إسلام ويب

تفسير سورة الزمر [1 - 4]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله عز وجل نبيه بالإخلاص في العمل والعبادة لله سبحانه، وهو أمر لجميع المؤمنين، فالمشركون لم يخلصوا عبادتهم لله، بل أشركوا مع الله آلهة أخرى، وحجتهم أنها تقربهم إلى الله زلفى، وقد بين الله ضلالهم وبعدهم عن الحق والهدى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الزمر: بسم الله الرحمن الرحيم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:1-4].

    هذه السورة الكريمة هي السورة التاسعة والثلاثون من كتاب الله عز وجل سورة الزمر، وهي من السور المكية، ونعرف من خصائص السور المكية ترسيخ أمر العقيدة في قلوب المؤمنين، أمر التوحيد، وضرب الأمثلة في ذلك، وبيان أن الله سبحانه وتعالى الذي تفرد بالخلق هو الوحيد سبحانه، وهو وحده الذي يتفرد بالأمر بالتشريع، وهو الذي يتفرد بالعبادة وحده لا شريك له فيعبد دون من سواه.

    فبدأ بذكر هذا الكتاب العظيم وقال: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1]، يعني: أن هذا القرآن العظيم نزل من عند الله، نزله الله سبحانه إنزالاً وتنزيلاً من عنده، نزل من السماء إلى الأرض عن طريق جبريل، جاء به للنبي صلى الله عليه وسلم في خلال ثلاث وعشرين سنة، وقد نزل هذا القرآن وفيه أحكام الشريعة والهداية لهذه الأمة، وفيه النور من الله سبحانه وتعالى.

    قوله تعالى: مِنَ أي: بدأ الإنزال من عند الله والانتهاء إلى هذه الدنيا إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه ليتعلم الناس منه صلوات الله وسلامه عليه أحكام الله.

    وقال تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ [الزمر:1] أي: هذا الكتاب المعهود، فاللام: للعهد يعني: هذا القرآن العظيم، هو الكتاب الذي تعرفونه وتعهدونه.

    وقوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ [الزمر:1]، الله الذي تفرد بأن يعبد وحده لا شريك له، فهو الله المألوه المعبود سبحانه، العزيز الذي لا يحتاج إلى أحد، الغالب على أمره سبحانه، القاهر فوق عباده، الذي إذا قضى أمراً مستحيل أن يغالب وأن يمانع فيه، الحكيم الذي له الحكمة العظيمة البالغة في إنزال هذا الكتاب على هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، إذ نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً لا ينزل في وقت واحد، ولكن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث وعشرين سنة.

    1.   

    تفسير قوله سبحانه: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين)

    قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، فعبر بنون العظمة هنا، فالكتاب عظيم، والله عظيم سبحانه، وهو الذي أنزل هذا القرآن وتكلم به سبحانه وتعالى، وأمر عباده أن يحفظوه، وأن يعملوا بمقتضاه، وأن يعملوا بما شرعه الله عز وجل فيه.

    قال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ [الزمر:2] أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس إلى غيره.

    وقوله تعالى: الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر:2]، هذه قراءة الجمهور، وقرئت بالإدغام: الْكِتَاب بِّالْحَقِّ، قرأها أبو عمرو بخلفه، ويعقوب أيضاً بخلفه.

    فقوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر:2] أي: نزل فيه الحق، متلبساً بالحق، نزل حقاً من السماء على النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    وذكرنا قبل ذلك أن الله عز وجل أنزله في ليلة القدر، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، قال ابن عباس: نزل من عند الله عز وجل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في خلال دعوته صلوات الله وسلامه عليه.

    قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يخلص له الدين، وإخلاص الشيء بمعنى: تنقية الشيء، تقول: خلصت الماء من الشوائب، وأخلصت العسل من الشوائب.

    إذاً: أخلص الدين لله معناه: خلص الدين ونقاه فجعله له وحده، فلا يكون في هذا الدين شائبة شرك، ولا يكون فيه كدرات الكفر والبعد عن الله سبحانه، والله أغنى الأغنياء عن الشرك سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي غيري تركته وشركه)، والذي يعمل عملاً لله ولغير الله يتوجب العمل للاثنين، يقول: هذا لله ولفلان، فالله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك، لا يريد هذا العمل ويرده على صاحبه، فيذهب به صاحبه إلى هذا الشريك فيأخذ منه الثواب إن كان يقدر على ذلك! فالعمل لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله غيره سبحانه في الدعاء وفي جميع عباداته.

    إذاً: العبد يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وحده، فلا يصح أن يقول: هذه لله ولسيدي فلان، لا يكون النذر إلا عبادة، ولا تكون العبادة إلا لله وحده لا شريك له.

    ففي هذه الآية أمر من الله لسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه بأن يخلص لله، وهو الذي لا يشرك بالله صلوات الله وسلامه عليه، فكأن الأمر له وللمسلمين جميعاً، فأنت يا محمد عليه الصلاة والسلام مأمور أن تعبد الله ومنهي أن تشرك بالله سبحانه، وهو لا يفعل ذلك ولا يقع في الشرك.

    فكأن الخطاب لغيره عليه الصلاة والسلام، أن اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما أمرناه وفيما اجتنبه صلوات الله وسلامه عليه.

    فقوله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] أي: بكل أنواع العبادات، تقرب إلى الله عز وجل وأنت مخلص لله لا تشرك به أحداً سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألا لله الدين الخالص... )

    قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3]، تأكيد على هذا المعنى العقدي أن الدين لله سبحانه وتعالى، والدين: التشريع من عند الله سبحانه، والتقرب بتطبيق هذه الشريعة يكون لله سبحانه وتعالى.

    إذاً: الدين من عند الله، والتقرب بتنفيذ هذا الدين لله سبحانه وتعالى، وكل عمل من العبادات يحتاج إلى الإخلاص، والإخلاص لا يكون إلا بنية، حتى تفرق بين عمل وبين عمل آخر.

    ولذلك كانت كل عبادة من العبادات لا بد فيها من النية حتى يثاب عليها العبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فالعمل الصالح لا تؤجر عليه إلا بنية خالصة لله سبحانه، وكم من عمل يعمله الإنسان ويكون ظاهره الصلاح ولا يثاب عليه، فيكون هذا العمل في ظاهره أنه يعمل عملاً صحيحاً ولكن في الباطن يريد به السمعة ويريد به الرياء، ولا يستقيم العمل الصالح على طريق الله سبحانه إلا بالنية الخالصة من العبد.

    لذلك احتاج كل عمل إلى نية، وأي عمل فيه قربى أو ثواب لا بد من نية صحيحة من العبد حين يعمله، ولذلك قال العلماء: هذه الآية فيها دليل على وجوب النية في كل عمل يعمله الإنسان، ومن أعظم الأعمال التي يعملها الإنسان الصلاة والوضوء الذي لا تصح الصلاة إلا به.

    إذاً: الصلاة لا بد فيها من نية، والوضوء أيضاً لا بد فيه من نية، وبعض أهل العلم خالف في ذلك، فذهب الأحناف إلى أنه لا يشترط للوضوء النية، وكأنهم حكموا على أمر الوضوء بأنه رفع الحدث حكمه حكم إزالة النجس عن الإنسان، ولا يحتاج فيه إلى نية، قالوا: فكذلك رفع الحدث منه، فلو أن على ثوب الإنسان نجاسة أو على بدنه نجاسة لم تصح صلاته بهذه النجاسة، ويلزمه أن يغسلها، فلو أنه غسل ثوبه أو غسل يده أو غسل عضواً من أعضائه وهو لا يستحضر النية إلا أنه غسل هذا الموضع بالماء حتى أزال منه النجاسة؛ صار طاهراً مع أنه لم ينو، ولو أن عليه نجاسة ونزل عليه ماء من السماء فأزال هذه النجاسة صار طاهراً من النجاسة ولكن ليس متوضئاً، فلا يكون الوضوء ولا يكون الاغتسال لرفع الحدث إلا بنية، قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3]، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، كذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوضوء شطر الإيمان)، هذا لفظ الترمذي ، ولفظ الإمام مسلم : (الطهور شطر الإيمان).

    إذاً: التطهر جزء من الإيمان، و(الوضوء شطر)، ولا يكون شطراً من الإيمان إلا وهو عبادة، إذاً: الوضوء شرط لصحة الصلاة وهو عبادة، ولذلك قال: (الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان)، إلى آخر الحديث.

    فبدأ بالطهور أو بالوضوء، فلا يكون هذا الوضوء وضوءاً تؤجر عليه إلا بنية، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يتوضأ: (تخرج خطاياه وذنوبه مع آخر قطرة من ماء)، إذاً: كل ما مر الماء على عضو من أعضاء الوضوء خرجت معه الذنوب فكيف يكون الوضوء بهذا القدر العظيم يكفر الله عز وجل به الذنوب ولا يكون عبادة؟!

    فإذا أردت أن ينقي الله عز وجل عنك الذنوب وتصح صلاتك فتوضأ، والوضوء لا يكون إلا بنيته، إذاً: لا بد أن تنوي هذا الوضوء عند البداية؛ لتستحضر النية أنك تتوضأ، فتفرق بينه وبين غسل الوجه مثلاً بغرض التنظيف أو بغرض التبرد.

    معنى قوله تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى...)

    قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الزمر:3] يعني: الذين عبدوا أصناماً من دون الله سبحانه، والأولياء جمع ولي، والولي: القريب فتقول: هذا وليي، أي: هذا قريبي، فيتخذ ولياً قريباً له أو شيئاً قريباً منه، يتخذه مدافعاً له وحامياً ومناصراً وناصراً له، فالأولياء اتخذوا هذه الأشياء من دون الله سبحانه وتعالى يتقربون إليها ويطلبون أو يرجون نفعها، وأن تمنع عنهم ضراً من الأضرار، أو أنها تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى.

    فهؤلاء اتخذوا أولياء من دون الله يوالونهم ويعادون فيهم، فهذه الولاية يقول الله سبحانه فيها: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا[الزمر:3]؛ لأنهم يقولون ذلك، يدافعون عن أنفسهم حين يقال لهم: هذه الأصنام التي تعبدونها هل تنفعكم وتضركم؟ هل تملك لنفسها ذلك فضلاً عن أن تملك لغيرها؟ فيقولون: لا، هم يعرفون أنهم صنعوا الصنم بأيديهم، وهذا الوثن الذي يعبدونه هم الذي نقوه من الحجارة ومن غيرها، فالشيطان يلقي في قلوبهم هذه الحجة الباطلة، وهو قولهم: ما نعبدها إلا لتقربنا إلى الله سبحانه وتعالى.

    يعني: كأنهم يريدون أن يقولوا: إن عبادتنا أصلاً لله، ولكن هذه الأصنام واسطة بيننا وبين الله سبحانه، من الذي جعل هذه الأصنام واسطة بينكم وبين الله سبحانه، فتعبدونها من دون الله وهي لا تملك لنفسها ولا لكم نفعاً ولا ضراً؟! فيقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] أي: ازدلافاً إلى الله وتقرباً إليه سبحانه وتعالى بذلك.

    والإنسان حين يتقرب إلى الله لا يتقرب إليه إلا بما شرعه سبحانه وتعالى، ولا يصح للإنسان أن ينقي لنفسه عبادة من العبادات، ويقول: سأتقرب إلى الله بالشيء الفلاني، وإذا كان الإنسان يأنف أن يعطي له آخر شيئاً على وجه الهدية إلا أن يكون يحب هذا الشيء الذي يهدى إليه، ويأنف أن يأخذ شيئاً هو يبغضه من إنسان يريد أن يهديه هذا الشيء الذي يبغضه، فكيف يتقرب إلى الله عز وجل بما يكره الله سبحانه وتعالى ولا يرضاه هو لنفسه؟

    فالله سبحانه يخبر عنهم أنهم يجادلون بالباطل ويقولون: إنها تقربنا إلى الله زلفى.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3] أي: يوم الفصل يوم القيامة، يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3]، فيحكم بين أهل الأديان فيما اختلفوا فيه، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ [التوبة:30]، وقال المشركون: الملائكة بنات الله، عبد هؤلاء المسيح، وعبد هؤلاء عزيراً، وعبد هؤلاء الملائكة، وعبد هؤلاء الأوثان والأصنام، فالله يحكم بين هؤلاء الجميع فيما اختلفوا وزعم كل منهم أنه على الحق، فيجازي كل إنسان بما يستحق.

    وجاء في الحديث أن الله سبحانه وتعالى يقول لعباده يوم القيامة: (ألا يحب من كان يعبد شيئاً في الدنيا أن يتبعه؟ فيقولون: بلى) أي: نريد، فمن كان يعبد الشمس يرى الشمس أمامه ويتبع هذه الشمس، فيجري وراءها حتى تهوي به في النار، ومن كان يعبد القمر يتبع القمر، ومن كان يعبد الجان يتبع الجان إلى النار والعياذ بالله، ومن كان يعبد المسيح يمثل له شيطان في هيئته فيتبعه إلى النار، ومن كان يعبد العزير يمثل له شيطان في هيئته فيتبعه إلى النار وهكذا، كل من عبد من دون الله سبحانه وتعالى آلهة اتبع هذه الآلهة إلى النار والعياذ بالله.

    معنى قوله تعالى: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار)

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] الذي كذب على الله وافترى على الله سبحانه وقال: الله يحب كذا والله يريد كذا، فأمر العباد بمعصية الله سبحانه وزعم أن الله يريد ذلك، وأمر العباد بالكفر وبالشرك بالله؛ استحق من الله أن يضله، والله يهدي من يشاء فضلاً منه سبحانه، ويضل من يشاء عدلاً منه سبحانه وتعالى، ولا يسأل عما يفعل، والإنسان لا يقول: لماذا فلان هذا ضال؟ ولماذا فلان هذا كان مهتدياً؟ الله يفعل ما يشاء سبحانه.

    وليس الأمر بيد الإنسان ولا بيد المخلوق وإنما الهدى هدى الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه سبحانه لعمه أبي طالب أن يهديه الله، وأن يدخل في هذا الدين، وكان يدعو عمه لذلك حتى آخر حياته ومع ذلك قضى الله أن يموت أبو طالب على الكفر، وآخر كلمة قالها وهو يموت: هو على ملة عبد المطلب ، والله يحكم ما يشاء سبحانه، وحزن النبي صلى الله عليه وسلم وكان في غاية التألم والتوجع لعمه، فأنزل الله سبحانه وتعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] أي: كلهم كانوا في ضلالة فهدينا من أردنا، ومن استحق ذلك هديناه، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، سبحانه وتعالى.

    هذا عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي رباه والذي دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يدخل في دينه، وقد تمنى أن يدخل في الدين، ولكن خشي أن يقولوا: خاف من الموت فدخل في دين النبي صلى الله عليه وسلم! وهذا عجيب جداً، أن يموت على ملة عبد المطلب ، أي: على الشرك بالله سبحانه وتعالى.

    فالله سبحانه وتعالى يقول: لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، من علم الله سبحانه وتعالى في قلبه الكفر، وفي لسانه التكذيب بهذا الدين، فالله أعلم به أنه لا يستحق ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يعز الله عز وجل هذا الإسلام بأحد العمرين إما أبي جهل أو بـعمر بن الخطاب، وكان الاثنان من أشد الناس عداوة للنبي صلوات الله وسلامه عليه، كلاً منهما يريد الفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، فمن الله سبحانه على عمر رضي الله عنه فدخل في هذا الدين، وخذل أبا جهل ، وأصر على ما هو فيه حتى قتل وألقي في قليب بدر في يوم بدر، فالله يهدي من يشاء، وهو أعلم من يستحق الهدى فيهديه سبحانه، خلقه وعلم أن هذا للجنة سبحانه وتعالى، وخلق هذا للنار، والله يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، قال لنا: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3].

    والهدى من الله عز وجل على أمرين: يهدي بمعنى: يدل، وهذا للجميع، يدل المؤمن ويدل الكافر، ينزل الكتاب ويرسل الرسول عليه الصلاة والسلام، ويهدي بمعنى: يعين على التحويل، أي: يحول القلب من قلب منكوس إلى قلب معتدل مستقيم، فهذا لا يكون إلا للمؤمنين.

    إذاً: يهدي الله عز وجل جميع خلقه بأن يدلهم على الصواب، قال تعالى: هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا [الأنعام:153]، والمؤمن له العون من الله يعينه الله سبحانه وتعالى، والذي يعلم الله عز وجل من قلبه أنه كاذب وأنه كفار، لا يعينه على أن يسلك الطريق السوي؛ لأنه لا يستحق ذلك، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء ...)

    قال الله تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [الزمر:4]، هؤلاء الذين يزعمون أن الله اتخذ الملائكة بناتاً، واتخذ المسيح ولداً، ينزل الله آيات رداً عليهم، فقوله تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ [الزمر:4] أي: أن يجعل لنفسه ولداً، ومستحيل أن يتناسل كما يتناسل البشر، فالبشر لعجزهم ولضعفهم يحتاجون لبقاء نوعهم فكان البقاء بهذا التناسل.

    أما الله سبحانه القوي العزيز لا يحتاج إلى أحد، فالإنسان يكون صغيراً ويصير شاباً قوياً مغروراً، ثم يصير شيخاً فانياً كبيراً، فيحتاج إلى من يكون بعده ويعينه، فإذا مات خلفه الذي بعده، ولكن الله الحي الذي لا يموت سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أحد، فهو الأزلي الأبدي سبحانه وتعالى.

    فالإنسان لا يقيس الخالق على نفسه؛ لأن الإنسان مخلوق ضعيف، والله الخالق القوي لا يحتاج إلى شيء، ولو أراد الله أن يتخذ ولداً فمستحيل أن يكون هذا عن طريق التناسل أو عن طريق اتخاذ صاحبة، فإنه سبحانه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]، لم يخلف ولداً سبحانه وتعالى، ولم يكن له أب أتى به، حاشا له سبحانه وتعالى، ولم يتخذ: صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، أي: لا يكافئه أحد لا مخلوق إنسي ولا جني ولا ملكي ولا شيء يكافئه سبحانه وتعالى.

    فلو أراد الله أن يصطفي ويقول: هذا ولد، ولا يكون ولداً على الحقيقة: (لاصْطَفَى) من خلقه ما يشاء سبحانه وتعالى، فقوله تعالى: (لاصْطَفَى)، أي: فلاناً منه بمنزلة الولاء، ولكن حاشا له سبحانه، لا يتخذ ولداً وليس له صاحبة سبحانه.

    فالإنسان حين يسمع ذلك يقول: سبحان الله، لا يحتاج ربنا إلى شيء سبحانه، لا صاحبة ولا والد ولا ولد.

    قال سبحانه: هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:4]، سبحانه وتعالى الذي لا شريك له، المستحق للعبادة وحده لا شريك له، القهار الذي قهر كل شيء وغلب كل شيء، وعلا على كل شيء، فله القهر وله العلو على كل شيء سبحانه.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755833406