إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - جواز الاستلقاء على القفا وما جاء في أدب المجلس والجليس

شرح رياض الصالحين - جواز الاستلقاء على القفا وما جاء في أدب المجلس والجليسللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإسلام جاء ليؤدب المسلمين ويهذب أفعالهم، ويرتقي بهم في سلم المثالية، حتى يكونوا مثلاً يحتذى به، ومما جاء به الإسلام من الآداب ما يتعلق بالجلوس والاضطجاع خاصة في المسجد، فبين ضوابط الاضطجاع وحذر من انكشاف العورة أثناء ذلك، كما بين ضوابط الجلوس، وبين الجلسات المنهي عنها.

    1.   

    ما جاء في جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا لم يخف انكشاف العورة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: [باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا لم يخف انكشاف العورة وجواز القعود متربعاً ومحتبياً.

    عن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى) متفق عليه.

    وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة.

    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبياً بيديه هكذا ووصف بيديه الاحتباء: وهو القرفصاء) رواه البخاري .

    وعن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها قالت: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق) رواه أبو داود والترمذي].

    هذه الأحاديث يذكرها الإمام النووي رحمه الله في كتابه القيم رياض الصالحين في باب: جواز الاستلقاء على القفا، يعني: النوم على الظهر.

    فللإنسان أن ينام على ظهره ويضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا لم يخف انكشاف العورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الهيئة، فكأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الإنسان ينكشف وهو نائم، كأن تكون ثيابه عبارة عن قميص ليس تحته شيء، فإذا وضع رجلاً فوق الأخرى انكشفت عورته، فإذا كان الإنسان قد استطرأ وضع إحدى الرجلين على الأخرى من تعب أو من مرض ونحو ذلك، ولن ينكشف منه شيء جاز له أن يفعل ذلك، فهنا يذكر الإمام النووي رحمه الله القيد وهو إذا لم يخف انكشاف العورة.

    كما ذكر في الباب جواز القعود متربعاً أو محتبياً، والمرء له أن يجلس أي جلسة كجلسة التشهد أو أي جلسة أخرى طالما أنه ليس منهياً عنها، فإذا جاء النهي نقف عند حدود النهي، فلا يجوز للإنسان أن يضع إحدى رجليه فوق الأخرى بحيث تنكشف عورته وهو على هذه الهيئة.

    شرح حديث عبد الله بن زيد: (أنه رأى رسول الله مستلقياً واضعاً إحدى رجليه على الأخرى)

    الأدلة على ما ذكر في هذا الباب منها ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً واضعاً إحدى رجليه على الأخرى) صلوات الله وسلامه عليه.

    فهو رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرة من المرات، فكأنه صلى الله عليه وسلم تعب فنام على ظهره في المسجد ووضع إحدى الرجلين على الأخرى صلوات الله وسلامه عليه.

    ففعله صلى الله عليه وسلم لذلك مع نهيه عنه يدل على أن النهي ينزل على حال، والفعل على حال أخرى، فنهيه عن ذلك إذا كان الإنسان تنكشف عورته عند فعله ذلك، أما إذا كان الإنسان متعباً ووضع إحدى الرجلين على الأخرى ولا يخاف التكشف فله أن يفعل ذلك.

    شرح حديث: (كان النبي إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء)

    من الأحاديث حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) وهذا الحديث يقول عنه النووي : صحيح، وقد رواه الإمام أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة.

    والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه، فكانت عادة عنده صلى الله عليه وسلم أو كثيراً ما يصنع ذلك، إلا إذا انشغل بشيء عليه الصلاة والسلام، فكان يجلس متربعاً، وجلسة التربع جلسة معروفة، فكان يجلس على هذه الهيئة صلى الله عليه وسلم حتى تطلع الشمس حسناء، وهذه الهيئة فيها أدب، فمن يجلس متربعاً غير الجالس وقد مدد رجليه، وغير النائم على ظهره واضعاً إحدى رجليه على الأخرى، فحال النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس متربعاً صلى الله عليه وسلم، فهل يا ترى نقدر الآن أن نجلس هذه الجلسة من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس؟ هذه المدة تقدر بحوالى ساعة وربع إلى ساعة ونصف، فيقول الراوي هنا وهو جابر بن سمرة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء)، والمعنى: أنه لا يصلي بمجرد أن تطلع الشمس؛ لأن هذا وقت يحرم فيه الصلاة؛ لكن بعد أن يبدو قرص الشمس ثم ترتفع شيئاً فوق الأرض، وهذا يكون بعد حوالى ثلث الساعة من طلوع قرصها كاملاً فعندها يجوز لك أن تصلي صلاة الضحى، فكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وقد جاء فضل ذلك في حديث رواه الترمذي وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة في جماعة - يعني: صلاة الفجر في جماعة - ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة قال: تامة، تامة، تامة) .

    فيمكن للإنسان أن يحصل كل يوم أجر حجة وعمرة، وإن كان هذا لا يغني عن حجة الإسلام، ولا عن عمرة الإسلام، ولكن الأجر يساوي أجر حجة، وأجر عمرة، وكم نفرط في مثل ذلك من غير سبب!

    وعلى المؤمن أن يحاول أن يكسب الثواب قدر المستطاع، وكما ذكرنا قبل ذلك فإن الإنسان لا ينظر في العبادة إلى من هو دونه، ولكن الأسوة الحسنة والقدوة العظيمة هو النبي صلوات الله وسلامه عليه، فافعل ما فعله صلى الله عليه وسلم، إذا رأيت غيرك يفرط في مثل هذا الأجر فالتمس له العذر، فلعل لديه ما يشغله أو أنه لم ينم بالليل ويحتاج لأن ينام الآن، فأنت عليك بنفسك، فإذا كان عندك الوقت لتفعل هذا الشيء فلا تفرط في هذا الثواب، ففي الحديث: (من صلى) و(من) من ألفاظ العموم أي: أي أحد سواء كان رجلاً أو امرأة (الغداة في جماعة ثم قعد) فهذا يصلي صلاة الفجر في جماعة في المسجد في بيت الله سبحانه، وحتى لو كان في مكان لا يوجد فيه مسجد والناس اجتمعوا في بيت من البيوت وصلوا الجماعة فله نفس الحكم؛ لأنه لم يقل: لا بد أن يكون في مسجد بحيث لو لم يكن في مسجد فإنه سيضيع هذا الأجر، فإذا صلوا في جماعة وجلسوا حتى تطلع الشمس ثم صلى الواحد منهم ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على المؤمن أنه يعطيه الأجور العظيمة على أعمال يسيرة، فحين يتذكر الإنسان ما في الحج من مشاق ويعلم أنه يمكن أن يدرك هذا الأجر عندما يصلي صلاة الفجر في جماعة، ثم يجلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، فإنه عند ذلك لن يفرط في مثل هذا الثواب، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله يجلس في مجلسه حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين.

    قال: (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين) يعني: انتظر في مكانه الذي هو فيه حتى يصلي الركعتين كان له من الأجر العظيم كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.

    والحديث مختص بمن صلى في جماعة، فلو أن المرأة صلت ببناتها في بيتها جماعة وجلسن يذكرن الله سبحانه حتى ذلك الوقت وصلين ركعتين لكان لهن مثل هذا الأجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط على النساء الصلاة في المسجد: (صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجدها) فعلى ذلك يكون لهن نفس هذا الأجر إن فعلن ذلك.

    لكن صلاة الرجل لا بد أن تكون في المسجد حيث ينادى بالصلاة، ويجلس في المسجد يذكر الله سبحانه، أما إذا كان البلد لا يوجد فيه مسجد فله العذر في أن يصلي مع الجماعة في أي مكان ثم يجلسون حتى تطلع الشمس فينالون ذلك الأجر.

    والغرض من الحديث: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس هذه الفترة متربعاً صلى الله عليه وسلم، وهذه من الجلسات الفاضلة في الجلوس، فالإنسان عندما يجلس جلسة التشهد فهذه جلسة عظيمة وجلسة التربع تليها.

    فضل المكث في المسجد بعد الفجر حتى تشرق الشمس وصلاة ركعتين

    إن الإنسان المؤمن يحاول أن يكسب الثواب قدر المستطاع وكما ذكرنا قبل ذلك فإن الإنسان لا ينظر في العبادة إلى من هو دونه، ولكن الأسوة الحسنة والقدوة العظيمة هو النبي صلوات الله وسلامه عليه، فافعل ما فعله صلى الله عليه وسلم، إذا رأيت غيرك يفرط في مثل هذا الأجر فالتمس له العذر فلعل لديه ما يشغله أو أنه لم ينم بالليل ويحتاج لأن ينام الآن، فأنت عليك بنفسك فإذا كان عندك الوقت لتفعل هذا الشيء فلا تفرط في هذا الثواب، ففي الحديث: (من صلى) و(من) من ألفاظ العموم أي: أي أحد سواء كان رجلاً أو امرأة (الغداة في جماعة ثم قعد) فهذا يصلي صلاة الفجر في جماعة في المسجد في بيت الله سبحانه، وحتى لو كان في مكان لا يوجد فيه مسجد والناس اجتمعوا في بيت من البيوت وصلوا الجماعة فله نفس الحكم؛ لأنه لم يقل أنه لا بد أن يكون في مسجد بحيث لو لم يكن في مسجد فإنه سيضيع هذا الأجر، فإذا صلوا في جماعة وجلسوا حتى تطلع الشمس ثم صلى الواحد منهم ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على الإنسان المؤمن أنه يعطيه الأجور العظيمة على أعمال يسيرة، فحين يتذرك الإنسان ما في الحج من مشاق ويعلم أنه يمكن أن يدرك هذا الأجر عندما يصلي صلاة الفجر في جماعة، ثم يجلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، فإنه عند ذلك لن يفرط في مثل هذا الثواب، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله يجلس في مجلسه حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين.

    قال: (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين) يعني: انتظر مكانه الذي هو فيه حتى يصلي الركعتين كان له من الأجر العظيم كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.

    والحديث مختص بمن صلى في جماعة، فلو أن المرأة صلت ببناتها في بيتها جماعة وجلسن يذكرن الله سبحانه حتى ذلك الوقت وصلين ركعتين لكان لهن مثل هذا الأجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط على النساء الصلاة في المسجد: (صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجدها) فعلى ذلك يكون لهن نفس هذا الأجر إن فعلن ذلك.

    لكن صلاة الرجل لا بد أن تكون في المسجد حيث ينادى بالصلاة، ويجلس في المسجد يذكر الله سبحانه، أما إذا كان البلد لا يوجد فيها مسجد فله العذر في أن يصلي مع الجماعة في أي مكان ثم يجلسون حتى تطلع الشمس فينالون ذلك الأجر.

    والغرض من الحديث: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس هذه الفترة متربعاً صلى الله عليه وسلم، وهذه من الجلسات الفاضلة في الجلوس، فالإنسان عندما يجلس جلسة التشهد فهذه جلسة عظيمة وجلسة التربع تليها.

    شرح حديث ابن عمر: (رأيت رسول الله بفناء الكعبة محتبياً ... )

    ومن الجلسات أيضاً: الاحتباء أو القرفصاء، وسواء كان الاحتباء بأن يحيط ركبتيه بيديه أو يلف عليها ثوباً من وراء ظهره، فكان النبي يجلس على هذه الهيئة وكأنه يستريح ما بين التربع وبين هذه الجلسة، فجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبياً بيديه هكذا) ووصف بيديه الاحتباء فأمسك إحدى يديه بالأخرى وأحاط بهما ركبتيه عليه الصلاة والسلام، وفسرها البخاري على أنها القرفصاء ، وهو أحد التفاسير التي جاءت في معنى جلسة الاحتباء، وقالوا: بل هي جلسة الإنسان الذي يتهيأ للقيام فكأنها تدخل تحتها في اللغة، ولكن الإمام البخاري اختار هذه الجلسة لأنها قد تكون طويلة، فيستريح على هذه الهيئة.

    شرح حديث قيلة بنت مخرمة: (رأيت النبي وهو قاعد القرفصاء...)

    عن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها قالت: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء) يعني: جلسة الاحتباء، فهذه المرأة لما نظرت للنبي صلى الله عليه وسلم أخذها المنظر، وكأنها تقول: هذا رسول الله الذي نسمع عنه الرسول العظيم يجلس هذه الجلسة على الأرض بينما كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من الملوك يجلسون على العروش فقالت هنا: (فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق) أرعدت لهيئة النبي صلى الله عليه وسلم، أي: من الخوف من الله سبحانه، ومن إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وهو على هذه الهيئة عليه الصلاة والسلام.

    وجاءت رواية لهذا الحديث عند الطبراني بإسناد لا بأس به وذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح قالت: (فجاء رجل فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله، وعليه أسمال مليتين) يعني: هذه كانت هيئة النبي صلى الله عليه وسلم والأسمال جمع سمل: وهو الثوب البالي، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس إزاراً ورداء باليين.

    قالت: (وعليه أسمال مليتين كانتا بزعفران فنفضتا) يعني: كأن الملايتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسهما كانتا في الماضي عليهما لون الزعفران، ولكن مع القدم والبلى ما عاد عليها شيء من هذا اللون، قالت المرأة: (وبيده عسيب نخلة مقشرة قاعداً القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال له جليسه: يا رسول الله! أرعدت المسكينة) يعني: المرأة صارت ترتعش لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الهيئة وهو لم ينظر إليها صلوات الله وسلامه عليه، فالرجل الذي معها يقول: المرأة أرعدت من هيئتك يا رسول الله، عليه الصلاة والسلام فقال: (أرعدت المسكينة فقال ولم ينظر إلي: يا مسكينة عليك السكينة) فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا مسكينة عليك السكينة قالت: فذهب عني ما أجد من الرعب) ، وإنما كان رعب المرأة حين رأت النبي صلى الله عليه وسلم يجلس جلسة إنسان متواضع لله سبحانه في غاية الخشوع وغاية السكينة عليه الصلاة والسلام، فهيئته صلى الله عليه وسلم جعلت المرأة تخشع لله سبحانه، وتخاف وتهاب النبي صلى الله عليه وسلم وتجله.

    ذكر قصة قيلة بنت مخرمة في دخولها على النبي وهو جالس القرفصاء برواية أحمد من حديث الحارث البكري

    وهذا الحديث رواه الإمام أحمد من حديث الحارث بن حسان البكري في قصة طويلة فيقول الحارث : (خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها) هذا الرجل خرج يشكو عاملاً للنبي صلى الله عليه وسلم عنده، وهذا العامل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه حدث بينه وبينهم شيء، فهذا الرجل ذهب يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة فهل أنت مبلغي إليه؟) فالعجوز كانت من بني تميم وهو من قوم أعداء لبني تميم، ولكنه أشفق على المرأة، وأنها كانت تريد أن تذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما من أحد من قومها يذهب بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله) يعني: لما وصل الحارث وجد المسجد قد غص بأهله فلما سأل عن ذلك علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيبعث بعثاً مع عمرو بن العاص رضي الله تبارك وتعالى عنه.

    قال: (فدخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله فاستأذنت عليه فأذن لي) دخل الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم إن كان حصل بينك وبين بني تميم شيء فقال: (نعم. وكانت لنا الدبرة عليهم) يعني: حصل بيننا وبينهم حرب ونحن الذين غلبنا قال: (ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم) فهو عمل خيراً في العجوز التي من بني تميم لما أرادت أن تذهب للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزاً فاجعل الدهناء) ، والدهناء أرض معشبة فيها مرعى للإبل ويحتاج إليها الجميع، فهو يقول: اجعل بيننا وبين بني تميم حاجزاً يمنعهم من أن يعتدوا علينا أو نعتدي عليهم، فلما قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يعرف أرض الدهناء وظنها أرضاً فيها رمال ولذلك وافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وكانت العجوز قد دخلت وسمعت هذا الكلام، قال: (فحميت العجوز واستوفزت) يعني: هاجت وحميت على هذا الذي قاله فقالت: (يا رسول الله! فإلى أين تضطر مضرك؟) يعني: كيف يفعل الناس إذا استفرد هذا وقومه بالأرض المعشبة.

    فقال: (يا رسول الله! إنما مثلي ما قال الأول: معزاء حملت حتفها) ، وهذه قصة معروفة عند العرب، وهي أن رجلاً كان معه معزاء وكان يمشي في الطريق ويفكر ماذا يعمل بتلك المعزاء فإذا بها تحفر في الأرض وأخرجت سكيناً فأخذها وذبحها بها، فالرجل يقول: مثلي كمثل هذه المعزاء، فقال: (حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصماً! أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد) ، وهنا يظهر أدب النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه حيث كان يعرف قصة وافد عاد لكنه سأله عن قصة وافد عاد، ومن أدب المجلس أن الإنسان إذا سمع من آخر حديثاً وهو يعرفه فلا يقاطعه ويخبره أنه يعرفه، قال: (هيه، وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه، قلت: إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له: قيلة فمر بـمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً) وعاد هؤلاء عصوا الله سبحانه، وكذبوا رسول الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإذا بالله سبحانه يتوعدهم بالعذاب، ويأتي هذا العذاب من حيث لا يشعرون، وكان عذابهم بأن منع الله عز وجل عنهم المطر فاشتد الحر عليهم واحتاجوا للماء، وكانت العادة عندهم أن يرسلوا إلى أرض مكة من يدعو الله هناك فأرسلوا وافداً لهم يقال له: قيل فمر بملك من الملوك واسمه معاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان وبعد ذلك تذكر مهمته وخرج إلى جبال تهامة بالحجاز فنادى: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه. وهذا المكان كان له حرمة عند عاد وغيرهم، وهذا قبل إبراهيم بكثير، فموضع البيت كان له حرمة، ولكن الذي رفع قواعد البيت هو إبراهيم بعد ذلك الحادث بزمان طويل، فالرجل يقول: أنا ما جئت لمريض، ولا جئت من أجل أسير، لكن أنا جئت أستسقي فاسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر سحابة، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، وظن أن هذه السحابة السوداء أكثر ماء، فنودي من هذه السحابة: خذها رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، أي: خذها رماداً وناراً تنزل على عاد تحرق الجميع، قال: فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:41-42] فهو اختار السحابة التي تليق بهم فاختار أسود سحابة فكانت أسود الأيام عليهم.

    الغرض من الحديث: أن الرجل قص هذه القصة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بها، ففيها الإقرار لمثل هذا، وفيه أدب النبي صلى الله عليه وسلم في جلوسه الخاشع المتخشع المتواضع صلوات الله وسلامه عليه.

    وفيه أيضاً: أن الإنسان بسمته قد يكون دعوة لغيره، فلما ينظر إليه الغير يعجبه سمته فيكون له قبول عنده، فالسمت الحسن جزء من أجزاء النبوة كما جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

    شرح حديث الشريد بن سويد: (مر بي رسول الله وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري...)

    من الأحاديث التي فيها النهي عن جلسة معينة، حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي) ، هذا الرجل كان قاعداً على الأرض وقد وضع يده اليسرى وراء ظهره، وألية اليد هي راحة اليد من ناحية الكوع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتقعد قعدة المغضوب عليهم) يعني: نهى صلى الله عليه وسلم عن هذه القعدة، وعلل ذلك أن هذه جلسة من غضب الله تبارك وتعالى عليهم.

    والمغضوب عليهم هم اليهود وغيرهم من الكفار، فكأنها هنا على العموم، وإن كان في سورة الفاتحة المقصود بالمغضوب عليهم اليهود ومن شاكلهم، ولكن هنا كأنها جلسة المتكبرين الذين يغضب الله عز وجل عليهم من يهود ونصارى وغيرهم من أعداء الله سبحانه، فلا ينبغي للمسلم أن يجلس هذه الجلسة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما نرى إخواننا في المجلس يجلسون هذه الجلسة عند انتظارهم للصلاة!

    1.   

    ما جاء في آداب المجلس والجليس

    شرح حديث: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه...)

    من الأحاديث الواردة في آداب المجلس والجليس، حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا، وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه) متفق عليه.

    هذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أدب من آداب المجلس، فليس لأحد أن يقيم رجلاً من مجلس ليجلس مكانه، بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجلس بين اثنين إلا بإذنهما.

    إذاً: على المسلم أن يتأدب حين يجلس فلا ينازع أحداً في مجلسه ولا يضايق أحداً في مجلسه وإنما يستأذن فإن أذن له جلس بجواره، وإن لم يأذن له فليجلس حيث يوسع له ولا يضايق أحداً في مجلسه.

    فقال هنا صلى الله عليه وسلم: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا) فأحياناً تكون المجالس واسعة، وفيها من يجلس ماداً رجليه بحيث لا يبقي مكاناً لأحد، فإذا جاءه من يقول: تفسحوا وتوسعوا ويستأذن للجلوس فيقول له: هذا المكان لي ابحث لك عن مكان آخر، كثير من الناس يفعلون هذا الشيء! وللأسف نرى مثل هذا حتى في الحرم، فإذا جاء من يطلب منه أن يفسح له قال: أنا أعتكف هنا، اذهب وابحث عن مكان آخر! فيفعل هذا في بيت الله الذي يفترض أن يكون الإنسان فيه أخشع ما يكون، لعظم هذا المكان.

    فالإنسان المؤمن يتعلم الأدب الشرعي من النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية جلوسه وفي أمره لنا بالتفسح، بل ربنا سبحانه قالها في القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [المجادلة:11] فإذا كنت جالساً في مجلس وكان بجانبك مكان يسع إنساناً فأجلس هذا الإنسان، وتصور أنك في مكانه وجئت تقول للناس: تفسحوا، فهل ترضى أن يمنعك أحد من الجلوس؟ فما لا ترضاه لنفسك لا ترضه لغيرك.

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن توسعوا وتفسحوا، وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلس لم يجلس فيه) فـعبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا جاء ليجلس وقام رجل من أجل أن يجلس مكانه فإنه لا يرضى أن يجلس فيه ليعلم الناس ويؤدب نفسه، فيعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الآتي أن يقيم غيره لذلك هو لم يقم أحداً، وهم مع احترامهم لـعبد الله بن عمر يفعلون ذلك، ولكن هو يخاف على نفسه من الغرور.

    فلا تفرح أيها المسلم إذا قام الناس لك ولا تطلب مثل ذلك، بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) ، فالذي يفرح بقيام الناس له يحضر نفسه للنار والعياذ بالله.

    فالإنسان المؤمن إذا قام له الناس فلا يفرح بذلك، ولكن إذا قاموا له من مجلس فلا يجلس فيه كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، ولو فرضنا أنه جلس فهل عليه إثم؟ لا، ليس عليه إثم، فصاحب المجلس أذن له فيه فلا مانع من أن يجلس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على السيدة فاطمة في بيتها قامت له وقبلته صلى الله عليه وسلم وأجلسته مكانها، وكان هو يفعل ذلك مع ابنته صلوات الله وسلامه عليه، فهذا من باب المحبة لكن إذا كان من باب الترفع على الناس وأنه أولى من غيره بأن يكون خلف الإمام أو حتى مكان الإمام فهذا الذي جاء فيه الوعيد.

    والنبي صلى الله عليه وسلم حدد مواصفات الإمام فقال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإذا كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإذا كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) إذاً: لا يأتي إنسان يتعدى على الإمام ويتقدم عليه في مكانه.

    كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يكون خلف الإمام: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فإذا كان الإمام في الصلاة وجاء إنسان وراءه فلا بد أن يكون حافظاً للقرآن فلعل الإمام يحدث في الصلاة فيكون وراءه من يتقدم فيصلي بالناس مكان الإمام، ولعل الإمام يخطئ في الصلاة فيكون من هؤلاء من يرد الإمام عن ذلك الخطأ الذي وقع فيه.

    إذاً: على الإنسان إذا وقف في هذا المكان وجاء من هو أولى منه فالأولى له أن يفسح له، وإذا كان الإنسان يعرف أن هذا المكان ليس مكانه فلا يقف فيه حتى لا يحرجه أحد في ذلك، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المؤمن أن يتواضع وألا يطلب من أحد أن يقوم له إلا أن يكون لأمر شرعي، والله أعلم.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756188628