إسلام ويب

تفسير سورة طه [9-14]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان أول أمر موسى حين بدأه الوحي أنه لما عاد من مدين ومعه أهله قد رأى في الطريق ناراً، وذلك في طور سيناء، فأراد أن يقتبس من النار ما يستدفئ به، وإذا بربه يناديه ويصطفيه بالرسالة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى ...)

    معنى قوله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى)

    قال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9].

    هنا كان المدخل لقصة موسى وكيف بدأه الوحي، وكيف اختاره الله لكلامه حتى صار كليم الله، أي: كلمه الله جل جلاله، فقال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9].

    هل: استفهام تقريري، أي: وقد علمت ذلك وتقرر عندك، وتأكد علمه لك، وعلى ذلك فموسى فيما علمت وأوحي إليك نبي صادق، ومن أولي العزم الخمسة من بين الرسل، وهذه قصة بدء نبوءته وبدء الوحي له.

    فقوله: حَدِيثُ مُوسَى [طه:9]:

    أي: قصة موسى وما حدث بينه وبين ربه.

    قصة بدء الوحي لسيدنا موسى عليه السلام

    قال تعالى: إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10]:

    وبيان ذلك: أن موسى بعد أن قتل الذي قتل من قوم فرعون نصرة لبعض قومه من بني إسرائيل، جاء بعض قومه في مصر فحذره قائلاً: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:20] أي: كانوا يريدون قتله والثأر منه، فخرج موسى من مصر خائفاً يترقب الجواسيس الذين يتبعونه، ولما وصل ماء مدين وجد قوماً يستقون من بئر في ازدحام كبير، ووجد بعيداً من السقي امرأتين تدفعان غنمهما، قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص:23].

    أي: نحن ضعيفات لا نحتمل الزحام، ولا يليق بنا ونحن نساء أن نزاحم الرجال، بل ننتظر إلى أن يذهب هؤلاء الأقوام الأقوياء فنسقي.

    وكان موسى قوياً شديد الشكيمة شاباً كامل الرجولة، فسقى لهما، وأوى إلى الظل، فجاءتا أباهما قبل وقتهما المعروف بزمن، فتساءل: ماذا حدث؟ فأخبرت بقصة الرجل الذي سقى لهما، وأنه قوي أمين؛ لأنه جاء إلى الصخرة التي يحملها عشرة من الناس وحملها بمفرده.

    وأما أمانته فإنه لما كان ذاهباً إلى شعيب كانت البنت أمامه تدله على الطريق، وكانت الريح تتلاعب بثوبها، وتحدد بدنها، فقال: تأخري، ودليني على الطريق برمي حصاة، فتلك أمانته.

    فلما أوى إلى الظل قال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24].

    وكان جائعاً متعباً خائفاً، فلما وصل إلى شعيب قال له: بلغت الأمان فلا خوف عليك، فإنه لا حكم لفرعون في هذه الأرض، ودعا له بالطعام وبالشراب، ثم عرض عليه أن ينكحه إحدى ابنتيه على أن يأجره ثماني حجج، أي: ثمان سنوات، ثم طمع فيه وقال: وإن أتممتها عشراً فمن عندك.

    وسئل صلى الله عليه وسلم: (ما الذي فعل موسى مع شعيب ؟ قال: فعل معه الأكرم والأوفى) أي: خدمه عشر سنين.

    ولما تمت العشر أخذ زوجته، وكان لا يخرج بها إلا في الليل؛ لشدة غيرته كي لا يراها أحد، وكانت حاملاً في شهرها التاسع، وكان البرد شديداً، وكان هذا عند طور سيناء، وتلك البلاد شديدة البرد كثيرة الثلج، فأخذها وقد ابتعد عن الطريق حتى لا تقع عليها عين، وإذا به يشعر أنه قد ضل الطريق، وهو يريد أن يعود لمصر ليزور أمه وأخته اللتين ابتعد عنهما عشر سنوات كاملة، وبينما هو في هذه الحيرة إذا به يبصر من بعيد ناراً في الجانب الأيمن من جبل الطور.

    معنى قوله تعالى: (إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا)

    قال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [طه:9-10] كانت معه زوجته فقال لها: أقيمي وانتظريني، إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [طه:10] أي: أبصرت ناراً، وهو يريد ناراً ليصطلي ويدفأ بها مع زوجته.

    لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10] والقبس من النار جذوة كما عبر عنها في آية أخرى، وهي قطعة من جمر تؤخذ فتشعل لإيقاد نار أخرى، وأخذ ورقاً من الأرض يابسة يريد أن يشعلها، وعندما أتاها رأى عجباً؛ رأى شجرة سمر خضراء شديدة الخضرة والنار محيطة بها، وكانت النار على غاية ما يكون من الصفاء، كاللون الأبيض، فرأى أنه لا الشجرة احترقت، ولا النار تأثرت بماء الشجرة وخضرتها، وإذا به يدرك بعد ذلك أن هذه النار نور وليست ناراً، فهي نور الله جل جلاله الذي تجلى للجبل فجعله دكاً وخر موسى صعقاً، والذي كلم الله منه كليمه موسى صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا.

    وبهذا قال جمع من الصحابة والتابعين، أي: أنها نور وليست بنار، وإنما كانت ناراً في ظن موسى، ولكن الحسن البصري كان يقسم ما هي بالنور، وإنما هي نار، ومن حجب الله التي احتجب بها النار، ولو كشف عنها لأحرقت سبحات وجهه من انتهى إليه البصر من خلقه.

    وقد قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: (هل رأيت ربك عندما أسري بك إليه؟ قال: نور أنى أراه).

    قوله: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10].

    ففهمنا من (قبس): أنه كان في برد شديد، والوقت وقت برد شديد، فذهب ليصطلي ويأتي بجذوة من نار وقبس منها.

    معنى قوله تعالى: (أو أجد على النار هدى)

    قوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10] أي: أنه ضال ضائع قد تاه عن الطريق فرجا أن يجد إنساناً هناك يهديه للطريق الذي يوصله إلى مصر، وقد كانت ولا تزال صحاري تتيه فيها القطا لا يعلم أولها من آخرها، وقد تاه قوم موسى فيها أربعين عاماً، لا يصل موسى للقدس، ولا يصل قومه في حياته للقدس، يقرب إلى مدينة أريحا على أميال منها، فيموت في أريحا ولا يدخلها، وقد قال عليه الصلاة والسلام في قصة الإسراء: (لقد رأيت موسى يصلي على الكثيب الأحمر عند أريحا، ولو كنت هناك لأريتكم مكانه).

    والذي وصل بعد أخوه هارون فقد عاش بعده، ثم خليفته على قومه يوشع بن نون .

    قوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10] أي: من يهديني.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما أتاها نودي يا موسى...)

    قال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى [طه:11].

    أي: لما وصل إلى هذه النار، ورأى ما رأى كما ذكرنا، وإذا به يسمع اسمه ينادى به: يا موسى، يا موسى! فقال: من يناديني فإني أسمع الصوت ولا أرى المنادي؟ فقال: أنا فوقك، وأنا معك، وأنا أمامك، وأنا من خلفك، وأنا بين يديك!

    فقال: ذاك الله، ولا يليق هذا الوصف إلا به.

    وإذا بالله يقول له: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12].

    وعندما سمع النداء كان كله آذاناً صاغية منتبهاً لمن يناديه، وما الذي يراد منه، فقول الله جل جلاله: أَنَا رَبُّكَ [طه:12] أي: المنادي هو الله ربك، فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12].

    وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سبب أمره من الله بخلع نعليه أن نعليه كانتا من جلد حمار ميت لم يذكَّ. وقيل: لقدسية المكان وطهارته، ولذلك وصف الله المكان بعد ذلك: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12].

    وذكر هذا بعد قوله: (اخلع نعليك) يدل على أن خلع النعلين لم يكن لأن النعلين لم تذكيا، ولا لأنهما من جلد حمار، ولكن لطهارة المكان، كما إذا دخلنا إلى جوف الكعبة يجب أن نخلع النعال.

    قوله: طُوًى [طه:12] هو اسم الوادي، قرئ: ( طوىً ) بالتنوين ( وطوى ) بلا تنوين على أنه ممنوع من الصرف؛ لأنه معدول عن ( طاو )، كعمر عن عامر وزفر عن زافر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ...)

    قال تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13].

    أي: أنا اصطفيتك لرسالاتي واخترتك لنبوءتي على من في عصرك ومن في زمانك، فأنت مختارهم، وأنت مصطفاهم، ولا يلزم أن يكون ذلك دائماً، فنبينا أفضل منه، وهو المصطفى والمختار، وقد قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر).

    قوله: فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13]:

    أي: لما سأوحيه إليك، وأكلمك وأخاطبك به.

    قال تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14].

    فكان أول ما قال له من الوحي: إنه الله الواحد لا إله إلا هو.

    قوله: (فاعبدني) أي: أفردني بالعبادة ووحدني، فلا ثاني معي، ولا شريك لي، وما زعمه من زعم من أعداء الله السابقين واللاحقين كلها أكاذيب، وكلها أضاليل ما أنزل الله بها من سلطان.

    قوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14].

    أقم الصلاة: أي: استعد لها، وجهز نفسك وأعضاءك وحواسك لذكري؛ لتكون بذلك ذاكراً لي وحدي، عابداً لي وحدي، متفرغاً لعبادتي وحدي، ولا يليق بالله الواحد أن يشرك به في شيء، لا في ذات ولا صفة ولا فعل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال عمن نسي صلاة كما في مسند أحمد والصحيحين: (من نسي صلاة فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها).

    فقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] أي: إذا نسيت وقتها وغفلت عنها فصلها عندما تذكرها، وذلك وقتها، وقد رفع القلم عن الناسي حتى يذكر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755819075