إسلام ويب

شرح القواعد المثلى [4]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته من المحرمات، وهو الميل بها عما يجب فيها والعدول عن الحق فيها إلى قول الباطل، ومن ذلك إنكار شيء من أسماء الله تعالى أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، فينبغي للمؤمن الحذر من ذلك، والتحذير من أهل البدع الذي يلحدون في أسماء الله تعالى.

    1.   

    الإلحاد في أسماء الله تعالى

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    وقفنا في الدرس الماضي عند القاعدة السابعة من قواعد الأسماء الحسنى، وهي آخر قاعدة في باب الأسماء الحسنى: وهي عن موضوع الإلحاد في أسماء الله الحسنى.

    والإلحاد في اللغة: هو الميل، وأما الإلحاد في الأسماء الحسنى فهو الميل بها عما يجب فيها، أو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها.

    فالإلحاد في أسماء الله تعالى هو العدول بها عما يجب لله سبحانه وتعالى فيها من الحق الثابت الذي يجب التزامه.

    والإلحاد المراد به في هذه الفقرة أو في هذه القاعدة ليس المقصود به إنكار وجود الله، وإنما المقصود به الابتداع والانحراف في أسماء الله سبحانه وتعالى بكل الأنواع، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى.

    وهذه القاعدة التي ذكرها الشيخ مصدرها (بدائع الفوائد) لـابن القيم أيضاً، وكتاب (بدائع الفوائد) لـابن القيم ذكر فيه أكثر من عشرين قاعدة تقريباً في باب أسماء الله الحسنى، ومنها استفاد الشيخ ابن عثيمين في هذا الكتاب.

    والذين ذكروا أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى، بعضهم ذكر نوعين، مثل ابن العربي في (أحكام القرآن)، وبعضهم ذكر خمسة أنواع مثل ابن القيم في (بدائع الفوائد)، والشيخ هنا ذكر أربعة أنواع، فبعضهم يبسطها ويفصلها وبعضهم يجملها، ومن هنا اختلف عدد أنواع الإلحاد في باب أسماء الله الحسنى.

    حرمة الإلحاد في أسماء الله الحسنى

    إن الإلحاد في أسماء الله الحسنى محرم ومذموم، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، وموطن الشاهد هو قوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وقد جاء في قوله: يلحدون في أسمائه قراءتان:

    القراءة الأولى -وهي القراءة المشهورة- قراءة عامة القراء: وهي بلفظ: يُلْحِدون بضم الياء، وسكون اللام وكسر الحاء.

    وقرأ حمزة وغيره -وهي متواترة ومشهورة وثابتة-: (يَلْحَدُون) بفتح الياء، وسكون اللام، وفتح الحاء.

    وكما سبق أن بينا أن الإلحاد هو الميل والعدول، واختلاف القراءة هنا في قوله: (يُلحدون) أو (يَلحدون) لا يؤثر في المعنى، لكن (يُلحدون) مشتق من ألحد، و(يَلحدون)، مشتق من لَحْد، وكلاهما بمعنى واحد.

    فقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، يدل على حرمة الإلحاد في أسماء الله تعالى، وقد سبق أن بينا أنه ليس المقصود بالإلحاد، إنكار وجود الله، وإنما المقصود هو الميل في باب أسماء الله والعدول عن الحق فيها إلى قول الباطل.

    1.   

    أنواع الإلحاد في أسماء الله الحسنى

    النوع الأول: إنكار شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأول: أن ينكر شيئاً منها]، يعني: أن ينكر شيئاً من أسماء الله سبحانه وتعالى، [أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم] وهذا نوع من الإلحاد.

    ثم بين الشيخ وجه كون ذلك من الإلحاد، فقال: وإنما كان ذلك إلحاداً لوجوب الإيمان بها، وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها]، يعني: عدول عن الحق إلى القول الباطل.

    والأنواع التي سنذكرها في الإلحاد بأسمائه تعالى مأخوذة من أقوال المفسرين، فالمفسرين لهم أقوال مختلفة في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى.

    وهذا الاختلاف الموجود في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى في الآية هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، ومن هنا فكل الأنواع التي ذكرها المفسرون تعتبر نوعاً من أنواع الإلحاد، وهذه طريقة من طرق التفسير التي كانت عند السلف رضوان الله عليهم، وهي أنهم قد يفسرون المعنى العام بفرد من أفراده، أو بمثال من الأمثلة فيه ونحو ذلك، وهي طريقة مشهورة عندهم، والذي يقرأ مثلاً القرآن يجد أن كثيراً من الألفاظ العامة يفسرها السلف بنوع من الأنواع، ولا يقصدون بذلك الحصر، وإنما يقصدون أن هذا النوع هو أعلى من حيث كذا، أو أنه مجرد نوع من الأنواع.

    وإنكار شيء من أسماء الله سبحانه وتعالى أو ما دلت عليه من الصفات هي طريقة المعطلة، والمعطلة هم النفاة، كما سبق أن بينا، وهم أربعة طوائف:

    الطائفة الأولى: الجهمية.

    الطائفة الثانية: المعتزلة.

    الطائفة الثالثة: الأشاعرة.

    الطائفة الرابعة: الماتريدية.

    وقد سبق أن ذكرنا شيئاً عن هذه الطوائف، لكن يمكن أن نذكر باختصار عقائد هذه الطوائف في باب أسماء الله وصفاته.

    فأما الجهمية: فهم أتباع الجهم بن صفوان -وقد انقرضوا- وهم ينكرون أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته بشكل عام، ولهذا كفرهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، يقول عبد الله بن المبارك : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية.

    وفي لفظ له آخر: الجهمية ليسوا من الفرق الواردة في الحديث، يعني: حديث الافتراق عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، هذه الفرق الواردة في الحديث هم مبتدعة؛ لكنهم مسلمون؛ لأنه قال: (ستفترق هذه الأمة) وجعلهم في مقابلة اليهود والنصارى، والمقصود بالافتراق افتراق عدد من أهل البدع عن جادة السنة، مع أنهم مسلمون، فإخراج ابن المبارك رحمه الله للجهمية من فرق المسلمين يدل على أنه يرى أنهم كفار.

    وأما المعتزلة فإنهم كما سبق أن بينا يثبتون أسماء الله سبحانه وتعالى، ولكنهم يزعمون أنها أعلام محضة لا تتضمن شيئاً من الصفات، فهم ينكرون كل الصفات الثبوتية.

    وأما الأشاعرة والماتريدية فإنهم يثتبون الأسماء، ويثبتون بعض الصفات، وينفون بعضها، يثبتون سبعاً من الصفات وينفون بقية الصفات، يثبتون الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وينفون سائر صفات الله سبحانه وتعالى التي سيأتي ذكر أنواعها مفصلة بإذن الله تعالى.

    إذاً: إنكار أسماء الله الحسنى، أو إنكار ما تضمنته من الصفات، نوع من أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى، وهو داخل في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، ويدل على هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال رضي الله عنهما في هذه الآية: الإلحاد التكذيب.

    وقال قتادة : يلحدون في أسمائه يكذبون فيها، فهذا نوع من أنواع الإلحاد، وهو داخل في عموم الآية كما سبق.

    النوع الثاني: جعل أسماء الله دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين، كما فعل أهل التشبيه والتمثيل] يعني: سبب قولهم كونهم يدخلون في الإلحاد في أسمائه.

    قال: [وذلك لأن التشبيه معنىً باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها]. يعني: المشبهة عندما يقرءون مثلاً: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، يقولون: نثبت اسم (الرحمن) ثم ما يتضمنه (الرحمن) من صفة وهي الرحمة، يجعلونها مشابهة لرحمة المخلوق، فيجعلون الله عز وجل مشابهاً للمخلوق فيما تضمنته أسماء الله سبحانه وتعالى، وكذلك العزة، وكذلك العلم، وكذلك القدرة، وكذلك غيرها من صفات الله سبحانه وتعالى يجعلونها مشابهة للمخلوق.

    وهؤلاء المشبهة هم طائفة ظهرت أولاً في صفوف الشيعة، فإن بداية أمر الشيعة كانوا مشبهة، ثم بعد ذلك صاروا إلى التعطيل وأخذوا عقائد المعتزلة، والمشبهة الذين شبهوا صفات الله سبحانه وتعالى بصفات خلقه يدخلون في هذا الإلحاد، وسبب ذلك أن النصوص الشرعية التي جاءت بأسماء الله سبحانه وتعالى وما دلت عليه من المعاني، قد عدلوا فيها ومالوا بها عن وجهها الصحيح، فحرفوا معناها، وجعلوا معاني أسماء الله تعالى الثابتة في النصوص تشابه صفات المخلوقين، وهذا معنىً باطل لم يرد في المعاني الشرعية، ولا تتضمنه النصوص الشرعية.

    ويدل على دخول هذا النوع من أنواع الإلحاد في الآية قول قتادة : يُلحدون: يشركون. يعني: يجعلون مع الله عز وجل شريكاً في أسمائه وما دلت عليه من الصفات، وهذا الشريك هو المخلوق.

    وقال عطاء : الإلحاد: المضاهاة، يعني: المشابهة.

    ويدل على اختصاص الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أدلة كثيرة سبق أن ذكرناها، منها قوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] فتقديم الجار والمجرور في قوله: ولله على قول: الأسماء الحسنى يفيد الحصر، ويفيد القصر والاختصاص، وحينئذٍ تكون الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى وحده ليست لغيره، فإذا جُعل مع الله شريك في هذه الأسماء الحسنى أو فيما تضمنته من الصفات، فهذا نوع من أنواع الميل والإلحاد والعدول عن المعاني الشرعية التي أمرنا بالتزامها.

    النوع الثالث: أن يسمى الله سبحانه وتعالى بما لم يسمّ به نفسه

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى لله عز وجل: (الأب) وتسمية الفلاسفة لله عز وجل: (بالعلة الفاعلة)].

    وقد سبق أن قلنا: إن معتزلة البصرة يرون أنه يجوز أن يسمى الله سبحانه وتعالى بما لم يسمِّ به نفسه، وقد نص على ذلك القاضي عبد الجبار ، وقد جاء أبو علي الجبائي بكثير من الأسماء التي لم ترد في القرآن ولا في السنة؛ بسبب أنه يرى أنه يجوز أن يطلق على الله عز وجل ما لم يسمّ به نفسه، وهذا نوع من الإلحاد والميل بالنصوص عن وجهها الصحيح.

    ويدل على دخول هذا النوع في الآية تفسير الأعمش رحمه الله تعالى، حيث قال في قراءة حمزة السابقة (يَلحدون): يُدخلون فيها ما ليس منها، يعني: يدخلون في أسماء الله تعالى ما ليس منها، فيسمون الله عز وجل بأسماء وهي ليست من أسمائه، مثل أهل الكلام عندما سموا الله عز وجل: (القديم)، ولم يرد هذا الاسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، وإن كان معناه قد يكون صحيحاً لو أخبر به، لكن كونه اسماً لله عز وجل لم يرد في ذلك نص في الكتاب ولا في السنة.

    النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله أسماء للأصنام

    مثال ذلك: ما فعله المشركون، فإنهم سموا العزى أخذاً من اسم الله (العزيز)، وسموا اللات أخذاً من (الإله) أو من (الله) على أحد القولين، ويدل على هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد رحمه الله تعالى لقوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، فإن ابن عباس رضي الله عنه قال: (اشتقوا -يعني: المشركين- العزى من (العزيز) واشتقوا (اللات) من الله)، وثبت مثله عن مجاهد رحمه الله تعالى.

    وهذا يدل على أنه إذا سمي المخلوق باسم من أسماء الله، أو أخذ معناه الخاص لمخلوق فهذا إلحاد في أسماء الله تعالى.

    ويمكن أن نذكر مثالاً آخر: هذا أحد الإسماعيلية يسمى سلمان المرشد ظهر في سوريا أثناء الاستعمار الفرنسي لسوريا، يقول مصطفى الشكعة في كتابه: (إسلام بلا مذاهب): كان سلمان المرشد يسمي نفسه (الرب)، وادعى هذا الرجل الألوهية، ونصب نفسه إلهاً يعبد من دون الله، وكان له أتباع يعبدونه من دون الله، وقد سبق أن ذكرنا في دروس التوحيد أن هذا الرجل كان يلبس كعباً طويلاً، ويلبس لباساً ساتراً لهذا الكعب، ويجعل له مثل البطارية ويسلك لباسه من البطارية بحيث إنها تكون في رجليه وفي قدميه وفي بطنه ويكون لها أشعة قوية، فإذا جاء الرجل الذي من أتباعه وأدخلوه عليه شغل هذه البطارية بحيث تتحرك وتصدر أصواتاً وأنواراً فيسجد له، ويظن أنه إله! وقد ذكر عنه هذا كثيراً، والعجيب أن الذي كان يصلح له هذه البطارية المندوب الفرنسي في سوريا في تلك الفترة، وكان إذا أدخل عليه أحد أتباعه سجد معه، وقال: سبحانك يا إلهي! يعني: كان يضحك على أناس ويدجل عليهم والعياذ بالله.

    قال: [فسموا بها أصنامهم؛ وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به؛ لقوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، ويقول الله عز وجل: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8]، ويقول: لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الحشر:24]، فكما أن الله عز وجل اختص بالعبادة والتأله له وحده سبحانه وتعالى، وكذلك سائر أسمائه وسائر صفاته هي خاصة به سبحانه لا يشركه فيها أحد.

    وهذه أنواع من حيث الحكم، وبعضها توصل إلى درجة الشرك، وبعضها تكون مجرد بدعة، وهي أنواع مختلفة ليست نوعاً واحد.

    بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن قواعد الأسماء الحسنى السبع، ونشرع إن شاء الله في قواعد صفات الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    قواعد في صفات الله عز وجل

    باب الصفات من أعظم الأبواب الشرعية والعقدية التي بينها الله سبحانه وتعالى بياناً كافياً وشافياً في القرآن، وكذلك بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وعقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم في هذا الباب العظيم مبنية على قاعدتين:

    القاعدة الأولى: إثبات الصفات لله تعالى.

    والقاعدة الثانية: نفي مماثلة المخلوقات ومشابهتها.

    وهاتان القاعدتان مأخوذتان من قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ يدل على قاعدة التنزيه، ونفي مشابهة المخلوقين ومماثلتهم، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] يدل على إثبات هذه الصفات، وبهاتين القاعدتين يتميز منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم عن غيرهم من الطوائف الضالة في هذا الباب، السلف الصالح يثبتون الصفات، وفي نفس الوقت ينفون مشابهة المخلوقات، لكن أهل التعطيل لا يثبتون الصفات، بل يخالفون السلف في إثبات الصفات وغلبوا جانب النفي، وأهل التشبيه والتمثيل غلبوا جانب الإثبات، وشبهوا الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، وأما أهل السنة والجماعة فهم وسط: يثبتون الصفات، وينفون مشابهة المخلوقات، وهم أهل الحق والاستقامة والعدل في هذا الباب.

    نافي الصفات يعبد عدماً، والمشبه لله تعالى بالمخلوقات يعبد صنماً، كما قال بعض السلف رضوان الله عليهم، وهذه قضية ينبغي أن تتضح، وهي واضحة تماماً على المنهج السلفي، وهذه القواعد تخدم هذه القضية مفصلة بإذنه تعالى.

    بعض القواعد تكون في باب الإثبات، وبعض القواعد تكون في باب النفي، يعني: السلف الصالح رضوان الله عليهم لهم قواعد مفصلة في باب الإثبات، ولهم قواعد مفصلة في باب النفي، فمثلاً في باب النفي لا يمكن أن ينفى عن الله سبحانه وتعالى بطريقة مفصلة، يعني: لا يقال: ليس بطويل ولا بقصير ولا بكذا ولا بكذا، كما هي طريقة المبتدعة الضلال، وإنما يكتفي بالنفي المجمل، وهذه هي طريقة النصوص، يقال: الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات.

    وما ورد من النصوص الشرعية فيه نفي مفصل مثل نفي النوم عن الله سبحانه وتعالى، فإنه ليس نفياً محضاً، وإنما يتضمن كمال ضده، وهذا النفي هو النفي الإيجابي، والذي يكون له ثمرة، وهي الإثبات، فإن الله عز وجل لما قال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، قوله: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، لا يؤخذ منها: نفي السنة وهو النعاس، والنوم عن الله عز وجل فقط، وإنما يدل أيضاً على كمال حياته، وهذا جانب إثبات، وعلى كمال قيوميته، وأنه قائم بأمور العباد تدبيراً وعملاً سبحانه وتعالى، وستأتي قواعد مفصلة في البابين.

    القاعدة الأولى: وهي قاعدة الكمال لله سبحانه وتعالى.

    وهذه القاعدة فصلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مكانين من كتابه العظيم (الفتاوى)، وفي أماكن متفرقة من كتبه، فصلها في المجلد السادس من الفتاوى في رسالة خاصة اسمها: (الرسالة الأكملية) فقد بين فيها إثبات ما يستحقه الله سبحانه وتعالى من الكمال، ونفي النقص عنه سبحانه وتعالى بكل وجه من الوجوه.

    الموضع الثاني: في المجلد السادس عشر في تفسير سورة العلق، حيث ذكر الطرق التي تدل على إثبات الكمال لله تعالى وسيأتي تفصيلها بإذن الله تعالى.

    صفات الله صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الأولى: صفات الله تعالى كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وهذا أمر متفق عليه بين طوائف المسلمين جميعاً، فلا يوجد أحد يقول: إن صفات الله عز وجل صفات نقص، لكن اختلف أهل الإسلام في تحقيق الكمال، يعني: من كون هذه صفة كمال أو صفة نقص، وكان أسعد الناس بالحق هم أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم، الذين جمعوا بين إثبات الصفات، وبين نفي مشابهة المخلوقات.

    وقد أثبت الله سبحانه وتعالى لنفسه الكمال المطلق من كل وجه من الوجوه، وقد استخدم القرآن الكريم إثبات الكمال المطلق لله تعالى بطرق:

    الطريقة الأولى: هي الاستدلال على كماله سبحانه وتعالى بمخلوقاته؛ فإن الإنسان حين يرى المخلوقات وما فيها من الدقة البالغة، وما فيها من الآثار العجيبة يستنبط منها كثيراً من أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، فمثلاً: نصرة الله سبحانه وتعالى للمؤمنين وإعانته لهم، وتمكينه لهم، يؤخذ منها: صفة المحبة لله سبحانه وتعالى.

    وتضييقه على الكافرين، وإهلاكه لهم، وتدميره لهم كسائر الأمم وإضعافه من شأنهم يؤخذ منها: صفة الغضب لله سبحانه وتعالى.

    والدقة الموجودة في هذا الكون تدل على صفة العلم والإرادة والحياة لله سبحانه وتعالى، ويمكن أن نضرب على هذا مثالاً، وهو قول الله عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، هذه الآية تدل على الكمال المطلق لله عز وجل في صفة العلم، يعني: ألا يعلم أن الذي يخلق؟ يعني: كيف لا يعلم وهو الذي يخلق؟ فإن الذي يخلق لابد أن يكون عالماً؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يخلق وهو جاهل لا يدري ما يخلق، وليس عنده علم مفصل بما يخلق، بل لابد أن يكون عنده علم مفصل بما يخلقه .. بكل دقيقة وكبيرة وصغيرة فيه، فإذا كانت هذه المخلوقات كلها غير الله عز وجل هي مخلوقة له سبحانه وتعالى، فهذا يدل على كمال علمه، فإثبات الكمال يمكن أن يؤخذ من مخلوقات الله عز وجل.

    طريقة أخرى: هي أن الله سبحانه وتعالى قد جعل بعض خلقه متصفاً بالكمال، فجعل الإنسان لديه مثلاً علم وبصيرة ولديه حكمة، ولديه فهم، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل المخلوق متصفاً بشيء من صفات الكمال، فإن الله عز وجل أولى أن يتصف بها، وهذا أمر متفق عليه بين العقلاء.

    فإذا كان المخلوق متصفاً بصفات الكمال في بعض الأحيان، ومن بعض الوجوه فقط؛ فالله عز وجل أولى بها، فلا يصح مثلاً أن ننفي صفة العلم عن الله كما يفعل الجهمية، وإنما نقول: إن العلم صفة كمال، فما دام أنها صفة كمال وقد اتصف بها المخلوق فالخالق أولى بها، وهذا يدل على فساد عقول الجهمية، وأنهم ليسو على منهج مستقيم وطريقة مستقيمة، وإنما هم على طريق ضالة منحرفة من جهة النصوص الشرعية، ومن جهة العقل أيضاً.

    وهناك استدلال ثالث على استحقاق الله عز وجل لصفات الكمال: حيث إن الله عز وجل هو واهب الكمال وهو معطيه، فالله عز وجل يعطي كثيراً من صفات الكمال للمخلوقات، فيقال: إن واهب الكمال أحق به وأولى، فلا يمكن أن يهب الكمال لغيره وهو ناقص بأي وجه من الوجوه، ويمكن أن نثبت هذا بقول الله سبحانه وتعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15].

    إذاً: هم عندهم قوة، فقالوا: من أشد منا قوة الجواب: الذي وهب لكم هذه القوة هو أشد منكم قوة؛ لأنكم كنتم ولا قوة لكم، فأعطاكم هذه القوة، فلا يمكن أبداً أن تكونوا أقوى منه وهو الذي أعطاكم هذه القوة، وهذا دليل عقلي شرعي من أوضح الأدلة.

    ويقول الله عز وجل: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:27] يعني: له الوصف الأعلى والأكمل من كل وجه من الوجوه.

    وكذلك مما يدل على إثبات الكمال لله سبحانه وتعالى أن الله عز وجل عندما ذكر آلهة المشركين بين أن عبادتها باطلة، حيث إنها اتصفت بصفات النقص، والإله لا يمكن أن يكون ناقصاً، ومثال ذلك: يقول الله عز وجل في قصة محاجة إبراهيم عليه السلام لأبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]، فقوله: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع هذا نقص، ولا يبصر هذا نقص، ولا يغني عنك شيئاً هذا نقص ثالث، والله عز وجل قد بين أن الآلهة المعبودة من دونه باطلة؛ لأنها ناقصة، فهذا يدل على أنه هو الإله الحق، وأنه لا بد أن يكون كاملاً، ولهذا استدل عليهم أئمة السنة بمثل هذه الأدلة على إثبات الصفات، فمثلاً: يثبتون صفة السمع بقوله: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ فالإله لابد أن يكون سميعاً، ويثبتون صفة البصر بقوله: ولا يبصر ، ويثبتون صفة الملك والأفعال لله عز وجل بقوله: وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ، يعني: أن الله هو الذي يفعل ذلك سبحانه وتعالى.

    ويقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا [النحل:20]، هذا نقص فيه، فقوله: لا يخلقون شيئاً يدل على إثبات صفة الخلق لله عز وجل؛ لأن الإله الحق لابد أن يكون خالقاً، وآيات كثيرة يثبت الله عز وجل لنفسه فيها صفات الكمال بنفي ما يناقضها عنه.

    والله تعالى وصف الآلهة المعبودة من دونه بأنها ناقصة لعدة أسباب: أنها لا تسمع، لا تبصر، ليست لها حياة، ولا علم لها، كما أخبر الله عز وجل عن عجل بني إسرائيل الذي عبدوه، فقال: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا [طه:89] يعني: لا يتكلم، ومن هذا أخذ الأئمة أن الله عز وجل يتكلم؛ لأنه عاب عجل بني إسرائيل بأنه لا يتكلم.

    هذه الطرق مأخوذة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسيره لسورة العلق.

    دلالة السمع والعقل والفطرة على إثبات صفات الكمال لله عز وجل

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد دل على هذا السمع والعقل والفطرة] يعني: هذه الأمور دلت على إثبات صفات الكمال لله عز وجل، وأنها لا تتضمن النقص بأي وجه من الوجوه.

    وكذلك نحن نقول: إن النصوص الشرعية تتضمن أدلة عقلية؛ لأن بعض الأشخاص يقول: لابد أن نستدل بالأدلة العقلية ونترك الأدلة الشرعية، فإذا سألناه لماذا؟ قال: لأننا إذا جئنا إلى الملاحدة والمشركين وقلنا لهم: قال الله تعالى، قال الله تعالى، قالوا: نحن لا نعترف لكم بالقرآن أصلاً؛ فكيف يكون دليلاً عليهم؟

    نقول: لا حاجة لك إلى أن تخترع أدلة عقلية، بل ارجع إلى القرآن وإلى السنة وستجدها مليئة بالأدلة العقلية. مثل الدليل الذي سبق معنا وهو محاجة إبراهيم لأبيه، فإبراهيم أراد أن يبطل عبادة أبيه لهذا الصنم الذي كان يعبده من دون الله عز وجل، وأراد أن يبين أن الصنم لا يستحق العبادة، فقال: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ [مريم:42] يعني: أنت أفضل من هذا الصنم؛ لأنك تسمع، وَلا يُبْصِرُ [مريم:42] وأنت تبصر، وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42] والإله لابد أن يكون نافعاً لمن يعبده.

    وحينئذٍ نقول: إن الأدلة القرآنية والنبوية مليئة بالأدلة العقلية، ولا حاجة للإنسان أن يستجدي ويطلب الأدلة العقلية من غيرهما.

    فالقرآن كما وصفه الله عز وجل: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وهو هدى، ونور، وهو مشتمل على كل الخير، ومنها الأدلة العقلية على إثبات العقائد، وعلى إثبات وجود الله، وعلى إثبات أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وعلى إثبات نبوة الأنبياء، وعلى إثبات البعث والجزاء، وعلى إثبات إفراد الله عز وجل بالعبادة وهكذا.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أما السمع فمنه قوله تعالى: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60]، والمثل الأعلى: هو الوصف الأعلى.

    وأما بالعقل فوجهه: أن كل موجود حقيقة بد أن يكون له صفة].

    يعني: أي موجود سواء خالق أو مخلوق لابد أن يكون له صفة، هذه الصفة إما أن تكون صفة كمال أو صفة نقص، ولا يمكن أن يكون الإله فيه صفة نقص، لأنه إذا كان فيه صفة نقص لا يستحق أن يكون إلهاً، وحينئذٍ فلما كان الله عز وجل إلهاً حقاً دلّ هذا على أن جميع صفاته صفات كمال؛ لأنه إله حق.

    وهناك جملة من الأدلة العقلية يمكن مراجعتها في كتاب مجموع الرسائل والمسائل (5/ 41-50).

    قال: [ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال].

    وقد سبق أن بينا أن هذا دليل عقلي شرعي، عقلي من ناحية أنه استدل عليه بالعقل، وشرعي من ناحية أن الشرع استخدم هذا الدليل وهو أن للمخلوق صفات كمال.

    قال: [وهي من الله تعالى فمعطي الكمال أولى به] كما سبق أن بينا في هذا المثال الذي في قصة عاد عندما قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15]، يعني: هو أشد منهم قوة سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله: [وأما الفطرة] الفطرة: هي غريزة في الإنسان من محبة الله عز وجل وتعظيمه.

    قال: [فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهتيه].

    يعني: لا يصح أن يكون الإله مشتملاً على صفات النقص، وحينئذٍ فالإله اشتمل على صفات الكمال سبحانه وتعالى.

    امتناع وصف الله تعالى بصفات النقص التي لا كمال فيها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله] يعني: يجب نفيها عن الله سبحانه وتعالى، مثل: الجهل والعجز والموت والصمم والعي ونحو ذلك، كل هذه صفات نقص يجب نفيها عن الله، وقد ودلت الأدلة الشرعية على ذلك، كقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]، وكقوله تعالى: فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52]، وكقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ [فاطر:44] وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال : (إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)، وكقوله تعالى: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ:3]، وكقوله تعالى في آية الكرسي: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] فكل ما فيه صفات نقص لا مدح فيها ولا كمال فيجب أن تنفى عن الله، وإنما نثبت لله عز وجل صفات الكمال فقط.

    ولهذا لما وصفه اليهود بصفات النقص عاقبهم الله عز وجل، فعندما قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، قال: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، ولما وصفوه بالفقر وقالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] قال: سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181].

    فعاقبهم الله عز وجل بأن جعل مصيرهم العذاب المحرق، والله عز وجل قد نزه نفسه عن النقائص والعيوب جميعاً، وهناك أدلة كثيرة مثل: قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وقول الله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، ومثل: قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    هذه السورة من أعظم السور المشتملة على التنزيه لله سبحانه وتعالى، وعندما يذكر الإنسان ربه سبحانه وتعالى بقوله: (سبحان الله)؛ فإن هذه الكلمة تشتمل على معنى التنزيه ونفي النقائص والعيوب عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في البخاري : (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، وكلها تدل على التنزيه ونفي النقائص عن الله عز وجل، كما يدل عليه قول الله عز وجل: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

    أما إذا كانت الصفة مشتملة على النقص في حال وعلى الكمال في حال آخر، مثل: المخادعة والمكر، فالمخادعة في بعض الأحيان تكون نقصاً، وفي بعض الأحيان تكون كمالاً.

    فلا نطلقها على الله عز وجل بإطلاق، ولا ننفيها عنه بإطلاق، وإنما نثبتها في المواطن التي أثبتها الله لنفسه كما قال الله عز وجل: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، ونحو ذلك مثل: الكيد، قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16]، ومثل: المكر، قال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].

    فلا يصح أن نثبت صفة المكر لله مطلقاً، فالإطلاق في الإثبات والإطلاق في النفي خطأ، وإنما نثبت المكر لله عز وجل بالمشركين الذين يمكرون، ونثبت الخداع لله عز وجل بالمشركين الذين يخادعونه.. وهكذا.

    أما إذا كانت الصفة لا تشتمل على كمال بأي وجه من الوجوه، فإنه لا يصح إثباتها لله عز وجل، مثل: الخيانة، فليس فيها كمال بأي وجه من الوجوه، حتى لو خانه غيره، كما قال الله عز وجل: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71] قال: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة ليس فيها مدح بأي وجه من الوجوه.

    ضابط الصفة المتضمنة للكمال المطلق لله تعالى

    عندنا مسألتان في القاعدة الأولى:

    المسألة الأولى: ضابط الصفة التي هي كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

    فالضابط فيها يمكن أن يذكر في فقرتين:

    الفقرة الأولى: أن تكون هذه الصفة كمالاً في ذاتها، بقطع النظر عما نسبت إليه، فإذا كانت هي في ذاتها صفة كمال لا نقص فيها، فهذه تثبت لله سبحانه وتعالى.

    مثال ذلك: (الحياة) فالحياة في ذاتها صفة كمال؛ لأنه ضد الموت، والموت صفة نقص بإجماع العقلاء، وحينئذٍ الحياة صفة كمال سواء نسبت إلى الخالق أو نسبت إلى المخلوق، فنثبتها لله عز وجل.

    كذلك العلم، والسمع، والبصر.. ونحو ذلك، هذه كلها صفات ثابتة لله سبحانه وتعالى وهي صفات كمال في ذاتها، سواء نسبت إلى المخلوق أو نسبت إلى الخالق.

    الفقرة الثانية: أن تكون الصفة سالمة من استلزامها لما ينافي صفات الكمال.

    فبعض الأحيان قد تكون صفة من الصفات كمالاً لكنها بالنسبة للمخلوق نقص، ومثال ذلك:

    صفة الذرية: فالذي له أولاد تعتبر هذه الصفة كمال بالنسبة له؛ ولهذا يعيبون الذي لا أولاد له، لكن هذه لا يمكن أن تثبت لله؛ لأنها تضمنت الحاجة إلى الغير، والله عز وجل لا يحتاج إلى غيره سبحانه وتعالى، وحينئذٍ هذه تكون صفة كمال بالنسبة للمخلوق، ولا تكون صفة كمال بالنسبة إلى الخالق، هذا هو الضابط في مسألة الصفة التي تكون كمالاً لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

    حكم إطلاق اسم الكامل على الله عز وجل

    المسألة الثانية: إذا كان الكمال ثابتاً لله سبحانه وتعالى، فهل يصح أن نطلق على الله عز وجل اسم (الكامل) أو لا يصح؟

    والجواب على هذه المسألة أن نقول: إنه يصح أن نطلق على الله عز وجل (الكامل) إذا كان على سبيل الخبر، ولا يصح أن نطلقه على الله عز وجل إذا كان على سبيل الاسم، فلا يصح أن يقال: إن الله اسمه (الكامل): لكن لا شك أن الكمال صفة من صفاته، ولا شك أنه يخبر عن الله عز وجل بأنه كامل، لكنه لم يسم نفسه بهذا الاسم، ولهذا لا يصح أن يسمي إنسان نفسه: (عبد الكامل) مثلاً.

    وهذه المسألة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى والرسائل (5/ 41).

    1.   

    الأسئلة

    حكم إطلاق كلمة (فلسفة) على بعض المصطلحات الشرعية

    السؤال: هل يجوز للإنسان أن يطلق كلمة (فلسفة) على بعض المصطلحات الشرعية، كأن يقول القائل: فلسفة الإسلام في الخير والشر؟

    الجواب: لا يصح أن يقول الإنسان: فلسفة الخير والشر، أو فلسفة الإسلام، أو الفلسفة الإسلامية؛ لأن الفلسفة هي عقيدة وفكر نشأ عند اليونان، وطوروه، وهو يشتمل على كثير من العقائد الكفرية؛ لأن اليونان كما تعلمون أمة وثنية لا تعرف الدين، ولا تعرف الرسل، ولا تعرف نور الوحي، وحينئذٍ فكلمة (فلسفة) هي كلمة نشأت وترعرعت عند اليونانيين، وهي كلمة ليست عربية، وكانوا يسمون المحب للحكمة (فيلسوف) أو (فيلاسوف) وهي مكونة من فقرتين: (فيلا) و(سوف) يعني: محب الحكمة، (فيلا) يعني: الحكمة، و(سوف) معناه: المحب، أو عاشق، يعني: عاشق الحكمة؛ لأنهم كانوا يجتمعون ويفكرون: ماذا وراء هذا الكون؟ ولا وعي عندهم ولا دين يضبطهم، وكانوا يعبدون الأوثان، لكنهم يشتغلون بالكلام عما وراء الطبيعة ويسمونه (الميتا فيزيقيا) ويتكلمون عن الأخلاق، ويتكلمون عن أحوال الناس، ويتكلمون عن خصائص المادة التي فيما بعد أصبحت تسمى بـ(الكيمياء) ونحوها.

    الشاهد في الموضوع أنه لا يصح أن يقال عن المصطلحات الشرعية: إنها فلسفة؛ لأن هذه الكلمة نشأت وترعرعت عند اليونان، وإن كان كثير ممن يطلقها لا يقصد الفلسفة القديمة، وإنما يقصد التفكير، يعني: بعض من يستخدم كلمة (فلسفة) للتفكير، لكن الأولى هو ألا تستخدم هذه الكلمة مطلقاً.

    مشروعية الدعاء بصفات الله عز وجل

    السؤال: هل يجوز الدعاء بصفة من صفات الله تعالى؟

    الجواب: يجوز أن يدعو الإنسان بصفة من صفات الله، مثل أن يقول: (اللهم يا منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم) كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذه كلها صفات وليست أسماء.

    حرمة الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله

    السؤال: يقول بعض الناس حين يحصل له شيء: يا جبريل، فهل يجوز هذا؟

    الجواب: هذه من الألفاظ التي اعتادها كثير من أهل البوادي، فهم يستغيثون بجبريل، وهذه استغاثة شركية؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يستغيث بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فهي لفظة غير مناسبة وهي شركية كما سبق أن بينا.

    حقيقة وجود فرقة الجهمية في وقتنا الحاضر وغيرها من الفرق المنحرفة

    السؤال: هل هناك فرقة الآن في الأرض تتبنى عقائد الجهمية النافية للأسماء والصفات؟

    الجواب: ربما لا توجد فرقة تتبناها بنفس طريقة الجهمية، لكن يوجد هناك فرق مثل: الشيعة فهم ينفون الصفات عن الله عز وجل، ومثل: الباطنية الإسماعيلية، فإنهم ينفون الأسماء والصفات عن الله سبحانه وتعالى، وفرقة الإسماعيلية موجودة إلى الآن. والإسماعيلية انقسمت إلى طائفتين:

    طائفة اسمها: البهرة، وطائفة أخرى اسمها الآغاخانية. والبهرة ما زالت موجودة الآن في جبال حراز في اليمن، وفي نجران، والآغاخانية ما زالت موجودة إلى الآن في الهند، بل ولهم مراكز كبيرة في أوروبا، ولهم مبنى كبير جداً في وسط لندن، ينشرون فيه عقائدهم الفاسدة المضلة، وهم ينفون الأسماء والصفات عن الله تعالى، وينسبون هذه الأسماء والصفات للمخلوقين، لآلهتهم وأئمتهم، فمثلاً: كريم الدين الحسيني كان إلى وقت قريب يعبد من دون الله، وكانوا في فرنسا يأتون بميزان ويضعون في كفة الميزان ذهباً ويضعونه في كفة أخرى، ثم يأخذ هذا الذهب، وتكون ضرائب على أتباعه.

    وهذا الحسيني هو إله الآغاخانية، سأله أحد الكتاب قال له: كيف تدعي أنك إله لهذه الطائفة من الناس وأنك معبودهم، وأنت تعلم أنك لم تخلقهم؟ فقال له: في الهند عندنا يعبدون البقر، فأنا أحسن من البقر، فاتركهم يعبدونني.

    أما المعتزلة فكما سبق أن ذكرت.

    وأما الأشاعرة والماتريدية: فما زالت إلى الآن موجودة، حيث توجد كثير من مناهج التعليم في كثير من أنحاء العالم الإسلامي تتبنى عقائد الأشاعرة، وتقرر لهم المناهج التعليمية، مثل: الأزهر مثلاً، فالأزهر مناهج العقيدة فيه على مذهب الأشاعرة، يدرسون فيه كتاب المواقف للإيجي والشرح للجرجاني ، ويقررون عليهم كتاباً اسمه مقرر التوحيد، يقررون فيه عقائد الأشاعرة.

    الفرق بين الأسماء والصفات

    السؤال: ما الفرق بين الأسماء والصفات؟

    الجواب: الاسم: هو العلم، والصفة: هي المعنى.

    (فالقادر) اسم، و(القدرة) صفة، و(العلم) صفة، و(العالم) اسم، و(العزيز) اسم، و(العزة) صفة.. وهكذا، وسبق أن ذكرنا فروقاً علمية تفصيلية، لكن بشكل عام، حتى يتصور الفرق بين الأسماء وبين الصفات.

    عدم جواز التفكر في كيفية صفات الله تعالى وجواز التفكر في الفوائد المترتبة عليها

    السؤال: عندما أتكلم عن صفات الله عز وجل أوسوس وأتخيل -والعياذ بالله- كيفية صفات الله، ثم أقول: والله لا أنطق بها ولا أتكلم بها، فهل هذه الوسوسة تدل على ضعف الإيمان؟ وما العمل؟

    الجواب: الإنسان إذا طبع في ذهنه أن الله عز وجل لا مثيل له، فلا يتخيل لصفته مثالاً، ولا يحتاج إلى تخيل؛ لأنه لا مثال لها في الواقع، وحينئذٍ يقطع الإنسان الطمع في إدراك كيفية صفات الله عز وجل؛ لأن صفات الله عز وجل لا يمكن أن ندركها نحن الآن، والله عز وجل لا تدركه الأبصار سبحانه وتعالى، وهو أعظم وأكبر من أن يدرك، وحينئذٍ لا داعي أن تشغل نفسك بالتفكير في كيفية الصفة، كأنك تفكر في مخلوق، وإنما تشغل نفسك في التفكير في آثار هذه الصفة في نفسك، وفي الفوائد المترتبة عليها، كما في قصة لقيط بن صبرة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ، قال: يا رسول الله أو يضحك الرب؟ قال: نعم -لم يتخيل كيف يضحك، وإنما قال-: لن نعدم من رب يضحك خيراً)، يعني: ما دام أن الله يضحك سيعطينا الخير سبحانه وتعالى، فاستفاد منها ثمرة عظيمة؛ ولهذا غضب ابن عباس عندما كان بعض التابعين إذا سمعوا بعض أسماء الله عز وجل ينتفضون، فغضب ابن عباس عليهم، وقال: (أحدكم يؤمن بمحكمه ويهلك عند متشابه) يعني: لا ينبغي للإنسان أن ينشغل بأشياء ليس له غرض فيها ولا أجر فيها، وإنما يشتغل بما يستفيده وما يعنيه.

    حقيقة الرافضة والخوارج والمرجئة والقدرية والقبورية

    السؤال: من هم الرافضة، والخوارج، والمرجئة، والقدرية، والقبورية؟

    الجواب: الرافضة: هم الشيعة، وهم طائفة يصعب التفصيل في أخبارها وأوضاعها، ولكن عقائدهم هي أنهم يسبون الصحابة ويلعنونهم ويكفرونهم، لا سيما أبا بكر وعمر .

    وهؤلاء الروافض يستغيثون بالقبور ويذبحون لها وينذرون لها، ويعتقدون العصمة في أئمتهم الاثني عشر، وتسمى الطائفة الاثني عشرية في بعض الأحيان، وما زالوا يوجدون إلى الآن في إيران ويحكمون إيران، ولهم جهود ودعوة كبيرة ضالة في بقية أنحاء العالم الإسلامي وفي أوروبا.

    والخوارج: هم الذين يكفرون الناس بالذنوب، فيزني الزاني مثلاً ويكفرونه، ولا يفرقون بين المعاصي وبين الكفريات، وليس عندهم ضابط فيها، فيكفرون الناس بالذنوب. هؤلاء هم الخوارج: (وهم كلاب أهل النار)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والمرجئة: هؤلاء الذين أخرجوا العمل عن الإيمان، وحصروا الإيمان في مجرد التصديق القلبي فقط، وأخرجوا عمل الجوارح وعمل القلب من مسمى الإيمان، وقالوا: إن الإنسان لو ترك أعمال القلب وأعمال الجوارح بأكملها لا يكون كافراً ما دام أنه مصدق، ولهم أخبار ليس هذا مجال التفصيل فيها.

    والقدرية: هم الذين ينكرون القدر، وهم المعتزلة، فهم يقولون: لا قدر، وإنما الأمر أنف، يعني: حادث، وأن الله عز وجل لم يقدر الأشياء ولم يكتبها، ولم يخلق أفعال العباد، ولهم أخبار أخرى أيضاً.

    والقبوريون: هم الذين يعظمون القبور ويطوفون حولها، ويشتغلون بذلك.

    ذكر المراجع التي ورد فيها ذكر سلمان المرشد

    السؤال: ما اسم الكتاب الذي وردت فيه قصة سلمان المرشد ؟

    الجواب: يمكن أن يراجع مثلاً كتاب الأعلام للزركلي ، ذكر سلمان المرشد ، وكتاب اسمه (إسلام بلا مذاهب) لـمصطفى الشكعة وهذا الكتاب كتاب سيئ، وإن كان عنوانه جذاباً، لكنه مليء بالأخطاء.

    صفة الحياة صفة كمال للمخلوق

    السؤال: هل صفة الحياة للمخلوق صفة كمال؟

    الجواب: صفة الحياة صفة كمال؛ لأن الموت نقص.

    حكم إطلاق الجسم على الله تعالى

    السؤال: هل لله تعالى جسم؟

    الجواب: كلمة جسم لم يرد إثباتها ولا نفيها في الشرع، يعني: لم يثبت في القرآن ولا في السنة أن لله جسماً، ولم يرد في القرآن ولا في السنة أن الله ليس له جسم، فنسأل: ما معنى كلمة (جسم)؟ فإذا كان يقصد بكلمة (جسم) أنه مثل أجسام المخلوقين فهذا الكلام باطل؛ لأن الله ليس كمثله شيء، ولأن الله ليس له كفواً أحد سبحانه وتعالى، ولا يشبهه شيء. وإن كان المقصود بالجسم أن له صفات، وأن له يداً وقدماً، حتى ولو كانت مثل اسم أعضاء المخلوقات أثبتناها، ولا شك أن لله عز وجل صفات تليق بجلاله، فكلمة (جسم) يجب ألا تستخدم؛ لأنه لم ترد بإثبات ولا بنفي في الشرع، وحينئذٍ نسأل عن معناها، وأي لفظة لم ترد في القرآن ولا في السنة يسأل عن معناها، إذا كان معناها صحيحاً أثبت، وإذا كان معناها باطلاً رد، وإذا كان معناها محتملاً للحق والباطل أخذ الحق ورد الباطل، واستغني عن هذه الكلمة بما ورد في الشرع.

    معنى قول السلف: المشبه يعبد وثناً والمعطل يعبد عدماً

    السؤال: ما معنى قول السلف: المشبه يعبد وثناً والمعطل يعبد عدماً؟

    الجواب: يعني: المشبه يعبد صنماً؛ لأنه شبه الله بمخلوقاته، فكأنه يتخيل أن الله مخلوق أمامه؛ لهذا كأنه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً؛ لأنه نفى الصفات، ولم يبق شيئاً، وحينئذٍ كأنه يعبد لا شيء. هذا هو المقصود بكلام السلف.

    معنى تحقيق الكمال

    السؤال: ما معنى: تحقيق الكمال؟

    الجواب: يعني: إثبات الكمال لله عز وجل، هذا هو المقصود به.

    إلى من تنسب فرقة الماتريدية

    السؤال: إلى من تنسب الماتريدية، وهل يوافقون أهل السنة في بعض أبواب العقيدة؟

    الجواب: الماتريدية ينسبون إلى أبي منصور الماتريدي وهم من الأحناف، ويشبهون الأشاعرة بنسبة (95%) تقريباً، يعني: عقائد الأشاعرة وعقائد الماتريدية واحدة إلا في مسائل معدودة، ومن قلة هذه المسائل صنفت فيها كتب، مثل: كتاب لـأبي عذبة في الفروق بين الأشاعرة والماتريدية، وجمع فروقاً تصل إلى عشرين فرقاً تقريباً، وبقية المسائل متفقون عليها.

    والفرق بين الأشعري والماتريدي: هو أن الماتريدي غالباً يكون حنفياً في الفروع، والأشعري يكون على غير ذلك.

    العمدة في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة وحكم الاستدلال بالضعيف في الأصول

    السؤال: كيف تتم معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة؟ وهل يجوز الاستدلال بالحديث الضعيف في الأصول؟

    الجواب: أئمة السنة كـالسفيانين وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وكالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه والحميدي والبخاري ومسلم والترمذي إلى آخر أولئك الأئمة، العمدة في هذا الباب على أقوالهم وعلى تقريراتهم، أما الحديث الضعيف فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في أصل من الأصول، بل إما في تأييده وإما في فرع من الفروع، فأهل الحديث طريقتهم أنهم يستدلون بالحديث الضعيف في تأييد أصل من الأصول، فإذا كان الأصل ثابتاً بالكتاب والسنة، فلا بأس أن تحشد له ما جاء من الأحاديث، حتى ولو كانت ضعيفة، أو في فرع من الفروع، يعني: في مسألة فقهية يرد فيها الحديث الضعيف؛ وذلك إذا لم يكن في الباب غيره، وهذه هي طريقة الإمام أحمد وأكثر أهل الحديث؛ لأنهم يحتجون بالحديث الضعيف في الفقه إذا لم يكن في الباب غيره؛ لأن الحديث الضعيف خير من الرأي.

    والمقصود بالحديث الضعيف الذي يقبل أن ينجبر.

    أما في فضائل الأعمال فيجوز أن يستشهد فيها بالحديث الضعيف، وأن يذكر لأجل ترغيب الناس في الخير، وهذا هو المنقول عن أئمة الحديث وعن السلف، وقد روي عن سفيان وعن غيره قال: (إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا) وهذا في باب الترغيب والترهيب فالأمر فيه واسع؛ بشرط أن يكون ما حواه ذلك الحديث من الترغيب أو من الترهيب لا يناقض أصلاً، أو قاعدة أو آية أو حديثاً، والله أعلم.

    الفرق بين المسابقة في عمل الخير والدعوة وبين العجلة المنهي عنها

    السؤال: فضيلة الشيخ! تكلمت عن المسابقة مع الزمن في عمل الخير والدعوة، فلو تذكر الفرق بين ذلك وبين العجلة المنهي عنها في الدعوة؟

    الجواب: المسابقة هي أن يستغل جميع الوقت في عمل الخير؛ لأنك إذا تأخرت في الإقدام على الخير فإن أهل الشر لن يتأخروا في الإقدام على الشر، والدعوة إليه، وتحبيب الباطل والشهوات إلى الناس، فإن أنت سابقتهم فصاحب الخير سابق بإذن الله.

    أما العجلة المنهي عنها في بعض الآيات وفي بعض الأحاديث، كقوله جل وعلا: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (ولكنكم قوم تستعجلون)، هذا المراد به العجلة في حصول ما وعد الله جل وعلا به من النصر لأوليائه، والعز لأهل طاعته، والذل لأهل معصيته، فنهي العبد عن أن يستعجل قدر الله جل وعلا، أو أن يستعجل أمر الله جل وعلا.

    الأمر الثاني مما نهي عنه في الاستعجال: أن تحمل العجلة المرء أن يرتكب منهياً عنه في الدعوة، أو أن يرتكب وسيلة من الوسائل التي لا يقرها أهل السنة والجماعة، ولا توافق ما جاءت به النصوص لأجل تحصيل الخير، فإن أهل السنة ليست عندهم الغاية تبرر الوسيلة، بل لابد أن تكون الوسيلة مشروعة حتى توصل إلى الغاية المحمودة، وإذا نظرت إلى قصص الأنبياء. فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما آمن معه بعد ذلك إلا قليل، كما قال جل وعلا: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40].

    قال المفسرون: إن الذي آمن مع نوح بضعة عشر ما بين رجل وامرأة، وأكثر ما قيل: إنهم كذا وسبعون ما بين رجل وامرأة، هذه حصيلة ألف سنة إلا خمسين عاماً.

    ليس المقصود أن تحصَّل النتائج، ولكن المقصود أن تسعى في الدعوة وفي الخير والإصلاح على نور من الله، وعلى وفق ما قرره أهل العلم، وما دلت عليه النصوص؛ حتى تكون هذه العبادة وهي الدعوة صائبة، أما إذا استعجل المرء في الإصلاح، واتخذ وسيلة غير مقرة شرعاً لأجل أن يصل إلى النتيجة بالعجلة، فإنه لو وصل لا يكون محموداً؛ لأنه اتخذ وسيلة غير مشروعة، فلابد أن تكون الوسيلة مشروعة، ولابد أن تكون الغاية محمودة، والله أعلم.

    الحق واحد لا يتعدد

    السؤال: فضيلة الشيخ! قلتم: إن الحق أنواع، فهل الحق يتعدد؟

    الجواب: الحق الذي يرضاه الله جل وعلا وهو حكمه الشرعي واحد لا يتعدد في المسائل التي اختلف فيها العلماء، ليس ثم حق وحق وحق، بل الحق واحد، ومن خالف الحق إما أن يكون مخطئاً معذوراً، وإما أن يكون عاصياً.

    وأما الحق الذي عنيناه فهو فروع ذلك الحق، وهذا كقوله جل وعلا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، فوحد الصراط، وجعله صراطاً واحداً، وجعل سبل الباطل كثيرة، فقال: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ومع ذلك جعل الله جل وعلا لسبيل الحق سبلاً، قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    وهذه السبل في داخل الصراط يجمعها سبيل واحد وهو القرآن وهو الإسلام وهو السنة، كما فسر بذلك قوله جل وعلا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يعني: أن الصراط المستقيم هو الإسلام وهو السنة وهو القرآن، وهذا الصراط في داخله سبل شعب، لكن ليست مخالفة لذلك الصراط وليست مبعدة عنه، بل هي فيه، فكذلك إذا قلنا: إن الحق أنواع، وإن الحق له فروع وشعب، فنريد به فروع الحق الداخلة في السبيل الواحد وفي الحق الواحد.

    أقسام العلم والطرق المثلى لتحصيله

    السؤال: من العلم ما تعلمه ضروري متعين على كل أحد فما الطريقة المثلى لتحصيله؟

    الجواب: العلم قسمان: فرض عين، وفرض كفاية.

    فرض العين: هو الذي يجب على كل مسلم أن يتعلمه، وهو ما به تصح عباداته وتصح معاملاته، وأصل ذلك أن يتعلم التوحيد وضده، هذا فرض عين، وأن يتعلم ما تصح به صلاته من الشروط والأركان والواجبات، يتعلم هذا فترة من عمره، عند أهل العلم حتى يضبط ذلك، كذلك إذا كان له أموال يتعلم كيف يخرج الزكاة، أو كيف يحصي الزكاة، أو كيف يحسب الزكاة، وإذا كان يبيع ويشتري لابد أن يتعلم أحكام البيع الجائز وأحكام البيع غير الجائز، ويسأل أهل العلم حتى يكون على بينة فيما يأتي ويذر.

    هذا القسم فرض عين، فكل من احتاج في العمل أو في العبادة إلى أحكام شرعية يمارسها دائماً، فإنها تكون فرض عين عليه.

    من أمثل ما يطلب به ذلك في التوحيد كتاب (الأصول الثلاثة) للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإن ذلك الإمام نظر إلى سؤال الملكين في القبر: يسألان العبد عن ربه وعن دينه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم.

    هذه الأسئلة الثلاثة سماها الشيخ محمد رحمه الله: (الأصول الثلاثة)، وأجاب عن هذه الأسئلة بالأدلة في رسالة صغيرة سماها: (الأصول الثلاثة) هي أجوبة تلك المسائل، فمن درسها وتحفظها وكانت دائماً على ذكر منه، فإنه حري بالتثبيت عند ذلك السؤال.

    قال العلماء: يكفي أن يتعلم المسلم أجوبة تلك المسائل في عمره مرة مع دليلها، حتى لو نسيها بعد ذلك يكون كافياً، إلا إذا أتى ردة تتخلل ذلك فإنه يجب عليه أن يعود فيتذكر ذلك حتى يدخل في الإسلام عن دليل لا عن تقليد، هذا في التوحيد.

    أما في أمور الصلاة والزكاة فله أيضاً رسالة سماها: (آداب المشي إلى الصلاة).

    انتزعها من بعض كتب الفقهاء.

    التحذير من الاختلاف المؤدي إلى الفرقة بين المسلمين

    السؤال: كثرت بين الشباب في هذه الأيام النقاشات والجدال وهم بين محق ومبطل؛ وذلك يعود لأسباب أهمها: اتباع الهوى، وترك منهج السلف الصالح، فإذا قيل لأحدهم: قال الله. قال رسوله. كان جوابه: هذا صحيح، ولكن، ثم بدأ يعدد حججاً عقلية لا صلة لها بالدليل، فهل من وصية لهذا الصنف من الشباب؟

    الجواب: الوصية وصيتان: وصية لهذا الصنف، ووصية أيضاً لغيره.

    أما الوصية لهذا الصنف: فقد بينت في أثناء المحاضرة أن الواجب على العبد أن يكون مخلصاً لله جل وعلا، مبتعداً عن الهوى وعن أسبابه، وأهل الدين وأهل الخير كل واحد منهم يريد صلاح قلبه ونفسه وصلاح من حوله، ولابد أن يحاسب المرء نفسه في أن يكون الدليل وقول أئمة أهل السنة وأئمة الإسلام وعلماء السنة أن يكون قولهم محكماً، وألا يذهب إلى آراء وأفكار ليست مقرة عند أولئك الأئمة، وليست معروفة عند أهل السنة، فيما كتبوا في عقائدهم وأقوالهم.

    والواجب على هؤلاء أن يتقوا الله جل وجلاله، وأن يسعوا في تطبيق السنة على أنفسهم قولاً وعملاً، وأن يتبعوا ما قال الله جل جلاله، وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يكون في القلب حرج مما جاء من الكتاب والسنة، فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً عشر سنوات في الصلح المعروف بصلح الحديبية كان كثير من الصحابة يرون أن الخير في قتالهم، وأن جهاد أولئك المشركين وغزو مكة وفتح مكة أنه خير، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم ما أعطاهم حتى قال عمر : (يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نقبل الدنية في ديننا)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ما أمره الله جل وعلا به، فكانت عاقبة اتباع أمر الله جل وعلا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله وطاعة رسوله أن كان ذلك الصلح الذي كان ظاهره ضد المسلمين وضد الصحابة، أن كان ذلك الصلح فتحاً مبيناً، فقد أنزل الله جل وعلا فيه آيات عظيمات، فقال سبحانه وتعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]؛ وذلك الفتح هو صلح الحديبية؛ لأن الله جل وعلا جعل ذلك الصلح فيه من الخيرات والفتح للمسلمين ما تقووا به، فانتشرت به الدعوة، وتبعه فتح خيبر، وتبعه انتشار الإسلام وقوة أهل الإسلام على من عداهم، فكان فيه أنواع من الخير والفلاح.

    إذاً: طاعة الله ورسوله فيها الخير والصلاح؛ فإذا ترك العبد هواه وما يشتهي وترك الآراء التي تعتاد ذهنه أو قلبه إلى ما دلت عليه النصوص على فهم الصحابة، وعلى فهم أئمة الإسلام، فإن ذلك عاقبته إلى الخير، ولا بد من الاتباع وترك الابتداع.

    الوصية الثانية: أنه يجب على المسلمين، وخاصة الذين يهتمون بهذه الأمور .. أمور الخلافات أن يمتثلوا الوصية العامة في الائتلاف وعدم الاختلاف، وألا يجعلوا للشيطان عليهم مدخلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم في الصلاة بتسوية الصفوف وقال: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم).

    وقال أيضاً: (لينوا بأيدي إخوانكم)، وهذا هو الواجب أن المسلم يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وألا يتعاون معهم على الإثم والعدوان، وألا يعتقد أنه هو المفضل على غيره، بل يحاسب نفسه ويتمنى أن يكون غيره مهتدياً، كما أن الله جل وعلا هداه، وكل يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والواجب على الناس الائتلاف وعدم الاختلاف، فالله جل وعلا منّ علينا بالائتلاف والمحبة، ومنّ علينا بأنه لا مشاحنات ولا تحزبات ولا فئات فيما بيننا وهذه نعمة عظيمة، وتحصل النزاعات ويحصل الافتراق إذا فرط العباد في أمر الله جل جلاله، كما قال الله جل وعلا: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:14].

    فقوله: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ يعني: أن يتبعوا العلم وأن يتركوا الهوى وأن يتبعوا ما جاءهم وما أخذ عليهم من الميثاق والعهد، فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعني: تركوا بعض ما ذكروا به، تركوا نصيباً مما أمروا به ومما نهوا عنه، فكانت العاقبة أن عاقبهم الله جل وعلا بالفرقة فيما بينهم، قال سبحانه: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

    وقد قال ابن شهاب الزهري وغيره: إنما تفرقت اليهود والنصارى من قبل الآراء والأهواء، فالآراء والأهواء هي التي تفرق، واعتماد الدليل واتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا هو الذي يجمع الناس ويؤلف بين قلوبهم، قال عز وجل: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103] هذه نعمة عظيمة يجب على الصغار والكبار والشباب والشيب أن يسعوا في تثبيتها وتحصيلها، وإذا حصلت أخطاء أو زلات، فإن الواجب المناصحة وعدم المعاداة؛ لأن لكل مؤمن نصيباً من الولاية والمحبة، قال جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

    فإذا قام اسم الإيمان كان لصاحبه نصيب من الولاية والمحبة، ومن محبة المؤمن للمؤمن ومن موالاة المؤمن للمؤمن أن يسعى في خيره، وأن ينصح له، وأن يحب له ما يحب لنفسه.

    هذا وأسأل الله جل وعلا لي ولكم مغفرة الذنوب والتسديد في الأقوال والأعمال، وأن يغفر لنا ولوالدينا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يوفقنا وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا والمسلمين أجمعين لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأن يعيذنا من شر أنفسنا والشيطان، وأن يقيمنا على الهدى ما حيينا، وأن يتوفانا وهو راض عنا، وأن يجمعنا في جنته كما جمعنا في هذا المسجد، اللهم فاستجب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756435011