إسلام ويب

أمتي لا تنحرف [3]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الدعوة التي تزعّمها الكفار، وتبعهم عليها أذنابهم من أبناء المسلمين، فأخذوا يؤيدون ويؤكدون عليها من أهمية تنظيم وتحديد النسل، دعوة سخيفة، وما دفع الكفار إلى ذلك إلا خشيتهم من زيادة عدد المسلمين وتكاثرهم، فهم يحاولون إقناعهم بهذه الفكرة بينما يشجعون كثرة النسل في بلادهم، ويكافئون من ينجب الأولاد، ثم يزعمون أنهم يخافون على المسلمين من المجاعة الناتجة عن كثرة السكان!

    1.   

    العلاقة بين تقليص الجهاد والدعوة إلى تحديد النسل

    نموذج للتربية الإسلامية على حب الجهاد

    روى البخاري والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا نبي الله! ألا تحدثني عن حارثة؟ -وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى). قوله: سهم غرب، يمكن أن تقول: سهمُ غربٍ، أو سهمٌ غربٌ، وقد تحرك الراء، وهذا إذا لم يدر من أين أتاه هذا السهم، ومن الذي ضربه به، فيطلق عليه هذا الوصف. وفي رواية: قال أنس: (أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول! لقد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع)، وفي بعض الروايات: (وإن تكن الأخرى اجتهدت عليه في البكاء، فقال: ويحك أوَهَبِلْتِ؟! أجنة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس الأعلى)، وزاد رزين : (إنه في الفردوس الأعلى، وسقفه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة، وإن غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، لَقَاب قوس أحدكم أو موضع قدّه -القاب: هو القَدْر، والقدّ: هو السوط- من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، فمجرد الموضع الذي يوضع فيه السوط أو القوس خير من الدنيا وما فيها. ويقول عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: (ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت الدنيا وما فيها، ولنصيفها -يعني: خمارها- خير من الدنيا وما فيها). فالشاهد من هذا الحديث السابق: قولها رضي الله عنها: (ألا تحدثني عن حارثة ، فإن كان في الجنة صبرت)، وفي رواية: (فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب)، فهذه الأم مع تعلقها الشديد بابنها فإنها تصبر وتحتسب وترجو الأجر من الله تبارك وتعالى. تقول: (وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء) وفي الروايات الأخرى: (وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع) أي: من البكاء والحزن الشديد عليه وذلك إذا علمت أن ابنها لم يفز بالجنة، فإن كان قد فاز بالشهادة وانتقل إلى ما هو خير من الدنيا فإنها تصبر وتحتسب، ولا تجزع ولا تحزن. فهذه هي التربية النبوية، وهذه هي تربية الإسلام للنساء فضلاً عن الرجال، فإن هذه الأمة -كما ذكرنا- أمة ولود، تلد لأن لها رسالة في الحياة لا تنفك عنها أبداً، ألا وهي ذروة سنام هذا الدين، وهو الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى. فهذا الفعل من هذه الأم -ونظائرها كثيرات جداً في التاريخ الإسلامي- لعله هو السبب الذي جعل أعداء الإسلام يخافون من هذا الدين، وهم يفقهون جيداً طبيعة هذه الرسالة وطبيعة هذا الدين، وأنه إذا عادت روح الإسلام من جديد في هؤلاء المسلمين فلن تقف أمامهم قوة في الأرض، فهم يعلمون جيداً ما الذي يمكن أن تثمره التربية الإسلامية، والفهم الإسلامي الصحيح لرسالة هذه الأمة في الوجود من مصاعب تزلزل وتهدد كيانهم. وإذا قلبنا صفحات التاريخ الإسلامي فإنا نجد نماذج كثيرة جداً، سواء من النساء أو حتى من أطفال المسلمين، فهناك علاقة وثيقة بين ما شرعنا في دراسته من قضية تحديد النسل، والترغيب في أن تكون الأمة كلها ولوداً لا امرأة واحدة، وبين رسالة هذه الأمة وهي الجهاد والبذل في سبيل الله تبارك وتعالى، وما صوّر لنا من الترغيب فيما يضاد المقاصد العليا للشريعة الإسلامية إنما هو مظهر من مظاهر المؤامرة المحكمة على عقائدنا، وعلى ديننا، وعلى أمتنا.

    نموذج عصري للطفل المسلم المجاهد

    نذكر أنموذجاً يحضرنا من العصر الحديث، وقد حدث حينما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، وتصدى لها المسلمون من منطلق الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقد قام فتىً صغير من الصعيد بالتسلل والرحيل إلى الشمال؛ للجهاد في القاهرة، ثم كان هذا الفتى يتسلّل بمفرده كل ليلة إلى معسكر الفرنسيين، فيدخل مخزن الأسلحة ويستولي على بنادق الفرنسيين، ثم يعود سابحاً في الترعة إلى أهله، فيتسلح بهذه الأسلحة في مقاومة الفرنسيين، وعندما اكتشف الفرنسيون النقص في الأسلحة صدرت الأوامر من القادة الفرنسيين إلى الحراس بالترصّد للمتسللين، فلقد ظن الفرنسيون أن الذي يقوم بعملية السطو على الأسلحة من مخازنهم عصابة هائلة، فإذا بهم يفاجئون بهذا الصبي وحده يصنع هذه العملية، فانقضّوا يحاولون القبض عليه، فما كان من هذا البطل الصغير إلا أنه ظل يقاومهم حتى انكسرت ذراعه ولم يستطع الحركة، فقبضوا عليه وحملوه إلى قائد الحملة وكان يُدعى: ديزي ، فلما رآه القائد دُهش بشجاعته وبطولته، فعرض عليه أن يتبنّاه -أي: يتخذه ابناً له- فرفض وقال له: إنك كافر! فانظر إلى وضوح القضية في حس هذا الصبي الصغير! فمع أنه فتىً صغير لكنه يعرف طبيعة العلاقة بيننا وبين هؤلاء الكفار، فرفض التبني؛ لأن ذلك القائد كافر، وقد أُدهش وأُذهل القائد الفرنسي بشجاعته وبسالته، فعرض عليه أن يطلقه على أن يعده بألا يعود إلى سرقة السلاح، فرفض أن يعده بذلك ما دام الكفار باقين في بلاد المسلمين، وكان يمكن أن يكذب عليه ويعده، ثم يعاود أخذ الأسلحة، لكن مبدأ الصدق قد ترسّخ في نفسه منذ الصغر، وترسخت فيه الشجاعة في مواجهة الباطل، فما كان من القائد الفرنسي إلا أن أطلق سراحه، وأمر بتشديد الحراسة على السلاح!!

    خوف الكفار من انتشار الإسلام جعلهم يدعون المسلمين إلى تحديد النسل

    أعداء الإسلام لا زالوا يخططون، ومن مخططاتهم الترويج لهذه الفكرة الخبيثة، وهي فكرة تقليل النسل المسلم، فهذا مظهر من مظاهر هذه المؤامرة؛ لأنهم يدركون كثيراً من الحقائق، لكن يوجد -وللأسف- كثير من المسلمين لا يعوها ولا يعرفوها، فهم يعرفون جيداً أن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي، مهما ظهر الأمر بخلاف ذلك؛ لكن هذه حقيقة العلاقة بيننا وبين الغرب.

    وهذه الحقيقة، كثير من المغفلين والسُذّج والبسطاء لا يفطنوا إليها، لكن هي الحقيقة شاءوا أم أبوا.

    في أثناء الحرب الأخيرة التي حصلت في الخليج، صدرت بعض التصريحات أحياناً وربما كانوا يمارسون هذه الأمور بحرية في الخارج أكثر من هنا، وقام بعض أجهزة الإعلام الغربية في بريطانيا مثلاً بتصوير أجزاء من الصواريخ التي كانت تقع على العراق بعض هذه الصواريخ كان الجنود النصارى الذين أتوا لينقذوا المسلمين من أيدي المسلمين في الظاهر! يكتبون عليها بعض العبارات، مثل: إلى صدام : اسألِ الله أو ادع الله، فإن لم يستجب لك الله، فالجأ إلى يسوع!!

    وفي صاروخ آخر كتبوا عليه: من أبناء موسى إلى أبناء محمد!

    فهذه الروح الصليبية الحاقدة لا زالت، ونحن لا ننسى قول بابا روما -بابا الكاثوليك- حينما خرج عن وداعته التي يتكلفها، ولم يستطع أن يكتم هذه العبارة ويقول: هذه حرب مقدسة، وهذه حرب عادلة. وانحيازه أيضاً لهذا الأمر، وبشاشته لما حصل في هذه المحنة، الشاهد: أن هذه حقيقة نواياهم، فمثلاً: نورنت برون ، المعروف بنشاطه الجاسوسي لبريطانيا في وسط العرب هنا، يقول: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وضع الاستعمار الأوروبي. والحاكم الفرنسي في الجزائر يقول في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللغة العربية من ألسنتهم.

    أيضاً: جلادستون -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- كان يقول بصراحة شديدة: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق أو أن تكون هي في أمان!!

    حتى قوى الشرق العالمية كالدول الشيوعية، ففي أوز باكستان: يقول المحرر بالحرف الواحد: من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً.

    والحمد لله، قد سحقهم الله، وأذاق بعضهم بأس بعض.

    يقول أحد المنصرين أيضاً: إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سدّاً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية.

    وقال آخر من هؤلاء المبشرين بالنار: لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً!

    هذا مصداق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما جرى به هرقل حين كان يستعلم عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، سأل عن أتباعه: هل يزيدون أم ينقصون؟ قال أبو سفيان : بل يزيدون. قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. فهذا اعتراف من هرقل بالإسلام.

    أيضاً: بنجريون -رئيس وزراء إسرائيل السابق- يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم الإسلامي محمد جديد!

    فهم في حالة رعب وفزع شديد من الإسلام، حتى الأمهات إلى اليوم في أوروبا -وبالذات في إيطاليا- حين تريد الأم أن تخفيف ابنها فإنها لا تقول: الغول! ولا تقول ما يقوله الناس، بل تقول: سآتيك بـصلاح الدين من شدة الرعب والفزع من صلاح الدين رحمه الله.

    هم أيضاً -كما ذكرنا- يعلمون أن مكمن الخطر الحقيقي عليهم في الحقيقة هو الإسلام، فتأخذ كل الوسائل، والاستعمار قد تلوّن، فهو لم يبدُ في الحقيقة، بل ما زال في نفس العقلية، ونفس الموقف الخبيث نحو المسلمين، كما قال عز وجل: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، فلا زال هذا الموقف هو الحقيقة الكامنة في قلوبهم، رغم أنهم يزعمون ويظهرون خلاف ذلك.

    يقول رائد الجاسوسة نورنت برون أيضاً: كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف، كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني، والخطر البلفشي، لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيين حلفاؤنا، أما اليابانيون فإن هناك دول ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم، لكننا وجدنا الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة!

    يقول دازنوت -وهو أيضاً مستشرق من المستشرقين-: إن القوة التي تكمن في الإسلام، هي التي تخيف أوروبا!

    ويقول هاموتوا -وزير خارجية فرنسا سابقاً-: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام سوره، وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر.

    والعجيب أن هذه التصريحات تأتي على ألسنة أعداء الإسلام أنفسهم، مع أنهم حريصون على كتمان هذه الحقائق، لكنهم لا يستطيعون كتمانها، ويعرفون أنهم سينكرون الشمس في رابعة النهار إن أنكروها.

    الآن في أمريكا الاجتهاد بفضل أو السبب يرجع إلى تزايد المسلمين في التناسل، الآن المسلمون في أمريكا -كما تذكر الإحصائيات الرسمية-: أن في أقل من ثلاثين سنة، يزداد عدد المسلمين زيادة بحيث يشكلون الدين الثاني في أمريكا مع أديان الكاثوليك، وإن شئت قلت: الدين الأول؛ لأن الكاثوليك في الحقيقة ليس عندهم دين، في أمريكا لا دين لهم على الإطلاق! ولذلك بعد ثلاثين سنة -كما يقدرون- فإن الدين الإسلامي هناك سيشكل أمراً ملفتاً للنظر؛ بسبب زيادة معدل التناسل للمسلمين، فيكونون هم الفئة الثانية في أمريكا، والله أعلم.

    كذلك في فرنسا الآن الإسلام ينتشر في داخلها، حتى في الانتخابات يحاولون مداعبة عواطف الفرنسيين عن طريق التلميح إلى فكرة طرد أو تقليل وجود المسلمين الغير الفرنسيين في داخل فرنسا، حتى أن بعض الناس يذكرون مناقب ديغول رئيس فرنسا: أنه حرر الجزائر وأعطاها استقلالها، وكثير من الناس لا يفطنون إلى أن الحقيقة وراء هذا التصرف من ديغول ، ففي الجمعية الوطنية الفرنسية قال لهم لما كان هناك أناس يعارضون فكرة استقلال الجزائر؛ لأن فرنسا كانت تنادي بأن لها حق تاريخي في الجزائر، وأنها جزء لا يتجزأ من فرنسا، فشجع ليجون استقلال الجزائر، واضطر أن يصارح أعضاء الجمعية الوطنية بالسبب في ذلك، فقال: تعرفون أن الجزائر فيها كذا مليون مسلم، وإبقاء هؤلاء كمواطنين فرنسيين فيه خطر على فرنسا، أتقبلون في يوم من الأيام أن يصبح مثلاً ثلث هذا الجمعية الوطنية من المسلمين؟! فاجتمعت كلمتهم على الموافقة على استقلال الجزائر.

    وآية من آيات الله، وعلامة من علامات أن هذا دين الله الحق سبحانه وتعالى، أن الإسلام لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تتبنى قضيته، ولا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تطبق الإسلام كما أنزله الله، أو تتحمس له، أو تقيم نشاط جدّي لنشر هذه الدعوة، والدفاع عنها، وبثها في الآفاق، بل كله نشاط رمزي، خاضع لفئات خفيفة، لكن الأصل أن كل هذه الأنشطة هي أنشطة آحاد، من الدعاة المسلمين أو الشباب الإسلامي في شتى بقاع الأرض، في داخل بلاد المسلمين أو في خارجها، ثم إن أصحاب هذا الدين في بلادهم يحاربون، ويُنكّل بهم أشد التنكيل، حتى جاء اليوم الذي يحصل فيه أن الناس يقسمون إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وهذا اصطلاح غريب جداً نلاحظه من كثير من الناس، يقولون: فعل الإسلاميون في الجزائر كذا، وهم ينادون بكذا. لماذا لا تقولون: مسلم من المسلمين؟! لماذا تقولون: إسلاميين؟! يعني: معناها أن المسلمون ينقسمون إلى فئتين: فئة لا تريد إعزاز الدين، ولا شأن لها بالدين، وهؤلاء من عموم المسلمين، وفئة أخرى: اسمهم: الإسلاميون، وهم الذين لهم اتجاه لنصرة الدين، والجهاد في سبيله، والدعوة إليه، والبذل في سبيله، وهكذا.

    فهذه فكرة خبيثة، قل: مسلمون. وقل: كفار. لا تقل: إسلاميين وغير إسلاميين، ثم يقرن بهم التشدد والتطرف، ويحصل الطعن الصريح في دين الله تبارك وتعالى ليل نهار، وصباح ومساء في وسائل الإعلام وغيرها، فالحقيقة أننا الآن أصبحنا غرقى في بحر من المؤامرات على هذا الدين من داخل بلاد المسلمين قبل أن يكون من خارجها، مصداقاً لقول بعض الناس: خرج الإنجليز الحمر، وبقي الإنجليز السمر! فهي في الحقيقة لغات الاستعمار بين العساكر والحضارية، هم الذين يحكمون ويقهرون بلاد المسلمين اليوم؛ ليكونوا خداماً ومخلصين لأغراض هذا العدو الكافر.

    يقول البنشاذور وهو يتكلم بموقف خاص عن الإسلام: من يدري! ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إلينا من السماء مرة أخرى، وفي الوقت المناسب!

    ويقول أيضاً: لست متنبئاً، لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، ولن تقوى الذرة والصواريخ على وقف تيارها، إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ: هاأنذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيرها العواصم الكبرى ومخابراتها.

    وهناك تصريح على لسان أحد قوى الشر، حيث يقول: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيّرون نظام العالم. فلما سأل أحد الصحفيين هذا الرجل: لكن المسلمين مشغولون بخلافهم ونزاعاتهم؟! فأجابه: أخشى أن يخرج منهم من يوجّه خلافاتهم إلينا.

    ويقول مسئول في وزارة الخارجية الفرنسية سنة (1952م): ليست الشيوعية خطراً على أوربا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي؛ فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم من جديد دون حاجة إلى إذابة شخصياتهم الحضارية، والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتها إلى مقاصف التاريخ، وقد حاولنا -نحن الفرنسيين- خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلم، فكان الإخفاق الكامل رغم مجهوداتنا الكبيرة الضخمة.

    ثم يقول: إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والعوض في مستقبل أحسن وحرية أوفر، فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقوي في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني، حتى لا ينهض، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف بإبقاء المسلم متخلفاً، وتحرر العملاق من قيود جهله وتخلفه، وعقدة الشعور بعجزه، فقد بؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الثقافات الإسلاميات الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم!

    أما ملبيكر، فيقول في كتابه (العالم العربي المعاصر): إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام. ثم يقول -بلا حياء- يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره!

    ويقول أيضاً: إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الإفريقية.

    ويصرح هاموتوا -وزير خارجية فرنسا- قائلاً: رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها، فإن الخطر ما زال موجوداً من انتفاض المقهورين الذين أزجتهم النكبات التي أنزلنا بهم؛ لأن حميتهم لم تخمد بعد.

    وأيضاً أحد كبار المستشرقين في محاضرة له في مدريد كان عنوانها: (لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر؟!) يقول: إننا لم نكن نُسخّر النصف مليون جندي -يعني: جندي فرنسي- من أجل أن نبيد الجزائر، أو صحاريها أو زيتونها، إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه الزحف الإسلامي الذي يحتمل أن يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتية جديدة ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الراهنة، ويحققون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأمويين بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة، من أجل ذلك كنا نحارب في الجزائر.

    وأيضاً: من مصادر خوفهم: أن هذه الأمة أمة مؤهلة للقيادة، تملك كل مؤهلات القيادة، وقد قامت بسلب قيادة العالم أجمع لمدة قرون عديدة، فروح القيادة وروح الأستاذية تسري في جسد هذه الأمة التي تحمل كل مؤهلات القيادة.

    وفي الحقيقة أن العالم الغربي لا يحمل أي شيء من مؤهلات القيادة، سوى القوى العسكرية والأمور المادية، أما أن تحمل الغرب أو أمريكا أو أوروبا شيئاً جديداً للعالم فهو في الحقيقة تردٍ وانهيار كامل، وهذا من أعظم المبشرات بانهيارهم، طال الوقت أم قصر، فهم في الحقيقة ليس لهم أي شيء يقدمونه للبشرية، وليس لهم رسالة معينة يؤدونها أو يخدمون بها الإنسانية، فأين هم من هذه الأمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]؟!

    أيضاً يخافون من الإسلام؛ لأن الإسلام هو القادر على أن يقيم الحكومة الربانية، ويقيم الخلافة الإسلامية التي تحرر الإنسانية من التبعية لأي نظام من نظم هؤلاء البشر.

    وأيضاً يخافون لأن الإسلام إذا مكن له أن يربي هذه الأمة فسوف يصنع قادة لا يخدعون ولا يخونون، ولا يبيعون دينهم، فالقادة الذين يجدونهم اليوم، ويستطيعون أن يشتروهم بسهولة بشتى الوسائل، ويجندوهم لخدمة أهدافهم كحجارة الشطرنج، فالإسلام لا يصنع أمثال هؤلاء، الإسلام إنما يصنع أمثال هذا الصبي الصغير الذي رأينا قصته آنفاً، فالقادة الذين يصنعهم الإسلام هم الذين يعون قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].

    أيضاً يخافون من الإسلام؛ لأن الإسلام سوف يربي هذه الأمة، ويربي جيلاً ولاؤه لله تبارك وتعالى وحده، ولا يخاف إلا الله عز وجل، فيكون جيلاً محصناً ضد كل وسائل الغزو والمؤامرات الفكرية والشهوانية، ولا يمكن أن تعطي الأمة ذممها لهؤلاء إذا ربيت على الإسلام، فترفض أن تسلّم قيادها وأن تعطي ولاءها لغير الله ورسوله والمؤمنين، ولا مكان عندها لأفكارهم الضالة، ولا لبضاعتهم الفاسدة، ولا لعملائهم الخَوَنة.

    فمن أجل ذلك يخافون، ويشتد رعبهم وهلعهم من منهج الإسلام، وعودة الإسلام، ويستخدمون أحط الأساليب في التنفير عن دين الله تبارك وتعالى -بغضّ النظر عن قضية دخول البرلمانات ونحوها- لكن ما من شك أن من فوائد التجربة التي يخوضها الجزائر الآن أنها تفضح هؤلاء العساكر المحتالين الذين يحكمون بلاد المسلمين.

    خوف الكفار من عقيدة الجهاد عند المسلمين وتنفيرهم عنها

    فانظر كيف صنع الشاذلي بن جديد كما يصنع الفأر الذي احتار كيف يخرج من المصيدة، فقام يستعمل قوانين الطوارئ، ثم يخرج الجيوش، ويطلق النيران، ويلجأ للبطش والتعسف مع بني جلدته، ثم تسارع الدول الغربية كإيطاليا بإعانة الجزائر، وتعطي الحكومة الجزائرية وتفيض عليها بالأموال، وتزعم أن نظام الحكومة الجزائرية هو أصلح نظام يمكن أن يتعامل مع هؤلاء الذين يسمونهم: بالإسلاميين، أو الأصوليين. وقامت فرنسا بالضغط من جانبها، وتقول أمريكا: لا يمكن أن نسمح بقيام حكومة إسلامية في الجزائر! فأين الديمقراطية؟! وأين الحرية؟! وأين هذه المبادئ الكاذبة؟! وهم من الممكن أن يتسامحوا مع أي نظام في العالم إلا النظام الإسلامي والدولة الإسلامية، فإذا أقيمت نواة دولة إسلامية في أي بقعة من بقاع الأرض فهم يعرفون جيداً ما يعنيه ذلك من تهديد لمصالحهم، وتهديد لوجودهم. ولا شك أنهم قد تلقوا درساً لن ينسوه في أفغانستان، وما زالوا يتلقون شيئاً منه أيضاً في فلسطين، وهم يعرفون طبيعة هذه الأمة، وطبيعة هذه العقيدة، ومن أجل أنهم يعرفون ذلك، فهم يخافون من الإسلام ويحاربونه بكل هذه الوسائل، ويخافون من عقيدة الجهاد في هذا الدين. أثناء الاحتلال الفرنسي -وبالذات في الجزائر حسب ما قرأنا- كان الفقهاء يُمنعون من تدريس كتاب الجهاد في دروس أئمة المساجد، فحينما تقرأ في صحيح البخاري أو غيره وتصل إلى كتاب الجهاد يمنعك الحكام الفرنسيين أن تقرأ أحاديث الجهاد أو نصوص الجهاد؛ لأنهم يعرفون أن من اعتقد هذه العقيدة وآمن بهذا القرآن، فسوف يكون أعظم أمل له في الحياة أن يعقد صفقة بينه وبين الله تبارك وتعالى مؤداها: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]. شيء طبعي أن يخاف اليهود والنصارى من دين أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]. وقد كانوا ولا يزالون أعظم حرصاً على الدنيا، ويحبون البقاء في الدنيا، وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96]، إن كانوا هم كذلك، فأين هم من المسلمين الذين يقول الله تبارك وتعالى لهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38]. فالخوف من الموت والخوف من قلة الزرق -كل هذا- لا مكان له في هذه الأمة، إذا رُبّيت على عقيدة الإسلام فلن تخاف الموت؛ لأنها تعلم أن: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38]، ولن تخاف على الرزق؛ لأنها تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق، وأن الرزق في السماء: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]. أيضاً: كيف لا يخافون ديناً يعلم أتباعه أن التولي يوم الزحف من أكبر الكبائر ومن الموبقات؟! قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16]. كيف لا يخافون هذا الدين الذي ينفخ في أتباعه روح الاعتزاز والانتصار بالله عز وجل؟! قال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، ويقول تبارك وتعالى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104]. أيضاً: كيف لا يخافون من دين يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه؛ مات على شعبة من النفاق)؟! إذاً: روح الجهاد تسري في دم هذه الأمة إذا عادت إلى دينها، وإذا فهمت دينها، فلذلك تجد الغزو يعمل بكل الأساليب لكي تموت هذه الروح في الناس، إما بتثبيط الشهوات، أو بتثبيط الشبهات، وإما بتثبيط أجهزة الإعلام، وإما بالبطش، وهكذا تتلون الأساليب، وكلها تهدف إلى هذا الهدف وهو عزل الولاء لهذا الدين، وعزل هذه الأمة عن التربية الإسلامية الحقيقية. إذا تأملت طريقة تدريس التاريخ في المدارس، وتصفحت كل مراحل التاريخ الإسلامي التي درسناها في المدارس في الإعدادية والثانوية -مثلاً- تجد أن التاريخ الإسلامي يوضع بطريقة أن هذه أمة منهزمة! من خلال التركيز على مراحل وفصول انهيار أمة؛ لغرس مفهوم أن الأمة الإسلامية تنهار، ثم في تدريس تاريخ أوروبا والغرب يأتيك بانطباع أمة تبنى وتنمو وتقوى حتى تصير مثل العملاق العظيم! فهذه الروح الإنهزامية الخبيثة مبثوثة في التاريخ، فلا يذكرون سوءات الحضارة الأوروبية، ويزعمون -بل يفترون الكذب- على الحضارة الإسلامية وعلى التاريخ الإسلامي. مثلاً: قصة سليمان الحلبي لا تجد أبداً أي كتاب من كتب التاريخ ذكر كيفية قتل الفرنسيين سليمان الحلبي؛ عندما قتل كليبر ، وليس من الممكن أن تجدها في كتاب تاريخ، حتى يدفنوا سوءات السادة الفرنسيين الذين يزعمون حرية الإنسان، واحترام حقوق الإنسان، فإنهم عذبوا سليمان الحلبي حتى أقر، ثم إنهم قطعوا يده أمامه وشووها، وفعلوا به الأفاعيل من التعذيب الوحشي قبل أن يقتلوه ويريقوا دمه، فهذه سوءة تستر مع أنه كناحية وطنية وقومية المفروض أن يقولوا: هذا بطل، لكنهم يفرضون التاريخ في المدارس بدون ما يشرب الجيل كراهية هؤلاء الكفار، ووصفهم بالوصف الذي يستحقونه بصفتهم أعداء لله، وأعداء لهذا الدين. ولو أردنا استقصاء النماذج على ذلك لطال الوقت بنا جداً، ولخرجنا عن الموضوع الذي لم ندخل فيه حتى الآن، لكن نذكر الأسباب التي من أجلها يخافون من هذا الدين.

    1.   

    نماذج من أبطال المسلمين

    ما هي النوعيات التي يربيها هذا الدين إذا أعيد من جديد لتوجيه هذه الأمة؟ كان عبد الله بن جحش رضي الله عنه يقسم على ربه ويقول: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً فيقتلوني، ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني: لم ذاك؟ فأقول: فيك يا رب. فبر الله قسمه، وشوهد في آخر المعركة وأنفه وأذنه معلقتان في خيط رضي الله تبارك وتعالى عنه. كيف لا يخافون من هذا الدين إذا عاد لتربية الأمة من جديد وهو الذي أخرج سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة ؟! فقد تنازعا على الخروج للقتال في سبيل الله، وكان لا بد أن يقيم أحدهما ليرعى النساء والأولاد، والآخر يخرج للجهاد، فيقول الابن لأبيه: والله لو كان غير الجنة لآثرتك به، فيقترعان وتخرج القرعة للابن، فيذهب إلى المعركة ويُقتل شهيداً في سبيل الله. كيف لا يخافون من دين يصنع رجالاً لا يعرفون البكاء إلا من خشية الله، أو البكاء أسفاً على فوات فرصة الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؟! يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: عُرضتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغرني ولم يقبلني، فما أتت علي ليلة قطّ مثلها من السهر والحزن والبكاء، إذ لم يقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل عُرضت عليه فقبِلني، فحمدتُ الله على ذلك. وكيف لا يخافون من دين يربي نساءه على أنهن لا يرين غايةً للحمل والولادة والتربية أقرب من تقديم فلذات الأكباد إلى ساحات الجهاد؟! هذه هي تربية الإسلام، وليست تربية الذي قال: أسرة المستقبل المظلم! هذه تربية الإسلام للنساء المسلمات: أن المرأة لها رسالة خالدة، وهي أن تخرج رجالاً يجاهدون في سبيل الله، وتخرج رجلاً لخدمة هذا الدين، والجهاد في سبيله، كـأم حارثة التي ذكرنا قصتها آنفاً. وكيف لا يخافون من دين يصنع الفداء والفدائيين الذين لم يعرف لهم التاريخ نظيراً؟! مثل البراء بن مالك الذي كان يقود مجموعة من الجند في إحدى المعارك، فاستعصت عليه قلعة من قلاع العدو، فقال لجنده: ضعوا أتراسكم بعضها إلى جانب بعض، واجعلوني فوقها، وادفعوا بي دفعة رجل واحد، أفتح لكم الحصن بعون الله تعالى، فيفعلون ما أمرهم، ويحملونه على الترس ويدفعون به إلى داخل سور القلعة، فيقفز وحده في الداخل على رءوس الأعداء كالصاعقة، ويقتل منهم أكثر من عشرين رجلاً، ويفر الباقون فزعاً مما رأوا، ويفتح البراء القلعة، وينتصر المؤمنون! وهذا معاذ بن عمرو بن الجموح في معركة بدر، يقول: سمعت القوم يقولون: أبو الحكم لا يُخلَص إليه. أي: أن هناك قائداً من قيادات المشركين وهو أبو جهل شديد البأس لا يستطيع أحد أن يصل إليه، يقول: فلما سمعته جعلته من شأني -يعني: كأنه قال: أنا له- فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي -أي: قطع يده- فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهدت، ولقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها! ظلت يده معلقة وهو يجرّها وراءه، حتى آذته، وما استطاع أن يتحرك، فداس عليها وقطعها! كيف لا يخاف الكفار من دين يصنع رجالاً مسلّطين على الكفار، هوايتهم ملاحقة الظالمين، ونزال الطغاة المستكبرين؟! مثل خالد بن الوليد رضي الله عنه، سيف الله المسلول، فالكفار يخافون من مثل هذا، وهناك الكثير مما لا يتسع المقام لبسطه.

    1.   

    الإسلام يهدد جميع كفار الأرض

    الحقيقة التي تخفى علينا، وتعمى عنها أعيننا حتى لا ندركها واضحة ناصعة، أن الكفار يخافون من الإسلام؛ لأنه يهدد ما هم عليه. وقف رئيس وزراء بريطانيا في أواخر القرن الماضي في مجلس العموم البريطاني، وأمسك بيمينه القرآن المجيد، وصاح في أعضاء البرلمان قائلاً: إن العقبة الكئود أمام استقرارنا بمستعمراتنا في بلاد المسلمين هي شيئان، ولا بد من القضاء عليهما مهما كلّفنا الأمر، أولهما: هذا الكتاب. وسكت قليلاً، ثم أشار بيده اليسرى نحو الشرق وقال: وهذه الكعبة. ثم قال: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، أو تكون هي نفسها في أمان!! أيضاً هناك مستشرق فرنسي يدعى كيمون مصنف كتاب (بثالوجيا الإسلام) يعني: علم الأمراض، فهو يتكلم عن أمراض الإسلام، وخطر الإسلام على الكفار، يقول: أعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين! والآن البديل للإبادة: أنهم يبيدون أنفسهم بأنفسهم، وينتحرون انتحاراً جماعياً عن طريق تحديد النسل، يقول: أعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وهدم الكعبة، ووضع جثة محمد -صلى الله عليه وسلم- في متحف اللوفر الفرنسي!! والإبادة موجودة ومعروفة، فالشيوعيون مثلاً أبادوا خلال ربع قرن من الزمان ستة وعشرين مليون مسلم في الصين، أي: بمعدل مليون كل سنة! وكذلك حصل مثل هذا في روسيا، حينما أبادت الثورة الشيوعية أيضاً ملايين المسلمين تحت جنازير الدبابات. وحتى العالم الغربي لا يستحي من هذا المنطق الذي تكلم به هذا الرجل، ففي حادثة سلمان رشدي لما ألف كتابه (آيات شيطانية) حصلت مظاهرات في داخل بريطانيا، فصاح بعض البريطانيين وقالوا: الذي لا يعجبه نظام هذه البلد فليغادرها، ولا يمكث فيها. وقالوا: في بعض الجرائد: يبدو أن الجهة الوحيدة التي استطاعت أن تفهم اللغة التي يفهمها المسلمون، هي الاتحاد السوفيتي حينما سحقت الملايين منهم بعد الثورة الشيوعية، فهؤلاء هم الذين عرفوا اللغة التي يفهمها المسلمون!! وحينما اجتمع عدد كبير من المسلمين البريطانيين، ورفعوا قضية سلمان، وطلبوا مصادرة الكتاب، حكم القاضي البريطاني في نهاية القضية وقال: إن المادة التي سيطالب هؤلاء المسلمون البريطانيون بتطبيقها على كتاب (آيات شيطانية)، هي بشأن حماية الأديان، وهي: إنما تعني حماية الديانة الكاثوليكية واليهودية، والإسلام لا يدخل في هذه المادة!! هذه ملامح من هذه المؤامرة ومن الموقف الحقيقي الذي يتخذونه من الإسلام، يقول إسحاق رابين -وهو من المسئولين اليهود-: إننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة، ويجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خططنا في منع يقظة الروح الإسلامية بأي شكل، وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا في استعمال العنف في إخماد أي ظاهرة ليقظة الروح الإسلامية، وإذا فشلنا في إقناع أصدقائنا في توجيه ضربة قاضية في الوقت المناسب، فعلى إسرائيل أن تواجه الإسلام حينذاك وهو عدو حرصنا أن يبقى بعيداً عن المعركة، وستجد إسرائيل نفسها في وضع حرج إذا نجح المتعصبون المسلمون في تحويل معركتنا ضد البلدان العربية إلى معركة المجاهدين المتعصبين، وهم الذين يعتقدون أن أحدهم يدخل الجنة إذا قتل يهودياً أو قتله يهودي، وستقوم إسرائيل بالدور الذي قام به المشرفون من عملائهم، فيقومون بدورهم في تغيير عقلية المسلمين وتفكيرهم، فينشئون حركة تجديد الدين تحت اسم العلمانية... إلى آخره. إذاً: نستطيع أن نقول: إن إسرائيل دولة تشجع العلمانية في بلاد المسلمين، وهي دولة دينية، فإن دستورها هو التوراة، واسمها: إسرائيل، ويقصدون بهذا الاسم: نبي الله يعقوب عليه السلام، وهو بريء منهم بدون شك.

    1.   

    خطورة الدعوة إلى تحديد النسل

    لماذا نقبل الدعوة إلى تحديد النسل في بلاد المسلمين، وفي نفس الوقت تتجه الهجرات اليهودية من كل مكان صوب أرض الميعاد كما يزعمون بكل وسيلة وبكل طريقة، حتى يكثر عدد اليهود، حتى يستطيعوا أن يواجهوا ويحققوا أطماعهم في بلاد وديار المسلمين؟! هذه بعض فصول المعركة أو موقف هؤلاء الكفار من المسلمين، فمن خلال هذه النفسية تتخذ خطواتهم ومواقفهم من المسلمين، فالهدف من بدعة الترويج لتحديد النسل بهذه الطريقة التي ذكرنا أنها تنافي مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، وهذه المقاصد العليا للشريعة الإسلامية مقدسة، ولا يصح أبداً أن تُمسّ من قريب أو بعيد، فالمحافظة على الدين والعقل والعرض والنفس والمال والنسل، هذه هي مقاصد الشريعة الإسلامية، وكل مفرداتها جاءت لتحافظ على هذه الضروريات الست، فالهدف من بدعة وضلالة تحديد النسل هو تقليل أمة المسلمين، والحد من تناسلها وتوالدها قدر ما يمكن، أو إيقاف ذلك بالكلية لو كانوا يستطيعون. على ضوء الكلام الذي ذكرناه ليس الذي يخاف من كثرة النسل هم المؤمنون، وليسوا حتى الاقتصاديين، لكن الذي يخاف منه في الدرجة الأولى هم أعداء الإسلام الذين يتمنون أن يغمضوا أعينهم ثم يفتحوها فلا يجدوا على الأرض من المسلمين دَيّاراً، فهم لا يخافون الأفواه التي سوف تأكل وتلتهم الطعام، ولكنهم يخافون الأيدي التي يمكن أن تحمل السلاح، وتجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى. وهنا نستشهد بكلمة قالها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -وهو من علماء منتصف القرن التاسع الهجري- في شرحه لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) يقول الحافظ: والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل؛ ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية، وهي تكثير هذه الأمة. فهم يهدون إلينا الألبان والجبن بكل أنواعه، ويهدون إلى إسرائيل الطائرات والمدافع والقنابل لحصد أُمّتنا، يهدون إلينا ساعة تدق فوق رءوسنا منذرة بأن هناك مولوداً موحداً ولد في مصر مع كل لحطة؛ حتى نأخذ حذرنا ونوقف هذا الخطر فنحد من الإنجاب، أو نقطعه نهائياً!! في مقابل ذلك تهدى إلى إسرائيل أجهزة الإنذار المبكر لربط حركتنا في حالة الحرب؛ حتى تضرب إسرائيل رجالنا قبل أن يتحركوا ويعدوا أنفسهم، ومن البدهيات التي يقر بها كثير من الخبراء في مصر، أن إسرائيل من الآن تعد لحرب شاملة مع جميع البلاد العربية وفي أولها مصر، وهذا ليس سراً، بل هذا شيء معروف ومشهور جداً!! فهذه الدعوة ما هي إلا تدبير مخطط يقصد منه المحافظة على الوضع الدولي الراهن، بحيث تظل الدول الاستعمارية صاحبة السيادة في كل شيء، وتظل الدول المسماة بـ: الدول النامية فقيره ومتخلفة، ويشتد قلق أمريكا بالذات من تزايد سكان هذه الدول؛ لأن هذا يهدد استغلالها لهذه الشعوب الفقيرة، وينذر بتخفيض النسبة العالية التي تحصل عليها أمريكا من الدخل، أو تحصل عليها هذه الدول من الدخل العالمي. وبسبب تحكم الدول الكبرى في أسعار المنتجات الزراعية في هذه الدول، تخسر الدول النامية في التجارة الدولية ما يقارب من ثلاثة آلاف مليون جنيه سنوياً، وأيضاً ترتفع أسعار المصنوعات المستوردة من هذه الدول، فأمريكا لا تفعل شيئاً بدافع الإنسانية، ولا تقدم مساعدة بدون ثمن وبدون مقابل، بل تأخذ العوض أضعافاً مضاعفة، فأمريكا تحصل على جنيه ونصف جنيه استرلينياً مقابل كل دولار من المعونة التي تقدمها للدول النامية، حيث تشترط على هذه الدول شراء المنتجات الأمريكية بأسعار مرتفعة، وتجبرها على أن تصدر لها منتجاتها بأسعار منخفضة، فهي لعبة من اللعب الاستعمارية في لون جديد! إذا أردنا أن ندرك حقيقة هذه الجريمة التي ترتكب في حق الأمة بالترويج لهذه الضلالة وهذه البدعة، فلننظر كيف أن كُتّاب الغرب يفندون نظرية مالتوس التي كان من جرائها التحذير من المتوالية الحسابية والهندسية، والتي مفادها أن التزايد السكاني سيسبب انفجاراً سكانياً، فهم يلحّون في الغرب على الدعوة إلى الاستكثار من النسل، ورفع نسبة الكثافة السكانية عندهم، لكن إذا نصبوا منابرهم في اتجاه بلاد المسلمين، ونظروا إلى العالم الإسلامي الفسيح؛ تغيرت آراؤهم فجأة، وانعكس حديثهم عن هذه الدعوة، وأخذوا يحذرون العرب والمسلمين من استفحال تكاثر النسل، وما يسمونه بخطر الانفجار السكاني! يقول محمد إقبال -الشاعر الباكستاني المعروف-: وكل ما هو واقع اليوم أو هو على وشك الوقوع في الغد القريب في بلادنا؛ إن هو إلا من آثار دعاية أوروبا، هناك سيل عرم من الكتب والوسائل الأخرى قد انجرف إلى بلادنا لدعوة الناس إلى اتباع خطة منع الحمل، وتشوقيهم إلى قبول حركتها، على حين أن أهل الغرب في بلادهم أنفسهم يتابعون الجهود الفنية لرفع المواليد وزيادة عدد السكان، ومن أهم أسباب هذه الحركة عندي: أن عدد السكان في أوروبا في تدهور شديد، وتناقص مطّرد بناءً على الظروف التي ما خلقتها أوروبا إلا بنفسها، وقد استعصى عليها اليوم أن توجد لها حلاً مرضياً، وأن عدد السكان في بلاد الشرق على العكس من هذا، فهو في زيادة مطردة، فهذا ما ترى فيه أوروبا خطراً مخيفاً على كيانها السياسي. وأيضاً: فالغربيون يبثون هذه الدعوة فيما بيننا حذراً من أن يقود التفوق السكاني في هذه المنطقة إلى تفوق في استخدام التكنولوجيا، والاضطلاع في العلوم، فإذا حصل هذا فسوف يتحررون من سلطان الغرب، ويمتلكون زمام القيادة في إدارة بلاد الاقتصاد والسياسة. فالغربيون يخشون هذا، ويتصورونه ماثلاً أمامهم، وإن كانت أكثرية هذه الأمة ذاتها لا تتمتع من الطموح والآمال بما يضعونه من هذا التصور وإمكان حصوله. تقول جريدة التايمز الأمريكية في عددها الصادر في 11/1/1961م: إن هذيان أمريكا وكل ما تبذل من المقترحات والمواعظ عن مشكلة السكان، إنما هو نتيجة إلى حدٍ كبير لشعورها بتلك النتائج والمؤثرات السياسية المتوقعة على أساس تغير الأحوال في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة على أساس زيادة السكان في هذه المناطق بحيث يصبحون أغلبية في العالم. ويفضح أركر كرنك مقاصد الأوربيين في إلحاحهم على المسلمين بضرورة تحديد النسل، وهذا من باب: وشهد شاهد من أهلها، فتأمل ما يقوله هذا الشاهد، يقول: إن أهل الشرق سوف لا يلبثون إلا قليلاً حتى يطلعوا على حقيقة هذا الدجل، ثم لا يغتفرونه لأهل الغرب؛ لأنه استعمار من نوع جديد يهدف إلى دفع الأمم غير المتقدمة، ولاسيما الأمم السوداء إلى مزيد من الذل والانحطاط؛ حتى تتمكن الأمم البيضاء من الاحتفاظ بسيادتها!! فهم في الغرب لم يضعوا إلى الآن لشعوبهم مثل هذه الخطط الموضوعة لنا للحد من التزايد السكاني، بل على العكس، فهم يشجعون الإكثار من النسل، ومن أجل ذلك لا ينكرون العلاقات غير الشرعية التي تثمر الألوف من أبناء الحرام!! في الوقت الذي تعلن فيه السلطات الرسمية في أمريكا أن الأسرة الأمريكية تواجه أزمة من أشد الأزمات، وهي ارتفاع نسبة المواليد بشكل يهدد الحالة الاقتصادية في البلاد، ومع هذا أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق إيزنهاور في مؤتمره السنوي المنعقد في ديسمبر سنة 59م قائلاً: إن حكومته لن تفكر في تحديد النسل في أمريكا ما دام هو في البيت الأبيض!! ثم جاء نكسون في سنة 72 فأكد موقف إيزنهاور وأعلن أن الإجهاض لا يتفق مع الدين، ولا مع تقاليد الحضارة الغربية، فطالب بإعادة النظر في قانون إباحة الإجهاض التي أخذت بها بعض الولايات. أما روسيا السوفيتية التي وصل تعدادها حالياً إلى 250 مليون فهي ترى أنها في حاجة ماسة إلى مزيد من النسل؛ لأنها في حاجة إلى مزيد من القوى البشرية والأيدي العاملة والمنتجة؛ حتى تستطيع أن تحتفظ بالتوازن بينها وبين الدول المجاورة لها، ومن أجل ذلك أصدر مجلس السوفيت الأعلى في موسكو قراراً بإهداء ميدالية فخر الأمومة إلى الأمهات المنجبات لكثير من الأطفال! أما في أسبانيا فإن الجنرال فرنكو كان أشد ما يكون حرصاً على زيادة تعداد الشعب الأسباني، وقد أهدى جائزة الأب المثالي لفلاح أسباني يبلغ من العمر مائة وسبع سنوات؛ وذلك لأنه أنجب واحداً وعشرين طفلاً وطفلة. أما في إيطاليا -التي تعتبر مركز الكاثوليك- فإن المسمى البابا بولس السادس - وهو الزعيم الديني لأكثر من 500 مليون كاثوليكي- قرن اسمه بالحملة المضادة لتحديد النسل، حيث أعلن أن استخدام وسائل تحديد النسل إثم، وأن مستخدميها آثمون، ومن يدري لو كان يتمتع بالسلطة القديمة التي كانت في القرون الوسطى، لأصدر قرارات حرمان. وذكر كبير النصارى في مصر نفس هذه العبارة، وزاد: أن هؤلاء الذين يحددون النسل خارجون عن شعب الكنيسة. وأيضاً اليونان مع أنها محدودة المساحة والموارد، فإن الحكومة اليونانية حريصة أشد الحرص على تحقيق زيادة السكان؛ لتعويض النقص الحاصل في السكان بسبب الهجرة المستمرة، ولذلك قررت الحكومة اليونانية فرض مكافأة شهرية ثابتة لكل أبوين على إنجاب الطفل الثالث أو أي طفل يلدانه بعد الثالث تبلغ عشرة جنيهات. ومنذ زمن ليس بالبعيد ناشد الرئيس الفرنسي دستانس الشعب الفرنسي العمل على زيادة النسل، وأكد أن عدد سكان فرنسا الذين يزيد عددهم على خمسين مليون غير كافٍ! ويتعين زيادة معدلات السكان؛ لكي تستعيد فرنسا مكانتها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ووعد بعلاوات مالية مجزية للأسر التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر!! وأما في الصين فمن المعروف أنها مزدحمة بالسكان، ولكن الغريب أن حكومة الصين حتى الآن تستثني المناطق الإسلامية من قوانين الإجبار على تحديد الحمل والنسل؛ لأنهم يخافون من ثورة المسلمين؛ لهذا يعتبرون من صميم سياستهم عدم التدخل في نسل المسلمين في الصين، وتستثنى المناطق الإسلامية م

    حرمة تحديد النسل

    هناك فتوى لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله المفتي السابق لمصر وعضو مجمع البحوث يقول فيها: لقد أصدرت فتوى بهذا الموضوع بالذات مطبوعة في الفتاوى، خلاصتها: أنه لا يجوز تحديد النسل لغير ضرورة شرعية يقدرها الأطباء المسلمون المختصون، أخذاً من قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151]، وكانوا في الجاهلية يقتلون الأولاد خشية الفقر وعدم القدرة على القيام بتربيتهم. ولقد تناولت الفتوى أن الإجهاض وأخذ الأدوية لمنع الحمل غير جائز شرعاً إلا للضرورة الصحية التي يقررها الأطباء المسلمون الصادقون، وعلى ذلك فلا يجوز أخذ الحبوب التي تمنع الحمل، مع العلم أنه لا يجوز إسقاط الحمل الذي نفخت فيه الروح؛ لأنه قتل لذي روح فهو لا يجوز، والفتوى بهذا منشورة منذ أكثر من عشرين عاماً في الصحف، والله المستعان. يقول الشيخ مخلوف: وقد سمت الصحف تحديد النسل باسم: تنظيم النسل، والمعنى واحد، والمقصود واحد، وكله اتباع لآراء غير المسلمين الذين يرون في كثرة عدد المسلمين خطراً عليهم وعلى مدى دينهم، فيحاولون بجميع الوسائل تنقيص عدد المسلمين؛ سعياً وراء إضعافهم في بلادهم، وفي الدفاع عن دينهم. يقول الشيخ مخلوف رحمه الله: وقد عثرت على رسالة وجهها أحد الرؤساء المسيحيين إلى الأطباء منهم، يحذرهم من منع الحمل بين طائفتهم، ويدعوهم إلى منع ذلك بينهم منعاً باتاً، بينما يدعوهم إلى مساعدة من يريد التحديد أو يريد التنظيم إذا كان من المسلمين، أملاً في أن يقلّ عدد المسلمين، ويكثر عدد غيرهم من غير المسلمين، وهذا المنشور قرأته بنفسي منذ بضع سنين، وهو منشور سرّي كتبه هذا الزعيم المسيحي، ونشره بين أبناء ملّته سراً؛ ليعمل به أطباؤهم، وينفذه حين يعرض عليهم الأمر، وخلاصته: تقليل عدد المسلمين، وتكثير عدد غير المسلمين، وبعبارة أخرى: إضعاف المسلمين وتقوية غير المسلمين في مجال الحياة، والله لا يهدي كيد الخائنين. وهذا معروف من نشاطهم وخيانتهم، حتى في العمليات الجراحية، فقد ضبط كثير من الأطباء أنهم في أثناء العملية يستأصل بعض الأجزاء من المرأة بحيث لا تستطيع الحمل، ولا تدري بذلك، وتوجد قصص كثيرة في ذلك، قال بعض السلف: الخيانة عشرة أجزاء، تسعة منها في الكافرين. وأحد هؤلاء المجرمين الأطباء النصارى الجزارين كان مشهوراً جداً بنشاطه الخطير في عملية الإجهاض وتقليل النسل والتعقيم وغيرها، وكانت عيادته في شارع محرم قريباً من مسجد أولاد الشيخ، وقد أهلكه الله -ولله الحمد- منذ سنوات، وكان هذا الرجل في عيادته، وفي إحدى المرات ذهبت إليه امرأة، وكان اسمها من الأسماء المائعة التي لا يتميز فيها المسلم عن غير المسلم، فظن أنها كافرة على ملّته، وعرف أنها تريد الإجهاض، فسألها عن اسمها، فظن بغبائه أنها نصرانية مثله، فانقلب تجاه وجهها، وأخذ يقذفها بوابل من الشدة والغلظة والمعاتبة والتقريع والتوبيخ ويقول: كيف تفعلين هذا؟! نحن لا نعمل هذا لأبناء ملّتنا، هذا ليس لنا نحن، فخرجت المرأة المسلمة من عنده وهي تنوي ألا تحدد نسلها أبداً بعدما سمعت هذا الرجل يقول: إنما نفعل هذا لغيرنا، ونحن لا شأن لنا بمثل هذه الأمور!! والدكتور عبد العزيز الدردير حفظه الله له كتاب يسمى: (لمصلحة مَنْ تحديد النسل أو تنظيمه؟!) يقول فيه: وإنني شخصياً لا يعجبني موقف رجال الكنيسة، فلم أر منهم من تكلم في موضوع تحديد النسل، فلم يكتب واحد منهم في هذا الموضوع كتاباً، ولم يلق أحد منهم فيه خطبة، ولم يصدر واحد منهم فيه فتوى، لا بحل ولا بحرمة، ولم يتكلم واحد منهم في هذا الموضوع بخير ولا شر، وقد يكون لهم في ذلك عذر، حيث إن الكلام في هذا الموضوع قد لا يعجب بعض المسئولين، وقد يتهم المتحدث فيه بمخالفة سياسة الدولة، فهم قد وفروا على أنفسهم ذلك كله، وأخذوا في داخل كنائسهم يعملون بكل قوة ونشاط على تكثير عددهم، وذلك عن طريق وصية القسس لرواد الكنائس بالعمل على كثرة التناسل، وإلقاء التعليمات إلى الأطباء المسيحيين بألا يوافقوا أي امرأة مسيحية على إيقاف نسلها، ولقد تكاثرت أعدادهم في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وإذا كنت في شك مما أقول فاذهب إلى أي تجمع يشترك فيه المسلمون والمسيحيون كالمدارس العامة الأميرية، أو كتائب الجيش، أو غير ذلك؛ فسوف تجد أن نسبة المسيحيين إلى المسلمين قد زادت كثيراً في الآونة الأخيرة عن ذي قبل، وكنت أتمنى من علمائنا إذا لم يستطيعوا أن يقولوا كلمة الحق فلا أقل من الصمت، أسوة بزملائهم من رجال الكنيسة!

    سبب حرص الكفار على تقليل نسل المسلمين في مصر خاصة

    آخر ما أشير إليه هو سؤال مهم جداً، ويُلحّ علينا دائماً: ما هو السرّ في تفوق خط مصر من هذه الدعوة إلى تقليل النسل الإسلامي؟! هل هو فقط العامل الاقتصادي كما يظهرون؟! لا؛ لأن مصر في الحقيقة تملك كمّاً هائلاً من الثروات، وهذا الكلام لا أقوله بصفة متطفل على رجال الاقتصاد والخبرة، بل هذا كلام يقوله أهل الخبرة حتى في مجالات الاقتصاد، فقد وهب الله تبارك وتعالى مصر نهراً مبارك الغدوات والروحات، حتى قال المؤرخ اليوناني القديم هريدوس : مصر هبة النيل، ونحن نصحح هذه العبارة ونقول: النيل هبة الله، فنحن نعبد الواهب، ولا نعبد الموهوب، وهناك إشارة في القرآن إلى هذه النعمة العظيمة على أهل مصر بهذا النهر العظيم الذي هو من الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح في البخاري، يقول الله تبارك وتعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ [السجدة:27]، قال كثير من المفسرين: المقصود بهذا الماء النيل، والمفسرون الذين قالوا: ليس مقصود به خصوص النيل، قالوا: إن أعظم مثال تتجلى فيه هذه النعمة هو النيل في مصر. لو أنك أخذت صورة لمصر مأخوذة من القمر الصناعي، فستجد أن مصر صحراء، وتجد شريطاً أخضر رفيعاً جداً في وسطها، باستثناء منطقة الدلتا، فهذه هي مصر كلها، أما ما عدا ذلك فهي صحراء واسعة، وقد كانت هذه الصحراء منذ أكثر من ألفي سنة كلها مخزاناً للحبوب بما يكفي الأمبراطورية الرومانية. قال علي بن أبي طالب لـمحمد بن أبي بكر حينما وجهه إلى مصر: إني وجهتك إلى فردوس الدنيا! وقال عمرو بن العاص لـعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين! ائذن لي أن أسير إلى مصر. وقال: إنك إن ضممتها إليك كانت كوة للمسلمين، وعوناً لهم، وهي أكثر الأرض أموالاً. ولعل العيش في ذكريات الماضي يخفف علينا وطأة الحاضر، فما سجله التاريخ: أن مصر كانت على جانبي النيل مُدُناً متقاربة كأنها مدينة واحدة، والبساتين خلف المدن المتصلة كأنها بستان واحد، والمزارع من خلف البساتين متصلة، حتى قيل: إن الكتاب كان يصل من الإسكندرية إلى أسوان في يوم واحد، يتناوله عمال البساتين من واحد إلى واحد! ويحدثنا التاريخ أيضاً: أن المرأة على جانبي النيل كانت تخرج حاسرة لا تحتاج إلى خمار لكثرة الأشجار! وأنها كانت تضع على رأسها المكتل فيمتلئ بالثمر من كثرة ما يتساقط من الشجر! والقرآن الكريم قد سمّى مصر مصراً ومدينة كما قال عز وجل: اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [البقرة:61]، قال ابن جرير : المقصود بها مصر فرعون. وهي التي يسمونها: (إيجبت)، وإيجبت مأخوذة من القبط، فإيجبت تعني: القبط، وهذه تسمية غير صحيحة؛ لأن المقصود بها: الدولة القبطية، وحتى الآن تسمى مصر في القواميس الغربية بـ: بلاد الأقباط، أو إيجبت، والأصل تسميتها باسمها: مصر. قال تعالى: وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [يوسف:99]، وقال عز وجل: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا [القصص:15]، والمقصود بالمدينة: مصر، وقال أيضاً: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [القصص:20]، وحين ذكر الشام قال: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف:100]، فكانت مصر هي مصدر الميرة، وملجأ الجائعين عند القحط، لا لأهلها فقط، بل لأهلها ولمن جاورها كالشام وغيرها، والرجوع إلى قصة يوسف عليه السلام يوضح لنا هذا تماماً، يقول تعالى: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ [يوسف:59]، وقال: فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ [يوسف:63] يعني: إلى مصر. ومصر حتى عهد قريب كانت في وضع اقتصادي مزدهر جداً، إلى أن أتى الزعيم الأوحد المهزوم دائماً عبد الناصر وبدد ثروة البلاد، مصر تسلمتها الثورة وهي مدينة لبريطانيا بما يعادل ميزانية بريطانيا لمدة سنتين! فالذي حصل أن عبد الناصر بدد ثروة مصر، وبدد رصيدها من الذهب في صندوق النقد الدولي، وبدأ في عهد الديون واستجداء المعونات، وضحّت مصر بصفوة شبابها وثروتها في حروب خاسرة في الكونغو، وفي حرب المسلمين فيما بينهم في اليمن، وفي سيناء في الحروب مع اليهود، وحصل تعطيل قناة السويس، واستيلاء اليهود على سيناء، وغير ذلك. الشاهد من هذه الأحوال أنه بسبب هؤلاء الظالمين وصلنا إلى ما وصلنا إليه، حيث أتقن الإنجليز السُّمر أداء الدور الذي اجتهد فيه الإنجليز الحمر، ولكن الله لهم جميعاً بالمرصاد. فالإنسان هو أهم عوامل الإنتاج في الأرض، فهم يحاولون دوماً أن يظهروا لنا أن الإنسان مجرد عنصر استهلاكي ولا يعتبر إنتاجياً، فكل إنسان يولد على الأرض لن يكون بطناً أو فماً فقط! ولكنه سيكون مزوداً بيدين ورجلين وعقل، فإذا كان هناك تخطيط وإخلاص فلن توجد مشكلة، وفي الحقيقة أن مشكلتنا في مصر بمنتهى الصراحة هي أننا لسنا حتى وطنيين، ولن نقول: إسلاميين مخلصين لدينهم ولإمة المسلمين، إننا لا نكاد نقف على شخص فقط يكون صادقاً فيما يدعيه من الوطنية، وإلا لأخلصوا لهذا البلد، ولما كان حالها كهذا الحال. فمن الأفكار المشوشة أن نُبرز الجيل الجديد أو النسل على أنه استهلاك فقط يأكل ويلتهم، ولا ينتج على الإطلاق، وهذا خلاف الواقع، وبالذات إذا تخيلنا فترة الحضانة الاقتصادية مثلاً في الأرياف، فالطفل يعتبر ثروة مهمة جداً لأبيه في الريف، حتى بعد انتشار التعليم، وما زالت فترة الحضانة الاقتصادية لا تتجاوز عشر سنوات، ثم ينتج ويعاون أباه، ويكون العمود الأساس في حماية الزراعة ورعايتها، ومن الذي يقوم بمحاربة دودة القز ونحو هذه الأشياء سوى هؤلاء الأبناء الصغار. نريد أن نبحث عن جواب سؤال مهم جداً: في حرب 1967م -حرب النكسة الشهيرة- حينما هزمت إسرائيلُ الجيشَ المصري تلك الهزيمة المنكرة بفضل الخيانات، وكادت أن تقضي عليه نهائياً، واحتلت أرض سيناء كلها، ووقف جنود إسرائيل على الشط الشرقي للقناة، بينما كان الطريق إلى القاهرة مفتوحاً براً وجواً وبحراً، وصرّح بذلك جمال عبد الناصر حيث قال: لم يكن بين السويس والقاهرة عسكري واحد، هذا باعتراف رئيس الجمهورية بطل الهزائم! فهو باعترافه يقول: لم يكن هناك أي عائق أمام إسرائيل في أنها تعبر القناة وتتجه إلى القاهرة وتحتل العاصمة!! والقاهرة هي أكبر عاصمة في المنطقة، فما هو السبب الذي منع إسرائيل من الوصول إليها؟! هل إسرائيل عندها ورع وخوف من الله وشفقة على الشعب المصري؟!! أليس من أهدافهم غزو مصر وبسط دولتهم من النيل إلى الفرات؟! فلماذا لم تفكر إسرائيل بأن تقفز إلى الشط الغربي للقناة وتتجه إلى مصر حيث لم يوجد عسكري واحد يعيقهم باعتراف عبد الناصر نفسه؟! الجواب: بسبب ما تتمتع به مصر من الكثافة السكانية، بالرغم أن الشعب غير مسلح، ومع كل هذا فقد وقفت إسرائيل عند القناة ولم تتخطَّها! هل كان قادة إسرائيل لا يعرفون الوضع العسكري السيئ في مصر؟! كانوا يعلمون به تماماً، لكن الذي منعهم من دخول القاهرة وأرض الدلتا هي القوة البشرية في هذا الشعب المسلم، الذي لو دخل اليهود في وسط أرضه المعمورة والمأهولة بالسكان؛ لذابوا في وسط هذه الكثافة السكانية الهائلة. أيضاً بين وقت وآخر نسمع من كثير من المسئولين الكلام على تحولات المصريين العاملين في الخارج، والاهتمام الشديد بهم، أليست هذه الأيدي العاملة في الخارج هي من النسل؟! أليست مصدراً من أهم مصادر جلب العملة الصعبة التي تحتاج إليها الأمة؟! فلو تقلصت هذه القوة العددية فلا شك أنه سوف يتقلص أيضاً مصدر عظيم جداً من الرزق والدخل. فما يتشدق به البعض من وجود أزمات اقتصادية في مصر -كما يقول كثير من الخبراء- هو كلام في الحقيقة مختلق وغير صحيح، ونحن نضطر إلى أن نستشهد برجل من رجال الاقتصاد تربع على عرش رئاسة الوزراء في مصر، وهو الدكتور علي لطفي ، وقد كان رئيس مجلس الشورى، وأيضاً كان قبل رئاسته لمجلس الشورى رئيس مجلس الوزراء. ففي جريدة أخبار اليوم في القاهرة بتاريخ 14/4/1989م في الصفحة السادسة يقول الدكتور علي لطفي في ندوة الشباب: لا أزمة اقتصادية في مصر. وأكّد أن مصر لا تواجه أزمة اقتصادية، بل تواجه بعض المشاكل التي سببتها الحروب العديدة التي خاضتها. وحتى لو فرضنا وجود أزمة، فإن النزول إلى تحقيق أهداف أعداء الإسلام وأعداء الأمة هو نوع من العجز عن مواجهة المشاكل، والمشكلة في الحقيقة هي مسألة سوء توزيع للسكان، والسلوك الغير مستقيم لكثير من أصحاب المناصب، من الخيانات والاختلاسات، وإغفال وإهمال كثير من مصادر الخير الموجودة في مصر، ونحو هذه الأسباب التي تنتج عنها الأزمة. وفي جريدة الأخبار أيضاً صفحة 3 بتاريخ 25/4/1989م كتب مقال بعنوان: (البحر الفارغ سلة الغذاء المنفية)، وهذا العنوان يُكّني به صاحبه عن اكتشاف فرع قديم للنيل يمتد من الجيزة إلى الإسكندرية، وهذا أحدث اكتشاف زراعي، حيث يضم (2) مليون فدّان صالح لزراعة القمح والذرة والبرسيم، والتربة من الطين المختلط بالرمال، من خلال عوامل التعرية التي تمت لآلاف السنين. فالمهم أنهم اكتشفوا هذا الفرع من النيل بين الجيزة والإسكندرية، وتوجد بقايا الحيوانات والأسماك وبعض الحفريات التي تثبت أن ذلك المكان كان جنة خضراء. وهناك مقال طويل يقول: إن هذه المساحة إذا زرعت بالإضافة إلى المساحات المزروعة الآن قمحاً لغطّت جميع استهلاكنا. وأيضاً: لعلكم سمعتم عن مشروع (رابح)، فقد جاء في جريدة الأخبار بتاريخ 31/4/1989م تحت عنوان: (رجل من مصر يقضي على الجوع في العالم)، الدكتور رضا عزام عالم مصري، وأستاذ الكيمياء الإشع

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755927052