إسلام ويب

تفسير سورة الحج [60 - 65]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى ما يناسب آياته في كتابه الكريم، فهو سبحانه له تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة، فينبغي الحرص على معرفة أسماء الله وصفاته، وقد ذكر الله في سورة الحج أسماء حسنى كثيرة لم يذكرها في غيرها من سور القرآن.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه..)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الحج:

    ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:60-65].

    في هذه الآيات من سورة الحج يذكر الله سبحانه وتعالى عظيم قدرته وبديع صنعته في خلقه للسماوات وللأرض، وذكر أنه سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، ومقتضى أسمائه أن له أفعالاً عظيمة في خلقه ويرينا بعضاً منها في سبع آيات متعاقبة، وكل آية يختمها ربنا سبحانه باسمين من أسمائه الحسنى.

    وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة).

    فقوله: (أحصاها) أي: حفظ هذه الأسماء وعرف معانيها وقام بحقها ودعا الله عز وجل بها في مواطنها.

    وهنا ربنا ينبهنا في كل آية باسمين من أسمائه الحسنى مناسبين للآية، فقال سبحانه: ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [الحج:60]، فذكر اسمين من أسمائه: العفو والغفور سبحانه وتعالى.

    ومن أسمائه الحسنى ما فيها صفات لا تليق إلا به وحده سبحانه، ومنها ما فيها صفات تليق به سبحانه وتعالى وحده لجلالها وكمالها، وأمر العباد أن يتخلقوا بالأوصاف التي فيها كالمغفرة والرحمة، فأمر عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، وأن يتراحم بعضهم مع بعض، فمن الصفات التي له سبحانه وأمر العباد أن يتصفوا بها، الرحمة والعفو، فيكون فيهم الرحمة والمغفرة للناس على ما يسيئون إليهم.

    فذكر هنا: (وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ) وعاقب هنا بمعنى: جازى عقاباً للذي عاقبه، كأنه من ظلم فجوزي على ظلمه.

    قال تعالى: (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ) وعد الله المظلوم بأنه ينصره، وهنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا قبل ذلك لما لاقوا الكفار في شهر حرام استغل الكفار الفرصة لأن المسلمين لا يقاتلون في الشهر الحرام، وأرادوا قتالهم، فنصحهم المسلمون بأن هذا لا ينبغي؛ لأنه شهر حرام، فأبى الكفار، فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله سبحانه وتعالى، فأخبرنا هنا أن من عاقب بمثل ما عوقب به، أي: هؤلاء الذين جازوا الكفار بمثل ما فعل الكفار، فإذا بغى الكفار واستغلوا الشهر الحرام، فالله عز وجل ينصر المظلوم، فنصر الله عز وجل المؤمنين ووعدهم بنصره.

    قال تعالى: (لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) هنا ينصر المظلوم، وأيضاً يشير لهذا الإنسان الذي يظلم بأن من صفات الله عز وجل العفو والمغفرة، فكن أنت أيضاً على مثل هذه الصفة، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، ففي هذه الآية إشارة إلى اسمين من أسمائه سبحانه أنه يعفو عن الذنوب ويتجاوز عن السيئات ويغفر ويستر سبحانه وتعالى، وفيه تعريض للمؤمنين أيضاً أن يكونوا على مثل هذه الصفات، اعفوا واصفحوا حتى يغفر الله عز وجل لكم.

    فمناسبة ما ذكر من عقوبة ومن نصر لله سبحانه وتعالى، وأن الله ينصر عباده المؤمنين المظلومين، ختم بالعفو والمغفرة، فإن هذا الكافر الذي قاتل المسلمين لعله يسلم يوماً من الأيام، فالله عز وجل يغفر لمن دخل في الإسلام بعد كفره، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها، فعلى ذلك هنا ربنا سبحانه وعد المؤمنين بالنصر، وأيضاً المغفرة لمن تاب إليه سبحانه والعفو عما سلف.

    فهذان اسمان من أسماء الله الحسنى: العفو والغفور.

    (لَعَفُوٌّ) العفو: يتجاوز سبحانه وتعالى عن الذنوب لمن تاب إليه سبحانه.

    (غَفُورٌ) الغفور: الذي يستر الذنوب ويمحوها ويزيلها، والذي لا يؤاخذ بها سبحانه إذا تاب العبد إليه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار...)

    قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:61].

    قوله تعالى: (ذَلِكَ) أي: ذلك الأمر الذي قصصنا عليك من نصر المظلوم بأن الله على كل شيء قدير سبحانه.

    وقوله تعالى: (بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) أي: يدخل هذا في ذاك، ويخرج هذا من ذاك.

    وقوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الليل فيه الظلمة، فالإنسان لا يرى في الظلمة ولكن يسمع في الظلام، وفي النهار يرى الإنسان ويسمع، فهنا النهار مناسب للإبصار، والليل مناسب للسمع؛ فختم الله عز وجل الآية بأنه سبحانه السميع البصير سبحانه، فهو سميع ليل نهار، وإن كان الإنسان قد يعتريه في سمعه النقصان في وقت دون وقت على القرب، وعلى البعد، فهو يسمع القريب ولا يسمع البعيد، وقد يكون الإنسان قريباً من إنسان ويصاب بصمم فلا يسمع، لكن الله سبحانه وتعالى يسمع كل شيء، ولا يخفى عليه شيء، فالله سميع والله بصير لا يحجبه عن الإبصار الليل ولا النهار، فيرى بالليل كما يرى بالنهار سبحانه وتعالى، يرى الجلي ويرى الخفي، ويرى الدقيق ويرى العظيم الجليل، ويرى كل شيء ما بعد وما قرب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل...)

    قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]

    قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) فالله الحق، ويأبى إلا أن يحق الحق بكلماته سبحانه.

    قال تعالى: (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) فمهما استنصروا بهذا الباطل ومهما رأوا الباطل قد كثر وقد كبر في نظر هؤلاء، فالله العلي الكبير سبحانه، فالإنسان الذي يتبع الباطل يجد له أعواناً كثيرين على الباطل، ولذلك يقول الله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، ولا يهدوك إلى سبيل الله، بل يضلوك عن سبيل الله سبحانه.

    وقال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، فالكثرة من الناس ليسوا من أهل الإيمان، فالإنسان يستكثر بمن هو مثله، والكفار يستكثرون ويتقوون بأمثالهم فيرون أنفسهم في عدد كبير جداً، فيستكثرون أنفسهم ويستكبرون بما هم فيه.

    قال تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ) مهما علا الباطل لا بد أن يدحضه الله سبحانه، والله وحده العلي سبحانه وتعالى.

    وقوله تعالى: (الْكَبِيرُ) مهما كبر أهل الباطل وكثروا فالله هو الكبير وحده لا شريك له، الله أكبر من كل شيء، وأن الله هو العلي الكبير سبحانه الموصوف بالعظمة والكبرياء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء...)

    قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الحج:63].

    يذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يفعل كذا، والله يفعل كذا، ويذكر لنا من صفاته ما يناسب المقام.

    فالله أنزل الماء من السماء أي: من السحاب ومن حيث شاء الله سبحانه وتعالى، نزل المطر بالليل، وأصبحت الأرض مخضرة، هذه آية، وذكرها قبل ذلك في الآية الخامسة من هذه السورة بقوله تعالى: وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:5-6]، فالمناسبة العظيمة بين إنزال الماء من السماء: أن الماء ينزل من السماء على أرض جدباء فيحييها الله سبحانه، وينزل القرآن من السماء على قلوب عباد -والله أعلم من يستحق الهدى- فيهديها ويحييها بعد موتها وبعد ضلالها، فالقرآن شفاء ونور وحياة، نزل من السماء ويحيي به الله عز وجل قلوب من يشاء من خلقه.

    في الآية الأولى ذكر لنا ربنا سبحانه: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) وهذه لها معان في اهتزازها وربوها، فالأرض تهتز بالنبات الذي فيها، سيقان النبات وجذور النبات تدخل في الأرض، فإذا بالأرض تهتز وتعلو بما نما فيها من جذور للنبات، هذا معنى من المعاني.

    وتربو الأرض ويرتفع فيها النبات، فكأنها علت بالنبات الذي فوقها.

    والآية هنا يقول سبحانه: (فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً) وفي تلك الآية يقول سبحانه: (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ)، والبعض يقول: إن الأرض اهتزت وربت داخل الأرض نفسها، فالأرض من داخلها تهتز، والربو بداخل الأرض نفسها، ثم بعد ذلك ينبت النبات، فعلى التفسير الأول: أن الأرض علت بما فوقها من النبات، نبات نما وعلا فوق الأرض، فهذا هو ربو الأرض وعلوها.

    والبعض الآخر يقول: إن الربو بداخل الأرض نفسها، التربة نفسها تربو وتنتفخ وتعلو، وهذا موافق لما جاء في هذه الآية، والعلم الحديث يقول لنا هذا الشيء أيضاً، ففي عام 1827م اكتشف عالم بريطاني اسمه براون أن المطر ينزل على الأرض فيحدث في الأرض اهتزازات بداخل التربة، أي: حبيبات التراب التي في الأرض تهتز، فيحصل نوع من التأين فيها، شحنات سالبة وشحنات موجبة بسبب المطر، فالتي تأخذ شحنة عالية تتحول إلى شحنة موجبة، والثانية تتحول إلى شحنة سالبة أو العكس في ذلك، فيحصل تنافر بين هذه الشحنات فتعلو الأرض؛ لأن الماء يدخل بداخلها، أي: أن جزءاً من ألف جزء من الملي يدخل فيها شيء من الماء، والأخرى يدخل فيها شيء من الماء، فيحجز الماء في هذه الصفيحات من حبيبات الأرض لكي تنمو النباتات بعد ذلك، يقول براون: إن هذه الحبيبات من التراب عبارة عن صفائح بعضها فوق بعض من المعادن المختلفة، وهي صفائح متراصة، فإذا نزل المطر تكونت شحنات كهربائية مختلفة بين الحبيبات بسبب اختلاف المعادن، وحدث تأين وتحول إلى شحنات سالبة وشحنات موجبة، فإذا نقص عدد الكهيربات في الذرة أصبحت موجبة، وإذا زادت صارت سالبة بفعل الماء الذي ينزل عليها، وبدخول الماء من عدة جهات إلى تلك الحبيبات يحدث اهتزاز في هذه الحبيبات. والاهتزاز له فائدة عظيمة، فقد قال سبحانه: (اهتزت وربت) أي: تهتز صفيحات التراب، وبعد ذلك تتباعد بعضها عن بعض وتحتوي الماء في داخلها، فالاهتزاز يوجد مجالاً لدخول الماء بين الصفائح، فإذا دخل الماء بين صفائح التراب نمت ودبت هذه الحياة، وربت وزادت بسبب دخول الماء بين الصفائح، فإذا تشبعت بالماء أصبحت عبارة عن خزان للماء، فالتراب الذي نراه يصير خزاناً للماء بداخل الأرض يحفظ الماء بين هذه الصفائح، والنبات يستمد الماء من التراب الذي في صفائحه ذرات الماء طوال شهرين أو ثلاثة أشهر، فأصبحت خزانات للماء بداخل الأرض، وربت بفعل الماء الذي بداخلها ثم بعد ذلك أنبتت النبات.

    وهنا يقول الله في الآية: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً) أي: ربت الأرض وبعد ذلك أخرجت النبات، والاهتزازات الذي ذكرها هذا العالم موجودة في القرآن في قوله تعالى: (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)، ولكنهم اعتبروها كشفاً علمياً حديثاً جداً، ونسبوها لصاحبها الذي اكتشفها، ولكن صاحبها الحقيقي هو الله عز وجل الذي أخبر بها، فسماها علماء النبات اهتزازات براون نسبة لمن اكتشفها، وكان ذلك في عام 1827م، والقرآن من قبل 1400 سنة ذكر لنا هذا الشيء العظيم: أن الأرض تهتز وتربو وتنمي هذا النبات، ثم اكتشفوا ذلك، ونسبوه للمكتشف ونسوا ما ذكر الله سبحانه وتعالى!

    فقوله تعالى: (فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً) بالنبات الذي فوقها.

    قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) إذ تصبح الأرض مخضرة وفيها النبات الأخضر، فيها الورق الأخضر الذي يأتي عليه الضوء، فيخرج منه أوكسجين؛ لأنه يتنفس ويأخذ ثاني أكسيد الكربون ويخرج لنا الأوكسجين الذي نعيش به، ولكي نعرف لطف الله عز وجل بعباده أخرج من النبات الغذاء للإنسان والأوكسجين الذي يتنفس به الإنسان من فضل الله عز وجل، فقال لنا: الله لطيف بعباده سبحانه وتعالى، فالمطر حياة للإنسان، لما ينزل من ماء يشربه الإنسان ويسقي الأرض وينمي النبات، ويخرج لنا الأوكسجين الذي نتنفسه.

    قال: (خَبِيرٌ) أي: دقيق في علمه يعلم ما دق وما جل، ويعلم ما يحتاجه الإنسان، فيعطيه ما يحتاجه.

    وهنا نرى المناسبة الجميلة بين إنزال الماء ولطف الله سبحانه وتعالى بالعباد، فالإنسان يعطش ويحتاج للتنفس وللطعام، فالله بلطفه أنزل الماء فأعطاه هذا كله، والله خبير يعلم حاجة الإنسان ويعلم ما في قلبه عندما يدعوه، فالله الخبير سبحانه العليم بخفايا النفوس، والعليم بما يحتاجه الإنسان، أخرج له النبات وأعطاه الرزق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (له ما في السماوات وما في الأرض...)

    قال الله تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحج:64]

    الله هو الغني الذي يملك كل شيء، وهو الحميد المستحق لأن يحمد سبحانه تعالى على كماله وعلى جلاله، فالله يملك، والذي يملك هو الغني، والذي يملك هو الذي يحمد؛ لأنه قادر ولأنه مالك ولأنه غني مستغن عن غيره، والكل يحتاجون إليه، واحتياجهم إليه يدفعهم أن يحمدوا هذا الغني الذي يعطيهم سبحانه وتعالى بسؤالهم وبغير سؤالهم، فالله له أن يملك فهو الغني سبحانه.

    فقوله سبحانه: (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) أي: يملك ما في الأرض، فكل ما تملك من بيت وأرض وزرع هو ملك لله، ومع ذلك أعطاك ذلك، أفلا تحمده سبحانه أن أعطاك وسماك مالكاً وأنت في الحقيقة لا تملك شيئاً، هو ملك الله سبحانه، فالله الحميد المستحق لأن يحمد سبحانه على كرمه وعلى فضله سبحانه وعلى إعطائه عبيده مالا يملكون، فهو ملك له.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض...)

    قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:65].

    هذه من نعم الله عز وجل على العباد، سخر لكم ما في الأرض وما في البحر وما في الجو، سخر لكم الدواب، وسخر لكم الجماد، وسخر لكم الحيوان، وسخر لكم ما في البحار، وما في الأنهار، وسخر لكم ما في السموات من شيء من فضله، وجعل لكم طعاماً من طيور وغيرها، وهنا سخر لكم ما في الأرض سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: (وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي: سخر لكم السفن تجري في البحر، ليس بأمرك أنت ولكن بأمر الله سبحانه وتعالى، هو الذي يسيرها بالرياح، وهو الذي يسيرها بما يشاء سبحانه، ولو شاء أوقفها ولو شاء لقلبها وقد فعل هذا كله.

    قال تعالى: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي: يمسك السماء أن تقع، وما سماك هو: ما علا فوقك، ومنه السماء، ويمسك النجوم أن تصطدم بعضها ببعض، وعلماء الفلك يراقبون السماء ويقولون: هناك نجم أتى من تلك المنطقة ومذنب أتى من مكان آخر، ولو وصل إلى الأرض وضربها بذيله لضاعت الأرض، والذي يمسك هذا ويمنعه هو الله سبحانه وتعالى حتى يأتي قضاؤه وقدره، والإنسان يراقب فقط، لكن لا يقدر أن يتصرف بشيء، فلو نزل نجم يهوي إلى الأرض لكي يدمر الأرض لا يقدر الإنسان أن يصنع به شيئاً، فالله سبحانه وتعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه.

    قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) هذا من رأفة الله عز وجل بعباده ومن رحمته بعباده سبحانه وتعالى، فالله رءوف ولطيف بعباده سبحانه، فالرأفة رحمة الله عز وجل بعباده، فذكر اسمين من أسمائه: الرءوف، أي: رحيم بعباده سبحانه، ولطيف في رحمته بعباده، وهو الرحيم ذو الرحمة المتواصلة الدائمة في كل شيء من أمور الإنسان ومن أمور خلقه فهو رحيم.

    (رَءُوفٌ) قرئت في القرآن كله بقراءتين:

    قراءة الجمهور: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ، وقراءة البصريين وحمزة والكسائي وخلف وشعبة عن عاصم: (لَرَؤف) بالقصر من غير مد للهمزة، ففي كل القرآن هذا الاسم العظيم يقرأ: (رؤف) ويقرأ: (رءوف).

    فهنا الأسماء الحسنى جاءت في السبع الآيات المتوالية: (إن الله لعليم حليم)، (وإن الله لعفو غفور)، (إن الله سميع بصير)، (وأن الله هو العلي الكبير)، (إن الله لطيف خبير)، (إن الله لهو الغني الحميد)، (إن الله بالناس لرءوف رحيم).. فذكر الله عز وجل فضله وكرمه وأسماءه الحسنى المناسبة لما ذكره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) فالمناسبة: أنك تفهم اسم الله سبحانه، وتستدعي فضل الله عز وجل بهذا الاسم في الموطن الذي يناسبه، فتسأله رحمته حين تنزل بك المصائب وتنزل عليك الشدائد، وتسأله من فضله، وتسأله من رحمته ومن لطفه، وتسأله من رأفته سبحانه، وفي كل موطن تذكر اسماً من أسماء الله عز وجل يناسب كشف الضر في هذا الموطن عنك، وإجابة سؤالك.

    نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ويحفظ لنا دينه، ويجعلنا من عباده المخلصين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755951998