إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [74]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أوجب الله النفقة على الزوجة والولد، وأمر بالإحسان إليهما، وإذا اختلف الزوجان وبينهما طفل فافترقا فإن الشرع لم يترك الطفل معرضاً للضياع؛ بل أوجب حضانته ورعايته، وجعل لذلك قانوناً معروفاً في تقديم الأحق بالحضانة، حتى لا يضيع الطفل ويترك.

    1.   

    بقية أحكام النفقة على الأقارب

    قال رحمه الله تعالى:

    [وتسقط بمضي زمن ما لم يفرضها حاكم أو تستدن بإذنه، وإن امتنع من وجبت عليه رجع عليه مُنفقٌ بنية الرجُوع، وهي على كُل بقدر إرثه، وإن كان أبٌ انفرد بها.

    وتجبُ عليه لرقيقه ولو آبقًا وناشزًا، ولا يُكلفُهُ مشقاً كثيرًا، ويُريحُهُ وقت قائلةٍ ونومٍ ولصلاة فرضٍ، وعليه علفُ بهائمه وسقيُها.

    وإن عجز أُجبر على بيعٍ أو إجارةٍ، أو ذبح مأكُولٍ، وحرُم تحميلُها مُشقاً ولعنُها وحلبُها ما يضُر بولدها، وضربُ وجهٍ ووسمٍ فيه، ويجُوزُ في غيره لغرضٍ صحيحٍ.

    فصل

    وتجبُ الحضانةُ لحفظ صغيرٍ ومجنُونٍ ومعتُوهٍ.

    والأحق بها أُمٌ، ثُم أُمهاتُها القُربى فالقُربى، ثُم أبٌ، ثُم أُمهاتُهُ كذلك، ثُم جد، ثُم أُمهاتُهُ كذلك، ثُم أُختٌ لأبوين، ثُم لأم، ثُم لأبٍ، ثُم خالةٌ، ثُم عمةٌ، ثُم بنتُ أخٍ وأُختٍ، ثُم بنتُ عم وعمةٍ، ثُم بنتُ عم أبٍ وعمته على ما فُصل، ثُم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب، وشُرِط كونُهُ محرمًا لأنثى، ثُم لذي رحمٍ، ثُم لحاكمٍ.

    ولا تثبت لمن فيه رق، ولا لكافرٍ على مُسلمٍ، ولا لفاسقٍ، ولا لمُزوجةٍ بأجنبي من محضُونٍ من حين عقدٍ.

    وإن أراد أحدُ أبويه نقلة إلى بلدٍ آمنٍ، وطريقه مسافةُ قصرٍ فأكثر ليسكُنهُ، فأبٌ أحق، أو إلى قريبٍ للسكنى فأُم، ولحاجةٍ مع بُعدٍ أو لا فمُقيمٌ.

    وإذا بلغ صبي سبع سنين عاقلاً خُير بين أبويه.

    ولا يُقر محضُونٌ بيد من لا يصُونُهُ ويُصلحُهُ.

    وتكُونُ بنتُ سبعٍ عند أبٍ، أو من يقُومُ مقامهُ إلى زفافٍ].

    متى تسقط النفقة على الأقارب بمضي الزمان

    النفقة: هي تأمين القوت والغذاء لمن تجب عليه نفقته، وقد عرفنا أن نفقة الأقارب إنما هي سد الحاجة والفاقة، وليست معاوضة؛ ولهذا تسقط بمضي الزمان، بمعنى أنه إذا لم ينفق في مدة مضت فليس للمنفق عليه مطالبته، مثال ذلك: إذا وجبت عليه النفقة لأبويه، ولم ينفق لغيبة أو لانشغال، ومضى عليهما شهر وهو لم ينفق عليهما، وقد أنفق عليهما بعيد أو سألا، ثم جاء ابنهما، فليس لهما مطالبته بنفقة ما مضى.

    وكذلك لو غاب عن أولاده، وأنفقوا على أنفسهم، أو أنفق عليهم متبرع، فإذا جاء بعد شهر أو بعد شهرين فليس لهم مطالبته بنفقة ما مضى.

    وكذلك نفقة الإخوة لأب أو لأبوين أو لأم، إذا ترك الإنفاق عليهم، إما لسوء معاملة، وإما لغيبة، ثم جاء بعد شهر أو شهرين، قد يقول أخوه: أعطني نفقة الشهرين الماضية، فإني اقترضت، أو سألت الناس، أو تكلفت واحترفت. فليس له أن يطالبه بنفقة الشهر الماضي أو الأشهر الماضية؛ لأن النفقة إنما هي سد فاقة، وقد حصل.

    وذكروا من ذلك نفقة المرأة الحامل إذا طلقها ثلاثاً؛ فإن النفقة تسقط بمضي زمان؛ لأن النفقة لأجل الحمل، فإذا قالت: تركت الإنفاق علي، والله يقول: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6] وأنت تركت الإنفاق علي خمسة أشهر أو عشرة أشهر، أعطني نفقة الماضي. لا تطالبه بذلك؛ لأنها نفقة قريب، وهي تسقط بمضي الزمان.

    وكذلك نفقة بقية الأقارب تسقط بمضي الزمان.

    الرجوع على القريب في النفقة إذا أنفق الأجنبي بنية الرجوع

    يقول هنا: (وإن امتنع من وجبت عليه رجع عليه مُنفقٌ بنية الرجُوع).

    صورة ذلك: إذا امتنع الوالد من النفقة على أولاده؛ إما لإعسار؛ وإما لغيبة؛ وإما لسخط على أولاده، وقال: لا أنفق عليكم، موتوا جوعاً. ثم إن أحد الجيران أخذ ينفق عليهم ويحسب، أنفقت عليهم في شهرٍ كذا ألفاً، وفي الشهر الذي بعده ثمانمائة، وفي الشهر الذي بعده خمسمائة، ففي هذه الحال يطالبه، يقول: رأيتهم كادوا يموتون جوعاً، فرفقت بهم وأنفقت عليهم، وحسبت ما صرفته عليهم، صرفت عليهم كذا وكذا في خبز، وكذا وكذا في أرز، وكذا وكذا مثلاً في قهوة، وكذا وكذا في شاي، وكذا في كسوة، وكذا في لحم، الجميع ألف أو ألفان، فيطالبه، ويلزم الأب بأن يعطيه؛ لأنه أنفق بنية الرجوع، أي: ناوياً أن يرجع على والدهم.

    وهكذا غير الوالد، لو أن إنساناً تجب نفقته على أخيه الشقيق، ثم إن الأخ الشقيق الذي هو غني تغيب لمدة شهر، وكان هناك جار له أخذ ينفق عليه ويحسب: أنفقت الأسبوع الأول مائة، الأسبوع الثاني مائتين، الأسبوع الثالث مائة وخمسين، أخذ يحسب عليه، ولما جاء الأخ الذي هو غني قال جاره: أنا أنفقت على أخيك، وهذه أرقام الحساب الذي أنفقته، فأعطني لأني نويت الرجوع. فيلزم الأخ أن يعطيه؛ لأنه ناب عنه ناوياً الرجوع.

    أما إذا نوى التبرع، قال: هذا ضعيف، وليس عنده أحد الآن، وأخوه قد تغيب عنه، أو أخوه حسده وغضب عليه وقطع النفقة عنه، من أين يأكل؟ ومن أين يشرب؟ فرحمه إنسان وتبرع وأنفق عليه وصرف عليه ألفاً أو ألفين، فهل له أن يطالب بها؟

    ليس له ذلك؛ لأنه متبرع، نوى بالإنفاق عليه الأجر والرحمة به حتى لا يتضرر.

    كيفية توزيع النفقة على الأقارب

    وإذا وجبت النفقة على اثنين أو على ثلاثة أو أربعة فإنها توزع عليهم إن كانت درجتهم سواء، يدفعونها شهرياً أو سنوياً، فمثلاً: إذا كان الوالد فقيراً، وله أولاد خمسة كلهم أغنياء، والنفقة التي يحتاجها الوالد شهرياً ألف، فإنه يوزعها عليهم: كل واحد عليه مائتان، يدفعونها لأبيهم شهرياً.

    وإذا قال أحدهم: أنا أشتري بها لهم حاجات فله ذلك، كما إذا قال: أنا أشتري لهم بهذه المائتين قهوة، أو أشتري فاكهة، أو أشتري لحماً؛ لأنه مما يحتاجون إلى ذلك، فإن كان إرثهم متفاوتاً كابن وبنت، وكلهم أغنياء، والأب أو الأم فقير، فإنا نجعل على الابن ثلثي النفقة، وعلى البنت الثلث؛ لأن ميراثهم هكذا، وكذا إذا كانوا ورثة متفاوتين، فإذا كان إنسان فقيراً، وله أختان شقيقتان غنيتان، وله -أيضاً- أختان من الأم غنيتان، معلوم أن الأختين الشقيتين ترثان الثلثين، فعليهما الثلثان من النفقة، والأختان من الأم ترثان الثلث، فعليهما ثلث النفقة فتقدر النفقة، وتدفع هاتان الثلثين، وهاتان الثلث.

    فإن كانت هذه الأخت لها أختان شقيقتان، وأخت من الأم، وأم، وكلهم أغنياء، قسمنا نفقة هذه الأخت الفقيرة، فنجد أن على أمها السدس، وأختها من الأم السدس، وأختها الشقيقة الثلث، وأختها الشقيقة الأخرى الثلث، فتقوم أثلاثاً: على الأم والأخت، للأم الثلث، وعلى كل واحدة من الأختين الشقيقتين الثلث.

    فإذا كان هناك امرأة ولها أخت شقيقة، وأخت من الأب، وأخت من الأم، وأم، فإنا نوزعها عليهن فنقول: الشقيقة ترث النصف، فعليها نصف النفقة، والأخت من الأب ترث السدس، فعليها سدس النفقة، والأخت من الأم عليها سدس النفقة، والأم عليها سدس النفقة، أي: بقدر ميراثهن.

    يقول: (وهي على كُل بقدر إرثه، وإن كان أبٌ انفرد بها).

    أي: لو كان هناك رجل فقير، وله أب غني، وأم غنية، وزوجة غنية، فنفقته كلها على الوالد؛ لقول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ [البقرة:233] فإذا كان مأموراً بالإنفاق على زوجاته فكذلك على أولاده، فينفرد بالنفقة على أولاده، وهذا هو المعتاد: أن الوالد يجمع المال لينفقه على أولاده، فينفرد بنفقة الفقير منهم، ولو كان منهم أغنياء، فالولد الفقير يطلب النفقة من أبيه ولا يطلبها من أخيه، وإذا كان له أخ غني، وأب غني، فإن نفقته على الوالد، هذا هو المعتاد.

    1.   

    نفقة الرقيق وما يلزم السيد فيها

    انتهى ما يتعلق بالنفقة على الأقارب مع الاختصار، بقي ذكر النفقة على الرقيق الذي هو العبد المملوك، وقد ذكر المؤلف أنها تجب عليه لرقيقه؛ وذلك لأنه مملوك له؛ ولأنه يقول: أنفق علي واستخدمني، وإلا فبعني أو أعتقني.

    تجب عليه النفقة للرقيق، ولو آبقاً وناشزاً، والنشوز يكون من الأمة، إذا كان له أمة يملكها، ولكنها إذا أراد جماعها امتنعت، اعتبرت ناشزاً، فهل ينفق عليها؟ نعم؛ لأنها ملكه، أما الزوجة إذا نشزت سقطت نفقتها؛ لأن نفقتها معاوضة، وأما الأمة فإن نفقتها لأجل الملك، فينفق عليها ولو كانت ناشزاً.

    وينفق على العبد ولو أبق أي: هرب: لأنه لم يخرج عن ملكه، هذا بالنسبة للنفقة، وهي على المعتاد، ولكن يتأكد عليه أن يسويه بنفسه.

    تذكرون حديث أبي ذر الذي في الصحيح، ذكر أنه عير عبداً بأمه فقال له: يا ابن السوداء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه! إنهم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) يعني: قوله (إخوانكم خولكم) الخول: الخدم، جعلهم الله تحت أيديكم مماليك، والمملوك لا يستطيع أن يخرج من سلطة سيده، فهو مستولٍ عليه، مملوكة عليه منافعه، فلذلك لا يستطيع أن يتخلص، فتجب نفقته على سيده كما أنه يستخدمه. وإنما له أن يستخدمه فيما يطيقه.

    يقول في هذا الحديث: (جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تطعمون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم)، فلذلك امتثل أبو ذر ذلك، فرآه بعض الصحابة وعليه حلة، وعلى عبده حلة مثلها، فتعجبوا: كيف تساويه بنفسك؟ فأخبر بهذا الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطعموهم مما تطعمون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)، فكان يسكوه مثل كسوته.

    كذلك أيضاً ورد في الحديث: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه -أي: فليأكل- فإنه ولي حره وعلاجه، فإن لم يفعل فليناوله لقمة أو لقمتين)، العادة أن الخادم هو الذي يصلح الطعام لسيده، فإذا جاء به وقد ولي حره وعلاجه، فإن من الإنصاف أن يجلسه، يقول: اجلس وكل معي، ولو كان ذلك الطعام خاصاً، ومعروف أنه قد يصطفي لنفسه طعاماً خاصاً من أشرف الأطعمة وأحسنها، وعادة أنهم يجعلون للمماليك طعاماً يناسبهم؛ وهو من أدنى الطعام، فأحلى الخبز وأفضله وأحسنه يكون للسيد، وما دونه يكون للعبد، كذلك مثلاً إذا كان هناك لحم، فاللحم الحسن والثمين يكون للسيد، واللحم الهزيل أو رديء اللحم أو ما فيه عصب أو نحوه يعطيه المملوك، يقول: وإن لم تجلسه معك فناوله لقمة أو لقمتين من هذا الطعام الشهي.

    هذا بالنسبة إلى قوته وغذائه من الطعام والشراب والكسوة وما أشبه ذلك.

    قال: (ولا يُكلفُهُ مشقاً كثيرًا).

    يعني: من الأعمال، فلا يكلفه عملاً يشق عليه، فإذا كان مثلاً يشتغل في حرث فلا يشغله مثلاً عشرين ساعة أو خمس عشرة ساعة، فإن ذلك يشق عليه، وكذلك إذا كان يشتغل في ماشية يرعى ويسقي ويحلب ويريح، فلا يكلفه أيضاً عملاً شاقاً، وهكذا إذا كان يشتغل في تجارة فلا يكلفه أكثر من طاقته، كأن يشغله خمس عشرة ساعة أو اثني عشرة ساعة في الدكان، أو إذا كان في حرفة أن يشتغل معه في صنعة كورشة أو مصنع أو نجارة أو ما أشبه ذلك، يشتغل معه بقدر ما يستطيع، وهو ما يكلفه مشقاً كثيراً، بل بقدر ما يستطيع الذي ليس فيه مشقة.

    وذكر أيضاً أنه يريحه وقت القيلولة قبل الظهر مثلاً بساعة، عندما تشتد حرارة الشمس، هذا وقت القيلولة، وذلك إذا كان يشتغل في حرث أو في بناء، أو يشتغل مثلاً في مصنع، أو نحو ذلك، وكذلك وقت النوم في كل ليلة ثمان ساعات أو سبع ساعات مثلاً، هذا وقت النوم في الليل.

    (ولصلاة فرض) يلزمه أن يرخص له أن يذهب إلى المسجد لأداء الفريضة ولأداء سننها.

    وأما الجمعة فلا تجب عليه إذا كان المسجد بعيداً؛ لأنهم قديماً كانت المساجد التي تصلى فيها الجمع قليلة، وكانوا يأتون إليها من مسيرة ساعتين أو أكثر، فيفوت على السيد شيء كثير، لأنه يوم الجمعة قد يغيب نحو خمس ساعات لأداء صلاة الجمعة، أو عشر ساعات أحياناً، ففي هذه الحال تسقط عنه الجمعة، أما إذا كانت المساجد قريبة فليس له منعه.

    كذلك أيضاً صلاة العيد، إذا كانت قريبة فليس له منعه، وإذا كانت بعيدة وذهابه إليها يغيبه عن عمله مثلاً خمس ساعات أو أربع ساعات، فهو معذور في أنه تسقط عنه الجمعة والعيد.

    هذا ما يتعلق بنفقة الرقيق.

    1.   

    نفقة البهائم

    بعد ذلك بنفقة البهائم.

    البهائم يراد بها الأنعام التي ملكها الله تعالى للإنسان، ولا شك أنها لا تشتكي ولا تتكلم، وإن كانت قد تثغو أو ترغو من باب الاشتكاء إذا أحست بألم أو ما أشبه ذلك، ولكن هي بهيمة، ملكها الله تعالى الإنسان، فعليه أن يحسن إليها إذا كان قادراً على النفقة عليها، وإلا باعها أو ذبحها إذا كانت مأكولة.

    فنفقتها هي علفها، أي: إحضار ما تأكله حتى تشبع، فإن كانت ترعى أرسلها ترعى النبات من المرعى، ويرسل معها من يحفظها كالراعي، أو يرسلها وإذا جاء الليل أو شبعت رجعت إلى أهلها، أي: فقد يتركها بدون راع وهي ترجع بنفسها، ويحصل ذلك في الإبل كثيراً، وكذلك أيضاً البقر، فإنها ترتع ثم تجيء إلى أماكن أهلها، فحينئذ يكتفي بإرسالها لترعى بنفسها، فأما إذا لم يرسلها فإن عليه أن يؤمن لها علفها، وذلك في كل ما يملكه من الإبل والبقر والغنم والخيل والحُمُر.

    وكذلك أيضاً الطيور كالدجاج والحمام، إذا كان في ملكه، فكل شيء من الطيور أو من البهائم فإنه إذا أمسكه وجب عليه أن ينفق عليه، فيعلفها ويسقيها حتى لا تموت جوعاً وهي في ملكه.

    فإذا لم يجد فإن عليه أن يذبحها ويعطيها من يأكلها أو يأكلها هو، أي أنه إذا عجز عن النفقة فإنه يجبر على البيع، يقال: أنت عجزت عن النفقة على عبدك، أو على فرسك! ويلزمك أن تبيعه، فلا تتركها تلاقي الموت فإنها تحس بالألم كما أنك تحس بالألم، فكر في نفسك إذا جعت ألست تبيع ما تملك؟ فكذلك هذه الشاة أو هذه البقرة تحس بالجوع، فلا تتركها تلاقي الجوع وتكابده، بل بعها لمن هو قادر على الإنفاق عليها، أو أجرها، أجر الجمل لمن يركبه ويعطف عليه، أو أجر الثور لمن ينضح عليه كما كانوا ينضحون عليه قديماً، أعني: يسقون عليه النخل، أو كذلك أجر الشاة لمن يحلبها.

    أو اذبحها حتى تريحها إذا كانت مأكولة، وكل لحمها أو تصدق به.

    وتكلموا أيضاً بالنسبة إلى المملوك ذكراً وأنثى إذا طلب النكاح، لأنه آدمي يحس بالشهوة، ويتضرر ببقاء هذه الشهوة، كما أن الحر يشتاق إلى النكاح، ويتضرر بهذه الشهوة وحبسها إذا غلبت عليه قوة الشبق والغلمة فنقول: إذا طلب العبد الزواج فعليك أن تزوجه، فإما أن تشتري له أمَة تزوجه، وإما أن تزوجه أمة لغيرك، ولو كان أولادها يكونون لصاحبها، وإما أن تزوجه حرة، فيكون أولادها أحراراً، ولا تتركه يتألم من هذه الشهوة.

    وإما أن تعتقه، وإما أن تبيعه، فإن بقاءه وهو عزب يتألم من الشهوة ضرر عليه.

    كذلك الأمة إذا طلبت النكاح عليه أن يعفها، إما أن يطأها، وإما أن يزوجها بعبد، أو يزوجها بحر، أو يزوجها بمملوك له أو بمملوك لغيره، أو يعتقها أو يبيعها، فكذلك هذه البهائم يجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت مأكولة.

    تكلموا أيضاً على الحمل عليها، فقد كانت الإبل والحمر هي وسائل الحمل، ينقلون عليها الأحمال قبل وجود السيارات، فيقولون: إذا حملها حملاً فلا يجوز أن يحملها فوق طاقتها، فإن ذلك مما يضرها، إذا كانت حمولتها مائة كيلو جرام فلا يحمل عليها مائتي كيلو جرام؛ لأنه لا شك أن ذلك يضرها.

    وكذلك أيضاً ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الدابة في وجهها؛ فإن ذلك يؤذيها، فلا يجوز ضربها في الوجه، وكذلك أيضاً: (مر على حمار وقد كُوي بين عينيه فقال: لعن الله من فعل هذا)، وأما وسمها في خدها أو في عنقها، أو وسم الغنم في أذنها، أو وسم الإبل في وركها أو فخذها فلا بأس بذلك للعلامة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسم إبل الصدقة كعلامة لها، ويجوز في غيره لغرض صحيح يعني: في غير الوجه.

    كذلك كانوا مرة في سفر، وامرأة راكبة على ناقة، فكأن الناقة استعصت عليها فلعنتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروها أن تضع عنها رحلها وتتركها؛ فإنها ناقة ملعونة) فتركتها، فكانت ناقة تمشي من أحسن الإبل، لم يتعرضوا لها، فإن صاحبتها لما لعنتها عوقبت بحرمانها منها.

    إذا كانت بهيمة الأنعام لها أولاد فلا يجوز أن يحلبوا منها ما يضر بأولادها، فإن أولادها أقدم، ولد البقرة يستحق أن يرتضع حتى يشبع، وما زاد فلهم أن يحلبوه، وكذلك ولد النعجة أو ولد العنز أحق بلبن أمه، وإنما يحلبون ما يزيد، وهكذا ولد الناقة، فلا يجوز أن يأخذوا من لبنها ما يضر بأولادها.

    1.   

    أحكام الحضانة

    انتهينا مما يتعلق بالنفقة، وننتقل إلى الحضانة التي هي كفالة الأطفال، بمعنى تربيتهم وتنشئتهم وتنظفيهم وإصلاح أحوالهم.

    درجات الأمهات في الأحقية بالحضانة

    ومعلوم أن الطفل إذا ولد لو ترك لهلك، فلا بد ممن يحضنه في حالة صغره لأنه يحتاج إلى من يحمله، وإلى من يؤكله، وإلى من يغسله، وإلى من ينومه، وإلى من ينظفه، من الذي ينظف ثيابه إذا اتسخت، وينظف جلده، وينظف بدنه إذا اتسخ بالأوساخ والأقذار والإفرازات النجسة ونحوها؟

    وكذلك من يصلح فراشه، ويصلح مهاده، ويصلح حالته؟

    لا بد من كفيل يكفله، فإذا كانت الأم موجودة فإنها هي التي تحضنه، وتصبر على المشقة التي تلاقيها في هذه الحضانة، فلذلك كانت الأم أولى بحضانة طفلها أو بحضانة أطفالها، وإذا طلبت الأجرة فالأجرة على الأب؛ لأنهم أولاده، كما أنه لو استأجر لهم مرضعاً دفع الأجرة، ولو استأجر لهم حاضنة دفع الأجرة، فكذلك إذا كانت الأم مثلاً مطلقة وحضنت أولادها، فنفقتهم على أبيهم، وكذلك أيضاً عليه أجرة حضانتها.

    والصغير والمعتوه لا بد لهم ممن يتولى أمرهم؛ لأن المجنون لا يعرف مصلحة نفسه، فقد يقع في مهالك، وقد يتردى من شاهق أو نحو ذلك فيموت، وكذلك المعتوه الذي هو ناقص العقل، فلا بد من الحضانة لمثل هؤلاء.

    ذكر أن الأمهات أحق بالحضانة؛ لأنهن أصبر على التعب والمشقة، فالأم التي ولدت الطفل هي أولى أن تتولى حضانته، حتى ولو كانت مطلقة، إذا كانت طلقت ومعها طفل عمره سنة أو أقل أو أكثر فلا بد من حضانتها له، فيكون معها.

    قد تسخط على زوجها لأنه طلقها، ثم ترمي إليه بالطفل ذكراً أو أنثى، وتقول: هذا ولدك، أنت الذي تتولاه، أنت الذي تغسل نجاسته، وأنت الذي ترضعه، وأنت الذي تنظفه، من باب السخط، ومعلوم أنها تحبه لأنه ولدها، ولكن من باب إظهار الشنآن والعداوة بينها وبين أبيه، ففي هذه الحال تسقط حضانتها، ويتولى الحضانة من يليها.

    إذا كانت الأم تبرأت من الحضانة فتليها الجدة، واختلفوا أي الجدتين أولى: أم الأم أو أم الأب، وكأن الفقهاء يقدمون أم الأم، ويختار بعض العلماء أم الأب؛ لأنها أقرب نسباً؛ ولأن الجميع يدلين بالأمومة، فكل واحدة تقول: أنا أم، والأولى أيضاً إذا حصل تشاح أن ينظر أيهن أقدر، وأيهن أقوى، وأيهن أشد، فتقدم، سواء كانت أم الأم أو أم الأب، تقدم التي هي أكثر فراغاً وأحسن تربية، أو ما أشبه ذلك.

    وتقدم القربى قبل البعدى، إذا كانت جدته أم الأم، وجدته أم أم الأم، فالقريبة أولى، وكذلك أم الأب وأم أم الأب أو أم الجد.

    فإذا امتنعت الأم أو عدمت الجدات فالأب بعد ذلك أولى، والأب كيف يربيه؟ إذا كانت عنده زوجة فإنه يضعه عند زوجته لتربيه، أو يستأجر خادمة، وإذا كان عنده خادمة مملوكة فهي تقوم بتربية هذا الطفل، وإلا استأجر خادمة تقوم على كفالته وحضانته.

    ذكروا بعد الأب أمهاته، والصحيح: أن أم الأم وأم الأب في درجة واحدة، يقدمان على الأب.

    وذكر بعد ذلك الجد، ثم أمهاته، يعني: أنه إذا كان الجد موجوداً فالذي يتولى الحضانة هو الجد، يستأجر له، أو تحضن له مملوكته، ثم بعد الجد أمهاته، وأم الجد قد تكون بعيدة، وقد تكون كبيرة.

    بعد الجد والأب تتنقل الحضانة للإخوة، وتقدم الأنثى، فالأخت الشقيقة أولى من الأخت لأم ومن الأخت لأب، وكان الفقهاء يقدمون كل من يدلي بالأم، فلذلك قالوا: إذا كان له أختان: أخت من الأم وأخت من الأب، وكلاهما تطلبه، فإنهم يقدمون الأخت من الأم، مع أنها من ذوي الأرحام، وليست من النسب، ولعل الأقرب تقديم الأخت من الأب؛ لأنها أشفق، ويمكن أن يقال: تقدم أشبهن أو أفرغهن، يعني: التي عندها فراغ تكون هي الأولى.

    إذا لم يكن له أخوات انتقلت إلى إخوته، وقيل: تنتقل إلى إخوة أو أخوات الأب والأم، والخالة أخت الأم يختار كثير من العلماء تقديمها، ويستدلون بقصة ابنة حمزة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة في عمرة القضاء تبعتهم بنت حمزة بن عبد المطلب تقول: يا عم.. يا عم! لأنها قد تمت سبع سنين أو قاربتها، فأخذ بيدها علي وأركبها مع فاطمة ، وقال: دونك بنت عمك. فلما قدموا المدينة تنازعوا فيها أيهم يحضنها؟! فطلبها زيد بن حارثة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهما أخوين، يعني: آخى بين حمزة وبين زيد ، وقال: بنت أخي. وطلبها علي وقال: بنت عمي. وطلبها جعفر وقال: بنت عمي، وخالتها تحتي -خالتها التي هي أسماء بنت عميس - فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: (الخالة بمنزلة الأم) هذا تقديم للخالة، مع أنه يوجد لها عمة التي هي صفية أم الزبير ، وهي عمتها أخت حمزة ، ومع ذلك قدم الخالة، فهذا هو السبب في قولهم: ثم خالة ثم عمة، ولعله ينظر أيهما أقوى، وأيهما أنصح، وأيهما أعرف بالتربية.

    بعد ذلك -بعد ألا يوجد عمة ولا خالة- ينتقل إلى بنت الأخ، بنت أخيه الشقيق تكون أولى بالحضانة من بنت أخيها، ثم تنتقل إلى بنت الأخت، يعني: إذا لم يكن هناك بنت أخ حضنتها بنت أختها، ولو كانت من ذوي الأرحام.

    ثم بعد ذلك تنتقل إلى بنت العم وبنت العمة، وبنت العمة أيضاً من ذوي الأرحام، ولكن لها قرابة، ثم بعد ذلك بنت عم الأب وبنت عمته مع بعدها، على ما فصل.

    إذا لم يوجد هؤلاء كلهم فهي لباقي العصبة الأقرب فالأقرب، الإخوة مثلاً، ثم بنو الإخوة، والأعمام، وبنو الأعمام.. الأقرب فالأقرب.

    هذه أحقية الحضانة.

    شروط الحضانة

    ماذا يشترط؟

    يشترط في الحاضن للأنثى: أن يكون محرماً لها، مثاله: إذا كان قد تزوج أمها، وماتت أمها، فإنه يكون أولى؛ لأنه محرم لها؛ لأنها ربيبته، فيكون له محرمية.

    كذلك يشترط أن يكون الذي يتولى الحضانة.

    كذلك يشترط: أن يكون حسن التربية، بعيداً عن الإفساد وأماكن الفساد، فإذا كان مثلاً مهملاً فلا حق له في التربية، وإذا كانت الأم أو الحاضنة من غيرها عاصية فلا حق لها في التربية، وكذلك إذا كان بيتها مليئاً بالملاهي، أو مليئاً بآلات الأغاني والصور الخليعة، والأفلام الفاتنة وما أشبهها، بحيث إن الطفل ذكراً أو أنثى إذا نشأ وتربى في هذا البيت فسد خلقه ودينه عاجلاً أو آجلاً، فليس له حق في هذه الحضانة؛ لأنها قد تكون سبباً لانحرافه وفساد أخلاقه، فلا يمكن من الحضانة إلا إذا عرف أنه صالح ومصلح.

    وكذلك إذا كانت الأم متزوجة بأجنبي سقطت حضانتها.

    روي أن رجلاً طلق امرأة ولها ابن، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنت أحق به ما لم تنكحي) يعني: ما لم تتزوجي، فما دمتِ لم تتزوجي فأنت أحق بولدك، وهذا إذا لم تتزوج بقريب، أما إذا تزوجت بقريب له كعمه -عم الطفل أخو أبيه- أو كذلك ابن عمه، أو ابن خاله أو نحوهم، فإن هذا القريب قد يوافق ويقول: أريد أن آخذ أجره حتى يبقى تحت كفالة أمه، وأنا الذي أنفق عليه؛ لكونه يتيماً فأحظى بكفالة اليتيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) فإذا كان زوج الأم موافقاً على كفالته وحضانته فإنه يبقى.

    كثير من النساء في هذه الأزمنة إذا طلقت وعندها ولد أو عندها أولاد صغار تترك الزواج، وتقول: أخشى أن يؤخذ أولادي، فأبوهم قد يهددها، ويقول: إذا تزوجتِ أخذتهم، فإنه يسقط حقك؛ فتترك الزواج، مع أنها قد تكون بحاجة إلى من يتزوجها وينفق عليها ويحضنها، فتترك الزواج وتبقى مدة تقول: أجلس على أولادي حتى أربيهم.

    نحن نقول: إن الأب لا يجوز له أن يضارها، قال الله تعالى: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] فلا يجوز أن يهددها، ويقول: إذا تزوجتِ أخذت ولدي أو أولادي. معلوم شفقتها ورقة قلبها ومحبتها لأولادها، سيما إذا كانوا أطفالاً، فهي تتمنى أن يبقوا معها ولو أن تستدين، ولو أن تتكفف، ولو أن تطلب من الناس أن يتصدقوا ويعطوها ما تنفقه على أولادها، تصبر وتتحمل المئونة والمشقة حتى يبقى معها أولادها. نقول: حرام على الوالد أن يفرق بينهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته) .

    فيتركها تتزوج، ويأذن لها ويقول: لا حرج عليكِ، تزوجي، وأنا أترك أولادك. فإذا تقدم إليها من يطلب زواجها شرطت عليه: أن أولادها يبقون معها، إما أن ينفق عليهم الزوج الجديد محتسباً، وإما أن ينفق عليهم أبوهم، بأن يرسل إليهم نفقتهم وهي عند ذلك الزوج الجديد، إلى أن تنتهي مدة الحضانة.

    فنقول: تتزوج ويأتيها رزقها، وإذا تقدم إليها من يطلب زواجها تتزوج، وأولادها لا يضيعون إن شاء الله، وأبوهم حرام عليه أن يهددها عند زواجها بأخذ أولادها، بل يتركهم تحتها حتى تتم مدة الحضانة.

    يقول: ثم بعد ذلك تنتقل إلى ذوي الأرحام، إذا لم يكن هناك عصبة، أو تبرءوا وامتنعوا من الحضانة فيحضن الخال، وكذلك ابن الخال ونحوهم، ثم بعد ذلك الحاكم، ومعلوم أنه ليس هو الحاكم الذي يتولى الحضانة، ولكن يستأجر لهذا الطفل، ويدفع الأجرة من بيت المال، وهناك في هذه الدولة وفي كثير من الدول أماكن حضانة لمن ليس له والد أو نحوه، يتولاها أناس يشفقون على هؤلاء الأطفال الذين ليس لهم أولياء.

    لا تثبت الحضانة للرقيق

    يقول بعد ذلك: (ولا تثبت لمن فيه رق).

    يعني: أن الرقيق الذي هو المملوك لا حضانة له؛ وذلك لأنه مملوكة عليه منافعه، فسيده يستخدمه، فكيف مع ذلك يكون حاضناً ذكراً أم أنثى؟ لكن لو استئجر بإذن سيده، يعني: استؤجرت هذه الأمة على أنها تحضن هذا الطفل وأذن سيدها، والأجرة لسيدها فهو على مصلحة، فإذا كانت هذه الأمة مأمونة وموثوقة وعارفة بالحضانة واستؤجرت، أو سمح سيدها أ، تقوم بحضانة هذا الطفل، أو احتسب وقال: احضنيه وأنا أنفق عليه، حتى أحظى بأجر كفالة اليتيم جاز ذلك.

    لا حضانة لكافر على مسلم

    قال: (ولا حضانة لكافر على مسلم).

    لماذا؟

    لأنه إذا حضنه لقنه الكفر، ولو كان عمه أو ابن عمه، إذا قال: هذا ابن أخي، نقول: إن أباه مسلم، وأنت كافر، فلا حضانة لك، لأن الله تعالى يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141]، ويقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] فلا ولاية ولا حضانة لكافر.

    وهكذا الفاسق؛ لأنه يربيه به على الفسق، إذا كان هذا الولي أخاه أو عمه أو ابن عمه، ولكن كان لا يصلي أو يزني، أو مليئاً بأجهزة الأغاني وما أشبهها، أو الصور الخليعة ونحو ذلك، أو كثير السهر على المعازف وآلات اللهو وما أشبه ذلك، فإن الطفل إذا تربى في هذا المنزل استحسن ذلك ونشأ عليه، فيكون ذلك سبباً في فساد أخلاقه، فلا جرم لا حق لهذا الفاسق في هذه الحضانة.

    لا حضانة لمزوجة بأجنبي

    صرح بما ذكرنا من زواج المرأة فقال: (ولا لمزوجة بأجنبي من محضون من حين عقد).

    قوله: (أجنبي من محضون) أي: أما إذا تزوجت بعمه أو ابن عمه أو بأحد إخوة أبيه، أو أقاربه، والتزم ذلك المتزوج أن تبقى حاضنة ولدها، فإنها تبقى، وتكون لها الحضانة، وأما إذا اختارت أن تتزوج بأجنبي بعيد، ليس له قرابة من هذا المحضون سقطت حضانتها، إلا إذا وافق على بقاء طفلها معها، وقال: أنا أحتسب الأجر، فتبقى حضانتها.

    وليس للأب -والحال هذه- أن ينتزع الولد ويقول: سقطت حضانتك، أنت تزوجت بأجنبي، إذا لم يكن فيه محظور، فإذا كان ذلك الزوج عبداً صالحاً محباً للخير، مواظباً على الصلاة، وليس في بيته آلات لهو، فليس لأبي الطفل أن ينزعه وهو ابن سنتين أو ثلاث سنين ويحرم أمه منه، لا شك أن ذلك ضرر على الطفل وضرر على أمه.

    من تئول إليه حضانة الطفل إذا انتقل الأبوان أو أحدهما إلى بلد آخر

    يقول بعد ذلك: (وإن أراد أحد أبويه نقله إلى بلد آمن) (أو نُقْلَةً).

    يعني: أراد أحد أبويه الانتقال إلى بلد آمن، وطريقه مسافة قصر فأكثر ليسكنه، فالأب أحق، مثال ذلك: إذا أراد الأبوان أن ينتقلا من هذا البلد، الأم مثلاً تنتقل إلى الجنوب -إلى الأفلاج مثلاً- والأب ينتقل إلى المجمعة أو إلى الزلفي شمالاً، والطريق من هنا ومن هنا ليس فيه مخافة، يكون الأب أحق بأن يصحبه، لماذا؟

    لئلا يضيع نسبه، لأن نسبه يعرف بأبيه، فيكون أبوه أحق به؛ لأنه ينسب إليه يقال: ابن فلان، ولا يقال: ابن فلانة، فالأب أحق به، وإذا كان أحدهما سوف يبقى والطريق مخوفاً، فالذي يبقى هو أحق، فإذا كان الطريق مخوفاً فيه قطاع، إذا سلكه يمكن أن يأتي عليهم قطاع الطريق ويقتلوهم أو يقاتلوهم، والأم سوف تبقى والأب يريد أن يرحل، فليس له أن يستصحب الولد مخافة أن يقضى عليه وأن يقتل، الأم سوف تبقى فهي أحق.

    وإذا كانت النقلة إلى مكان أقل من مسافة قصر فالأم أحق به، فإذا كان الأب يريد أن ينتقل إلى الخرج مثلاً، والأم تريد أن تنتقل إلى صلبوخ مثلاً أو إلى ضرماء، فهذه مسافة قريبة، فأيهما يكون الولد معه؟

    الأم أحق إذا كانت النقلة للسكنى، الأب يريد أن يسكن مثلاً في الخرج، والأم تريد أن تسكن في ضرماء وكلاهما للسكنى فالأم أحق، أما إذا كان السفر لحاجة ثم يرجع والحاجة بعيدة فالأولى به المقيم، فلو ذهبت الأم للحج والأب مقيم فإن الأب أحق، وكذلك العكس لو حج أبوه وقال: أريده معي، وعمره سنتان أو ثلاث والأم مقيمة فإنها أولى به.

    متى يخير الولد بين أبويه

    بعد ذلك يقول: (وإذا بلغ صبي سبع سنين عاقلاً خير بين أبويه).

    بشرط أن يكون عاقلاً، يعني: قد تم عقله وتمت إدراكاته وفهمه، ففي هذه الحال يخيّر بين أبويه: اختر أباك أو اختر أمك، والصحيح أنه إذا اختار أحدهما فإن نفقته على من اختار، إن اختار أمه فهي التي تنفق عليه، وإن اختار أباه فهو الذي ينفق عليه، فإذا تردد ولم يختر واحداً منهما، فالأم أولى، والأب قد يكون أولى به إذا كان في البلد.

    قال بعض العلماء: يكون في النهار عند أبيه، وفي الليل عند أمه، الأب يربيه ويعلمه ويدرسه ويقرئه، وكذلك يؤدبه ويعلمه الآداب والأخلاق، كيف يدخل على الرجال وكيف يسلم، وكيف يرد السلام، وكيف يخدم أهله، وكيف يحترم من هو أكبر منه وأشباه ذلك، هذه التربية عادة تكون من الأب، وكذلك أيضاً يحتاج إلى تعليمه العلم بالدراسة ونحوها، والغالب أن الأب هو الذي يتولى ذلك.

    ويصح أن يتنقل، إذا كان عند أمه مثلاً شهراً، ثم ضجر فذهب إلى أبيه وأقام عنده شهراً، هذا إذا كان في بلد، ثم له أيضاً أن يعود إلى أمه أو ما أشبه ذلك.

    لا يقر المحضون بيد من لا يحفظه ويصلحه

    قال: (ولا يقر محضون بيد من لا يصونه ويصلحه)؛ لأنه ذريعة إلى إفساده، فإذا كانت الأم تربيه وتعلمه وتلقنه التلقين الحسن، وتدخله المكتب لتعليمه أو مدارس التحفيظ أو نحو ذلك، وأما الأب فإنه منشغل بتجارته أو بحرفته أو بوظيفته وليس متفرغاً للتربية، فالأم أولى؛ لأن صلاحه عندها.

    وكذلك العكس: إذا كانت الأم لا تعرف شيئاً من التربية، ولا تعرف شيئاً من التنشئة، وليس لها خبرة بالتعليم ولا بالعلم، أو ليس عندها من يرشدها يقول: علميه أو أدخليه المكتب، أو أدخليه دار التحفيظ أو ما أشبه ذلك، والأب يعرف ذلك، فالأب أولى.

    وكذلك أيضاً ينظر في مكانها الذي تسكنه، فإذا كان أحد البيتين سالماً من الملاهي فإنه أولى، وإن كان كلاهما فيه ملاهٍ نظر أخفهما، فيكون الطفل فيه، وإذا كان كلا الأبوين منشغل كما في هذه الأزمنة، الأم مثلاً موظفة والأب موظف، نظر أيهما أفرغ أو أقدر على التربية فيكون عنده.

    هذا إذا لم يختر وكانوا سواء، أما إذا اختار وفضل أباه أو فضل أمه فإنه يكون عند من اختاره، هذا بالنسبة للذكر.

    أما بالنسبة للأنثى فالبنت إذا بلغت سبع سنين تكون عند أبيها، فإن فقد الأب فمن يقوم مقامه كأخيها أو جدها أبي الأب أو نحو ذلك، تبقى عنده إلى تزويجها وتسليمها لزوجها، لماذا؟

    لأنها بعد تمام السبع دخلت مرحلة الكبر، يعني: قاربت أن تكون امرأة وأن تمتد إليها الأنظار، فلأجل ذلك تكون عند الأب؛ لأنه أتم وأكمل غيرة عليها، يعني: هذا في العادة والأغلب، فأما إذا وجد أن الأب ليس كذلك انتقلت إلى من تكون عنده ممن يصلحها ويصونها.

    1.   

    الأسئلة

    الفرق بين الخادمة والأمة

    السؤال: ما الفرق بين الخادمة التي يستأجرها الكثير من الناس في زماننا هذا وبين الأمة؟ إذ إن بعض الناس يظنون أنهما سواء؟

    الجواب: الخادمة أجيرة يستأجرها، وليست مملوكة له، وإذا انتهت مدة الإجارة ذهبت إلى أهلها، فهي حرة تملك نفسها، وأولياؤها أهلها، وأما الأمة فإنها مملوكة يمكلها السيد بحيث إنها لا تملك نفسها، ولا تتصرف لنفسها، وليس لها ملك، لو أجرها تخدم عند أناس فالأجرة له، وهكذا، فليسا سواء.

    حكم تولية النصارى على تربية أبناء المسلمين

    السؤال: نحن في بلادنا نعيش بين النصارى، وفي يوم من الأيام مات رجل وزوجته وتركا ابناً، فوكل أحد المحسنين نصرانية، واحتضنت الطفل، وكبر وأصبح رجلاً متمسكاً بالدين ومستقيماً، وحتى الآن ما زال يناديها بأمه، فما حكم هذا وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأصل أنه لا يجوز أن يولى النصارى على تربية المسلمين، وعلى تربية أطفال المسلمين؛ لأنهم يحاولون أن يربوهم على دينهم الذي هو النصرانية، وأن يبعدوهم عن الإسلام وعن مجتمعه، فعلى هذا نقول: إذا مات في بلد فيه نصارى فإن المسلمين يتولونه ولو لم يكونوا موكلين، يتولونه حتى لا يتولاه الكفار الذين يبعدونه عن الدين.

    ويذكر أن في بعض البلاد التي فيها مسلمون ونصارى أن النصارى يأتون إلى أولاد المسلمين الفقراء ويقولون: نحن نكفيكم مئونتهم، فيأخذون مثلاً مائة أو ألفاً من الأطفال الذين في الرابعة والخامسة على أنهم يعلمونهم وينفقون عليهم، ثم يرسلونهم إلى أمريكا أو إلى بريطانيا أو إلى البلاد الكفرية، ثم بعد ذلك يربونهم على دين الكفر، يخرج أولئك الأطفال بعيداً عن آبائهم، نسوا آباءهم، ونسوا دينهم، ونسوا عقيدتهم، وهذا ما يقصده هؤلاء النصارى.

    حكم من رضع خمس رضعات من أربع زوجات لرجل واحد

    السؤال: رجل له أربع نساء، ورضع منهم طفل خمس رضعات، من كل واحدة رضعة وإحداهن رضعتان، فهل هو محرم لهن أم لا، وكذلك من رضع من إحداهن فقط خمس رضعات هل يكون ابناً ومحرماً لباقي النساء وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: يكون ابناً لزوجهن، لأنه رضع من زوجاته خمس رضعات، فيقول: أنت أبي من الرضاعة، وأولادك من الأربع إخواني؛ لأنهم أولاد أبي من الرضاع، وأما أولادهن من غير هذا الرجل فليسوا محارم، وإذا كانت هذه لها ولدان من غير الزوج فليسوا إخوة لهذا الرضيع، وهذه لها ولد من غير الزوج فليس أخاً لهذا الرضيع، وهذه لها ثلاثة، وهذه لها اثنان ونحو ذلك، فأولادهن من غير الزوج ليسوا إخوة لهذا الرضيع؛ لأنه لا يقول: أنت محرم لي لأنك زوجة أبي، وأولادك منه إخوة لي لأنهم أولاد أبي، وأولادك من غيره ليسوا إخوة لي.

    ضابط الفسق الذي تسقط به الحضانة

    السؤال: ما هو ضابط الفسق الذي تسقط به الحضانة؟ فإنه قبل سنين كان الشخص تسقط عدالته ببعض المعاصي لغلبة الصلاح، فنرجو البيان وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الفاسق: هو العاصي الذي يفعل المعاصي، إما أن يفعل الكبائر، وإما أن يصر على الصغائر، وفي هذه الأزمنة ينظر في البيوت، فنقول مثلاً: الذي ملأ بيته بآلات اللهو هذا فاسق يفسد من تربى في بيته، الذي لا يصلي هذا فاسق، من كان تحت ولايته فإنه يكون مثله أو ما أشبه ذلك، الذي يسمع الأغاني أو يشرب الخمور أو يتعاطى المخدرات هذا يعتبر فاسقاً، فلا ولاية له ولا حضانة؛ لأن من تربى في حجره فسد عادة، وهكذا كل المعاصي، الضابط أنه الذي لا تقبل شهادته لأجل ما يخرم دينه.

    امرأة الأب من الرضاع تحرم على الابن وفروعه

    السؤال: امرأة الأب من الرضاع هل تحرم على الابن من الرضاع وفروعه؟

    الجواب: نعم، إذا كان مثلاً لهذا الزوج زوجتان أرضعته إحداهما خمس رضعات، أصبحت هذه أمه، ولها أولاد من هذا الزوج وأولاد من غيره، فأولادها جميعاً إخوتك من الرضاعة، ولزوجها أولاده من المرأة الأخرى، فأولاده من المرأة الأخرى أيضاً إخوتك من الرضاعة، والمرأة الأخرى لها أولاد من غيره فهذه المرأة الثانية محرم لك؛ لأنها زوجة أبيك من الرضاعة، ولكن بناتها من غيره أجنبيات.

    حكم استخدام الخدم الكافرين في تربية أبناء المسلمين

    السؤال: هل يجوز استخدام الخدم الغير مسلمين لتربية المسلمين، مثل الخدم في المنازل إذا كانوا كفاراً؟

    الجواب: الأصل أنه لا يجوز إذا خشي أنهم يربونهم تربية سيئة، معلوم أنه قد يكون هناك ضرورة كما في هذه الأزمنة، استخدام الخادمات من كثير من البلاد التي فيها كفار كالفلبين وسرلانكا وتايلاند ونحوها، فتأتي كافرات؛ لأن ولاة أمورهن وسلطتهم هناك للكفار، فهم يؤثرون الكافرة ويقدمونها، ويسهلون أمرها، فإذا قدمت عليك فإياك أن تكل إليها تربية الأولاد وتلقينهم وتعليمهم! بل إنما تكل إليها تنظيفهم وغسل ثيابهم وما أشبه ذلك.

    حكم من ولي مال يتيم وأخذ منه ديناً

    السؤال: أنا ولي على أخي اليتيم، ودخل في ذمتي كثير من ماله، لأنني آخذ منه إذا احتجت وأسجله في ورقة بنية إرجاعه، فهل يجوز ذلك؟

    الجواب: يجوز ذلك إذا كان هذا المال مرصداً في الصندوق، فلا بأس أن تقترض منه، ومع ذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (من كان عنده مال يتيم فليتجر به؛ لئلا تأكله الزكاة) عليك أن تحاول أن تعطيه من يتجر به أو تتجر به أنت حتى يكون فيه ربح تنفق من هذا الربح وتخرج الزكاة منه.

    حكم تولية الحضانة لفاسق لا يوجد غيره

    السؤال: إذا كانت الحضانة لفاسق وكان غنياً وليس له بعد الله إلا هذا الفاسق، فهل له ذلك؟

    الجواب: نعم تلزمه النفقة عليه، وأما الحضانة التي هي التربية فإن وجدت امرأة من قرابته صالحة فهي أولى، وإذا لم يوجد إلا هذا الفاسق فلا بأس أنه يتربى عنده تحت حضانة زوجته أو ابنته، مع الحرص على تخفيف المنكر والمعصية بحسب القدرة.

    حكم وسم الدابة في خدها

    السؤال: أشكل علي ذكركم أنه لا يجوز وسم الدابة بوجهها، ثم ذكرتم وسمها في خدها، فهل هذا جائز؟

    الجواب: جائز، ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حماراً قد كوي بين عينيه، فقال: (لعن الله من فعل هذا)، وأما خد البعير يعني: قرب الأذن أو تحت الأذن أو خلف الأذن فيجوز وسمه لأجل العلامة، كما يجوز وسمه في الرقبة، وكذلك وسم الغنم في أذنها، هذا قد فعل في العهد النبوي.

    حكم وضع المجنون في دار الرعاية

    السؤال: هل وضع المجنون في دار الرعاية يعد تهرباً من المسئولية، وهل فيه إثم؟

    الجواب: إذا لم يكن له ولي أو أولياؤه عاجزون، وأدخل في دار الرعاية، فإنه لا إثم في ذلك، ودار الرعاية فيها أناس مأمونون حريصون على التربية الحسنة، وعلى مراعاة أولئك المجانين ونحوهم.

    حكم إجابة دعوة الكافر إلى بيته

    السؤال: نحن نعيش في خارج بلاد الإسلام، وفي بعض الأوقات يدعو أبناء الجيران الكفار أبناءنا إلى منازلهم، فهل يحل أن يجيبوا دعوتهم أم لا، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأصل أنه لا يجوز، لكن إذا أمنت المفسدة فلا بأس، إذا كان أولئك الأبناء الذين يدعونهم جيرانهم قد عقلوا الإسلام وعرفوه، وأمنوا أن يكون هناك منكر أو أكل حرام، أو شرب خمر، أو ما أشبه ذلك، وكان هناك مصلحة كمبادلة منفعة أو نحو ذلك فهو جائز.

    حكم الزواج بزوجة العم

    السؤال: ما حكم من تزوج بزوجة عمه بعد وفاته، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: يجوز الزواج بزوجة أخيك، وزوجة أخيك أقرب من زوجة عمك، وتحل لك زوجة أخيك، عمك هو أخو أبيك، وخالك أخو أمك، فهم أبعد من أخيك الذي هو من أبويك.

    أكثر مدة الحيض

    السؤال: ذكر ابن حزم الإجماع على أن أكثر الحيض سبعة عشر يوماً، فهل هذا صحيح؟

    الجواب: المشهور أن أكثره خمسة عشر يوماً، وأما ابن حزم فيمكن أنه رأى في بلاده من تحيض سبعة عشر، ولكن ذلك نادر.

    وجوب الزكاة على الذهب والفضة وما يماثلهما

    السؤال: هل الذهب الأبيض عليه زكاة؟

    الجواب: كل الحلي عليه زكاة، الذهب الأبيض، والذهب الأحمر، والفضة، وكذلك أيضاً إذا كانت هذه الجواهر من غير الذهب، يعني: كالعقيق واللؤلؤ، وما أشبه ذلك فإنها تزكى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756346594