إسلام ويب

تفسير سورة طه [1-8]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • افتتح الله سورة طه بخطاب نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ما أنزل عليه القرآن ليشقى، ولكن تذكرة لمن يخشى، ثم ذكر سبحانه أنه لا إله إلا هو، وأنه مستو على عرشه، وله ملك السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى وأن له سبحانه الأسماء الحسنى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ...)

    قال الله جل جلاله: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1-3].

    طه: اختلف المفسرون في تفسيرها وبيانها أكثر مما اختلفوا في فواتح السور والحروف المقطعة، وقيل عنها: إنها من الحروف المقطعة الماضية، وحكمها حكمها.

    وقيل: طه: يا رجل، في لغة عكل وذبيان.

    وقيل: يا إنسان.

    وقيل: بأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي وأكرم بالنبوءة بالغ في العبادة حتى كان يقوم الليل كله، فاضطر بأن يراوح بين قدميه، ويقف على رجل ويرفع أخرى، كما روى عياض ذلك في الشفاء فقال الله له: طه [طه:1].

    أي: طأ الأرض بقدميك، ولا تتعب نفسك، فلم ينزل عليك القرآن لشقاء ولا عناء ولا تعب.

    وروي: بأن طه اسم من أسماء الله جل جلاله.

    وروي: أنه اسم من أسماء السورة.

    وروي أنه اسم من أسماء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله.

    وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا عند ربي قد سميت بعشرة أسماء، فذكر منها طه وياسين).

    وكما سبق أن قلنا: لا يمكن البت والقطع بمعنى من هذه المعاني؛ لأننا لم نرو حديثاً صحيحاً في ذلك نعتمده ونلغي جميع الروايات، ولم يحصل لنا إجماع من الصحابة أو ممن جاء بعدهم، فنحن نلقي كل ذلك، ونقول: يحتمل المعنى أن يكون واحداً من هذه المعاني.

    طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2]:

    أي: لم ننزل عليك يا محمد هذا القرآن لتتعب به وتشقى منه، وقد قالت له كفار قريش عندما رأوا عناءه وتعبه وما يدخله على نفسه من مشقة السهر والقيام عابداً وقائماً وساجداً وراكعاً، قالوا له: لقد شقيت بهذا الكتاب يا محمد، فكذبهم الله وقال لنبيه: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2].

    فلم يكن القرآن للشقاء لا لك ولا لأتباعك، بل كان للهناءة والراحة، والهداية والصلاح، ولسعادة الدنيا والآخرة، ولا يقلب من ذاك إلى غيره إلا إذا كان القارئ غير مسلم، أو مسلماً ناقصاً، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (رُبَّ قارئ يقرأ القرآن والقرآن يلعنه).

    فالقرآن يلعن الكاذبين، ويلعن الفاسقين، ويلعن الظالمين والكافرين.

    قوله: إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:3].

    استثناء منقطع من غير جنس الأول، أي: ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى الله والدار الآخرة، وما أنزلناه إلا عظة لمن يخاف الله، ويخاف عذابه ويخاف نقمته، وهو على ذلك ما أنزل إلا أمانة، وما أنزل إلا سعادة، وما أنزل إلا راحة، وليس كما زعم هؤلاء.

    وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] .

    وفي معجم الطبراني عن ثعلبة بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله جل جلاله للعلماء يوم القيامة عندما يستوي على الكرسي للقضاء بين الخلائق: ما أعطيتكم من علمي ومن حكمتي إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي).

    قال الحافظ ابن كثير المفسر الجليل: هو حديث، جيد السند متصل الرواية، وثعلبة بن الحكم صحابي جليل ترجم له في كتب الصحابة.

    قوله: إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:3].

    أي: ولكننا أنزلناه تذكيراً وتذكراً، وتفسيراً وتمعناً لمن يخشى الله والدار الآخرة، ويحسب حساب ما بعد الموت.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى)

    قال الله تعالى: تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى [طه:4].

    (تنزيلاً) بدل من (تذكرة).

    أنزله الله جل جلاله على خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم كتب السماء، وليكون كتاب الحياة وكتاب الممات، وكتاب العظة والدرس، وكتاب الحكم والسلوك، كتاب ما يحيون من أجله، ويحيون له، وما يموتون على سلوكه والأدب معه.

    تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى [طه:4].

    والذي خلقها هو الله جل جلاله، والذي أنزل القرآن على عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم هو الله جل جلاله، فمنزل القرآن هو خالق الأرض وخالق السموات السبع.

    والعلى جمع عالية، وهي عالية بالنسبة لمن في الأرض، والأرض سافلة بالنسبة لمن في السماء، والكل خلق الله، والكل من أمر الله، والكل تحت جلال الله وتدبيره.

    ولن يقدر على إنزاله، وعلى الوحي به إلا من قدر على خلق السموات السبع العلى، وخلق الأرضين السبع السافلة، وأوحى بالكتاب لنبينا عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)

    قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

    الرحمن هو الله جل جلاله، وهو من الأسماء التي لا يليق أن يسمى بها إلا هو جل جلاله، قد نسمي مالكاً، ونسمي عزيزاً، ونسمي رءوفاً، ويكون ذلك مجازاً، ولكن اسم الجلالة الله واسم الجلالة الرحمن من خواص أسماء الله جل جلاله، لا يسمى بهما غيره، ولا يليقان بسواه.

    وما العرش؟ وما الاستواء؟

    العرش: خلق من خلق الله، كما في الصحاح والأحاديث المتواترة، يقول جل جلاله: (ما السموات العلى وما الأرضون السفلى أمام عظمة العرش إلا كحلقة ملقاة في صحراء من الأرض أو في فلاة من الأرض).

    لا يعلم عظمه، ولا يعلم كبره، ولا يعلم كم يصل إلا خالقه جل جلاله، وقد فسر هذه الآية سلف وخلف.

    أما الخلف: فزعموا أنهم يريدون بذلك أن يخضعوا قواعد التوحيد إلى الفلسفة اليونانية وإلى مذاهب علم الكلام من الأشعرية والماتريدية والمعتزلة وما إلى ذلك، فقالوا كلاماً عند فهمه وتحقيقه نخرج بأنا لا نعلم أين الله، فهم يقولون: لا في السماء ولا في الأرض، ولا خارجاً عنها، ولا داخلاً فيها، لأن كل شيء من ذلك إذا قلناه قلنا بالحيز، وذلك من صفات المخلوق.

    فقلنا لهم: ما حملكم على ذلك، ألا يكفيكم ما جاء عن الله، وعن رسول الله، فنثبته كما جاء ونؤمن به كما أنزل وكما فسره صلى الله عليه وسلم؟

    ويقولون عن تفسير السلف: رأي الخلف أعلم، ورأي السلف أسلم.

    ونحن نقول: رأي السلف في هذا أعلم وأسلم معاً، أسلم لأننا نروي فيه آيات، ونروي فيه أحاديث، وما كان الاستدلال عليه بقال الله قال رسوله كان أعلم بالقطع واليقين، وما كان فيه آية كريمة وحديث نبوي صحيح كان أسلم عاقبة، وأسلم مسئولية، أمام السؤال في القبر، وأمام سؤال الله يوم الحشر، ويوم العرض عليه جل جلاله.

    ومن هنا عندما يقال في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، ونقول: إن هناك رأيين وتفسيرين أحدهما: وصفه بالأعلم، والثاني: وصفه بالأسلم، نقول نحن: الرأي الذي فسره السلف أسلم عاقبة، وهو أعلم دليلاً وبرهاناً.

    وقد سئل الإمام مالك رحمه الله وهو في المسجد النبوي: يا أبا عبد الله ! ما معنى قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]؟ فأطرق ملياً وفكر برهة ثم التفت إلى السائل قائلاً: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، يا شرطي أخرج هذا من مسجد رسول الله. فاعتبره من المفسدين!

    وذلك لأن السلف لم يدققوا في هذا فقد فهموه بلغته العربية، وبالدلالة عليه عندما حصروا المعنى في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فقالوا: لا شبيه له لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وكل ما ورد مما يشبه ذلك أو يتشابه فالله أعلم بحقيقته، وليس معناه على ظاهره، إذ الله جل جلاله لا يستوي استواء خلقه، ولا يجلس جلوس خلقه، ولكننا نقول كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، ونعتبر التدقيق في ذلك والنبش عليه من بدع علماء الكلام.

    ومن هنا كان السلف الصالح يكرهون علم الكلام، وقالوا: علم الكلام كلام بلا دليل، كلام بفلسفة تشبه الفلسفة اليونانية التي تعدم الحجة والدليل من قال الله وقال رسوله، ومن هنا كتب ابن تيمية كتاباً يذم فيه علم الكلام، وينفر عنه، وكتب بعده بأكثر من قرن السيوطي كتاباً زيفه وقبحه ونفر عنه، وكلا الكتابين مطبوعان منتشران.

    والقرآن منه متشابه وغير متشابه، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7].

    وكقاعدة عامة سلفاً وخلفاً: لا نكاد نجد طائفة ضالة مبتدعة إلا وتحتج على بدعتها بالآيات المتشابهات، وقد قال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يتبع المتشابه فذلك الذي حذر الله منه).

    خاصة إذا كان الاهتمام بالمتشابه قبل الاهتمام بالمحكم من الحلال والحرام، ومن القصص ومن ذكر الأنبياء، ومن ذكر الدنيا والآخرة، ومن ذكر الجنة والنار، ومن ذكر ما جرى على الضالين المكذبين، وما سيجري على الصادقين المتقين الأخيار من عباده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض..)

    قال تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى [طه:6].

    الله جل جلاله الذي وصف ذاته العلية بأنه على العرش استوى ذكر أن له السموات السبع والأرضين السبع، وما بين السموات والأرضين، وما بين كل سماء وسماء، وما بين كل أرض وأرض، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى [طه:6].

    يقول صلى الله عليه وسلم عن السموات: (ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام) ولم يحدد لنا هل هي من تقدير سنوات الأرض، أو مما قال الله عنه في كتابه: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]، أو كخمسين ألف سنة كما في مقدار العروج إليه، وبما أنه لم يفصل فإننا نمر ذلك كما ورد ونقول: الخمسمائة عام يحتمل أن تكون خمسمائة ألف عام، ويحتمل أن يكون اليوم بخمسين ألف سنة.

    وما بين سمك بداية السماء ونهايتها خمسمائة عام كذلك، والأرض التي نراها وما تحتها، وما نراه من المجرات والنجوم التي لا حصر لها هي ما بين السماء والأرض، فهي خلق الله، وتحت أمر الله وجلال الله.

    والثرى: التراب الندي، كالتراب الذي يصيبه طل وندى، وبهذا المعنى ورد في مسند أبي يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قفل من غزوة تبوك، وكان الوقت وقت حرارة شديدة، ففرق الناس وحداناً وجماعات، يقول جابر بن عبد الله : (كنت مع فرقة بين ثلاثة وأربعة، وإذا برجل يمر علينا ويقول: أفيكم محمد؟ قال: فيذهب رفاقي وأبقى أنا واقفاً، وأقول له: هو ذاك محمد الراكب الجمل الأحمر، فوقف ينتظر، فجاء صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وهو على جمله الأحمر، مقنع بثوبه من حرارة الشمس، فتقدم هذا الرجل السائل عنه وقال له: أأنت محمد؟ قال: نعم. أنا محمد، وما تريد؟ قال: أريد أن أسألك أسئلة تجيبني عنها؟ قال: سل عما بدا لك.

    فأخذ يسأل: أينام الأنبياء؟ قال: تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم.

    قال: مم يكون الشبه في الأولاد بين الآباء والأمهات؟ قال: للرجل ماء أبيض غليظ، وللمرأة ماء رقيق أصفر، متى امتزج الماءان وغلب أحدهما على الآخر كان الشبه.

    قال: ما للولد من الأب وما له من الأم؟ قال: له من الأب العظام والعصب والعروق، وله من الأم اللحم والدم والشعور.

    ثم قال له: ما هذه الأرض وما الذي تحتها؟ قال: خلق من خلق الله.

    قال: وماذا تحتهم؟ قال: أرض.

    قال: وما تحت الأرض؟ قال: الظلمة.

    قال: وما تحت الظلمة؟ قال: ماء.

    قال: وما تحت الماء؟ قال: الثرى.

    قال: وما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم دمعاً وقال: هنا انقطعت علوم الخلائق إلى علم الخالق، وما المسئول أعلم من السائل، وإذا به لم ير، فقال للحاضرين صلى الله عليه وسلم: ذلك جبريل).

    هذا الحديث استغربه ابن كثير ، واستغربه يحيى بن معين وقالا: إن فيه علة لأنه من رواية القاسم بن عبد الرحمن وقد تفرد به، ولا يحتمل تفرده بمثل هذه الأحاديث؛ ولكنه على أي حال أقرب لتفسير الثرى المذكور في الآية، ومجموع الآثار الواردة في ذلك من أحاديث وإسرائيليات فيها ما يشبه هذا المعنى، وأن بعد الثرى ثور، وبعد الثور نوناً، والنون كذا كذا في عظمه.

    أما هذا الحديث فمتصل السند معروف الرجال، وكون القاسم لم يحتمل لكنه يستأنس به في تفسير الثرى من الآية، ولا يغير لنا حكماً، ولا يغير لنا قاعدة في علم التوحيد وتفسير كتاب الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى)

    قال تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].

    أي: يا أيها الإنسان قد علم الله بحالك، وعلم بقولك، سواء جهرت به وأعلنته أم أسررته، أم كان أخفى من السر، فهو في علمه سواء.

    والسر: هو ما أسررت في نفسك، ولم ينطق به لسانك.

    وأخفى منه ما سيكون غداً أو بعد غد مما لا يعلمه إلا الله ولم تحدث به نفسك بعد، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً.

    ولما كان الأمر كذلك فأنت لم تتحدث بعد بما غاب عنك، وبما لا يعلمه إلا الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى)

    قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8].

    القرآن كله مبني على هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد فهذه الكلمة الجليلة قامت عليها السموات والأرضون وما بينهن، وهذه الكلمة هي التي أرسل الله من أجلها رسله وأنبياءه؛ ليعلموا خلقه أن لا إله إلا هو ولا خالق غيره، ولا رازق سواه، ولا مدبر للخلق إلا هو جل جلاله، وهذا أكد في القرآن في غير ما سورة، والشيء إذا تكرر تقرر حتى يصبح ضبطاً ملزماً، وقضاءً مبرماً.

    وإلى كلمة (لا إله إلا الله) دعت الأنبياء منذ آدم أبي البشر إلى خاتمهم نبينا صلى الله عليه وسلم، وما اختلفوا في هذا، وإنما تختلف الشرائع والأحكام وأنواع العبادات، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء أبناء علات، أبونا واحد وأمهاتنا شتى) والعلات هن الضرائر، بمعنى: أن شريعة الله لنا في الدعوة إليه، ولوحدانيته ولعبادته وحده لم نختلف فيها، ولكن شرائعنا وطرقنا متعددة، وكلها موصلة إلى الله.

    وقوله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [طه:8]:

    أي: الله جل جلاله الذي انفرد بهذا الاسم العلي علماً على ذاته العلية، لا إله غيره، ولا رب سواه، انفرد بالخلق وبالرزق وبالتدبير، لا ثاني له في صفة ولا ذات ولا أفعال، فالكل لله ومن الله جل جلاله، فلم يحتج إلى معين، ولا مساعد، ولا شريك، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً.

    قوله تعالى: لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8].

    أي: أن الله واحد، والأسماء التي ندعوه بها، ونضرع إليه بها، ونتعبده بها كثيرة وقد ذكر بعضها في كتابه، وكلها حسنى، والحسنى مؤنث الأحسن، وقد مضت هذه الآية مفسرة في السور الماضية، ونعيد ملخص ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة).

    وكلها أسماء حسنى، وقد أمرنا أن ندعوه بها؛ ليستجيب لنا ربنا جل جلاله قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755909011