إسلام ويب

شرح عمدة الأحكام [37]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم صلاة الجماعة للمسافر

    السؤال: هل تجب صلاة الجماعة في المسجد على المسافر الذي وصل إحدى البلاد وما زال تحت حكم المسافر، مع ذكر الدليل؟

    الجواب: تجب عليه ولو كان مسافراً، وذلك للأحاديث الدالة على أن الجماعة مخاطب بها كل من سمع النداء، ولكن المسافر إذا كان معه مسافر آخر وصلوا جماعة قصراً حصل لهم فضل الجماعة.

    وكذلك -أيضاً- إذا كان المسافر فرداً، فالمسافر المنفرد واحد، فنقول له: لا تصل وحدك فيفوتك فضل الجماعة؛ فإن المنفرد إنما له جزء واحد من سبعة وعشرين جزءاً من صلاة الجماعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة بسبع وعشرين درجة) .

    فنحن نقول: يؤمر ويكلف المنفرد أن يصلي مع الجماعة ولو كان مسافراً، وإذا صلى معهم أتم ولا يقصر؛ لأن من صلى مع الجماعة والمتمين لزمه أن يتم ولزمه أن يصلي تماماً، وأما إذا كان معه جماعة فإنهم يقصرون.

    فالحاصل أنكم إذا قدمتم بلداً وأنتم مسافرون ولكنكم لا تقيمون فيها وإنما تمرون عابرين فاقصروا الصلاة وأنتم جماعة، أما إذا قدمتها وأنت وحدك فلا تصل وحدك فتفوتك صلاة الجماعة ما دمت قادراً على أن تصلي مع الجماعة وتحصل لك فضيلة.

    1.   

    الصلاة في الطائرة مع تخلف بعض الأركان أو الشروط

    السؤال: هل يجوز أداء صلاة الفريضة في الطائرة، وكذلك الجمع بين الصلاتين؟ وما الحكم إذا تعذر على المصلي استقبال القبلة في الطائرة؟

    الجواب: لا بأس إذا خاف خروج الوقت، فإذا خاف أن الشمس تطلع وهو لم يصلِ الفجر، ولا يستطيع أن يأتي بالصلاة على الهيئة المطلوبة صلى ولو على كرسي، فإن كان هناك مكان متسع يتمكن أن يصلي فيه وهو قائم يستقبل القبلة لزمه ذلك، فإذا لم يتمكن صلى ولو على كرسيه، ولو كان وجهه لغير القبلة؛ لكونه معذوراً في ذلك؛ لأنه لم يتمكن من استقبال القبلة ولم يجد مكاناً يصلي فيه، وقد يكون المكان المخصص -مثلاً- يتسع لاثنين أو لأربعة أو لعشرة، والطائرة قد يكون فيها مائة أو مئات لا يتسع لهم هذا المكان، فأين يصلون إذا كان الوقت قصيراً من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؟! ففي هذه الحال يصلون إذا خافوا خروج الوقت على كراسيهم ولو لغير القبلة لأجل العذر.

    وهكذا -مثلاً- إذا أخروا العصر وعرفوا أنهم لا ينزلون إلا بعد غروب الشمس، وأن الطائرة لا تنزل إلا بعد غروب الشمس، ووقت العصر يخرج بغروب الشمس، ففي هذه الحالة يجوز لهم أن يصلوا وهم على كراسيهم ولو لغير جهة القبلة للعذر، وإن تمكن أحدهم أن يصلي وهو قائم صلى، وإلا اكتفى بالصلاة جالساً.

    1.   

    جمع المسافر بين الصلاتين في غير وقت السير

    السؤال: ما صحة حديث معاذ الذي في الموطأ (أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع نازلاً في تبوك

    الجواب: الحديث صححه بعضهم، وأجابوا عنه بأنه لعذر إما لشغل وإما لمرض أو نحو ذلك، كالجمع بين صلاتين كالظهرين أو العشاءين في المدينة من غير سفر ولا مطر، ةذلك -أيضاً- لعذر، وعلى كل حال فالمعتاد والأكثر أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يجمع إلا إذا جد به السير، إذا كان على ظهر سير، وأما إذا كان نازلاً فإنه كان يوقت، كما كان في منى، إذ إنه نزل في منى أربعة أيام: يوم العيد وثلاثة أيام بعده أو يومين بعده يصلي كل وقت في وقته، فيصلي الظهر في وقته ركعتين، والعصر في وقته ركعتين، والمغرب في وقته، والعشاء في وقته ركعتين، فيكون قد وقّت وقصر لكونه على أهبة السفر فيعتبر مسافراً، ولكن لم يكن المسافر الذي يباح له الجمع بين الصلاتين؛ لأن الجمع -كما عرفنا- يختص بمن كان على ظهر سير.

    1.   

    دخول وقت الرباعية في السفر وصلاتها في الحضر

    السؤال: إذا كنت مسافراً وجد بي السير، فدخل الظهر وأخرته إلى العصر، ووصلت إلى بلدي التي أقيم فيها بعد دخول وقت العصر، فهل يجوز لي أن أصلي الظهر ركعتين جمعاً مع العصر؟

    الجواب: من أخر الوقت حتى وصل إلى بلده فإنه يصلي تماماً، وذلك لأن القصر إنما كان للسفر، وبعد الدخول ليس هو على سفر، وصورة ذلك: إذا دخل عليك وقت الظهر وأنت في الطريق وأخرته، ووصلت البلد وأنت لم تصل الظهر أو العصر، إما قبل أن يدخل العصر وإما بعد أن يدخل، فهذا الفرض الذي دخل عليك وأنت في الطريق وأخرته حتى وصلت إلى أهلك صله تماماً، أي: صل الظهر أربعاً.

    وهكذا لو مضى عليك الوقتان، فلو أنك ما أتيت إلى البلد إلا بعد العصر في الساعة الرابعة والنصف -مثلاً- أو الخامسة، ولم تصل ظهراً ولا عصراً تصليها أربعاً وأربعاً، فتصلي كل وقت أربعاً، وتجمعهما، فإذا وصلت بادرت وصليت أربعاً ظهراً وأربعاً عصراً، وهكذا -أيضاً- العشاء، فإذا دخل عليك وقت العشاء وأنت في الطريق ولكنك أخرته فوصلت إلى بلدك وأنت لم تصل فلا تقل: هذا الظهر قد وجب علي ركعتين وأنا في الطريق، والآن وصلت فأصليه ركعتين والناس قد صلوا الساعة التاسعة أو العاشرة. نقول: ما دمت وصلت إلى البلد فإنك تصليه تماماً، تصلي العشاء أربع ركعات لكونك لست على سفر.

    وهكذا لو ذكر صلاة سفر في حضر، وصورة ذلك: إذا ترك صلاة الظهر نسياناً من يوم السبت، وجاء يوم الأحد وهو في بلده، فذكر أنه وهو في السفر ما صلى العصر التي مرت به في يوم السبت، وهو في الطريق نسيها، نقول في هذه الحال: يصليها في البلد أربع ركعات، ولو أنه صلاها في الطريق أو صلاها في السفر صلاها ركعتين، فهو الآن من أهل الأربع، فيصليها أربعاً.

    والعكس، فلو قدر -مثلاً- أنك وأنت عند أهلك نسيت صلاة الظهر، ثم سافرت في يوم السبت آخر النهار وما صليت الظهر نسياناً وقد صليت العصر، فذكرتها في يوم الأحد وأنت في الطريق، فإنك تصليها أربعاً احتياطاً للصلاة؛ لأنها وجبت عليك أربعاً وأنت في البلد وأخرتها بتفريط أو نحو ذلك، فتصليها أربعاً.

    وهذا كله من باب الاحتياط للفرائض والإتيان بها كاملة كما أمر الله سبحانه وتعالى.

    ويلاحظ -أيضاً- أن كثيراً من الناس إذا أقبلوا على البلد قبل العصر وهم في الطريق آتين، صلوا الظهر والعصر، فيصلونها في الساعة الثانية عشرة أو نحوها، ثم يأتون إلى البلاد في الساعة الثانية قبل أن يدخل العصر، ويقولون: قد صلينا العصر، وانتهينا. نقول: صليتموها ركعتين، وأنتم الآن من أهل الأربع، فأعيدوها، فما دام أنكم وصلتم في الوقت، ودخل عليكم الوقت وأنتم من أهل الأربع لزمكم أن تصلوها أربعاً.

    وهكذا -مثلاً- العشاء، فلو أنهم أقبلوا -مثلاً- من المدينة أو من القصيم، ولما قربوا من البلد غربت عليهم الشمس، وصلوا المغرب، وصلوا معه العشاء ركعتين، وجاءوا -مثلاً- إلى الرياض في الساعة الثامنة قبل أن يدخل الوقت، أو قبل دخول وقت العشاء، وقالوا: قد صلينا العشاء ركعتين في الطريق. نقول: أنتم الآن من أهل الأربع، وأنتم صليتموها هناك ركعتين، وقد وجبت عليكم الأربع، فعليكم أن تعيدوها.

    أما لو صلوها أربعاً هناك إن كان ممن يباح لهم الجمع أجزأ ذلك عنهم إن شاء الله.

    والله تعالى أعلم.

    1.   

    غسل الجمعة من ليلتها

    السؤال: هل الاغتسال بعد المغرب من يوم الخميس يعتبر غسلاً للجمعة؟

    الجواب: إذا علمنا أن الحكمة فيه أن يكون الإنسان نظيفاً فعندما يحضر إلى المسجد يكون نظيف البدن فإنه يحصل بذلك أنه قد اغتسل.

    ولكن على كل حال فما دام في الأحاديث الأمر بالاغتسال يوم الجمعة، كحديث: (من جاء الجمعة فليغتسل) ، وحديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)، فالأفضل أن يكون بعد صلاة الصبح وقبل صلاة الجمعة.

    1.   

    المقدار الزمني لخطبة الجمعة

    السؤال: هل لخطبة الجمعة مقدار محدد من الزمن، أم لابد من إتمام الموضع الذي تطرق له الإمام؟

    الجواب: الكثيرون من الناس يستطيلون الخطبة إذا كانت عشرين دقيقة أو خمس عشرة دقيقة، وينفرون من الخطيب، وقد يقطعون الخطبة وقد يخرجون، ولا شك أن هذا خلاف الأصل، فالأصل أن الخطبة كانت تمكث مدة، لذلك احتيج إلى أن يجلس بينهما للاستراحة، فلو لم يكن هناك طول لما جلس بينهما يستريح.

    وعلى كل حال فقد يكون الموضوع قصيراً فينهيه في خمس دقائق أو في عشر دقائق ويعطيه حقه، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي أن يطرق عدة مواضيع حتى يستفاد من ذلك، وقد يكون الموضوع طويلاً، فالأولى أن يبسطه ويتوسع فيه، فيبسط ذلك الموضع حتى يستوفي الكلام حوله، ولو بلغ خمس عشرة دقيقة أو عشرين دقيقة أو ثلاثين دقيقة حتى يبلغ ويأتي بالأمثلة والأدلة والتعليلات والتحذير من المخالفة وما أشبه ذلك، فإذا تكلم -مثلاً- على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ذكر الأدلة، وذكر الأمثلة، وذكر المصالح التي تترتب على ذلك، وذكر المفاسد التي تنجم عن التهاون بذلك، وذكر الكيفية التي يستعملها، ومتى يكون المكلف أهلاً لهذه الوظيفة وما أشبه ذلك.

    وإذا تكلم على الدعوة إلى الله تعالى تكلم على الأدلة، وتكلم على الحكم والمصالح، وتكلم على الأساليب، وتكلم على الأهلية التي يكون بها أهلاً لأن يدعو إلى الله، وما أشبه ذلك.

    وقد يكون الخطيب مستحضراً لكثير من الأدلة، وقد لا يستحضر إلا بعضها، ولكل مقام مقال.

    1.   

    حكم رفع اليدين في دعاء خطبة الجمعة

    السؤال: هل للإمام أن يرفع يديه في خطبة الجمعة للدعاء، وكذلك المأمومون هل لهم ذلك؟

    الجواب: يرفعون أيديهم إذا رفع الإمام، والحديث عام، وهو قوله (إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) ، و(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء)، وأن رفع اليدين من باب الاستجداء والاستعطاء من الله تعالى فهو سبب للعطاء، وما دام كذلك فإن الإمام يرفع يديه، والمأمومون يرفعون أيديهم للتأمين، وهذا هو الصحيح.

    وأما الحديث الذي يستدل به من ينهى عن ذلك، وهو أن بعض الصحابة دخل ورجل من بني أمية يخطب وهو يحرك يديه، فقال: (قبح الله هاتين اليدين؛ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك إلا إصبعه) يعني: للتشهد.

    فنقول: فعل هذا الخطيب ليس في الدعاء، إنما هو في أثناء الخطبة، وهو يحرك يديه بكثرة، يحرك يديه من باب الاهتمام بالأمر، فأنكر عليه كثرة مد اليدين ورفعهما وتحريكهما، فذكر أنه عليه الصلاة والسلام في أثناء الخطبة إنما كان يحرك إصبعه للتشهد، وليس رفع اليدين للدعاء تحريكاً، إنما الذي أنكر هو التحريك الذي هو مستمر باطراد بيديه.

    1.   

    وقت الامتناع عن الكلام في خطبة الجمعة

    السؤال: متى تبدأ فترة النهي عن الحديث وقت صلاة الجمعة؟

    الجواب: عند ابتداء الخطبة، إذا ابتدأ الإمام يخطب الخطبة الأولى فبعد ذلك يلزم المأمومين أن ينصتوا، وأن يقطعوا الحديث، وأن لا يتكلم أحد بأدنى كلمة، حتى ولو كانت أمراً بالمعروف ونحو ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك: أنصت. والإمام يخطب، فقد لغوت)، وكلمة (أنصت) لفظة واحدة، وهي أمر بخير، ومع ذلك جعلها لغواً، والحكمة في ذلك: أن الخطيب يوجه كلماته إلى الحاضرين، فيجب أن يكون كل من الحاضرين منصتاً لما يوجه إليه مصغياً بأذنيه، لا يتحرك لسانه، ولا تتحرك يداه حركة تشوش عليه أو تسبب غيبة فكره، ولأجل ذلك قال: (ومن مس الحصى فقد لغا)، وكان المسجد فيه حصا وليس مفروشاً، فكان أحدهم إذا جلس أخذ يمسح الحصى ويسويه، فجعل ذلك -أيضاً- من اللغو ومن العبث، وكل ذلك لأجل أن لا يكون هناك حركة تشوش على المصلي.

    1.   

    تحية المسجد يوم الجمعة قبل وقت الظهر

    السؤال: إذا دخلت المسجد والإمام يخطب قبل دخول وقت الظهر بعشر دقائق هل أجلس أو أصلي ركعتين؟

    الجواب: يوم الجمعة ليس فيه نهي، ولأجل ذلك يؤمر بأن يصلي كل من دخل، كما في الحديث، فإنه لما دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ورآه قد جلس -وهذا الرجل اسمه سليك الغطفاني - قال له: (أصليت يا سليك ؟ قال: لا. قال: قم فاركع ركعتين)، ولو لم تزل الشمس، ولو كانت في وسط النهار، أي: عندما يقوم قائم الظهيرة، فيصلي كلما جاء، سواء في وقت النهي أو بعده أو قبله، يصلي تحية المسجد، أو يصلي ما كتب له.

    والصلاة قبل الجمعة مرغب فيها، ففي الحديث الذي في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة، ولبس أحسن ثيابه، ومشى ولم يركب، وأتى إلى المسجد، وصلى ما كتب له كان ذلك كفارة لما بينه وبين الجمعة الآتية)، فأباح له أن يصلي ما كتب له، ولو عشر ركعات أو عشرين ركعة، ولم يحدد له عدداً.

    1.   

    إذا وصل المسافر إلى بلده وقت الجمعة وقد صلاها ظهراً

    السؤال: ما الحكم فيمن كان مسافراً يوم الجمعة إلى بلده فصلى الجمعة ظهراً في سفره، ثم وصل إلى بلده قبل خروج وقت صلاة الجمعة؟

    الجواب: ما دام أنه لم يأت إلا بعد صلاة الجماعة تجزئه صلاة الظهر التي صلاها ولو قصراً، إنما تلزمه إذا جاء قبل أن تصلى، فيلزمه أن يتوجه إلى المسجد ويصليها مع الحاضرين، ولا يجزئه صلاته قبل ذلك، والأصل أن المسافر لا يصلي الصلاة إذا كان قد قرب إلى بلده إلا بعد أن يصل، أو أن يخشى خروج الوقت، فإذا أقبل -مثلاً- إلى الرياض من المنطقة الشرقية -مثلاً- وزالت الشمس، وبينه وبين الرياض -مثلاً- ساعة فله أن يصلي الظهر قصراً هناك، فيصليها ظهراً، ويأتي بعد أن تصلي الجمعة ويخرجوا من المساجد بنصف ساعة أو بساعة أو نحو ذلك، ولا يقال له: إن الوقت لا يزال وقت الجمعة؛ إذ كيف يصلي جمعة وهو وحده؟ بل تجزيه صلاة الظهر قصراً.

    1.   

    الإمام والتبكير إلى المسجد

    السؤال: علمنا ما للمأموم من التبكير في صلاة الجمعة من فضل في الساعة الأولى أو الثانية أو غيرها، فما للإمام؟ هل يلزمه أن يأتي ويدخل المسجد، أم ماذا يفعل حتى يحصل على ذلك الأجر؟

    الجواب: لا يلزمه، فإذا تأهب لذلك واستعد واشتغل بما يشتغل به المأمومون من قربات أو صلوات ولو كان في بيته مستعداً لذلك فهو على أجر، وله هذا الأجر، ويجوز أن يأتي ويقف في الصف الأول مبكراً، ويشتغل بالصلوات، ويشتغل بالقربات وبالقراءة إلى أن يحين وقت الخطبة، ثم يبدأ فيخطب، ويعتقد كثير من العامة أنه لا يجوز لإمام أن يدخل إلا وقت الصلاة، ويقولون: إن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم. نقول: النبي عليه الصلاة والسلام كان بيته في داخل المسجد، فهو في حكم المسجد، فيجلس فيه إلى أن يحين وقت الإقامة أو وقت الخطبة، ثم يأتي فيقصد المنبر أو المحراب للصلاة، فيكون حكمه حكم من هو في داخل المسجد.

    فعلى كل حال إذا رأى الإمام من المصلحة أن يجلس في بيته متأهباً مغتسلاً مشتغلاً بقراءة أو مشتغلاً بقربة أو بصلاة نفل فهو على خير وله أجر، وإن رأى أن يأتي إلى المسجد ويجلس في جانب أو حجرة من حجره أو في صف من صفوفه ويشتغل بالقرب فله أجر إن شاء الله.

    1.   

    الاكتفاء بالغسل عن الوضوء

    السؤال: مكلف عليه الوضوء فاغتسل، فهل يجزئ هذا الغسل عن الوضوء؟

    الجواب: يجزئ مع النية والترتيب، والنية أن ينوي رفع الحدث الأصغر والأكبر، والترتيب أن يبدأ بالمضمضة وغسل وجهه بعد الاستنجاء مثلاً، ثم بعد ذلك يغسل يديه، ثم بعد ذلك يغسل رأسه، ثم من رأسه يغسل بقية بدنه حتى يغسل قدميه آخر ما يغسل، فيكون قد رتب، فبدأ بوجهه ثم يديه ثم رأسه ثم عنقه ثم منكبيه ثم بطنه وظهره ثم فخذيه ثم ساقيه ثم قدميه، فيكون قد رتب، وهذا الترتيب لازم في الوضوء، فالترتيب ركن من أركان الوضوء.

    وهذا هو الصحيح، وهناك قول أنهما يتداخلان، فإذا نوى رفع الحدث الأكبر دخل فيه الأصغر، والأصغر هو الوضوء، والأكبر هو الغسل، فيقول بعض العلماء -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -: إنه لا يجب الوضوء مع الغسل، بل يكفي ويدخل الوضوء في الغسل.

    1.   

    عدد خطب العيد وحكم صيام أيام التشريق

    السؤال: الخطبة في العيدين هل هي واحدة أو اثنتين؟ وما حكم صيام أيام التشريق؟

    الجواب: مشاهد أن خطبة العيد خطبتان، يخطب في كل عيد خطبة ثم يجلس ثم يخطب خطبة، لا خلاف في ذلك، ثم بعد ذلك تنتهي، وبانتهاء الخطبة تنتهي الصلاة ويدخل وقت ذبح الأضاحي.

    أما الصيام فإنه حرام أن يصوم يوم العيد، سواء عيد الفطر أو عيد الأضحى، أما أيام التشريق فالصحيح -أيضاً- أنه حرام صيامها، إلا في مكة لمن لم يجد الهدي واحتاج إلى أن يصوم ثلاثة أيام بمكة فله أن يصوم أيام التشريق: يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فأما غير أهل مكة فليس لهم أن يصوموها؛ وذلك لأنها بقية أيام العيد، والناس فيها يأكلون من أضاحيهم ومن نسكهم، ولهذا علل النهي عن صوم يوم العيد في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: يوم عيد الفطر الذي تفطرون فيه من صيامكم، وعيد النحر الذي تأكلون فيه من نسككم، ولا شك أن الثلاثة هي أيام ذبح وأيام نسك، فنهي عن صيامها حتى يتمكن الناس من أن يأكلوا فيها ويذكروا الله عز وجل على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.

    والله تعالى أعلم.

    1.   

    توجيه المحتضر إلى القبلة

    السؤال: ذكر الشارح رحمه الله أن المحتضر يوجه إلى القبلة، فهل هذا مشروع؟

    الجواب: هو مشروع، ودليله ما روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عد كبائر الذنوب ذكر منها استحلال الكعبة، وقال: (كبائر الذنوب قول الزور، وشهادة الزور، والشرك بالله -إلى أن قال:- واستحلال القبلة قبلتكم أحياءً وأمواتاً)، فمن قوله: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) أخذوا من ذلك انه إذا احتضر يوجه إلى القبلة، يكون وجهه إلى القبلة حتى تخرج روحه وهو على أحسن الحالات وأفضلها، فيموت موجهاً إلى القبلة التي يتوجه إليها وهو يصلي، فهذا دليله (قبلتكم أحياءً وأمواتاً) .

    وقد روي -أيضاً- عن حذيفة أنه لما حضره الموت قال: وجهوني. أو روي عن غيره من الصحابة أنهم كانوا يأمرون المحتضر أن يوجه إلى القبلة حتى تخرج روحه وهو على تلك الحال، وقد أنكر ذلك -أيضاً- بعض السلف كـسعيد بن المسيب ، ولعله لم يبلغه الأثر.

    وعلى كل حال فمشروع توجيهه إلى القبلة حتى يموت على أحسن حال.

    1.   

    حكم صلاة العيدين

    السؤال: ما هو القول الراجح في حكم صلاة العيدين؟

    الجواب: الراجح -كما هو قول الجمهور- أنها فرض كفاية، ولكنها من الفروض المؤكدة، حيث جاء فيها هذا التأكيد والأمر للنساء، فقد روي أن عائشة رضي الله عنها في آخر حياتها قالت: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل.

    كأنها رأت أن النساء في زمانها قد حصل منهن شيء من التبرج أو التجمل الذي تحصل به الفتنة في زمانها الذي هو القرن الأول، فقالت: إن هذا الذي هو تجمل وتطيب ولبس لأحسن الثياب ولبس لكامل الحلي وما أشبه ذلك مما تحصل به الفتنة، وخروجها -والحال هذه- تحصل به مفسدة؛ حيث إن الناس لابد أن ينظروا إليها، سيما إذا كان يجمعهن بالرجال طريق واحد أو نحو ذلك، فهذا دليل على أن عائشة فهمت أن أمر النساء الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ذوات الخدور وإخراج الأبكار والمخدرات ونحوهن أن ذلك لمناسبة وأنه لا يدل على الوجوب.

    1.   

    ما يحصل به الركن من ركوعي صلاة الكسوف

    السؤال: لو دخلت في صلاة الكسوف وقد رفع الإمام من الركوع الأول من الركعة الأولى، فهل أكون قد لحقت تلك الركعة؟

    الجواب: الصحيح أن الركن يحصل بالركعة الأولى، فالركوع الأول هو الركن الذي هو من أركان الصلاة، والقيام الثاني يعتبر سنة، والركوع الثاني يعتبر -أيضاً- سنة، والسنة لا تقوم مقام الركن، ولأجل هذا يجوز -عند بعض العلماء- عدم تكرار الركوع، فيجوز أن يصليها بركوع واحد كصلاة الفجر، إلا أنه يطيل فيها الأركان، فما دام أن الركوع الأول هو الركن فمن أدركه أدرك الركعة، ومن فاته فاتته تلك الركعة، فيقوم ويقضيها، ولو أدرك القيام الثاني والركوع الثاني أي: فاته القيام الأول والركوع الأول، لكن أدرك القيام الثاني وأدرك الركوع الثاني وأدرك الرفع وأدرك السجدتين ورجع فلابد أنه يقضي؛ لأنه فاته القيام الأول وفاته الركوع الأول، فهو بمنزلة الركوع في صلاة الفجر.

    1.   

    سهو المصلي في الكسوف عن الركوع الثاني

    السؤال: إذا سها الإمام في صلاة الكسوف فركع ركوعاً واحداً ثم سجد، فهل يفعل في الركعة الثانية مثل الأولى، أم أنه يأتي بالصيغة الواردة ثم يسجد للسهو؟

    الجواب: ذكرنا أن بعض العلماء أجاز أن يقتصر على ركوع واحد، وأن تكون كصلاة الفجر، إلا أنه يطيلها، ولكن هذا خلاف السنة، حيث ورد التكرار تكرار كل ركوع، وتكرار الركوع الأول في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، يكرره مرتين أو ثلاثاً كما ذكرنا.

    ولا سجود عليه إذا اقتصر على ركوع، لكن لو كان ذلك عن غفلة أو عن نسيان فإنه يسجد؛ وذلك لأنه أخلف الصلاة عما كان عزم عليه، فلو دخل على أنه سيجعل الركعة الأولى بركوعين، ولكنه لما رفع من الركوع الأول نسي أن يقرأ فسجد بعدما قال: (ربنا ولك الحمد) واستمر في سجوده سجدتين، وقام للركعة الثانية، وقرأ فيها ثم ركع، ثم رفع وقرأ ثم ركع، ثم رفع وسجد، فأتى في الركعة الثانية بركوعين وبقيامين، والركعة الأولى ليس فيها إلا قيام وركوع، فجائز ذلك، وعليه السجود لكونه لم يأتِ بما عزم عليه وسها وفعل شيئاً نسياناً.

    1.   

    الخطبة لصلاة الخسوف

    السؤال: هل يشرع لصلاة الخسوف خطبة؟

    الجواب: لا يشرع لها الخطبة التي تشرع في خطبة العيد أو في خطبة الجمعة، ولكن يشرع بعدها موعظة وتذكير لما يفعل في هذه الصلاة، وكذلك بأسبابها، وكذلك بنتائجها، فيذكرهم الخطيب الذي هو الإمام ويعظهم، ويحثهم في مثلها على أن لا يتهاونوا بآيات الله، وأن يسارعوا إلى الصلاة التي وجد لها سبب، فأما أن يصعد المنبر ويخطب خطبة مبتدأة بالحمد وبالشهادة وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالوصية بتقوى ونحو ذلك فلا يشرع ذلك؛ لأنه لم يرد إلا موعظة بعدها.

    1.   

    صلاة حراس المسلمين متناوبين

    السؤال: هل يجوز للجنود في مواجهة العدو أن يصلوا مجموعتين، كل مجموعة بإمامهم، على أن تحرس كل مجموعة الأخرى في أثناء صلاتهم؟

    الجواب: إذا كانوا مضطرين إلى الحراسة، فيجوز لهم ما دام أن معهم من يصلح إماماً، فلا بأس أن يصلوا جماعتين أو جماعات على قدر الحاجة، والأولى أن يتركوا أقل عدد يمكن قيامهم بالحراسة، فإذا كان الجنود -مثلاً- ألفاً، وفي الإمكان أن يقوم بالحراسة كاملةً مائة، فإن تسعمائة يصلون الصلاة في وقتها خلف إمام، والبقية الذين يحرسون إذا جاء أولئك يصلون خلف إمام آخر، فلا بأس أن ينقسموا إلى قسمين، فإذا كانت الحراسة لا يكفيها مائة ولابد من أكثر ولو خمسمائة انقسموا قسمين، فيصلي خمسمائة ويحرس الباقون، ثم يصلي الباقون ويحرس الذين قد صلوا.

    وعلى كل حال إذا كان هناك عمل مهم يحتاج إلى حراسة وإلى مراقبة له فإنه يجعل فيه من يكفي ويصلي الباقون.

    وكثيراً ما يذكر لنا بعض الذين يلازمون الحراسة أنه يمضي عليهم وقت أو وقتان وهم ملازمون للحراسة، وأن ذلك يلزمون به من قبل رؤسائهم ومدرائهم، فنقول لهم: ما دام كذلك فإذا دخل الوقت ورأيت واحداً منهم قد صلى ففي الإمكان أن يأتي مكانك عشر دقائق حتى تصلي، كما لو احتجت إلى المرحاض أو إلى الحمام للتخلي فإنك تأتي بواحد يقوم مقامك، فكذلك وقت الصلاة الذي لا يستغرق أكثر من عشر دقائق على الأكثر، فتأتي بواحد يقوم مقامك، وإذا كان لا يكفي واحد تأتي باثنين أو بعشرة حتى يؤدوا الواجب، وحتى تؤدي الصلاة في وقتها، فأما أن تستمر في الحراسة حتى يخرج الوقت فإن هذا لا يجوز، فلابد من أداء الصلاة في وقتها ما دام هناك تمكن.

    1.   

    حكم سجود السهو للنافلة

    السؤال: هل يلزم سجود السهو للمتنفل كالمفترض، فلو قام المتنفل إلى ثالثة سهواً ثم رأى أن يتنفل بأربع فما حكم فعله؟ وهل يسجد للسهو؟

    الجواب: ما دام أنه دخل بنية ركعتين فإذا قام للثالثة وتذكر أنها ثالثة قطعها وجلس، حتى ولو ركع، وحتى ولو رفع، فساعة أن يتذكر أنها ثالثة يجلس؛ لأنه دخل على أن نيته ركعتان، ثم إذا تشهد سجد للسهو ثم سلم.

    1.   

    ما يفعله المسبوق إن سها إمامه

    السؤال: كيف يعمل المأموم المسبوق الذي سها إمامه سهواً لا يعلمه -أي: قبله- أو يعلمه، سواء أكان سجوده قبل السلام أم بعده؟

    الجواب: المأموم يتابع إمامه، سواء أكان مسبوقاً أم مدركاً، فيسجد معه بسجوده، ولو كان السهو قد سبقه، وورد في كلام الفقهاء: لا سهو على مأموم إذا كان خلف الإمام، وإذا سها الإمام سجد المأموم معه تبعاً له.

    فالحاصل أنك إذا أتيت والإمام عليه سجود سهو فاسجد معه، حتى لو كان السهو في الركعة التي سبقتك اسجد معه، وإذا كان السجود قبل السلام فإنك تسجد معه ثم تقوم بعدما يسلم وتكمل ما فاتك.

    أما إذا كان السجود بعد السلام فإذا قمت وأنت لا تدري أن عليه سجوداً فلك الخيار أن ترجع إذا رأيته سجد وتسجد معه، ثم إذا سلم مرة ثانية قمت لإكمال ما سبقك، أو تستمر على انفرادك، وإذا كان في آخر صلاتك تسجد للسهو عوضاً عما فاتك من سجودك مع إمامك، ولكن الأولى أنك إذا قمت لتأتي بالركعة التي فاتتك بعدما سلم الإمام، ثم سجد أو تذكر أن عليه سجود وسجد أن ترجع حتى ولو كنت واقفاً، فارجع واسجد معه سجدتين، وإذا سلم الثانية فقم.

    1.   

    المساواة بين يمين الصف ويساره في العدد

    السؤال: هل يشرع تعديل عدد المأمومين من يسار الصف كعددهم من اليمين؟ وهل يشرع تفريق الصبيان في الصلاة؟

    الجواب: نعم، ورد في حديث: (وسطوا إمامكم) ، فالأولى أن يكون الإمام في الوسط، ولكن على كل حال الصف الأيمن أفضل تفضيلاً لليمين، والقرب من الإمام أفضل، فأنت إذا رأيت في الصف الأيمن عشرين، ورأيت في الصف الأيسر عشرة فالأفضل أن تكون في الناقص؛ حتى تكون أقرب إلى الإمام وتعدل الصف.

    والأفضل للإمام أن يجعل بعض العدد في الأيسر، وإذا كان في الصف الأيمن -مثلاً- زيادة اثنين أو ثلاثة يتسامح في ذلك، هذا بالنسبة إلى تعديل الصفوف.

    أما بالنسبة إلى الأطفال فالذين دون السابعة الأولى أن لا يدخلوا في الصف الأول؛ لأنهم لم يكلفوا ولم يؤمروا، والذين قد أكملوا السابعة يجوز، ولكن الأولى أن لا يقربوا من الإمام، وأن يكونوا في أطراف الصفوف؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) يعني: أهل العقول الكاملة هم الذين يقربون من الإمام.

    ثم إذا صف هؤلاء الأطفال ولو فوق العاشرة أو قريباً منها فالغالب أنهم إذا كانوا مجتمعين يحصل منهم شيء من الحركة التي تشوش على من بجانبهم، فالأولى تفريقهم حتى تخف حركتهم أو يخف عددهم.

    1.   

    حكم الصلاة على الميت بعد دفنه

    هل تجوز الصلاة على الميت وهو مدفون في القبر؟ وما هي المدة التي يجوز فيها الصلاة عليه وهو فيه؟

    الجواب: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بعد دفنها بشهر، وأيضاً صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد، صلى عليها بعدما دفنت بمدة ولا يدرى كم هي، وصلى على أهل أحد بعد موتهم بثماني سنين، فدل على أنه يجوز أن يصلي الإنسان على القبر ولو بعد مدة، حتى ولو كان الإنسان قد صلى عليه إذا كان القصد من الصلاة هو الدعاء للميت والترحم عليه.

    لكن الأفضل أنه إذا زار الميت أو زار الأموات أن يدعو لهم وأن يترحم عليهم، لكن إذا وجد ميتاً جديداً، أو عرف أن فلاناً مات ولم يحضره، فحضره وصلى عليه، فله أجر على هذه الصلاة إن شاء الله.

    والله سبحانه وتعالى أعلم.

    1.   

    حكم دخول المسجد بكتب فيها صور

    السؤال: يوجد في بعض الكتب التعليمية شيء من التماثيل والصور، فهل يجوز أن ندخل بها إلى المسجد أو إلى المكتبة للمذاكرة وغير ذلك؟ وهل تجوز الصلاة بالملابس التي فيها شيء من التصاوير؟

    الجواب: قد رخص في هذه الصور بعض العلماء، وادعوا أنها لا يصدق عليها التصوير الذي ورد في الأحاديث نحو: (كل مصور في النار) ، (من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ) ، فرخصوا في ذلك وجعلوها مباحة، ولكن الذي تطمئن إليه النفس أنها داخلة في الصور المنهي عنها، هذا هو الأصل، ولكن يدعى أنها كثرت وانتشرت وعمت بها البلوى، فأصبحت في كل شيء بحيث لا يسلم شيء من المستعملات غالباً منها ، ولكن يحرص الإنسان على إخفائها، فإذا اشترى صحيفة -مثلاً- أو مجلة أو كتاباً مدرسياً أو نحو ذلك وفيه شيء من هذه الصور، فإن استطاع أن يطمس وجوهها فهو الأفضل، وإن كثرت ولم يستطع ذلك فالحيلة في ذلك أن يخفيها ويجعل فوقها شيئاً يسترها حتى لا تكون بارزة ظاهرة، فالإثم قد يكون في إظهارها، أو في نصبها في الستائر أو على الحيطان أو نحو ذلك، بخلاف ما إذا كانت مخفية، فلعل ذلك يكون أخف لشأنها.

    وفي الجملة من استطاع أن يمحوها أو يخففها فهو أفضل، ومن كثرت عليه حرص على أن يخفف منها ما استطاع.

    1.   

    إرجاع حقوق المسلمين وكيفيته

    السؤال: إذا سرق شخص ثم تاب وأراد أن يرجع ما سرق، لكن لا يستطيع لعدم وجود المال إلا ما يكفيه لحاجته، ونيته أن يسدد ولكن قليلاً قليلاً، فما الحكم في ذلك؟

    الجواب: ما لا يدرك كله لا يترك جله، فيفعل من ذلك ما يستطيع، فإذا كان عنده حقوق كثيرة ومظالم، ولكنه فقير حرص على أن يستبيح من أهلها، فإن لم يفعلوا حرص على أن يعطيهم ما لديه ويعدهم خيراً، ويخبرهم بأنه سوف يعطيهم إذا وجد، وكلما تيسر له أو جمع شيئاً من المال دفعه إليهم، ويكون على نيته إلى أن يدفع ما عنده لهم بكامله، أو يعفوا عنه.

    1.   

    إذا خشي السارق بعد توبته حصول مشكلة عند إعلام المسروق منه

    السؤال: من سرق مالاً وأراد أن يرجعه لكنه خشي أنه إذا علم أنه سرق منهم تحصل هناك مشكلة، فماذا يفعل؟

    الجواب: يحرص على أن يوصل المال إليهم ولو بطريق غير مباشرة، كأن يعطيه إنساناً مجهولاً ويقول: هذا لفلان. أخبره بأنه حقه، ولا تخبره بمن أعطاكه، أو يدخله مع أموالهم، أو ما أشبه ذلك، فيحرص على أن يوصله إليهم بأية طريق، وإن لم يخبرهم أنه مسروق منهم أو أنه سرقه أو نحو ذلك مخافة أن يسيئوا به الظن، أو أن يرفعوا بأمره أو ما أشبه ذلك.

    1.   

    قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام

    السؤال: متى يقرأ المأموم الفاتحة؟ هل يستمع لقراءة الإمام للفاتحة ثم إذا انتهى شرع هو فيها، أم أنه يشرع فيها مع الإمام لاسيما إذا كان الإمام لا يطيل السكوت بعد الفاتحة بالقدر الذي يكفي للمأموم قراءة الفاتحة؟

    الجواب: في ذلك خلاف، فمن العلماء من يقول: يتحملها الإمام، ولا قراءة على مأموم، وروي في ذلك حديث فيه مقال: (من كان له إمام فقراءته له قراءة) ، واستدلوا بقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، وإن كان هذا في الصلاة الجهرية، وبالحديث في قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)، فكل ذلك دليل على أنه ينصت المأموم ويستمع لقراءة إمامه ولا يقرأ مع قراءته، فهذا مذهب من المذاهب في أن الإمام يتحمل القراءة، وإنما تستحب إذا سكت، فإن كان له سكتات قرأ في سكتاته، وإلا أنصت لقراءته ولم يقرأ معه.

    والمذهب الثاني أنه يقرأ الفاتحة ولا تسقط عنه، وصنف في هذا المذهب البخاري كتابه المعروف المسمى بـ(القراءة خلف الإمام) وشدد في ذلك، حتى إنه أبطل ركعة الذي لم يدرك الفاتحة، فإذا أتى والإمام راكع ولم يدرك الفاتحة قال: لا تصح صلاته ولا يعتد بتلك الركعة.

    وهذا قول فيه شيء من التشدد، ولعله يقال: إنها تتأكد. واستدل الذين قالوا بذلك بالحديث عن أبي هريرة لما حدث بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج. فقال رجل: إني أحياناً أكون خلف الإمام! فقال أبو هريرة : اقرأ بها في نفسك يا فارسي) أمره بأن يقرأ بها في نفسه.

    وكذلك استدلوا بحديث (أنه صلى الله عليه وسلم لما سمعهم مرة يقرءون، قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: إنا لنفعل. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، وهذا يؤكد ما ذهب إليه من اشترط قراءتها للمأموم، وعلى كل حال فتتأكد قراءتها إن سكت الإمام، وإذا لم يسكت واستطاع أن يقرأها -مثلاً- ولو في سكتاته بين الآيات أكملها بسرعة، وإذا لم يستطع ذلك قرأ منها ما تيسر وسكت عن بقيتها، ويتحملها الإمام إن شاء الله.

    1.   

    قراءة المأموم الفاتحة في النافلة والفريضة

    السؤال: هل هناك فرق بين النافلة والفريضة في قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام؟

    الجواب: الذي يصلي نافلة كصلاة التراويح خلف الإمام الأولى -أيضاً- أنه يسكت، ما دام أن الإمام غالباً ليس له سكوت، بل حين يفرغ من الفاتحة يشرع في السورة، فتسقط عنه ويتحملها الإمام ما دام أنه استمعها المأموم وأمن على دعائه.

    1.   

    شبهة في حديثين متعارضين

    السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج الله قوماً لم يعملوا خيراً قط)، فما المراد بالخير هنا؟ فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) ، والكافر مخلد في النار، وإذا صلى يكون قد عمل خيراً، بل الصلاة كل الخير، فما هو تفسير لفظ الحديث الأول، وكيفية الجمع بينهما؟

    الجواب: هؤلاء من الذين آمنوا وصدقوا ودخل الإيمان في قلوبهم، وعملوا من الأعمال الأساسية ولكنهم قصروا، فلأجل ذلك صار التقصير سبباً في نفي العمل عنهم، فكأنهم لم يعملوا، ولا شك أنهم مسلمون، ولا يتم إسلامهم إلا بأركان الإسلام، فقوله: (لم يعملوا خيراً قط) يعني أنهم لم يحملهم الإيمان الصادق على أن يعملوا نوافل ويعملوا حسنات ويعملوا طاعات سوى الأصول التي هي العقيدة وما ينجم عنها، هكذا حمل الحديث على أنهم أقاموا الواجبات ومن جملتها الصلوات، ولكنهم قصروا في تتماتها وتكملاتها.

    1.   

    الزكاة في مال المضاربة، وكيفية ضم النقدين

    السؤال: هل تجب الزكاة في حصة المضارب قبل القسمة إذا بلغت نصاباً؟ وما صورة ضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب؟

    الجواب: المضاربة هي كونك تعطي إنساناً مالك يتجر به، فإذا أعطيته -مثلاً- عشرين ألفاً واشترى بها بضائع على أن له نصف الربح ولك نصف الربح ويرد عليك رأس مالك، فبعد سنة أصبحت العشرون ثلاثين بأرباحها، فحصة العامل خمسة آلاف وحصة صاحب المال خمسة آلاف ورأس المال عشرون، فيزكي الجميع، فيزكي الثلاثين الألف، وتكون الزكاة من الجميع، من الربح ومن رأس المال، فهذا صورة المضاربة وصورة الزكاة فيها.

    أما الذهب والفضة فيقول الفقهاء: يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، وتضم قيمة العروض إلى كل منهما، فيقولون -مثلاً-: إذا كان عنده عشرة دنانير نصف نصاب من الذهب، وعنده مائة درهم، نصف نصاب من الفضة، فقد بلغ المجموع نصاباً -نصف ونصف-، وعليه الزكاة.

    وإذا قلنا -مثلاً-: إن الزكاة في القيمة نقدر الذهب كم يساوي بالفضة، فإذا بلغ قيمة نصاب الفضة فعليه الزكاة، هذا هو الأرجح، أنه يثمن الحلي كم يساوي بالدراهم، فإذا بلغ قيمة النصاب بالفضة فعليه الزكاة.

    1.   

    المرأة والنفاس

    السؤال: المرأة النفساء إذا انتهت مدة الأربعين يوماً دون أن يتوقف الدم هل تصلي أم تنتظر توقف نزول الدم؟ وإذا توقف الدم قبل انتهاء الأربعين ثم عاودها مرة أخرى فما الحكم؟ والرطوبة التي تخرج من المرأة هل هي نجسة أم طاهرة؟

    الجواب: ما دام أن المرأة لم ينقطع عنها الدم فإنها لا تزال في نفاس، ولو وصلت الأربعين والخمسين، وذلك لأن هذا الدم محتجر في الرحم أيام الحمل، فإذا وضعت يخرج متتابعاً، والعادة أنه لا يصل إلى الأربعين، بل ينقطع قبلها، ولكن قد يزيد عن الأربعين، فإذا زاد عن الأربعين وهو على حالته لم يتغير أوله وآخره فإنه نفاس، أما إذا انقطع بعد ثلاثين، ورأت الطهر واليبس واغتسلت وصلت ثم رجع إليها في آخر الأربعين أو بعد الأربعين، وليس في مدة الحيض ولا في زمنه فتعتبر هذا دم فساد، ولا يردها عن الصلاة، وكذلك إذا انقطع ولم يبق معها إلا ماء، فكثير من النساء يخرج منهن في آخر النفاس ماء أو شبه ماء أو صديد أو نحو ذلك، فتعتبر هذا نجاسة وليس حيضاً ولا نفاساً، فلا يردها عن الصلاة، ولكن تعتبره نجساً، فتتطهر منه كما تتطهر من سائر الخارج من السبيلين، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756232809