إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. محمد حسن عبد الغفار
  5. سلسلة شرح كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
  6. شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - صفة النفس والمجيء والرضا لله تعالى

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - صفة النفس والمجيء والرضا لله تعالىللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • معرفة صفات الله تعالى لها أهميتها في حياة المسلم، ولها أثرها البالغ في عبادته لربه تعالى، ذلك أن إثبات الصفات يقوي عند المؤمن مراقبته لربه، وخوفه وخشيته منه تعالى، وتعظيمه التعظيم اللائق به جل وعلا، وقد زل في هذا الموضوع الخطير -وهو موضوع صفات الله- أقوام فضلوا وأضلوا، وهدى الله أهل السنة والجماعة إلى صراطه المستقيم، فأثبتوا لله ما أثبته لنفسه، وردوا على شبه المبطلين ودحضوها، ونفوا عن الله ما نفاه عن نفسه وسلموا تسليماً، ومما أثبتوه لله تعالى كما أثبته لنفسه وكما أثبته له رسوله: صفة النفس والمجيء والرضا.

    1.   

    إثبات صفة النفس لله تعالى

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    الصفة الثالثة: صفة النفس، وهي صفة من الصفات الخبرية الذاتية، وهي صفة ثبوتية، ثبتت لله بالكتاب وبالسنة وبإجماع أهل السنة.

    أما الكتاب فقد قال الله تعالى لعيسى عليه السلام: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116]. فقال عيسى: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116].

    ووجه الشاهد من الآية قوله: وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ .

    ووجه الدلالة من الآية من وجهين:

    الوجه الأول: أن النفس هنا أضيفت إلى الله، ولا نثبت صفة لله إلا إذا أضيفت إلى الله، وقد ذكرنا أن قول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42]، لا يمكن أن نثبتها صفة لله حتى جاء الحديث: (يكشف ربكم عن ساقه) فقال هنا: نَفْسِكَ ، فالنفس مضافة إلى الذات المقدسة وهذه إضافة صفة إلى موصوف؛ لأنني أقول المضاف إلى الله نوعان: أعيان قائمة بذاتها، ومعان، أما الأعيان القائمة بذاتها فمثل الكعبة، فالكعبة عين؛ لأنك تراها وتلمسها، فإضافة الأعيان لله جل في علاه على أنها جزء من الله خطأ فاحش، وهذا كلام الصوفية، وأصحاب الاتحاد والحلول، وإنما إضافة الأعيان إلى الله إضافة تشريف، فهي مضافة إلى الله على أنها مخلوقة لله، لكنها أضيفت تشريفاً.

    وأيضاً: عيسى روح الله، هذا لتكريم وتعظيم وتشريف مكانة عيسى عليه السلام، وناقة الله أيضاً أضيفت إلى الله لتشريف المضاف إلى الله.

    النوع الثاني: إضافة معان؛ كالكرم والقدرة والكبر والعزة، وهي إضافة صفة إلى موصوف، ومثله: عزة الله، وقدرة الله، وعطاء الله، ورحمة الله، وضحك الله، ونزول الله، ونفس الله. فإضافة النفس والعزة والكرم والضحك لله هي إضافة صفة إلى موصوف.

    فهنا أضاف النفس لله فقال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116].

    الوجه الثاني: أن الذي وصف الله بها هو عيسى عليه السلام، ولا يمكن أن يتجرأ عيسى عليه السلام أن يصف الله بما ليس صفة لله، والدليل على ذلك هو إقرار الله له، ولو كانت صفة لا يتصف الله بها لأنكر الله عليه، ونظير هذا في الشرع -أنه لا يقر الله على الباطل- إنكاره على اليهود عندما قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، فأنكر الله عليهم بقوله: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64]، وأيضاً نوح لما قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45]، أنكر الله عليه بقوله: فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46].

    وأيضاً آية صريحة جداً وهي قول الله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41]، فهذا تصريح من الله بأن له نفساً، وقد أضاف النفس له.

    فنثبت النفس لله بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل.

    وتفسير ذلك: أن نثبت لله نفساً، وأنها مقدسة تليق بجلال وكمال وبهاء وجمال وعظمة الله جل في علاه، فلا نعطلها كما تعطلها المعتزلة والجهمية الذين يقولون: إنه ليس لله نفس، بل نقول لهم: أخطأتم وخالفتم كتاب ربكم، فقد أثبتها الله وأثبتها رسوله عندما قال: (سبحان الله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه)، والشاهد قوله: (ورضا نفسه)، فهو يثبت لله نفساً، فنثبت كما أثبت لنفسه وأثبت له رسوله، وأجمعت الأمة على ثبوت النفس لله جل في علاه.

    ونقول للمعطلة الذين نفوا هذه الصفة: قد قلتم على الله بغير علم، وقد قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:21]، فقد قال الله: لي نفس، وأنتم تقولون: ليس له نفس، أأنتم أعلم بالله من الله؟!! أأنتم أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! كذبتم وخسئتم ولا نأخذ بقولكم.

    ثم جاء آخرون من بعدهم فقالوا: نحن لسنا مثلهم، نحن نثبت لله النفس، لكن نفس الخالق كنفس المخلوق. فنقول لهم: كذبتم وأخطأتم وخالفتم كتاب ربكم، فإن الله قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].

    فنفى المثلية، فلا ند له ولا سمي له ولا شبيه له سبحانه وتعالى، فنثبت النفس لله كما يليق بجلاله.

    ثم جاء المتنطعون من بعدهم الذين يحسبون أنهم على علم وهم ليسوا كذلك، فقالوا: نحن نثبت الصفة، لكن ليست كما تعتقدون، وإنما صفة النفس لله مؤولة، فهي ليست بالنفس، وإنما هي الذات، ونقول لهم: خالفتم ظاهر الكتاب وظاهر السنة، وإجماع أهل السنة والجماعة؛ فإن الله أثبت لنفسه صفة النفس، ونحن نثبت له هذه الصفة الجليلة العظيمة المقدسة.

    فإذا علم العبد أن لربه نفساً فإنه سيعلم أن هذه النفس المقدسة تعلم ما في نفسه، فلن يستتر إلا بما يرضي الله جل في علاه.

    1.   

    إثبات صفة المجيء لله تعالى

    صفة المجيء تسمى صفة فعلية، وضابطها: أنها تتعلق بالمشيئة، أي: أنها تتجدد، ففي حين يمكن أن نصف الله بها، وفي وقت آخر لا نصف الله بها، فضابطها: أن تضع قبل الصفة: إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، فهو سبحانه إن شاء جاء وإن شاء لم يجئ، وإن شاء استوى وإن شاء لم يستو، وإن شاء ضحك وإن شاء لم يضحك، وإن شاء أعطى وإن شاء لم يعط، وإن شاء نزل وإن شاء لم ينزل.

    وصفة المجيء ثبتت لله بالكتاب وبالسنة، وإجماع أهل السنة والجماعة.

    أما بالكتاب فقد قال الله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22].

    وقال تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23].

    وقال جل في علاه: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158].

    وقال جل في علاه: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [البقرة:210]، فالملائكة ستأتي أيضاً وتكون صفاً صفاً، والله يأتي في ظلل من الغمام.

    وأيضاً ورد في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم يأتيهم الله)، أي: أن الله جل وعلا يأتي فيقول: (من كان يعبد شيئاً فليذهب خلفه)، فمن كان يعبد الشمس فإنها تكور وترمى في جهنم، وهو خلفها والعياذ بالله، ومن كان يعبد القمر أيضاً يسقط خلف القمر، فيلقى في النار جزاء وفاقاً؛ لأنهم عبدوه من دون الله، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].

    ومن كان يعبد عيسى نفس الأمر، ويبقى بقايا من أهل الكتاب، والمؤمنون والمنافقون من هذه الأمة، فيأتي الله جل وعلا إلى بقايا من أهل الكتاب فيقول: (من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر عيسى ابن الله. فيقول: خسئتم أو كذبتم إن الله لم يتخذ ولداً، ثم يلقون في النار) وأيضاً اليهود عندما يقولون هذه المقولة على عزير يلقون في النار. ثم يأتي الله جل في علاه إلى المؤمنين والمنافقين الذين: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، فيقول: (من تنتظرون؟)، لمَ لم تكونوا مع الناس؟ فيقولون: تركناهم ونحن أحوج الناس إليهم، والآن نتركهم فقال: (من تنتظرون؟ قالوا: ننتظر ربنا، قال: هل بينكم وبينه علامة؟ قالوا: نعم. قال: أنا ربكم). وفي الحديث قال: (فيأتيهم الله على الصورة التي لا يعرفونها).

    والشاهد أنه قال: (يأتيهم)، فهذا من المجيء، وسيأتيهم على صورته وهم لا يعرفونها، فيقولون: (نعوذ بالله منك لست بربنا، فيقول: هل بينكم وبينه علامة؟ فيقولون: نعم. فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها، ثم يكشف عن ساقه فيخر كل مؤمن كان يسجد صدقاً)، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! (أما المنافق فيرجع ظهره طبقاً)، لا يستطيع أن يسجد فينقلب على قفاه فيخدعه الله كما خادعه في هذه الدنيا.

    فالغرض المقصود أنه قال: (يأتيهم) فثبتت هذه الصفة بالكتاب وبالسنة.

    وأيضاً أهل السنة والجماعة أثبتوا لله صفة المجيء.

    فإذا قيل: إن أثبتم صفة المجيء فقد شبهتم الخالق بالمخلوق. قلنا: التساوي في الاسم لا يستلزم التساوي في الصفة، فالله يجيء ومحمد يجيء، لكن مجيء الله ليس كمجيء محمد؛ لأن التساوي في الاسم لا يستلزم التساوي في الصفة، والدليل على ذلك من الواقع المشاهد، فإذا قيل: زيد قد جاء، وجاء قرده معه، فإن مجيء زيد ليس كمجيء القرد.

    وإذا قيل: جاء الفيل وجاءت القطة، فمجيء الفيل ليس كمجيء القطة.

    فهذا في الواقع المشاهد في المخلوقات مع التساوي في الاسم والتساوي في الصفة والمسمى لا يتساوى.

    ولذلك نقول: إن الله يجيء مجيئاً يليق بجلاله وعظمته وكرمه وقدرته وبهائه، والمخلوق يجيء مجيئاً يليق بعجزه ونقصه وفقره.

    فإن قيل: كيف مجيء الله؟

    نقول: المجيء في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

    فنثبت لله مجيئاً يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى بلا كيف؛ لأنا لا نعلم الكيفية.

    أثر الإيمان بصفة المجيء الله تعالى

    وصفة المجيء صفة كمال وجلال لله، والمرء إذا تدبر علم أنه راحل، وأنه إلى ربه راجع، وأن الله سيجيء يوم القيامة، وتشرق الأرض التي سنحشر عليها بنور ربها، ثم يأتي الله جل في علاه فيفصل بين العباد عندما يشتد الخطب ويدلهم على الناس، وتحيط الكروب بهم من جميع الجوانب، والشمس تدنو من الرءوس قدر شبر أو ميل، وكل امرئ عرقه يصل إلى كعبيه، أو إلى ركبتيه، أو إلى حقويه، أو إلى صدره، بل إن منهم من يلجمه العرق إلجاماً، وقد جاء في الحديث: (ثم يقولون ألا ترون ما نحن فيه؟ ألا نستشفع بأحد؟ فيذهبون إلى آدم، وإلى إبراهيم وكل يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، حتى يأتون إلى نبي هذه الأمة بأبي هو وأمي، فيقول: أنا لها أنا لها، فيذهب فيسجد تحت العرش، فيعلمه الله محامد فيثني على الله بها، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع في القضاء فيقضي الله بين عباده أجمعين في آن واحد).

    وقد تعجب الصحابي راوي الحديث من قول الرسول: (في آن واحد)، الخلائق من لدن آدم إلى آخر خليقة في آن واحد، فإذا استحضرنا مجيء الله فلابد أن نحرص على عمل الحسنات والطاعات، ولا بد أن نقدم الخيرات، وإن أسأنا نئوب ونتوب إلى الله، ولسان حال كل امرئ منا يقول: وعجلت إليك ربي لترضى، فإن الله يرخي كنفه على عباده، فلا يسمع الآخر كلام الله لهذا الشخص، فيقول الله: (عبدي! ألم تعمل ذنب كذا يم كذا؟)، وكل منا يستحضر ذلك، فمن منا لم يتجرأ على حدود الله؟ ومن منا لم يعص الله جل في علاه؟ ومن منا لم يكذب؟ ومن منا لم يخن؟ ومن منا لم يقع في الفواحش؟ فيقول: (عبدي! ألم تعمل ذنب كذا يوم كذا؟ فيقول: أي ربي نعم. فيقول: عبدي! تعلم ذنب كذا يوم كذا؟ فيقول: أي ربي نعم. فينظر أيمن منه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يجد إلا النار، فيقول: هذه مهلكتي هذه مهلكتي، فيقول الله تعالى -ونسأل الله أن يقول لنا جميعاً هذا-: عبدي! قد سترتها في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) اللهم! اجعلنا جميعاً كذلك يا رب العالمين! فيجيء الله فيفصل بين العباد.

    1.   

    إثبات صفة الرضا لله تعالى

    صفة الرضا صفة ثبوتية أثبتها الله لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً أجمعت الأمة على هذه الصفة.

    أما في الكتاب فقد قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:18].

    وقال الله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119].

    وفي السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط)، فالحديث يدل على الصفة بالقرائن الأخرى، أي: فله الرضا من الله.

    والحديث الذي هو أصرح من ذلك -وهو نص في المسألة- قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشربة فيحمده عليها).

    وأجمع أهل السنة والجماعة أن الله يتصف بصفة الرضا.

    ونحن نثبت هذه الصفة بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، ونثبتها بكيف يعلمه الله جل في علاه، فإن الله يرضى ورضا الله يليق بجلاله وكماله وبهائه وعظمته، وهذا الرضا رضا حقيقي.

    أثر الإيمان بصفة الرضا لله تعالى

    وإذا علم المرء أن ربه يرضى فإنه سيسارع في مرضاة الله، كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] وإذا علم أن ربه يرضى ويسخط فإنه سيتجنب السخط، ويتلمس طريق الرضا، فيأخذ بكل أسباب الرضا. والأخت المسلمة سترضي زوجها لترضي ربها، وتطيع بعلها لترضي ربها، وتؤدي فرضها لترضي ربها، وتتصدق لترضي ربها، وتصوم لترضي ربها، وتقوم الليل لترضي ربها، وتحسن إلى الأخريات لترضي ربها، ولا تغتاب أحداً، ولا تدخل في النميمة، ولا تعصي ربها؛ لأنها تخشى من سخط الله.

    والله إذا رضي كافأ وأثاب، فإذا رضي الله عن عبد أحبه، وينادي في السماء: أن يا جبريل! إني قد رضيت عن فلان وأحببت فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، وينادي في أهل السماء فيحبوه، ويكتب له القبول في الأرض.

    أما أهل البدعة والضلالة من الجهمية والمعتزلة الذين قالوا: لا رضا، وإن الله لا يرضى، وإن هذه الصفة منفية عن الله فتجدهم لا تشتاق قلوبهم إلى رضا الله جل في علاه، فهم يعيشون حيارى؛ لأنهم نفوا صفة الرضا عن الله.

    ثم جاء المتحذلقون الذين قالوا: إنهم هم أهل السنة والجماعة، فقالوا: نثبت الصفة، لكن الرضا معناه: الثواب.

    كما حرفوا مجيء الله إلى مجيء أمر الله، فقالوا: لا يجيء الله، وإنما يجيء أمره، وقالوا في قول الله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]. أي: وجاء أمر ربك والملك صفاً صفاً كما قالوا.

    الرد على من نفى صفة الرضا عن الله

    ونرد على هؤلاء بأن نقول لهم: لقد خالفتم ظاهر القرآن، فقد كلمنا الله بما نعلم باللغة العربية، وأنتم خالفتم ظاهر القرآن، وخالفتم ظاهر السنة، وهذا أولاً: قدح في حكمة الله كأنه يكلمنا بما لا نعلم، وثانياً: قدح في رسالة النبي، وقدح في تبيين النبي، وقدح في التبليغ؛ لأن الله قال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [المائدة:67].

    وقولهم: أن الرضا ليس بالرضا الحقيقي بل هو الثواب، نرد عليهم بأن نقول لهم: لقد خالفتم ظاهر القرآن، وخالفتم ظاهر السنة، وخالفتم إجماع الأمة.

    ونقول: هل أنتم أعلم بالله من الله؟ إذ لو كان هذا هو الثواب لقاله الله تعالى.

    ونقول لهم أيضاً: أنتم أثبتم لازم الصفة، فإن الله جل وعلا إذا رضي عن عبد فإنه سيثيبه، فلازم الرضا الثواب، فهذا لازم الصفة، ونحن نوافقكم على إثبات اللازم، نثبت لازم الصفة، ونثبت الصفة أيضاً، وقد أعملنا الأدلة كلها فأثبتنا الصفة أولاً لأن الله أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله، ثم أثبتنا لازم الصفة وهو الثواب، هذا هو الرد على الأشاعرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755980863