أما بعد:
فلا زلنا مع صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجنائز.
قال رحمه الله: [ باب: (رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة) ].
وتبويب الإمام البخاري بهذه الطريقة يبين أن هناك رثاءً مشروعاً ورثاءً غير مشروع، فالمشروع: كأن تذكر أن فلاناً قد مات، ولا تزيد على ذلك شيئاً، وأما غير المشروع: فتقول مثلاً: توفي الأستاذ الدكتور رئيس قسم الجراحة، وزميل الجراحين بجامعة كاليفورنيا، والحاصل على كذا وكذا من الشهادات، أو تذكر في النعي أو في الرثاء ألقاب ومناصب دنيوية تولاها، أو أن تذكر له صلة قرابة، كابن عم العمدة، وخال النائب، وابن الزعيم والقائد فلان، فهذا كله من نعي الجاهلية الذي لا يجوز، فالألقاب والمناصب كلها زائلة بعد الموت، ولا ينفع المرء إلا ما قدم لآخرته.
هناك بعض الكلمات يأخذون عليها بعض الناس ملاحظات، وأنا أحب أن يكتبوا لنا بهذه الملاحظات، وهذه الكلمات كالقول: زوج مبارك على أخت مباركة، فلا نقطع لهما بالبركة، وإنما هذا على سبيل الدعاء والترجي والرجاء، فهذا مشروع ليس فيه شيء. أيضاً حينما نقول: بارك الله لكما. قال أحدهم: الحديث يقول: (بارك الله لك)، فلابد أن تلتزم بالنص، فأنا الآن أدعو له ولها، وحينما أدعو للواحد أقول: بارك الله لك، وحينما أدعو لهما أقول: بارك الله لكما، وإن كنت أدعو للجميع أقول: بارك الله لكم، فهذه أمور دقيقة يتنبه لها.
قال رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال ]، فالذي يروي الحديث هو سعد بن أبي وقاص أحد المبشرين بالجنة، وله أبناء عدة، منهم عامر هذا الذي روى عن أبيه، وقد تتبع شيخنا أبو إسحاق صحيح البخاري ومسلم لينظر من الذي روى عن سعد في البخاري ومسلم من أبنائه، ولذا فـسعد بن أبي وقاص قد ورث أبناءه العلم.
قال رحمه الله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع) ]، لذا فإن من فقه الإمام البخاري أنه قد كرر وأعاد وخرج هذا الحديث إحدى عشرة مرة، فمرة في كتاب الجنائز، ومرة في كتاب الإيمان، ومرة في كتاب حجة الوداع، ومرة في كتاب الوصايا، وكل ذلك إما للطيفة في السند أو في المتن، وفي الحديث مشروعية عيادة المريض.
قال: [ (من وجع اشتد بي) ]، أي: من مرض اشتد بي.
ثم قال: [ (فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة) ]، يعني: ظن سعداً أن هذا هو مرض الموت، وفي الحديث مشروعية الشكوى، كأن يقول المريض: أنا مريض، وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عندما قالت عائشة : (وا رأساه يا رسول الله، قال: بل وا رأساه أنا يا
ثم قال عليه الصلاة والسلام: [ (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) ]، وفي موضع آخر عند البخاري قال: (يتكففون الناس وقال بيده هكذا)، ومعنى: (قال بيده اليد): ليمثل للمستمع ما معنى يتكففون الناس، يعني: يسألونهم، وعلى هذا قال العلماء: إن إشارة اليد تسمى قولاً. وكذلك حركة وإشارة أي جارحة من الجوارح.
قال: [ (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها) ]، في هذا إشارة إلى وجوب إخلاص العمل لله عز وجل، وقد أخرج البخاري في كتاب: الإيمان هذا الحديث من هذه الجملة: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها).
يقول: [ (حتى ما تجعل في في امرأتك) ]. يعني: أن الرجل حينما يأكل مع زوجته، فيأخذ قطعة من الطعام ويضعها في فم زوجته فله بذلك أجر.
كان سعد بن خولة قد هاجر من مكة إلى المدينة، وكان من حسن خاتمة الرجل إذا هاجر أن يموت في المكان الذي هاجر إليه؛ لأنه جاء في الحديث: يقاس للرجل بين بلده وبين موضع هجرته، وبهذه المسافة يقاس له بها في الجنة، لكن سعد بن خولة قد عاد إلى مكة فمات بها، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يرثي موته بمكة؛ لأنه من المستحب أن يموت في موضع هجرته وهي المدينة، ولذا بوب البخاري : باب: رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة .
إذاً: هذا الحديث فيه من الدروس الكثير والكثير، وفيه مشروعية المراثي إن كانت بضوابط شرعية، لكن هناك مراثٍ جاهلية نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [ قال الحكم بن موسى : حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن جابر : أن القاسم بن مخيمرة حدثه قال: حدثني أبو بردة بن أبي موسى رضي الله عنه قال: (وجع
قوله: (أنا بريء)، وكلمة: (ليس منا) فيها عشرة أقوال للعلماء: فبعضهم قال: ليس منا، أي: ليس على سنتنا. وقال بعضهم: إيمانه ناقص، أي: نفى عنه كمال الإيمان لا أصله. وقال بعضهم: ليس منا، أي: إن فعل ذلك مستحلاً فقد كفر؛ لأن هذا الفعل حرام، فهو يحل ما حرم الله. فهذه أقوال للعلماء في قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس منا).
ثم قال عليه الصلاة والسلام: [ (والحالقة والشاقة) ]. والحالقة هي: التي تحلق شعرها، ولذلك تجد البعض قد يحلق شعره وهذا منهي عنه، جاء في صحيح مسلم أن من صفة الخوارج أنهم يحلقون رءوسهم، لذا فلا يجوز حلق الرأس إلا في حج أو عمرة، والحلق عند حلول المصيبة فيه إشعار بأنك تحزن بالحلق، وقد كانت النسوة تحلق رءوسها عند حلول المصيبة.
والشاقة هي: التي تشق جيبها، ولذلك برئ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأعمال الثلاثة، والبخاري رحمه الله تعالى قد بوب باب: (ما ينهى عن الحلق عند المصيبة)، والنهي هنا للتحريم، إلا أن يأتي صارف يصرفه للكراهة.
قوله: (ليس منا) فيها أكثر من عشرة أقوال للعلماء، فبعضهم قال: (ليس منا)، أي: ليس من سنتنا أو ليس على هدينا، وهذا قول. وقال بعضهم: (ليس منا)، أي: يخرج من الإسلام بالكلية إن استحل ذلك الفعل. وقال بعضهم: (ليس منا)، أي: إيمانه غير كامل. فهذه أقوال لبعض العلماء قد عدها ابن حجر في الفتح.
قال رحمه الله تعالى: [ عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) ].
ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: [ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة]. والمعنى: أن البخاري يعيد نفس الحديث، لكن تحت تبويب آخر، فانظر إلى فقه البخاري في التبويب، فهناك يقول: [باب: ليس منا من ضرب الخدود]، وهنا يقول: باب: [ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة].
وسند الحديث الأول قال فيه: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. فشيخ البخاري هنا هو: محمد بن بشار ، وشيخ البخاري في الحديث الآخر هو: عمر بن حفص ، قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) ]. فالمتن هو المتن، لكن اللطيفة في السند، فشيخ البخاري في الحديث الأول يختلف عن شيخه في الثاني، والسند الأول يختلف عن السند الثاني، فتعددت طرق الحديث عند البخاري رحمه الله تعالى.
ولذا قد نجد في عصرنا اليوم من يطعن في البخاري ، فقد أعطاني أحدهم كتاباً كان يرغب في توزيعه، وهو رسالة صغيرة، وكاتبه لم يجد له سبيلاً للبيع فوزعه مجاناً، وحتى لو وزعوه بجائزة فلن يجدوا له أرضاً! لأن الكتاب كله طعن في البخاري ومسلم ، وطعن في حد الردة، وطعن في حد الرجم، وطعن في أصول اتفقت عليها الأمة، يقول هذا في هذا الكتاب: أما البخاري فلم يجمع صحيحه إلا من مخطوطة مضى عليها أكثر من ثلاثمائة سنة! يعني: أن البخاري مات سنة 256 هجرية، ولم يجمع إلا في سنة 600 أو 500 في آخر القرن الرابع أو الخامس، أي: أن هناك فترة زمنية بين المخطوطة التي تركها البخاري وبين إخراجها في صورة كتاب، فلا نأمن أن يكون البعض قد دس على البخاري ، وعلى هذا ينتهي إلى أن البخاري الذي بين أيدينا ليس له من الصحة شيء.
فنقول له: أنت لا تعلم كيف تحقق المخطوطات، فالمخطوطة حتى تصبح كتاباً لا بد لها من أصول في التحقيق:
أولاً: لا ينبغي أن يخرج الكتاب عن مخطوطة واحدة، بل لابد أن يكون هناك أكثر من مخطوطة، في القاهرة، وفي بغداد، وفي غيرها من البلدان، ثم بعد الحصول على هذه المخطوطات لا بد من المقارنة بينها.
ثانياً: إثبات أن هذه المخطوطة لمؤلفها.
ثالثاً: إثبات أن هذه المخطوطة قد كتبت بالخط الذي عاش في عصره المؤلف أو نقلت عنه، وهذا علم كبير يدرس الآن يسمى: علم المخطوطات.
فيا من تطعن في أصل البخاري ، ما علمك بعلم المخطوطات؟ وهل هناك أحد من الأمة قال: إن البخاري قد حقق عن مخطوطة مطعون فيها؟! ثم عاد هذا الخبيث فقال: إن حديث فقأ موسى لعين ملك الموت لا نقبله! فيا هذا انظر إلى أقوال أهل العلم -إن هذا الكتاب جرثومة، وكاتبه علماني خبيث أعرفه- وأيضاً يطعن في حد الردة، ويطعن في حد الرجم فيقول: إن الرجم هذا ليس من السنة، وليس من الإسلام، ولابد أن نعيد النظر فيه! إن هؤلاء الناس بضاعتهم راكدة وليس لهم سوق، لذلك طبع هذا الكتاب وكتب عليه: يوزع مجاناً، وإن شاء الله لن يقرأه ولن يحصل عليه أحد، حتى وإن كان مجاناً.
وكأن البخاري رحمه الله تعالى يقول: ما الأدب الواجب على المسلم عند حلول المصيبة، أي: عندما تنزل المصيبة ويعرف في وجه العبد الحزن، أو لا يعرف في وجهه الحزن؟
وأتى هناك بحديثين وهنا بحديث؛ وذلك ليبين أن هذا مشروع وذاك مشروع أيضاً.
قال البخاري رحمه الله: [ حدثنا محمد بن المثنى : حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى قال: أخبرتني عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها قالت: (لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قتل
هذه الغزوة التي أمَّر فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من أصحابه: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ، فإن مات الأول انتقلت الراية إلى الثاني، وإن مات الثاني انتقلت الراية إلى الثالث، وسميت هذه المعركة بالغزوة رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهدها لسببين:
السبب الأول: أنه ولى فيها أميراً. السبب الثاني: لكثرة عدد المقاتلين فيها، فقد خرج جُلُّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مصرع القواد الثلاثة وهو في المدينة، فقال لأصحابه: (استشهد
أقسمت يا نفس لتنزله لتنزلنه أو لتكرهنه
قد أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيته فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
وسمي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في هذه الغزوة بالطيار، لأن يداه قد قطعتا في هذه الغزوة، فأبدله الله بجناحين يطير بهما في الجنة، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أوحي إليه بموتهم حزن، فجلس يعرف في وجهه الحزن، فأتاه رجل وقال: (إن نساء جعفر يبكين)، أي: أنه كان لـجعفر أكثر من زوجة، وفي هذا إشارة إلى تعدد الزوجات في الإسلام، خلاف الذين يطعنون في الإسلام، فقد رسم أحدهم كاريكاتيراً وضع فيه صورة رجل ملتح وبجواره عدد من الزوجات، وقسم الرسام الرجل إلى نصفين: نصف مع الأولى ونصف مع الثانية، يعني: أنه يريد أن يقول: إن زوج الاثنتين يترك نصفه الأول هناك ونصفه الثاني هنا، أي: أنه لا يحقق العدل بين الاثنتين من نسائه، لذا فإن من أمثال هؤلاء يريدون للأمة أن تضيع معالمها، ثم يدندن هذا فيقول: إن التعدد في زمننا اليوم مستحيل، وأن الذين ينادون بالتعدد واهمون، وأن من مساوئ الشريعة إباحة التعدد! وهذا كلام لا يقوله إلا حاقد على الإسلام، إذ أن الإسلام قد راعى الفطرة، وراعى ظروف الناس وواقع المجتمعات، فحينما يزيد عدد النساء على عدد الرجال إن لم يكن التعدد فالزنا، فنحن نريد من هؤلاء أن يجعلوا لكل امرأة رجلاً، إما أن يكون بالزواج الصحيح، وإما أن يكون بالعشق والعلاقات المحرمة، وهذه معادلة نريد لها التوازن وازنوها إن استطعتم، فلن تتوازن إلا بالتعدد الذي أباحه الإسلام، لكن بالضوابط التي أمر بها الإسلام، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، وقد اختلف العلماء: هل الأصل هو التعدد أو الأصل واحدة؟ فمنهم من قال: إن الأصل واحدة؛ لأن آدم لما خلقه الله خلق له حواء ولم يخلق له أربعة، ومات عن واحدة، لكنهم عادوا فقالوا: إن اختل الميزان وجب التعدد، وبعض الناس ينظرون إلى القضية نظرة هامشية فأرجو أن ننتبه إليها.
قال: [ (فأمره أن ينهاهن، فذهب) ]. يعني: عندما أخبره الرجل أمره أن يعود إليهن وينههن عن البكاء.
ثم قال: [ (ثم أتاه الثانية: لم يطعنه، فقال: (انههن). فأتاه الثالثة، قال: والله غلبننا يا رسول الله) ]، يعني: لم نستطع أن نمنعهن عن البكاء.
أي: أن الرجل ذهب وعاد عدة مرات، وهو يقول: لم أستطع أن أمنعهن من البكاء، ولم يضع التراب في أفواههن، فـعائشة رضي الله عنها قالت له: لم ترحم رسول الله من العناء، بينما كان عمر بن الخطاب إذا رأى من الرجال أو النساء من ينوح ماذا يصنع؟ يضع التراب فوق رأسه ويضربه.
قال البخاري رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن علي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً حين قتل القراء، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزناً قط أشد منه) ]. وذلك حينما أرسل سبعين حافظاً للقرآن إلى بئر معونة بناء على طلب القوم، فقد قالوا: ارسل لنا يا رسول الله من يحفظنا القرآن، فأرسل إليهم سبعين حافظاً من أصحابه، يخطئ من يظن أنه لا يعقل أن الصحابة كانوا يحفظون القرآن؛ فهنا عندنا في الحديث على أنهم كانوا سبعين حافظاً.
[ (فلما جاءوهم خانوا العهد وقتلوهم جملة واحدة، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وبدا ذلك في وجهه، وظل شهراً يقنت عليهم) ]، أي: على هذه القبيلة أو القبيلتين اللتين قتلتا حفظة القرآن، فظل شهراً يدعو عليهم والحزن يبدو على ملامح وجهه، لذا شرع له أن يظهر الحزن عند حلول المصيبة، والبخاري قد وضع ضابطاً لعل أحدهم يفهم أنه لابد عند نزول المصيبة من أن يظهر الحزن، فقال رحمه الله تعالى: لا، فقد تنزل المصيبة ولا يظهر الحزن، والدليل على ذلك: أنه بوب بعد هذا الباب باباً سماه: [باب: من لم يظهر حزنه عند المصيبة].
حدثنا بشر بن الحكم حدثنا سفيان بن عيينة أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة : أنه سمع أنس بن مالك يقول: اشتكى ابن لـأبي طلحة ]، فـأبو طلحة الأنصاري تزوج أم سليم ، وأم سليم هي أم أنس الذي دفعته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، والابن الذي اشتكى اسمه عمير ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يداعبه ويقول له: (يا
وفي يوم من الأيام خرج أبو طلحة لعمله وترك ابنه مريضاً، فمات الولد في غياب أبيه، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً ونحَّته في جانب البيت، وفي الرواية الأخرى: هيأت نفسها، يعني: تزينت. وفي الحديث مشروعية تزين المرأة لزوجها عند الموت. وفي رواية أخرى: وتطيبت. يعني: وضعت الطيب لزوجها وابنها ميت في البيت، ولم تُظْهِر على وجهها الحزن، وأبو طلحة لم يعلم أن ابنه قد مات. ولما عاد إلى بيته قال: كيف الغلام؟ وفي هذا مشروعية اطمئنان الأب على أبنائه، فقالت: قد هدأت نفسه. أي: أرادت أن نفسه قد فارقت الحياة، بينما فهم أبو طلحة رضي الله عنه أن نفسه قد هدأت بالنوم، وهذا ما يسمى بالمعاريض، والمعاريض فيها مندوحة عن الكذب، ولا تستعمل إلا عند الضرورة، وتأملوا إلى المرأة عندما قالت: وأرجو أن يكون قد استراح، فهي رضي الله عنها لم تجزم بأنه قد استراح، وإنما رجت رجاءً، ولذلك حينما أقول: زوج مبارك، أي: أرجو من الله أن يكون مباركاً، فهذا رجاء وليس قطعاً.
قال رحمه الله تعالى: [ وظن أبو طلحة أنها صادقة، فباتا، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل ] أي: اغتسل من جماع. وفي الرواية الأخرى للبخاري : وعرضت، أي: أنه يجوز للمرأة أن تعرض لزوجها، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
قال: [ فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات ]، أي: عندما أراد الخروج قالت له: إن ولدك قد مات.
ثم قال: [ فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما ]، أي: قص عليه ما حدث منهما.
قال: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما) ]، وفي رواية أخرى: (بارك الله لكما في ليلتكما) فقطع لهما بالبركة. يقول الراوي من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن. وكل هذا بفضل دعوة النبي عليه الصلاة والسلام. وهنا نقول: إن أم سليم لم تظهر الحزن عند حلول المصيبة، والنبي قد أظهر الحزن في بئر معونة وفي غزوة مؤتة، وعلى هذا صنف البخاري : باب: (ظهور الحزن عند حلول المصيبة)، وباب: (من لم يظهر الحزن عند حلول المصيبة).
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا علماً نافعاً، ونعوذ بك يا رب من علم لا ينفع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
آمين آمين.
الجواب: نعم، فهذا من قضاء الرواتب الآكدة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: إن كنت تعرفهما ويستمعان لقولك ولك عليهما ولاية فلا بأس أن تنكر عليهما، وإن كنت لا تعرفهما فبلغ السلطات، وإن تعذر ذلك فأضعف الإيمان أن تنكر بقلبك. لكن قد يقول قائل: ولماذا أنكر بقلبي؟ ولماذا لا أدخل مباشرة؟ أنت الآن لا يحاسبك الله، لأنك لا تملك سلطة التغيير، وإنما الذي يملك سلطة التغيير من بيده سلطة التغيير، فإما أن ترفع الأمر إلى السلطة وتكون قد أبرأت إلى الله، وإما أن تكون لك ولاية عليهما فتدخل، وإن لم يكن لك ولاية وتغيير ذلك سيؤدي إلى منكر أشد فيجب عليك تركه.
وأحكي واقعة حدثت في بلدتي، فقد رأى أخ ملتزم مثل هذا المشهد فأراد أن ينهى عن المنكر، فجذبته البنت ثم قالت: يريد أن يساومني عن نفسي، وجاءت الشرطة وانقلبت المعايير، فدخل الأخ السجن وإلى الآن لا أدري أخرج أم لا؟! لذا كان لابد على المسلم أن يفقه واقعه، وليس معنى ذلك الدعوة إلى السلبية، وإنما خذ موقفاً إيجابياً، كأن تأتي بأربعة من الناس يشهدون، أو تبلغ السلطات، وبذلك تكون قد أمنت الفتنة على نفسك.
الجواب: طبعاً أنت تعلم أن بعض هذه الحبوب يتعاطاها المدمنون، فيقول لك أحدهم: أعطني علاج الكحة مثلاً فإذا به يشرب الزجاجة كاملة، وإذا بمنظره -والعياذ بالله- قبيح، فأنت عند ذلك تعاونه على المنكر، فأقول لك: تب إلى ربك عز وجل من هذا الفعل، وظاهر حال الذي يشتري يحكم عليه، فإن كان مريضاً ويستدعي العلاج فلا بأس، أما إن كان غير ذلك فأنصحك أن تترك العمل.
ونفترض أن وزارة الصحة وضعت تعليمات أن هذا الدواء لا يباع إلا مع الروشتة فينبغي أن تلتزم بها، وهذا من المصالح المرسلة.
الجواب: يجوز إن لم يوجد المحارم، لكن المحارم يقدمون إن وجدوا، وعثمان قد اعتذر عن النزول مع أم كلثوم ، فأنزل النبي صلى الله عليه وسلم صحابياً آخر أجنبياً للضرورة، أما في حال عدم الضرورة فالمحارم أولى.
الجواب: إذا تحققت من وجود البول على السجادة فلابد أن تغسل، والنجاسة تميز باللون أو الطعم أو الرائحة، فإذا تتبعت الرائحة ولم تجد، ولم تستطع أن تميز بالطعم أو باللون، فصل ولا حرج؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، والواجبات تسقط بالعجز، والمشقة تجلب التيسير: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، لكن قد نجد بعض الناس عنده وسوسة، فيأخذ السجادة ويغسلها بأكملها، وقد سألني أخ فقال: كلب صعد إلى أعلى السطح ومر بلسانه على الملابس، فهل نغسل كل الملابس؟ لا. فهو مر على أحد الملابس، وسار بجوار الملابس الأخرى، ومن صلى متلبساً بنجاسة ولم يعرف فلا بأس عليه، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي نعله نجاسة، ولم يعد الصلاة؛ لأنه لم يعلم بها، والأدلة على ذلك كثيرة جداً.
الجواب: نعم، لك أن تقضي بشرط أن تقضي الوتر شفعاً، وهذا هو اختيار علمائنا، فإن كنت توتر بثلاث فصل أربعاً، وإن كنت توتر بواحدة فصل مثنى، و(صلاة الليل مثنى مثنى)، فتقضى على الكيفية التي تصلي بها في الليل، وهي: مثنى مثنى كما ورد في صحيح مسلم ، وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين في رياض الصالحين، والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر