل المؤذن من أعلى السطح وقد فاتته ركعة أو ركعتين، فهذا فيه حرج شديد جداً؛ لأن الصلاة مبناها على الاحتياط، والاحتياط في أداء الصلاة بالتأخير، وأقل ما يقال في استحباب تأخير صلاة الفجر: إنه من باب الاحتياط؛ لأننا إذا أخرناه عن وقته لم نخرج عن الوقت، فضلاً عن أننا نكون على يقين بدخول الوقت، والذين يقولون بجواز الصلاة قبل وقتنا الذي نصلي فيه بعشر دقائق أو بربع ساعة هل يختلفون معنا في أننا نؤدي الصلاة في وقتها؟ لا، وهل نختلف نحن معهم في أنهم يؤدون الصلاة في غير وقتها أو في وقتها؟ نعم، نختلف معهم، فإذا كانت القضية فيها اتفاق وافتراق فيصير الاتفاق أولى من الافتراق، فيجب عليهم أن يصيروا إلى ما نحن عليه، وأن يؤخروا الصلاة عن الوقت الذي يصلون فيه؛ لأن هذا هو وقت الاحتياط، بل هذا هو وقت اليقين أننا نصلي في وقت الفجر الصادق، يعني: الذي يصلي بعد الأذان بعشر دقائق ربما يصلي في الوقت وربما لا يصلي في الوقت، أما الذي يصلي بعد نصف ساعة من الوقت فلا بد وأنه يصلي في الوقت.
وسمعت شيخنا الألباني وقد سئل: أنا أصلي في مسجد بجواري يقيم الصلاة قبل وقتها؟ والشيخ الألباني من مذهبه عدم صلاة الفجر إلا بعد مرور نصف ساعة من الأذان الذي تسمعه بالإذاعة، ولا بأس أن تصلي السنة ركعتي الفجر بعد خمس وعشرين دقيقة من الأذان.
وهذا السائل سأل وقال: أنا أسكن بجوار مسجد كذا، وهو يصلي بأمر الحكومة ويقدم الصلاة؟ فقال الشيخ: صل معهم وعدها من صلاة الليل، ثم انطلق إلى أهلك وصل بهم الفرض.
الأصل أنه يناط التصحيح بإمام المسجد ويبين المسألة أو يعتزل.
وأنا سألت الشيخ عليه رحمة الله، قلت له: وما قيمة هذه الصلاة، إذا كان قد صلى في الليل إحدى عشرة ركعة وأوتر وانتهت صلاته؟ قال: حتى لا تحدث الفتنة، فيلزمه صلاة الفجر في البيت بعد صلاتها مع الناس مخافة الفتنة فقط، لكن ليس بواجب عليك، لكنك لو تعودت التخلف عن صلاة الفجر فسيسأل الناس: لماذا يتخلف فلان عن صلاة الفجر؟ وستجد المحتسبين والمتبرعين يتهمونك في دينك، صحيح، وهذا شر من الذي لم يذهب إلى المسجد قط.
وأنا لما قرأت قديماً رسالة الشيخ أحمد شاكر ورسالة عبد الملك علي الكليب ، في أن الفجر يكون بعد نصف ساعة، كنت أنبه الإخوة وأقول لهم: هذا الفجر فجر باطل، ونحن لا يلزمنا الصلاة معهم، والصلاة معهم باطلة، فأشرت عليهم أننا نصلي الفجر جماعة في المسجد بعد أن يمضي الناس، لكن الناس كانوا يتأخرون في المسجد بعد تأديتهم لصلاة الفجر، فكنا نروح والناس موجودون، فلما تكرر هذا منا قالوا: لماذا أنتم تتأخرون، وتأتون في وقت معين بعد صلاة الجماعة؟
فذكرنا لهم الحكاية كيت وكيت وكيت وكيت، وقلنا لهم: أنتم تركتم وأنتم ستذهبون إلى النار، فحصلت فتنة في المسجد من ضرب وشجار، ونحن في ذلك الوقت نعتبر أنفسنا مجاهدين ومظهرين للشريعة وغير ذلك، وما كان منا إلا أن حرمنا ومنعنا من دخول المسجد نهائياً، لا في الوقت ولا في غير الوقت.
قال: (وفيه اعتماد صوت المؤذن) يعني: لو سمعت صوت المؤذن فاعتمد عليه في الطعام والشراب والنكاح.
وفي هذا الحديث دليل لجواز الأكل بعد النية، يعني: لو تسحرت الساعة الواحدة بالليل وعقدت نيتي على الصيام، ثم سمعت أذان المؤذن الأول فبدا لي أن آكل، فيجوز لي أن آكل حتى بعد عقد النية بالصيام، ما دام الفجر الصادق لم يطلع، بخلاف صيام أهل الكتاب، فصيام أهل الكتاب بعد انعقاد النية يحرم الطعام والشراب، لكن عليك أن تجدد نيتك ولا يضرك هذا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر