هو الواحد في ربوبيته وألوهيته، فالصلاة له والسجود له، والحلف به، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والحاجة فيما عنده، والرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه، وكل عبادةٍ دقت أو جلت فهي لوجهه سبحانه، لا يجوز صرفها لغيره.
أشهد أن لا إله إلا الله واحدٌ في أسمائه وصفاته، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، نثبتها له سبحانه على الوجه الذي يليق به، آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، كان بنا براً رءوفاً رحيماً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، واعلموا أن التقوى: العمل بالتنـزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
اعلموا أن التقوى: أن تعبد الله على نورٍ وهديٍ من الله ورسول الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، لخوفٍ وخشيةٍ من الله جل وعلا، وأن تتجنب ما يُسخط الله جل وعلا، تعظيماً لجلال الله، عرفاناً بقدر الله جل وعلا: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [نوح:13].
أين النفوس التي تعرف الوقار للبشر، ولا تعرف الوقار لرب البشر؟!
أين النفوس التي تعرف الهيبة من الرجال ولا تعرف الهيبة من رب الرجال؟!
أين النفوس التي ترتعد فرائصها من ذكر فلانٍ وعلان ولا تضطرب خشيةً أو خشوعاً لذكر الله جل وعلا؟!
يخوفونك بالذين من دونه فتخاف ويخوفونك بالله فلا تخشى؟! حاشا وكلا، معاذ الله أن يقوم في النفوس خوفٌ للبشر أعظم من الخوف من الله!
معاذ الله! أن يقوم في النفوس رغبةٌ ورهبةٌ وإنابةٌ لبشرٍ أعظم وأكبر من الرهبة والإنابة من الله جل وعلا!: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:102] هو أهلٌ أن يُخشى وأهلٌ أن يُذكر فلا ينسى، وأهلٌ أن يُطاع فلا يعصى.
سبحانك ربنا! ما عبدناك حق عبادتك، سبحانك ربنا! ما شكرناك حق شكرك، سبحانك ربنا! ما أحلمك على عبادك، سبحانك ربنا! ما أوسع مغفرتك ورحمتك، كتب ربكم على نفسه الرحمة ورحمته سبقت غضبه، ومننه على العباد متتابعة، ومعاصي العباد إليه مرفوعةٌ متتابعة، ومع ذلك فهو يستر ويغفر ويقول لعبده: هلم إليّ عبدي، ويقول تعالى في محكم كتابه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53].
والنفاق معاشر المؤمنين! من أعظم الدلالات عليه: أن يجد العبد في نفسه تثاقلاً عند القيام إلى الصلاة، نعم فالصلاة كبيرة وعظيمة إلا على الخاشعين: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] عظيمةٌ جداً ثقيلةٌ على النفوس التي تتكلفها.
أما الذين يجاهدون نفوسهم لأجلها، أما الذين يجدون حرباً مع الشيطان عند القيام إليها، فأولئك على دلالة خير، لأن المجاهدة سبيل الهداية: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
اشتغل الناس بدنياهم، اشتغل الناس بأعمالهم، اشتغل الناس بتجارتهم، تزخرف القوم لمجالسهم، تبسم القوم لبعضهم في مجالس لهوٍ وغفلة وطرب.
وكثيرٌ من الناس اشتغل بملهاةٍ لا تنفع ولا تشفع، وثقلت عليه الصلاة، إذا سمع النداء تثاقلت نفسه واضطربت، لا خشيةً أو خشوعاً، وإنما ضعفاً وخموداً وكسلاً، وحينما يسمع عزفاً لمطربٍ يهواه، أو لقينةٍ يطرب لأغانيها، اضطرب وتهلل وجهه، وصدق ابن القيم رحمه الله فيما أورد في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، حيثُ قال: تلي الكتاب -القرآن- وسُمع النداء وارتفع الأذان:
تلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لكنه إطراق ساهٍ لاهي |
وأتى الغناء فكالحمير تراقصُوا والله ما طربُوا لأجل الله |
دفٌ ومزمارٌ ونغمة شادنٍ فمتى رأيت عبادةً بملاهي |
ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا تقيده بأوامرٍ ونواهي |
ورأوه أعظم قاطعٍ للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي |
نعم كثيرٌ من الناس عند الصلاة إن قام إليها قام وليس مقامه قول القائل: أرحنا بها، وإنما يقول: أرحنا منها.. أرحنا منها، أقمها وانقر ركوعها، واستعجل سجودها، ولا تخشع في أركانها، ولا تطمئن في صفاتها وأوضاعها، دعنا ننتهي منها، هذه عبادة المتخلصين، هذه عبادة الذين يتبرمون، وإن مثل هذه العبادة لا تنفع صاحبها.
ما بال بعض المصلين يرابي في البنوك! أين الصلاة التي تنهاه عن المنكر وتأمره بالمعروف وتزجره عن الفحشاء؟!
ما بال بعض المصلين! العبث واللهو والمجون في بيته؟!
ما بال بعض المصلين يصلي مع الناس في المساجد، ولسانه سليطٌ حاد على أولياء الله والدعاة إلى الله؟!
ما بال بعض المصلين يصلي في المسجد أو يصلي كما ينقرها من يصلي، وتراه والعياذ بالله في وادٍ وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في وادٍ؟! لسانه مولع بالشتيمة، وقلبه مشربٌ بالفساد، وروحه متعلقةٌ بالمال، وأقصى أمانيه عرضٌ من الدنيا يسير، ومتاعٌ زائل، وحطامٌ فان! أهذه الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر؟!
أين الصلاة يا عباد الله! أرونا صلاةً عند كثير من إخواننا في هذا الزمان؟! معاذ الله! أن نكون أمةً أوتينا النعم، فقابلناها بالجحود، وأوتينا الهدى، فقابلناه بالضلالة، وتبصرنا الصراط فتنكبناه إلى الغواية.
معاذ الله! أن نكون أمةً أخذت الذي هو أدنى بالذي هو خير، نعوذ بالله أن نكون كذلك.
قال الأطباء: يا عروة لو شربت مسكراً يزيل عقلك قليلاً حتى نقطع رجلك في حالٍ لا تشعر بها، فقال: [معاذ الله! أن أتداوى بحرام، إن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها!!].
فقالوا: لو تناولت شيئاً يغيب عقلك قليلاً (البنج ونحوه) فقال: [لا أغفل ساعةً عن ذكر الله أبداً] فقالوا: إن الآكلة تسري في جسدك ولابد من قطع رجلك، فماذا ترى؟ قال: [أنظروني! فإذا دخلت في الصلاة واستغرقت فيها فافعلوا ما بدا لكم] فلما دخل في صلاته واستغرق فيها واتصل بأسباب السماء، وغاب عن شهود أمور الدنيا، جاءوا إليه بسكينٍ كالجمر قد حميت على النار، تلتهب لما حولها، فوضعها على اللحم من ساقه، فجعلت اللحم يذوب في لحظات حتى بلغت العظم، ثم أتوا بالمنشار، وقد حمي أيضاً على النار، وجروا المنشار على عظم ساقه، فقطوعها، ولما بلغ المنشار نخاع ساقه، غُشي عليه رحمه الله.
فلما أفاق وقد رأى ما بقي من رجله قد جُعل في زيتٍ وضمد من جراحه، قالوا: قد قطعنا رجلك، فقال: ائتوني بها، فلما جئ بها إليه، أخذها بين يديه وقبلها وقال: [الحمد لله أني لم أمش بها إلى فاحشة، الحمد لله أني ما مضيت بها إلى معصية].
لعمرك ما أدنيت كفي لريبـةٍ ولا سبقتني نحو فاحشةٍ رجلي |
هكذا كان شأن الأوائل! كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى سمعوا له ولصدره أزيزاً كأزيز المرجل، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفاً، إذا صلى بالقوم في جهريةٍ بكى في صلاته، فلا يسمع الناس صوته من نشيجه وبكائه، وصلى عمر فلما بلغ قول الله جل وعلا: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر:8-10].
سقط وعاده الناس أسبوعاً في بيته، هكذا كانت القلوب، وهكذا كانت إقامة الصلاة، وأما في هذا الزمن، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به!
ما الذي شغلهم عن صلاة الفجر؟! مسلسل! فلمٌ من الأفلام! شريطٌ من الفيديو! عبثٌ في البلوت! ماذا ترك الناس من الخير والفضل لأجل سهرٍ لا فائدة فيه.
يسهر كثيرٌ من الناس، ويجعلون ساعاتهم مصوبةً عند وقت الدوام، أما الساعة السابعة فهي ساعةٌ مقدسة، لا يُمكن عند بعض الناس أن يتزحزح عنها أنملة، لا يستقدم عنها لحظةً ولا يتأخر عنها، أما صلاة الفجر، فالله المستعان!!
والله يا عباد الله! لو أن الناس يعاقبون على التهاون بترك الصلاة مع الجماعة، ولو بلفت نظر، في ملف وظيفته، ويكون حضوره الصلاة مع الجماعة مقياسٌ وشهادةٌ وضابطٌ لترقيته، ولعلاوته، ولتقليده المهمة، ولتوليته المنصب، ولأجل ترفيعه من رتبة إلى رتبة، لو يجدون عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً لحضروها، ولكن لأن الصلاة لا تجد من يسأل عليها، ولا تجد من يناقش لتركها.
نعم، إن كنا نريد مزيداً من الطمأنينة، ومزيداً من الحفظ، ومزيداً من التأييد والنعم، فعلينا بإقامة الصلاة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].
أن يأمر كل واحدٍ منا ولده، وأهل بيته، أن يكون لبيوتنا صوتاً وجلبة، وصوتٌ للدعاء إلى هذه العبادة مع صلاة الفجر، أما حينما ترى الناس في الفجر من جهة هذا الصوب واحدٌ يمشي، وآخرٌ يمشي في ستر الظلام، وثالث ينحطُ مسرعاً، والله إن الواحد حينما يرى الناس آحاداً فرادى، غرباء في ساعة الفجر، يمرون في هذا الشارع إلى المسجد، إنك لتدعو الله لهم، وتقول: أسأل الله أن ينور وجوههم بطاعته، وتقول: (بشر المشائين إلى المساجد في الظلم، بالنور التام التام عند الله يوم القيامة).
ولكن ما أقل المشائين إلى المساجد في الظُلم، أين المشاءون إلى الملاعب؟! مئات الآلاف! أين المشاءون إلى الأسواق؟! مئات الآلاف! اين المشاءون إلى الملاهي؟! مئات الآلاف! أين المشاءون إلى المساجد تعدهم على رءوس الأصابع!!
وأكبر دليلٍ على هذا أن تحصر عدد السكان في حيك، وانظر عدد المصلين تجد (30%) من أعضاء الحي لا يصلون أبداً، صلاة الفجر لا يشهدونها وبقية الصلوات قد يصلونها في البيوت، وهذا تركٌ لسنن الهدى، والصلاة مع الجماعة من سنن الهدى، ومن تركها فقد ترك هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
أهم من المعوقين أو المشلولين؟! لا والله! الواحد منهم لو ركل برجله جاريةً لسقطت، لو ركل برجله ساريةً أو عموداً لسقط من قوة بدنه، ولكنه أضعف مخلوقٍ عندما يسمع "حي على الصلاة، حي على الفلاح" والمصيبة أن بعضهم يدعي كمال الإيمان، ويثني على نفسه بمناقب المهاجرين والأنصار، حينما يتحدث وهو لا يشهد هذه الصلاة مع الجماعة، أهو مكفوف البصر، إن النبي لم يأذن لكفيف البصر أن يصليها في بيته.
ولو جازت الرخصة لأحدٍ أن يصلي في بيته، لجازت لذلك الكفيف الذي لا يجد قائداً، لجازت لذلك الكبير الذي لا يجد من يدله في طريق مخوفةٍ بالهوام والسباع!!
فيا عباد الله! ما الذي يُشغلنا عن صلاة الفجر؟ مسلسل السهرة؟! لو كان عندنا سفرٌ إلى بلادٍ قريبةٍ أو بعيدة، أو انتدابٍ يفوت الإقلاع في وقته، لجعلنا ثلاث ساعات، ساعة عند السرير، وساعة عند الباب، وقنبلة عند البوابة، حتى لا يفوت الإنسان الخروج إلى هذه المناسبة، أو إلى ذلك الانتداب، أو لتلك المصلحة.
أما صلاة الفجر فهي كما يقولون: على حالٍ من البركة، وليس في الترك والتهاون بركة، إن قام لها قام لها، وإن صلاها في البيت صلاها في البيت، وإن صلاها في البيت في وقتها، أو صلاها بعد طلوع الشمس صلاها.
يا عباد الله! إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، لو رأينا مدرساً يأتي إلى مدرسته عصراً، والناس يدرسون صباحاً فهل نقبل عمله!
لو رأينا موظفاً يأوي إلى مكتبه في الليل والناس يداومون في الصبح، هل يقبل عمله؟
لا والله، فما دمنا لا نتساهل في حقوق البشر الضعفاء المخلوقين المساكين، فكيف نتهاون بحقوق رب البشر!!
كيف نتهاون بها! وهي أوقاتٌ يسيرة من العمر، عشر دقائق، والله لو حسبت الصلاة منذ الإقامة حتى التسليم لوجدتها لا تتجاوز ربع ساعة أو عشر دقائق، وحريٌ بالمسلم أن يُبكر إليها؛ ليستغفر وينيبَ ويسبح ويهلل ويكبر ويغسل درن قلبه من الذنوب والمعاصي.
أسأل الله جل وعلا ألا نكون من المنافقين، أسأل الله ألا نكون من المنافقين، أسأل الله ألا نكون من المنافقين الذين إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار؛ عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة! بين يدي رسالةٌ من إمامٍ جليل، أجمعت القلوب على حبه، وتواطأت النفوس على التقرب إلى الله بمودته، وتواطأ الخلائق في مشارق الأرض ومغاربها على السؤال عنه، والطمأنينة لعلمه، والدينونة إلى الله جل وعلا بحبه في الله ولله، ذلكم سماحة العلامة مفتي العصر، إمام الدنيا، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، وجه رسالةً إلى المسلمين أجمعين، مما لاحظ ورُفع إلى سماحته من تهاون المسلمين بالصلاة مع الجماعة.
فقال حفظه الله ومتع به على طاعته: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه، ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه، آمين..
سلامٌ عليكم ورحمه الله وبركاته
أما بعد:
فإن من المنكرات الظاهرة ما يفعله الكثير من الناس، من التساهل بأداء الصلاة في الجماعة، والتهاون بذلك، ولا شك أن ذلك منكرٌ عظيم، وخطره جسيم، فالواجب على أهل العلم التنبيه على ذلك، والتحذير منه، لكونه منكراً ظاهراً!! لا يجوز السكوت عليه، ومن المعلوم أنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمرٍ عظّم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظّم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظّم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها من صفات المنافقين، فقال تعالى في كتابه: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
وكيف تعرفُ محافظة العبد عليها؟ وتعظيمه لها وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه! وتهاون بشأنها! قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وهذه الآية الكريمة نصٌ في وجوب الصلاة مع الجماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط، لم تظهر مناسبةٌ واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه: ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، قال تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102].
فأوجب سبحانه أداء الصلاة في الجماعة حتى في حال الحرب؛ فكيف في حال السلم، ولو كان أحدٌ يُسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافون للعدو والمهددون بهجوم العدو عليهم، أولى بأن يُسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك؛ عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، ولا يجوز لأحدٍ التخلف عن ذلك، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم ...) الحديث.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافقٌ عُلم نفاقه، أو مريض وإن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة).
وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! ليس لي قائدٌ يلازمني إلى المسجد، فهل لي رخصةٌ أن أصليّ في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجبه) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يأتِ؛ فلا صلاة له؛ من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له؛ من سمع النداء فلم يأتِ؛ فلا صلاة له إلا من عذر).
قيل لـابن عباس رضي الله عنهما: [ما هو العذر؟ قال: خوفٌ أو مرض] والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله، التي أذن الله أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه كثيرةٌ جداً، فالواجب على كل مسلمٍ العناية بهذا الأمر والمبادرة إليه، والتواصي به مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق، الذين وصفهم الله بصفاتٍ ذميمة، منها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء:142-143].
ولأن التخلف عن أداء الصلاة في الجماعة من أعظم الأسباب إلى ترك الصلاة بالكلية، ومعلومٌ أن ترك الصلاة كفرٌ وضلالٌ وخروجٌ عن دائرة الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) رواه الخمسة عن بريدة الأسلمي بإسنادٍ صحيح، والآيات والأحاديث في تعظيم شأنها ووجوب المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله، والتحذير من تركها كثيرةٌ ومعلومة، فالواجب على كل مسلمٍ أن يحافظ عليها في أوقاتها، وأن يُقيمها كما شرعها الله، وأن يُؤديها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله، طاعةً لله سبحانه ولرسوله، وحذراً من غضب الله وأليم عقابه.
ومتى ظهر الحق، واتضحت أدلته، لم يجز لأحدٍ أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان؛ لأن الله سبحانه يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] ويقول سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
إن الذي يسمع الأدلة في وجوب الصلاة مع الجماعة ثم يترك الصلاة مع الجماعة لفتوى فلانٍ من الجهلة، أو فلانٍ من الظلمة الذين يظلمون أنفسهم؛ حريٌ أن يكون ممن خالف أمر الله، وعلى خطرٍ أن تصيبه فتنة أو يصيبه عذابٌ أليم، هذا من كلامي وليس من كلام الشيخ ابن باز ، هذه الجملة القصيرة، وأستأنف كلام الشيخ:
ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة، والمصالح الجمة، ومن أوضح ذلك التعارف والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع المتخلف وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النفاق، والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه سبحانه بالقول والعمل إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة في إقامة الصلاة.
وفقنا الله وإياكم لما فيه رضاه، وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ومن مشابهة الكفار والمنافقين إنه جوادٌ كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم أعز الإسلام، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجعلنا للصلاة من المقيمين، واجعلنا عليها من المحافظين، واجعلنا لأركانها وسننها وواجباتها من المقيمين، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم تقبل صلاتنا، وأعنا عليها، وأذقنا لذتها وحلاوتها، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لمسلمٍ في هذا المسجد وغيره ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا يتيماً إلا تكفلت به، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا أسيراً إلا فككته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان ، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين ، اللهم أصلح شأن ولاة الجهاد، اللهم أصلح أمراء الجهاد، اللهم أصلح قادة الجهاد، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم اطفأ الفتنة من بينهم، اللهم أدر دائرة السوء على من أشعل الفتنة بينهم، اللهم اطرد المنافقين من صفوفهم، واجمع شمل قادتهم يا رب العالمين، اللهم لا تجعل للشيوعيين عليهم سبيلاً، اللهم لا تجعل للشيوعيين عليهم سبيلاً، اللهم أقم دولتهم، اللهم أقم دولتهم، وعجل نصرهم، اللهم انصر المجاهدين في إرتيريا ، اللهم انصر المجاهدين في إرتيريا ، اللهم انصر المجاهدين في إرتيريا ، وفي الفليبين ، وفي سائر بقاع المسلمين يا رب العالمين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا بمنك وكرمك يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارضَ اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر