إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (تابع) [30 - 33]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المرأة المؤمنة يجب عليها أن تتخلق بأخلاق الإسلام، وأن تقتدي بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين، فقد علمهن وأدبهن القرآن الكريم في كثير من الآيات، وعلى المرأة المسلمة أن تترك التخلق بأخلاق الجاهلية الأولى من التبرج والسفور والخضوع بالقول، وأن تعلم أن هذه الصفات هي ما يريد الغرب الكافر منها، من أجل أن يسيطروا على بلاد المسلمين.

    1.   

    صفات المرأة المؤمنة

    المرأة المؤمنة لا تخضع بالقول

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين:

    قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:33-35].

    في هذه الآيات من سورة الأحزاب وما قبلها من الآيات يخاطب الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه وهو القدوة الحسنة وهن القدوة للمؤمنات، فقال قبل هذه الآيات: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب:30] فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى لهن بأن يلزمن الطاعة ونهي لهن عن الوقوع في المعصية، فمن وقعت منهن في معصية من المعاصي المعلومة المنهي عنها فإنه سيضاعف لها العذاب، فإذا اتقت ربها سبحانه وقنتت وخشعت وأذعنت له سبحانه وتعالى كان لها الأجر المضاعف عند الله سبحانه، قال جل وعلا: وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا [الأحزاب:31].

    ثم أخبرهن أنهن لسن كغيرهن من النساء لأنهن قدوة للنساء، تقتدي بهن كل امرأة مؤمنة طيبة صالحة، لذلك فإن الخطأ منهن سيتبعن فيه، والطاعة منهن سيتبعن فيها كذلك.

    فإذا أطعن الله ورسوله واتبعتهن المؤمنات على ذلك، كان لهن أجرهن وأجر من عمل بهذه الطاعة من بعدهن حتى تقوم الساعة، فقال سبحانه: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32] أي: بتقواكن الله سبحانه لستن كأحد من النساء، فإن اتقيتن ربكن سبحانه فاحذرن من المبالغة في ذلك فتقعن في الخضوع بالقول مع الرجال.

    بمعنى: تقوى الله سبحانه لا تدفعكن إلى اللين في القول مع الرجال الأجانب، فإنما تلين المرأة في القول مع زوجها أو مع محارمها، أما مع الإنسان الأجنبي فلا، حتى ولو كان هؤلاء الأجانب أبناء لنساء النبي صلى الله عليه وسلم أو في حكم الأبناء، إذ هن أمهات المؤمنين ومع ذلك يحرم عليهن أن يخضعن بالقول مع الرجال الأجانب، ويحرم على المؤمنين الزواج منهن، وبذلك يكن قدوة حسنة لمن خلفهن.

    قال الله سبحانه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32]، حتى وإن كنتن أمهات المؤمنين فلا تلن في القول، وليكن القول منكن قولاً فصلاً فيه الحزم، فيه التأديب، فيه التهذيب، فيه الإرشاد، فيه التبليغ لدين الله سبحانه.

    قال سبحانه: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، التعليل أنكن لو خضعتن بالقول طمع الذي في قلبه مرض، مع أن الإنسان الذي يذهب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم أو ليسأل أمهات المؤمنين هذا في العادة يكون على تقوى ويريد أن يتعلم الحكم الشرعي، ومن النادر أن يذهب الذين في قلوبهم مرض أو شك أو نفاق أو فسق؛ لأنه يخاف على نفسه من الفضيحة، بأن ينزل الله في شأنه قرآناً يفضحه بما قال، فإذا كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرن بهذا، فغيرهن من النساء من باب أولى، ففي كل امرأة مطمع، وكما قالوا: لكل ساقطة لاقطة، فقد تكون المرأة صغيرة ويهواها شاب أو شيخ، وقد تكون المرأة كبيرة ويهواها إنسان، فإذا لانت في قولها وقعا في الهوى ووقعا في الحرام، فعلى الإنسان أن يخاف على نفسه من الوقوع فيما حرمه الله سبحانه ويجتنب الخلوة مع النساء الأجانب.

    وعلى المرأة كذلك أن تجتنب المخالطة للرجال قال سبحانه: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32] يعني: مرن بالمعروف وانهين عن المنكر، والمعروف: ما جاء في كتاب الله عز وجل من أحكام شرعية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    المرأة المؤمنة تقر في بيتها ولا تتبرج

    قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] من القرار وهو المكوث في البيوت، ومن الوقار، أي: ليكن عليكن الوقار والسكينة، ولا تخرجن من البيوت إلا للحاجة وللضرورة.

    ثم قال تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، أي: واحذرن تقليد أهل الجاهلية الأولى، وهي ما كان قبل الإسلام، سواء ما كان قبله مباشرة أو ما كان قبله بزمان طويل حتى إلى عهد آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو ما كان من جهل في الناس واتباع للشيطان بتبختر النساء وخروجهن متزينات يفتن الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى نساء نبيه عليه الصلاة والسلام عن تقليد هؤلاء.

    فالشيطان يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ولا يحب أن يكون الإنسان مطيعاً لله سبحانه، فهو يبغض بني آدم لأن آدم عليه السلام كان سبب دخول الشيطان النار، وذلك حين أمر الشيطان بالسجود لآدم فرفض، كما قال تعالى: أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، أي: جحد وكفر واستكبر فاستحق أن يكون من أهل النار، والعياذ بالله.

    فقال لله عز وجل: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]، أي: لن أدخلها وحدي، وإنما سأدعو كثيراً من الناس إليها، فانظر استكبار الشيطان، وانظر رده على ربنا سبحانه: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82] وقال في موضع آخر: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17].

    فالشيطان يتربص بالفتاة المؤمنة وبالإنسان المؤمن حتى يغويه ويضله عن سبيل الله، والله عز وجل هدى الإنسان بهذا الكتاب العظيم وبين حدوده سبحانه، وحذر من تعدي هذه الحدود.

    وقال تعالى: إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [محمد:36]، فالحياة قصيرة جداً، فمهما ظننت أنها طويلة فإنك تجد الأيام والليالي سرعان ما تمر حتى تجد العمر قد فني وبعد ذلك تقابل ربك سبحانه وتعالى.

    فليحذر الإنسان أن يغتر بالدنيا، أو أن يغتر بالشيطان أو بالشهوات والشبهات فيقع في المحرمات ويجادل بالباطل كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج:3-4]، فمن تبع الشيطان أغواه وأضله عن سبيل الله تبارك وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الحج:8-9].

    أي: من الناس من يجادل في الله بلا علم ولا هدى ولا كتاب من الله تبارك وتعالى، ويتبع الشيطان فيما يقوله له: ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الحج:9]، فالشيطان استكبر، وأولياء الشيطان يستكبرون أيضاً فيرفضون الحق الذي جاء من عند الله ويتبعون الشيطان على ما هو فيه من باطل وقد عرفوا أنه عدو لهم.

    فأخبر الله سبحانه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

    وهنا يخبر الله سبحانه وتعالى ويبين ما يريده بأهل البيت وكذلك بالمؤمنين الذين يتبعونهم، فقال جل وعلا: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، أي: يريد الله أن يطهركم تطهيراً بهذه الأحكام، من عدم اتباع الهوى والشيطان، وعدم مخالطة الرجال، فاحذروا من الوقوع فيما حرم الله سبحانه من الفتن ومن الغرور ومن تقليد أهل الجاهلية الأولى.

    1.   

    تبرج الجاهلية الأولى

    إظهار المرأة زينتها واختلاطها بالأجانب

    ذكرنا أن الجاهلية الأولى هي ما كان قبل النبي صلى الله عليه وسلم سواء ما كان قبله مباشرة أو قبل عهد نوح أو في عهد إدريس أو في عهد إبراهيم على نبينا عليه الصلاة والسلام، أو بعد ذلك في عهد موسى وعيسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.

    فقد كان بين كل رسول ورسول تظهر جاهلية وتظهر فتن ويظهر اختلاط بين الرجال والنساء وبغي ووقوع في الحرام، فذكر العلماء أن من فعل الجاهلية أن المرأة كانت تكشف عن شيء من بدنها، كأن تلبس القميص أو (الجلابية) وتكون مفتوحة من الجانبين بحيث تبدو الثياب التي تلبسها المرأة تحتها، فهذه من فعل الجاهلية الأولى.

    كذلك ذكروا أنه في زمان داود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، كانت المرأة تلبس قميصاً من در غير مخيط الجانبين، وكانت النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرن ما يقبح إظهاره، حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخلها.

    أي إذا كانت المرأة جالسة مع زوجها كان يجلس معها صديقها كذلك، ونحن حين نسمع ذلك نستنكر ونقول: كيف يمكن أن يحدث هذا الشيء؟

    وهذا يحدث الآن في الجامعات، فتجلس البنت مع أصدقائها في الكافتيريا وتتكلم معهم، وهذا هو فعل الجاهلية بل أسوأ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تجلس مع رجل واحد وزوجها معها، والآن تجلس مع جملة من الأصدقاء، وتتزوج من وراء أهلها زواجاً عرفياً باطلاً محرماً، فتتزوج من إنسان بدون علم أحد، ثم بعد ذلك لعله يواقعها وتقول: زوجي، ثم يتركها بعد ذلك وتظل على هذه الحال، لا هي متزوجة ولا هي غير متزوجة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    قالوا: وكانت المرأة تجلس مع زوجها وخلها، فينفرد خلها بما فوق الإزار إلى الأعلى، يعني: صديقها ينظر إليها إلى ما فوق إزارها إلى وجهها وإلى صدرها، وزوجها ينفرد بما تحت الإزار، قال: وربما سأل أحدهما صاحبه البدل، فهذا من الجاهلية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    تمشي المرأة وسط الرجال

    وقال مجاهد : كان النساء يتمشين بين الرجال، فذلك التبرج.

    فالتبرج الذي يذكره مجاهد هو أن تمشي المرأة في وسط الرجال.

    قال ابن عطية : والذي يظهر عندي أنه أراد الجاهلية التي لحقنها، يعني: كأنه يقول: الجاهلية الأولى التي لحقها الصحابيات؛ لأن التي عاشت منهن قبل الإسلام فترة وعاشت في الإسلام أدركنت ما كان يحدث فنبههن الله عز وجل بألا تعدن إلى مثل هذه الجاهلية التي رأيتنها قبل ذلك.

    قال: فأمرهن بالانتقال عن سيرتهن وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر وعدم الغيرة على المحارم؛ لأن أهل الجاهلية كان عندهم الزنا شيئاً عادياً، فكان الإنسان يذهب ويزني سراً أو علناً، وإن كان الذي يزني علناً يقبح نوعاً ما، فلم يكونوا ينكرون على أحد ولا حول ولا قوة إلا بالله، فجاء الإسلام ينهى عن الجميع، ظاهر الإثم وباطنه.

    يقول الإمام القرطبي رحمه الله عن الجاهلية الأولى: المقصود من الآية مخالفة من قبلهن من المشية على تغنيج وتكسير وإظهار للمحاسن للرجال إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعاً، فالمرأة إذا أبدت شيئاً من زينتها وتجملت للرجال في الطريق فهذه هي الجاهلية الأولى، وهذا لا يجوز شرعاً، فأمرهن بلزوم البيوت.

    موقف الغرب من التبرج

    فالبيت هو مكان المرأة، والغرب قد ضاقوا ذرعاً من خروج المرأة ومن الفجور ومن الزنا الذي عندهم، فبدءوا يحاولون أن يضعوا قوانين لمكوث المرأة في البيت، بأن تترك العمل وتقعد في البيت، وتأخذ أجرها كاملاً لفعلها هذا.

    يعني: أن الذين سنوا للناس خروج المرأة وتبرجها عانوا من مضار ذلك، وعرفوا كيف ضاعت بيوتهم، فلا يوجد فيها المودة والرحمة الموجودة في بيوت المسلمين، فالفتاة والغلام إذا كبرا أصبح أحدهم ليس له دخل بأهله؛ لأنه ابن الدولة وليس ابن أهله، فأبوه وأمه لا يقدران على ضربه أو تأديبه ولو كان صغيراً؛ لأنه يذهب للمدرسة فيعطونه تلفون الشرطة ويقال له: إذا قام أبوك أو أمك بضربك فاتصل بالشرطة وأخبرهم بذلك، فإذا حصل هذا الشيء مرات يؤخذ الطفل أو الفتاة من أبيها وأمها وتعطى لأسرة أخرى من الأسر التي ليس عندها أطفال وينتظرون مثل هؤلاء ليأخذوهم ويربوهم بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم.

    فإذا كان الأب والأم يمنع من ضرب الولد فسوف يصبح الولد عنده إباحية، وليس عنده التزام بأي آداب، ولأنه ابن الدولة وليس ابن أبيه ولا ابن أمه؛ فإنه حين يكبر الأب أو الأم فالولد يرميهم في الملجأ أو يرميهم في دار المسنين، فلا يوجد عندهم الاحترام الموجود في بلاد المسلمين، فالابن يحترم أباه ويحترم أمه ويعطف عليهما، ينفق عليهما، يرجو من وراء ذلك الثواب عند الله تبارك وتعالى.

    تجد في بلاد المسلمين أن المسلم يحس أن أباه الشيخ الكبير، وأمه المرأة العجوز، فوق رأسه، وأنهما بركة البيت، وأن دعوة الأب ودعوة الأم سبب من أسباب دخول الجنة، وهذا الشعور لا يوجد عند الغرب؛ لأنهم يعيشون حياتهم هذه للاستمتاع فقط، فيذهب الأب للعمل في مزرعة بعيدة، بينه وبين ابنه آلاف الأميال، والابن يزوره كل سنة مرة أو كل سنتين مرة، ويموت يوم يموت ولا يوجد من يدفنه؛ لأنه لوحده في مكان بعيد من أجل المال الذي فرق بين الجميع.

    1.   

    الغرب يصدرون الإباحية إلى بلاد المسلمين

    فالآن وجدوا أن الأفضل هو في أن ترجع المرأة إلى بيتها، وفي الرجوع للجو الأسري، ولكن يرجعون على استحياء لئلا يقال: رجعتم إلى ما هو موجود في الإسلام الذي تزعمون معارضته، ولكنهم يصدرون القبيح إلى بلاد المسلمين.

    فهم عرفوا أن الإسلام يجعل المؤمن مع المؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وهم لا يريدون هذا الشيء، بل يريدون إنساناً متفككاً مسحوباً عن مجتمعه وعن أسرته، ليس بينه وبين أخيه المودة والرحمة، فقاموا يصدرون لبلاد المسلمين الصور العارية والإباحية الجنسية، بحيث ينتشر بين المسلمين الخلل الأخلاقي والديني، فإذا بهم لا يعرفون دينهم، بل يحبون الشهوات والفتن، وإذا بكل مسلم أصبح لا ينكر على أصحاب المنكرات وإن حدثت أمامه، ولا يتمعر وجهه إذا رأى رجلاً وامرأة في الطريق، وقد كان هذا الأمر من قبل لا يمكن أن يحدث أمام الناس، أما الآن فأصبحوا يقعدون مع بعض على البحر، الرجل مع المرأة، الشاب مع الفتاة، يتبادلون القبلات، يلعبون مع بعض، ولا أحد يتكلم، ولا غيرة موجودة، ولا أحد يأمر بمعروف وينهى عن منكر.

    جاءت تعاليم الغرب إلى بلاد المسلمين، وأصبحوا يطمحون إلى أكثر من ذلك، وهو اللواط ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونادوا بأن الشذوذ حرية شخصية؛ حتى تتفكك عرى الإسلام وتتفكك بلاد المسلمين، ولا يكون في المسلمين من يقدر أن يقاوم الكفار.

    أما الكفار فإنهم يزعمون التمسك بالدين، فاليهود دولة دينية، وأمريكا رئيسها رجل ديني مسيحي متعصب لهذا الشيء، فأول ما بدأ بحرب المسلمين قال: الحرب الصليبية، ثم رجع على استحياء وقال: لا أقصد هذا الشيء. وهي كلمة مقصودة تماماً، فهي حرب صليبية على المسلمين، حرب تخرب ديار المسلمين، فأمريكا حين عرفت أن بترولها لن يكفيها ثلاثمائة سنة قادمة -كما كانوا يزعمون- ولا حتى عشرين سنة قادمة، بدءوا ينظرون: أين يوجد البترول؟ فإذا كان عند بحر قزوين في أفغانستان، إذاً لابد أن نأخذ أفغانستان.

    البترول موجود في العراق، إذاً نأخذ العراق، موجود في بلاد الشرق الأوسط نضع أيدينا عليه، حتى يصبح هذا كله تحت سيطرتنا.

    فليست القضية قضية تحرير ولا ديمقراطية ولا شيء من ذلك، إنما القضية قضية استيلاء على البترول؛ لأن الذي معهم سوف ينفد خلال سنوات قليلة، فقالوا: لابد أن نضع أيدينا على احتياطي البترول العالمي الموجود في هذه البلاد، وعرفوا أنهم لو جاءوا إلى هذه البلاد فجأة فإنهم سوف يقاومون من الشباب المتدين، فقالوا: لابد أن نخرب هؤلاء الشباب المتدينين، فندخل لهم الشهوات والشبهات، ندخل العري، ندخل الشكوك.

    فبدعوى الإبداع سمح للشكوك في كل مكان، فيؤلف الإنسان كتاباً فيه سب لكلام ربنا سبحانه وتعالى، والاعتراض على الدين، والاعتراض على السنة، وفيه تسفيه أمور الدين، ولو اعترض أحد عليه، قيل له: أنت ضد الحرية، أنت ضد الديمقراطية، أنت تحارب الإبداع، فبذلك يسكت الكل، ويترك لهؤلاء أن يتكلموا، ويمنع وجود الإنسان المتدين الذي ينافح ضد اليهود وضد الغرب الكافر، وينادى بالقضاء عليه بأي صورة من الصور، فإذا بالشباب يصبح شباباً مخنثاً، لا يعرف شيئاً عن دينه، وهؤلاء هم الذين إذا دخل الكفار بلاد المسلمين وجدوهم أمامهم، يريدون لقمة سائغة وإن ضاعت بلاد المسلمين.

    وقاموا بتحويط بلاد المسلمين، وذلك باختلاق مشكلة في البلد الفلاني من أجل أن يضع الكافر رجله فيه، ومشكلة في البلاد الفلانية الأخرى من أجل ضربها، فإذا بضربة في ليبيا وضربة في العراق وضربة في السودان وضربة في دارفور، وهكذا حتى يحوطون بلاد المسلمين، والمسلمون في ضياع ولا يشعرون بذلك؛ لأنهم تركوا كتاب الله سبحانه وتعالى، وعرف هؤلاء الكفار كيف يدخلون إليهم من باب الفتن والشهوات، فالمرأة تركت بيتها فلا تعلم عن أبنائها شيئاً.

    تجد الأبناء أصبحوا أبناء شوارع، يجلس يتعلم من صاحبه في الشارع، واقف على قارعة الطريق طول النهار، لا يوجد شغل عنده، أو جالس على القهوة، أو جالس في نادي الفيديو أو في نادي الإنترنت ليشاهد الإباحيات، ويا ليته يشاهد شيئاً ينفعه في دينه أو دنياه، وإنما أخذوا كل سلبيات الغرب وكل الإجرام في البعد عن دين الله سبحانه.

    يشاهد أفلام الشهوات، ويحاول أن يقلد ذلك، فكثر الاغتصاب في بلاد المسلمين، وكثر الخطف، وكثرت الفواحش ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    فإسرائيل كانت تحارب المسلمين بإرسال فتيات إلى بلاد المسلمين على الحدود، وهؤلاء الفتيات مصابات بالإيدز؛ لأنهم عرفوا أن المسلمين ممكن أن يقعوا في الزنا بسهولة فيدخل الإيدز بلاد المسلمين عن طريق ذلك.

    وكل طريقة يقدرون أن يخربوا بها بلاد المسلمين فإنهم يفعلونها، حتى أرسلوا حبوب زراعية توضع في الأرض، فإذا خرجت فإنها تملأ الأرض دوداً فتخرب الأرض ولا يبقى فيها خيرات، فإذا بك تأكل الفاكهة فتجد أنها ليس لها طعم، وتأكل الحبوب فلا تجد لها طعماً كذلك، ما هو الذي حصل فيها؟ لقد خربوا على المسلمين ما كان في بلادهم.

    حرب ظاهرة وحرب باطنة، يخربون العقول والكفاءات، فإذا ظهرت كفاءات عالية في بلاد المسلمين فإنهم يخطفونها وتبقى عندهم في بلادهم، وإذا لم يقدروا على هذا فإنهم يقتلون علماء المسلمين في بلادهم، بحيث تبقى دول المسلمين دولاً متخلفة، لا دين فيها ولا شباب قوي فيدخلونها بمنتهى البساطة.

    ولذلك كانوا طامعين أنهم حين يدخلون العراق فإن أهل العراق سوف يقابلونهم بالورود؛ لأنهم عرفوا أن الناس ابتعدوا عن الدين في العراق، فالناس هناك ضيعوا دينهم من فترة فضاعوا وتفرقوا شيعاً، فهم قد درسوا أحوال المسلمين وما هم عليه، فقالوا: سندخل العراق وسيستقبلوننا بالورود، ولكن الذين وقفوا لهم هنالك هم أهل الدين، وإن كانوا قلة وإن كانوا ضعفاء، ولكن الله يثبت من يشاء.

    نسأل الله عز وجل أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأن يذل الكفر والكافرين، وأن يرينا فيهم يوماً يأتي عليهم فيه عذاب من عند الله وبأيدي المؤمنين، اللهم آمين يا رب العالمين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756320792