إسلام ويب

سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الأنعام [12-13]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله تعالى في كتابه بأسلوب السؤال والجواب ملكه لجميع ما في السماوات والأرض، ملكاً مطلقاً، كما يبين تعالى عظيم منته على عباده بكتابته الرحمة على نفسه ولا ملزم له تعالى، ومن تمام ملكه لعباده أنه يجمعهم ليوم القيامة ليجازي المحسن بإحسانه والمسيء على إساءته، كما أن من تمام ملكه تعالى أن له ما سكن في الليل والنهار وما تحرك فيهما، وهو الموصوف بالصفات العلا، وله الأسماء الحسنى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله...)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد انتهينا في الدرس الماضي إلى قول الله تبارك وتعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام:11]، وقلنا: إن السير يكون سير اعتبار إذا كان بالأبدان والقلوب، ثم قال الله جل وعلا: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:12-13].

    قلنا في درس سبق: إن السورة تتبع أسلوب التلقين والتقرير، ومن أساليب التقرير السؤال والجواب، فالله يقول لنبيه: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام:12]، أي: سل هؤلاء، والجواب تكفل الله به؛ لأنهم سيجيبون به حتماً، ولكنهم سيمتنعون عن الإجابة حتى لا يقعوا في لوازمها، فقال الله جل وعلا: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام:12]، واللام هنا لام الملك المطلق، قال الله تعالى: قُلْ لِلَّهِ [الأنعام:12]، فاللام هذه -وإن كانت جارة في الصناعة النحوية- هي لام الملك.

    بيان معنى قوله تعالى (كتب على نفسه الرحمة)

    ثم قال الله تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12].

    وهذا من رحمة الله بعباده: فاللفظ نفسه مشعر برحمة الله جل وعلا بعباده، فعندما يأتي سؤال قرآني إلهي: لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام:12]، ويأتي الجواب الإلهي: قُلْ لِلَّهِ [الأنعام:12] يصيب ذلك القلوب التي تعرف الله بالخوف، فلكي تسكن تلك القلوب وتطمئن يبين الله جل وعلا أن رحمته واسعة، فقد أخبر الله جل وعلا بلازم فضل ألزم به نفسه؛ لأن الله لا ملزم له، فقال: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12].

    وهذه الآية جاءت مصدقة بالأحاديث، فقد قال صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -: (إن الله كتب كتاباً عنده فوق العرش أن رحمتي تسبق غضبي)، أو (أن رحمتي غلبت غضبي)، ومنهج كثير من العلماء المفسرين عند هذه الآية إيراد الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله جل وعلا غلبت رحمته غضبه، فيوردون حديث المرأة التي رأت رضيعاً في السبي فضمته إلى صدرها، فقال صلى الله عليه وسلم لمن حوله من الصحابة: (أتظنون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟! فقالوا: لا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعباده من هذه بولدها)، وغيره من الآثار.

    والمهم بالنسبة لنا نحن -المخاطبين بالقرآن- أن نفهم ونفقه معنى قوله تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12]، حيث يدفعك قول الله جل وعلا: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12] أول ما يدفعك إلى حسن الظن بالله جل وعلا، ومن حسن الظن بالله: أن تحسن الظن بالناس، فإن الإنسان أحياناً إذا رأى بعض الناس على معصية أساء الظن بهم، والدافع إلى سوء الظن هنا أنه يغلب على ظنه أن الله جل وعلا لن يرحمه، ويأخذ ويتصور ويتخيل هذا العاصي وهو يعذب؛ لأنه غلب على ظنه أن الله لن يرحمه، فيصبح يرى هذا العاصي كالعدو له، وتأتي منه ألفاظ وأفعال وأقوال يشعر منها الإنسان الآخر بالغلظة والجفاء، وهي ناجمة عن حالة نفسية تصورها؛ لأن هذا الرجل في الأصل لا يحسن الظن بربه.

    فلما رأى من تلبس بالمعصية لم يغلب عليه أنه قد يرحم، وإنما قطع جوانب الرحمة كلها، ولم يبق في ذهنه إلا أن هذا الرجل سيعذب لا محالة، فلما علم في نفسه أن هذا الرجل معذب لا محالة عاداه، وهكذا أحوال يتبع بعضها بعضاً، كالفتاوى المرتبة، حتى يصل إلى ألفاظ وأقوال وأفعال ناجمة في أصلها -لو بحثت فيها- عن سوء الظن بالله جل وعلا، والله يقول: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12].

    ولهذا أثر ونقل عن كثير من السلف عبارات تدل على عظيم حسن ظنهم بالله، فقد قيل لـأبي حازم وقد أراد أن يتبع جنازة رجل مدمن خمر: أتتبع جنازة هذا؟! فقال: والله إني أستحي من الله أن أظن أن رحمته عجزت عن ذنب عبد مؤمن.

    فالله جل وعلا يقول عن نفسه: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12]، وهذا أشبه بالتوطئة لما بعده، فما الذي بعده هو الوعيد، حيث يقول تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12].

    وإذا كان الله قد كتب على نفسه الرحمة؛ فحري بالعبد أن يرحم نفسه وأن يرحم من حوله.

    أثر الرحمة بالناس على قلوبهم تجاه راحمهم

    والإنسان يكون قريباً من الناس إذا شعر الناس بأنه موئل رحمة، فإذا شعر الناس بأنه موئل رحمة تعلقت قلوبهم به، وإذا شعر الناس بأن زيداً أو عمراً من الناس ليس فيه رحمة تمنوا خلاصه والانفكاك منه، ومما يستظرف في هذا أن الإنسان أحياناً من جهله قد لا يرحم نفسه، فقد ذكر الجاحظ الأديب المعتزلي المعروف في كتاب البخلاء عن رجل اسمه: الثوري -وهو غير سفيان الثوري المعروف- أنه كان فيه بخل شديد، فأصابته حمى هو وأهل بيته وغلمانه، فنجم عن هذه الحمى أن أهل بيته أصبحوا لا يستطيعون الأكل، فما كان مهيئاً مقدراً لأن يأكلوه في أيام لم يأكلوه، فزاد عنده شيء من الدقيق، فوجد أن الحمى قد نجم عنها غنيمة؛ لأن الدقيق قد زاد، فمن عدم رحمته بنفسه أصبح يقول: يا ليت منزلي بسوق الأهواز أو بنطاة خيبر أو في ديار الجحفة!

    والأهواز: منطقة في إيران حالياً مشهورة بأنها موبوءة كثيرة الحمى، وخيبر بلد حمى، ونطاة خيبر موضع في خيبر أشد خيبر حمى ووباء، والجحفة قد ثبت فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بأن تنتقل الحمى من المدينة إلى الجحفة، فهي أرض موبوءة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خربة موجودة إلى اليوم، وهي ميقات، ولهذا يحرم الناس من رابغ؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يبقى في الجحفة، وإن كان فيها سكان قليلون.

    فالمقصود أن هذا الرجل لما وجد النفع من الدقيق الذي زاد تمنى أن يكون مسكنه في إحدى هذه الديار الثلاث؛ لأنها ديار حمى، لتكون الحمى فيه وفي أهله طيلة، لينجم عن ذلك زيادة في الطعام.

    وهذه القصة ذكرها الجاحظ في باب في كتاب دونه أسماه: (البخلاء) دون فيه أحوال أهل عصره، وقد كان من سير الأدباء آن ذاك أنهم يدونون أحوال عصرهم، فدون الجاحظ حال البخلاء ودون حال المعلمين ولكل طريقته في الأدب، وكان الأدب يوم ذاك في حالة تأسيس، وحين يكون الأدب في حالة تأسيس فإنك لا تستطيع أن تضبطه؛ لأنه بعد ذلك يأخذ طرائق ومناهج قددا.

    والذي يعنينا هنا أن هذا الرجل أتي من أجل رحمته بنفسه، ولكن الإنسان إذا رحم نفسه فأول ما يخط لها توحيد الله؛ لأن توحيد الله جل وعلا أعظم المنجيات، بل لا منجي غيره، فيكون من رحمة الإنسان بنفسه توحيد الله، ثم بعد ذلك ينتقل الإنسان إلى نفع الغير فيكون رحمة، ولهذا لما أراد الله أن ينعت نبيه قال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

    فمن كان ولياً في بيته -رجلاً كان أو امرأة- أو كان معلماً، أو مسئولاً في إدارة، أو أميراً في مدينته، إن لم ير الناس منه جانب الرحمة تمنوا زواله، ومن كان رحيماً فنه سيموت قطعاً، ولكن الرحيم في الناس إذا مات بكى الناس عليه دماً قبل أن يبكوا عليه دمعاً وذكر بخير.

    بيان معنى قوله تعالى (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه)

    ثم قال تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، والذي أقسم هنا هو رب العالمين، وهو -جل وعلا- أصدق القائلين.

    ويتحرر من هذا أن أصدق القائلين أقسم على أن هناك جمعاً، فمن أعظم اليقينيات الكبرى في حياتنا أن هناك بعثاً ونشوراً، فإن قيل لنا: لماذا؟ قلنا: لأن أصدق القائلين جل جلاله أقسم على أن هناك جمعاً وبعثاً ونشوراً فقال تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، وهذه اللام هي لام القسم.

    وهناك لامات أخر، منها لام الجحود، ولام الجحود كائنة في القرآن كثيراً، تأتي في خبر كان المنفية، كقول الله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى [هود:117]، فـ(كان) سبقت بـ(ما) النافية، فأصبحت (كان) هنا منفية، و(رب) اسمها، والكاف مضاف إليه، و(يهلك) خبرها جملة فعلية، فسبق الفعل باللام، وهذه اللام اصطلح أهل النحو على تسميتها بلام الجحود.

    وهناك لام أخرى اسمها: اللام المزحلقة، أي: استقر في الذهن أنها تحركت من .. من مكان إلى مكان، فيقولون: إن (إن) التوكيدية التي تنصب اسمها وترفع الخبر إذا جاءت اللام في خبرها فإن الأصل أن هذه اللام كانت موجودة في الاسم، فانتقلت من الاسم إلى الخبر، ولذلك أسموها اللام المزحلقة، وأحياناً لا تعمل (إن)، بل تخفف، فإذا خففت دخلنا في إشكال، وهو أنه يوجد (إن) نافية تعمل عمل (ليس)، فإذا خففت (إن) اشتبهت مع (إن) النافية، فوجب التفريق بينهما، فيأتون باللام في خبر (إن) المهملة، ويسمونها اللام الفارقة، قال الله -وهو أصدق القائلين- في القرآن: وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ [المؤمنون:30]، فـ(إن) هنا ليست نافية، وإنما هي مخففة من (إن)، ولذلك جاءت اللام في خبرها، وأصلها هي اللام المزحلقة، ولكن لما خففت (إن) أصبحت اللام تسمى اللام الفارقة.

    بيان معنى قوله تعالى (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون)

    قال الله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، ثم قال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:12]، ومن جميل ما حرره السعدي هنا في المناسبة بين قول الله جل وعلا: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، وبين قوله: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:12] أنه قال: إن هذا اليوم الذي أقسم الله بوقوعه يؤمن به أهل الطاعة وأهل الإيمان، ويجحده أهل الكفر، ولهذا قال الله بعدها: الذين لا يؤمنون بي هم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ [الأنعام:12]، أما عبارة: خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ [الأنعام:12]، فتحرير خسارة النفس من حيث الإجمال في الدنيا فساد الفطرة، ففساد الفطرة هو أعظم خسران للنفس، وبحسب فساد الفطرة وبلوغ المرء فيه يكون خسران النفس.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار...)

    قال الله تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، واللام: لام الملك.

    والمقصود منها: أن جميع العالم علويه وسفليه في قدرة الله تبارك وتعالى وتحت مشيئته ونفعه.

    بيان وجه إفراد الساكن بالذكر دون المتحرك

    وهنا إشكال، وهو أن المخلوقات قسمان: ساكن ومتحرك، والله نص هنا على أحدهما فقال: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13].

    وتوجيه هذا الإشكال عند العلماء ينقسم -كما حكاه ابن العربي - إلى ثلاثة أوجه: فقال بعضهم: لما كانت المخلوقات الساكنة أكثر من المتحركة اكتفى الله جل وعلا بذكر الساكن، فيندرج هذا التوجيه تحت ما يسمى بباب التغليب.

    فالذين ذهبوا إلى هذا التوجيه أصحاب صناعة تعتمد على التغليب، ولهم قرائن، ومنها أن التغليب موجود في اللغة.

    وقال بعضهم: إن الله جل وعلا نص على الساكن لأنه ليس كل ساكن يتحرك، ولكن كل متحرك يسكن، فنص الله على الساكن لأنه سيندرج فيه المتحرك لزاماً، ولهذا جاءت الظرفية في قوله تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الأنعام:13]، فما كتب الله له أن يتحرك نهاراً سيسكن ليلاً، وما كتب الله له أن يتحرك ليلاً سيسكن نهاراً، فقالوا: إن هذه الظرفية حلت الإشكال؛ لأن كل ساكن لا يلزم منه أن يتحرك، ولكن كل متحرك سيسكن، فإن لم يسكن ليلاً فسيسكن نهاراً، وهذا التوجيه يحتاج إلى إثبات؛ فنحن لا نعلم أن جميع المخلوقات لا بد من أن تسكن.

    وقال بعضهم: إن هذا يسمى وفق الصناعة البلاغية اكتفاء، والاكتفاء: أن تقول شيئاً تكتفي به، فلازمه محرر أصلاً لا حاجة إلى التلفظ به، فقالوا: إن الله جل وعلا اكتفى بذكر (ما سكن) اكتفاء بأن كلمة (ومتحرك) ستأتي لا محالة، ومن نظائر هذا في القرآن أن الله قال: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل:81]، ولم يذكر الله البرد، والناس يحتاجون إلى التوقي من البرد أكثر من الحر، فقالوا: هذا من الاكتفاء.

    فالله ذكر أحد الأمرين واكتفى به ودخول الآخر فيه لازم لا بد منه.

    وليس المقصود من الآية هذا الذي أطلقناه من باب اللغة والبلاغة، وإنما المقصود من الآية إثبات أن العالم كله تحت مشيئة الله جل وعلا، لا يقع فيه إلا ما أراد الله.

    بيان معنى قوله تعالى (وهو السميع العليم)

    ثم قال الله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، السميع لأقوالهم، العليم بما تكنه ضمائرهم وسرائرهم.

    وهذا أمر نزدلف به إلى قضية الموعظة العامة، وهي أن الإنسان إذا علم أن كل ما سكن في الليل والنهار لله تبارك وتعالى وحده أذعن لله وأسلم لله جل وعلا قلبه.

    1.   

    أثر الاستشفاء بقوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار)

    وهناك علم يسمى العلم التجريبي، يقوم على التجربة، والآيات في القرآن حينما نتعبد الله بها نتعبده تعبداً محضاً لا يدخله التجريب، فنحن محكومون بالشرع ومحكومون بالأثر.

    ولكن نقول: إن الله تعالى قال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]، وقد دلت تجارب الناس وأهل الصلاح منهم على وجه الخصوص على أن هذه الآية: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، لها أثر حميد إذا تليت على الشيء الذي يؤذي، كألم الضرس أو أشباهه من آلام الأعصاب التي تتحرك ولا تجعل المرء يرتاح في مقامه، فإذا تلي عليها قول الله جل وعلا: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، يكون في ذلك أثر حميد.

    قلت: هذا يندرج تحت ما يسمى بالطب، والطب علم تجريبي، فلا يتنافى هذا مع قداسة القرآن، خاصة مع قول الله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82].

    هذا ما تيسر إيراده وتحرر إعداده وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756236928