إسلام ويب

الشباب والزمنللشيخ : عبد الله الجلالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الزمن هو الكنز الذي لا يقدّر بثمن، فضياعه أعظم من الموت؛ لأن الموت يقطعك عن الدنيا، وضياع الوقت يقطعك عن الدنيا والآخرة، فما أحرى أن يغتنم الشباب هذا الوقت، الذي إذا ذهب بعض الإنسان. إن الشباب مرحلة زمنية مباركة، فيها الحيوية والقوة والعطاء، وفيها تبنى المعالي، وفيها تكون التضحية التي لا تعادلها تضحية في مرحلة أخرى، فما أحسن أن يُستغل في طاعة الله تعالى!

    1.   

    محاسبة النفس على ما قدمت

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة في الله! حديثي معكم هذه الليلة عن الزمن والشباب، والحديث عن الزمن مهم جداً، وعن الشباب أهم، لا سيما وأننا في هذه الأيام المباركة قد ودعنا عاماً شاهداً لنا أو علينا، وبدأنا عاماً جديداً، فنسأل الله أن يجعله عام خير وبركة وعزة وكرامة للأمة الإسلامية.

    المسلم كالتاجر لابد أن يدقق في المحاسبة

    إنّ مرور هذه الأيام والسنين آية من آيات الله عز وجل قال تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا * وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء:12-13].

    وإن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم طويل باق ما بقيت الحياة الدنيا، وهو موجود منذ أن أهبط الله عز وجل أبانا آدم من الجنة، وأهبط عدوه إبليس، وقال لهما: اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [طه:123].

    ومنذ ذلك الوقت والشيطان يتربص الدوائر بابن آدم، وقد توعد ابن آدم فقال: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17]، فهذا أحد الأعداء.

    والنفس عدوة للإنسان أيضاً، فهي أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، والشهوات التي جعلها الله عز وجل بيننا وبين الجنة خطيرة في سبيل هذا الإنسان أيضاً؛ ولذلك فإن هذا الإنسان على خطر، وعليه أن يستعد لكل أعدائه، وأن يأخذ من السنين والأيام العظة والعبرة، فإن هذه الأرض قد عاش عليها من عاش من هذه البرية، وكل جيل ينتهي، ويأتي جيل آخر، وهكذا كتب الله عز وجل الفناء على كل كائن حي، وما مرور الأيام والسنين إلا درس وعبرة لهذا الإنسان.

    إن التاجر الذي يعمل طول عمره في التجارة، ويبيع ويشتري، ويأخذ ويعطي، ويتعامل مع الناس، لا بد أن تكون له ساعة يفتش فيها دفاتر تجارته؛ لينظر ربحه أو خسارته، وهذا أمر فطري طبعي فطر الله عليه هذا الإنسان.

    وإن المسافر سفراً طويلاً وهو يمر بلوحات الطريق ومنعطفاته لا بد أن يقف أمام كل منعطف، وحول كل لوحة من لوحات الطريق؛ لينظر مقدار الطريق الذي قطعه، وماذا بقي عليه؟ وكم معه من الزاد؟ وهل معه ماء يبلغه؟ وهذه سنة الله أيضاً في الحياة.

    ونحن تجار مع الله، ومسافرون إلى الدار الآخرة، وبداية عام ونهاية عام تعتبر من أهم معالم الحياة ومنعطفاتها التي تستوقف المسلم؛ لينظر في ربحه أو خسارته، ولينظر مقدار الطريق، ومقدار ما بقي، وما قطع.

    نقف في هذه الفترة من الزمن التي ابتدأ فيها العام الجديد، وانتهى فيها العام الأول، وعلينا أن نتيقن من أن ما قدمناه في العام السابق محفوظ كما قال تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، وأن الله عز وجل قد وكل بكل واحد منا ملائكة تعلم ما يفعل كما قال تعالى: يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:12]، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

    وقد يتجاوز الله عز وجل عما يتجاوز عنه من تلك السيئات، ويضاعف ما يضاعفه من هذه الحسنات، وقد أعد الله عز وجل لكل إنسان كتاباً، تطوى في كل يوم صفحة من صفحات ذلك الكتاب، لتفتح في اليوم الآخر صفحة جديدة بيضاء نقية، وهذا الإنسان يكتب له فيها ما يكسبه من صالحات أو سيئات، ثم إذا كان يوم القيامة فتحت هذه الصحائف، ونشر ذلك الكتاب: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49].. وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ [الإسراء:13] أي: نصيبه وحظه فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا [الإسراء:13] فيقال له: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14].

    هذه هي حصائد الأعمال، وثمرات الأيام والليالي التي قضيتها -أيها الإنسان- في حياتك، ويؤتى بهذه الصحائف، وينصب ميزان العدل يوم القيامة، وتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة، ويوقف الإنسان بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك من ملائكة الله، وتوزن الحسنات والسيئات، فإن ثقلت الحسنات نادى الملك: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفت الحسنات وثقلت السيئات نادى هذا الملك: شقي فلان شقاوة لن يسعد بعدها أبداً.

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)، فالمسألة ليست مسألة أجسام، أو أحساب، أو آباء وأجداد وأنساب، أو كراسي، أو رتب عسكرية، أو أي ميزة من الميزات التي يتمايز بها الناس في هذه الحياة الدنيا؛ وإنما هي الحسنات والسيئات، وإنما هي الثمرة التي تغرس غراسها بنفسك في كل يوم وليلة، وفي كل ساعة ودقيقة وثانية من عمرك في هذه الحياة.

    ولذلك صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل ينشر على عبد من عباده يوم القيامة تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، فيقول الله عز وجل لعبده: أظلمك كتبتي الحافظون؟ ألك عذر؟ ألك حسنة؟ -فيبهت الرجل، ويعلم أنه قد هلك، ولكن لطف الله عز وجل لا يفوت إلا من مات على الكفر أو على الشرك- فيقول: لا، فيقول الله عز وجل: بلى إنك لا تظلم، إن لك عندنا حسنة، فيؤتى ببطاقة فيها: أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فتوضع السجلات في كفة وهذه البطاقة في كفة، فيقول هذا الإنسان: يا ربي! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فيقال: إنك لا تظلم، ثم تطيش السجلات، وتثقل البطاقة)؛ لأن فيها لا إله إلا الله.

    إن هذه الكلمة يقولها المؤمن والمنافق، والعاصي والمستقيم، لكن لا يستفيد منها إلا من عرف أهميتها، وعمل بمقتضاها؛ فلم يحن رأسه لغير الله عز وجل كائناً من كان، ولم يطأطئ ظهره لغير الله عز وجل، ولم يتمسح بأعتاب ميت كما يعمل المخرفون وأصحاب البدع والوثنيون، ولم يحن رأسه أمام أعتاب حي من الأحياء كما يعمل هؤلاء المتملقون لغير الله عز وجل.

    فهذه بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذه السجلات عددها تسعة وتسعون سجلاً، وكل واحد منها مد البصر، ومع ذلك تثقل (لا إله إلا الله) بتلك السجلات، فحققوا يا إخوتي! (لا إله إلا الله)، وستجدون في طريقكم كل خير وسعادة، وتخلصوا من الشرك، ومن حقوق البشر، واعلموا أنكم تقدمون على رب كريم.

    ماذا عملنا في العام الماضي

    في هذه الأيام نودع عاماً وهو يساوي نسبة كبيرة من العمر، لا بد أن نقف أمام سجلات الأعمال وكأنها قد نشرت أمام كل واحد منا يوم القيامة، فنحاسب أنفسنا، كما يقف التاجر أمام دفاتر التجارة، ويحسب القرش والريال؛ حتى يتلافى الأخطاء التي وقع فيها في العام الماضي، ثم يصحح ذلك في العام المستقبل، وكما يقف المسافر الذي يسير في طريق طويلة، ومعه قليل من الزاد، والسفر طويل، والسفر شاق، والجو قائظ حار، فلا بد أن يتفقد متاعه وما يحمله؛ حتى لا يعرض نفسه للهلكة.

    أيها الإخوة المؤمنون! إنّ الساعة التي نعيشها في هذه الأيام ساعة حاسمة، فإذا كنت قد أودعت سيئات فيما مضى فاستغفر الله وتب إليه، واشكر الله عز وجل الذي أمد في عمرك حتى تنتبه إن كنت في غفلة، واشكر الله عز وجل الذي يفتح باب التوبة دائماً وأبداً، فيبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.

    إنّ هذه النعمة لا تتوافر لغير المؤمن، فمهما عمل من السيئات، ومهما أسرف على نفسه، ومهما جنى من الخطايا فإن باب التوبة مفتوح، ولا يغلق حتى يغرغر هذا الإنسان، أي: حتى تبلغ الروح الحلقوم، أو حتى تطلع الشمس من مغربها كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158].

    الشباب والغرور

    احذر -يا أخي- إن كنت شاباً أن يغرك الشباب، فتقول لك هذه النفس البشرية: أمامك فرصة، وأمامك زمن، وأمامك مهلة، انهل من متاع هذه الحياة وتمتع، ويمكنك أن تتوب مستقبلاً! فإنّ هذه الأماني هي التي تغر كثيراً من الناس: وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14]، وهي أخطر شيء على حياة الإنسان، فإنّ الشيطان يأتي هذا الشاب فيقول له: انتظر، وتمتع، وافعل، واترك، ويمكنك أن تتوب مستقبلاً فتصلي، ويمكنك أن تتوب مستقبلاً فتترك هذه المحرمات، ثم يوقعه الشيطان في حبائله إلى أن تغرغر هذه النفس، وتبلغ الروح الحلقوم، ثم يقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100] فيقال له: كَلَّا [المؤمنون:100]، وهذا الأمر يقع فيه كثير من الناس، ولذلك كم من الشباب من كانت تراوده التوبة وتدغدغه، وهو يؤخرها يوماً بعد يوم، ثم إذا به يفاجئه الأجل، فيحال بينه وبين ما يشتهي.

    كان الموت بالأمس القريب غالباً ما يكون على الفراش فلا يموت إلا مريض، ولا يموت إلا كبير السن، أما الآن فقد صرنا نعيش في فترة متأخرة من زمن الحياة الدنيا، فأصبح موت الفجأة أكثر بكثير من الموت الذي سبقته إنذارات وإرهاصات، وانظروا إلى حوادث السيارات، وانظروا إلى السكتات القلبية والجلطات، وانظروا إلى الأمراض المتعددة التي حدثت بسبب ما أحدثه الناس من معصية، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)، فما كان الناس يعرفون مرض السكري، ولا مرض ارتفاع ضغط الدم، ولا الجلطة، وإنما حدثت هذه الأمراض بسبب ما أحدثه الناس من معاصٍ لله عز وجل.

    ولذلك لو عملنا إحصائية: هل الذين يموتون من الشباب أكثر أم الذين يموتون من كبار السن؟ لوجدنا أن الذين يموتون من الشباب أكثر، ولو بحثنا لوجدنا أن الذين يموتون وهم أصحاء أكثر من الذين يموتون على فراش المرض، وإذا كان الأمر كذلك فعلى المسلم أن يبادر بالتوبة، فإن كان شاباً فعليه أن يستغل الفرصة قبل أن تنتهي مدة الشباب، وإن كان صحيحاً معافىً لا يشتكي مرضاً من الأمراض فعليه أن ينظر في هذه الأمراض التي تفتك بهؤلاء الناس.

    وجوب الاستقامة كما أمر الله تعالى

    لا بد من المبادرة بالتوبة، ولا بد أن يطرح الإنسان كل هذه الأماني التي غرت كثيراً من الناس؛ لأن الشيطان توعد بني آدم من أربع جهات: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ [الأعراف:17] أي: الأمام وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ [الأعراف:17].

    وهذا أمر عجيب أيها الإخوة! فإن هذه الآية وأمثالها فسرها لنا الواقع، فنحن نعرف إلى عهد قريب أن أكثر ما يدخل الناس النار هي المعاصي، أو الكفر بالله سبحانه وتعالى، لكن هل تظنون أن هناك طاعات مزعومة أصبحت تدخل الناس النار أكثر من المعاصي؟! فإنك لو ذهبت إلى بعض البلاد لوجدت أُناساً يعبدون الله عبادة لا نستطيع أن نعبد الله معشارها، ونحن متأكدون أنهم ماتوا على هذه العبادة، ومع ذلك فهم حطب لجهنم، وليس هذا الأمر غريباً، فإن أهل النار إذا دخلوا النار يقولون لمن كان سبباً في إضلالهم: إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ [الصافات:28]، أي: لم تأتونا عن طريق المعصية، وإنما أتيتمونا عن طريق الطاعة.

    ولذلك لو أقسمت بأنّ أكثر من ثلاثة أرباع هذا العالم الآن يعرضون أنفسهم لعذاب الله عن طريق الطاعة، وأنّ الربع هو الذي يعرض نفسه للعذاب عن طريق المعصية ما كنت حانثاً، فهناك بدع وخرافات ووثنيات تفعل بقصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى! ووالله لقد رأينا بعضهم يقضي الليل كله في عبادة، ولكنها لا تزيده من الله إلا بعداً، وتذكرنا قول الله عز وجل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:1-4].

    إذاً: لا بد أولاً أن نصحح المسار، قال الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، ولم يقل الله تعالى: (فَاسْتَقِمْ) فقط، والاستقامة هي لزوم الطريق المستقيم، لكنه قال: (كَمَا أُمِرْتَ) فيفهم من ذلك أنّ هناك استقامة ليست كما أمر الله تعالى، أي: ليست استقامة حقة، ولكنها تشبه الاستقامة في ظاهرها، وأما الاستقامة التي تدخل الجنة فهي: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ) وليست: فاستقم كما تهواه نفسك، وكما يمليه عليك ضميرك.

    أيها الإخوة! نحن مطالبون بأن نقف في أول خطوة من خطوات هذا العام الجديد تائبين متفقدين لأعمالنا، فإن كان هناك شرك أو أخطاء في المسار فعلينا أن نعود وأنْ نصحح؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وصواباً على المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الصحابة ذات يوم: يا رسول الله! الرجل منا يعمل العمل من أجل الله، ولكن يحب أن يراه الناس -أي: فماذا عليه في ذلك؟- فأنزل الله عز وجل جواباً على هذا السؤال: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، فاشترط الله تعالى في العمل شرطين:

    أن يكون صالحاً، وألاّ يكون فيه شرك.

    والمراد بالعمل الصالح أن يكون موافقاً للمنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، فالعمل الذي تحقق فيه هذين الشرطين هو العمل المقبول.

    ولذلك لما ذكر الله تعالى الوصايا العشر في سورة الأنعام قال في آخرها: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، (وقد خط الرسول صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً ثم قال: هذا صراط الله، وخط عن يمينه وشماله خطوطاً كثيرة وقال: وهذه هي السبل، وعلى كل واحد منها شيطان، وعليها ستر مرخاة) أي: مغطاة، ولكن يأتي الشيطان ويكشف هذا الطريق، ويدخل الناس منها يميناً أو شمالاً، ويتركون الطريق المستقيم.

    لقد أدركنا الآن أن هناك طرقاً منحرفة يميناً وشمالاً، وعرفنا الشياطين الذين يدعون إلى السبل، وللأسف أن أسماءهم لم تكن أبا جهل وأبا لهب كما كان ذلك في الجاهلية السابقة، بل تجد أن أسماءهم: عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، وسيف الدين، وصلاح الدين، وعماد الدين، وسعد الدين، ومع ذلك فهم الذين يزيحون هذه الأستار، ويقولون للناس: اسلكوا هذه السبل إلى النار، وهذا أمر خطير، فلم يمر في تاريخ البشرية مثل هذا الحدث التاريخي الأسود: أن يكون دعاة على أبواب جهنم من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، فلو كان العدو من الخارج فمن السهل أن تحصن الحدود، وتحمى الطرقات، وتطوق بلاد المسلمين، ولكن المشكلة كما قال الشاعر:

    وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على الحر من وقع الحسام المهند

    وقديماً قال أحد أعداء الإسلام كلمة ما كان الناس يعرفون معناها، بل لم يكن معناها يخطر بالذهن، قال: إن شجرة الإسلام عظيمة، ولها جذور، وإنكم لا تستطيعون أن تقطعوها إلا من غصن من أغصانها. فما كان هذا الكلام معروفاً أولاً، أما الآن فقد رأينا هذه الأغصان التي يحاول أعداء الإسلام أن يقطعوا بها شجرة الإسلام السامقة.

    1.   

    استعراض صحائف الأعمال في كل عام والدعوة إلى التوبة

    إنّ الأمر الذي يهمنا: أننا الآن نعيش فترة عام جديد، ونبتدئ فترة من فترات العمر الثمين، فلا بد أن نقف فيها لحظات من الزمن للتفكير، وكل واحد منا يستعرض صحائف الأعمال وكأنها منشورة أمامه، ويقول لنفسه: أنا عملت في العام الماضي كذا وكذا وكذا، فالتوبة التوبة، وقصرت في جنب الله في العام الماضي في كذا وكذا، وأولادي لم أُربّهم في العام الماضي على طاعة الله، وكانت في بيتي أفلام وصور وكتب ضلال ومحرمات وغير ذلك، فهل هذه تقربني إلى الله أو تبعدني من الله عز وجل؟ وقد فرطت في الأمانة، فأنا مدرس مؤتمن على أبناء المسلمين ومع ذلك ما كنت أقوم بالنصيحة لهم، وما كنت أقوم بتربيتهم، وأنا إمام مسجد ولم أتفقد جيراني والمصلين معي، وهذه كلها أخطاء لا بد أن أصلحها في هذا العام الجديد، ولم أكن أقوم في العام الماضي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي مثل هذه الأيام بصفة خاصة، لأن هذه الأيام تعتبر مفرقاً بين طريقين: أجل قد مضى لا ندري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا ندري ما الله قاض فيه.

    ولذلك: فعلى كل واحد منا أن يقف ساعة مفكراً بينه وبين نفسه: ماذا عمل؟ وماذا ترك؟ وهل أعماله ترضي الله عز وجل، أو أنها مما يغضبه سبحانه؟ فلا بد أن يبادر بالتوبة، وما يدريك يا أخي! ربما يكون هذا العام هو آخر أيامك في هذه الحياة، بل ربما تكون هذه الليلة هي آخر ليلة لك في الحياة، وكم من الناس من ينام على فراشه الوثير آمناً مطمئناً، فلا ينتبه إلا في يوم الحشر! وكم من الناس من يعيش مع زوجته وأهله في رغد من العيش، وفي نعمة، وفي فرح وسرور، ثم إذا به لا ينتبه إلا في ظلمة القبر! وهذا أمر مؤكد لا ينكره أحد من الناس، بل يؤمن به المؤمن والكافر، أعني: الموت.

    خطورة التهاون بالصلاة ووجوب التوبة من ذلك

    لا بد أن يتفقد كل واحد منا نفسه، فإن كان عنده شيء من البدع التي تخالف المنهج الصحيح فعليه أن يبادر بالتوبة، وإن كان لا يحافظ على الصلوات الخمس فليبادر بالتوبة؛ لأن الله عز وجل يقول عن الذين لا يحافظون على الصلوات الخمس: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا [القلم:42-43] يعني: في الدنيا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:43] فتراه يسمع: الله أكبر.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح، وهو سليم وصحيح ومعافىً وفي نعمة وفي رخاء، وليس بينه وبين المسجد إلا أمتار، وهناك أنوار كاشفة، وكل شيء متوافر، ومع ذلك لا يستجيب لنداء الله عز وجل.

    وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الرجل الذي يقدم على الله عز وجل بدون صلاة (يؤمر بأن يسجد يوم القيامة على طبق من نار، فإذا أراد أن يسجد لا ينثني ظهره، فينكب على وجهه في نار جهنم)، وهذا هو معنى قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) أي: يكشف الله عز وجل عن ساق نفسه، ويدعى هذا الإنسان ليسجد فلا يستطيع؛ لأنه كان في الدنيا يسمع المنادي يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهو سالم، ثم لا يستجيب.

    خطورة تعاطي الربا ووجوب التوبة منه

    من كان يتعاطى الربا فليبادر إلى التوبة، وليس هناك ذنب من ذنوب بني آدم بعد الشرك بالله أعظم من هذا الربا الذي تساهل فيه الناس، وأصبحوا يتعاملون به مع البنوك وكأنه أمر سهل! وأصبحوا يتعاملون بحيل مكشوفة فيما بينهم، فإنّ هذا من أخطر الذنوب، بل هو أخطر الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل والكفر، بدليل أن الله تعالى توعد الذي يأكل الربا ولا يتوب بالخلود في نار جهنم، مع أنه لا يخلد في نار جهنم إلا الكافر، قال الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى [البقرة:275] أي: تاب فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275]، ويقبل الله تعالى توبته بشرط أن يرد هذه الزيادات المحرمة التي وصلت إلى جيبه، فليست ملكاً له: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، ويقول الله عز وجل بعد ذلك: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (إذا كان يوم القيامة، قيل لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب!) يعني: حارب الله، فكما كنت تحاربه في الدنيا، حاربه الآن!

    خطورة عدم أداء الزكاة ووجوب التوبة من ذلك

    ومن كان لا يؤدي زكاة المال فليتق الله، وليؤد زكاة المال، فإن في العالم الإسلامي مجاعة، وإن في العالم الإسلامي جهاداً يكاد أن يتعطل، بالرغم من وفرة الأموال بأيدي الناس، فليبادر المؤمن بأداء هذه الزكاة قبل أن ينتقل هذا المال من يده إلى يد الوارث، فيكون الحساب عليه، والمتمتع به غيره، وليبادر بأداء الزكاة قبل أن يصفح له هذه المال صفائح من نار، فيحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره عياذاً بالله! وكلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد -وهذا قبل دخول النار والجنة-، فيُرى مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار.

    ويقول الله تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:6-7] فالذين لا يؤدون الزكاة يشابهون المشركين في هذا الذنب.

    ومن كان يتناول المحرمات كالمخدرات والمسكرات، أو يركب الفواحش، فعليه أن يبادر قبل أن يسقيه الله عز وجل من طينة الخبال يوم القيامة، وهي عصارة أهل النار، فليتب قبل أن تقول نفس: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميته

    ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما أكثر الذين تركوا ذلك اليوم، فعليهم التوبة والقيام بهذه الشعيرة العظيمة، فوالله لو أن كل واحد منا ألقى كلمة في المجتمع، وقال للفاسق: اتق الله، لخجل هذا الفاسق، واتقى الله، سواء كان حياءً أو استقامة، لكن يمر الصالحون بالمجموعات في وقت الصلاة فلا يكاد أحدهم يقول لهؤلاء: اتقوا الله وصلوا، والجار يعرف بأن جاره يفعل بعض المحرمات من الفواحش والمعاصي والذنوب وترْك الواجبات فلا يبالي هذا الجار أن يقول له: اتق الله، بل الأعجب من ذلك أنّ بعض الآباء يعرف ما يفعله أبناؤه من المعاصي في داخل البيت، فلا يقول لهم: اتقوا الله، مع أن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].

    فالأمانة والمسئولية عظيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] وإذا أردتم الدليل على التفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فانظروا إلى المسلمين المصلين في صلاة الفجر، وأحصوا الأطفال والشباب، فستجدونهم قلة، بالرغم من هذه الصحوة الإسلامية المباركة، وتجد هذا الأب كالسارية من سواري المسجد من شدة ملازمته للمسجد، ولكن لا يبالي ما يحدث في بيته، وكأنه وحده هو الذي سوف يحاسب بين يدي الله عز وجل؛ فهذه كلها من البلايا والفتن التي أصابت المسلمين.

    فعلينا أن نبادر بالتوبة، وأن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، وألاّّ نخاف في الله عز وجل لومة لائم، فإن الأرزاق والأعمار والآجال والحياة والموت كلها بيد الله عز وجل وحده، (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف) هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.

    كذلك تجب علينا التوبة من الغيبة والنميمة والحديث في أعراض الناس، فهذه الأمور يجب علينا أن نحذرها.

    1.   

    انتشار الدين في هذا العصر واستغلال ذلك

    إنّ الأمر الذي يهمنا: أننا الآن نعيش فترة عام جديد، ونبتدئ فترة من فترات العمر الثمين، فلا بد أن نقف فيها لحظات من الزمن للتفكير، وكل واحد منا يستعرض صحائف الأعمال وكأنها منشورة أمامه، ويقول لنفسه: أنا عملت في العام الماضي كذا وكذا وكذا، فالتوبة التوبة، وقصرت في جنب الله في العام الماضي في كذا وكذا، وأولادي لم أُربّهم في العام الماضي على طاعة الله، وكانت في بيتي أفلام وصور وكتب ضلال ومحرمات وغير ذلك، فهل هذه تقربني إلى الله أو تبعدني من الله عز وجل؟ وقد فرطت في الأمانة، فأنا مدرس مؤتمن على أبناء المسلمين ومع ذلك ما كنت أقوم بالنصيحة لهم، وما كنت أقوم بتربيتهم، وأنا إمام مسجد ولم أتفقد جيراني والمصلين معي، وهذه كلها أخطاء لا بد أن أصلحها في هذا العام الجديد، ولم أكن أقوم في العام الماضي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي مثل هذه الأيام بصفة خاصة، لأن هذه الأيام تعتبر مفرقاً بين طريقين: أجل قد مضى لا ندري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا ندري ما الله قاض فيه.

    ولذلك: فعلى كل واحد منا أن يقف ساعة مفكراً بينه وبين نفسه: ماذا عمل؟ وماذا ترك؟ وهل أعماله ترضي الله عز وجل، أو أنها مما يغضبه سبحانه؟ فلا بد أن يبادر بالتوبة، وما يدريك يا أخي! ربما يكون هذا العام هو آخر أيامك في هذه الحياة، بل ربما تكون هذه الليلة هي آخر ليلة لك في الحياة، وكم من الناس من ينام على فراشه الوثير آمناً مطمئناً، فلا ينتبه إلا في يوم الحشر! وكم من الناس من يعيش مع زوجته وأهله في رغد من العيش، وفي نعمة، وفي فرح وسرور، ثم إذا به لا ينتبه إلا في ظلمة القبر! وهذا أمر مؤكد لا ينكره أحد من الناس، بل يؤمن به المؤمن والكافر، أعني: الموت.

    التفاؤل بالصحوة الإسلامية

    أيها الإخوة! نحن متفائلون في هذا القرن، فأنتم تشاهدون -والحمد لله- أن كل سنة أفضل من السنة التي قبلها، وأن كل جيل يكون أحسن من الجيل الذي مضى قبله في هذه السنوات الأخيرة، فهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى، فبالرغم من تقصيرنا في جنب الله عز وجل، وتقصيرنا في الدعوة، وتقصيرنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، وأن يظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، وإذا أردتم دليلاً على ذلك: فانظروا إلى الأبناء والآباء، فستجدون غالباً أنّ الأبناء أفضل من الآباء، بل ستجدون الأبناء الصغار أحسن من الأبناء الكبار، وهكذا كلما صغر السن كان صاحبه أقرب إلى الحق وإلى الفضيلة، فهذه فرصة أخشى ألاّ تطول، وإن كنا متفائلين بأنها -إن شاء الله- سوف تستمر، ولكن أخشى أن يُعترض سبيلُها؛ لذا يجب علينا أن نجد ونجتهد في الدعوة، وأن نستغل هذه الفرصة كما قال الشاعر:

    إذا هبت رياحك فاغتنمها

    فالرياح إذا هبت وأنت تريد أن تذرأ الزرع فلا تفوت الفرصة؛ لأنّ الرياح إذا توقفت في يوم من الأيام فإنك لا تستطيع أن تصلح حبك، ولذلك أقول: لا بد أن ننشط في الدعوة إلى الله عز وجل في هذه الأيام، فهذه المراكز الصيفية والحمد لله، وهذه مراكز الدعوة التي يقوم فيها الشباب بتربية أبنائنا دون أن نحتاج إلى كلفة أو عناء، فما عليك يا أخي إلا أن تسلم ولدك إلى هذه المراكز التي منّ الله تعالى على هؤلاء الشباب الصالحين بإقامتها، فسعوا إلى تربية أبناء المسلمين، فنشكر هؤلاء الشباب، ونشكر الله سبحانه وتعالى، ثم نشكر للدولة أيضاً فقد كانت سبباً في وجود هذه المراكز، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يهديهم للاستقامة على دين الله، وأن يثبتهم على ذلك، وأن يهدي جميع ولاة أمور المسلمين.

    حث الشباب على أن يكونوا على مستوى المسئولية

    أيها المؤمنون! لا بد من التوبة والمبادرة بالعمل الصالح قبل أن تفوت الفرصة، وأدعو الشباب ألاّ يفوتوا هذه الفرصة، وأن يبادروا بالتوبة، وأن ينضمّوا إلى أصحاب الصحوة الإسلامية، فقد تبين الرشد من الغي، وظهر الأمر جلياً، وأصبح الأمر واضحاً.

    ونريد من شبابنا هؤلاء ألاّ تغرهم هذه الأماني التي غرت كثيراً من الناس، فقدموا على الله عز وجل على غير استعداد، وعلى غير أهبة، بل نريد منهم أن يكونوا في مصاف الرجال الذين أخبرنا الله عز وجل عنهم في مواطن كثيرة من القرآن: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37]، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا [الأنبياء:7]، وأن يتحملوا المسئولية، وأن يقتدوا بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    فإن كانت أعمارهم في سن الشباب، أو في سن الطفولة، أو في سن ما يسمى بالمراهقة، فينبغي أن يكونوا في عقول الرجال، وفي مصاف الرجال، وهذا هو المنهج الذي سار عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فقد كان في سلفنا الصالح من هم على مستوى المسئولية، وفي مصاف الرجال، وهو مازال في سن مبكرة من العمر، ولو أردنا أن نتحدث عن شيء من أخبار هؤلاء لأصبح الحديث قريباً من الخيال.

    أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قاد جيشاً إلى بلاد الشام في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمره لا يتجاوز ثماني عشرة سنة، وكان في هذا الجيش من كبار الصحابة، وسار هذا الجيش في الفترة التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثبت للمسلمين قوته وشجاعته أمام الرومان، وكان لهذا الجيش ما له من الأثر، والقائد شاب لا يتجاوز عمره ثماني عشرة سنة!

    قائد آخر يصغره بالسن سنة كاملة، وهو: محمد بن القاسم الثقفي رحمه الله، فقد قاد جيشاً وعمره سبع عشرة سنة إلى بلاد السند، فضم إلى بلاد المسلمين ما يسمى بشبه القارة الهندية اليوم، وقتل داهراً ملك البلاد، ونشر الإسلام، وحطم الأصنام، وأقام دولة إسلامية هناك، ولعلكم تعرفون أن سكانها من المسلمين في أيامنا الحاضرة يزيدون على ثلاثمائة وخمسين مليوناً في الباكستان والهند وبنغلادش، وهي ما يسمى بشبه القارة الهندية، فهذه البلدان، وهذا العدد الكثير من السكان فتحها رجل واحد بجيش قليل، لكن بعزيمة أعتى وأصلب من الحديد، وما زال العالم الإسلامي يعتز بتلك المنطقة التي تعتبر من أبرز وأهم مناطق العالم الإسلامي، وسكانها يزيدون على ثلث العالم الإسلامي، فهذا شاب لا يتجاوز عمره سبع عشرة سنة،إلاّ أنّه شاب تربى على أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين.

    وكان من شباب المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقف في الصف على رءوس أصابعه، فسئل عن السر في ذلك؟ فقال: حتى يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، فيكتبني مع المجاهدين، ولذلك فنحن نريد هذا النوع من الشباب، علماً أن الساحة لم تخل -والحمد لله- من هذا النوع من الشباب، لكن نريد أن ندخل في السلم كافة، ونريد أن تنضم المجموعة إلى المجموعة؛ وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

    سقوط صنم الشيوعية

    والله يا إخوان! من يسافر إلى أرض أفغانستان في أيامنا الحاضرة فسيرى شيئاً من هذه العجائب، سيرى شباباً في مستهل العمر، وقد كانوا أبناء ترف، ونشئوا في بيوت نعمة ورخاء، من هذه البلاد المباركة ومن غيرها، ويتسابقون هناك إلى الموت، وكأنهم عاشوا في شظف من العيش، وخشونة من الحياة، وما كأنهم أبناء نعمة ورخاء، وكان لتواجدهم هناك أثر في سقوط صنم الشيوعية، فقد كان أبناء المسلمين يتسابقون إلى الموت من كل بلاد العالم الإسلامي، وحتى من البلاد المدنية، ومن أصحاب الرخاء والنعمة، فوالله لو رأيتم ما رأيت لرأيتم أمراً عجباً، وليس بالعجب على هذا الدين، فإن الإسلام يصنع أمثال هؤلاء الرجال، ولو كانوا في مستهل الحياة.

    نحن نريد من شبابنا أن ينتبه، فمنهم من لم ينتبه بعد، وأن يستيقظ، فمنهم من لم يزل نائماً، وأن يبدأ هذه الحياة بتوبة وإنابة وعمل وجد، لا سيما وأن المذاهب المنحرفة، والأفكار الضالة بدأت تتساقط اليوم أمام أقدام المسلمين، فهذا هو صنم الشيوعية المادية الملحدة -وهو أكبر صنم- قد هوى وتساقط، وقد كانت ترهب العالم الإسلامي في يوم من الأيام، وكانت تقض عليهم مضاجعهم، وأنا واثق بإذن الله، بل وأقسم -لأن الله عز وجل قد وعدنا بذلك، وهو لا يخلف الميعاد- أنّ كل هذه الأصنام، وكل هذه الأوثان، وكل هذه الملل، وكل هذه الأفكار المنحرفة سوف تهوى وتتساقط بإذن الله عز وجل أمام أقدام المسلمين؛ وذلك حينما يشعر شباب الأمة الإسلامية بالواجب الذي أناطه الله عز وجل بأعناقهم، وحينما لا يقتل الوقت في لعب الورق والأعمال التي تضيع العمر، بل فيما هو أخطر من ذلك فيما حرم الله عز وجل، ولذلك فأنا أدعو الشباب إلى أن يتربى في المسجد، فإن الله عز وجل قد أخبرنا أن شباب المسجد هم الرجال، وهم الذين تلتهب في عقولهم وفي قلوبهم أضواء الإيمان: كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النور:35]، ثم يقول الله تعالى بعد ذلك: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36]، فهذا هو متربى الرجال حقيقة، ولا أريد شباباً يتربى أمام الأفلام، ويرقب عقارب الساعة منتظراً لمواعيد الأفلام، ويبحث عن المسلسلات، ويبحث عن أشياء أخرى تعرفونها لا تحتاج إلى تعداد، بل أريد شباباً قلوبهم معلقة بالمسجد كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فتراه يرقب عقارب الساعة منتظراً مواعيد العبادة والوقوف بين يدي الله عز وجل.

    ينبغي أن يكون الشباب على هذا المستوى، ويشعر بهذه المسئولية، ويقدر لها قدرها، ويقيم لها وزنها، ويأخذ من مرور السنين والأيام العظة والعبرة، وكلما مر عليه يوم من أيام الله عز وجل ازداد قرباً من الله عز وجل، فكل يوم مضى يقربه من الحياة الآخرة، مهما كان، وفي أي سن كان، قال الشاعر:

    والمرء يفرح بالأيام يقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل

    وقال الآخر:

    دقات قلب المرء قائلة له إن الحيـاة دقائق وثوان

    يعني: اعرف أن عمرك دقات قلب، ولو أردت أن تحسب دقات هذا القلب لوجدتها محدودة، وسوف تتوقف هذه الدقات في أي لحظة، وتنتهي الحياة، فالمسلم مطالب أن يستغل الفرصة، والله تعالى قد أخبرنا بالحكمة من خلق هذا الإنسان، فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فجميع ما يزاوله الناس من أعمال في تعمير الحياة الدنيا أو كسب العيش، أو تحصيل أي أمر من الأمور، إنما هي وسيلة وليست بغاية، أما الغاية فهي العبادة.

    1.   

    استغلال الحياة وفترة الشباب في الطاعة

    إنّ الأمر الذي يهمنا: أننا الآن نعيش فترة عام جديد، ونبتدئ فترة من فترات العمر الثمين، فلا بد أن نقف فيها لحظات من الزمن للتفكير، وكل واحد منا يستعرض صحائف الأعمال وكأنها منشورة أمامه، ويقول لنفسه: أنا عملت في العام الماضي كذا وكذا وكذا، فالتوبة التوبة، وقصرت في جنب الله في العام الماضي في كذا وكذا، وأولادي لم أُربّهم في العام الماضي على طاعة الله، وكانت في بيتي أفلام وصور وكتب ضلال ومحرمات وغير ذلك، فهل هذه تقربني إلى الله أو تبعدني من الله عز وجل؟ وقد فرطت في الأمانة، فأنا مدرس مؤتمن على أبناء المسلمين ومع ذلك ما كنت أقوم بالنصيحة لهم، وما كنت أقوم بتربيتهم، وأنا إمام مسجد ولم أتفقد جيراني والمصلين معي، وهذه كلها أخطاء لا بد أن أصلحها في هذا العام الجديد، ولم أكن أقوم في العام الماضي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي مثل هذه الأيام بصفة خاصة، لأن هذه الأيام تعتبر مفرقاً بين طريقين: أجل قد مضى لا ندري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا ندري ما الله قاض فيه.

    ولذلك: فعلى كل واحد منا أن يقف ساعة مفكراً بينه وبين نفسه: ماذا عمل؟ وماذا ترك؟ وهل أعماله ترضي الله عز وجل، أو أنها مما يغضبه سبحانه؟ فلا بد أن يبادر بالتوبة، وما يدريك يا أخي! ربما يكون هذا العام هو آخر أيامك في هذه الحياة، بل ربما تكون هذه الليلة هي آخر ليلة لك في الحياة، وكم من الناس من ينام على فراشه الوثير آمناً مطمئناً، فلا ينتبه إلا في يوم الحشر! وكم من الناس من يعيش مع زوجته وأهله في رغد من العيش، وفي نعمة، وفي فرح وسرور، ثم إذا به لا ينتبه إلا في ظلمة القبر! وهذا أمر مؤكد لا ينكره أحد من الناس، بل يؤمن به المؤمن والكافر، أعني: الموت.

    حال الإنسان في هذه الدنيا

    هذا الإنسان إما أن يكون جاداً في السير إلى ربه، أو غير جاد، وأنا أشبه هؤلاء الناس بقسميهم برجلين، أعلنت الدولة أن هذين الرجلين سوف ينفيان بعد مدة من الزمن إلى صحراء قاحلة، إلاّ أنّ هذه المدة مجهولة وغير محدودة الأمد، فكان أحدهما عاقلاً فقال: ما دامت هناك صحراء قاحلة ليس فيها سكن، وليس فيها ماء، وليس فيها ظل، فسأقوم بعمارة هذه الصحراء، فمتى تم الرحيل كنت مسروراً، فشرع في عمارة هذه الصحراء، فحفر فيها بئراً، وغرس فيها غرساً، وبنى فيها داراً، وجهزها للرحيل، أما الآخر فكان ذا كسل، وكان ذا ملل، وكان ذا تسويف فقال: سأنام، حتى إذا قرب موعد الرحيل إلى هذه الصحراء سعيت إلى عمارتها.

    وهكذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وما أسرع ما تنقضي هذه الحياة الدنيا! ولذلك فإن الله تعالى يمثل لنا هذه الحياة الدنيا بالزرع فقط، وأكثركم يستعمل الزراعة، فإنك ترى الزرع ينبت اليوم، ثم يرتفع، ويخضر، وينمو، ويقوى، ثم يبدأ يصفر، ثم يتساقط: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ [يونس:24] اخضرت أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ [يونس:24] زهور وروائح جميلة وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا [يونس:24] يعني: الحصاد في أي لحظة أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس:24]، هذا هو مثل الحياة الدنيا! وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45].

    أيها الإخوة! إن أمر الإنسان قريب الشبه بالنبات؛ ولذلك كثيراً ما يصور الله عز وجل الحياة الدنيا بالنبات، والإنسان في ولادته يشبه النبتة حين تنبت من الحبة في جوف الأرض، ثم في نموه، ثم في اكتمال نموه، ثم في اصفراره، ثم في يبوسته وتساقطه على الأرض، ثم في عودته مرة أخرى حينما يأتي الماء؛ لذا يشبّه الله عز وجل دائماً هذا الإنسان بهذا النبات.

    الحكمة من الحياة والموت

    لقد أخبرنا الله تعالى عن الهدف من الموت والحياة، فنحن لا نقول كما يقول ذلك الملحد: أنا لا أدري من أين جئت؟ وإلى أين سأذهب؟ بل نحن نعرف أننا جئنا من أصلاب آبائنا، ابتداءً من أبينا الأول آدم، ونعرف أننا خلقنا للعبادة، ونعرف أننا ذاهبون إلى الدار الآخرة، ونعرف أن هذه الحياة الدنيا إنما هي جسر وممر، وقد حدد الله تعالى هذا الهدف فقال: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:1-2] فهذا هو الهدف، ومن جهل هذا الهدف فعليه أن يعرفه، واعلموا أنّ الليل والنهار خزانتان، فانظروا ماذا تودعون فيهما؟ والليل والنهار خلفة كما أخبر الله عز وجل، أي: يخلف أحدهما الآخر، فإذا فاتتك عبادة في الليل فاستبدلها بعبادة في النهار: إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا [المزمل:7] وإذا فاتتك عبادة النهار: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان:26] ولهذا قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ [الفرقان:62] والخلفة عند العرب: هي ما بين الحلبتين، فتحلب الناقة، ثم تكون هناك فترة، ثم تحلب مرة ثانية، لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].

    استغلال فترة الشباب في طاعة الله تعالى

    اعلم يا أخي المسلم! بصفة عامة، ويا أخي الشاب! بصفة خاصة: أن لك عمراً محدداً من عند الله عز وجل، وأنك تمر بأطوار: طفولة، ثم فتوة، ثم شيخوخة، ثم فناء، وحينما نقول: فناء -أي: موت- أعني: فناء له عودة، قال الله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً [الروم:54] ولكن اعلموا أنّ أيام الفتوة وأيام الشباب هي أفضل وقت للعمل؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟).

    فهذه أربعة أسئلة استعدوا لها: أين أمضينا العمر؟ وكيف أمضيناه؟ وقوة الشباب التي هي أحسن فرصة للعبادة ماذا فعلنا بها؟ هل استعملناها في معصية الله، وغرتنا الأماني وقلنا: يمكننا التوبة فيما بعد، أم استعملناها فيما يرضي الله؟ والله تعالى يقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، ولذلك فقوة الشباب نسأل عنها، وكذلك نسأل عن الصحة والعافية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك) فقد تشغلك الأمراض، فتحاول أن تعبد الله فتعجز، أما الآن فأنت في صحة، فبادر بهذه الصحة، واستغلها فيما يرضي الله عز وجل.

    إخوتي! أدعو نفسي وأدعوكم إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، واستغلال مستهل العمر، فإن للشباب طفرة لا بد أن يصحبها عقل وتفكير وخوف وخشية من الله عز وجل، وإلا فكما قال الشاعر:

    إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

    إنّ الشباب والقوة سلاح ذو حدين، فإما أن يستغل الإنسان هذه القوة فيما يغضب الله عز وجل، فحدث ولا حرج عما تحدثه هذه الفتوة وهذا الشباب من شر، وإما أن يستغله في خشية الله عز وجل، وما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا أظن أن أحداً من الناس يستطيع أن يفعل ما يفعله الشباب من الأعمال الصالحة؛ لأن هذه القوة العارمة لا تقف عند حد من الحدود.

    مسئولية الدعوة إلى الله تعالى وترك المنكرات

    أيها الإخوة الشباب! أنا أحمل كل واحد منا مسئولية أمام الله عز وجل، مهما كان موقعك في هذه الحياة، فإن كنت عضواً في المراكز الصيفية فاجذب أبناء المسلمين إلى هذه الخلايا الطيبة، وأنقذهم من جلساء السوء، ومن الفراغ، وإن كنت مدرساً فوجه هؤلاء الأبناء إلى ما يرضي الله عز وجل؛ فإنهم أمانة، وإن كان لك إخوان فاحفظ إخوانك مما يغضب الله عز وجل، وإن كنت أباً فاحذر أن تضيع الأمانة، فإنك ستسأل عنها يوم تقف بين يدي الله عز وجل، فقد جاء في الأثر: (إنّ البنت توقف أباها بين يدي الله عز وجل، وتقول يوم القيامة: يا رب! زده عذاباً ضعفاً في النار؛ لأنّه خانني).

    وإن كنت جاراً، فاتق الله في الجوار، وأد حق الجوار، وأعظم حقوق الجوار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كنت صاحب مكتبة فاحذر أن تجلب إلى بلادك ما يغضب الله عز وجل من الصور والفتن، وما يفسد أخلاق وعقول الشباب، وإن كنت في أي موقع من مواقع هذه الحياة، فاعلم أنك على ثغر من هذه الثغور، وسوف تسأل عن هذه الأمانة يوم تقف بين يدي الله عز وجل.

    وفي الأخير أقول: لا أعلم أن أحداً منكم أعظم تقصيراً مني، أو أكثر إثماً مني، ولكني أستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه غفور رحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    1.   

    الأسئلة

    معنى (لا إله إلا الله) ولوازمها

    السؤال: إذا كان كل من قال: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) إلى الجنة، ولو عمل ما عمل، وفعل ما فعل من المعاصي، فلماذا نعمل إذاً؟

    الجواب: هذا الظن خطأ! ولعل الأخ الذي أورد هذا الإشكال أخذ ذلك من حديث البطاقة، ففيه أن هناك بطاقة فيها: (أشهد أن لا إله إلا الله) توزن مع السجلات، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة، وهذا الحديث صحيح، وفي أحاديث أخرى: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله).

    اعلم يا أخي! أنّ هذا عنوان وأصل له فروع، فإن (لا إله إلا الله) لو أردت أن تحللها لوجدت أنها تحتوي على كل الأعمال الصالحات، وتجنب جميع المنكرات التي يفعلها الناس، فكلمة: (لا إله إلا الله) لها مسئوليات، ولها إثبات، ولها نفي، ولها إيجابيات، ولها سلبيات، فمعنى رجحان البطاقة: أنّ هذا الإنسان الذي قدم بها على الله عز وجل وفيها: لا إله إلاّ الله، أنه كان يطبق حقيقتها؛ لأن معنى (لا إله): أن تنفي كل ما يعبد من دون الله عز وجل من الشهوات والمحرمات وكل ما يغوي الإنسان ويورده النار، و(إلا الله) معناها: العبودية لله عز وجل وحده، وهذه العبودية تتطلب أداء كل أركان الإسلام، وكل الواجبات.

    لكن إذا أدى الإنسان أركان الإسلام، وكان عليه ما عليه من الآثام فقد يتجاوز الله عز وجل عنه؛ لأن الله تعالى يقول: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، أما الكفر والشرك فإن الله عز وجل لا يغفر منهما شيئاً، وكذلك ترك الصلاة فإنه كفر، فهل يفكر في دخول الجنة من لا يصلي؟! نقول: لا، فإنه كافر مرتد؛ لأن الله تعالى يقول: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين [التوبة:11]، فمعنى (لا إله إلا الله) أن يعمل بمقتضى هذه الكلمة نفياً وإيجاباً، وأن يؤدي الأركان التي هي أسس دخول الجنة، وهي مفتاح الجنة، لكن لو كانت عليه بعض الذنوب والآثام فإن الله قد يغفرها له بشرط ألاّ تكون حقوقاً للناس؛ لأن حقوق الناس لا بد أن تؤديها إلى أصحابها، أما لو كانت عليه سيئات بينه وبين ربه فإن الله تعالى قد يتجاوز عنها ولا يبالي، كما جاء في الحديث الصحيح: (يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).

    وكون الإنسان يقدم على ربه سبحانه بسيئات لم يتب منها فهذه مخاطرة، لكن لو قدم بسيئات لا تصل إلى درجة الكفر، ولا درجة الشرك، فلعل الله أن يتجاوز عنها؛ لأنه تعالى وعد بذلك، ولكن لم يعط الوعد لكل الناس، بل لمن يشاء، فقال: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) يعني ما دون الكفر والشرك (لِمَنْ يَشَاءُ) أي ليس لكل الناس.

    فكلمة (لا إله إلا الله) وحدها لا تدخل الجنة، إلا إذا عمل الإنسان بمقتضاها نفياً وإثباتاً، لأن (لا إله) معناها: أن ينبذ العبد عبادة الهوى والشهوات والمعاصي والمحرمات، و(إلا الله) معناها: أن يقيم تعاليم الإسلام، لأن معنى الإيمان بالله عز وجل أن يقيم تعاليمه سبحانه وتعالى، وأن يطيعه في أوامره، ولذلك جاء في الأثر: (لا إله إلا الله: هي مفتاح الجنة، لكنها تحتاج إلى أسنان) فهي مثل شجرة تحتاج إلى ثمر، وهذه الثمر هي الصالحات.

    أسباب الثبات على هذا الدين وأسباب الانحراف عنه

    السؤال: الصحوة بحمد الله منتشرة، ولكن ما هي الأسس التي تثبت الشباب التائب على التوبة، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأسس كثيرة، والعقبات كثيرة، وأكبر عقبة تصرف الشباب عن الصحوة الإسلامية بعد أن يهتدوا هي: جلساء السوء، فكثيراً ما نسر بشاب اتجه إلى ربه، ثم نفاجأ بعد فترة أنه قد انحرف، وإذا تتبعنا أخباره وجدناه يصاحب أناساً لا خلاق لهم، فربما يسخرون من تدينه، ويسخرون من لحيته، ويسخرون من ثوبه القصير، ويسخرون من سلوكه، وقد يسخرون من ذهابه إلى المسجد، فهذا يعتبر من أكبر العقبات التي تحرف الشباب.

    ولذلك نقول: إنّ أول ما تفعله حينما تتجه إلى الله أن تتجنب جلساء السوء، إلا إذا كنت على مستوى عالٍ من العقلية والقوة الشخصية، فتريد أن تدعوهم إلى الله فهذا أمر مطلوب، أما إذا كنت أقل منهم شخصية فإن عليك أن تجتنبهم.

    ومن الأسباب التي تثبت الإنسان على هذا الطريق العلم، فإني أرى اليوم كثيراً من الشباب الذين اتجهوا إلى الله قد اكتفى بما عنده من العلم، وربما يأتيه شيطان من شياطين الإنس أو شياطين الجن ويوسوس له، ثم يحرفه، ولذلك أقول: عليك أن تبحث عن العلم الشرعي الذي يعرفك بالله عز وجل، وأن تقرأ القرآن وتتفهم معانيه، وأن تقرأ شيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتتفهم معانيها، وأن تقرأ شيئاً من الكتب العصرية التي تحذر من الأفكار التي تفد إلى بلاد المسلمين، ثم تجتنب هذه الأشياء، فهذه كلها أمور مطلوبة في سبيل هذه الصحوة الإسلامية المباركة.

    كذلك من هذه الأشياء: أن يسأل الإنسان الثبات من الله عز وجل، بل هذا أهم الأمور، والرسول صلى الله عليه وسلم كان دائماً يقول: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذه الكلمة فكيف بنا نحن المقصرين؟! فيجب علينا أن نسأل الله دائماً الثبات، وجاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله: (يا رسول الله! أتخشى على نفسك وأنت رسول الله؟! فقال: يا عائشة وما يؤمنني وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء؟).

    فيجب علينا أن نسأل الله الثبات، لا سيما في عصر الفتن الذي نعيشه اليوم، هذا العصر الذي يصبح فيه الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، عصر التقلب؛ لذلك نسأل الله دائماً الثبات ولا نغتر؛ لأنّ الغرور أخطر شيء في حياة الإنسان، فهو الذي أخرج إبليس من الجنة، وأدخله النار، بل جعله قائد الكفرة إلى النار، فعلينا أن نستشعر التقصير في جنب الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27].

    خطورة الاستهزاء بالدين أو بحامليه

    السؤال: ذكرت أن من الأسباب التي تثبت الإنسان على الدين: بعده عن قرناء السوء، وذكرت استهزاء بعض الناس به، فما توجيهك حول الاستهزاء بالشباب الصالحين؟

    الجواب: هذا الأمر من أخطر الأمور التي يبتلى بها من يضل عن الطريق، فالاستهزاء بدين الله أعظم ذنب في هذه الحياة، ولذلك سمى الله تعالى الذين يسخرون من المؤمنين أئمة الكفر، وأمر بقتالهم، فقال سبحانه: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة:12]، وفي قراءة سبعية: (إنهم لا إيمان) فالذي يسخر من دين الله يكون من أئمة الكفر، وليس كافراً فقط، ولذلك فالذين يسخرون من الدين ويقولون: انظر إلى لحية فلان، وانظر إلى ثوبه القصير، لا يعلمون أنّ هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فبسبب طول الأيام، والمشاكل التي أصابت المسلمين، والانحراف، والغفلة الطويلة، نسي المسلمون أن هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار بعضهم يسخر من ثوب الإنسان القصير، وما علم أن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصار يسخر ويقول: انظر إلى فلان إذا أراد أن يصلي يمد ظهره، ويضع يديه، وانظر كيف يقبض نفسه، ولا يصلي إلا إلى سترة، وما علموا أنّ هذه كلها من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهناك أمور كثيرة نسيها الناس وهي من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أراد بعض إخواننا أن يحيي هذه السنة، ظن هؤلاء الناس أنهم قد ابتدعوا في دين الله.

    المهم يا إخواني! إذا وصل الأمر إلى السخرية من دين الله فهو عظيم وخطير، فإذا كانت السخرية من نفس الإنسان مصيبة، فما بالك بالسخرية من دين الله تعالى، وأنت حينما تسخر من إنسان اتسم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنما تسخر من السنة نفسها لا من ذات ذلك الإنسان، فيخشى أن يقع عليك هذا الوعيد: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ [التوبة:12]؛ لذلك أقول: اتق الله يا من وقع في السخرية بهؤلاء المؤمنين! وهذا الأمر يحدث في أيامنا الحاضرة كثيراً، بل أسمع بعض الآباء يسخرون من أبنائهم فيقولون في بعض الأحيان: ولدي موسوس، ولدي دخله الدين، ولدي فيه كذا، وهو في الحقيقة لا يسخر من ولده، وإنما يسخر من دين الله عز وجل، فنحذر هؤلاء الناس من الوقوع في ذلك.

    وقد أخبرنا الله عز وجل أن هذا الصراع سنته في الحياة دائماً وأبداً، فالناس على صنفين: مجرم، ومؤمن، والساخر هو المجرم، والمسخور منه هو المؤمن، ولذلك يقول الله تعالى في سورة المطففين: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]: انظر إلى لحيته.. انظر إلى ثوبه.. انظر إلى شكله، مسكين هذا، وما عرف هذا الساخر أنه هو المسكين، وليس هذا المسكين وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:30-31]؛ أي: إذا ذهب إلى بيته يقول لزوجته: ولد فلان ما أدري هل أصيب في عقله؟! أراه الآن قد رفع ثوبه، وأرخى لحيته، وأصبح يتمسكن، فما أدري ما الذي حدث له؟! فيتفكه هو وأهله بولد فلان من الناس، أو حتى بولده، والله تعالى يقول: وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ [المطففين:32-33]، ثم تتغير هذه المعايير يوم القيامة، يقول الله تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:34-35]، ولذلك أقول: انتبهوا لهذا الأمر.

    وقد أخبرنا الله عز وجل في مكان آخر أن أهل النار يعتذرون إلى الله عز وجل فلا يقبل الله عذرهم، ويقول لهم: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:109-111]، فنحتاج إلى صبر يا إخوان، لما تجد أباك أو أخاك يسخر منك، ويضحك منك، أو تجد إنساناً آخر لا يخشى الله يسخر منك، فإن هذه السخرية مؤلمة للنفوس، فتحتاج إلى صبر، وهذا الصبر هو الذي يدخلك الجنة، وامتداد هذه السخرية هي التي تدخله النار، نعوذ بالله: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ).

    وكما أخبرنا الله عز وجل في القرآن في سورة الصافات: أن رجلاً كان له قرين كاد أن يفتنه في دينه، ويسخر من تدينه، وكاد أن يميل معه لولا أن الله تعالى ثبت أقدامه عن هذه المزلة، فإذا دخل الجنة بحث أين ذهب فلان؟ ويقول لجلسائه في الجنة: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:51-54] أي: يبحثون عنه فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55]، فماذا يقول له؟ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:56-57]، يعني: بسخريتك وبأذيتك وبمخالطتك الخبيثة كدت أن تدخلني معك النار، ولولا أن الله رحمني لكنت معك، أي: أنه يطل عليه من شرفات الجنة، وذاك يتقلب في لهب جهنم.

    فالسخرية من المؤمنين أمر خطير، ومن ابتلي بمعصية فلا يسخرن ممن هداه الله عز وجل للفطرة، وأنا أقول لكم بهذه المناسبة: أنا أرى الثياب تجر في هذه البلاد أكثر من أي بلد آخر، فما أدري ما هو السبب؟ فإن كثيراً من الشباب الذين لم يهتدوا بعد، أو عندهم بعض الصبوة يجرون ثيابهم، ويسخرون في بعض الأحيان من الشباب الذين يرفعون ثيابهم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يرفع الثوب عن الكعبين، وفي الحديث: (أزرة المسلم إلى نصف ساقه) وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، فأنا أحذر هؤلاء الشباب الذي يجرون ثيابهم، ويجعلونها تخط الأرض، أحذرهم من هذا الوعيد الشديد، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، فقال أبو ذر : خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟! قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فأولهم المسبل، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فإذا رأينا من يجر ثوبه فعلينا أن نقول له: اتق الله، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى مرة رجلاً يجر ثوبه وهو يصلي فقال: (اذهب فأعد الوضوء) فاستدل بعض العلماء بهذا الحديث -وإن كان فيه شيء من الضعف- على أن الصلاة تبطل إذا كان المصلي مسبلاً إزاره خيلاء، فنعوذ بالله من ذلك.

    كيف يستغل الوقت في العطلة الصيفية

    السؤال: وقت الفراغ في العطلة الصيفية يكون كبيراً، فبماذا تنصحنا في هذه العطلة كي نستغل الفراغ؟

    الجواب: استغل الفراغ فيما يرضي الله تعالى، واعلم أن الشيطان يبحث عن الفراغ ليملأه بالشرور، والفرص الآن -والحمد لله- كثيرة، فهذه المراكز الصيفية موجودة، وأنا أكرر رجائي لكل أب أن يضم ولده إلى هذه المراكز الصيفية؛ لأن القائمين عليها -والحمد لله- كلهم أهل خير، نحسبهم كذلك والله حسيبهم، أو إلى المكتبة، فإن المكتبة تشغل فيها الفراغ، وتعرف أمور دينك ودنياك، أو إلى العمل إذا لم تكن أهلاً لهذا ولا لذاك، فتعمل مع أبيك إن كان صاحب دكان، أو صاحب تجارة، أو صاحب مزرعة، المهم ألا تترك لك فراغاً؛ فإن الفراغ خطير في حياة الشباب.

    خطر إيداع المال في البنوك الربوية

    السؤال: إذا كان عند الشخص مال في البنك مثلاً، وكان كلما وجد زيادة أرجعها إلى البنك، فهل يكون عليه إثم في إبقائه هذا المال في البنك مع أنه يرجع المال الزائد؟

    الجواب: أخذ المال الزائد هو الربا الذي هو أخطر الذنوب كما قلت لكم، فلو تاب الإنسان فإن العلماء في عصرنا الحاضر مختلفون في جواز أخذ هذه الزيادة للتائب، فيقول بعضهم: خذه ولا تدعه للكفار، لا يا أخي! دعه للكفار، وأنا أقول: أتدخل نفسك النار بحجة أنك لا تدعه للكفار؟! دعه للكفار! فإن الكفار عندهم من الأموال أكثر من هذا المال الذي أعطيتهم بكثير، ولذلك قال الله تعالى في حق التائب: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279]، فالتائب لا يجوز له أن يأخذ غير رأس ماله، ولا يواصل العمل فيأخذ غير رأس ماله؛ فأخذ الزيادة إثم، وهو الربا الذي حرمه الله عز وجل، وهذه البنوك تحارب الله عز وجل، وتحارب رسوله.

    أما أن يودع الإنسان ماله في البنك فهذه بلية أصبح الإنسان لا مناص له منها؛ لأن أكثر الناس عندهم أموال أكثر من حاجتهم، فهم مضطرون إلى إيداعها في البنوك؛ كي تحفظها هذه البنوك، فنقول: ابحث عن أفضل هذه المستودعات والبنوك، فإذا رأيت من لا يتعامل بالربا فيجب عليك أن تدفع مالك له، وإذا وجدت أن بعضها أسهل من بعض فعليك أن تودع عند الأسهل، فالمهم أن تبذل الجهد، أما أن تودع المال مباشرة وبدون بحث وتثبت وهذا فيه خطر، ويخشى أن يكون فيه إثم، فأقل الحالات أن يصيبك الغبار، قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يأكل الربا أصابه من غباره، أو من دخانه)؛ لأنك سوف تؤكل الربا، وسوف يستفيدون من مالك هذا في أكل الربا، ولكن إذا لم يكن هناك مناص من حفظ الأموال إلا في هذه البنوك، فعليك أن تبحث عن أسهلها، وأقربها إلى الصحة، وإلى البعد عن الربا، ولعل الله أن يتجاوز عن هذا الأمر.

    الزواج وسيلة للعفاف

    السؤال: أرغب أن أسألك سؤالاً وهو: أني شاب، وأريد أن أستقيم، وكلما أردت أن أستقيم قلت في نفسي: أؤجل ذلك إلى بعد الزواج، والإنسان يخاف من الموت أن يدركه قبل أن يستقيم، فماذا أعمل حتى أستقيم قبل فوات الأوان، أفيدوني والله يحفظكم؟

    الجواب: أقول لك يا أخي! فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، وبادر بالتوبة، وأشم من سؤال الأخ أن مشكلة النساء هي المشكلة التي تعترض سبيله، والحقيقة أنها مشكلة عويصة، وهي أخطر المشاكل على الشباب، وعلاجها الزواج، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فبادر بالتوبة، وحصن نفسك بالزواج، وأنا أدعوكم أيها الإخوة! أن تتعاونوا مع الشباب الذين يرغبون في الزواج لإعفاف أنفسهم، وعليكم أن تتقوا الله في هذه الأمانة، وإذا خطب منكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض، واحذروا المساومة على المرأة، والمغالاة في المهور، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعظمهن بركة أيسرهن مئونة).

    وأخشى أن تكون أكبر عقبة أمام هذا الشاب هي الشهوة، وهي التي تصرفه عن التوبة؛ ولذلك فإني أقول: إنّ الذين لا يكونون مرنين في أمور الزواج بتزويج قريباتهم إذا جاء الأكفاء، أو يبالغون في المهور، أخشى أن يتحملوا آثام هؤلاء الشباب الذين لا يستطيعون التوبة بسبب هذه الشهوة الجامحة، وأقول لك: يا أخي الشاب! إن الله عز وجل يقول لك: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32-33]، فبادر بالتوبة، وبادر بالزواج، ولو أن تقترض، أو أن تبحث عن هذا المال من أي طريق من الطرق المباحة، واعلم أن الله عز وجل سوف يعينك في هذا الأمر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثة حق على الله عونهم، وذكر منهم الناكح يريد العفاف ) .

    أخبار الصحوة في العالم والجهاد الأفغاني

    السؤال: هذان سؤالان عن حال العالم، الأول يقول: نرجو منك أن تتحدث لنا عن أحوال المسلمين في العالم؟

    والآخر يقول: فضيلتكم زار أفغانستان، فهل الجهاد المتواجد فيها الآن يعتبر جهاداً في سبيل الله؛ لأن الكافر الملحد قد انسحب من أرضها، وبقي القتال بين الأفغانيين أنفسهم؟

    الجواب: أما أخبار العالم فلا يحيط بها إلا الله سبحانه وتعالى، لكن الشيء المؤكد أن العالم الآن يبحث عن الحق، حتى النصارى واليهود بدءوا يبحثون عن الحق، وأبناء المسلمين الذين كانوا يحاربون هذا الدين صاروا يبحثون عن الحق، والشيوعية التي كانت لا تسمح للمسلمين في الصين الشيوعية أن يتعلموا شرائع الإسلام، وكان آباؤهم يهربونهم مع الأثاث إلى البلاد الإسلامية، فتح الآن -والحمد لله- المجال للمدارس الإسلامية وللمساجد، وهذه الفترة تفرض على كل واحد من المسلمين أن يساهم في الدعوة إلى الله عز وجل، وعلى كل: أخبار العالم تسير إلى الأسوأ، إلاّ أن هناك انفتاحاً إلى الخير والحمد لله، فما علينا إلا أن نستغل هذه الفرصة.

    أما بالنسبة للسؤال الذي يتعلق بشأن أفغانستان: فأنا آسف جداً أن هناك من يظن أن العدو قد رحل، والله تعالى يقول: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، والشيوعيون لا يريدون أفغانستان، وإنما يريدون المقدسات المتواجدة هنا حفظها الله، ومن يتتبع الخرائط التي يحملها الطيارون في جيوب طائراتهم يرى الأسهم موجهة إلى أرض المقدسات حفظها الله وحرسها، ووفق وهدى قادتها إلى الاستقامة على دين الله عز وجل.

    أما أنهم رحلوا فما رحلوا، فهم يعترفون الآن أن هناك عشرة آلاف خبير روسي يديرون الحرب في أفغانستان، وأن هناك أكثر من ثلاثين ألف طيار هندي من البوذيين الكفرة يحركون القتال أيضاً، إضافة إلى أن الكفر كله ما زال يحرك القتال، وهذه دعايات أشيعت إما بدافع جهل ما يحدث في أفغانستان، أو لأن هناك أعداء للجهاد يريدون أن نضع السلاح، وهذا كله خطأ، فالجهاد في سبيل الله على أشده، بل هو في هذه الفترة أكثر ما يكون ضراوة وشدة، وهذه الأيام تعتبر أياماً حاسمة، فلا نتوقف عن المساعدات، أو عن الانضمام إلى إخواننا المجاهدين في سبيل الله، كما أن هناك جبهات أخرى فتحت في هذه الأيام والحمد لله، والجهاد في سبيل الله مستمر، فهناك جهاد في أريتريا المسلمة، وفي جنوب الفلبين حيث يريدون أن يعود حكم الله عز وجل في الفلبين التي اغتصبها العدو، وسرقها منا، وفي فلسطين، وفي أماكن كثيرة، فالمقصود أنّ الجهاد -والحمد لله- تحرك الآن، وهذا يعتبر من آثار الصحوة الإسلامية.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756357806