إسلام ويب

سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الأنعام [فاتحة السورة]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما يعجب المرء له أشد العجب أن يرى الله تبارك وتعالى قد أقام الحجج الدامغة، والبراهين المعجزة، والآيات الباهرة، الشاهدة بألوهيته وربوبيته، ثم يجد بعد ذلك كله من يعدل بالله شريكاً قد لا يسمع ولا يبصر، بل ولا يغني عنه شيئاً، وهذا هو الظلم العظيم، والضلال المبين، فلا إله إلا الله، ولا معبود سواه، ولا مألوه إلا هو سبحانه جل جلاله.

    1.   

    الكلام على تفسير قوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض... ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    فهذه أوبة حميدة وعودة مباركة بإذن الله لبرنامجنا ولقاءاتنا الموسومة: بمحاسن التأويل، والتي مضت السنة فيها ولله الحمد والفضل والمنة ونحن نتأمل كلام ربنا جل وعلا، ولا مجلس أعظم ولا ملتقى أشد وأكثر بركة وفضيلة من مجلس وملتقى يتأمل فيه كلام رب العالمين جل جلاله، وقد من الله علينا بفضله ورحمته بالشفاء، وهانحن نعود معكم -أيها المباركون- فنسأل الله جل وعلا ألا يكلنا لأنفسنا طرفة عين، وأن يجعلنا من الشاكرين لنعمته، المثنين عليه تبارك وتعالى.

    ونقول: إننا في هذه الأوبة سنشرع في التأمل في سورة الأنعام، وسنأخذها إن شاء الله تعالى في لقاءات تكون أقل وقتاً مما سبق وجرت العادة عليه، فنقول: قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين مستفتحاً سورة الأنعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1].

    بداية: سورة الأنعام سورة مكية وقد ذكرنا أن الانطلاقة في الوصول إلى أي غاية تبدأ بالعموم، وعما يقال فيها: إنها سورة مكية تظافرت روايات ليس فيهن رواية لها سند صحيح، لكنها متنوعة الطرائق، ولهذا قبلها المفسرون وهي أن السورة نزلت في مكة جملة واحدة وشيعها سبعون ألف ملك، وهذا لا نجزم به، لكن نقول: أكثر أهل العلم من المفسرين عليه، والصناعة الحديثية لا ينبغي أن تطبق بالكامل في مثل هذا المنحى، ما دمنا لم ننسب ولم نرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً.

    ذكر السور التي افتتحت بالحمدلة والتي اختتمت كذلك بالحمدلة

    قال أهل العلم: والسورة هذه أصل في الاحتجاج على المشركين، وقد تضمنت أسلوبين: أسلوب التقرير، وأسلوب التلقين، وسيأتي تفاصيل ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه، استفتحها ربنا جل وعلا بحمده والثناء على ذاته العلية فقال جل جلاله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، وهنا نقول: إنه من باب الاتفاق لا من باب الإلزام جاءت في القرآن خمس سور استفتحهن الله بحمده، وخمس سور ختمهن الله بحمده، فأما الخمس سور التي استفتحهن الله جل وعلا بحمده فهي: سورة الفاتحة، وسورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر، فهذه السور الخمس افتتحهن جل وعلا بحمده، قال ربنا في الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وقال تباركت أسماؤه في الأنعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، وقال جل وعلا في الكهف: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1]، وقال تبارك اسمه في سبأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [سبأ:1]، وقال جل وعلا في فاطر: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1].

    وختم خمس سور بحمده: قال جل وعلا في الإسراء: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا [الإسراء:111]، وقال جل وعلا في النمل: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ [النمل:93]، وقال جل وعلا في الصافات: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:181-182]، وقال جل وعلا في الزمر: وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، وقال جل وعلا في الجاثية: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ [الجاثية:36].

    فهذه خمس سور: الإسراء والنمل والصافات والزمر والجاثية ختمهن الله جل وعلا بحمده تبارك وتعالى.

    نعود للسورة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، أهل الصناعة النحوية يقولون: إن الألف واللام هنا للجنس، فإذا ابتدئ بها تضمنت معنى الحصر، فتصبح الألف واللام في الحمد هنا على سبيل الحصر أي: لا يستحق الحمد أحد غير الله، فإذا قلنا: معنى الحصر أي: لا يستحق الحمد أحد غير الله تبارك وتعالى، والحمد يمكن تحرير معناه بالقول: أنه ما يصدر من فعل على وجه التعظيم للمنعم، وقولهم: للتعظيم احترازاً من الإهانة؛ لأن الله جل وعلا قال في باب التهكم بمن عصاه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]، فهذا ليس فيه حمد ولا إجلال وإنما جرى مجرى التهكم ولهذا قالوا: هو فعل أو قول يصدر على وجه التعظيم للمنعم، ولا يستحق الحمد أحد غير الله، ويمكن صرف الشكر إلى غير الله.

    قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).

    قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، المعنى العام للآية: أن الله تبارك وتعالى يثني على ذاته العلية، ويبين أن من عظيم قدرته وجليل حكمته وسعة رحمته خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ومع هذه القرائن الظاهرة والأدلة الباهرة هناك من يجعل معه غيره، أي: يجعل له نظيراً ومثيلاً ونداً وهو صنيع أهل الإشراك، هذا المعنى العام للآية، لكن جرت العادة أننا لا نتوقف عند هذا، بل نبحر في الآية ونستنبط ما فيها، ونحرر المعنى على الوجه التالي:

    فهم العلماء من الآية: أن الجمع مقابل الإفراد يدل على فضيلة الفرد، ودليلهم: أن الله جمع الظلمات وأفرد النور، ومما يؤيده في أسلوب القرآن: قول الله جل وعلا في سورة النحل: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ [النحل:48]، أفردها، وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [النحل:48]، فجمع الشمائل مع الاتفاق على فضل اليمين على الشمال. هذه واحدة.

    ثم اختلف العلماء هنا في معنى كلمة: يعدل، وهو فعلها الأصلي، عدل -أيها المبارك- تأتي على معنيين إذا قلنا عدل عن الشيء أي: مال عنه وانحرف، وإذا قلنا: عدل به أي: ساواه بغيره، فأي المعنيين أراده الله مبدئياً حتى لا تتحمل ثقلاً على ظهرك وتخشى أن تقع في محظور؟ أي المعنيين اخترت فهو صحيح؛ لأن أهل الإشراك عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة غيره، وهذا هو المعنى الأول.

    وعدلوا مع الله غيره بأن جعلوا له شركاء وأنداداً فكلا الأمرين وقعا من أهل الإشراك، ولا ريب أن الإنسان إذا خشي أن يقع في محظور دفعه هذا إلى التقدم والمجازفة في الكلام؛ لأنه أمن الوقوع في المحظور، لكن تحرير الكلام علمياً يأتي على كلمة بِرَبِّهِمْ [الأنعام:1] فالباء هنا: هل هي للإلصاق أو بمعنى عن؟ فإذا أخذنا أن عدل بمعنى: انحرف ومال، فستصبح بمعنى: ثم الذين كفروا عن ربهم يعدلون.

    وقد جاء في القرآن وفي كلام العرب: أن الباء تأتي بمعنى عن، قال تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ [المعارج:1]، والمعنى: سأل سائل عن عذاب واقع، فالباء هنا بمعنى عن، وجاء في لغة العرب قول عنترة الشاعر الجاهلي المعروف:

    هلا سألت الخيل يا ابنة مالك

    وهي عبلة محبوبته وابنة عمه.

    إن كنت جاهلة بما لم تعلم

    وجاهلة خبر لكان، بما لم تعلم أي: عما لم تعلم، أي بمعنى: عن، وهو الذي نبحث عنه الآن.

    أثر الإسلام على الشعر العربي

    إذا خرجنا عن هذا الشاهد قليلاً من باب السياحة الثقافية نقول: إنك تلحظ في بيت الشعر هنا الشعور بالخصوصية وعنترة يتكلم عن نفسه، ولهذا قال في نفس المعلقة:

    ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

    وهذه الفردية والأنانية كانت ذائعة عند الجاهليين، فلما جاء الإسلام أثر في الخطاب الشعري عند العرب، ولهذا جاء في أبيات حسان :

    عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

    وقوله:

    فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء

    وقوله:

    وجبريل أمين الله فينا

    فروح الجماعة والاتحاد والإخاء موجودة في شعر حسان خلافاً لما كان عليه شعر الجاهليين، وهذا من أثر الإسلام على العرب، ونقلهم من حياة الجاهلية الفردية إلى حياة الإخاء والإخوة في الإسلام سياحة ثقافية بعض الشيء.

    قال عز وجل: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، فعدل إذا قلنا: إنها بمعنى: مال وانحرف تصبح الباء بمعنى عن، وإذا قلنا: إنها بمعنى: الإشراك أي: يجعلون مع الله نداً فتبقى الباء على أصلها، وهناك فرقة خرجت عن المألوف الذي عليه أهل الإشراك، فأهل الإشراك وإن كانوا يعبدون مع الله غيره إلا أنهم يعترفون أن الخالق والرازق هو الله، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، هذا الأصل في أهل الإشراك فشركهم شرك عبادة، وليس شرك ربوبية، لكن ليس هذا حال جميع أهل الكفر، فهناك فرقة تسمى: المانوية، وهي في العراق أكثر ظهوراً، وهؤلاء ينسبون كل خير إلى النور، وينسبون كل شر وأذى إلى الظلمة، ولا يقولون بوجود الله، وأحياناً يرد عليهم، لكن ليس كل من يرد عليهم ينتصر لعقيدته، وإنما بعض الناس يحكي تجاربه: فـالمتنبي يرد عليهم بقوله:

    وكم لظلام الليل عندك من يد تُخبِّر أن المانوية تكذب

    هو أراد أن يقول: كم من نعمة حصل عليها في الليل وكان الليل شفيعاً له في النجاة من محظور، فهو بالتجربة يقول: إن هذه التجارب التي عشتها وعاشرتها تخبر أن ادعاء المانوية: أن الظلمة سبب كل شر لا أصل له، فـالمتنبي رد عليهم لكن من منطلق ذاتي وليس من منطلق عقدي، ومشكلة المتنبي أنه يخرج أو يبعث شعره أو يتكلم من مشكاة نفسه لا من مشكاة معتقدات دينية يحملها، وإنما ما تمليه عليه تجاربه أو ما تمليه عليه قراءته فيقولها للناس.

    تأثر العرب والمسلمين بحضارة اليونان وتأثيرها على علومهم

    وأنت تعلم -أيها المبارك- أن الترجمة جاء ذكرها في أيام العباسيين لكن العرب عندما ترجموا عن الكتب اليونانية أكثر ما عنوا به: علم المنطق، وما يعنى بالأدب، فلهذا استفاد الأدباء من تجارب اليونان فظهر في شعرهم ذلك وهو في شعر المتنبي أظهر، واستفاد النحاة في تحرير النحو وتقسيمه ونشوئه من علم المنطق الذي أخذوه عن اليونانيين، فارتقى علم النحو وساد وتفرعت مدارسه، وأغفل العرب آنذاك عمداً أو جهلاً علمين في النقل عن اليونانيين كانا شائعين في الحضارة اليونانية: وهما الفن والسياسة، فلم يترجموا شيئاً في السياسة، ولم يترجموا شيئاً في الفن، ولهذا فالحضارة العباسية بقيت ضعيفة في قضية السياسة؛ لأن علم السياسة لم يؤخذ من اليونانيين، ولم يترجم، فما ارتفعت حياة العرب السياسية في عهد العباسيين، ولهذا لما جاء هولاكو لم يجد دولة قائمة على سوقها لا خليفة يأمر وينهى، ولا جيش منظم يدافع، وإنما هي الخيانة؛ وزير ينتمي إلى مذهب الرافضة تضيع دولة بأكملها بسببه، ولو كانت هناك قوة سياسية منظمة لما أمكن لهم ذلك، ومن أسباب عدم الارتقاء السياسي أمران:

    أولاً: عدم اللجوء إلى الاستفادة من أحداث الصدر الأول وهذا السواد الأعظم.

    والأمر الثاني: عدم الاستفادة من الحضارة اليونانية في علم السياسة، أما الفن فخيراً فعلوا في أنهم لم ينقلوا ولم يترجموا تقدم اليونانيين فنياً.

    هذا استطراد دخلنا فيه من باب قول الله جل وعلا: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]، وذكرنا أن المانوية فرقة تؤمن بأن الظلمة أصل كل شر، وأن النور أصل كل خير.

    على التعريج بالظلمة والنور أهل الشرع الباحثون في كلام الله -جعلنا الله وإياكم منهم- يقولون: إن الله جل وعلا خلق الليل قبل النهار، واستدلوا بآية يس، قال الله تبارك وتعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ [يس:37]، فأخبر الله جل وعلا أن الليل هو الأصل في النهار، وأن النهار مأخوذ منه، لكن الآية التي بين أيدينا الآن في سورة الأنعام لا تدل على هذا، بل تدل على الاقتران، قال الله تبارك وتعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، (ثم) المستقر ذهنياً وفق صناعة النحو أنها: للتراخي، تقول: حضر عبد الرحمن ثم طارق فهذا تراخ زمني، لكن العلماء يقولون هنا: ليس المقصود منه التراخي الزمني؛ لأن هناك بوناً شاسعاً بين خلق السموات والأرض وبين كفر كفار قريش؛ لأن كفار قريش آخر الأمم، والله جل وعلا خلق السموات والأرض قبل أن يخلق أبانا آدم، فجاء على هذا: أن التراخي هنا المقصود به التراخي بين الرتبتين، أي: على طريق الاستبعاد، بمعنى: أن الآيات ظاهرة، والدلائل قائمة، والشواهد واضحة، في أن الله لا ينبغي أن يعبد معه غيره، ثم مع هذا الظهور الجلي الواضح يأتي أهل الإشراك فيعدلون مع الله غيره أو يعدلون عن عبادة ربهم، فالتراخي هنا للتراخي بين رتبتين، وليس للتراخي الزمني، وإن كانت تتضمن التراخي الزمني لزاماً؛ لأن هناك تراخ زمني كبير ما بين خلق السموات والأرض وكفر كفار قريش.

    معنى كلمة (جعل) في القرآن

    قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، قلنا: إن يعدل هنا تأتي بالمعنيين، وقلنا: إنه لا حرج في اتخاذ أحد هذين المذهبين، كذلك في قوله تبارك وتعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]، هنا جعل بمعنى: خلق، لكنها ليست دليلاً للمعتزلة في: أن جعل تأتي بمعنى: خلق على الإطلاق، وهذا حررناه في لقاءات سابقة، لأن المعتزلة الفرقة المعروفة تقول: إن جعل في القرآن كله بمعنى: خلق، وهذا مما يحاولون به الوصول إلى أن القرآن مخلوق، والقرآن قطعاً منزل، لكن جعل تأتي أحياناً بمعنى: خلق، وتأتي أحياناً بغير معنى خلق، قال الله تبارك وتعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [الزخرف:19]، فهذه ليست بمعنى خلق اتفاقاً، فلا يمكن لأهل الكفر أن يكونوا خالقين للملائكة، لكنهم اعتقدوا هنا أن الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، فقول الله جل وعلا: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1] إنما هو تفنن في الخطاب، وإلا فخلق السموات والأرض هو عين خلق الظلمات والنور.

    هذا ما تحرر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، حول الآية الأولى التي افتتح الله جل وعلا بها سورة الأنعام. سائلاً الله لي ولكم التوفيق،وصلى الله على محمد وعلى آله، لحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756364210