إسلام ويب

شرح العقيدة الطحاوية [52]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما يتعلق بباب القضاء والقدر أن الله تعالى قد يحب الشيء ويرضاه شرعاً، لكنه لا يريده ولا يشاؤه كوناً وقدراً، وذلك كإيمان الكافر وطاعة العاصي، وقد يبغض الشيء ولا يرضاه، لكنه يريده ويشاء وقوعه كوناً وقدراً، وذلك كالكفر وسائر المعاصي والشرور، فإنها غير محبوبة لله تعالى ولا يرضاها شرعاً، لكنه أراد وقوعها كوناً وقدراً، لحكم عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وهذا باب عظيم ضلت فيه فرق كثيرة، وتباينت طرقها وأقوالها؛ لأنهم لم يفقهوا هذا الأصل العظيم وهو التفريق بين الإرادة الشرعية والكونية القدرية.

    1.   

    الأدلة على المحبة والرضا والفرق بينهما وبين المشيئة

    قال رحمه الله تعالى: [وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة، أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب فقد تقدم ذكر بعضها.

    وأما نصوص المحبة والرضا فقال تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205]، وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7]، وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38].

    وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

    وفي المسند: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته) ].

    في هذه الآيات والأحاديث تفريق بين المشيئة العامة وبين المحبة والرضا وما يتفرع عنها.

    فكون الله عز وجل لا يحب الفساد -كما في الآية الأولى- لا يعني ذلك أن الله لم يقدره ولم يشأه كوناً، فإن الله عز وجل قدر كل شيء كوناً وشاءه كوناً، لكنه لا يحب الفساد شرعاً، فقوله عز وجل: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205] بمعنى: لا يحبه شرعاً، أما كونه قدره فهذا أمر ضروري؛ لأنه لا يحصل شيء في الكون إلا بقدر الله عز وجل وبعلمه.

    وكذلك قوله تعالى: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7] بمعنى: لا يرضاه شرعاً ولا يحبه، لكن لا يعني ذلك أنه لم يقدره كوناً ولم يشأه ولم يعلمه، بل علمه وكتبه وقدره وشاءه سبحانه، والابتلاء لا يتحقق إلا بمثل هذه الأمور.

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله كره لكم ثلاثاً) بمعنى: كره ذلك شرعاً، لكنه علمه وقدره وشاءه، إنما قدره على العباد ابتلاءً، وكذلك محبة الله عز وجل للرخص، وكراهية المعاصي؛ فإن الله عز وجل يحب ذلك شرعاً، وقدره وشاءه، وكذلك يكره المعاصي شرعاً ولا يريدها من العباد، ونهاهم عنها، لكنه علمها وشاءها وقدرها كوناً.

    إذاً: الخلاصة أنه لا تلازم بين المشيئة والمحبة، ولا بين المشيئة والرضا، ولا بين المشيئة ومرادف هذه الكلمات من الأمور التي تدل على أن الله عز وجل قد يحب من عباده شيئاً ويرضاه لهم لكن لا يفعلونه، أو لا يفعله فريق منهم، وإن كان قدره وشاءه.

    أقول: لا تلازم بين المشيئة والتقدير العام وبين الرضا والمحبة.

    قال رحمه الله تعالى: [ وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم! إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك).

    فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، فالأول للصفة والثاني لأثرها المترتب عليها، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره؛ فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي هي بمشيئتك أيضاً، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، فعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك، ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك.

    فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته].

    1.   

    المعنى الجامع لوجه إرادة الفعل المحرم ومشيئته ووجه بغضه وعدم محبته

    قال رحمه الله تعالى: [فإن قيل: كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكونه؟ وكيف يجتمع إرادته له وبغضه وكراهته؟ قيل: هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقاً وتباينت طرقهم وأقوالهم، فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره ].

    المراد لنفسه كالشفاء من المرض على سبيل المثال، والمراد لغيره كالعلاج الذي هو وسيلة إلى الشفاء، فالشفاء من المرض مراد لنفسه.

    والدواء قد لا يكون مقصوداً لذاته، إنما المقصود به الوصول إلى غاية أخرى وهي الشفاء.

    قال رحمه الله تعالى: [ فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد.

    والمراد لغيره قد لا يكون مقصوداً للمريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده؛ فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث إفضائه وإيصاله إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما.

    وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه.

    بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفى عليه خافية؟!]

    1.   

    الحكمة من خلق إبليس

    قال رحمه الله تعالى: [فهو سبحانه يكره الشيء، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره وكونه سبباً إلى أمر هو أحب إليه من فوته، من ذلك: أنه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد وعملهم بما يغضب الرب تبارك وتعالى، وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها، منها: أنه تظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات، فخلق هذه الذات التي هي أخبث الذوات وشرها وهي سبب كل شر، في مقابلة ذات جبريل التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي مادة كل خير، فتبارك خالق هذا وهذا!

    كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار، والداء والدواء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر.

    وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات وقابل بعضها ببعض، وجعلها محال تصرفه وتدبيره، فخلو الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير مملكته.

    ومنها: ظهور آثار أسمائه القهرية، مثل: القهار، والمنتقم، والعدل، والضار، والشديد العقاب، والسريع الحساب، وذي البطش الشديد، والخافض، والمذل؛ فإن هذه الأسماء والأفعال كمال لا بد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء ].

    يعني بذلك أنه لا تتحقق هذه المعاني إلا بوجود ابتلاء الخلق بالخير والشر، فهذا لحكمة، والله عز وجل يفعل في خلقه ما يشاء، فهو فعال لما يريد، وما فعله الله عز وجل كله خير وحكمة.

    فخلق الله عز وجل الشر وخلق إبليس لحكم، منها: أنه لا تظهر آثار أسماء الله عز وجل القهرية إلا بمثل هذا الابتلاء، وبمثل هذه الفتنة التي فتن الله بها العباد، ولذلك جعل الله الشر والخير فتنة وابتلاء للخلق.

    قال رحمه الله تعالى: [ ومنها ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم).

    ومنها ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه ولا ينزله في غير منزلته التي يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها ويشكره على انتهائها إليه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك، فلو قدر عدم الأسباب المكروهة لتعطلت حكم كثيرة ولفاتت مصالح عديدة، ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي في تلك الأسباب، وهذا كالشمس والمطر والرياح التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر ].

    الخير المحض لا تحصل به حقيقة الابتلاء ولا التكليف ولا معنى الجزاء ولا معنى الوعد والوعيد ولا تظهر فيه للعباد معاني الحكمة ومعاني الرحمة ومعاني القوة والجبروت وغير ذلك، فكان من خلقه تعالى المتضادات، ومن ذلك الخير والشر، وفيما يترتب عليهما من الجزاء للعباد في الدنيا والآخرة ظهور معاني الحكمة وحقيقة الابتلاء ونحو ذلك مما هو معلوم لدى العقلاء.

    قال رحمه الله تعالى: [ ومنها: حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت، فإن عبودية الجهاد من أحب أنواع العبودية إليه سبحانه، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها من الموالاة لله سبحانه وتعالى، والمعاداة فيه، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الصبر ومخالفة الهوى، وإيثار محاب الله تعالى، وعبودية التوبة والاستغفار، وعبودية الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه ويعصمه من كيده وأذاه، إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها].

    فإن قيل: فهل كان يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟ فهذا سؤال فاسد، وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب، والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.

    1.   

    مواد الفساد شر من حيث ما تفضي إليه لا من حيث وجودها

    قال رحمه الله تعالى: [فإن قيل: فإذا كانت هذه الأسباب مرادة لما تفضي إليه من الحكم، فهل تكون مرضية محبوبة من هذا الوجه، أم هي مسخوطة من جميع الوجوه؟

    قيل: هذا السؤال يرد على وجهين:

    أحدهما: من جهة الرب تعالى، وهل يكون محبا لها من جهة إفضائها إلى محبوبه، وإن كان يبغضها لذاتها؟

    والثاني: من جهة العبد، وهو أنه هل يسوغ له الرضى بها من تلك الجهة أيضاً؟ فهذا سؤال له شأن.

    فاعلم أن الشر كله يرجع إلى العدم، أعني عدم الخير وأسبابه المفضية إليه، وهو من هذه الجهة شر، وأما من جهة وجوده المحض فلا شر فيه، مثاله: أن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة، وإنما حصل لها الشر بقطع مادة الخير عنها، فإنها خلقت في الأصل متحركة، فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت به، وإن تركت تحركت بطبعها إلى خلافه.

    وحركتها -من حيث هي حركة- خير، وإنما تكون شراً بالإضافة، لا من حيث هي حركة، والشر كله ظلم، وهو وضع الشيء في غير محله، فلو وضع في موضعه لم يكن شراً، فعلم أن جهة الشر فيه نسبية إضافية].

    يعني: أن الشر شر بآثاره، وبنتائجه والعقوبة عليه، فهو من حيث كون الله عز وجل قدره ليس شراً محضاً، لكن لما انبنى الشر على فعل المكلفين فصار ناتجاً عن تصرفاتهم، أو كان ناتجاً عن أسباب بذلوها فوقع الشر منهم أو عليهم أو على غيرهم؛ صار شر بهذا المعنى.

    أما مجرد خلقه وكونه وجد فليس شراً محضاً، فإبليس -مثلاً- ليس هو شراً لذاته، وإنما هو شر حينما عصى الله عز وجل، أما خلقه ووجوده وذاته فهو خلق من خلق الله ما جاء إلا لحكمة، لكنه لما عصى الله عز وجل وقع الشر من فعله، فصار خبيثاً بذاته وبأفعاله.

    وكذا الكافر، فالكافر لذاته خلق من خلق الله، فليس وجود الكافر شراً محضاً بذاته، إنما صار شراً بما عمله حينما كلف وأمر فلم يأتمر ولم يعمل بمقتضى التكليف، فصار الشر مضافاً إليه بأذاه، وصار بذاته وبأفعاله وتصرفاته شراً بعد أن نتج عنه الشر، ولذا فالإنسان غير المكلف -حتى أبناء الكفار الذين يعيشون بين ظهرانيهم- ليس هو شراً لذاته، وليس شره كشر الكافر المكلف، فالمجنون وغير المميز لا يكون شره إلا عندما يكلف، فعندما يكلف يكون منه الشر ويحاسب على ذلك.

    قال رحمه الله تعالى: [ ولهذا كانت العقوبات الموضوعة في محالها خيراً في نفسها، وإن كانت شراً بالنسبة إلى المحل الذي حلت به؛ لما أحدثت فيه من الألم الذي كانت الطبيعة قابلة لضده من اللذة مستعدة له، فصار ذلك الألم شراً بالنسبة إليها، وهو خير بالنسبة إلى الفاعل حيث وضعه في موضعه ].

    هذا مثل الحدود، فالحدود إقامتها خير، والذي يقيم الحدود يفعل خيراً، لكنها بالنسبة لمن حدثت له قد تكون شراً، بمعنى أنها أذى، فالذي تقطع يده يحدث له شيء من الأذى، والأذى شر، لكن قد تكون العاقبة خيراً له من حيث إنه بذلك تكفر عنه ذنوبه، والفعل الذي فعله الذي أقام الحد هو خير.

    إذاً: فالشر والخير نسبيان.

    قال رحمه الله تعالى: [فإنه سبحانه لم يخلق شرا محضاً من جميع الوجوه والاعتبارات، فإن حكمته تأبى ذلك، فلا يمكن في جناب الحق تعالى أن يريد شيئا يكون فساداً من كل وجه، لا مصلحة في خلقه بوجه ما، هذا من أبين المحال، فإنه سبحانه الخير كله بيديه، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير ].

    يعني: لا ينسب الشر إلى الله مباشرة، ولا يضاف إليه الشر، بل يقال: إن الله خلق هذه الأمور وقدرها، لكن لا ينسب إليه من باب الإضافة.

    قال رحمه الله تعالى: [ والشر إنما حصل لعدم هذه الإضافة والنسبة إليه، فلو كان إليه لم يكن شراً، فتأمله، فانقطاع نسبته إليه هو الذي صيره شراً، فإن قيل: لم تنقطع نسبته إليه خلقا ومشيئة؟ قيل: هو من هذه الجهة ليس بشر، فإن وجوده هو المنسوب إليه، وهو من هذه الجهة ليس بشر، والشر الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه، والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير ].

    1.   

    الأسئلة

    الجمع بين ثبوت مشيئة العبد واختياره وبين ما ورد في تقليب الرحمن قلوب عباده

    السؤال: هل يتنافى ما ذكرت من أمر القدر وأن العبد له مشيئة واختيار مع حديث: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) ؟

    الجواب: ليس هناك تناف، فالله عز وجل يفعل في خلقه ما يشاء، وتقليب قلوب العباد قد يكون من باب الجزاء على عمل، فقد يجعل الله ذلك من باب الجزاء على العمل، ومع ذلك فالله يفعل في عباده ما يشاء، لكن هذا لا يتنافى مع أن الله جعل كل مكلف ميسراً لما خلق له، فمن عمل صالحاً فسيجرى به، ومن عمل غير صالح فسيجزى به، فكون القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء لا يتعارض مع كون العباد أمروا بأن يفعلوا الإسلام، فقد يكون تقليب قلوب العباد إلى الخير والشر مبنياً على ما قدره الله وما يسره للعبد من ذلك، فلا تنافي.

    ولذلك ينبغي للعبد دائماً أن يدعو الله عز وجل بأن يهديه وأن يثبته على الحق والاستقامة ويميته على الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يقول: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)، وهذا فيه أشار أن الأمور كلها راجعة إلى الله عز وجل، وأنه يفعل بعباده ما يشاء، وأنه لا أحد يتألى على الله عز وجل في ملكه.

    المهم أنه لا تعارض بين هذا وذاك، إنما هذا فيه أمر للعباد بأن يلجئوا إلى الله عز وجل، ويدعوه، ويسألوه بالتثبيت والعصمة من الزلل.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754722965