إسلام ويب

مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية - الاستسقاء بالنجومللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من العقائد المنتشرة عند أهل الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقادهم بالنجوم واستسقاؤهم بها، فيقولون: مطرنا بنوء كذا. فمن اعتقد أن النجم هو الذي ينزل المطر فقد كفر؛ لأنه أنزل المخلوق منزلة الخالق. وأما من اعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر وإنما طلب من هذا النجم إنزال المطر؛ فقد أشرك شركاً أكبر؛ لأنه سأل غير الله. ومن اعتقد أن النجم سبب في نزول المطر، فقد أشرك شركاً أصغر؛ لأنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله. ومن قال: مطرنا بنوء كذا، بمعنى: مطرنا في وقت طلوع النجم كذا، فهذا القول مكروه.

    1.   

    أهمية الحب في الله

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, زادنا الله وإياكم حرصاً على الطلب وعلى مجالس الطلب.

    أقول: إننا نحبكم في الله, ونستبشر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) وقوله: (يحشر المرء مع من أحب).

    قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: والله ما فرحنا بحديث مثلما فرحنا بهذا الحديث, إني أحب أبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم. والأمر بالعكس أيضاً، فإن المرء إن أحب أهل الكفر أو شابههم فهو معهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).

    وقد جعل الله صراطاً بينهم وبين أهل الإسلام في التعامل، فإذا رأيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه، ولا تبدءوهم بالسلام، ولا تهنئوهم بعبادة كفرية يتعبدون بها، لاسيما إذا كانت في الأوقات التي يزعمون فيها أن ابن الرب قد قام -حاشا لله ونعوذ بالله من غضب الله- فيقولون مثلا: هذا عيد القيام أو غيره، فهم يعتقدون أن عيسى صلب ودفن يوم الأحد، على الخلاف بينهم كما قال شيخ الإسلام: لو جلسوا تسعة لخرجوا بعشرة مذاهب, يعني: لو جلسوا تسعة يتكلمون ويتحاورون في المسألة حتى يجتمعون على كلمة فإنهم سيخرجون بعشرة مذاهب.

    فهل يصح في الأذهان أن عبداً يعبد الله جل في علاه يرتضي بأحد يعبد غير الله جل في علاه, أو ينسب لله ولداً؟! فعليكم بالالتزام بالسنة.

    1.   

    عقيدة الاستسقاء بالنجوم

    اعتقاد أهل الجاهلية في النجوم

    لقد اعتقد أهل الجاهلية اعتقادات باطلة ذمها الله جل في علاه في كتابه, وذمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته, وحذر أمته منها, وقد فشت في هذه العصور, فلزاما علينا أن ننبه عليها ألا وهي: الاستسقاء بالأنواء, أو الاستسقاء بالنجوم, أو الاعتقاد في النجوم.

    وقد كان أهل الجاهلية أهل فلك، فيرون أن للقمر ثمان وعشرين منزلة، وأن النجم إذا سقط من المغرب وطلع من المشرق فلا بد حتماً أن تهب الريح وأن ينزل المطر, ثم ينسبون ذلك إما للساقط أو للطالع, فيقولون: مطرنا بنوء كذا، والنوء: هو منزلة من منازل القمر, ومعنى مطرنا بنوء كذا أي: أسقانا النجم هذا المطر, فهذا نكران وجحود لنعم الله جل في علاه, وجحود لربوبيته.

    وما أشبه اليوم بالبارحة: فأهل الكفر من أهل الكتاب يجحدون توحيد الله جل في علاه، وينسبون له الولد، ويتعبدون لله ويتقربون له بهذا, وأهل الجاهلية كفروا بنعم الله جل في علاه وجحدوا بها، ونسبوها لغيره جل في علاه، وجعلوا معه شركاء، بل جعلوا معه من الجمادات من يتصرف في الكون أشد من تصرف الله جل في علاه, فاعتقدوا أن النجم ينزل عليهم المطر، والغالب فيهم أنهم ينسبون المطر إلى النجم على التسبب لا على الخلق والإيجاد، وإنما على الطلب، فجاء الشرع بإبطال هذه العقيدة الخربة , لاسيما وأنهم جحدوا نعم الله؛ قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]، وقال الله تعالى: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71]، وقال أيضاً: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72].

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون في الأنواء، وذم ذلك فقال: (أربع في أمتي لا يتركن الفخر بالأحساب, والطعن في الأنساب, والنياحة على الميت, والاستسقاء بالأنواء)، وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدعها الأمة إلى يوم القيام).

    حكم من نسب نزول المطر إلى الظواهر الطبيعية

    إن هذه الأمور التي كانت في أهل الجاهلية قد انتفشت ونضحت علينا في هذا العصر، فإن كثيراً من الجاهلين الذين ينتسبون إلى أهل الإسلام يعتقدون هذا الاعتقاد الخرب في أن الكون له محركات غير الله جل في علاه, أو يعتقدون سبباً لم يسببه الله جل في علاه فيقولون مثلاً: غداً ستهطل الأمطار بسبب المنخفضات الجوية، أو الظواهر الطبيعية، أو هبوب الرياح الشمالية, فينسبون المطر إلى غير الله جل في علاه، ولذلك فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذمهم، وبين أن هذه الأفعال من اعتقادات الجاهلية، وعلى المرء أن ينأى بنفسه عن هذا الاعتقاد ولو بالقول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث خلال في أمتي من الجاهلية: منها: الاستسقاء بالنجو), وبعض الآثار صحت أنه قال: (أخاف على أمتي ثلاث: التكذيب بالقدر, وحيف الأئمة, والاستسقاء بالنجوم), وقال: (أربعة من الجاهلية، وذكر منها: الاستسقاء بالنجوم).

    حكم من قال مطرنا بنوء كذا

    وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ذم هذا المعتقد وهذا الفعل الباطل، فإنَّ حكمه ينبثق من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية عندما صلى بهم على إثر مطر، ثم قال لأصحابه: (أتدرون ماذا قال الله البارحة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم -تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب)، والقاعدة عند العلماء: إذا ذكر الشرك أو الكفر نكرة، فيراد به الشرك الأصغر أو الكفر الأصغر ما لم تدل قرينة على أنه الأكبر أو الأصغر.

    أقسام الناس في قولهم مطرنا بنوء كذا

    فالذين يعتقدون أو يتكلمون بالمنخفضات الجوية والشمالية والرياح الغربية والظواهر الطبيعية، ينقسمون في ذلك على أربعة أقسام:

    القسم الأول: يعتقدون بأن المطر ينزل من قبل النجم، سواء كان النجم هو الذي يغيثهم بهذا المطر، أو أنه يشارك الله في إنزال المطر.

    القسم الثاني: لا يعتقدون هذا الاعتقاد لكنهم يقولون: يا نجمنا أغثنا، فيسألون النجم أن ينزل عليهم المطر مع اعتقادهم بأن الله هو الذي ينزل المطر.

    القسم الثالث: يعتقدون أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن المطر بيد الله جل في علاه, وأن النجم لا يستطيع أن يفعل ذلك, لكن النجم سبب لنزول المطر، فإذا غرب هذا النجم من المغرب وطلع الثاني من المشرق نزل المطر، فاعتقدوا أن نزول المطر يكون بسقوط النجم أو طلوعه.

    القسم الرابع: الذين يقولون: النجم ليس سبباً، ولا يستطيع أن ينزل المطر ولا نسأله ذلك، لكننا نقول: مطرنا بنوء كذا، أي: أنزل الله المطر في وقت طلوع هذا النجم، أو في وقت سقوطه.

    حكم من اعتقد بأن النجم ينزل المطر أو يشارك الله في ذلك

    إن الذين يعتقدون هذه الاعتقادات الأربعة حكمهم في الشرع كما يلي:

    أولاً: الذين اعتقدوا بأن النجم ينزل المطر، أو أن النجم يشارك الله جل في علاه في إنزال المطر، فهذا بالإجماع كفر يخرج من الملة، والقاعدة عند العلماء أنَّ من اعتقد في غير الله مالا يعتقد إلا في الله فقد كفر؛ لأنه أنزل المخلوق منزلة الخالق.

    وكثير من الناس يعتقدون أن الرزق في يد فلان ويد علان, وقلوبهم لا تميل إلى الله لحظة,بل تميل إلى المدير أو الوزير أو الغفير أو الملك الذي يعطيهم ويمنعهم، فهذا واقع نعيشه.

    الأدلة على أنَّ الأمطار والأرزاق بيد الله تعالى

    إن الأدلة على أن الأمطار والأرزاق بيد الله تعالى كثيرة، منها: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58].

    و(هو) ضمير الشأن، وفائدته أنه يفصل بين المبتدأ والخبر، لأنك لو قلت : إن الله الرزاق, فالرزاق صفة لله جل في علاه.

    وتعريف المبتدأ والخبر من أساليب الحصر، ووجه الدلالة: أن الرزق كله بيد الله جل في علاه لا بيد نجم، ولا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.

    وقوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:69]، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف:57]، وقوله تعالى: فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22].

    فكل هذه أدلة تدل على أن الله جل وعلا هو الذي يرزق، فمن قال بأن غير الله هو الذي ينزل المطر فقد أشرك مع الله غيره في الربوبية، وهذا الشرك من أقبح المواطن التي يشرك فيها العبد, فإن إنزال المطر من لوازم الربوبية، فإنَّ الرب هوالمتصرف.

    حكم من طلب من النجم إنزال المطر

    القسم الثاني: من طلب من النجم إنزال المطر لكنه لم يعتقد أن النجم هو الذي أنزل المطر, وإنما يعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر، والله جل وعلا بين أن هذا اعتقاد الجاهلية، فقال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:63].

    فمن اعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر، ولكنه سأل النجم فقد أشرك شركاً أكبر، لأنه سأل غير الله.

    والقاعدة عند العلماء: أنه إذا أثبت الشرع عبادة فصرفها لله توحيد ولغير الله شرك, فمن سأل غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك.

    فالسؤال عبادة، والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60]، فالدعاء عبادة.

    وقال الله تعالى: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [مريم:48-49] فدعاؤهم لغير الله جل في علاه هو العبادة، وكل عبادة ثبتت في الشرع فصرفها لله توحيد؛ لأنه المستحق لها, وصرفها لغير الله شرك.

    والسؤال لابد أن نصرفه لله جل في علاه, ويستثنى من ذلك أن تسأل من يقدر على أن يجيبك على السؤال.

    وأما إذا سألت البدوي مثلًا أن يشفع لك عند ربك، فهو لا يستطيع على ذلك، وكذلك عبد القادر الجيلاني.

    وكذلك أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فتذهب إلى قبره وتقول: يا رسول الله! اشفع لي عند ربك جل في علاه, فإن الله قد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى يوم القيامة، فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقدر عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيذهب إلى ربه بعدما تأتيه الخلائق أجمعون, فيقولون: اشفع لنا عند ربك, فهو يقدر على ذلك، والقاعدة تنص على جواز أن تسأل غير الله فيما يقدر عليه، فكونك تسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة وهو في قبره فهذا السؤال خطأ؛ لأن القاعدة في مسألة الاستعانة أو الاستغاثة: أنَّ كل أمر أباح الله لنا فعله، وكان جنسه عبادة فلا بد أن يضبط بثلاثة ضوابط: [حاء - حاء - قاف] أي: [حي, حاضر, قادر]، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس بحي ولا بحاضر.

    وإن كان يشكل علينا القول بأنه حي في قبره, وما من أحد يقول: السلام عليك يا رسول الله! إلا رد الله عليه روحه ليرد السلام، إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم حي على الديمومة في قبره.

    إذاً فالمقصود: أنه يصح ويحل سؤال غير الله في ما يقدر عليه البشر, كقول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] أي: اسألوا العالم عن العلم أو الفتوى، وكذلك سؤال الغني أن يعطيك مالاً إن كنت فقيراً, فقد أباح لك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك, كما قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لقوي مكتسب) وغيرهما يحل له أن يسأل.

    فالسؤال فيما يقدر عليه ابن آدم الحي الحاضر القادر يصح وإن كان جنسه عبادة؛ لأن الله جل في علاه أباح ذلك واستثناه من هذه العبادة.

    إذاً: من اعتقد في غير الله ما لا يكون إلا لله فهذا كفر.

    حكم من اعتقد أن النجم سبب في نزول المطر

    القسم الثالث: الذين قالوا: نعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر ولا نسأل النجم أن ينزل المطر, لكن النجم سبب في نزول المطر، فإذا غرب هذا النجم أو طلع هبت الريح، ولا بد أن ينزل المطر.

    وهذا أيضاً من الشرك الأصغر، وليس من الشرك الأكبر, لأنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله، وقد قال الله تعالى أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال الله تعالى (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فهذا افتئات على الشرع, وتَقْدِمة بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا الاعتقاد لا دليل عليه من الكتاب ولا السنة، إذاً: فلا يصح كوناً ولا شرعاً.

    فالسبب إما شرعي وإما كوني، ولم يأت دليل في الكتاب أو السنة على أن النجم سبب في نزول المطر، فبطل تعلقهم بالسبب الشرعي, وأما السبب الكوني فمثل كون البندول علاجاً للصداع، ولم يرد في الكتاب أو السنة على وجه الخصوص أن البندول علاج للصداع، وإنما ورد على وجه العموم؛ لأن الله جل وعلا قال اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، فقد جعل الله البندول سبباً في علاج الصداع، وعرفنا ذلك بالتجربة.

    إذاً فالسبب الكوني هو السبب المجرب, فالأطباء جربوا تركيبة معينة من الدواء، وأعطوها للمريض، فوجدوا أن هذه التركيبة من أنجح ما تكون في الشفاء من هذا المرض.

    والسبب الشرعي كالرقية الشرعية، فتقرأ على نفسك المعوذات وتنفث, وتقرأ الفاتحة وتأخذ ريقك وتضعه على المكان الذي يؤلمك إن كان المرض معنوياً.

    وأما الحسي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له), وكذلك العسل فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69], وأيضاً حبةُ البركة: دواء من كل داء), فكل هذه الأسباب جاء الشرع بإثبات أنها علاج للأدواء.

    إذاً: فالسبب الكوني كالأدوية التي جربت, فهل جرب الناس أو علماء الفلك وعلموا أنه كلما سقط نجم وطلع آخر أن المطر سينزل؟

    الجواب: لا, ولا يوجد أحد قال بذلك, فإذا بطل التعلق بالسبب الشرعي وبالسبب الكوني، فقد وقعوا في الشرك الأصغر؛ لأنهم اخترعوا سبباً لم يشرعه الله جل في علاه، والكون كله لله والشرع كله لله والخلق كله بيد الله، فما شرعه الله من الشرع، وما خلقه من الخلق هو الذي ينسب لله جل في علاه.

    إذاً: القسم الثالث شرك أصغر ووسيلة إلى الشرك الأكبر؛ لأن الإنسان إذا اتخذ وسيلة لم يشرعها الله جل في علاه فحتما ولا بد أنه سيحوم حول الحمى وسيقع في الشرك الأكبر, وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بسد الذرائع ,وحسم المادة التي توصل إلى الشرك الأكبر.

    حكم من قال: إن نزول المطر صادف طلوع النجم أو سقوطه

    القسم الرابع: الذين يقولون: لا نعتقد أن النجم هو الذي ينزل المطر, ولا نسأل النجم لينزل المطر, وليس النجم سبباً في نزول المطر, لكننا نقول: مطرنا بنوء كذا, يعني: مطرنا في وقت كذا.

    وقد اختلف العلماء في هذا القول: هل يحرم أو لا؟ والصحيح الراجح: أنه ليس فيه حرمة، لكنه على الكراهة, فطالما أن الرجل لم يعتقد في النجم, ولم يسأله، ولم يعتقد أنه سبب من الأسباب, وإنما صادف نزول المطر بسقوط هذا النجم, أو طلوع هذا النجم.

    فهذا القول على الكراهة؛ لأنه قد شابه أهل الكفر في القول, وإن خالفهم في الاعتقاد والتصديق, فإن الشرع جاء ليفصل بين أهل الإسلام وبين أهل الكفر: في الهيئة, وفي القول, وفي الفعل, بل في النوم والاستيقاظ والجلسة, فقد منع الشرع أن تجلس وترتكز على يدك وهي في الخلف؛ لأنها جلسة أهل النار من أهل الكتاب, ومنعك من أن تضطجع ضجعة أهل النار، وهي النوم على بطنك, ومنعك أن تشابه إبليس في الأكل باليسار, والأخذ باليسار, والإعطاء باليسار, وأن ترتدي نعلاً واحداً دون الثاني, فكل ذلك للتفريق بين مشابهة أهل الإسلام مع أهل الكفر والعياذ بالله.

    إذاً: فقول أهل الكفر، وقول أهل الجاهلية لا بد أن ننأى بأنفسنا عنه ولا نقول: مطرنا بنوء كذا, ولكن نقول: مطرنا في وقت كذا، يعني: في وقت نزول هذا النجم أو طلوع هذا النجم.

    فحكم القسم الرابع أنه على الكراهة، أو أنه على الجواز عند بعض العلماء، لكن الصحيح الراجح: أن هذا القول على الكراهة، كما مر سابقاً.

    فالاعتقادات التي اعتقدها أهل الجاهلية, والتي هي موجودة بيننا, وجاء الشرع بنبذها وإبطالها لا بد للإنسان أن يصحح عقيدته فيها؛ حتى يقف أمام ربه جل في علاه نظيفاً موحداً مخلصاً خالصاً, فينجو من عذاب الله جل في علاه, فإن المرء لا ينجو عند ربه إلا إذا أتى بقلب سليم, وقلبه لن يسلم إلا أن يترك كل شائبة من شوائب الكفرالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، فلا بد من التوحيد التام الذي لا يشوبه أدنى شائبة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756382922